تتوسّع أعمال العنف والاحتجاجات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وتصبح أكثر صدامية، مايثير مخاوف من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. في غضون ذلك، تفرض إسرائيل إجراءات أمنية أكثر تشدّداً، بما في ذلك تطويق بعض الأحياء في القدس الشرقية، في حملة تضييق واسعة قد تُطلق جولات إضافية من العنف والمقاومة.
يناقش خمسة خبراء هذه التطورات وينظرون في تداعياتها على القدس، والنزاع العربي-الإسرائيلي، وإمكانات نزع فتيل التصعيد. ندعوكم إلى الانضمام إلى النقاش عبر مشاركتنا أفكاركم في قسم التعليقات.
الحرم الشريف في القدس هو أساس المشكلة
إران تسيدكياهو
إران تسيدكياهو زميل أبحاث في "منتدى التفكير الإقليمي" وطالب دكتوراه في معهد العلوم السياسية في باريس.
لولا التشنّجات الحالية على خلفية الوضع في الحرم الشريف، لما اندلعت موجة العنف التي تجتاح إسرائيل وفلسطين في الأيام الأخيرة. فالتصعيد أو نزع الاحتقان يتوقّفان على مايحدث داخل الحرم الشريف وحوله. يعيد كلام دراماتيكي صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التأكيد على القيود المفروضة على الزيارات إلى الحرم من قبل اليهود التابعين لحركة "أمناء جبل الهيكل" التي تسعى إلى إعادة بناء الهيكل الثالث في المكان، وهي قيود من شأنها أن تؤدّي على الأرجح إلى وضع حد لدورة العنف. إذا ترافقت هذه الإجراءات مع خطوات لبناء الثقة، ومدّ اليد إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يمكن أن تساهم حتى في الإفادة من الأزمة الراهنة لتحسين مسار الأمور. بيد أن الممارسات الاستفزازية لأحد السياسيين الإسرائيليين في الحرم الشريف، وفي حال بلغت درجة من الخطورة تتسبّب بوقوع ضحايا، قد تؤدّي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة، وحتى إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.
عبّر عباس عن المخاوف الفسطينية بشأن مايحدث حول الحرم الشريف في الخطاب الذي ألقاه في 30 أيلول/سبتمبر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث استهلّ كلمته بالتحذير من أن المجموعات اليهودية اليمينية المتشدّدة تنتهك - على حد قوله - الوضع القائم بصورة متكرّرة في محاولة لفرض منظومة جديدة. وهاجم عباس أيضاً أعضاء الكنيست الإسرائيلي الذين يذهبون إلى الحرم الشريف، معتبراً أن تصرّفاتهم هذه تساهم في ترسيخ الاعتقاد لدى الفلسطينيين بأن تغيير الوضع القائم ليس فقط الهدف الذي تنشده حفنة من المجموعات المتشدّدة، بل يندرج أيضاً في إطار السياسة الإسرائيلية الرسمية. وقد اتّهم إسرائيل بتقسيم الحرم الشريف بحكم الأمر الواقع بين اليهود والمسلمين، "في مايشكّل انتهاكاً مباشراً للوضع القائم الذي يعود إلى ماقبل العام 1967 وماتلاه من أحداث". وناشد الحكومة الإسرائيلية التوقّف عن استخدام القوة الهمجية لتنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تقويض المقامات الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس، لاسيما ممارساتها في المسجد الأقصى، لأن ذلك سيؤدّي إلى تحويل النزاع من سياسي إلى ديني الطابع، مايولّد انفجاراً في القدس وفي باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بعد ثلاثة أيام من إلقاء عباس كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أقدم الطالب الفلسطيني مهند حلبي على طعن يهوديَّين بالسكّين حتى الموت، وأصاب آخرين بجروح في مدينة القدس القديمة، على مقربة من المقامات المقدّسة في المدينة، قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وترديه قتيلاً. وكان حلبي قد كتب على صفحته على موقع "فايسبوك" قبل تنفيذ مخططه الدموي: "إن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت. ما يجري للأقصى هو ما يجري لمقدساتنا ومسرى نبينا وما يجري لنساء الأقصى هو ما يجري لأمهاتنا وأخواتنا. فلا أظن أنا (أن) شعب (شعبا) يرضى بالذل. الشعب سينتفض بل ينتفض".
لم يهدّد عباس إسرائيل، بل حذّرنا جميعاً، ولم يكن الوحيد الذي صدر عنه مثل هذا الموقف. فقبل عيدَي يوم الغفران ورأس السنة عند اليهود وخلالهما وبعدهما، ارتفعت أصوات للتحذير من مغبّة حدوث تصعيد في الحرم الشريف. في الواقع، بدءاً من يوم التاسع من آب (حسب التقويم العبري) الذي يحل في أواخر شهر تموز/يوليو، وهو يوم الذكرى لخراب هيكل سليمان الأول والثاني في القدس، وصولاً حتى يوم الغفران وعيد الأضحى عند المسلمين في أواخر أيلول/سبتمبر، وقعت أعمال عنف مراراً وتكراراً في الحرم الشريف بعدما تسبّبت الزيارات المتزايدة من المجموعات اليهودية بردود فعل عنيفة لدى المؤمنين المسلمين. وقد تفاقم الوضع وتحوّل إلى "انتفاضة السكاكين" الحالية في موجة عنف وكراهية لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ الانتفاضة الثانية، "انتفاضة الأقصى"، التي اندلعت أيضاً في المسجد الذي تحمل اسمه.
لابد أولاً من إدراك محورية الحرم الشريف والمخاوف الفلسطينية - سواءً كانت مبرّرة أم لا - حول تمامية الأماكن المقدسة، كي نتمكّن من فهم الوضع الراهن. فمع إضفاء الطابع الديني على النزاع ككل، تتحوّل المقامات المقدّسة في القدس من رمز ديني إلى رمز وطني محمي.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
الشباب الفلسطيني يفقد الأمل في عملية السلام
محمود جرابعة
ليهي بن شطريت
محمود جرابعة باحث في "مركز إيرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا" (EZIRE) في جامعة فريدريش-ألكسندر في إيرلانغن-نورمبرغ في ألمانية. وليهي بن شطريت أستاذة مساعدة في كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة جورجيا في أثينا.
الشرارة الواضحة للعنف الحالي تمثّلت في تصاعد حدّة الاستفزازات من بعض السياسيين والناشطين اليمينيين الإسرائيليين في الحرم الشريف ، والصدامات بين الشرطة الإسرائيلية والمحتجّين المسلمين. رأى الفلسطينيون في هذه الأحداث دليلاً متعاظماً عن نية الحكومة الإسرائيلية تغيير الوضع القائم في الموقع، وإحداث شرخ زماني ومكاني هناك من أجل السماح لليهود بالصلاة في جبل الهيكل - في مايشكّل انتهاكاً للوضع القائم. في حين أكّد نتنياهو مراراً وتكراراً التزام إسرائيل بالوضع القائم، إلا أن الدعم الذي يقدّمه أعضاء حكومته للنشطاء في جبل الهيكل ولّد اقتناعاً لدى الفلسطينيين بأن "الأقصى في خطر"، وفقاً للشعار الذي يُرفَع خلال الموجة الحالية.
لكن مايجري ينطلق أيضاً من شعور متنامٍ وعميق بالاختناق وفقدان الأمل لدى الفلسطينيين. لقد بات واضحاً للفلسطينيين، شعباً وقيادة على السواء، أن الآفاق قد سُدَّت تماماً أمام أية إمكانية لانطلاق عملية سلام فعالة تحقّق لهم نتائج ملموسة. يبدو أن اتفاق أوسلو كما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب رسمي الشهر الفائت قد أصبح عملياً اتفاقاً بائداً. فعلى الرغم من أن آثاره على الأرض، مثل التنسيق الأمني، والنظام البيروقراطي الضخم القائم على حواجز التفتيش والأذون وتقسيم الأراضي ، لاتزال ملموسة، إلا أن الفلسطينيين لايرون فيه ضمانة من أجل إقامة دولة فلسطينية بحسب حدود 1967. ومايزيد الطين بلة أن الفلسطينيين يشعرون، عن حق، بأن محنتهم وُضِعت إلى حد كبير على الهامش في جداول أعمال الولايات المتحدة والدول العربية والمجتمع الدولي ككل المنشغل بالحرب الأهلية في سورية والمواجهة ضد تنظيم داعش في سورية والعراق.
فضلاً عن ذلك، تسبّب توسيع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وصعود العنف الاستيطاني، بزيادة المخاوف والإحباط لدى الفلسطينيين. فبعد حرق عائلة دوابشة حتى الموت في دوما قرب نابلس، تضاءل أكثر فأكثر شعور الفلسطينيين بالأمان. وتفاقم شعورهم باليأس أمام عجز السلطة الفلسطينية عن حمايتهم من العنف في الأراضي الخاضعة لسيطرتها كما في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، إلى جانب تفشّي عدم الكفاءة والفساد والمحسوبيات والتسييس في المؤسسات والأجهزة الأمنية الفلسطينية (في الضفة الغربية وقطاع غزة)، والتي بلغت مستويات غير مسبوقة.
ليس مفاجئاً إذاً أن موجة الاحتجاجات الحالية فضلاً عن أعمال العنف العشوائية هي تحرّكات عفوية ويشكّل الشباب العنصر الأساسي فيها. فهي تعكس فقدان الثقة بالأحزاب والأفرقاء السياسيين، وبالسلطة الفلسطينية. لقد فوجئت هذه الأحزاب والسلطة الفلسطينية بحجم الاضطرابات ونطاق انتشارها، ووجدت أنها غير مستعدّة لها. يشكّل التصعيد المحتمل للاضطرابات الراهنة وإمكان تحوّلها إلى تعبئة شعبية حاشدة، على غرار الانتفاضة الأولى، سلاحاً ذا حدّين بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية. فمن جهة، يمكن الإفادة من الانتفاضة الشعبية لإرغام إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات (كما حدث في الانتفاضة الأولى). وفي الوقت نفسه، تتخوّف السلطة الفلسطينية من فقدان السيطرة وصعود قيادة فلسطينية جديدة وأكثر شباباً. ومصدر القلق الآخر هو صغر سنّ الفلسطينيين المشاركين في الاحتجاجات وأعمال العنف - معدّل عمر الأشخاص الذين لقوا مصرعهم هو 19 عاماً، بحسب بيانات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية. إنهم ينتمون إلى جيل من الفلسطينيين الذين ولدوا، أو كانوا صغاراً جداً في السن، خلال الانتفاضة الثانية، وبالتالي لم يشاركوا فيها، ولم يكونوا على دراية بالثمن المؤلم جداً الذي دفعه الفلسطينيون بسبب العنف. علاوةً على ذلك، لاينتمي الجزء الأكبر منهم إلى الفصائل السياسية القائمة، ولايرون أي مستقبل لهم في ظل الاحتلال المستمر والركود السياسي الراهن.
ليس الوضع الذي نشهده الآن في القدس والضفة الغربية بالأمر الجديد. الأحداث نفسها تتكرّر، لكن نطاقها يتصاعد تدريجاً منذ مقتل الشاب محمد أبو خضير من القدس في يوليو/تموز 2014. لم يبلغ هذا النطاق بعد المستوى الذي وصل إليه في العام 2000، والذي أطلق شرارة الانتفاضة الثانية، لكن من الواضح أن الاضطرابات بدأت فعلاً بالانتشار، من القدس إلى الضفة الغربية وغزة، وحتى إلى أراضٍ داخل إسرائيل. يبدو أن الأحداثٍ يمكن أن تتطوّر في اتجاهات عدّة، بحسب أسلوب التعاطي الذي ستعتمده السلطة الفلسطينية وحماس وإسرائيل والشباب الفلسطيني الذي يقف في طليعة الاحتجاجات وأعمال العنف على السواء من الواضح أن الشعور بالإحباط والاختناق والحصار الذي يراود الشباب الفلسطيني، والذي يجري تشاركه وتضخيمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لن يتبدّد في وقت قريب.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
حماس نحو انتفاضة ثالثة؟
عماد الصوص
عماد الصوص باحث في الحركات الاجتماعية والحركات الإسلامية وطالب دكتوراه في جامعة برلين الحرة.
مع أن الحصار العسكري والاقتصادي الذي تواجهه حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة حصاراً لم ينجح في شق الحركة، أو الاطاحة بحكمها، إلا أنه نجح في إضعاف قدرتها على حشد التأييد الشعبي. وتبعاً لذلك، تقلصت قدرة الحركة على المناورة السياسية. لكن "الهبّة الشعبية" الدائرة حالياً في الضفة الغربية والقدس المحتلة – ضد الانتهاكات الإسرائيلية الحكومية وانتهاكات المستوطنين في القدس والضفة الغربية – هيأت فرصاً سياسيةً لحركة حماس قد يكون من شأنها تخفيف الضغط عن حكمها في القطاع، ومنحها فرصة لاستعادة ثقلها السياسي ضد خصمها الداخلي الأساسي في الضفة الغربية أي حركة فتح والسلطة الفلسطينية. فهل تستطيع حركة حماس التعاطي مع الهبة الشعبية وتحويلها إلى انتفاضة ثالثة؟ وما هي نوع المواجهة الذي يمكن للحركة انتاجها؟
رغم الانتشار الجغرافي المحدود لهذه الهّبة مقارنة بالانتفاضة الأولى (1987-1993) والثانية (2000-2005)، بدا مسؤولون من حركة حماس ووسائل إعلامها بإطلاق اسم "انتفاضة القدس" عليها. حيث تنظم الحركة فعاليات شعبية، إذ انخرط بعض أفرادها في عمليات فدائية محدودة كتلك التي حدثت في قرية بيت فوريك في الأول من الشهر تشرين الأول/أكتوبر بالقرب من مدينة نابلس في الضفة الغربية كما وتسهل حاليا وصول المتظاهرين من قطاع غزة إلى حدود القطاع ولم تعق الاشتباك بالحجارة مع جنود الاحتلال. ومع هذا، فإن الموقف الرسمي والمعلن عنه في بيانات الحركة لا يشير إلى انطلاق انتفاضة ثالثة ولا يتبنى تلك التسمية. يبدوا أن حركة حماس تخشى استغلال السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال دورها في الهّبة الشعبية كشماعة، لتبرير موجة قمع قاسية تستهدف الحركة وعموم المتظاهرين، وتنتهي بوأد هذه الهّبة الشعبية.
بناءاَ على ذلك، تريد حركة حماس توظيف هذه الهّبة وتحويلها تدريجياً لانتفاضة شعبية، تستعيد بموجبها القضية الفلسطينية الزخم الثوري الشعبي، بعيدا عن تجربة احتكار الأجنحة المسلحة للانتفاضة الثانية، حيث خطفت طابعها الجماهيري وقوَّضت أهدافها. حركة حماس غير معنية حالياً بمواجهات عسكرية مفتوحة وشاملة بل تهدف إلى فتح فضاء لاحتجاجات جماهيرية وما تسميه بأعمال فدائية محدودة، وبالتالي تتجنب عسكرة هذه الهّبة الشعبية. هذا التعامل التكتيكي لحركة حماس يبدو متوافق ظاهرياً مع تعاطي حركة فتح والسلطة الفلسطينية مع الأحداث الجارية، لكنهما يختلفان في تصورهما لحجم الهّبة الشعبية وقدرتها على الاستمرار والاتساع. فحركة حماس ترى فيها بداية لانتفاضة شعبية واسعة النطاق كسابقاتها، تريد من خلالها الحركة فرض "مشروع المقاومة"، وتخفيف القيود عليها في الضفة الغربية وقطاع غزة. بينما تهدف السلطة الفلسطينية إلى التحكم في هذه الهّبة الشعبية وتحجيمها بحيث لا تخرج عن سيطرتها، بهدف تحسين موقعها في العملية التفاوضية مع الحكومة الإسرائيلية، وتنشيط الشق السياسي في اتفاقية أوسلو – التي اختزلتها إسرائيل بشقها العسكري (أو ما يعرف بالتنسيق الأمني) – من أجل تحقيق مكاسب سياسية تؤدي بالضرورة إلى حل الدولتين.
هذه الهبة ما زالت في بدايتها، وهي تعرّف بأعمال شعبية ذات مظالم فردية. وسيكون الدفع بجهد تنظيمي وبرنامج وطني توافقي خلف تلك الهبة عاملاً حاسماً لاستمرارها وتوسعها، كما تريدها حركة حماس.
رد نتنياهو
الحنان ميلر
الحنان ميلر، مراسل الشؤون العربية في "تايمز أوف إسرائيل".
يقاوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدعوات التي يطلقها خصومه في جانبَي الطيف السياسي من أجل تطبيق إجراءات أكثر تشدّداً للتصدّي لموجة العنف الفلسطيني في إسرائيل والضفة الغربية.
ليل الثلاثاء، أجاز نتنياهو للشرطة فرض حظر تجوّل وإغلاقات بحسب ماترتئيه مناسباً في "مراكز الاحتكاك والتحريض" الفلسطينية في القدس. وسمح أيضاً بتطبيق سلسلة من الإجراءات ضد الإرهابيين وعائلاتهم، بما يتيح للشرطة إلغاء إقامتهم الدائمة في القدس، ومصادرة أملاكهم، وتدمير منازلهم. وزادت حكومته الأمنية أيضاً من عديد قوات الشرطة في القدس عبر الاستعانة بالاحتياطيين في دوريات الحدود، كما وافقت على توظيف ثلاثمئة حارس أمني لتفتيش وسائل النقل العام حيث وقع عددٌ من الهجمات.
هذه الخطوات المتواضعة نسبياً بعيدة تماماً عن الحلول التي اقترحها زعيم المعارضة اسحاق هرتزوغ يوم الثلاثاء 13 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، والتي تشمل الإغلاق التام للأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية (اقترح هرتزوغ سابقاً إغلاق الضفة الغربية)، وفرض حظر مؤقت على جميع الزيارات إلى الحرم الشريف، وشنّ "حرب ضارية" على المواقع الإلكترونية الإسلامية والتحريض عبر الإنترنت. وكذلك تجاهل نتنياهو الدعوات الحربية التي وجّهها مشترعون يمينيون من حزبه، الليكود، ومنهم نائب وزير الداخلية يارون مازوز، الذي دعا إلى شنّ "عملية عسكرية واسعة النطاق".
تروّي نتنياهو في الردّ على العنف خطوة مدروسة تستند بلا شك إلى آراء كبار ضباطه الأمنيين الذين يدركون أن تعطيل الحياة اليومية لمئات آلاف الفلسطينيين سيتسبّب بالأذى أكثر مما يعود بالفائدة. فمن شأن إغلاق الحرم الشريف، كما اقترح هرتزوغ، أن يؤجّج المشاعر الفلسطينية ويثبت صوابية من يدّعون أن إسرائيل مصمّمة على تغيير الوضع القائم في الأقصى المستمر منذ 48 عاماً.
بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي فشل في معالجة الأسباب الجذرية للعنف الفلسطيني. فعبر التركيز على الكلام عن "تحريض" من جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والحركة الإسلامية في إسرائيل، والنائبة العربية في الكنيست، حنين زعبي، تجنّب نتنياهو تحديد أو الإقرار بالتأثير الهدّام لوسائل التواصل الاجتماعي على الشباب الفلسطيني المحبَط. فمن شنّوا الهجمات مناهضون للسلطوية وتصرّفوا من منطلق محض فردي، كما تُبيّن تعليقاتهم على موقع "فايسبوك". لقد نفّذوا هذه الهجمات في تحدٍّ لدعوات محمود عباس المتكررة إلى تبنّي المقاومة غير العنفية في وجه إسرائيل، وليس نزولاً عند رغبة عباس.
لقد كان نتنياهو مصيباً في إشارته إلى وجود رابط بين الحراك الفلسطيني الحالي وموجة الثورات التي تجتاح الشرق الأوسط العربي، إلا أنه بالغ كثيراً في تشبيهه عمليات الطعن بالسكاكين في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الجاري بقطع الرؤوس على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية. فهذه المقارنات لاتثير هستيريا غير مبررة في أوساط الرأي العام الإسرائيلي وحسب، إنما تفشل أيضاً في تحديد الظروف الفريدة التي تكمن خلف العنف الفلسطيني. ليس محبَّذاً في إسرائيل التطرق إلى الإهمال المستمر الذي تتعرّض له القدس الشرقية في مجالات التعليم والبنى التحتية والخدمات الاجتماعية. تخضع الأحياء التي يتحدّر منها معظم المعتدين بالسكاكين، للسيادة الإسرائيلية الكاملة منذ العام 1967.
في نهاية المطاف، يقع على عاتق حكومة نتنياهو تحسين الأوضاع إلى حد كبير في القدس الشرقية من أجل استتباب الهدوء في المدى الطويل.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.