المصدر: Getty
مقال

الفلسطينيات في غزة: حقائق التهجير القاسية

تُظهر قصة ريهام، وهي أمٌّ شابة لجأت إلى رفح، تأثير الحرب الإسرائيلية المستمرة على النساء والعائلات.

 شهد صافي
نشرت في ٧ مارس ٢٠٢٤

تشير التقديرات الأخيرة إلى أن 70 في المئة من المدنيين الذين لقوا مصرعهم في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر هم من النساء والأطفال، وإلى تشريد ما يقرب من مليون امرأة وفتاة. ويشكّل اعتداء إسرائيل على الحقوق الإنجابية جزءًا أساسيًّا من التأثير غير المتناسب للحرب على الفلسطينيات، الذي وصفته مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنيّة بالعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم بأنه "لا هوادة فيه ومثير للقلق بوجهٍ خاص".

كان لهذا الاعتداء أثرٌ مباشر على ريهام، وهي سيدة فلسطينية في الرابعة والعشرين من العمر تقيم في غزة. قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت تعيش في شقّة مريحة شيّدها زوجها بعد العمل لسنوات في مجال البناء. عندما اندلعت الحرب، خسر زوجها عمله ومصدر دخله الوحيد. نزحت ريهام وعائلتها ثلاث مرات من مدينة غزة، وتقيم حاليًا مع زوجها وأبنائها الصغار الأربعة في خيمة في مخيّم النصيرات جنوب رفح.

تروي ريهام في مقابلة مع "صدى": "كان منزلنا يتألّف من ثلاث غرف نوم، وغرفة جلوس، ومطبخ وحمّام. كان مجهّزًا بأثاث كامل وأنيق. لقد اعتنينا به جيدًا، ولكن كل ما لدينا الآن هو خيمة من غرفة واحدة"، مضيفةً: "دُمِّر منزلنا بالكامل، لذا لا نعرف إلى أين سنذهب بعد انتهاء الهجوم".

بالإضافة إلى فقدان المنزل، خسرت ريهام أيضًا حملها في الشهر الخامس حين أُصيبت بصدمة لدى تلقّيها نبأ تعرّض منزل أهلها لغارة جوّية مباشرة، ما أسفر عن مقتل اثنَين من أشقّائها. حتى لو أكملت فترة حملها، فإنّ النساء في غزة يُرغَمن على إنجاب أطفالهن في ظروف غير إنسانية ومحفوفة بالمخاطر، إذ تفتقر المرافق الصحية التي تتعرض للهجمات في القطاع إلى ما يكفي من مواد التخدير، والأدوية، والمياه واللوازم الصحية. ويتعذّر أيضًا إجراء عمليات جراحية في هذه الظروف.

يعلّق زوج ريهام: "قبل الهجوم، كانت ريهام ودودة ومفعمة بالحماسة. إنه لأمرٌ محبط جدًّا رؤيتها بهذه الحالة، فهي منهكة وتلتزم الصمت معظم الوقت، في حين أنها كانت كثيرة الكلام وذات شخصية اجتماعية في السابق. حين تلتقي عيناي بعينَيها، أشعر بعمق الضياع الذي تعيشه".

تروي ريهام لـ"صدى": "حتى خلال الدورة الشهرية، لا يمكنني الاستحمام كما يجب أو الاعتناء بنظافتي الشخصية كما اعتدت في السابق. لا خيار أمامي سوى الاستحمام في خيمة تفتقر إلى أربعة جدران وحمّام لائق، وأشعر بأن خصوصيتي تتعرض للانتهاك". ثم تتابع: "وضعنا خزّانًا في حفرة كبيرة حفرناها في الأرض، ونستخدمها لقضاء حاجتنا، مع خمس عائلات أخرى. أشعر بالإذلال، وأفتقد وسائل الراحة البسيطة التي كانت متوافرة لي قبل الهجوم".

يعاني جميع أبناء غزة من الجوع والعطش، ولكن نظرًا لأن خيمة ريهام تقع بالقرب من الحدود مع مصر، فإن عائلتها بعيدة عن المناطق التي تصل إليها المساعدات، وأحيانًا يمضون أيامًا من دون مياه. لا تستطيع ريهام الحصول على حليب لابنها الصغير، سند، الذي يُضطر الآن إلى تناول طعام معلّب كما باقي أفراد الأسرة. سند هو الأكثر تضررًا من درجات الحرارة المتدنّية بصورة مستمرة داخل الخيمة، ويصاب هو وباقي أفراد العائلة بالتوعّك باستمرار، من دون أن يتوافر لهم الدواء.

بعدما فقدت ريهام حملها، يساورها قلقٌ شديد على مستقبل أسرتها. تقول: "قُتِلت جارتي في غارة جوية أثناء إنجابها لطفلها، وقضى زوجها أيضًا. ولقي شقيقاي مصرعهما أثناء محاولتهما الهروب من منزل والدينا. وأصبح شقيقي الآخر مبتور الأطراف. ماذا ينتظرنا بعد؟ مَن الضحية التالية؟ هل سيأتي دوري؟"

أشارت الدكتورة أليس روثتشايلد أخيرًا إلى أن السبيل الوحيد كي تتمتّع النساء والأطفال بصحة جيّدة وبالحرّية هو الوقف الفوري للقتال، وإعادة العمل بالخدمات الضرورية، والشروع في إعادة الإعمار، ومن أجل تحقيق ذلك، يجب على النساء والناشطات النسويات ممارسة ضغوط مستمرة في مختلف أنحاء العالم. في هذا الصدد، تقول ريهام: "كل يوم، نسمع أنباء عن نساء يُقتَلن أو يُهجَّرن من منازلهن في غزة، فأتساءل عن رد فعل التيارات النسوية، وما إذا كانت ستحرّك ساكنًا من أجل النساء في غزة."

شهد صافي مترجمة ومعلّمة تتقن اللغتَين العربية والإنكليزية، وصحافية تعمل لحسابها الخاص، ومنسّقة متخصصة بمواقع التواصل الاجتماعي ومدافعة عن حقوق الإنسان مقيمة في غزة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.