المصدر: Getty
مقال

أكبر أزمة نزوح في العالم: تدهور الوضع الإنساني في السودان

رغم وجود نازح واحد من بين كل ثمانية نازحين داخلياً في العالم في السودان، إلا أن الصراع المسلح لايزال يدفع الملايين من السودانيين إلى الفرار إلى المناطق الريفية ما يعمق الأزمة ويزيد حدة النقص في الأمن الغذائي.

 محمد الطيب
نشرت في ١٢ يونيو ٢٠٢٤

بلغت أعداد النازحين داخليا في السودان نتيجة الحرب الأخيرة التي اندلعت في منتصف أبريل – نيسان 2023، إلى ما يزيد عن 6 ملايين شخص وفقا لآخر تحديث صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في يناير الماضي. إضافة إلى أكثر من 3 ملايين نازح مسجل سابقا نتيجة النزاعات والحروب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وتستضيف ولاية القضارف وحدها نحو 400 ألف نازح يتوزعون في أكثر من 30 مركزا ومقرا للإيواء.

تركزت مخيمات النازحين في الولايات المتاخمة للمناطق التي شهدت عمليات عسكرية مثل الخرطوم وولايات دارفور وولاية الجزيرة بوسط السودان، كولاية القضارف ونهر النيل وكسلا. حيث نزحت ملايين الأسر بحثًا عن مكان آمن، لكنهم واجهوا نقصًا كبيرًا في المأوى والعلاج وتوفر الطعام والشراب بسبب تضرر القطاعات الزراعية والاقتصادية والخدمية.

أفادت تقارير الأمم المتحدة أن نحو 25 مليون شخص في السودان بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، من بين هؤلاء نحو 14 مليون طفل يعانون من نقص حاد في الأمن الغذائي. نحو 37 في المئة من السكان في البلاد، أي نحو 17.7 مليون شخص، يعانون من الجوع الحاد.

نزحت أسماء، 30 عامًا، مرتين: الأولى من الخرطوم بعد اندلاع القتال، والثانية من ودمدني في ديسمبر الماضي بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها. في وثائقي "صدى" تسرد أسماء فصول معاناتها وأبنائها الستة في رحلة النزوح الطويلة من العاصمة إلى أطراف شرقي السودان بولاية القضارف مرورًا بولاية الجزيرة. تقول بعد وصولها إلى القضارف: "لم نجد أي منظمة تستقبلنا، ولم نجد علاجًا لأبنائي الذين يمرضون من وقت لآخر". تشتكي من الغلاء وضيق اليد بسبب انقطاع مصادر الرزق. وفوق ذلك كله، تسيطر حالة الخوف والرعب على أبنائها بسبب الأهوال التي مروا بها.

قصة أسماء لا تختلف كثيرًا عن قصة سمية هارون، 45 عامًا، التي فرت من الخرطوم في الموجة الأولى من النزوح. تقول سمية: "كنا نحو خمسة عشر شخصًا نختبئ تحت الأسرّة بسبب كثافة النيران، وقررنا الخروج بسرعة وفررنا من الخرطوم بملابسنا فقط إلى ود مدني. عشنا تحت الشجر نحو شهرين وبنينا سقفًا من بقايا الخشب للاحتماء من المطر والبرد، حتى وفرت لنا إحدى المنظمات صفا في مدرسة للعيش فيه". لكن لم ترحب ولاية الجزيرة بسمية وأسرتها طويلاً، إذ داهمتهم العمليات الحربية في نهاية ديسمبر بعد اقتحام قوات الدعم السريع للمدينة، ما تسبب في تشتت أسرتها ونزوحهم الثاني إلى مدينة القضارف شرقي السودان.

يقول مصعب صالح، وهو ناشط في العمل الإنساني إن "الأعداد الكبيرة للنازحين في ولاية القضارف فاقت طاقة المدينة الاستيعابية والخدمية". وأكد أن هناك العديد من التحديات والصعوبات التي تواجه النازحين، أبرزها المشاكل المتعلقة بالصحة، والمأوى، والأمن الغذائي، والحماية. وأضاف أن تداعيات الحرب تجلت في ندرة العلاج والمواد الغذائية، وارتفاع نسبة البطالة بسبب توقف الحركة الاقتصادية والمصانع والخدمات.

تؤكد الإحصاءات الأخيرة الحاجة الملحة لتكثيف الجهود الإنسانية والاهتمام العالمي لمعالجة ما أصبح الآن أكبر أزمة نزوح في العالم. قالت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب: " يوجد واحد من كل ثمانية نازحين داخلياً في العالم في السودان". وتضيف بوب إن احتياجاتهم هائلة، فالنقص الحاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والصرف الصحي، كلها عوامل مجتمعة تعرضهم لخطر متزايد للإصابة بالأمراض وسوء التغذية والعنف. ومع ذلك، فإن الاستجابة الإنسانية حتى الآن غير كافية لتلبية الاحتياجات الماسة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.