حتّى الآونة الأخيرة، كانت برامج المساعدة الغربية الهادفة إلى تعزيز الأحزاب السياسية أقلّ حضوراً في العالم العربي منه في كلّ المناطق الأخرى تقريباً في العالم النامي. لكن في إطار الاهتمام الأميركي والأوروبي المتزايد بترويج الإصلاح السياسي العربي، تتضاعف هذه البرامج في المنطقة.
بعض المؤسّسات السياسية الأوروبية الكبرى مثل فريدريك إبرت ستيفتونغ وكونراد أدناور ستيفتونغ ومركز أولوف بالم السويدي موجودة في بلدان عربية عدّة منذ سنوات وترعى بعض الأنشطة المتعلّقة بالأحزاب. الزيادة الحالية في المساعدات للأحزاب مصدرها في شكل أساسي المعهدان الحزبيان الأميركيان، المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية. إنّهما منظّمتان خاصّتان تابعتان للحزبين السياسيَّين الأساسيّين في الولايات المتّحدة. وتموّل عملهما في الشرق الأوسط الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأميركية و
الصندوق الوطني للديمقراطي. وتعملان حالياً مع الأحزاب السياسية في الجزائر والعراق والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين واليمن.
غالباً ما تسبّب المساعدة الخارجية للأحزاب حساسيّات بسبب محوريّة الأحزاب في الحياة السياسية. في العام الفائت، اتّخذت كلّ من البحرين ومصر خطوات لوضع حدّ للمساعدات الأميركية للأحزاب وبرامج أميركية أخرى متعلّقة بالديمقراطية خوفاً من التدخّل السياسي. ويزداد هذا الجدل حدّة أحياناً بسبب المفاهيم الخاطئة عن مساعدة الأحزاب. وفي الشرق الأوسط، توجد خمسة مفاهيم خاطئة في هذا الإطار:
1) تتضمّن المساعدات الغربية للأحزاب تحويل سيولة مالية إلى الأحزاب السياسية. لا تشمل مساعدة الأحزاب تحويل أموال بل محاولة نقل المعارف عن كيفية تطوير الأحزاب السياسية. تتألّف برامج المساعدات الحزبية في شكل أساسي من ندوات وحلقات عمل ومؤتمرات وجولات دراسية ومشاورات غير رسمية وأنشطة أخرى مشابهة تستهدف ناشطي الأحزاب ومرشّحيهم ونوّابهم.
2) تستعمل الحكومات الغربية مساعدة الأحزاب لمنح بعض الأحزاب الأفضليّة على سواها والتأثير في نتائج الانتخابات. في بعض الحالات في أميركا اللاتينية والكتلة السوفياتية السابقة، تعاطفت المساعدات الأميركية للأحزاب مع ائتلافات معارضة تحدّت القادة الأقوياء المحصَّنين كما في الشيلي خلال رئاسة أوغوستو بينوشيه وفي صربيا في ظلّ سلوبودان ميلوسفيتش. غير أنّ الصعود الحالي في البرامج الأميركية لدعم الأحزاب في الشرق الأوسط يندرج إلى حدّ كبير في إطار عملّية متعدّدة الأحزاب والمشاركة فيها مفتوحة أمام كلّ الأحزاب المسجَّلة قانونياً في بلدانه. هناك استثناءان في لبنان وفلسطين حيث لا تشمل البرامج الأميركية لمساعدة الأحزاب "حزب الله" و"حماس" بسبب القيود القانونية الأميركية. عندما تُقدَّم المساعدة إلى ائتلاف معارض في المنطقة، كما يفعل المعهد الديمقراطي الوطني في اليمن، تُقدَّم المساعدة أيضاً إلى الحزب الحاكم.
3) المساعدات الغربية للأحزاب تستثني الإسلاميين. يُشرِك المعهدان الأميركيّان الأحزاب الإسلامية في أنشطتهما عندما تكون هذه الأحزاب موجودة ومسجَّلة قانوني، كما في الجزائر والأردن ولبنان والمغرب واليمن. أحياناً تختار الأحزاب الإسلامية لأسبابها الخاصة عدم المشاركة في برامج ترعاها الولايات المتّحدة. على سبيل المثال، يختار حزب العدالة والتنمية المغربي أحياناً عدم المشاركة في برامج المعهد الوطني الديمقراطي والمعهد الجمهوري الدولي. السبب وراء استثناء "حزب الله" و"حماس" المذكور آنفاً هو صلتهما بالإرهاب وليس طابعهما الإسلامي.
4) تركّز مساعدة الأحزاب على تحضيرها للحملات الانتخابية. صحيح أنّ بعض البرامج تساعد الأحزاب على الاستعداد للحملات الانتخابية من خلال مساعدتها على التعلّم عن كيفية تطوير رسالتها وتجنيد المتطوّعين وآليّة التواصل الإعلامي. لكنّ معظم المساعدات الغربية تسعى إلى تعزيز الإمكانات التنظيمية الحزبية في المدى الطويل من خلال مساعدة الأحزاب على بناء حضور في مختلف أنحاء البلاد وتطوير القدرة على التواصل بفاعلية مع قاعدة واسعة من المناصرين وتمثيل مصالحه، وتعلّم كيفية صوغ برنامج سياسي جدّي وتطبيقه.
5) المجموعات الغربية التي تعنى بمساعدة الأحزاب هي منظّمات ثرية ونافذة لها تأثير سياسي حاسم في بلدان أخرى. المؤسّسات السياسية والمعاهد الحزبية الغربية هي فعلاً منظّمات مموَّلة جيداً لكنّ قدرتها على رسم الحياة السياسية للبلدان الأخرى محدودة. طريقة عملها الأساسية – محاولة نقل المعارف والأفكار – هي وسيلة تأثير غير مباشرة لا تترك سوى أثر متواضع. والسجلّ المتعلّق بالتأثير الذي تمارسه مساعدة الأحزاب السياسية واضح جداً في هذا الإطار: لهذه المساعدة في أقصى الأحوال آثار إيجابية تدريجية تنبثق عادةً من تشرّب الناشطين الشبّان في الحزب لأفكار جديدة، كما أنّها تفشل أحياناً في ترك أيّ آثار عندما يقاوم قادة الأحزاب المتلقّية الأفكار الإصلاحية إذ يرون فيها تهديداً لنفوذهم.
باختصار، من المفهوم أنّ صانعي السياسات والمراقبين السياسيين والمواطنين المعنيّين في البلدان العربية سيراقبون المساعدات الغربية للأحزاب بحذر في ما يتعلّق بدورها السياسي في مجتمعاتهم. غير أنّ السؤال الأساسي في معظم الحالات ليس إذا كانت هذه المساعدة تدخّل غير مشروع، بل هو كيف يمكن تفعيلها في وجه الواقع المحلّي الصعب، لا سيّما نقاط الضعف المزمنة التي تعاني منها الأحزاب في أنظمة سياسية مركزية بإفراط، وعدم انخراط عدد كبير من المواطنين في الحياة السياسية اليومية.

توماس كاروثرز نائب رئيس السياسة الدولية في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي، مؤلّف "مواجهة الحلقة الأضعف: مساعدة الأحزاب السياسية في الديمقراطيات الجديدة" (2006).