المصدر: Getty
مقال

الأزمة السورية محفزاً للتحول إلى الطاقة المتجددة

أسهمت الأضرار الجسيمة في قطاع الطاقة الكهربائية في سوريا إلى تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة، حيث فرض نقص إمدادات الطاقة التقليدية توجها عاما نحو استخدام مصادر بديلة.

 جلال العطار
نشرت في ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤

تسببت الأزمة السورية في تأثيرات خطيرة على قطاعات عدة في البلاد، ولا يزال التأثير الاقتصادي للأزمة يشكل عبئًا كبيرًا على الشعب السوري بشكل عام. ويمثل الوضع الخدمي المتدهور معاناة حقيقية للشعب، خاصة مع تفاقم أزمة تأمين الطاقة الكهربائية التي تعد أساس الاقتصاد والحياة اليومية. شهدت ساعات التغذية الكهربائية تراجعًا ملحوظًا منذ بداية الأزمة في عام 2011، لا سيما بعد تدمير العديد من محطات توليد الكهرباء والبنية التحتية، بالإضافة إلى انخفاض القدرة على تأمين الوقود اللازم لتشغيل هذه المحطات.

 أشار وزير الكهرباء السوري، في مقابلة، إلى أن الأضرار المباشرة التي لحقت بالمنظومة الكهربائية نتيجة الحرب تقدر بنحو 40 مليار دولار، بينما تجاوزت الأضرار غير المباشرة 80 مليار دولار أمريكي. تشمل هذه الأضرار خسائر في البنية الأساسية للمنظومة الكهربائية وخطوط نقل الكهرباء بما يشكل أكثر من 50 في المئة من إجمالي المنظومة الكهربائية في سوريا. كما أثر انخفاض إمدادات حوامل الطاقة من غاز ووقود على تشغيل محطات توليد الكهرباء، حيث تقدر حاجة وزارة الكهرباء اليومية من الغاز بـ 23 مليون متر مكعب، بينما المتاح منها لا يتجاوز 6.5 ملايين متر مكعب. كما تحتاج الوزارة إلى 10 آلاف طن من الوقود يوميًا، لكن الكمية المتاحة لا تتجاوز 4500 طن. نتيجة لذلك، انخفضت ساعات التغذية الكهربائية إلى مستويات متدنية للغاية تصل إلى 2-4 ساعات يوميًا فقط. أدت الحاجة الملحة لتعويض النقص في الطاقة الكهربائية إلى البحث عن حلول من قبل الحكومة والقطاع الخاص وكذلك فئات من الشعب السوري. ولم يكن هناك خيار سوى الاتجاه نحو الطاقة المتجددة.

التحول نحو الطاقة المتجددة

تُسهم عدة عوامل في تسريع التحول نحو استعمال الطاقة المتجددة. من هذه العوامل، أولاً، أدت الحرب إلى تدمير كبير في البنية التحتية التقليدية للطاقة، ما دفع المجتمعات المحلية للبحث عن حلول مستدامة. ثانياً، أدى النزوح إلى زيادة الضغط على المجتمعات المحلية المضيفة ورفع الطلب على الكهرباء. ثالثاً، ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية بشكل متسارع وعدم كفايتها، ما دفع الأسر والمجتمعات المحلية للسعي نحو الاستقلال الطاقي عن المنظومة الكهربائية الحكومية والاستعاضة بمصادر الطاقة المتجددة. رابعاً، تطور التكنولوجيا المتعلقة بالطاقة المتجددة جعلها أكثر كفاءة واقتصادية، ما شجع المزيد من الناس على استخدامها. خامساً، بدأت بعض المنظمات غير الحكومية والجهات الدولية في تقديم الدعم لمشاريع الطاقة المتجددة كجزء من جهود الإغاثة وإعادة الإعمار. وأخيراً، دفع تزايد الوعي بأهمية حماية البيئة بشكل مستدام العديد من الفاعلين المحليين والدوليين إلى دعم مشاريع الطاقة المتجددة كجزء من رؤية مستقبلية لإعادة بناء البلاد.

دعم الانتقال نحو الطاقة المتجددة

حاليا، لاتزال الحكومة السورية تعمل على تحديث التشريعات والسياسات لتشجيع استخدام الطاقة المتجددة، مثل تقديم حوافز ضريبية وتخفيضات على الرسوم الجمركية لاستيراد الألواح الشمسية ومعدات الطاقة المتجددة. وقد صدر القانون رقم (23) لعام 2021 لإنشاء صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة. كما تسعى الحكومة لإقامة مشاريع طاقة متجددة كبيرة ومتوسطة، مثل محطة توليد الشيخ نجار الكهروضوئية في حلب، التي تعد الأكبر في سوريا بقدرة 33 ميغا واط. إضافة إلى توفير  قروض ميسرة للمواطنين الراغبين في تركيب أنظمة طاقة متجددة، وإدراج مشاريع الطاقة المتجددة في استراتيجية إعادة الإعمار لتحقيق التنمية المستدامة بعد إنهاء النزاع.

صرح وزير الكهرباء السوري عن خطة لتحقيق إنتاج طاقة ضوئية بقدرة 2500 ميغاواط وطاقة ريحية بقدرة 1500 ميغاواط بحلول عام 2030، بالإضافة إلى تركيب 1.2 مليون سخان ماء شمسي. ولكن يظل الوضع الاقتصادي المعقد في سوريا يشكل تحدياً رئيساً لتحقيق هذه الأهداف، إذ تبقى المشاريع الكبيرة قليلة ومتركزة في المدن الصناعية وتعاني من عدم اكتمال التنفيذ، بينما أثبتت المشاريع الصغيرة جدواها وأنها أكثر فعالية وقدرة على الانتشار، خاصةً في مجال الزراعة وتشغيل آبار المياه وأبراج الاتصالات بسبب تكلفتها الأقل وسهولة تنفيذها من الناحية الفنية.  كما تعتبر الطاقة الشمسية المنزلية خيارًا جذابًا للعديد من الأسر، إذ يقوم المواطنون القادرون ماليًا بتركيب أنظمة طاقة شمسية على أسطح منازلهم لتلبية احتياجاتهم اليومية.

بشكل عام، يمكن القول إن الأزمة السورية قد أسهمت بشكل غير مباشر في تسريع التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة بوصفها وسيلة للتكيف مع الظروف الصعبة وتعويض النقص في مصادر الطاقة وتحقيق الاستدامة. ويبدو في ظل الظروف الراهنة، أن دعم المشاريع الصغيرة وتوفير برامج تمويل ميسرة هو الأسلوب الأمثل في تسريع الانتقال نحو الطاقة المتجددة في سوريا.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.