منذ الانتخابات البرلمانية عام 2005 والحكومة المصرية، بمساعدة حلفائها في الغرب، تعامل الإخوان بعداء مستحكم. وعلى الرغم مما قد يجلبه ذلك من فوائد على المدى القريب، فإن دفع الرؤية الإسلامية الوسطية للإخوان خارج المعادلة السياسية وإرجاعها لحالة السرية يعد إفساحا للمجال أمام المسارات الأكثر محافظةٌ وربما أكثر عنفا لكي تحل محلها. في العقود القليلة الماضية، و بشكل أدق خلال السنوات الخمس الأخيرة، بدأت موجة جديدة من السلفية ذات التوجه السياسي، الأكثر دوغماتية من التيارات الإسلامية الأخرى في مصر، تكسب قاعدة في المجتمع المصري مسببة قلقا بين العلمانيين والإسلاميين على حد السواء.
 
تتمتع الحركات السلفية بالتأييد الأكبر بين الأوساط الشعبية في المدن الشمالية من مصر، ولكن يظل لهم وجود ملحوظ على كل المستويات الاجتماعية-الاقتصادية. حاليا، تنحصر نشاطاتهم في العمل الدعوى في المساجد وعلى شاشات القنوات السلفية ذات الشعبية الجارفة مثل قناة الناس والرحمة.أما قوات الأمن المصرية فلازالت تمنعهم من التحول للإطار التنظيمي حتى الآن. لكن السلفية تحقق لنفسها تواجداً أكبر بين الجماعات الإسلامية، وفي الوقت ذاته مع إيمان الجيل الجديد في الإخوان بعدم جدوى المشاركة في السياسية الانتخابية يمكن استقراء تقاربهم مع اسلوب التفكير السلفي. وقد انضم إليهم على الأقل عشرة ألاف جهادي سابق من الجماعات الراديكالية الذين تم الإفراج عنهم من السجن بعد أن قامت الجماعة الإسلامية، أكبر تلك الجماعات و أكثرها عنفا، بنشر سلسلة من المراجعات الإيديولوجية. هؤلاء قد يكونوا سلفيين أو لا، ولكن مع استمرار حظر الحكومة لهم من المشاركة في الحياة العامة يمكن استقراء تقاربهم مع اسلوب التفكير السلفي.

يمثل تركيز الحركة السلفية على إصلاح عقيدة المسلم الطريق للتجديد الديني. تختلف السلفية بشكل كبير عن وسطية الشيخ القرضاوي (المفكر المصري الاسلامي الذي يعيش في منفاه الاختياري بقطر) وعن الإخوان. فبالرغم من تركيز الوسطيين على التنشئة الإيمانية للفرد، فهم لا يعتبرون أي فرد خارج على العقيدة طالما آمن بأركان الإسلام الخمس بصرف النظر عن نقص درجة التزامه. يتبنى القرضاوي والأخوان اقتراب أكثر شمولا للإصلاح يتضمن تطبيق الشريعة. أما بالنسبة للسلفيين فلا يمكن الحديث عن تطبيق الشريعة الا بعد أن يصل إيمان وسلوك المسلمين للمستوى الذي يرونه متوافقًا مع المعايير الإسلامية.

تعتبر آثار تلك الاختلافات العقائدية ذات مغزى هام، فالتقسيم السلفي للمجتمع إلى فئتي المؤمن و غير المؤمن يعيد ضمنيا إدخال المجتمع المصري في دوائر فكرة التكفيرـ التي تعني أن المسلمين الذين لا يستوفون معاييرهم يعدوا مرتدين وبالتالي يصبح العنف نتيجة منطقية لذلك. قامتا الجماعاتان الأكثر عنفا في مصر، الجهاد و الجماعة الاسلامية، بتكفير الحاكم في الثمانينات والتسعينات. اليوم السلفيون "لا يكفرون الحاكم فقط وإنما كل من لا يلتزم بفهمهم للإسلام" حسبما قال المفكر الإسلامي فهمي هويدي. "لو أن الإسلام هو اللحية و النقاب، فيعد كل من لا يمتثل لذلك خارج عن العقيدة".

تقوم السلفية بالمقارنة بغالبية الإسلاميين كالإخوان وحتى جماعة الجهاد بتقليص أهمية الفقه، المعني بإستخدام المنطق المعاصر لتناول القضايا التي لم تكن موجودة في وقت الوحي. فهم كأصوليون حسب المعنى الغربي، يؤمنون أن القراءة الحرفية للقرآن و الحديث توفر الإرشاد الكافي إزاء أي موقف معاصر. و بالتالي يركز أتباعها على محاكاة و تقليد أدق التفاصيل في حياة الرسول والصحابة وهو ما يعني التشديد الظاهري على اللحى وارتداء النقاب.

من العمل الدعوي للنشاط الحركي؟
رغم سلبيتهم وابتعادهم الحالي عن السياسة، فالسلفيين لن يظلوا منشغلين بهدي الأفراد فقط. "كحركة إصلاح إسلامية يمكنهم الابتعاد عن السياسية لفترة ولكن ليس للأبد. في النهاية، فهم إما سيدخلون السياسية أو يغيروا نهجهم بحيث يتوافق مع الأوضاع التي يحاولون تغييرها" و "في هذه الحالة لن يصبحوا حركة إصلاح إسلامي" مثلما أوضح رفيق حبيب خبير الحركات الإسلامية. نظرا للتطرف الإسلامي للسلفية واحتمالية دخولهم في دور أكثر نشاطا في المجتمع يثير مخاوف العديد من المصريين. على سبيل المثال، في مقالة في سبتمبر 2008 بجريدة المصري اليوم المستقلة، حذر أحد الكتاب من أن السلفيين مسالمين الآن فقط ولكنهم يزدادون قوة وسيولدون في النهاية خلايا إرهابية متعصبة دينيا بدرجة غير مسبوقة. يتنبأ حبيب أن السلفيين المصريين سوف ينقسمون لفريقين: الأول سيتجه لوسطية القرضاوي والنشاط السياسي للإخوان المسلمين، بينما سيتبنى الآخر السلفية الجهادية. 

من حيث المبدأ لا يعارض السلفيين المشاركة السياسية في مجملها. في اليمن والكويت، حيث تتمتع الحركات السلفية بقوة في مواجهة الدولة، فهم يشاركون في السياسية الانتخابية. السلفيين في الإسكندرية والجماعة الإسلامية حاليا يظهرون الإهتمام و القدرة على المشاركة في السياسة إذا ما منحوا الفرصة. ولكن نظرا لترددهم في المساومة ونظرا لقوة الدولة في مصر، فلا يمكن توقع مشاركتهم في السياسة الانتخابية في أي وقت عما قريب.

ويبقى العامل الأكثر إثارة للقلق هو احتمالية عودتهم للعنف. يرى العديد من المثقفين المصريين أن جذور المشكلة لم يتم تناولها بعد، فالعنف في مصر توقف ولكنه لم ينتهي. مع خروج أكثر من عشرين ألفا من الجهاديين السابقين من السجون مؤخرًا وهم محظورين من ممارسة أي دور سياسي، هل تمثل السلفية المنبع الجديد للحركات الراديكالية من العقود السابقة؟ يشير هويدي أن استمرار غياب البدائل السياسية، واستمرار الحكومة في استخدام العنف ضد معارضيها وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يؤدي إلى دفع المصريين بشكل متزايد نحو الرؤى الجامدة والمتصلبة للسلفية، وذلك يجعل العودة إلى العنف أمرًا مرجحًا. من المحتمل أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة قد يزيد من الزخم. كتب رئيس تحرير جريدة الدستور المستقلة إبراهيم عيسى مؤخرا أن التطرف الإسلامي سيزيد بكل تأكيد بسبب الحرب والتصور أن موقف الحكومة المصرية تجاه حماس كان ضد الإسلام نفسه. مثل هذا التصور من شأنه أن يعزز من الميول التكفيري داخل السلفية ومناشدة الإسلاميين الآخرين بانتهاج نفس التفكير.

نيثان فيلد صحفي مقيم في واشنطن وأحمد همام طالب دراسات عليا مصري.