لم تظهر على الإعلام السوري أي علامات للتغيير، منذ أن استولى حزب البعث على السلطة بانقلاب في العام 1963. والحقيقة أن قطاع الإعلام السوري واحد من أشد نظائره في العالم العربي خضوعا للسيطرة. فالأغلبية الساحقة من المطبوعات مملوكة للدولة، ونادرا ما تعبر عن آراء غير موالية. وقد أنعش مجيء الرئيس الشاب بشار الأسد إلى السلطة في العام 2000 آمالا في أن النظام سيخفف القيود بقدر له مغزاه.
لكن، بعد فترة قصيرة من تخفيف الضغط في 2001 عرفت باسم "ربيع دمشق"، أصدر الأسد قانونا للمطبوعات يقوي السيطرة الحكومية؛ وسمح بالترخيص لمجلة سياسية مستقلة واحدة، يملكها ابن وزير الدفاع؛ وواجه المعارضة بشدة.
رغم الصورة الكئيبة الشاملة، بدت في الشهور الأخيرة مؤشرات أن ذوي التفكير الإصلاحي من أعضاء النظام، مستعدون للسماح بالتعبير عن معارضة محدودة في المنافذ المملوكة للدولة، خصوصا في الإعلام المطبوع.
يبدو أن "السياسة" الجديدة" - أو، لنكن أكثر دقة، الاتجاه الجديد - هي امتداد لتسامح النظام مع المبادرت المبنية على الإنترنت والتي تصدر عن شخصيات المعارضة المقيمين في سوريا وفي المنفى. تقدم المبادرات، التي بدأت في العامين الأخيرين، منصة للحوار بين الإصلاحيين داخل النظام وخارجه. على سبيل المثال، أسس أيمن عبد النور، وهو مهندس له علاقات مع الرئيس الأسد، خدمة إنترنت [www.all4syria.org] تعرف باسم "كلنا شركاء" [في الوطن]. ورغم أن السلطات السوريا سدَّت الموقع الإليكتروني في وقت سابق من هذا العام، ما زال عبد النور يوزع نشرة إليكترونية تضم مقالات لإصلاحيين ذوي اتجاهات سياسية متنوعة، بمن في ذلك، أحيانا، مسؤولون حكوميون. مشروع آخر من هذا القبيل هو "مشروع الثروة" [www.tharwaproject.com]، وهو منصة إليكترونية ترمي إلى إلقاء الضوء على هموم وتطلعات الأقليات الدينية والعرقية في سوريا وغيرها من بلدان الشرق الأوسط.
يبدو أن غلبة الطبيعة الهادئة والعقلانية على هذا الحوار الإليكتروني، مع الإدراك المتنامي من جانب أعضاء تقدميين نسبيا في النظام أن الإصلاحات السياسية، يمكن أن تزيح الضغوط الخارجية ( خصوصا تلك التي تأتي من إدارة بوش) قد شجعت الرئيس ومستشاريه على التفكير في تغييرات أكثر جرأة في قطاع الإعلام.
يبدو، أنه لهذا السبب، عين الأسد عددا من الوزراء ذوي التفكير الإصلاحي عند تعديل الحكومة في أكتوبر 2004. وقد سارع وزير الداخلية الجديد، لواء الجيش المتقاعد غازي كنعان إلى إعلان أن الصحافة السوريا "لا تُقرأ" وطالب أن يجري التعبير عن الانتقاد لأداء الحكومة في الإعلام الذي تملكه الدولة. ويقع عبء تحديث إعلام الدولة على عاتق وزير الإعلام الجديد مهدي دخل الله، وهو نفسه صحافي وكان رئيسا لتحرير "البعث" الصحيفة الرسمية لحزب البعث. وقد تساءل دخل الله في افتتاحياته الأخيرة قبل تولي منصبه الوزاري عن الحاجة إلى استمرار حالة الطوارئ، المفروضة منذ 1963، ودعا إلى تبني إصلاحات ديموقراطية جدية، قائلا إنه لايوجد عدم توافق أساسي بين أيديولوجية البعث والديموقراطية. وقد أشرف دخل الله منذ تعيينه على إعادة تنظيم العديد من المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة بوجهة جعلها أكثر مهنية.
في تلك الأثناء، نشرت الصحف المملوكة للدولة مقالات لمعارضين معروفين. كان ملحوظا بينها على وجه خاص مقالة كتبها حَكَم البابا في الصحيفة اليومية " تشرين"، تنتقد الاضطهاد المستمر للصحافيين المعارضين على أيدي أجهزة الأمن العديدة في البلاد. وضرب البابا مثالا بتجربته الخاصة، وذكر اسم دخل الله باعتباره المحرك لجولة من تلك الاعتقالات والاستجوابات عندما كان رئيسا لتحرير "البعث". كانت المقالة سابقة أولى في تعريض دور أجهزة الأمن السوريا لمثل هذا الانتقاد العلني.
مع ذلك، فإن "غلازنوست" إعلامية حقيقية تتطلب أكثر من الإيماءات العرضية إلى حكايات، بغض النظر عن مدى ما يبدو فيها من شجاعة ووعد. فمن دون التزام الدولة الواضح والعلني بقطاع إعلامي مفتوح، وبالسماح حقا بصحف مستقلة وغيرها من منافذ، والكف عن اضطهاد الصحافيين والناشطين، لن تكتسب مثل هذه الحركات غير الرسمية أبدا المصداقية الضرورية في أوساط المعارضين في البلاد ولا في أوساط المراقبين الدوليين الذين يواصلون إدانة سجل سوريا في حرية التعبير. إضافة إلى ذلك، فإن بوسع النظام السوري أن يغير الاتجاه في أي لحظة.
أما المعارضون السوريون، فما زال عليهم أن يستفيدوا استفادة كاملة من الحريات الضئيلة، إنما ذات المغزى، المسموح بها في المنافذ المملوكة للدولة. من الضروري كتابة مقالات حول المسائل التي طال حظرها، لكنها لا تكفي. على المعارضين أن يقدموا مقترحات وبرامج محددة ومطالب لتسهيل عملية الإصلاح وأن يبنوا جمهورا جذريا للتغيير الديموقراطي - وهو ما لا يوجد في سوريا، على الأقل ليس بالمعنى المنظم.
لأنه كما نعرف، تمثل حرية الصحافة الجبهة الأولى لأي تحول حقيقي إلى الديموقراطية، لأنها ما أن تتحقق، تسمح بمراقبة أداء الحكومة ومحاسبة الشعب لنظم الحكم. وهكذا، فإنه إذا قصُر الإصلاحيون السوريون عن اختبار حدود تلك الحريات الجديدة، مهما كانت شاحبة أو عابرة، فكيف سيختبرون جدية النظام، أو يدفعونه إلى القيام بإصلاح حقيقي؟
** حاليا، عمار عبد الحميد زميل زائر في " مركز الصبان لدراسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكينغز في واشنطن. وهو روائي ومحلل اجتماعي سوري يعيش في دمشق، وهو منسق "مشروع الثرو [tharwaproject.com] وهي مبادرة تسعى إلى زيادة الوعي بظروف معيشة جماعات الأقلية في الشرق الأوسط.