المصدر: Getty
مقال

الإخوان المسلمون في سورية وسؤال الميليشيات

يحاول الإخوان المسلمون في سورية ممارسة تأثير في النزاع عبر إنشاء جناح مسلّح، في مجهود قد يؤدّي إلى تعزيز موقع الجماعة في المدى القصير لكنه يحمل مخاطر كبيرة في المدى الأبعد.

 رافاييل لوفيفر و على اليسير
نشرت في ٢٩ أكتوبر ٢٠١٣

تحوَّل الإخوان المسلمون في سورية مؤخراً إلى قوّة متنامية في البلاد، ولاسيما في القتال المسلّح ضد النظام. فقد بدأت الشائعات عن إنشاء التنظيم مجموعة ميليشيوية تنتشر قبل أكثر من عام، حتى في الوقت الذي كان قادته ينفون نفياً قاطعاً وبصورة رسمية هذا الأمر. وقد جدّد نائب رئيس الجماعة التأكيد في آب/أغسطس الماضي بأنه "من المهم التشديد منذ البداية على أنه ليست للإخوان تشكيلات عسكرية مسلّحة في الثورة السورية". قبل هذه الشائعات، لم يكن يُعرَف الكثير عن درجة تأثير الإخوان المسلمين على الأرض - سواءً من خلال الروابط مع مجموعات الثوّار الموجودة أو مع الجيش السوري الحر. بيد أن سلسلة من المقابلات1 التي أجريت مؤخراً كشفت الشوط الذي قطعه الإخوان المسلمون في سورية لإعادة بناء نفوذهم العسكري - والتحدّيات الخطيرة التي يمكن أن تحملها هذه الخطوة للتنظيم على صعيدَي صورته وتماسكه.

بدأت حفنة من الفصائل المسلّحة المقرّبة من الإخوان المسلمين تتشكّل رداً على حملة التضييق التي شنّها النظام السوري لقمع الاحتجاجات التي اندلعت في آذار/مارس 2011. وقد تمركز الجزء الأكبر منها في إدلب في ذلك الوقت، حيث حافظ أعضاء التنظيم، على الرغم من الفترة الطويلة التي أمضوها في المنفى، على روابط وثيقة مع الأصدقاء والأنسباء وكذلك مع الشبكات القتالية. ومع تواصل حملة القمع الحكومية، نظّم الثوّار - الذين كانت أقلّية منهم فقط منتمية رسمياً إلى الإخوان – صفوفَهم وبدأوا ينتشرون في مناطق أخرى في البلاد. وبلغت هذه العملية أوجها في أيلول/سبتمبر 2012، عندما جمع الإخوان كل هذه المجموعات تحت المظلّة الرسمية لما يُعرَف بـ"هيئة دروع الثورة" التي بدأت العمل فعلياً وفي شكل كامل في كانون الثاني/يناير 2013. يصف عدد كبير من الناشطين المعارضين الدروع بأنها "ميليشيا" الإخوان المسلمين الجديدة في النزاع السوري. واقع الحال هو أن صعود الهيئة يشكّل المحاولة الأحدث التي يبذلها الإخوان لممارسة تأثير في النزاع الدائر على الأرض. وقد سبق أن خاض بعض المسؤولين في التنظيم تجربة مماثلة حاولوا من خلالها دعم "هيئة حماية المدنيين" التي شكّلت منصّة جامعة لمجموعات الثوّار تتمركز في شكل أساسي في حمص. ولاحقاً، حاول الإخوان مجدداً، ولكن عبثاً، استيعاب مجموعات إسلامية كبيرة أخرى على غرار كتائب الفاروق في حمص أو كتائب التوحيد في حلب.

بيد أن قضية التأثير العسكري للإخوان المسلمين في سورية تستحضر فصلاً مضطرباً من تاريخهم، وهو من الأسباب التي تدفع قادتهم إلى توخّي الحذر الشديد عند الإدلاء بتصاريح علنية عن تأثير التنظيم الفعلي في النزاع العسكري. فتورّط الإخوان في القتال المسلّح ضد النظام قبل ثلاثين عاماً هو الذي تسبّب بانقسامات كبيرة داخل التنظيم، وبضعفه، وخروجه في النهاية إلى المنفى. وهكذا يكتفي قادة الإخوان، في العلن، بالإقرار بـ"التقارب العقائدي" بين هيئة دروع الثورة والإخوان المسلمين، والثقة التي تمحضها الهيئة للجماعة. لكن كثراً يُقرّون، في مجالسهم الخاصة، بأن الروابط بين المجموعتَين أعمق من الخطاب الودّي. وقد شرح قيادي في الإخوان المسلمين أن "العلاقة تُختصَر بأننا ‘حاضرون لمساعدتكم’ - نزوّد الدروع بالتمويل ونساعدهم من خلال التواصل والتنسيق". وفي مؤشّر معبّر، الرمز الذي تعتمده هيئة دروع الثورة هو عبارة عن السيفَين المتصالبَين اللذين يستخدمهما الإخوان المسلمون شعاراً لهم، وغالباً مايضرب خطاب التنظيمَين على الوتر نفسه. ومايزيد المسألة تعقيداً هو أن هيئة الدروع، وعلى الرغم من كل الجهود التي يبذلها الإخوان، لم تتحوّل بعد إلى الجناح المسلّح الفعلي للتنظيم. فقد شدّد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين قائلاً: "حتى الآن أعطيناهم تعليمات عامة، لكن لديهم هيكليتهم الخاصة وبالكاد يقومون بالتنسيق معنا – مثالياً، نودّ أن تكون لدينا هرمية قيادية ملائمة، وآلية أكثر مركزية لصنع القرارات، لكن ذلك يستغرق وقتاً".

أحد العوامل الأساسية التي تعوق تحوّل هيئة دروع الثورة إلى تنظيم ميليشيوي تابع للإخوان المسلمين هو أن أقلّية فقط من مقاتلي الدروع الذين تُقدَّر أعدادهم بـ5000 إلى 7000 مقاتل، هي فعلياً جزء من جماعة الإخوان المسلمين2، مايثير مخاوف لدى الإخوان مرتبطة بمسائل عدّة أبرزها الولاء، وغياب التربية والانضباط، واحتمال النزوع نحو التطرّف، من بين أمور أخرى. لقد حُرِم التنظيم طويلاً من قاعدة للتجنيد داخل سورية، فالقانون رقم 49 الصادر في تموز/يوليو 1980 ينصّ على إنزال عقوبة الإعدام بكل من يُعرَف عنه انتسابه إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية. وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من مقاتلي الدروع ربما يرغب الآن في الانضمام رسمياً إلى الإخوان، تستغرق دراسة طلباتهم وقتاً طويلاً. ويكون في بعض الأحيان الانتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين عملية صعبة ومعقّدة، إذ إنه ينبغي على المرشّحين أن يخضعوا أولاً إلى تربية سياسية ودينية وتنظيمية مكثّفة. يؤكّد قيادي آخر في جماعة الإخوان المسلمين السورية أن "عملية ضم الدروع إلينا قد بدأت، لكنها لم تصبح ناجزة بعد، وعلينا توخّي الحذر الشديد". بالفعل، يبدي الإخوان حرصاً كبيراً على تفادي الوقوع من جديد في الأخطاء التي ارتكبوها في أواخر السبعينيات، عندما تحوّلت مواجهتهم مع النظام السوري إلى حلقة من الثأر المتواصل ذي الطابع المذهبي. يقول القيادي: "تعلّمنا الكثير من تجربتنا السابقة - لهذا نعتبر أن الولاء والتربية يرتديان أهمية بالغة لتجنّب التطرف والامتناع عن الثأر عندما يرتكب النظام مجزرة".

حتى الآن، استطاعت هيئة الدروع أن تُفلت إلى حد كبير من مجهر مراقبي النزاع في سورية. يشرح عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين قائلاً: "نتردّد في إبراز الهيئة أكثر إلى العلن، بانتظار أن تصبح جاهوزة على المستوى العسكري، بل أيضاً على المستويَين التربوي والسياسي". لكنها تُعزّز حضورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن بعض كتائب الدروع، على غرار "درع الجبل"، في محافظة إدلب، ضاعفت مؤخراً عملياتها العسكرية على جبهات القتال. وكذلك بات أعضاؤها أفضل تجهيزاً إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة. ففي حين تُظهر أشرطة فيديو بُثَّت سابقاً مقاتلي الدروع يستخدمون مدافع وبنادق بدائية، يتبيّن في الأشرطة الجديدة أن الهيئة حصلت على أسلحة أكثر تطوراً بكثير - منها منظومات الدفاع الجوي المحمولة، ومدافع هاون، وبعض الدبابات. كما عملت على تحسين قدراتها القتالية عبر التحالف بصورة منتظمة مع هيئة حماية المدنيين التي تشارك الدروع تعاطفها مع الإخوان المسلمين ورسالتها "الوسطية". فالهيئتان تدعوان أتباعهما إلى احترام القوانين الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان ودعم مجموعات المعارضة الأساسية مثل الائتلاف الوطني والجيش السوري الحر. ربما تشير هذه التطورات - ولاسيما عند النظر إليها على ضوء التشدّد الذي ينتشر في أوساط الإسلاميين في سورية، كما يظهر من خلال توقيع مجموعات إسلامية مؤخراً على بيان يرفض سلطة الائتلاف الوطني ويدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية - إلى أن الوقت قد حان كي يؤدّي الدروع دوراً أكثر وضوحاً تلبيةً للمطالبة بمجموعات إسلامية "وسطية".

إلا أن ثلاثة تحدّيات خطيرة تعترض حلم الإخوان المسلمين بممارسة تأثير عسكري داخل سورية. أولاً، على الرغم من تنامي دور الدروع في شمال سورية، تواجه الهيئة صعوبات في ترسيخ حضورها على المستوى الجغرافي. فبعض المحافظات على غرار إدلب تضم مايزيد عن 20 كتيبة - يتألّف بعضها من مئات المقاتلين - في حين أن العدد في محافظات أخرى على غرار درعا لايتجاوز أربع كتائب، ومنها ما لايزيد عدده عن بضع عشرات المقاتلين، الأمر الذي يعطّل إلى حد كبير قدرة الدروع على قيادة عمليات عسكرية في مختلف أنحاء البلاد. ثانياً، وفيما يزداد الإخوان اندماجاً بصورة رسمية مع الدروع، ثمة خطر بأن يصبح التنظيم مسؤولاً عن أي مخالفة قد يرتكبها الدروع في وقت يستثمر فيه الإخوان المسلمون الكثير من الموارد لإعادة بناء صورتهم بعد 30 عاماً من الغياب عن الساحة السياسية. فقد تساءل عضو بارز في جماعة الإخوان السورية "ماذا لو بدأنا نواجه مشكلة مع الدروع، ولم يُحسن بعضهم التصرف؟" ثالثاً، والأهم على الأرجح، ترتدي هذه المسألة أهمية بالغة إلى درجة أن خلافات جدّية بدأت تظهر داخل التنظيم حول السبل الأفضل لممارسة تأثير عسكري على الأرض - والتي يمكن أن تقود إلى انشقاقات كبرى في جماعة الإخوان في المدى الأبعد. يشرح قياديٌّ في الإخوان قائلاً إنه "لم يحدث صدام حلب-حماه عند إنشاء الدروع"، في إشارة إلى الانقسامات التاريخية التي رزح التنظيم تحت وطأتها طيلة عقود، مضيفاً: "لكن التوافق اهتزّ عند مناقشة درجة التقارب التي يجب أن تربطنا بالدروع، وماهو الإطار الزمني الواجب اعتماده".

قد تبدو زيادة التأثير العسكري للإخوان المسلمين في سياق الفوضى في سورية خياراً منطقياً بالنسبة إلى قادة الجماعة الذين يريدون أن يتخطّى التنظيم تداعيات منفاه الطويل، عبر استعادته بعضاً من الدور الفعلي في الثورة السورية. لكن التحدّيات التي تطرحها مثل هذه الخطوة كبيرة. فصعود الجناح المسلّح سوف يضع رسالة الإخوان "الوسطية" على محك الاختبار، ويحمّل التنظيم مسؤولية أي أخطاء قد ترتكبها هيئة الدروع، مثل التورّط في القتل الطائفي أو النهب. نعت بشار الأسد، في تصريحه الأخير، جماعة الإخوان المسلمين السورية، بالتنظيم "الإرهابي" المتطرّف. وهكذا، فإن البروباغندا التي تشنّها الدولة في محاولة منها لوضع الإخوان في خانة الإرهاب والتطرّف، وتاريخ التنظيم المثير للجدل في أواخر السبعينيات، واحتمال تورّط الدروع في ممارسات وارتكابات مشبوهة، والتداعيات على التنظيم، كل هذه العوامل تزيد من التعقيدات التي قد تترتّب عن ضم جناحٍ عسكري إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية، ولاسيما أن التنظيم سيصبح في هذه الحالة الحزب السياسي الوحيد في سورية الذي يتمتّع بدرجة من التأثير العسكري على الأرض.

رافاييل لوفيفر باحث زائر في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، ومؤلّف كتاب "رماد حماه: الإخوان المسلمون في سورية" Ashes of Hama: The Muslim Brotherhood in Syria (لندن، هرست، 2013). علي اليسير محلّل مقيم في بيروت يركّز على الشؤون السياسية والأمنية في سورية ولبنان.


1. أجريا الكاتبان هذه المقابلات مع أعضاء الإخوان السوريين على مدى أشهار عديدة.

2. تشير معظم التقديرات إلى أن عدد العناصر القتالية في هيئة الدروع يتراوح من 5000 إلى 7000 مقاتل. إلا أن بعض قياديي الإخوان المسلمين يقولون إن العدد يصل إلى 10000 مقاتل.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.