المصدر: Getty
مقال

معركة المعارضة ضد التقشف في الكويت

فيما تبذل المعارضة الكويتية قصارى جهدها لتعطيل إجراءات التقشف، تعوّل على الاستياء الشعبي من العمالة الوافدة في البلاد للضغط على الحكومة من أجل تقديم تنازلات أوسع نطاقاً.

 سكوت واينر
نشرت في ٩ مارس ٢٠١٧

عمدَ نواب المعارضة، منذ فوزهم بنحو نصف المقاعد الخمسين في مجلس الأمة الكويتي في الانتخابات التي أجريت في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، إلى تنسيق جدول أعمالهم لمواجهة الخطط التقشفية التي وضعتها الحكومة. لقد تمكّنت المعارضة، بدفعٍ من الغضب الشعبي، من وضع عراقيل جدّية أمام قدرة الحكومة على تطبيق جدول أعمالها بهذا الشأن. لكنها فشلت في تقديم بدائل حيوية عن التقشف ما عدا حملة شعبوية للضغط على العمال الوافدين في البلاد عبر حرمانهم من الفرص ودفعهم نحو المغادرة. الجهود التي تبذلها الحكومة مؤخراً للتوصل إلى تسوية مع المعارضة قد تتيح لها اعتماد إجراءات قصيرة المدى، لكنها غير كفيلة بإيجاد مخرج للمأزق حول سياسات التقشف.

نتيجةً لإجراءات التقشف التي طُبِّقت في أيلول/سبتمبر 2016، يواجه الكويتيون ارتفاعاً شديداً في الأسعار يتسبّب بتغييرات في أسلوبهم في الإنفاق. في حين أن عدداً كبيراً من الكويتيين يُعَدّ ميسور الحال، يتكبّد بعضهم عناءً شديداً من أجل مواكبة وتيرة التقشف، وتتصرف المعارضة الكويتية انطلاقاً من تفويضها الذي يفرض عليها التعبير عن الإحباط الذي يشعر به هؤلاء المواطنون. لقد لجأت المعارضة في السابق إلى إجراءات تعطيلية من أجل تبطيء الوتيرة التي تعمد بها الحكومة إلى تطبيق سياسة التقشف، لكنها تحرّكت بزخم أكبر في الأشهر الأخيرة. وهدفها هو إسقاط إجراءات التقشف أو عرقلتها أو  استبدالها، فيما تبادر في الوقت نفسه إلى استجواب الوزراء في الحكومة حول ممارسات وزاراتهم أو سياساتها.

لقد طبّقت الحكومة الكويتية، شأنها في ذلك شأن حكومات أخرى في الخليج، إجراءات تقشفية تضمنت رفع الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء والمحروقات. وقد جاءت هذه الإجراءات على خلفية حدوث عجز في الموازنة بسبب التراجع في أسعار النفط العالمية. يُشار في هذا الإطار إلى أن الإيرادات النفطية شكّلت 38.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للكويت في العام 2015، ما يعني أنه كان للهبوط في الأسعار تأثير كبير على الاقتصاد الكويتي. بعدما تسبّبت الجولة الأولى من إجراءات التقشف بإضرابات ورد فعل قوي في مجلس الأمة، عمد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى حل مجلس الأمة في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2016، وكان يسعى على الأرجح، من خلال خطوته هذه، إلى تعزيز سيطرة الحكومة على البرلمان. لكن نصف مقاعد المجلس تقريباً فاز بها معارضون من أطياف متنوّعة إنما نافذون. تواجه الحكومة الكويتية راهناً تحدّي تطبيق سياسات تقشفية فيما هي مضطرة إلى التعامل مع معارضة انتُخِب ممثّلوها مع تفويضٍ بمعارضة هذه السياسات.

في 18 شباط/فبراير الماضي، وافقت لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية في مجلس الأمة على مشروع قانون ينص على إلغاء الزيادات التي طالت أسعار الوقود، وكذلك الزيادات المزمعة في أسعار الكهرباء والماء. زعمت الحكومة في البداية أن هذا التشريع غير دستوري، غير أن وزارة الكهرباء والماء رضخت في الأول من آذار/مارس الجاري وأعلنت عن خطط لخفض الزيادات المزمعة في أسعار التيار الكهربائي. وتمكّنت المعارضة أيضاً من ممارسة ضغوط على الوزراء عبر التهديد باستجوابهم في مجلس الأمة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى خسارتهم ثقة الأمير والناخبين الكويتيين. في السادس من شباط/فبراير الماضي، أقدم وزير الإعلام والشباب، الشيخ سلمان حمود الصباح، على الاستقالة تفادياً لخضوعه للطرح الثقة المقرّر بعد يومَين من تقديمه استقالته. وقد تجنّب رئيس الوزراء نفسه، الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح، الاستجواب، إنما بعد إقدام مساعد وزير الصحة الكويتي على الاستقالة على خلفية اتهامات بالفساد. عبر التهديد باستجواب الوزراء، سواءً حول موقفهم من التقشف أم مسائل أخرى، تُرغِم المعارضة الحكومة على الانخراط في ممارسة برلمانية تؤدّي إلى خفض ثقة الرأي العام بالحكومة وجدول أعمالها. وعلى ضوء انعدام الثقة هذا، يصبح تطبيق التقشف أشدّ صعوبة إلى حد كبير ودونه تحدّيات جمة، إذ يتعيّن على الحكومة إقناع المواطنين بأن مشقّة التقشف في المدى القصير تصب في مصلحة البلاد في المدى الطويل.

لكن على الرغم من ممانعة نواب المعارضة الشديدة لإجراءات التقشف، اقترحوا بعض البدائل لحل المشكلات التي تعاني منها الكويت على مستوى الموازنة. يركّز عدد كبير من المقترحات البديلة على فرض ضرائب أو تكاليف معيّنة على العمال الوافدين الذين يشكّلون نحو 70 في المئة من مجموع السكان. لا يحق للعمال الوافدين في الكويت التصويت، كما أنهم غير ممثَّلين في مجلس الأمة، ما يجعلهم هدفاً سهلاً للمعارضين. علاوةً على ذلك، بما أن العمالة الوافدة ليست جزءاً من صفقة الحكم في الدولة الكويتية، ليست لدى الحكومة أسباب كافية من أجل التصدّي لهذه الجهود. لقد عمد نواب المعارضة من مختلف الأطياف السياسية، إلى استهداف العمالة الوافدة بصورة مطردة كوسيلة للحد من التقشف. ففي 26 كانون الثاني/يناير الماضي، أورد وزير التربية الكويتي أنه ينظر في اقتراح تقدّم به النائب الإسلامي وليد الطبطبائي لترحيل المدرّسين الأجانب الذين يعطون دروساً خصوصية من دون حيازة ترخيص قانوني. مؤخراً، صرّحت النائبة الليبرالية صفاء الهاشم، وهي المرأة الوحيدة في مجلس الأمة، للإعلام الكويتي أن العمالة الوافدة "تتنافس معنا على الهواء الذي نتنشّقه في قاعات الانتظار في المستشفيات". تُضاف هذه التصريحات إلى الإجراءات المعمول بها والتي تفرض قيوداً على وصول العمّال الوافدين إلى الخدمات الأساسية التي يحصل عليها المواطنون الكويتيون مجاناً، بما في ذلك ساعات العلاج الطبي المخصصة "للكويتيين فقط" في المستشفى الأميري، والتي جرى الإعلان عنها في آذار/مارس 2016.

من وجهة نظر اقتصادية، لن يكون لهذه الإجراءات تأثيرٌ يُذكَر، لأن الضرائب على التحويلات المالية لن تغطّي سوى جزء صغير من عجز الموازنة الكويتية. في حين تتوقّع الكويت أن يبلغ عجز الموازنة 25.9 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2017-2018، من شأن فرض ضريبة بنسبة خمسة في المئة على التحويلات المالية أن يؤمّن فقط نحو 65.4 مليون دولار (20 مليون دينار كويتي) في السنة، أو 0.25 في المئة من مجموع العجز. علاوةً على ذلك، تشير الحكومة الكويتية إلى قيامها بترحيل 29000 شخص في العام 2016 لتقديم دليل على أنها تطارد العمالة الوافدة في الكويت – بيد أن لجنة تابعة لوزارة التربية تنوي زيارة رام الله في نيسان/أبريل المقبل لاستخدام مدرّسين فلسطينيين جدداً بدلاً من العمل على توظيف مواطنين كويتيين.

في السادس من آذار/مارس الجاري، وافق الأمير، في محاولة منه لدفع جدول الأعمال الحكومي نحو الأمام، على إعادة الجنسية إلى المعارِضين الذين سُحِبت منهم خلال حملة القمع في العام 2014. في المقابل، وافق النواب المعارِضون على عدم استجواب رئيس الوزراء، والعمل مع الحكومة بحسن نيّة. تهدف بادرة حسن النية التي صدرت عن الحكومة إلى الحد من خسارة ثقة الرأي العام بمجلس الوزراء عندما يواجه أعضاؤه الاستجواب. لكن على ضوء المعارضة الواسعة للتقشف في أوساط الرأي العام الكويتي، غالب الظن أن هذا الإجراء لن يكون كافياً لوحده لإقناع نواب المعارضة بالتخفيف من وطأة هذه التكتيكات السياسية. ففي السابع من آذار/مارس الجاري مثلاً، حاولت الحكومة أن تؤجّل لمدة شهرَين النقاش في مجلس الأمة حول تغيير قانون الجنسية الكويتي لفرض عدم قانونية سحب الجنسية في المستقبل. لكن بسبب الضغوط من المعارضة، أُرغِمت الحكومة على الموافقة على أن يكون التأجيل لمدة أسبوعَين فقط.

تاريخياً، تمكّنت الحكومة الكويتية من تطويق المعارضة عن طريق تقديم المكافآت إليها أو استمالتها. أما الآن، وعلى ضوء تنوّع أطياف المعارضة وحجم التفويض الممنوح لها، فقد تُضطَرّ الحكومة إلى تقديم تنازلات أوسع نطاقاً كي تنجح في احتواء الاعتراض على التقشف. وقد تحاول أيضاً أن تؤلّب الفصائل المعارِضة المختلفة بعضها على بعض بغية كبح أي مساعٍ إضافية لتطبيق جدول أعمال موحَّد ضد التقشف. أما المعارضة الكويتية من جهتها فقد تستخدم هذه الجولة من التنازلات دليلاً على النصر، ما يتيح لها تحريك قاعدتها الناخبة وتثبيت حضورها أكثر في الجولة المقبلة من المقايضات مع الحكومة. الصفقة التي توصّل إليها الأفرقاء لإعادة الجنسية إلى المعارضين، هي ذات أهمية، لكن على الأرجح أنها لن تكون الأخيرة في مجلس الأمة الحالي.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

سكوت واينر رئيس "مجموعة النقاش الشرق أوسطية للمهنيين الشباب في السياسة الخارجية". نال مؤخراً شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج واشنطن.

* تصويب: ورد في نسخة سابقة من المقال أن الشيخ سلمان حمود الصباح أقدم على الاستقالة قبل جلسة الاستجواب التي كان من المزمع أن يخضع لها. والصحيح أنه استقال قبل جلسة التصويت التي كانت مقررة لحجب الثقة عن الحكومة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.