المصدر: Getty
مقال

التحركات الصوماليَّة لمواجهة طموح إثيوبيا في القرن الإفريقي

في إطار مواجهة طموح اثيوبيا الذي ينذر بتأجيج الصراع في منطقة القرن الإفريقي، تحاول حكومة الصومال استقطاب الدعم السياسي الدوليّ وإقامة جملة من التحالفات الاستراتيجيَّة تضمن لها موازنة النفوذ السياسي لإثيوبيا وتفوقها عسكريًا.

 هشام قدري أحمد
نشرت في ٧ نوفمبر ٢٠٢٤

تشهد العلاقات الصوماليَّة- الإثيوبيَّة توترًا متصاعدًا مُنذ مطلع العام الجاري، يهدد بانفجار الوضع الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي التي تُعاني بالأساس من غياب الاستقرار السياسي وهشاشة الوضع الأمني. ترتد جذور هذا التوتر إلى مطلع يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، عندما وقعت إثيوبيا اتفاقًا مبدئيًا مع إقليم "صوماليلاند Somaliland" الانفصالي، الذي أعلن انفصاله عن الحكومة المركزيَّة في الصومال من جانب واحد عام 1991 لكنه لا يتمتع بالاعتراف الدوليّ، وبحسب ما ورد في النصوص المُعلنة لهذا الاتفاق، وافقت سُلطات صوماليلاند على السماح لإثيوبيا، الطامحة لانتزاع منفذ بحري دائم يعوض محبسها الجغرافي، بالوصول إلى 20 كيلومترًا من سواحلها لمدة خمسين عامًا، واستئجار قاعدة عسكريَّة بالقرب من ميناء بربرة الواقع على خليج عدن، في مُقابل ذلك تعترف حكومة أديس أبابا باستقلال الإقليم الصومالي، لتكون بذلك أول دولة تتخذ هذه الخطوة.

أثار توقيع الاتفاق غضب حكومة الصومال، التي تخشى أن يجدد هذا الاتفاق طموحات إثيوبيا القديمة بالتحرّر من حدودها المحصورة باليابسة وإشعال حروب إقليميّة ودينيّة بين شعوب المنطقة كما فعلت في الماضي، بما فيها عقود من التدخّل في شؤون الصومال الداخليّة، علاوةً على ذلك، لا تبدو نوايا إثيوبيا واضحةً بشأن هذا الاتفاق، فقد يكون مخرجًا لحكومتها للتخلص من الضغوط الداخليَّة، أو ورقة ضغط لانتزاع تنازلات من الصومال. ولذلك عارضت مقديشو هذا الاتفاق واعتبرته عملاً عدائيًا يستهدف سيادتها ووحدتها الإقليميَّة، مؤكدةً رفضها لاستقلال إقليم صوماليلاند عنها باعتباره جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وعلى إثر ذلك شرعت في طرد السفير الإثيوبي لديها، وقدمت شكوى إلى مجلس الأمن الدوليّ التابع للأمم المُتحدة، وأعلنت رفضها التام الدخول في أي مُفاوضات مع إثيوبيا حتى تعلن هذه الأخيرة تراجعها عن تنفيذ الاتفاق الثنائي مع سُلطات صوماليلاند الانفصاليَّة.

مواقف إفريقية متباينة

وفي حين بادرت جامعة الدول العربيَّة والاتحاد الأوروبي إلى إدانة الاتفاق الإثيوبي مع صوماليلاند باعتباره انتهاكًا لسيادة الصومال الوطنيَّة، فقد جاءت المواقف الإفريقيَّة متباينةً، حيث أصدرت الإيغاد (الهيئة الحكوميَّة للتنمية بشرق إفريقيا) بيانًا هزيلاً دعت فيه  قادة البلديْن إلى الحوار وضبط النفس، وهو ما اعتبرته مقديشو بيانا مخيبا للآمال ومنحازًا للجانب الإثيوبي، أما الاتحاد الإفريقي فيرى أنه ملزم تجاه الصومال بدعم استقراره والحفاظ على وحدته الترابيَّة، فمن ناحية، يمكن للاعتراف باستقلال صوماليلاند أن يفاقم التوتر في منطقة القرن الإفريقي التي تُعاني بالأساس من استقرارٍ هشّ، ومن ناحيةٍ أخرى، قد يشجّع هذا الاتفاق الأقاليم الأخرى الساعية إلى الانفصال إلى اتخاذ خطوات مماثلة. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الإفريقي يشارك، منذ العام 2007، ببعثة لحفظ السلام في الصومال، وهي البعثة التي تأسست بقرار من مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بعد موافقة مجلس الأمن الدولي،  بهدف مساعدة قوات الحكومة الفيدرالية الصومالية في التصدي لحركة الشباب الإسلامية، ومن المقرر أن تنتهي مهام هذه البعثة الانتقالية نهاية العام الجاري، لتحل بدلاً منها بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (AUSSOM) بدءًا من يناير 2025، ومن ثم، فإنَّ الاتحاد الإفريقي يبدو حريصًا على منع تفاقم الأوضاع السياسيَّة في الصومال، لضمان أن تتمكن بعثته الجديدة من تحقيق أهدافها على النحو المأمول لها.

 إلا أنَّ الحكومة الإثيوبيَّة، الساعية إلى تعزيز طموحاتها البحريَّة، مضت في تنفيذ التزاماتها من خلال إرسالها مبعوث دبلوماسي إلى "أرض الصومال" في أغسطس الماضي، في إشارةٍ منها إلى اعترافها بحكومة الإقليم، لتدخل العلاقات الصوماليَّة الإثيوبيَّة مرحلةً جديدةً من التصعيد، قد تلقي بظلالها على أمن المنطقة وتنذر بتأجيج الصراع في شرق إفريقيا. وإزاء هذه التطورات التصعيدية، كان على حكومة الصومال أنْ تكثف جهودها السياسيَّة والدبلوماسيَّة لتعزيز تحالفاتها الإقليميَّة لمواجهة أطماع إثيوبيا المتزايدة، سيَّما في ظل التفوق العسكري الواضح لأديس أبابا واختلال ميزان القوة لصالحها. أسفرت مساعي الصومال في هذا الإطار عن تكوين شبكة من التحالفات الموازيَّة.

الاتفاق الإطاري مع تركيا

جاءت أولى هذه التحالفات في فبراير/ شباط الماضي، عندما وقّع وزير الدفاع الصومالي مع نظيره التركي اتفاقًا إطاريًا للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين بالعاصمة التركيَّة أنقرة، ويرمي هذا الاتفاق الإطاري، الذي يمتد لعشر سنوات، إلى إنشاء قوة عسكريَّة مشتركة بين البلدين لتأمين سواحل الصومال وحماية مياهه الإقليميَّة، والعمل على تطوير وتحديث القوات البحريَّة الصوماليَّة وتقديم الدعم التقني لقوات الجيش الصومالي، كما سيُتيح الاتفاق لأنقرة التنقيب واستخراج النفط والغاز داخل مياه الصومال الإقليميَّة عبر شركاتها الوطنيَّة، تلى ذلك موافقة البرلمان التركي في يوليو/ تموز الماضي على نشر قوات وعناصر تركيَّة ضمن نطاق المياه الإقليميَّة للصومال لمدة عامين. ولعله من المؤكد أنَّ هذا الاتفاق سيعزز الموقف السياسي لمقديشو من خلال تعاونها الاقتصادي والأمني مع تركيا الطامحة بدورها إلى تأكيد حضورها وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في إفريقيا من بوابة القرن الإفريقي.

بروتوكول التعاون الدفاعي مع القاهرة

وفي أغسطس/ آب من العام الجاري، عقدت الصومال بروتوكولاً للتعاون الدفاعي مع الحكومة المصريَّة التي تنظر إلى القرن الإفريقي باعتباره مجالاً استراتيجيًا لها. تبع ذلك إعلان الخارجيَّة المصريَّة وصول شحنة من المعدات والمُساعدات العسكريَّة إلى الصومال، في إطار دعم القاهرة لمساعي مقديشو الرامية إلى الحفاظ على استقلالها وسيادتها ومكافحة الإرهاب بما يساهم في صون الأمن والاستقرار في المنطقة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث أعلنت القاهرة عن نيتها إرسال قوات مصريَّة إلى الصومال للمشاركة في أعمال البعثة الجديدة للاتحاد الإفريقي، حيث لاقى هذا العرض ترحيبًا كبيرًا من جانب الحكومة الصوماليَّة. ولا شك أنَّ هذه الخطوة المصريَّة تأتي في سياق العداء والتنافس الإقليمي مع إثيوبيا على خلفية أزمة سد النهضة الذي شرعت أديس أبابا في تشييده والقيام بمراحل الملء والتشغيل بالرغم من معارضة الحكومة المصريَّة، لما له من تداعياتٍ خطيرةٍ على تناقص حصتها التاريخيَّة من مياه نهر النيل.

وتثير هذه التطورات تساؤلاً رئيسًا حول مدى التوافق بين القاهرة وأنقرة بشأن الصومال، ونشير في هذا الصدد إلى أنَّ التحركات العسكرية المصرية في منطقة القرن الإفريقي، لابدّ أنْ يسبقها تنسيق ومشاورات مع تركيا التي تنخرط بصورة مكثفة في المنطقة، منعًا لتضارب المصالح بينهما، لاسيما وأن العلاقات بين البلدين تشهد تطورًا ايجابيًا ملحوظا في الآونة الأخيرة، تكلل بزيارة الرئيس المصري  إلى أنقرة للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة.

البحث عن تحالفات أخرى

تعمل حكومة الصومال على ممارسة أقصى درجات الضغط السياسي على أديس أبابا، لحث حكومتها على التراجع عن تنفيذ الاتفاق المبدئي مع السُلطات الانفصاليَّة في صوماليلاند، وقد تكللت جهود مقديشو المُستمرة في هذا الصدد بالإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم جديدة للتعاون الدفاعي في أكتوبر الجاري، وهذه المرة مع حكومة تنزانيا دون الافصاح عن مضامين وبنود هذه المذكرة. ستواصل حكومة الصومال توسيع شبكة تحالفاتها الإقليميَّة والدوليَّة التي تطمح من خلالها إلى ردع الطموحات الإثيوبيَّة وفرض نوع من العزلة الإقليميَّة عليها.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.