المصدر: Getty
مقال

المرأة رئيسة لبلدية تونس لأول مرة: ماذا يقول التونسيون؟

في حين تدعم أكثرية ضئيلة من أبناء العاصمة تونس وصول امرأة إلى منصب رئيسة بلدية المدينة، تُبدي أقلية كبيرة اعتراضها، ما قد يضع عوائق أمام "شيخة المدينة"، سعاد عبد الرحيم، المنتخَبة حديثاً.

 شاران غريوال و ماثيو سيبول
نشرت في ١٢ يوليو ٢٠١٨

في الثالث من تموز/يوليو، انتخب مجلس بلدية العاصمة تونس سعاد عبد الرحيم رئيسةً له، فأصبحت بذلك أول امرأة تتولّى هذا المنصب. عبد الرحيم، وهي صيدلانية في الـ53 من العمر ونائبة سابقة عن حركة النهضة الديمقراطية الإسلامية، هي أيضاً أول امرأة تُنتخَب رئيسةً لبلدية العاصمة في العالم العربي، والمرأة رقم 20 في هذا المجال على الصعيد العالمي.

بيد أن النصر التاريخي الذي حققته عبد الرحيم جاء بعد حملة شابها تمييز جنسي على الملأ. ففي الثامن من أيار/مايو الماضي، زعم فؤاد بوسلامة، المتحدث باسم حركة نداء تونس التي تُعتبَر الخصم السياسي الأبرز لحركة النهضة، أن ترشح عبد الرحيم "غير مقبول" في بلدٍ مسلم لأنه لا يمكنها، كونها امرأة، "الحضور إلى المسجد عشية ليلة السابع والعشرين من رمضان". ففي حين أن هذه الممارسة لا تندرج ضمن إطار الواجبات الرسمية، إلا أنه درجت العادة أن يحضر رئيس بلدية العاصمة تونس – بوصفه "شيخ المدينة" الفخري - المراسم الدينية التي تُقام في جامع الزيتونة في العاصمة التونسية في ليلة القدر خلال شهر رمضان. وقد أثارت تصريحات بوسلامة حملة انتقادات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع بحركة نداء تونس – وهي حزبٌ علماني – إلى النأي بنفسها عن بوسلامة. كذلك رفض مجلس بلدية تونس كلام بوسلامة التمييزي ضد النساء، وانضم خمسة من أعضاء المجلس العلمانيين إلى ممثّلي النهضة الـ21 في المجلس لانتخاب عبد الرحيم رئيسةً لبلدية العاصمة بـ26 صوتاً مقابل 22.

لكن ليست هناك معطيات واضحة تكشف إلى أي حد يوافق التونسيون عموماً أو لا يوافقون على هذه الانطباعات. لقد انتُخِبت عبد الرحيم رئيسةً للبلدية من قبل أعضاء المجلس البلدي، وليس مباشرةً من الشعب، وكانت نسبة الاقتراع متدنّية جداً في الانتخابات البلدية التي أجريَت في السادس من أيار/مايو – والتي نالت فيها قائمة النهضة التي ترأستها عبد الرحيم 33 في المئة من الأصوات. إذا كان عدد كبير من سكان العاصمة تونس يوافقون على أن المرأة غير مؤهّلة لقيادة المدينة، فقد تواجه عبد الرحيم مقاومة شعبية واسعة في ولايتها التاريخية الأولى على رأس المجلس البلدي.

يُسلّط استطلاع أُجري مؤخراً وشمل نحو خمسمئة من سكّان العاصمة تونس، بعض الضوء على نظرة الناخبين إلى ترشح عبد الرحيم قبيل الانتخابات لاختيار رئيس البلدية.1 فقد أبدت أكثرية المستطلَعين – 54 في المئة – تأييدها لتسلّم امرأة رئاسة البلدية، ولم توافق على الانتقادات التي تعتبر أنه "لا يجب السماح لسعاد عبد الرحيم بأن تكون شيخة المدينة لأنها امرأة". في ذلك مؤشّر على أن معظم سكّان العاصمة تونس يُعارضون الانتقادات التي وجّهها بوسلامة إلى عبد الرحيم والتي تنطوي على تمييز ضد المرأة، وهذا الرأي ينسجم مع موقف تونس الأكثر تقدّمية في موضوع حقوق المرأة، ومع حصّة النساء المرتفعة نسبياً في الندوة البرلمانية.

في الوقت نفسه، قالت نسبة كبيرة من العيّنة، 36%، إنها توافق أو توافق بشدّة على أنه لا يجب السماح لعبد الرحيم بتسلّم منصب رئيسة البلدية بسبب جندرها. وهذه نسبة كبيرة بطريقة مفاجئة نظراً إلى أن تحيّزات المرغوبية الاجتماعية تُثني عموماً المجيبين على الاستطلاعات عن تبنّي آراء علنية تنمّ عن تمييز جنسي.

وفي جانب مهم، يبدو أن هذا الرأي المناوئ لوصول عبد الرحيم إلى رئاسة البلدية يتشاركه تونسيون ذوو انتماءات حزبية مختلفة، ولا يمكن أن يُنسَب ببساطة إلى الجهات المعارِضة للنهضة. فنِسَب المعارضة لترشّح عبد الرحيم انطلاقاً من اعتبارات جندرية تتشابه بين أنصار نداء تونس (39 في المئة)، والأحزاب الأخرى (34 في المئة)، وغير الحزبيين (36 في المئة)، وحتى أنصار النهضة (34 في المئة).

يخترق هذا التمييز الجندري الخطوط الديمغرافية أيضاً. فالفارق في نسبة الاعتراض على عبد الرحيم هامشي بين الرجال (38 في المئة) والنساء (32 في المئة). ويبدو أن تأثير التحصيل العلمي ضئيل، ففي حين أن نسبة المعترضين في صفوف حاملي الشهادات العليا منخفضة نسبياً مع 24 في المئة، بلغت نسبة المعترضين من حَمَلة الإجازات 39 في المئة، وهي مساوية تقريباً للنسبة لدى الأشخاص الذين بلغوا المرحلة الابتدائية فقط أو ما دونها (42 في المئة). حتى نسبة التونسيين دون سن الـ30 غير الموافقين على تولّي امرأة رئاسة البلدية (36 في المئة) هي أقل بفارق طفيف من النسبة لدى المجيبين الذين تخطوا الـ60 من العمر (42 في المئة). صحيح أن الاعتراض على عبد الرحيم انطلاقاً من اعتبارات جندرية هو رأي أقلّي وهذا أمر جيد، إنما يبدو أنه عابرٌ للخطوط السياسية والاجتماعية.

تشير هذه البيانات إلى أن الطريق قد يكون شاقاً أمام سعاد عبد الرحيم. لقد تعهّدت، من موقعها كرئيسة للبلدية، بتحسين المدينة، والاستثمار في البنى التحتية، وتعزيز الوصول إلى الخدمات، عبر استخدام الصلاحيات الجديدة التي أوكِلت إلى رؤساء البلديات بموجب قانون اللامركزية الصادر في 26 نيسان/أبريل. بغية تحقيق هذه الأهداف، عليها أن تتعامل بتروٍّ مع كراهية النساء السائدة لدى أقلية كبيرة من الناخبين، والتي يُرجَّح أن تنظر إليها بأنها "عدوانية جداً" و"صعبة المراس" و"فظّة"، حتى لو كانت موضع إشادة لنجاحها في تحقيق نتائج على الأرض.

بيد أن رئاسة البلدية تتيح أيضاً لعبد الرحيم فرصة فريدة من نوعها كي تؤثّر في السلوكيات وتدفعها في اتجاه أكثر تقدّمية. تشير أبحاث مختلفة إلى أن تولّي النساء مناصب سياسية قيادية على المستوى المحلي يمكن أن يساهم في "تحسين النظرة إلى فاعلية المرأة القيادية"، والحد من الأفكار النمطية الجندرية، وتقديم نماذج تحتذى للنساء الأخريات الطامحات إلى تسلّم مناصب قيادية. تبعث هذه النتائج آمالاً بأن عبد الرحيم قادرة فعلاً على الوفاء بتعهّدها بإهداء فوزها "إلى جميع النساء اللواتي ناضلن لبلوغ هذه المناصب الرفيعة".

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

شاران غريوال طالب دكتوراه في جامعة برنستون. ماثيو سيبول طالب دكتوراه في جامعة ييل. لمتابعتهما عبر تويتر: sh_grewal@ و MatthewCebul@


1. أجرينا الاستطلاع المباشر وجهاً لوجه بالتعاون مع معهد الأبحاث والاستطلاعات One to One Research and Polling، وشملَ 488 شخصاً جرى اختيارهم عشوائياً من بين المارّة في وسط العاصمة تونس بين 25 حزيران/يونيو و3 تموز/يوليو. في حين أن هذه البيانات لا تشكّل عيّنة تمثيلية، إلا أنها تُقدّم لمحة مفيدة عن نظرة 500 تونسي إلى ترشح عبد الرحيم مباشرةً قبل انتخابها. إشارة إلى أن حصر الاستطلاع جغرافياً بوسط العاصمة تونس أمرٌ مناسب أيضاً نظراً إلى أن سلطة عبد الرحيم تغطّي فقط وسط العاصمة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.