المصدر: Getty
مقال

أين حماس في الضفة الغربية؟

ما هي استراتيجيا الصمود التي تعتمدها حركة حماس داخل الضفة الغربية، على ضوء الضغوط القوية من فتح والقوى الأمنية الفلسطينية؟

نشرت في ١١ نوفمبر ٢٠٠٩

IMGXYZ2910IMGZYX ما أسباب غياب حركة حماس عن الساحة في الضفة الغربية؟ سؤال كثيرا ما يتردد بين الفلسطينيين الذين ينقسمون في محاولة الإجابة عليه بين متفهم ومشكك. جزئيا، يمكن إرجاع الأمر للضربات الأمنية التي تلقتها خلال السنوات الأخيرة، وأشدها ضربتان، الأولى: اعتقال إسرائيل نحو ألف من كوادرها بينهم نواب في المجلس التشريعي، بعد قيامها باختطاف الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط في 25 يونيو/حزيران 2006.

أما الضربة الثانية فهي الحملة المستمرة ضدها من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، منذ استيلاء حماس الدموي على قطاع غزة في شهر يوليو/تموز 2007، وتتحدث حماس في هذا الإطار عن ثلاثين ألف حالة استدعاء أو اعتقال أو إغلاق مؤسسات أو مصادرة أموال حتى اللحظة، منها نحو 600 معتقل لا يزالون يقبعون في سجون السلطة، إلى جانب 150 مؤسسة مغلقة، في عدد يرتفع أو ينخفض يوميا تبعا للتطورات السياسية.

بيد أن المؤكد أن حماس التي حصلت على أربعمائة وأربعين ألف صوت من نحو مليون فلسطيني أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، هي أكثر من مجرد خلايا عسكرية أو مؤسسات خدماتية، وإنما أيضا شبكة واسعة من الأعضاء والمناصرين المؤمنين بالنهج الأيديولوجي والسياسي الذي تتبعه الحركة، إضافة لعدد متزايد من المعارضين لاتفاقية "أوسلو" والساخطين على فساد السلطة. إن هذه الأرقام الكبيرة تعيد طرح السؤال الذي ورد في البداية، أين هي حماس في الضفة الغربية؟

تقر مصادر في حماس بتجميد الحركة لنفسها حاليا كتنظيم، تطبيقا لاستراتيجية أقرتها عام 1989 لمواجهة ما يعتريها من أزمات، وهو الأمر الذي حصل فعلا عام 1992، عندما أبعدت إسرائيل 416 ناشطا من حماس والجهاد الإسلامي إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان، إثر اختطاف "حماس" لضابط حرس الحدود الإسرائيلي نسيم طوليدانو وقتله. 

ووفق هذا المنطق، فإن حماس ليست على استعداد في هذه المرحلة – كما أقر أحد قادتها - لحشد أنصارها في نشاط عام، ليصبحوا بعدها عرضة للملاحقة والاعتقال من قبل سلطة رام الله وإسرائيل، فضلا عن تهديدهم في لقمة عيشهم، حيث تتحدث حماس عن فصل السلطة لـ 1200 موظف من السلك الحكومي في الضفة الغربية بسبب انتمائهم لها.

فحماس في الضفة الغربية تعي جيدا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يتردد برهة في القضاء عليها إذا بدر منها ما يزعجه، بخلاف سلفه الراحل ياسر عرفات الذي كان يتعامل مع المقاومة الإسلامية وفق اعتبارين: خوفه من أن تحوله مواجهة قوية معها إلى عميل للاحتلال في أعين أبناء شعبه، إضافة إلى استعماله لها كورقة مساومة تعزز من موقعه التفاوضي في مواجهة إسرائيل، على اعتبار انه الشخص الوحيد الذي يستطيع كبح جماحها.

لذلك وبدل المواجهة، تترك حماس الأمور في الضفة الغربية لمجراها، وهي متيقنة أن الأمور تسير بالنهاية في مصلحتها، خاصة في ظل عجز محمود عباس عن إطلاق عملية سلام جدية مع إسرائيل، وسقوط رهانه على الرئيس الأمريكي باراك اوباما في هذا المجال، بعد تراجع الأخير عن موقفه الضاغط على تل أبيب لوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني اليائس للإعلان مؤخرا عن رغبته في عدم الترشح لولاية ثانية في انتخابات الرئاسة الفلسطينية المقبلة، في مناورة سياسية مغزاها إما تحقيق السلام معي الآن أو ربما فقدان الفرصة للأبد.

وما ينطبق على السلطة ينسحب على حركة فتح، التي لا تشفع لها قيادتها حاليا لعمليات الاشتباك المتقطعة مع قوات الاحتلال والمستوطنين في القدس والمستوطنات والجدار الفاصل، بسبب محاولتها إدارة الصراع الميداني مع إسرائيل دون إنهاء الاتفاقيات معها، مما يلزمها عدم تصعيد وتيرة مقاومتها،  إضافة إلى ارتباط اسمها – أي "فتح"- بسلطة رام الله، التي يرى كثيرون فيها كيانا فاسدا يحيا مسؤولوه في ثراء فاحش ويحتكرون الوظائف العليا والامتيازات، فيما يقاسي بقية الفلسطينيين ضنك العيش، في معدل فقر يطال أسرة من كل ثلاث أسر فلسطينية، وبطالة تتجاوز 25 بالمائة من مجموع القوى العاملة.

بالطبع، لا يمكن الجزم بعدم مشاركة أفراد من حماس في اي مواجهات، كونها حركة سرية لا يجاهر أعضاؤها بانتمائهم لها، إلا أن الأكيد هو أن الفلسطينيين لا ينتظرون من هذه الحركة المقاتلة مزيدا من المظاهرات والمسيرات، بقدر ما يتوقون لعملياتها الانتحارية-الاستشهادية، التي تزيدهم الاعتداءات الإسرائيلية غير المنقطعة إيمانا بأنها الوسيلة الأنجع في مواجهة عدو يفوقهم قوة بشكل لا يحصى.

وفي هذا المجال، تبدو حماس مطمئنة إلى أن تبريرات غيابها المرتبطة بقمع السلطة وإسرائيل لها تلقى قبولا في أوساط الشارع الفلسطيني، بدليل ما تظهره استطلاعات الرأي من استمرار تصاعد شعبيتها في الضفة الغربية وانخفاضها في قطاع غزة، كون فلسطينيي الضفة ينظرون إليها كرمز للمقاومة ورفض الخضوع للإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، بخلاف فلسطينيي غزة الذين اختبروا أداءها في الحكم، ووجدوه مشابها – إن لم يكن أسوأ- للسلطة الفاسدة المستبدة التي كانت زمن فتح.

وأخيرا، تدرك حماس وهي تنحني حاليا في الضفة الغربية بانتظار أن تمر العاصفة، أنها أمام عدة سيناريوهات مستقبلية، تصب في مصلحها:

  • حل السلطة الفلسطينية أو انهيارها، وفي هذه الحالة سيكون في وسع "حماس" طرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية التي ثبت فشلها، محاججة بصوابية نهجها الرافض للتسوية منذ البداية.
  • إجراء انتخابات عامة في يناير/كانون الثاني المقبل، حسبما يريد عباس وترفض هي، وعندها سيكون في وسعها الطعن في شرعية هذه الانتخابات، على اعتبار أنها تتم دون مشاركة نصف الشعب الفلسطيني،  نظرا لمقاطعتها لها، ومنعها طبعا من الانعقاد في قطاع غزة الذي تسيطر عليه.
  • أما إجراء الانتخابات في 28 /6/2010، حسبما جاء في ورقة المصالحة المصرية، فسيشكل مدة كافية أمام "حماس" لإنجاز صفقة تبادل الأسرى مع تل أبيب، وبالتالي إطلاق سراح 450 أسيرا فلسطينيا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وخوض الانتخابات مدعومة بإنجاز ضخم يعزز من شرعيتها كقائد للمقاومة.
  • عدم إجراء انتخابات مع بقاء السلطة، وآنذاك ستستمر "حماس" بالاستفادة من تدهور الأوضاع، مع الطعن في شرعية الرئيس الفلسطيني والتأكيد على شرعية نوابها في المجلس التشريعي،  مستندة إلىٍ القانون الأساسي الفلسطيني الذي يقرر أن مدة ولاية المجلس التشريعي القائم تنتهي فقط عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري، بينما مدة رئيس السلطة هي أربع سنوات فقط.

عمران الرشق كاتب فلسطيني.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.