المصدر: Getty
مقال

التململ الاقتصادي والسياسي خلف احتجاجات تونس

الأداء السيئ المستمر للاقتصاد التونسي والتململ الشعبي قد يقوِّضان ثقة القواعد الشعبية بالديمقراطية في مختلف أنحاء المنطقة.

 عبدالله أيدوغان و أ. قدير يلدريم
نشرت في ٢٣ يناير ٢٠١٨

بعد انقضاء سبعة أعوام على التظاهرات الأولى، تشهد تونس، مهد الربيع العربي، احتجاجات واسعة النطاق من جديد. لقد اعتقلت الشرطة أكثر من سبعمئة متظاهر، ولقي شخص واحد مصرعه على الأقل في صدامات مع القوى الأمنية. تشير التقارير الأولى إلى أن الدافع الأساسي وراء التظاهرات هو الاقتصاد، لا سيما الإجراءات التقشفية المضمّنة في موازنة 2018 والزيادات المفاجئة في أسعار السلع والخدمات الأساسية مثل الطحين والاشتراك بشبكة الإنترنت. تُظهر التقارير أيضاً أن المتظاهرين هم في أغلبيتهم الساحقة من التونسيين الشباب الذين خاب ظنّهم من الأوضاع الاقتصادية، على الرغم من أن الحكومة اتّهمت الأحزاب المعارِضة بالوقوف خلف الاحتجاجات، كما اتّهمت الشبكات الإجرامية بالتحريض على العنف. تشير استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد بايكر للسياسة العامة في جامعة رايس  في صيف 2017، إلى أنه للاحتجاجات الأخيرة في تونس جذور اقتصادية، كما أنها تُضيء على تبعات ذلك على مستقبل الإصلاحات الديمقراطية في البلاد.

تشكّل المصاعب الاقتصادية المصدر الأهم للاستياء في صفوف التونسيين. علاوةً على ذلك، الاستياء واسع وقوي جداً إلى درجة أنه يحمل في طياته خطر أن يصاب مزيد من التونسيين بالنفور من المنظومة السياسية والعملية الديمقراطية. إذا استمر هذا التململ العام، قد تخسر المنطقة البلد الديمقراطي النموذجي، بعد انهيار النموذج الديمقراطي التركي. كذلك يُظهر مسار الاضطرابات التونسية أن مصير إصلاحات الدمقرطة يتوقّف على تحقيق نتائج اقتصادية ملموسة.

التونسيون من الخلفيات كافة غير راضين البتَة عن أوضاعهم الاقتصادية الأسرية والوطنية. وفق الصورة 1، قال 47 في المئة من المجيبين على الاستطلاع إن الوضع الاقتصادي لأسرتهم تدهور خلال العام المنصرم، في حين ذكر 62 في المئة أن الاقتصاد الوطني أصبح أسوأ بالمقارنة مع العام السابق. النسبة المئوية للأشخاص الذين قالوا إن الوضع الاقتصادي الأسري والوطني تحسّن خلال العام المنصرم هي فقط 10 و6 في المئة، على التوالي. بغية وضع هذه الأرقام في سياقها الصحيح، واستناداً إلى استطلاع مشابه أجراه معهد بايكر في المغرب في الوقت نفسه تقريباً، اعتبر 12 في المئة فقط من المغاربة أن وضعهم الاقتصادي الأسري أسوأ بالمقارنة مع العام السابق، فيما اعتبر 19 في المئة فقط أن الاقتصاد الوطني أسوأ حالاً. أما نسبة المغاربة الذين أشاروا إلى أن الاقتصاد الأسري تحسّن خلال العام المنصرم فبلغت 33 في المئة، أي أكثر بثلاثة أضعاف من نسبة التونسيين. 

الصورة 1: تقييم الاقتصاد

التململ من الوضع الاقتصادي معمّم على مختلف الفئات الديمغرافية والأطياف الأيديولوجية. تختلف نسبة التونسيين الذين يعبّرون عن آراء إيجابية بشأن مدخولهم الأسري من 15 في المئة في حالة الفئة العمرية 18-24 عاماً، إلى 6 في المئة لدى الأشخاص الذين هم ما فوق الـ64 عاماً (الصورة 2). وتتراوح نسبة مَن يعبّرون عن آراء سلبية بشأن مدخولهم الأسري من 34 في المئة في حالة الفئة العمرية الأصغر سناً إلى 53 في المئة لدى الفئة العمرية الأكبر سناً. وتنطبق هذه النزعة أيضاً على النظرة إلى الاقتصاد الوطني. هذه النزعة السلبية الأفقية العابرة للأجيال في النظرة إلى الطريقة التي تَغيّر بها الاقتصاد خلال العام المنصرم، مفاجئة بعض الشيء، لا سيما على ضوء المشاهدات بأن الشباب هم الأقوى تعبيراً عن استيائهم من الاقتصاد والاتجاه العام الذي تسلكه البلاد. إذا قررت الأجيال الأكبر سناً أن ترفع الصوت بالدرجة نفسها للتعبير عن تململها الاقتصادي، أو إذا ساءت نظرة الأجيال الشابة إلى الاقتصاد، يمكن أن تكون الاحتجاجات في المستقبل أوسع نطاقاً وتمارس تأثيراً أكبر على تونس.

الصورة 2: تقييم الاقتصاد بحسب الفئة العمرية

يبقى مستوى الاستياء من الوضع الاقتصادي مرتفعاً بصورة مطّردة حتى لدى الأشخاص من مختلف الانتماءات السياسية. على سبيل المثال، وبغض النظر عن الأحزاب التي صوّتوا لها في انتخابات 2014، لدى التونسيين آراء سلبية متشابهة تقريباً عن الاقتصاد (الصورة 3). على الرغم من أن الجبهة الشعبية تشارك إلى حد كبير في تنظيم الاحتجاجات الأخيرة في تونس والترويج لها، إلا أن نظرة أنصارها إلى الوضع الاقتصادي لا تختلف كثيراً عن آراء أنصار نداء تونس أو النهضة أو الاتحاد الديمقراطي الحر أو آفاق تونس.

الصورة 3: تقييم الاقتصاد بحسب الحزب

رداً على السؤال، ما هي المشكلة الأهم التي تواجهها تونس، اعتبر 59 في المئة من المجيبين على الاستطلاع أنها تتمثّل في الاقتصاد والبطالة، وأشار 14 في المئة إلى الفساد أو تدنّي الدخل. ومتابعةً لهذا السؤال، سُئل المجيبون، ما هو الحزب السياسي الذي تعاطى بالطريقة الأفضل مع المشكلة التي حدّدوها بأنها الأكثر أهمية. وقد اعتبر 60 في المئة منهم أن جميع الأحزاب لم تتعامل جيداً مع المشكلة.

يشير ذلك إلى أن التونسيين غير راضين عن طريقة تعاطي المؤسسات مع الاقتصاد، وقد يدفعهم تشكيكهم المتزايد بالعملية السياسية للاتجاه بصورة مطّردة نحو السياسة غير النظامية والحراك في إطار المجتمع المدني – ومن الممكن أن تتخبّط الأحزاب السياسية والعملية الديمقراطية في أزمة وجودية. سواءً أدّت هذه الأزمة إلى اعتداء مباشر على العملية السياسية النظامية أو إلى ارتقاع مستويات الاستقطاب المجتمعي والنزاع المحتمل، فإنها لا تبشّر بالخير بالنسبة إلى مستقبل العملية الديمقراطية التونسية. بتعبير مختلف، ما يثير القلق ليس التململ من الأداء السيئ للحكومة الراهنة أو من بعض الأحزاب السياسية، بل التململ من المنظومة السياسية بكاملها.

غياب بديل مشروع (وديمقراطي) عن المجموعة القائمة من الأفرقاء السياسيين مقلق للغاية، لا سيما على ضوء مستوى الثقة الذي يمحضه المجيبون على الاستطلاع للمؤسسات والأحزاب السياسية المتعددة (الصورة 4). فنحو 30 في المئة فقط من التونسيين قالوا إن لديهم ثقة "كاملة" أو "جزئية" بالأحزاب السياسية الليبرالية، أو الأحزاب الدينية، أو ممثّليهم في البرلمان، أو بالبرلمان. في المقابل، أعرب التونسيون عن مستويات عالية من الثقة الكاملة والجزئية بالقضاء (56 في المئة)، والشرطة (72 في المئة)، والجيش (92 في المئة). يثير مستوى الثقة الأعلى الممنوح للعديد من الأفرقاء البيروقراطيين، مثل الجيش والشرطة والقضاء، مخاوف جدّية بشأن آفاق استمرار عملية الدمقرطة في بلدٍ كان خاضعاً لحكم سلطوي. يمكن أن تؤمّن مستويات الثقة المرتفعة جداً بالجيش مبرّراً للنخب العسكرية والبيروقراطية كي تحكم البلاد من دون تدخّل الأحزاب السياسية ومجلس النواب، لا سيما في حال حدوث اضطرابات سياسية واسعة في المستقبل. وإذا استمر الاستياء من الوضع الاقتصادي والمؤسسات السياسية، قد تُغوي الأيديولوجيات المتطرفة مزيداً من التونسيين.

الصورة 4: الثقة بالمؤسسات الحكومية

على الرغم من أن الشباب التونسي لا يزال ينخرط بأعداد مرتفعة في المجتمع المدني، ويبدي اهتمامه بالعمل من أجل التأثير في آلية صنع السياسات، إلا أن ذلك يأتي على حساب العملية السياسية النظامية – وهذا لا يقتصر على تونس وحسب. فالأداء السيئ المستمر للاقتصاد التونسي والتململ الشعبي قد يدفعان بالكثيرين في المنطقة إلى ربط الديمقراطية بالتنمية الاقتصادية السيئة، ما يقوّض ثقة القواعد الشعبية بالديمقراطية ويقلّص بصورة مطّردة من احتمالات حدوث انتقال ديمقراطي في بلدان أخرى في المنطقة. بناءً عليه، من شأن مدّ الاقتصاد التونسي بدعمٍ دولي يقود إلى التقدم الاقتصادي، أن يزيد من صدقية الأحزاب السياسية، ويُجدّد ثقة التونسيين بالمنظومة السياسية وقدرتها على تقديم منافع ملموسة ومستدامة. بيد أن المؤشرات الاقتصادية الراهنة تشي بأن تونس على موعد مع آفاق قاتمة، مع تسبُّب الأزمات الاقتصادية والسياسية بمزيد من الاحتجاجات في المستقبل القريب.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

عبدالله أيدوغان باحث في معهد بايكر للسياسة العامة في جامعة رايس، يركّز على الدمقرطة والمؤسسات السياسية في الشرق الأوسط. لمتابعته عبر تويتر: abdaydgn@ أ.قدير يلدريم زميل بحثي متخصص بشؤون الشرق الأوسط في معهد بايكر للسياسة العامة في جامعة رايس، يركّز على الدين والسياسة والسياسة الشرق أوسطية. لمتابعته عبر تويتر: akyildirim@


1. تندرج هذه الاستطلاعات في إطار دراسة ممتدّة على عامَين حول تأثيرات احتجاجات الربيع العربي بتمويل من كارنيغي كوربورايشن في نيويورك.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.