REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

الاتحاد الأوروبي والمغرب وأسطورة الاستقرار

علاقات الاتحاد الأوروبي مع الحكومة المغربية تُعزّز الوضع القائم السياسي في مرحلة يبدو فيها أن عدداً متزايداً من المغاربة يريد التغيير.

 كلوي تيفان
نشرت في ١٦ يوليو ٢٠١٩

يوم الخميس 27 حزيران/يونيو 2019، عقدَ الاتحاد الأوروبي والمغرب الاجتماع الأول لمجلس الشراكة بينهما منذ أكثر من أربع سنوات، وقد صُوِّر بأنه مسعى من أجل "إعادة إنعاش العلاقات" بين الرباط وبروكسل. ويأتي ذلك بعد سنوات عدة من التشنجات الدبلوماسية بين الطرفَين بسبب حكمَين صادرين عن محكمة العدل الأوروبية ورد فيهما أن الاتفاقات التجارية حول الزراعة والصيد البحري لا تنطبق على الصحراء الغربية المتنازع عليها.

لقد ساهم مجلس الشراكة مؤقتاً في معالجة هذه المسألة بما يصب في مصلحة الحكومة المغربية – عبر الموافقة عام 2018 على توسيع نطاق اتفاق الزراعة والصيد البحري ليشمل الصحراء الغربية – وقدّم محفلاً لمناقشة الأولويات المشتركة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في السنوات القادمة. وقد وضع المجلس إعلاناً مشتركاً طموحاً يغطّي مجموعة واسعة من المسائل بما في ذلك القيَم المشتركة، والتجارة والتنمية، والأمن والسياسة الخارجية، والهجرة، والتغيّر المناخي.

لكن فيما يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز علاقاته مع الحكومة المغربية، يُبدي عدد كبير ومتزايد من المغاربة رفضه لتلك الحكومة والمنظومة السياسية الأوسع في البلاد. تُظهر البيانات الصادرة مؤخراً عن "الباروميتر العربي" أن 49 في المئة من البالغين المغاربة الذين شملهم الاستطلاع يؤيّدون التغيير السياسي السريع، وهي النسبة الأعلى بين البلدان المختلفة التي أُجري فيها الاستطلاع. وينعكس رفض الوضع القائم أيضاً في سلسلة مطردة من الاحتجاجات والإضرابات على الرغم من القمع المتزايد الذي تمارسه السلطات المغربية.

بالإضافة إلى ذلك، قال 44 في المئة من البالغين المغاربة الذين شملهم استطلاع "الباروميتر العربي" إنهم يفكّرون في الهجرة، في حين ارتفعت النسبة إلى 70 في المئة لدى البالغين دون سن الثلاثين. في الواقع، يغادر المغاربة البلاد بأعداد كبيرة – من خلال أساليب نظامية وغير نظامية على السواء. وتشتمل هذه الموجة على هجرة واسعة للأدمغة، حيث يغادر 600 مهندس البلاد سنوياً، ويدرس 38000 مغربي حالياً في فرنسا (ولا يعود سوى عدد قليل منهم)، ويعمل 7000 طبيب مغربي في فرنسا. وعلى صعيد آخر، عبرَ 13076 مغربياً بصورة غير نظامية إلى إسبانيا عام 2018، ما يجعل منهم الجالية الأجنبية الأكبر، مع نسبة 20 في المئة من المجموع، بعدما كانوا يحتلون المرتبة السابعة لناحية حجم الجاليات الأجنبية في إسبانيا عام 2016.

يتحدث المشاركون في الاحتجاجات والإضرابات عن الإخفاقات الإنمائية وغياب المساواة في المجتمع المغربي، غير أن كل واحد من هذه التحركات كان مدفوعاً بإخفاقات أعمق في الحكم غالباً ما ترتبط بشبكات المحسوبيات التي يُمارَس من خلالها النفوذ السياسي والاقتصادي. لقد سلّط الحراك الذي بدأ في الريف في تشرين الأول/أكتوبر 2016، الضوء على الفساد وعدم الكفاءة في تنفيذ المشاريع الإنمائية الموعودة. وقد لفتت حركة المقاطعة التي انطلقت في ربيع 2018، الانتباه إلى كلفة المعيشة، إنما أيضاً إلى المواقع السياسية والاقتصادية المحظيّة التي تتمتع بها نخبة صغيرة من قادة الأعمال. وركّزت الاحتجاجات الريفية الأوسع نطاقاً على فشل المشاريع الإنمائية في مواكبة التطلعات في مجموعة واسعة من المجالات، وكانت النتيجة أن أبناء الريف بدأوا بخسارة ثقتهم بالنخب السياسية المحلية، وبالمنظومة السياسية الأوسع نطاقاً.

تقوم المقاربة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي في التعاطي مع المغرب، على دعم الوضع القائم السياسي بحكم الأمر الواقع، مثلما هو الحال في العلاقة مع باقي البلدان المتوسطية التي تُشكّل "دول الجوار الجنوبي" للاتحاد الأوروبي. لا تزال المستندات عن السياسات تسلّط الضوء على أهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن في الممارسة، يقتصر ذلك على سلسلة من المبادرات التكنوقراطية المتعلقة بالحوكمة وحقوق الإنسان، بما في ذلك التبادلات البرلمانية، وتشكيل لجنة فنية من الخبراء المتخصصين في حقوق الإنسان، ووضع برنامج لدعم إصلاح القضاء وتقديم الدعم المالي للمجتمع المدني. غير  أن الاتحاد الأوروبي بذل جهوداً حثيثة للدفع باتجاه التحرير الاقتصادي في المغرب من خلال توقيع اتفاقات تجارية بشأن السلع الصناعية والزراعة والصيد البحري، وقد ساهمت هذه الاتفاقات في فتح السوق المغربية بصورة متزايدة أمام الواردات الأوروبية والمستثمرين الأوروبيين، وأتاحت للمغرب الاندماج في سلاسل القيمة الأوروبية، لا سيما في قطاع صناعة السيارات. كذلك عمل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الأساسية فيه عن كثب مع الحكومة المغربية في إطار مساعي مكافحة الإرهاب.

ومما لا شك فيه أن الهجرة كانت أيضاً من مجالات التعاون الأساسية. فقد أصبح المغرب عام 2018 محط اهتمام متزايد من الأوروبيين بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين الذين يأتون من المغرب ويمرّون عبره على السواء، ما جعل منه البوابة الأساسية التي يدخل منها المهاجرون إلى أوروبا. ظلّت الأعداد صغيرة، مع وصول 65383 مهاجراً في المجموع من المغرب إلى إسبانيا عبر القنوات غير النظامية عام 2018. لكن العدد كان 28349 مهاجراً عام 2017، ما يعني أنه ازداد بنسبة تفوق الضعف، الأمر الذي أدّى إلى إطلاق ناقوس الخطر في العواصم الأوروبية، ولا سيما في مدريد، التي أبدت قلقها من استمرار العدد في الارتفاع. وقد عزّزت هذه المعطيات رغبة الاتحاد الأوروبي في العمل عن كثب مع المغرب. وبعدما خاضت إسبانيا حملة لدعم الدولة المجاورة لها، وافق الاتحاد الأوروبي على تقديم هبة قدرها 140 مليون يورو لدعم المغرب بغية تعزيز السيطرة على الحدود. وفي مطلع عام 2019، تابعت إسبانيا بذل جهود لبناء علاقات أعمق وأوثق مع المغرب.

يتضمّن الإعلان المشترك الجديد عناصر إيجابية من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية، بما في ذلك الإدراك المتنامي للروابط بين التجارة والتنمية والحرَكية، ما يُشكّل تقدماً كبيراً بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي الذي كان يتعاطى مع كل مجال منها على حدة في السابق. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر تفهّماً لواقع أن ما هو مطلوب منه لدعم هدفه الطويل الأمد المتمثل بتحقيق "الازدهار المشترك" مع جيرانه الأقرب لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات الإنمائية أو تحرير التجارة، بل يقتضي أيضاً مقاربة أكثر شمولاً في التعليم والتدريب، وتشارُك المعارف ونقل التكنولوجيات، والحوكمة الاقتصادية وبناء اقتصاد اجتماعي. وإدراج موضوع البيئة والتغير المناخي الذي يُعتبَر موضوعاً عابراً لمجالات عدة، هو عنصر إيجابي أيضاً. ويتضمن الإعلان التزامات متكررة بتعددية الأطراف، بما في ذلك عن طريق الأمم المتحدة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

بيد أن الإعلان يُشير أيضاً إلى أهمية المغرب في موقع الشريك بفضل "استقراره السياسي" و"الإصلاحات" التي قام بها، من دون أي إشارة إلى تراجع البلاد في مجالَي حقوق الإنسان والحريات الأساسية. صحيح أن العاهل المغربي الملك محمد السادس بادر، رداً على الاضطرابات المتزايدة في البلاد، إلى أداء دور محوري متنامٍ في المطالبة بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الدفع نحو تطبيق سياسات محددة مثل تجديد العمل بالتجنيد الإلزامي. وأقال الملك أيضاً عدداً من الوزراء كي يبيّن أنه على الحكومة أن تلتزم بمبدأ المساءلة. ولكن ليس واضحاً على الإطلاق أن سلسلة الإصلاحات سوف تساهم في معالجة اختلال التوازن الأساسي وغياب الشفافية في الاقتصاد الوطني، أو رفع تحديات الحوكمة الهائلة التي تواجهها البلاد.

يلفت المسؤولون الأوروبيون إلى أنه لا يمكن بناء علاقة ناجحة ومجدية مع المغرب إلا إذا ابتعد الاتحاد الأوروبي عن أسلوب الوعظ حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. ولكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي وضعَ، في الإعلان المشترك، بعض الأولويات الأوروبية جانباً ورضخ لمجموعة واسعة من الأولويات المغربية. وعلى هذا الأساس، يتضمن الإعلان لغة طموحة جداً عن إعادة إطلاق النقاشات بشأن التوصل إلى اتفاق شامل وعميق للتبادل الحر، وبالطبع بشأن الهجرة التي تُعتبَر من المسائل المؤثِّرة في مجالات عدة. هذه المواضيع هي أولويات بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لكن المغرب كان أقل استعداداً للتعاون بشأنها في ما مضى، إنما وبغية تحقيق هذه الأهداف، يبدو الاتحاد الأوروبي مستعداً لتطوير علاقة أكثر شمولاً عبر تقديم تنازلات لم يكن جاهزاً لها في السابق.

من شأن توطيد التعاون مع المغرب من دون أخذ السياق السياسي في الاعتبار أن يتسبب بترسيخ الوضع القائم السياسي، بما يؤدّي إلى استمرار الركود بدلاً من تعزيز المطواعية والقدرة على رفع التحديات التي تُعتبَر من الأهداف الأساسية التي يتوخاها الاتحاد الأوروبي في دول الجوار. وسوف يساهم التعاون مع الاتحاد الأوروبي في دعم الإصلاحات الاقتصادية والمبادرات الإنمائية الهادفة إلى معالجة بعض التحديات التي كانت السبب المباشر خلف الاحتجاجات والإضرابات التي عمّت البلاد، غير أن هذه الإجراءات لن تساهم في معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يواصل الدفع نحو توطيد العلاقات مع المغرب، لكن إذا أراد حقاً دعم الاستقرار في البلاد، فيجب أن تُمنَح الإصلاحات السياسية الوزن نفسه كما الإصلاحات الاقتصادية في قائمة أولوياته.

كلوي تيفان باحثة ومستشارة مستقلة متخصصة في شؤون شمال أفريقيا والسياسات الأوروبية حيال المنطقة. لمتابعتها عبر تويتر: @ChloeTvan.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.