جاءت انتخابات مجلس الأمة الكويتي في 16 مايو 2009 ملفتة وغير متوقعة في نتائجها. فلأول مرة منذ منحها حقها السياسي في 2005، استطاعت المرأة الفوز بأربعة مقاعد في المجلس، فيما تقلص نفوذ الإسلاميين (الإخوان والسلف)، والتنظيمات السياسية عموما، لصالح نواب مستقلين غلب عليهم التوجه الليبرالي. واستطاع الشيعة، الذين يمثلون حوالي 25% من الكويتيين، زيادة نفوذهم في المجلس من خلال تسعة مقاعد، مقارنة بخمسة مقاعد في المجلس الماضي.
وعلى الرغم من التغيير الذي أحدثه الناخب الكويتي في تركيبة المجلس (بنسبة 40%)، ونبرة التفاؤل بوصول المرأة للمجلس، إلا أن التحول الحقيقي، وبالتالي مستقبل المجلس والديموقراطية في الكويت، سيظل مرتهنا بصورة أكبر بتركيبة الحكومة الجديدة، وقدرتها على طرح برنامج إقتصادي ينتشل البلد من حالة جمود التنمية، وعلى مدى استعداد رئيس الوزراء للخضوع إلى الإستجواب في حالة لجأ إليه بعض النواب.
ويعتبر مجلس الأمة الحالي تاريخيا من حيث أنه شهد دخول أربعة نساء، حصلت إحداهن، معصومة المبارك، على المركز الأول في دائرتها، فيما حصلت الثانية، أسيل العوضي، على المركز الثاني في دائرتها، متقدمة بذلك على السياسي المخضرم، ورئيس مجلس الأمة السابق، أحمد السعدون (المركز الثالث) بفارق 891 صوتا. وفيما حصلت رولا دشتي على المركز السابع، بعد محاولتين فاشلتين في الانتخابات الماضية، إلا أنها تقدمت بفارق على النائب الإسلامي ذائع الصيت وليد الطبطبائي.
ويدل فوز دشتي، وهي شيعية ليبرالية، في دائرة تسكنها أغلبية سنيّة، ومبارك، وهي شيعية صوت لها السنّة، على تحول مفاجئ في قناعات المجتمع الكويتي. فمن جانب مذهبي، لم تغب الانقسامات بين الشيعة والسنة في تأثيرها على خيارات الناخبين، إلا أنها تضاءلت بين شريحة الحضر الشبابية. والمسوغات الدينية التي استخدمها الإسلاميون في تحريم وصول المرأة للمجلس، بدأت تفقد هي الأخرى بريقها (اثنين من النساء الأربعة لا يرتدين الحجاب). ومجملا، وصل الناخبين إلى مرحلة من الإحباط واستعداده منح المرأة فرصة للتغيير.
والتغيير اللافت في المجلس كذلك هو تراجع شعبية التيارات السياسية المنظّمة عموما، سيما التيارات الإسلامية. فقد تقلصت مقاعد الحركة الدستورية-حدس (الإخوان المسلمين) من ثلاثة مقاعد في المجلس الماضي، إلى مقعد واحد (يحتله جمعان الحربش بدعم قبلي أكثر منه ايديولوجي)، و"التجمع الإسلامي السلفي" من أربعة مقاعد إلى اثنين، و"التحالف الإسلامي الوطني" (الشيعة) بمقعد واحد. ولم يقتصر تراجع شعبية التيارات السياسية على الإسلاميين فحسب، وإنما طال الليبراليين أيضا. فقد تقلص وجود كلا من "المنبر الديمقراطي" و"التحالف الوطني الديمقراطي" إلى مقعد واحد كذلك. وتنطرح فكرة تشكيل الأحزاب بقوة حاليا كخطوة مرتقبة لمزيد من الإنفتاح السياسي، إلا أن فوز عدد ملحوظ من المستقلين، وإن لبعضهم ولاءات ايديولوجية، يشير فعليا إلى أن المزاج الشعبي في الكويت قد لا يكون مستعدا بعد لدعم أو ممارسة هذه المرحلة.
وبالرغم من التغيير الذي حصل في نتائج الإنتخابات إلا أن ذلك لا يعني خلو المجلس من إحتمالات حله، قبل اتمام دورته في 2013. فبالرغم من أن 40% من وجوه المجلس تغيرت، إلا أن العوامل التي يمكن أن تسفر إلى عودة التوتر بين المجلس والحكومة لا تزال موجودة. أولا: شهد المجلس الجديد عودة نواب كانوا قد تقدموا باستجوابات لرئيس مجلس الوزراء مما أدى إلى استقالة حكومته خمس مرات، وحل المجلس ثلاث مرات منذ 2006. وفيما أطلقت أجهزة الإعلام المساندة للحكومة تعبير "نواب التأزيم" لوصف من "تعسف" في استخدام حقه الدستوري في الإستجواب، إلا أن عودة ما لا يقل عن أربعة من "نواب التأزيم" للمجلس يدل على أنهم لا يزالون يحظون بقاعدة انتخابية ليست ضئيلة. وبصرف النظر عن التعبير اللائق لهؤلاء النواب إلا أن استئناف الاستجواب قد يتأخر قليلا لكنه لن يختفي من الممارسة الديمقراطية الراهنة في الكويت.
ثانيا: عاد الشيخ ناصر محمد الصباح، مرة ثانية كي يترأس الحكومة التي ترأسها منذ 2006. وجاء الشيخ ناصر بعدما اعتذر ولي العهد الشيخ نواف الأحمد عن المنصب، وبعدما ثار اعتراض على وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك بديلا مطروحا. وفيما ازدادت شعبية الشيخ ناصر في أعقاب عودته من رحلة علاج من الخارج، إلا أن سيناريو الاستجواب قد يتكرر نتيجة الطريقة التي يدير بها حكومته.
أما في ما يخص الحكومة الجديدة فقد شهد تشكيلها في 29 مايو الماضي تغيرا بنسبة 40% عن الحكومة السابقة، ما ساهم وإن بحذر إلى فك حالة الاحتقان التي كانت سائدة بين بعض النواب. فعلى الرغم من تقلص عدد المرأة في الحكومة الجديدة (انخفض إلى واحدة مقارنة بإثنتين في الحكومة السابقة)، وزيادة عدد الوزراء من الأسرة الحاكمة، إلا أن دخول 7 وزراء جدد أضفى حالة من التفاؤل على الرأي العام. وعلى الرغم من أن معادلة المحاصصة ظلت موجودة في اختيار الوزراء، بحيث يمثلون قبائل وتوجهات أيديولوجية معينة، إلا أن ذلك تم أيضا في إطار تخصص كثير من الوزراء المهني مع وزراتهم، ما أفضى إلى إطلاق تعبير "حكومة تكنوقراط" على التشكيلة الجديدة. ولكن بصرف النظر عن حالة التفاؤل التي تسود المراقبين إلا أن عوامل التوتر ستظل تؤرق السلطتين، طالما ظلت الحكومة مصرة على عدم طرح برنامجا شاملا للتنمية
وإزاء تلك العوامل، لن يبقى أمام الحكومة سوى أن تستفيد من تركيبة المجلس الجديدة، وهي تركيبة تحظى في مجملها برضا القيادة السياسية، وذلك بطرح برنامج شامل ينتشل البلد من حالة الجمود الذي عانت منه منذ سنوات. ولعل استقطاب نوابا ذو توجهات ليبرالية مساندة لرؤية لحكومة يعزز من حالة التعاون بين السلطتين، ويدفع باتجاه حلم الكويتيين في أن يتحول بلدهم إلى "مركز مالي عالمي". والأكثر تحديا هو أن يسود رأي عام في الدولة والمجتمع، لا يعود ينظر بحساسية إلى استجواب رئيس الوزراء، بحيث تسفر هذه الحساسية إلى حل المجلس حلا قد يكون غير دستوري، فيما لو استأنف نواب رغبتهم في استجواب رئيس الحكومة.
هشام العوضي استاذ الدراسات الدولية ورئيس مركز دراسة الخليج في الجامعة الأمريكية في الكويت.