أصدر البيت الخليجي للدراسات والنشر في أيلول/ سبتمبر 2021 مؤشر المشاركة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي للعام الثاني، وهو إصدار يختص بتقييم أداء دول الخليج الست من خلال عشرة مقاييس تحدد مدى تقدم هذه الدول أو تأخرها في مجال مشاركة مواطنيها في صنع القرار وتمكينهم من ممارسة حقوقهم السياسية بحرية، ودون خوف من الملاحقة.
في مقابلته مع (صدى) يشرح عادل مرزوق رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، ورئيس رابطة الصحافة البحرينية أسباب النتائج المخيبة التي توصل إليها المؤشر ولاسيما في مقاييس حرية التعبير، وتشكيل التنظيمات السياسية، والعمل السياسي، وضمان سلامة الفاعلين والممارسين في هذا المجال. ويتحدث مرزوق عن الخطوات التي ينبغي أن تتبعها النخب الحاكمة في دول الخليح، إذا ما توفرت لديها الإرادة السياسية، للوصول إلى دول المواطنة المتساوية.
النتيجة العامة تشير أن كل الدول بما فيها الكويت لايزال أمامها الطريق طويلا لتحقيق نتائج لتوصف بأنها دول ديمقراطية، ما المقاييس التي يمكن أن تقربها، أكثر من غيرها، إلى هذه الصفة؟
هذا قول دقيق، هناك طريق طويل أمام جميع دول مجلس التعاون الخليجي. الكويت التي أتت في المرتبة الأولى سجلت 525 درجة من مجموع 1,000 درجة على المؤشر، بقية الدول لم تستطع تخطي حاجز ال 500 درجة. هناك بطبيعة الحال دول تتقدم بشكل طفيف في انتظار قفزات حقيقية تنتجها إرادة سياسية لا تبدو موجودة حتى الآن.
الدولة الخليجية التي تريد أن تحسن أو أن تسير في طريق إنجاز الدولة المدنية الديمقراطية عليها أن تمتلك الإرادة السياسية والشجاعة لتطوير تجاربها الداخلية في المقاييس التي هي جوهر المشاركة السياسية.
مؤشر المشاركة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي يعتمد عشرة مقاييس، والنتائج المخيبة تركزت في حق تشكيل التنظيمات السياسية، والعمل السياسي، وسلامة الممارسين للعمل السياسي، وضمان حرية الرأي والتعبير. تشير نتائج المؤشر إلى أن ثمة إشكاليات جوهرية في ملف المواطنة المتساوية وفي قوانين الانتخابات العامة وحاكمية وفاعلية المجالس المنتخبة وصلاحياتها. هذه الإشكاليات جوهرية فعلاً ونحن بصدد القيام بمشروع جديد يتناول ملف المواطنة المتساوية لأهميته ولكونه يشمل جميع دول الخليج.
إجراء انتخابات تشريعية رفع معدل قطر، ولكن إجراء انتخابات تشريعية في دول خليجية أخرى لم يحقق تقدما باتجاه التحول إلى الديمقراطية، ما الخلل في انتخابات دول الخليج؟
من الصعب الحكم على التجربة النيابية في دولة قطر حالياً. بالتأكيد كان اجراء الإنتخابات سبباً في تحسن تقييم الدولة في مقياسين من مقاييس المؤشر وهو ما جعلها تتقدم في ترتيب هذا العام إلى المرتبة الثالثة. صادفت التجربة القطرية تحدياً يتعلق بقدرة جميع المواطنين على الترشح وهو ما يتصل بملف المواطنة المتساوية، وهي مشكلة تتكرر في بقية دول الخليج وعلى الخصوص البحرين والإمارات والكويت. سيكون أداء مجلس الشورى القطري خلال دورته الأولى حاسماً، وسيظهر ما إذا كان سيبدأ في معالجة هذه الملف أو أنه سيهمله، وما إذا كان المجلس سيكون فاعلاً في الحياة العامة أو مجرد مجلس هامشي.
بالنسبة للتجارب الخليجية ككل، ثمة عدة إشكاليات وتحديات تظهر في مقياس الانتخابات العامة وكذلك مقياس التنظيمات السياسية. هناك دول خليجية أنجزت مشروع وجود حياة برلمانية أو مجالس للشورى (بعض أعضائها أو جميعهم منتخبون) لكنها، للأسف، حاصرت هذه التجارب بحزمة من المواد الدستورية والقوانين والقيود التي تجعل من مجالس الشورى والمجالس البرلمانية عاجزة عن تحقيق المستوى المأمول من المشاركة السياسية أو التأثير أو تفعيل أدوات المراقبة والمحاسبة. بدءً من تقنين حق المشاركة السياسية، مروراً بالتقسيم المجحف للدوائر الانتخابية ووصولاً لحصر صلاحيات هذه المجالس المنتخبة في قضايا هامشية أو استشارية غير ملزمة للسلطات التنفيذية.
من النتائج الملفتة هو تراجع حرية التعبير والرأي في دول الخليج بما فيها الكويت التي كانت تعتبر مثالا في المنطقة لحرية التعبير، ما الذي حدث؟ وما الذي يجعل حكومات الخليج أكثر تقييدا لهذه الحريات؟
بطبيعة الحال، نتائج دول الخليج في مقايس حرية الرأي والتعبير سيئة للغاية. الحكومات تهيمن على المؤسسات الإعلامية وتحكم الرقابة على الإنترنت. حرية وسلامة الأفراد مهددة في حال كانت لهم مواقف أو آراء لا تتوافق وسياسيات الدول الداخلية والخارجية. قبالة ذلك، وباستثناء سلطنة عمان، دول الخليج لا تبذل جهود كاملة في مواجهة خطابات الكراهية والتحريض على العنف.
دول الخليج لا تبدو متسامحة في تقبل النقد الداخلي. رغم ذلك، هناك تفاوت في حدة التعامل مع الصحفيين والسياسيين ونشطاء المجتمع. الذي حدث منذ العام 2011 أن دول الخليج عاشت مرحلة ارتباك في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي وظاهرة الصحفي المواطن. لكنها اليوم أتمت مهمة صناعة وتخصيص أجهزة حكومية وقوانين وظيفتها المراقبة والرصد وتتبع النشطاء في منصات التواصل الاجتماعي والأحكام القضائية غالباً ما تكون متعسفة.
ما الذي يجعل، وفقا لنتائج المؤشر، التغيير أو التحول الديمقراطي بطيئا وربما مرفوضا في دول المنطقة؟ ولماذا تزداد رغبة الحكام في التفرد بصنع القرار؟
هناك تحديات رئيسة أمام التحول الديمقراطي. على مستوى بيوت الحكم، لا تتحول الملكيات لنظم ديمقراطية تطوعاً. على الأرض، لا توجد ضغوط حقيقية لإحداث تغيير في أنظمة الحكم داخل أغلب دول مجلس التعاون الخليجي. لا تزال معظم دول الخليج تعتمد قاعدة أن شرعيتها التاريخية تقوم على أن الوفاء بدولة الرفاه والنمو الاقتصادي للمواطنين (الذين هم رعايا) يغنيها عن تأمين حقوق المواطنين (الرعايا) في المشاركة السياسية وفي صناعة القرار وفي إنجاز دولة المؤسسات والمحاسبة. ورغم أن بعض دول الخليج تعيش حالياً أوضاعاَ اقتصادية صعبة، ونسب بطالة مرتفعة، إلا أن هذه الدول لا تزال تعتمد على هذه الشرعية التي تتعرض بين فترة وأخرى لهزات سياسية واحتجاجات داخلية تؤكد حاجتها لعقد اجتماعي جديد ولمشاركة شعبية فاعلة في صناعة القرار السياسي.
ما لا تتنبه له دول الخليج هو أن المتغيرات في هذا العالم أثرت على مواطنيها، وأن العالم اليوم في غالبيته هو عالم ديمقراطي، والدول فيه تدار عبر مؤسسات منتخبة، كلياً أو جزئياً. بالتأكيد لدول الخليج خصوصيتها، لكن هذه الخصوصية تفترض أن مشروع التحول الديمقراطي لن يكون عبر إسقاط هذه الأنظمة وتحول دول الخليج لجمهوريات بل بالتحول التدريجي نحو ممالك وإمارات دستورية. الخصوصية الخليجية لا تعني، ولا يجب أن تعني، ما هو أكثر من ذلك.
هناك تحديات أخرى ترتبط بالمجتمعات الخليجية ذاتها، إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا وواقعيين فعلينا أن نقر بأن بعض مظاهر سياسات الانفتاح والقبول بالآخر في دول الخليج هي قرارات من بيوت الحكم وهي على خلاف ما تشتهي مجتمعاتنا الخليجية المحافظة. غالبية مجتمعاتنا لديها ممانعة ذاتية بل ومواقف عدائية في بعض الأحايين مع عناوين مثل الديموقراطية والليبرالية والعلمانية والأحزاب السياسية.
في المحصلة نحن أمام تحديات عدة، داخلية وخارجية، على مستوى بيوت الحكم ووجود إرادة حقيقية في الإصلاح السياسي وعلى مستوى مجتمعاتنا التي تتبنى غالبيتها ثقافة شبه مناهضة للديمقراطية والحريات الفردية.
كيف يمكن أن تستفيد حكومات الخليج من نتائج هذا المؤشر؟
المؤشر يقدم شرحاً وافياً لـ 10 مقاييس تشمل مرتكزات المشاركة السياسية. وتستطيع كل دولة من دول الخليج أن ترصد مواطن القوة والضعف. دولة مثل الكويت ستعرف من خلال المؤشر أن السماح بقيام الأحزاب والجمعيات السياسية هي عامل مهم وأساسي في تعزيز مستوى المشاركة السياسية فيها، كذلك هو الحال في ما يتعلق ومعالجة ملف المواطنة المتساوية وبالأخص ملف البدون. دول مثل سلطنة عمان ستدرك من نتائج المؤشر أن مقاييس الانتخابات العامة والشفافية والتنظيمات السياسية يمثلون فشلاً ذريعاً في تجربتها. نحن نقوم بنشر التقرير ونحرص على وصوله لجميع دول الخليج وكذلك المؤسسات الدولية المعنية. تأتينا ردود فعل، وبالنسبة لنا كل ردود الفعل جيدة، سلبية كانت أو إيجابية.
كيف يمكن أن يستفيد المواطنون- المجتمع المدني من المؤشر؟
بالتأكيد على مؤسسات المجتمع المدني أن ترصد أين بالتحديد هي فاعلة ونشيطة بحسب نتائج المؤشر وأين هي غائبة أو ضعيفة. في بعض دول الخليج لاحظنا أن لا وجود لأي مؤسسة أو جمعية أو حتى جماعة تنشط أو تعنى بالشفافية والرقابة على المال العام. هناك دول لم نرصد فيها أي نشاط مجتمعي يتعلق بالرقابة أو الدفاع عن حرية الرأي والتعبير. هناك دول تحتاج لفتح نقاشات واسعة حول احتكار المناصب العليا في الدولة للأسر الحاكمة وقبائل محددة دون غيرها.
يقدم المؤشر معلومات مفيدة في جميع المقاييس. مؤسسات المجتمع المدني في دول مجلس التعاون الخليجي معنية بهذه التفاصيل ويهمنا في المؤشر أن نضطلع على تفاعلها مع النتائج لأن ذلك سيطور المؤشر وسيحقق الهدف من هذا المشروع.
ما هي الخطوات التي يمكن، طبقا لنتائج المؤشر أن تقوم بها دول الخليج لتحافظ على استقرارها وتتقدم نحو الديمقراطية؟
لكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي خصوصية في تجربتها السياسية. ما هو ملح بالنسبة للكويت قد لا يكون ملحاً بالنسبة للبحرين، ما تحتاجه سلطنة عمان وبصفة عاجلة قد يكون منجزاً بشكل معقول في الإمارات. بالتأكيد هناك كما ذكرت قواسم مشتركة، من أهمها وجود مؤسسات برلمانية منتخبة ذات صلاحيات حقيقية وقادرة على المشاركة في صناعة القرار والمحاسبة والرقابة على السلطات التنفيذية وأعمالها.
بطبيعة الحال هناك حاجة ملحة لنقاشات مجتمعية جادة حول العقد الاجتماعي في كل دولة من دول الخليج. يبدو أن آوان تصميم عقود اجتماعية جديدة قد حان فعلاً في بعض دول الخليج التي تحتاج إلى دساتير حقيقية تضمن لمواطنيها حقوقهم السياسية وحق المشاركة في صناعة القرار والتحكم بثروات البلاد.
رفيعة الطالعي، رئيسة تحرير (صدى) مطبوعة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.