المصدر: Getty
مقال

أسبيدس: قارب نجاة أم أداة لعسكرة البحر الأحمر

على غرار تحالف الازدهار الذي شكلته الولايات المتحدة، أعلن الاتحاد الأوروبي اطلاق مهمة أسبيدس لحماية البحر الأحمر.

 شيماء سمير محمد حسين
نشرت في ٤ مارس ٢٠٢٤

أقر  جوزيب بوريل ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي في 31كانون الثاني/ يناير في اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي بعثة أسبيدس (Aspides)، وحدد موعد  إطلاقها في منتصف شباط/فبراير 2024، هدف هذه المهمة  هو مواكبة السفن في البحر الأحمر لحمايتها وصد الهجمات دون الانخراط في الضربات ضد الحوثيين. من المتوقع أن  تشارك في أسبيدس  7 دول حتى الآن، و اقترحت اليونان أن تتولى قيادة البعثة، وذلك إسناداً لأهمية الدور الكبير الذى تلعبه شركات الشحن اليونانية على مستوى العالم، في الوقت الذى لوحت فيه إيطاليا بالانسحاب من البعثة إذا ما فشلت في إقناع الاتحاد بإسناد القيادة إليها، الأمر الذى جعل إيطاليا تقلص تواجدها في البعثة للمشاركة بسفينة واحدة بدلاً من ثلاث سفن، مثلما فعلت فرنسا للسبب ذاته، بينما أعلنت أسبانيا عدم مشاركتها  لكثرة عدد بعثاتها الموجودة في مهام خارج البلاد.

ولكن، السؤال هنا هو: هل ستنجح أسبيدس في لعب دور قارب النجاة  أم أنها سترسخ مزيدا من العسكرة في البحر الأحمر ، وهو الأمر الذي تسعى إليه الدول الأوروبية تجنباً للتهميش في منطقة حيوية تهدد اقتصادها وتضع واشنطن فيها موضع قدم؟

الواضح من الوهلة الأولى، الانقسام الأوروبي بشأن حجم التواجد والمشاركة في بعثة أسبيدس لتباين مصالح دول الاتحاد، خاصة في ظل الحضور الأمريكي في تحالف حارس الازدهار تزامناً مع العملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، والتي باتت شبهة انحراف للتحالف عن الهدف المعلن ، حيث اتهم حارس الازدهار بالتواجد بغرض زيادة الحضور العسكري  الأمريكي لتأمين الحليفة إسرائيل، وتقويض النفوذ الروسي في المنطقة والتحكم في مرور التجارة الصينية ؛ ما أثار مخاوف بعض الدول الأوروبية من تشتيت الهدف الأساسي لبعثة أسبيدس و اتهامها بأنها جاءت هي الأخرى لدعم إسرائيل. كذلك، تشعر بعض هذه الدول بالقلق من الزج بها في تبعات تصعيد ومواجهات ضد الحوثيين، ناهيك عن التوترات التي قد تصاحب كثرة البعثات العسكرية في ممر مائي دولي حيوي يهدد مصالحها الاقتصادية. 

تقييماً لما سبق، لن ينجح التواجد الأوروبي، حتى وإن كانت أهدافه دفاعية وليست هجومية، في القضاء كلياً على هجمات الحوثيين، يرجع ذلك لعدة عوامل منها عدم التوصل لحل نهائي لوقف هجمات إسرائيل على قطاع غزة وهو ما تسعى جماعة الحوثي لتوظيفه لمزيد من تدويل قضيتها والظهور بموقف المساند لحركات المقاومة الشعبية في ظل تضاؤل شعبيتها الداخلية لعدم قدرتها على تقديم حلول لأزمات المواطنين اليمنين، ناهيك عن المكاسب الاقتصادية التي تحصلها جماعة الحوثي من جراء الاستيلاء على محتويات السفن التي تهاجمها. إضافة على ذلك، لايمكن إغفال الدور الذي تلعبه إيران في دعم الجماعة سواء كان استخباراتياً أو لوجستيا وهو ما يقوى شوكتها ويجعلها قادرة على الاستمرار في المواجهة. تستطيع الحركة توظيف هجومها على السفن المتجهة إلى إسرائيل إعلامياً ولاسيما وأن بعض الدول التي تشارك في مهمة أسبيدس على غرار ألمانيا وإيطاليا من داعمي الكيان الإسرائيلي، فتستطيع الحركة أن تتقمص دور المقاومة المسلحة التي تقاتل الكيان الإسرائيلي ومسانديه في البحر من أجل قضية سامية وليس من أجل مصالح خاصة بها، خاصة وأنها مازالت تهدد في بياناتها من أن أي قطع بحرية تهدف لحماية السفن الإسرائيلية ستكون أهدافاً مشروعة.

 يتضح من الانقسام الأوروبي أن الاتحاد لا يطمح في المزيد من التصعيد ضد الحوثيين وأنه جاء لحماية مصالحه فقط، وفى تقديرنا أنه ربما تكون بعثة أسبيدس قصيرة الأجل، وذلك في المقام الأول، للخلاف بشأن المصالح بين الدول المشاركة، حتى وإن كان هناك إجماع على هدف البعثة الأساسي، ولكن تحرك الدول الأوروبية مصالحها الخاصة، وهو ما يخلق مزيداً من التوترات على الصعيد العملياتي، علاوة على عدم تأييد بعض دول المنطقة لعسكرة البحر الأحمر وهو ما يعقد الموقف ويخلق تأييدا دوليا ضعيفا لهذا التواجد، ويهدد بنشوب مواجهات عسكرية إقليمية. كل تلك العوامل تعد بمثابة نقاط ضعف في غير صالح نجاح المهمات العسكرية. 

شيماء سمير محمد حسين، رئيسة قسم العلاقات الدولية بالجامعة البريطانية AHUMI بلندن وهي مدير تحرير مجلة قضايا التطرف والجماعات المسلحة الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي ببرلين.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.