REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

حوار مع د. محمد عبد الملك المتوكل، الأمين العام المساعد لحزب القوى الشعبية

يمكنني القول أن محاولة اللقاء المشترك كان لابد منها لخلق نوع من التوازن، لأنه لا يمكن تحقيق ديمقراطية دون توازن بين القوى السياسية. اللقاء أحد وسائل خلق التوازن بين مؤسسات المجتمع المدني والقوى التي تنتج السلطة

نشرت في ٢٣ أغسطس ٢٠٠٨

ـ ما هو وضع الأحزاب في اليمن، وكيف تصف مشاركة حزب القوى الشعبية في اللقاء المشترك؟
يمكنني القول أن محاولة اللقاء المشترك كان لابد منها لخلق نوع من التوازن، لأنه لا يمكن تحقيق ديمقراطية دون توازن بين القوى السياسية. اللقاء أحد وسائل خلق التوازن بين مؤسسات المجتمع المدني والقوى التي تنتج السلطة: المؤسسة العسكرية والمؤسسة العشائرية. وقد قام اللقاء المشترك المتكون من خمسة أحزاب سياسية: الإصلاح والاشتراكي والناصري والحق والقوى الشعبية الذي أنتمي إليه، بدور لا بأس به في الانتخابات التي عسكت نمو الأحزاب وتطوره.
تقبل الأحزاب في الدول الديمقراطية والنامية على أساس أن الحكام يريدونها ديمقراطية لا تغير مواقعهم ولا تؤثر على امتيازاتهم، ولاتحد من سلطتهم، ولا تتجاوز الخطوط الحمراء في نقدهم، لكنها تصبح مع مرور الأيام سلاح ذو حدين، فتتحول لدى الناس إلى إحساس بالحق، فتنمو الأحزاب وتنمو ثقافة الناس. كما تجاوزت الصحافة اليمينة الخطوط الحمراء في النقد، وأصبحت أثناء الانتخابات الرئاسية تنتقد أعلى منصب في الدولة، وهذا يدل على نمو وصل إلى حدود القدرة لخلق التوازن.
لنفترض أن الحزب الحاكم، وهو حزب الحاكم، لأنه لا يوجد لدينا إلا حاكم، نافس في الانتخابات حزبا آخر، فلن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة، في ظل وجود طرف آخر يستغل إمكانات الدولة وقدراته، ويستخدم الإعلام العام والجيش والناس، وسلطات الدولة المختلفة. فالأحزاب في هذه الحال لا تنافس حزبا وإنما تنافس دولة. وبالتالي تصبح المنافسة غير منطقية. ورغم ذلك أعتقد أن الانتخابات الرئاسية كانت قوية جد، والأهم فيها هو تطور الحس الثقافي لدى الناس، حيث أدركوا أن التنافس يأتي من خلال صناديق الاقتراع.
والانتخابات تعني أولا ترسيخ نهج ديمقراطي، وثانيا تعميق الثقافة الديمقراطية، وثالثا تقديم الأحزاب برامجه، واكتساب الكوادر خبرة في كيفية التنافس، وهذا ما دفع اللقاء المشترك للمشاركة في الانتخابات، فهو يعي أن هناك انعدام في التوازن.

ـ
هل للأحزاب في اليمن حضور شعبي؟
أعتقد الآن، أن الأحزاب موجودة. كانت الأحزاب نوعين إما سرية فلا تستطيع أن تخاطب الجماهير، فتنمو بشكل مناطقي لأسباب أمنية، وكانت تتبع سياسة: "نفذ ثم ناقش". وهذا يعني أن الكوادر فيها لا تتعود على قضية الديمقراطية لعدم الإحساس بالأمان. وعندما أقرت التعددية الحزبية، كان على الحزب أن يتعلم كيفية مخاطبة الناس، وأن يتعامل ديمقراطيا في إطاره الداخلي، وهذه أمور كلها تحتاج إلى زمن لتترسخ.
وإما أحزاب السلطة، الحزب الاشتراكي مثلا في المحافظات الجنوبية صنع السلطة، فهيمنت على مؤسسة الحزب لاحقاً لتصبح سلطة أكثر منها حزب. وينطبق الأمر على حزب المؤتمر، هو حزب صنعته السلطة فهو يتصور أنه تجمع للموظفين. هي أحزاب صنعت من فوق. وبالتالي ليست سهلة عملية التحول لأن مجتمعاتنا هي نتاج ثقافة سلطوية، الحاكم يتصور أنه مالك لهذا البلد وأهله، والمواطنون يتصورون أنفسهم رعية.
أستطيع القول أنه لدينا اليوم أحزاب لها حضور شعبي، وبالأخص أحزاب مثل الإصلاح، والاشتراكي الذي له تراث كبير، ومن ثم يأتي بعدهما التنظيم الوحدوي الناصري، ثم اتحاد القوى الشعبية وحزب الحق.

ـ
كيف تعمل الأحزاب عل تنمية االقاعدة الشعبية، وهل تشكل هذه القاعدة قوة ضغط على السلطة؟
الإصلاح هو مهمة الأحزاب، وهو لا يتم إلا بأحد أمرين، إما بإرادة سياسية تسعى لبناء دولة حديثة، وديمقراطية، وإما بإرادة شعبية، تضغط على الإرادة السياسية. مهمة الأحزاب تنمية الإرادة الشعبية، خاصة أحزاب المعارضة. أحدثت الانتخابات الأخيرة قفزة نوعية، فالمواطنون اليوم من صعدة حتى المهرة، يراقبون الرئيس الذي انتخبوه، ويشعرون أن السلطة، والرئيس أيض، مسئولون أمامهم. هذا تغير ثقافي في منتهى الأهمية.
مشكلتنا هي غياب الديمقراطية، وغياب الفصل بين السلطات، وغياب القضاء المستقل، وغياب سيادة القانون، وبالتالي في ظل هذا الغياب لا توجد الإدارة الفعالة. ولهذا تكاد تكون مشاكل الأحزاب واحدة، وبرامجها واحدة لأنها تعكس نفس الظروف والحالات، فما الذي جمع أحزاب اللقاء المشترك؟ ما الذي جمع الإسلامي مع الاشتراكي مع الناصري؟ إنهم يريدون تسوية الملعب الديمقراطي، لأنه مخرب، ليلعب كل بفريقه.
بدأت الأحزاب الإسلامية من منطلقات ذات طابع مذهبي أو طائفي، ومع مرور الأيام بدأت تتحول إلى أحزاب سياسية. اليوم لم تعد الأيديولوجية ذات أثر فعال داخل الأحزاب فقد أصبحت الآن ذات طابع برامجي، وهذا تطور هام جد.
الكوادر الحزبية نفسها تساهم مساهمة إيجابية إلى حد ما في صياغة البرنامج، لكن الأحزاب لا يمكنها أن تستمد برامجها إلا من هموم الناس ومشاكلهم، حيث تعرض المشاريع التي يقترحها الحزب على هيئات مختلفة في المحافظات كافة، لتدرس مع القاعدة الشعبية، ثم يضاف إليها أو تعدل ثم تقر بعد ذلك.

ـ
إلى أي مدى تعمل الأحزاب مع منظمات المجتمع المدني، وكيف هي العلاقة بينهما؟
في رأيي الشخصي منظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة أهم من الأحزاب السياسية، لأنها تضم النخبة، وبالتالي يمكنها القيام بدور كبير وهام جدا لو امتلكت استقلاله. لكن هذه المنظمات يتنافس عليها طرفان؛ الأجهزة الأمنية والأحزاب السياسية. كل منها يريد أن يجيرها لمصلحته، وهذا يمزق القاعدة الشعبية. ولهذا تم الاتفاق بين الأحزاب على الحرص على استقلاليته. لكن علاقتها بالأحزاب ليست بالشكل المطلوب، حتى الآن. فرغم اقتناع قوى الأحزاب بتغيير هذه العلاقة، غير أنه من الناحية العملية، كوادر الأحزاب نفسه، لم تستطع التخلص من الثقافة السابقة، عندما كانت سرية، لا يزال الحزبي لا يفرق بين دوره داخل المنظمة ودوره في الحزب. لا تزال السلطة أيضا تستخدم دورها وإمكاناتها لإجهاض دور هذه المؤسسات.

ـ
هل توجد أجندة وطنية للإصلاح باليمن؟
اللقاء المشترك لديه برنامج وطني يضع الإصلاح السياسي بوابة للإصلاح الشامل، وهو ينطلق من أن المجتمع اليمني فقير، ولابد له من تنمية اقتصادية، وكي يقوم بذلك لابد من أداة إدارية فعالة وكفؤة، وكي توجد هذه الأداة، لابد أن يكون البرلمان قادرا على المحاسبة، ولابد من سيادة القانون ومن وجود قضاء مستقل. إذن بدون الإصلاح السياسي من الصعب جدا إحداث إصلاح اقتصادي.
اليمن مقبل على انتخابات برلمانية، لابد أن يتم اتفاق بين الأحزاب لضمان انتخابات حرة ونزيهة، للاستقواء بها على السلطة وإمكاناته. لقد فتحت الأحزاب حوارا مع الحزب الحاكم، لكن الأهم من ذلك هو فتح حوار مع القواعد الشعبية، ولابد من التخطيط والاستعداد للمنافسة.
يجب أن تتفاوض الأحزاب مع المؤتمر الشعبي، لا أن تتحاور. التفاوض تحكمه موازين القوى، ما الذي يمكن أن تقدمه، وما الذي يمكن أن تضغط به على الطرف الآخر. والأحزاب أمامها أمران؛ فعاليات جماهيرية نشطة تشكل ضغط على الحزب الحاكم، والاستفادة من المنظمات الخارجية التي لها نوع من القبول والإجماع.

ـ
هل هناك مواطنة متساوية في اليمن؟
في عالمنا العربي كله لا توجد مواطنة متساوية، وأسبابها تعود للمهنة أو للدين، وإما للموقع الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي تصورنا لهذه الفئة أو تلك هو ما يعطيها الحقوق. لدينا قوى مهمشة، نعتبرها ذات طبيعة دونية، لم نعطها من الحقوق إلا ما يساوي صورتها في أذهانن. هل هناك مواطنة متساوية بين المرأة والرجل؟ إن النظرة الدونية التي ينظر بها الرجال إلى المرأة، تجعلهم يعطونها من الحقوق حسب تصورهم له، المواطنة المتساوية لا توجد.

ـ
إلى أي مدى يمكن اعتبار الأحزاب نوافذ خلفية للنظام أو امتداد لها؟
في عالمنا العربي، الأحزاب سواء في المعارضة أو في السلطة تنادي بالديمقراطية، ولكن هل تمارس الأحزاب الديمقراطية؟ وهي تنادي بالعمل المؤسسي وبالحرية، لكنها لا تعمل بذلك.
لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا أصبحت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني نموذجا للدولة التي نحلم به. أحزاب المعارضة وأحزاب السلطة يمثلان وجهان لعملة واحدة إلى حد م. لكن هناك تحول م. حضرت مؤخرا ندوة أقامتها الإدارة الإعلامية لفتيات الإصلاح، كان صوت المرأة لا يسمع. فتح في مؤتمر الإصلاح حوار بين القوى السلفية وبين النساء أنفسهن، وانتخبت النساء في مجلس شورى الإصلاح نفسه. هذا يعكس تطور في وعي المجتمع.
الأهم من هذا كله، وما يبعث على التفاؤل، هو الحراك الاجتماعي، اليوم مدارسنا وجامعتنا دخلت العراك السياسي، وهي تضم ما لا يقل عن 300 ألف متعلم، كل يريد أن يغير موقعه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهؤلاء سيجدون الموقع الاقتصادي مقفل، والموقع الاجتماعي أيض، ولا يوجد أمامهم إلا النضال في الموقع السياسي. وإذا استطاعت الأحزاب تنظيم هؤلاء وتجعل منهم حراكا قوي، فأنا أعطي لليمن عشر سنوات فقط لتصل إلى مرحلة متقدمة في قضية الديمقراطية.

أجرت المقابلة رفيعة الطالعي صحافية عمانية ومساعدة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.