المصدر: Getty
مقال

فتح تتمزق قبل انعقاد مؤتمرها السابع

إذا استبعد مؤتمر فتح القادم أنصار محمد دحلان من المناصب القيادية، يمكن أن تتمزق وحدة الحركة الداخلية.

نشرت في ٢٠ أكتوبر ٢٠١٦

أحرق المئات من أنصار محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح منذ العام 2011، صور الرئيس الفلسطيني أبو مازن في السادس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري مطالبينه بإنجاز المصالحة الفتحاوية الداخلية وإعادة دحلان إلى صفوف الحركة. صراع دحلان أبو مازن ليس جديدا، ولكن هناك خشية حاليا بين أوساط مؤيدي دحلان من إعادة ترتيب المواقع القيادية داخل الحركة والعمل على تثبيت إقصاء دحلان ومؤيديه بشكل كامل وذلك خلال مؤتمر الحركة السابع المزمع عقده قبل نهاية هذا العام. ولكن بعكس ما يأمل أبو مازن والكثير من قيادات حركة فتح، فإن تجاوز دحلان وأنصاره ربما لن يمر دون إحداث جروح عميقة داخل بنية فتح والتي من المحتمل أن تؤدي إلى تفسخ الحركة وتفككها. 

بعد تثبيت إقصاء دحلان وحلفاءه، يتوقع أن يفرز المؤتمر العام السابع – الأول بعد أخر مؤتمر عقد عام 2009 – قيادة جديدة لحركة فتح على مستوى اللجنة المركزية والمجلس الثوري وهما أعلى سلطتين للقرار في الحركة. فبينما يمثل المجلس الثوري اللجنة التشريعية للحركة تقوم اللجنة المركزية بتنفيذ ما يصدر عن المجلس من تشريعات وتوصيات. وعلاوة على ذلك، فإنه من المنتظر أن ينتخب المؤتمر قائداً عاماً جديداً، وهو المنصب الأعلى في الحركة ويشغله حالياً الرئيس الفلسطيني أبو مازن. كما من المتوقع أن يناقش البرنامج السياسي للحركة وأن تقر فيه سياساتها وبرامجها المختلفة.

يبدوا أن أبو مازن هذه المرة أكثر جدية من أي وقت مضى في المضي قدما في عقد المؤتمر قبل نهاية هذا العام كما وعد بذلك في أكثر من مناسبة. فقد اجتمع أبو مازن في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي مع أكثر من 400 من قيادات فتح في الداخل والخارج وأبدى خلال الاجتماع إصراره على عقد المؤتمر قبل نهاية هذا العام واتخاذ خطوات ملموسة لإنجاحه. كما أن أبو مازن يتعرض لضغوط داخلية متزايدة من قبل قيادات الحركة الساخطة على ترهل أوضاع فتح الداخلية وتراجع دوراها ومكانتها على المستوى المحلي والإقليمي. ففي وثيقة مسربة في أيار/مايو الماضي من المجلس الثوري لحركة فتح، وهو أعلى سلطة تشريعية في الحركة، طالب 47 عضوا (من أصل 81) أبو مازن بضرورة الإسراع في عقد المؤتمر السابع مهددين بالتصعيد في حال لم يتم ذلك وإعلان "ثورة" داخل حركة فتح. 

وبينما يكافح أبو مازن لحفاظ على موقعه داخل حركة فتح، لا يزال دحلان يتمتع بنفوذ واسع سواء بين أعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية.  فخلال مقابلة الباحث مع أحد قيادات المجلس الثوري المقربة من دحلان في يونيو الماضي وجه القيادي، والذي فضل عدم ذكر أسمه، انتقادات شديدة لأقصاء دحلان واتهم أبو مازن بأنه "يصب الزيت على النار (ويسعى) لتفتيت حركة فتح لخدمة أغراضه الشخصية".1 كما يمتد نفوذ دحلان إلى قواعد فتح الجماهيرية سواء في قطاع غزة وبالتحديد في مدينتي خان يونس ورفح أو مدينتي نابلس وجنين في الضفة الغربية وإن بصورة أقل. كما لا يقتصر نفوذ دحلان على الضفة الغربية وقطاع غزة، بل يتعدى ذلك إلى المخيمات الفلسطينية وخاصة في لبنان، حيث ينشط دحلان من خلال زوجته، جليلة دحلان، في العديد من النشاطات الاجتماعية والإغاثية.

كما أظهر استطلاع للرأي العام الفلسطيني في أيلول/سبتمبر الماضي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بأن غالبية الفلسطينيين (61 في المئة) تطالب أبو مازن بالاستقالة كرئيس للسلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، تزداد الضغوط الإقليمية على أبو مازن حاليا لإعادة دحلان إلى حركة فتح، حيث تضغط مجموعة من الدول العربية الفاعلة على رأسها مصر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة والأردن، لدفع المصالحة الفتحاوية الداخلية خطوة إلى الأمام تضمن إعادة دحلان إلى صفوف حركة فتح. ترى هذه الدول في دحلان الشخصية الفلسطينية الأقدر على خلافة عباس ومواجهة حركة حماس حيث يمتلك دحلان نفوذاً تنظيمياً في سيناء يتمثل في وجود عناصر أمنية موالية له والتي خرجت من قطاع بعد الحسم العسكري عام 2007 والتي من المحتمل أن يتم استخدامها في أي مواجهة عسكرية مع حماس. 

وعلى ما يبدو فإن دحلان يظهر كخيار مفضل لبعض الأطراف الإسرائيلية أيضا. فعلى الرغم من أن إسرائيل لم تتخذ أي موقف رسمي حتى الأن من نزاع دحلان-عباس، إلا أن عباس كان عرضة لانتقادات رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو العام الماضي والذي اتهم الأول بالتحريض لإشعال "انتفاضة السكاكين". وقد ذهب وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان خطوة أخرى إلى الأمام، عندما اقترح بأن على إسرائيل أن تعمل بشكل فعال لإنهاء دور أبو مازن. ولكن مثل هذه المواقف المتشددة لم تجد الدعم سواء من نتنياهو أو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي شددت على أهمية التنسيق الأمني مع التزام واضح من قبل السلطة الفلسطينية وعباس بهذه العلاقة. ولكن سرت شائعات في كانون الثاني/يناير 2015 عن لقاء سري بين دحلان وليبرمان. وسواء كانت هذه الشائعات صحيحة أم خاطئة، فإنها أسهمت في زيادة الشك حول موقف إسرائيل فيما يتعلق بالصراع الداخلي في فتح. فقد ترافق الاجتماع مع تهديدات ليبرمان اللفظية ضد أبو مازن والتي دفعت بعض الفلسطينيين للاعتقاد بأن ليبرمان ربما يكون أيضا جزءا من خطة الدول العربية لتسهيل عودة دحلان إلى حركة فتح وبالتالي احتمالية تسلمه موقع متقدم داخل حركة فتح وربما لاحقا ضمن أجهزة السلطة الفلسطينية المسيطر عليها من قبل حركة فتح. 

وفي ظل غياب الدعم العربي وتراجع مكانة أبو مازن الداخلية، يبدو أن دحلان، يسعى إلى تنصيب نفسه كزعيم "منقذ" لحركة فتح. يحاول دحلان خلال السنوات الماضية وبصورة فعالة توسيع نفوذه وتحالفاته بين قيادات حركة فتح سواء في الداخل الفلسطيني أو الخارج وحشد الدعم الإقليمي والدولي لقيادته المستقبلية لحركة فتح. فقد حاول دحلان خلال أيلول/سبتمبر تنظيم اجتماع موسع في القاهرة لبلورة حركة معارضة لأبو مازن داخل حركة فتح. وكما نشر دحلان على صفحته على الفيس بوك فإن الاجتماع كان سيضم المئات من قادة وكوادر الحركة للتشاور في شؤون الحركة الداخلية. وبالرغم من أن الاجتماع أجل قبل فترة قصيرة من انطلاقته لإعطاء فرصة "أخيرة" للإصلاح الداخلي إلا أنه أطلق جرس إنذار شديد الخطورة لقيادة أبو مازن الهشة أصلا. ففي حال نجح دحلان خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة في عقد اللقاء في القاهرة، فإن ذلك سيثبت الواقع المنقسم داخل حركة فتح ولكن هذه المرة بدعم من القاهرة وربما بعض الدول العربية التي تقف خلف دحلان. 

يدرك أبو مازن جيدا نفوذ دحلان المتصاعد، لذلك فهو يسعى منذ العام 2014 على إعادة هندسة نتائج المؤتمر السابع لكي تتلائم مخرجاته في إبقاء دحلان بعيدا عن مراكز القرار، حيث يخشى أبو مازن من أن يبطش دحلان به وبالمقربين منه في حال وصل إلى مراكز القرار في حركة فتح ومن ثم في ضمن مؤسسات السلطة الفلسطينية. لذلك عمل أبو مازن على تقليص عدد الأعضاء المشاركين من أكثر من 2200 مشارك في المؤتمر السادس إلى 1000 مشارك في المؤتمر القادم، وهو ما يعني إقصاء عدد كبير من كوادر الحركة وبالتحديد المؤيدين لدحلان. ومع أن حركة فتح قد انتهت فعلياً من إجراء انتخابات الأقاليم في الضفة الغربية والخارج إلا أن قطاع غزة سيشكل تحدياً كبيراً لزعامة أبو مازن حيث تشهد الحركة فيها انقساماً حاداً بين أطرها القيادية المختلفة وخاصة بين أنصار دحلان (الذين فاز قسم منهم في الانتخابات التمهيدية للمؤتمر) ومؤيدو أبو مازن، حيث تشهد انتخابات الحركة الداخلية وفعالياتها المختلفة في العادة مناوشات وتوترات أو حتى إطلاق نار بين تيارات الحركة المتصارعة. وفي حال لم تتمكن أقاليم غزة من إجراء انتخاباتها الداخلية، فإن أبو مازن واللجنة المركزية التي يسيطر عليها سيقومون بتعيين ممثلي غزة في المؤتمر وهو ما سيؤدي على الأغلب إلى تفاقم حالة الاحتقان داخل الحركة ويعزز انقساماتها الداخلية، خاصة مع تيار دحلان الذي يتمتع بنفوذ قوي في القطاع ويشعر بتهميش متزايد في مراكز صنع القرار. 

كما لم تتوقف مساعي أبو مازن الأمنية ضد أنصار دحلان ومؤيديه سواء داخل حركة فتح أو الأجهزة الأمنية ومؤسسات السلطة منذ العام 2011 وذلك بهدف إضعافهم وإقصائهم. وقد نتج عن هذه الحملات، فصل المئات من العناصر المقربة من دحلان فيما يعرف بمواجهة ظاهرة التجنح، وهو أن يتخذ العضو موقفا مخالفا للحركة دون الانشقاق عنها. وقد شكل توقيع أبو مازن في مطلع آب/أغسطس الماضي على قرارات فصل أربعة من قادة الحركة هم: نجاة أبو بكر ونعيمة الشيخ وعدلي صادق وتوفيق أبو خوصة بسبب علاقاتهم بمحمد دحلان حلقة أخرى من حلقات النزاع ما بين دحلان وأبو مازن. 

سواء عُقد المؤتمر السابع (أو تم تأجيله أو إلغاءه) فإنه من المحتمل أن يتعمق الشرخ والانقسام داخل حركة فتح في حال تثبيت إقصاء دحلان عن مواقع القيادة داخل حركة فتح، حيث تضمر قيادات عديدة في الحركة وخاصة المقربة من دحلان شعوراً متنامياً بالتهميش والإقصاء. زد على ذلك أن الخلافات بين تياري دحلان وأبو مازن يمكن أن تتطور إلى مواجهات وصدامات ميدانية مفتوحة وخاصة في قطاع غزة، شمال الضفة الغربية ومخيمات لبنان، التي يحظى دحلان فيها بوزن سياسي وأمني لا يستهان به وهو ما يمكن أن يؤدي إلى عودة الفلتان الأمني وإمكانية حدوث اغتيالات متبادلة بين الطرفين. وعلى الأرجح ستبقى فتح تعاني من أزمة قيادية مستعصية على الحل في ظل المؤشرات على أن التوافق الداخلي أمر صعب المنال وأن المواجهات الميدانية بين الطرفين والانشقاقات الداخلية قد بدأت تلوح في الأفق.


1. مقابلة مع الكتّاب

   

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.