المصدر: Getty
مقال

المرأة في العملية التشريعية في البلدان العربية

لا تزال المرأة تواجه تحدّيات تعترض وصولها إلى أعلى مراتب السلطة السياسية، إنما تحول أيضاً دون أدائها دوراً أكثر أهمية في آلية صنع السياسات.

 مروى شلبي و ليلى الإمام
نشرت في ٢٦ أبريل ٢٠١٧

تنظّم الجزائر، في الرابع من أيار/مايو المقبل، انتخاباتها التشريعية الثانية منذ تخصيص كوتا للنساء في العام 2012. يترقّب كثرٌ مسار الأمور لمعرفة إذا كانت المرأة في المجلس النيابي ستتمكّن من الاضطلاع بدور أكثر محورية في الميدان السياسي. يُشار في هذا الصدد إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهدت، خلال العقد المنصرم، زيادة مطّردة، ولو بطيئة، في حضور المرأة في الهيئات التشريعية. في حين أن المباشرة بتطبيق آليات الكوتا في عدد كبير من البلدان العربية – لا سيما الجزائر والمغرب وتونس – أفسحت في المجال أمام زيادة مستويات تمثيل المرأة، يبدو أنه ليس لهذه الآليات تأثيرٌ فوري كبير على تعيين النساء في لجان تشريعية نافذة في البرلمانات العربية. فحتى بعد دخول المرأة إلى المضمار السياسي، يتواصل تهميشها في الهيئات التي تشهد مداولات ومساومات مهمة في السياسات.

يشتمل عمل اللجان على المداولات الأهم في مجال إعداد القوانين في الهيئة التشريعية، ويرتدي التعيين في هذه اللجان أهمية أساسية بالنسبة إلى النواب من رجال ونساء، لأنه يساهم في تطوّر مسيرتهم المهنية وفي تعزيز وصولهم إلى الموارد. وبما أنه غالباً ما تُعتبَر النساء بمثابة "وافدات جديدات" في الميدان السياسي، تكتسب التعيينات في اللجان أهمية خاصة لأنها تساهم في بناء السمعة والخبرة السياسية، وكلتاهما ضروريتان. في الديمقراطيات الناشئة، تتحوّل الهيئات التشريعية بصورة مطّردة إلى مساحة قيّمة جداً من أجل التفاعل بين الحكّام والمشترعين والمواطنين؛ وهكذا تؤدّي التعيينات في المناصب المهمة في اللجان دوراً جوهرياً أيضاً في تسهيل الوصول إلى الموارد وأعضاء النخبة الحاكمة.

صنّفت الدراسات السابقة اللجان التشريعية في مختلف أنحاء العالم ضمن أربع فئات أساسية. لجان النفوذ – مثل المالية والموازنة، والشؤون التشريعية، والدفاع الوطني، والشؤون الداخلية – هي الأكثر بروزاً في العادة، ما يمنح أعضاءها مكانة مرموقة وسلطة خاصة. الفئة الثانية هي لجان الشؤون الاقتصادية والخارجية التي تُعنى بالتنمية والتخطيط وشؤون السياسة الخارجية. ثم هناك لجان الشؤون الاجتماعية المكلّفة متابعة القضايا الصحية والتعليمية والسكنية والشبابية. وتبقى أخيراً لجان شؤون المرأة التي تُعنى بقضايا المرأة والأطفال والأسرة. من بين البلدان الثلاثة موضوع هذا المقال، تونس هي البلد الوحيد الذي يضم لجنة تُعنى صراحةً بـ"شؤون المرأة". أما في الجزائر والمغرب، فشؤون المرأة مدرَجة ضمن لجان الشؤون الاجتماعية التي تعالج أيضاً قضايا تتعلق بالأطفال، وحقوق المعوّقين، وكبار السن، والعمل، والصحة.

تشكّل الجزائر والمغرب وتونس أمثلة لافتة ومثيرة للاهتمام من أجل فهم العلاقة بين تطبيق الكوتا ودور المرأة في اللجان البرلمانية في شكل أفضل. بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى، للبلدان الثلاثة المذكورة تجارب تاريخية متشابهة، وهيكليات حزبية قوية، ونمو لافت في تمثيل المرأة. أصبح النظام السياسي في كل من الجزائر وتونس، منذ الاستقلال عن فرنسا، نظاماً رئاسياً حيث تُنظَّم الانتخابات بوتيرة متكررة – ويسيطر عليه الحزب الحاكم – في حين أنه للمغرب نظام ملَكي برلماني مع منافسة انتخابية تشارك فيها أحزاب عدة.

رداً على الانتفاضات العربية، عمد كل واحد من هذه البلدان إلى تطبيق إصلاحات سياسية متعددة، منها إصلاحات تتعلق بتمثيل المرأة السياسي. أقرّت الجزائر القانون 12-03 لعام 2012، والذي فرض على الأحزاب السياسية إدراج نساء على قوائم مرشحيها للانتخابات، مع تحديد حصص أكبر للدوائر الانتخابية الأكبر مساحة. نتيجةً لذلك، سجّل حضور المرأة في البرلمان الجزائري قفزة كبيرة، من 7.7 في المئة فقط في العام 2007 إلى 31.6 في المئة في العام 2012. وقد زاد القانون 59-11 لعام 2011 في المغرب عدد المقاعد المخصصة للنساء من 30 مقعداً من أصل 325 (كما في برلمانَي 2002 و2007)، إلى 60 من أصل 395 مقعداً. أما في تونس، فقد نصّ دستور 2014 على المساواة في التمثيل السياسي عبر إدراج بند عن المناصفة بين الرجل والمرأة في القوائم الانتخابية. على الرغم من أن مجلس نواب الشعب التونسي لم يشهد زيادة كبيرة في التمثيل النسائي بعد الثورة (تبلغ نسبة هذا التمثيل 31.3 في المئة راهناً، بعدما كانت 27.6 في المئة في العام 2009)، إلا أنه يمكن أن يُعزى السبب إلى دور تونس الريادي في مجال حقوق المرأة منذ الاستقلال، وكذلك إلى السياسات الداعمة للمرأة التي اعتمدها النظام السابق، بما في ذلك دعم كوتا حزبية طوعية.

تُظهر نظرة سريعة إلى تعيينات اللجان في هذه البلدان الثلاثة، أن اللجان الأكثر تأثيراً يسيطر عليها عادة النواب الذكور، مع أن تمثيل النساء الإجمالي في البرلمان في هذه البلدان أعلى منه في معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في حين أنه يمكن أن يُعزى هذا النموذج إلى قرار المرأة الانضمام إلى لجان الشؤون الاجتماعية، ربما يحجب أيضاً ميلاً عاماً إلى التمييز يؤدّي إلى حرمان المرأة بصورة مستمرة من الوصول إلى اللجان النافذة. اللافت أنه على الرغم من التطابق التقريبي في التمثيل العددي للنساء في مجلسَي النواب الجزائري والتونسي، ثمة تفاوت صارخ في تمثيلهن في اللجان.

في الجزائر، تشكّل النساء نسبة 22.6 في المئة من لجان النفوذ، و21.9 في المئة من لجان الشؤون الخارجية (الصورة 1)، على الرغم من أن حصتهن في مجلس النواب الجزائري تصل إلى 31.6 فئ المئة.1 من بين كل النساء المشاركات في اللجان، نحو عشرين في المئة فقط يشاركن في واحدة من هذه اللجان، بالمقارنة مع حوالي 60 في المئة يتركّزن في لجان الشؤون الاجتماعية.

الصورة 1: تمثيل النساء في اللجان التشريعية في الجزائر

في تونس، توزيع النساء أكثر توازناً بين اللجان التشريعية (الصورة 2). على سبيل المثال، يشكّلن نحو 33.7 في المئة من لجان النفوذ، و31.4 في المئة من لجان الشؤون الاقتصادية والخارجية – والنسبتان أقرب بكثير إلى إجمالي حصة النساء في البرلمان التونسي، والتي تبلغ، كما في البرلمان الجزائري، نحو 31 في المئة. اللافت هو أن 31 في المئة من النساء في اللجان ينتمين إلى لجنة من لجان النفوذ، بالمقارنة مع 14.4 في المئة فقط في لجنة شؤون المرأة.2

الصورة 2: تمثيل النساء في اللجان التشريعية في تونس

تتطابق هذه الاستنتجات مع ما توصلت إليه دراسات سابقة عن تعيينات النساء في اللجان في الديمقراطيات الناشئة. في حين أن التطبيق الأولي لمنظومات الكوتا قد لا يؤدّي إلى زيادة فورية في مشاركة المرأة في اللجان النافذة، يتجه هذا التأثير عادةً نحو الانحسار مع مرور الوقت. اعتمدت تونس لأول مرة منظومة كوتا طوعية بين الأحزاب السياسية في العام 2004، وقد سجّل تمثيل المرأة زيادة مطردة، ولعل أحد الأسباب هو التوزيع الأكثر إنصافاً للنساء في لجان النفوذ. في المقابل، لم تؤدِّ حصة الثلاثين في المئة التي بدأ العمل بها مؤخراً في الجزائر في إطار منظومة الكوتا، إلى زيادة مشاركة المرأة في هذه اللجان.

هذا النموذج واضح للعيان أيضاً في المغرب. ففيما تُشير بياناتنا إلى أن تمثيل المرأة في الهيئة التشريعية في المغرب أدنى منه في الجزائر وتونس، تُظهر أيضاً أن النساء تعرّضن للتهميش إلى حد كبير في العام 2002، لدى تطبيق "اتفاق جنتلمان" بين الأحزاب السياسية لأول مرة من أجل الاحتفاظ بعشرة في المئة من المقاعد للنساء (الصورة 3). كانت النائبات الأقل تمثيلاً في لجان النفوذ، مع تركّزهن في شكل أساسي في لجان الشؤون الاجتماعية وكذلك لجان الشؤون الاقتصادية والخارجية. بيد أن عضوية النساء في لجان النفوذ ازدادت تدريجاً خلال العقد المنصرم، من 4.7 في المئة في العام 2002 إلى 9.9 في المئة في العام 2007. في العام 2012، استمرت نسبة النساء في عضوية لجان النفوذ في النمو لتصل إلى 14.6 في المئة، وهي نسبة أقرب بكثير إلى نسبة تمثيلهن في الهيئة التشريعية (وذلك بمساهمة من الزيادة في الكوتا، التي أدّت إلى رفع النسبة الإجمالية لتمثيل النساء في البرلمان إلى 16.8 في المئة). شهدت الانتخابات التشريعية في المغرب في العام 2016 زيادة إضافية في عدد النساء اللواتي نجحن في دخول البرلمان حيث يشغلن حالياً 20.5 في المئة من المقاعد، ما يشي بأن هذه النسبة قد تستمر في التزايد عند تشكيل حكومة ائتلافية وإنجاز التعيينات في اللجان.

الصورة 3: تمثيل النساء في اللجان التشريعية في المفرب

تقدّم هذه الاستنتاجات إثباتات إضافية بأن تعزيز التمثيل العددي للنساء قد لا يؤدّي في الحال إلى زيادة تأثيرهن ونفوذهن السياسي. يسيطر الرجال تقليدياً على السياسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأن معظم الأحزاب والمشترعين الذكور ينظرون بازدراء إلى منظومات الكوتا، وبالكاد يُتيحون فرصاً، أو لا يتيحون أي فرص على الإطلاق لتدريب النساء أو إشراكهن. إلا أنه قد يصبح للنساء حضور أكبر في اللجان الأبرز، فيما تحظى منظومات الكوتا وكذلك تمثيل المرأة بقبول أوسع نطاقاً، كما هو الحال في تونس. في الجزائر، لا يزال على النساء قطع شوط طويل من أجل اللحاق بالنساء التونسيات؛ غير أن حصول ربع النساء في البرلمان على مقاعد في لجان النفوذ ولجان الشؤون الاقتصادية والخارجية مباشرةً بعد بدء العمل بمنظومة الكوتا في العام 2012 يؤشّر إلى المكاسب المحتملة التي يمكن أن تحققها النساء في الانتخابات التشريعية في أيار/مايو 2017.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

مروى شلبي زميلة لشؤون الشرق الأوسط ومديرة حقوق المرأة في برنامج الشرق الأوسط في معهد بايكر في جامعة رايس. ليلى الإمام مساعدة بحثية في شؤون حقوق المرأة في برنامج الشرق الأوسط في معهد بايكر في جامعة رايس.


1. في كل من الجزائر وتونس، تتبدّل العضوية بالتناوب سنوياً، ما يعني أن البيانات تعكس المعدلات في البرلمان الحالي.

2. يإمكان النواب التونسيين الانتماء إلى أكثر من لجنة واحدة، ما يعني أن هناك تداخلاً في بياناتنا، ما يقود في المحصّلة إلى نسبة أعلى لمجموع النساء في البرلمان، مع 38 في المئة بدلاً من 31.3 في المئة. في المغرب والجزائر، يجوز للنواب الانتماء إلى لجنة واحدة، وبالتالي ليس هناك تداخل.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.