كثيرا ما ينتقد العرب التزام الولايات المتحدة بدعم الديموقراطية في الشرق الأوسط، زاعمين أن سياستها متناقضة بل حتى منافقة. في الحقيقة، الالتزام بالديموقراطية من جانب الرئيس جورج دبليو بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ليس محلا للتساؤل، فهو مبني على اقتناع حقيقي بأن شرقا أوسط ديموقراطيا يخدم المصالح الأمنية للولايات المتحدة. لكن سياسة الولايات المتحدة حيال المنطقة تحاول أن توازن المفهوم التالي لـ 11 سبتمبر حول لزوم ديموقراطي مع الهموم القديمة حول الوصول إلى النفط وأمن الولايات المتحدة وإسرائيل. إضافة إلى ذلك، لم تعتنق جميع أقسام حكومة الولايات المتحدة برنامج الديموقراطية بالقدر نفسه من الحماس، حيث وزارة الدفاع بالذات تبقى متشككة في الصلة بين الديموقراطية وأمن الولايات المتحدة . وتؤدي التوترات التي تخلقها تلك المصالح والالتزامات المتباينة إلى محصلات سياسية لا تساعد دائما في الترويج للديموقراطية.
الهموم القديمة التي وجهت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط معروفة: النفط وإسرائيل. وقد سعت الإدارات الأمريكية جميعا ـ وهذا مفهوم ـ إلى منع ما يصدر من المنطقة من تهديدات لأمن الولايات المتحدة. أثناء الحرب الباردة، كان الخطر المتصور هو إمكانية العلاقات الوثيقة بين الاتحاد السوفييتي وأنظمة الحكم العربية، ما أدى بالولايات المتحدة إلى أن تكون متسامحة مع الحكومات الأوتوقراطية لكنها معادية للسوفييت. بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي، التهديد المتصور الآن هو الإرهاب. كانت استجابة السياسة للتهديد الجديد متناقضة بدرجة ما. فمن ناحية، تتخذ إدارة بوش موقف أن الافتقار إلى الديموقراطية سبب رئيسي للإرهاب وتوبخ نظم الحكم العربية على السلطوية. من الناحية الأخرى، كما في أيام الحرب الباردة، تبقى الولايات المتحدة راضية عن نظم الحكم التي تأخذ جانبها في الحرب ضد الإرهاب وعندما تتعاون تبقى مستعدة للتغاضي عن أوجه القصور في سياساتها الديموقراطية. يظهر التباس السياسة بوضوح في العلاقات مع مصر. فواشنطن تحتاج إلى التعاون المصري ضد الإرهاب وتقدّره وبالتالي تريد المحافظة على علاقات قوية مع حكومة مبارك. وتريد أيضا أن يأخذ البلد بالإصلاح السياسي، مقتنعة بأن هذا سيمنع الإرهاب في المدى الطويل. نتيجة لذلك تتلقى مصر رسائل مختلطة من الولايات المتحدة.
توفر النفط بأسعار مستقرة همُ مقيم آخر. فما زال اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط كبيرا، برغم الأهمية المتزايدة للإمدادات من غرب إفريقيا وبحر قزوين، ولا تستطيع الولايات المتحدة استعداء منتجي النفط في المنطقة. تبدو التناقضات التي يسببها الاعتماد على النفط أوضح ما تكون في السياسة تجاه العربية السعودية. فالمملكة ينظر إليها كمصدر رئيسي للإرهاب، مباشرة من خلال ترويج الوهابية وبشكل غير مباشر بسبب سياساتها الداخلية القمعية. لكن العربية السعودية لديها احتياطيات نفطية ضخمة وطاقة انتاج فائضة ساعدت حتى وقت قريب على الحد من زيادات أسعار النفط، وإضافة إلى ذلك فهي متعاونة بقدر معقول في الحرب على الإرهاب. نتيجة لذلك، كانت العربية السعودية هدفا لكثير من الانتقاد لكن سياسة الولايات المتحدة حيالها تبقى حذرة.
أخيرا، كانت إدارات الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل، بالرغم من أن ذلك الالتزام أدى إلى سياسات مختلفة على مدى الزمن. فعند إدارة كارتر، كان ضمان أمن إسرائيل يعني الدفع قُدُما بعملية السلام، حتى لو اقتضى ذلك الضغط على إسرائيل لقبول حلول وسط. وكانت إدارات أخرى قانعة بدعم إسرائيل في سياساتها جميعا. أثناء ولاية جورج دبليو بوش الأولى، أهملت عملية السلام، وتلقت حكومة شارون دعما غير مشروط. وحتى الآن لم يكن هناك تغيير حقيقي في الولاية الثانية.
لم يستأصل الالتزام المستجد بالديموقراطية الهموم السابقة، إنما أضاف عاملا رابعا لتلك الصورة المركبة، ما خلق تناقضات. فعلى المدى القصير وحتى المدى المتوسط، يمكن أن تكون عمليات التحول إلى الديموقراطية مخلّة بالاستقرار إلى حد بعيد. وهكذا، هناك خوف حقيقي في إدارة بوش من أن التحول السياسي للشرق الأوسط قد يؤدي إلى محصلات تهدد مصالح الولايات المتحدة، من قبيل أن يصعد إلى السلطة إسلاميون راديكاليون في بعض البلدان، أو عدم استقرار شديد في بلدان أخرى. نتيجة لذلك، تريد الولايات المتحدة أن تسود الديموقراطية في المنطقة، لكن ببطء، كما تريد أن تكون متأكدة من أن المحصلات جديرة بالترحيب. مثلا، تريد انتخابات، لكنها لا تريد أن ترى انتصار الأحزاب الإسلامية، وبالذات منظمات مثل حماس وحزب الله، التي تتمتع بالكثير من الدعم الشعبي لكنها معادية لإسرائيل ولها أجنحة مسلحة.
إن الالتزام الأيديولوجي والمعنوي لإدارة بوش بالديموقراطية في الشرق الأوسط ليس الآن محلا للشك. لكن الذي ما زال محلا للشك هو إذا ما كانت سياسة تريد تحقيق كثير من الأهداف المتعارضة يمكن أن تحقق الانسجام ويكون لها تأثير إيجابي شامل في التحول الديموقراطي في المنطقة.
مارينا أوتاواي كبيرة باحثين في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" ومحرر مشارك ( مع توماس كاروثرز) لـ " الرحلة في المجهول: دعم الديموقراطية في الشرق الأوسط"
Uncharted Journey: Promoting Democracy in the Middle East
( مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 2005 ).