المصدر: Getty
مقال

انتخابات عاصفة تنهي سنة مضطربة

وصف العنوان الرئيسي لصحيفة " الأهرام " يوم 7 ديسمبر (اليوم الأخير للاقتراع في الانتخابات البرلمانية المصرية التي استغرقت شهرا وجرت على مراحل ثلاث) بأنه أكثر أيام الانتخابات عنفا.

نشرت في ٢٨ أغسطس ٢٠٠٨

وصف العنوان الرئيسي لصحيفة " الأهرام " يوم 7 ديسمبر (اليوم الأخير للاقتراع في الانتخابات البرلمانية المصرية التي استغرقت شهرا وجرت على مراحل ثلاث) بأنه أكثر أيام الانتخابات عنفا. وذهبت صحيفة "المصري اليوم" أبعد قليلا. تحت صور من الاضطراب كان يمكن أن تكون التقطت في نابلس أو رام الله أعلنت الصحيفة أن مصر تستطيع الآن أن تتنفس الصعداء ، وكان عنوانها العريض الساخر "وقف إطلاق النار".

كان من المفترض أن تكون الانتخابات التي جرت بين 9 نوفمبر و 7 ديسمبر قمة عام طغى فيه الإصلاح والتحول الديموقراطي على جدول أعمال البلد واستولى على الخطاب العام. وقد أثبتت الانتخابات أنها قاع الموجة؛ حتى لا نقول ما هو أسوأ. فمن حيث العنف والبلطجة وجداول الناخبين الغارقة في الفوضى والعبث والقمع البوليسي والتدخل والقهر من جانب هيئات الدولة والشراء الفج للأصوات وتزوير التصويت، تنافس انتخابات هذا العام أسوأ ما شهدته البلاد من انتخابات منذ انتخابات 1976 التي تميزت وحدها بالحرية. وبينما أصبح توفير الأفراد اللازمين لإدارة الانتخابات أكثر صعوبة عموما نتيجة للإشراف القضائي، كان هناك العديد من حالات التزوير السافر لنتائج الاقتراع الموثقة توثيقا جيدا، في بعض الحالات بتواطؤ قضائي، وفي حالات أكثر بتجاهل فاضح للقضاء، بما في ذلك تهديدات بالعنف وهجمات بدنية فعلية على القضاة.

 

مع ذلك، كان أبرز أشكال سوء السلوك الانتخابي هذه المرة هو مهاجمة الناخبين أنفسهم. وقدّم البلطجية المأجورون، الذين كان الكثير منهم يشرعون السيوف، الصورة الغالبة لانتخابات 2005. وأشارت الدلائل بقوة إلى مرشحي الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، بمن فيهم الأعضاء المتمردون الذين خاضوا الانتخابات ضد مرشحي الحزب الرسمي، على أنهم الفاعلون الحقيقيون وراء البلطجية .بلا استثناء، وقفت الشرطة جانبا بينما كان البلطجية الذين يدعمون الحزب الوطني الديموقراطي يهاجمون الناخبين . في المراحل التالية من الاقتراع، تخلت الشرطة حتى عن التظاهر بالحياد. منعت الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بفرض حصار على مراكز الاقتراع، إضافة إلى قرى وأحياء حضَرية بأكملها حيث يتمتع مرشحو المعارضة (معظمهم من الإخوان المسلمين) بقواعد تأييد قوية، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين قوات مكافحة الشغب ومؤيدي المعارضة الغاضبين. ومع سقوط 10 قتلى على الأقل وجرح العشرات، قارنت إحدى منظمات حقوق الإنسان سلوك الحزب الوطني الديموقراطي والشرطة في المرحلة الثالثة من الانتخابات بعمليتي "عاصفة الصحراء" و"درع الصحراء" معا.

 

إضافة إلى ذلك، تؤكد نتائج انتخابات 2005 أن النظام السياسي المصري في أزمة عميقة. فللمرة الأولى في التاريخ البرلماني المصري، حصلت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة على 88 مقعدا في مجلس الشعب، تعادل 20 بالمائة من 432 مقعدا حُسِم أمرها حتى الآن ( تأجّل الاقتراع بأمر قضائي في ست دوائر تضم المقاعد الـ 12 المتبقية من المقاعد المنتخبة، وعيّن الرئيس مبارك عشرة آخرين). ورغم أن الحزب الوطني الديموقراطي احتفظ بأغلبيته الكاسحة في البرلمان، متخطيا بسهولة حاجز الثلثين اللازم لإقرار تعديلات دستورية بالحصول على 311 مقعدا (73 بالمائة من الإجمالي)، فإن نظرة عن قرب إلى الأرقام تكشف عن حزب حاكم بادي التمزق. فالحقيقة أن القائمة الرسمية للحزب الوطني الديموقراطي، بغض النظر عن التزوير والعنف والترهيب، لقيت فشلا مدويا، حيث خسر 287 من مرشحي الحزب مقاعدهم، ما أعطى القائمة الرسمية للحزب الحاكم نسبة نجاح تبلغ 34 بالمائة. لقد حصل الحزب الوطني الديموقراطي على أغلبيته فقط عن طريق إعادة العضوية إلى الأعضاء المتمردين الذين خاضوا الانتخابات كمستقلين ضد مرشحي الحزب الرسميين.

 

ليس الفشل المدوي بالقدر نفسه لأحزاب المعارضة الشرعية العلمانية (أو شبه العلمانية) بأقل خطورة، فقد حصل حزب الوفد على 6 مقاعد لا غير، وحزب التجمع اليساري على مقعدين، وحزب الكرامة الناصري ( الذي لم يحصل بعد على ترخيص) على مقعدين، والمجموعة المنشقة عن حزب الغد على مقعد واحد. كما فشل جميع زعماء أحزاب المعارضة في استعادة مقاعدهم، بمن فيهم زعيم الحزب العربي الناصري ضياء الدين داود وزعيم حزب التجمع خالد محيي الدين وزعيم حزب الغد أيمن نور.

 

هل أنه مقدر لمستقبل مصر السياسي أن يكون معلّقا بين السلطوية شبه العلمانية لـ الحزب الوطني الديموقراطي المتهالك والمتداعي والسلطوية الإسلامية الصاعدة والأكثر حيوية بكثير للإخوان المسلمين؟الوقت مبكر على الإجابة. ومع ذلك، ففي الوقت الراهن، يثبت ربيع القاهرة الذي كان مضرب الأمثال أنه كان عابرا مثله مثل ذلك الفصل الذي يكثر التغني به في وادينا الذي تحاصره الصحراء. ومع انتهاء 2005، إنه الخريف الذي في بدايته افتتح الرئيس حسني مبارك البالغ من العمر 77 عاما ولايته الخامسة لست سنوات على رأس البلاد، ما يبدو أنه يوفر الشبه الأنسب لما يأخذ بخناق الطبقة السياسية المصرية من تقلصات وتحولات. يمكن فهم التغير في الحياة السياسية في مصر في العام الذي ينتهي في إطار غروب عصر أكثر من بزوغ عصر جديد و في تآكل لا تجدد.

 

هاني شكر الله صحافي مصري والمحرر السابق لصحيفة الأهرام ويكلي.