المصدر: Getty
مقال

هل يشكل اللاجئون والمقيمون في مصر عبئا اقتصاديا؟

تثير قضية اللاجئين في مصر جدلا متناميا مع زيادة أعداد الوافدين هربا من الصراع المسلح في السودان أو الحرب في غزة.

 نورهان حفظي
نشرت في ٦ أغسطس ٢٠٢٤

استقبلت مصر 40 في المئة من إجمالي عدد الفارين من الصراع في السودان، وكانت البلاد قد استقبلت مليون ونصف المليون مهاجر من سوريا منذ العام 2012 . ومن المتوقع أن تستقبل مصر عددا متصاعدا من الفلسطينيين النازحين من غزة مع استمرار الحرب هناك. لذا أعلنت الحكومة المصرية البدء في تدقيق أعداد من أسمتهم بـ "الضيوف" لتقرر تبعا لذلك الإجراءات التي ستتخذها للحصول على المزيد من الدعم الدولي نظير أعباء هذه الاستضافة. لكن هذا الإعلان، الذي جاء في كانون الثاني/يناير الماضي خلال اجتماع لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مع عدد من الوزراء المعنيين، لم يذكر أن هؤلاء الضيوف ليسوا كتلة واحدة، بل جمع بشكل خاطئ بين فئات اللاجئين والمهاجرين والمقيمين بشكل مؤقت، ولم يوضح نوع الدعم الذي تتلقاه كل فئة من هؤلاء، وما العبء الذي تشكله. 

هذا الخلط وما تبعه من تناول إعلامي أثار جدلا واسعا، وفتح الباب لتنامي خطاب الكراهية والتنمر ضد هذه الفئات، وتحميلها كثيراً من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية، مثل زيادة سوء الأوضاع المعيشية، وارتفاع تكلفة الخدمات وعدم توفر كثيراً من السلع. وفي هذا السياق، برزت أسئلة بشأن أثر استقبال ما يزيد عن 9 ملايين ضيف على الوضع الاقتصادي المتأزم في مصر.  

لاجئون أم مهاجرون  

وفقا لإحصاءات رسمية ينقسم هؤلاء الضيوف إلى، أولا، لاجئين وهم الكتلة الأقل من بين الـملايين التسعة حيث يمثلون نحو 600 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية العليا لشئون اللاجئين في مصر ويحصل هؤلاء من المفوضية على دعم مالي وقانوني محدود  لـ اللاجئين الأكثر احتياجا، كما تقدم المفوضية دعما إلى قطاع الصحة الحكومي في هيئة مستلزمات طبية، وإلى قطاع التعليم في هيئة دعم مالي بناءً على عدد المدارس التي سجلت استقبالها لـلاجئين.

باستثناء هذا العدد، فإن المتبقي هم إما من الزوار والمقيمين بشكل مؤقت، أو المهاجرين الذين حاولوا توفيق أوضاعهم بطرق قانونية مختلفة للحصول على إقامة طويلة الأمد، ومن ثم الاندماج في المجتمع. ووفقا للتصريحات الرسمية فإن 60 بالمئة من هؤلاء الضيوف يقيمون في مصر منذ نحو عشر سنوات، و37 بالمئة منهم يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة ، ولا تحصل هذه الفئات على أي شكل من أشكال الدعم الحكومي او الدولي.

تحديًا اقتصاديًا أم إضافة؟

طبقا لهذه الإحصاءات، فإن اللاجئين يمثلون الكتلة الأقل من إجمالي عدد الأجانب المقيمين في مصر ولا تتحمل الحكومة المصرية أعباءهم. في المقابل، تلتزم باقي فئات المقيمين بدفع الضرائب وكافة المصروفات المعيشية، كأي أجنبي مقيم في غير موطنه، وفقا لما يحدده قانون الأجانب، والقوانين واللوائح ذات الصلة. على سبيل المثال، يدفع الطلاب الأجانب مصروفات القيد بالجامعات المصرية بالدولار، وكذلك يدفعون مصروفات استخلاص إجراءات الإقامة بالعملة الأجنبية.

لا تقتصر المدفوعات بالدولار على استخلاص أوراق القيد الحكومية فحسب، وإنما في كثير من الأحيان تمتد إلى دفع الإيجارات، وإلى المسائل المتعلقة بحركة بيع وشراء العقارات. تعود أسباب ذلك إلى ثقة الناس المتزايدة واعتمادهم على العملة الأجنبية، إضافة إلى توفر الدولار أو العملة الأجنبية مع الوافدين أكثر من المواطنين المصريين، الأمر الذي يعد فرصة للمُلاك المُؤجرين، وهناك أيضا زيادة الطلب على هذه الخدمات المرتبطة بزيادة عدد الوافدين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجار ومضاهاتها بقيمة العملة الاجنبية.

وفي هذا الصدد، يرى الكاتب الصحفي الأستاذ أكرم الألفي المهتم بشكل خاص بملف الديموغرافيا أن معظم السودانيين والسوريين الذين أتوا الي مصر يمكن اعتبارهم من المنتمين للطبقة العليا والمتوسطة – العليا، وهم من أصحاب رؤوس الأموال الذين أتوا بشكل شرعي معتمدين على مدخراتهم ونجحوا في إقامة استثمارات متعددة ومن ثم العيش والاندماج. هذه الفئات لا تمثل بالتبعية عبئا على الحكومة المصرية وعلى الموازنة العامة، بل هي تعد إضافة اقتصادية لعدة أسباب؛ فمن جهة، وبما أن الحكومة المصرية تتخذ استراتيجية معلنة لتخفيض الدعم للسلع والخدمات للحد الأدنى، فإن المقيمين لا يشكلون عبئا على الموازنة والانفاق العام. من جهة ثانية، تقوم هذه الفئات بدفع مقابل الخدمات من صحة وتعليم وسكن بالدولار وبالتالي هم يمثلون مصدراً جيداً للعملة الأجنبية. من جهة ثالثة، يسهم وجود هذه الفئات في مصر في إعادة الحيوية لبعض القطاعات الاقتصادية كالعقارات والفندقة.

بالنظر للتفاصيل بشكل أعمق، فوفقا للألفي، فإن أغلب سكان حلب، وهم من المسلمين السنة ومدينتهم كانت مركزا للصناعة والتجارة، قد استقروا بين مصر وتركيا وبالتبعية صارت مصر نقطة جذب للبرجوازية السنية السورية التي أتت بمشروعات صناعية وتجارية ومستويات عليا من التعليم. وهذا ما تدلنا عليه الأرقام، فمن بين مليون ونصف المليون سوري يقيمون في مصر، هناك ما يقرب من مئتي ألف من أصحاب رؤوس الأموال، ويعمل لديهم ما بين 600 إلى 700 ألف سوري. وفقًا لتقديرات الألفي.  

كذلك الوضع بالنسبة للجالية السودانية، التي يرى الألفي أنها أعادت التوازن لاقتصاد العقارات مرة أخرى. فأغلبية الجالية السودانية التي قدمت الي مصر تنتمي أيضا للطبقة العليا والوسطى- العليا، تماما كنظيرتها السورية. وقد كان للسودانيين مناطق تمركز تاريخية خلال الأربعين عاما الماضية في القاهرة، في أحياء مثل حي المهندسين وحي فيصل، فأصبحت هذه المناطق نقاط جذب للقادمين الجدد الذين إما استأجروا فيها عقارات بالدولار، أو استثمروا أموالهم في شرائها. ونتج عن الأمرين ازدهار لسوق العقارات في هذه المناطق.

 لذا من الممكن أن نعتبر المقيمين الأجانب في مصر باختلاف فئاتهم إضافة مهمة، لها أثر إيجابي في منح الاقتصاد المصري قيمة مضافة، دون التأثير سلبا على الفرص المتاحة للمصريين. كما أن إقامتهم لا ينبغي أن تشكل ضغطا على قطاع الخدمات، إذ يفترض أن المدفوعات بالعملة الأجنبية نظير الحصول على الخدمات تسهم في نمو هذا القطاع ليتسع لزيادة العدد. بل، ويمكن القول أيضا إن توافد هؤلاء الضيوف في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة يعني أنهم قد يسهمون في تحمل أعبائها مع مواطني البلاد.

ملاحظة:

اُجرت كاتبة المقال المقابلة مع الكاتب الصحفي الأستاذ أكرم الألفي بتاريخ 22 و 27 ابريل 2024.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.