REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

سورية" النزاع مع الغرب يحفِّز الإصلاح الاقتصادي، لا السياسي

الإصلاح السياسي في سورية ليس في الحسبان. وعود العام الماضي بـ "قفزة كبرى إلى الأمام"ـ إعادة صياغة قانون الطوارئ، والمواطنة للأكراد عديمي الجنسية وقانون جديد للأحزاب السياسية قبل الانتخابات المحلية

 ????? ?? ??????
نشرت في ٢٤ أغسطس ٢٠٠٨

الإصلاح السياسي في سورية ليس في الحسبان. وعود العام الماضي بـ "قفزة كبرى إلى الأمام"ـ إعادة صياغة قانون الطوارئ، والمواطنة للأكراد عديمي الجنسية وقانون جديد للأحزاب السياسية قبل الانتخابات المحلية في 2007 ـ وضعت على الرف. فقد صرح الرئيس بشار الأسد في مقابلة تليفزيونية مؤخرا أنه، أخذا بالاعتبار الوضع في العراق ومعركة سورية المتصاعدة مع الغرب، يأتي الأمن أولا. كان ذلك التحذير هو الطلقة الأولى في انقضاض شامل على زعماء المعارضة وحقوق الإنسان. الأشد من نوعه منذ أن سُجِن زعماء "ربيع دمشق" في 2001.

 

يصرالنظام السوري على أن عليه أن ينظف الأرصفة من أفراد الطابور الخامس المحتملين ضمن استعداده لصدام مع إدارة بوش حول لبنان والحرب على الإرهاب. يونيو شهر حرج. من المتوقع أن يؤدي تحقيق الأمم المتحدة الجديدفي مقتل رفيق الحريري إلى اتهام زعماء سوريين؛ السؤال هو إذا ما كان التحققيق قد جمع أدلة تكفي للتحرك إلى مجلس الأمن ليفرض عقوبات أو ليبدأ محاكمة دولية.

 

إضافة إلى التهديد من الغرب، تشغل وحدة المعارضة السورية المتنامية وكفاءتها التكتيكية بال النظام. فعلى مدى العام الأخير، لم يقتصر الأمر على كون المعارضة الداخلية توحدت وضمت صفوفها إلى المعارضين في الخارج ـ أي الإخوان المسلمين ـ في صياغة "إعلان دمشق"، بل انضم إليها النائب السابق لرئيس الجمهورية عبد الحليم خدام (بعثي سُنّي) في محاولة لشق صفوف الموالين للنظام. الرسالة الموجهة إلى السوريين هي: "هذه ليست العراق؛ لن نتصيد البعثيين. نحن تعدديون، معتدلون، ولا طائفيون؛ النظام عَلَوي، متطرف وطائفي". اجتمعت في لندن يومي 4 و5 يونيو "جبهة الخلاص الوطني" التي تكونت مؤخرا كي تتفق على "خطة تنفيذية لتحرير سورية وتحويلها إلى الديموقراطية".

 

من بين التحديات التي جرى تحديدها في اجتماع لندن تصعيد جهود المعارضة لبناء جسور إلى "ثورة الأرز" اللبنانية. وقد وقع معارضون سوريون مؤخرا إعلانا مشتركا مع نشطاء لبنانيينتأييدا لقرار الأمم المتحدة رقم 1680 (يدعو دمشق إلى حل الخلافات حول الحدود مع بيروت، وإقامة علاقة ديبلوماسية دائمة والسيطرة على انتقال الأسلحة إلى لبنان)، وهي المبادرة التي اتخذت ذريعة لانقضاض النظام مؤخرا. وقد التقى الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط مع خدام في مناسبات عديدة واستضاف وفدا من الإخوان المسلمين في قصره بالمختارة في مايو.وستكون الخطوة التالية أن يتبنى زعيم "حركة المستقبل" سعد الحريري قضية المعارضة السورية في باريس والرياض وواشنطن، ما من شأنه أن يرفع وضع المسألة كثيرا.

 

إذا كانت معركة سورية مع الغرب قد بررت تأجيل التحرير السياسي، فقد عجَّلت بالانفتاح الاقتصادي. فقد أدت جهود واشنطن لصعق الاقتصاد السوري وسد مسالكه إلى المال الأجنبي إلى حصر عقل النظام. ففي الخريف الماضي، عندما خسرت العملة السورية 20 بالمائة من قيمتها فيليلة واحدة بفعل الضغط الغربي، أصر نائب رئيس الوزراء عبد الله الدردري أمام عدد من رفاقه على أنه "سيجتث المتربحين من السوق السوداء". إنها هذه الروح المتعطشة إلى القتال التي مكنت الإصلاحيين في النظام من أن يدفعوا إلى الأمام بتجديد القطاع المالي السوري، الذي يعتبر الآن مسألة حياة أو موت.

 

تكاثرت البنوك الخاصة، وهي تنمو بسرعة رغم أنها لم تحصل بعد على حصة أغلبية في السوق. وقد صرح مدير البنك المركزي أديب ميالح مؤخرا أن سقف الملكية الأجنبية في البنوك الخاصة سيُرفع من 49 بالمائة إلى ما بين 60 و70 بالمائة قريبا. وتم السماح قانونا بالاتجار الخاص في العملات لاستئصال السوق السوداء، واستعادت الليرة السورية القيمة التي خسرتها العام الماضي. كما أن وزارة المالية في طريقها إلى إدخال سندات خزانة وإصدار دَين عام، من شأنه أن يغيّر من قدرة الحكومة على الاستثمار وعلى تخطيط الميزانيات، وهي خطوة رئيسية في تحديث الاقتصاد. حتى الآن، حققت جهود الولايات المتحدة وفرنسا في الضغط على البنوك الخاصة للتوقف عن ضمان خطوط الائتمان لسورية نتائج غير مستوية وفشلت في عرقلة تحرير سورية لاقتصادها.

 

مع ذلك، فإن للتحرير الاقتصادي حدوده، حيث لم يجد الأسد القدرة على اختراق الفساد وطبقات من التشريعات الاشتراكية والمحسوبية، وهي القدرة المطلوبة لتنفيذ إصلاح هيكلي حقيقي. كما خابت الآمال التي راودت الأسد في البداية في أن النمو التجاري السريع سيقود سورية خارج متاهاتها الاقتصادية.فإغلاق الولايات المتحدة السوق العراقية في 2003، وما تبعه من طرد سورية من لبنان في 2005، وجها لخطط الأسد ضربة قوية، لم تتعاف منها سورية إلا جزئيا بإعادة توجيه تجارتها نحو الشرق، إلى روسيا والهند والصين وبامتصاص قدر من الدولارات النفطية التي تُغرِق الخليج.

 

يبقى السؤال مفتوحا حول إذا ما كان بوسع النظام السوري أن يحرر اقتصاده, وأن يتغلب على العقوبات الغربية وأن يحافظ على قاعدة سلطته.ففي مواجهة تزايد الضغط الغربي وضغط المعارضة، أصبحت الأرقام المرتفعة للناتج المحلي الإجمالي وأرقام الاستثمار الأجنبي المرفرفة أسلحة ضرورية لبقاء النظام.

جوشوا لانديس الذي أمضى العام 2005 كباحث رفيع لمؤسسة فولبرايت في دمشق،أٍستاذ مساعد لدراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما ومؤلفالتعليق على سورية دوت كوم. سينشر كتابه "الديموقراطية في سورية" العام المقبل.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.