المصدر: Getty
مقال

المناخ الاستثماري المتزعزع في مصر

تردُّد الحكومة المصرية في تخفيف قبضتها على صناعات القطاع الخاص تسبّبَ بتعطيل تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة في البلاد.

 برندان ميغان
نشرت في ١٢ يونيو ٢٠١٨

شهد الاقتصاد المصري، العام الماضي، تدفقاً للعملات الأجنبية إثر تطبيق تحرير أسعار الصرف بالتزامن مع سلسلة من الإصلاحات البنيوية ورزمة قروض من صندوق النقد الدولي. فبعد طول انتظار، انتهت أزمة النقص في العملات الصعبة التي تسبّبت شيئاً فشيئاً بتعطيل الاقتصاد. لكن بعد التغييرات الاقتصادية الهائلة التي شهدتها البلاد على امتداد 18 شهراً، من اللافت أن المستثمرين الأجانب لم يُظهروا إقبالاً على الاستثمار في المدى الطويل في الاقتصاد المصري. لقد احتفت الحكومة، على امتداد العام 2017، بالزيادة السريعة في احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي، وأعلنت بكثير من الصخب عن مبيعات ديون جديدة. على الرغم من الكلام الكبير الصادر عن الحكومة، ليس الاستثمار في السندات الحكومية ذات الآجال القصيرة مؤشراً عن الاستقرار والأمان الماليَّين في المدى الطويل، فهذه المبالغ يمكن أن تخرج من الاقتصاد بالسرعة نفسها التي دخلت بها تقريباً.

المؤشر الأكثر صلابة للتحسن الاقتصادي هو الاستثمارات الخارجية المباشرة التي تتخذ عادةً شكل استثمار طويل المدى في الأعمال. فهي تساهم في تحسين ميزان الحسابات الجارية عبر زيادة قدرة الاقتصاد على التصدير، وكذلك في خفض معدل البطالة الذي يستمر مرتفعاً في مصر. إشارة إلى أن الاستثمارات الخارجية المباشرة ارتفعت إلى 7.92 مليارات دولار خلال السنة المالية 2016/2017، بعدما كانت 6.93 مليارات دولار في السنة المالية السابقة، لكنها لم تصل إلى مستوى العشرة مليارات دولار، بحسب الهدف الذي حدّدته الحكومة. غالب الظن أن الشركات الخاصة المتعددة الجنسيات تتريّث للتأكّد من أن الإصلاحات الموعودة قادرة على تحقيق تغييرات جوهرية في الاقتصاد. وبما أن عدداً كبيراً من الشركات الدولية الكبرى يمتلك حضوراً ما في مصر، ليست هناك فائدة تُذكَر يمكن أن تجنيها تلك الشركات من زيادة الاستثمارات بسرعة كبيرة. وفي حين تحدّثت وزيرة الاستثمار سحر نصر بإيجابية عن التوقعات بارتفاع تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة خلال السنة المالية الحالية، الأدلة عن حدوث تحسّن قليلة. فالبيانات الأحدث عن الاستثمارات الخارجية المباشرة الصادرة عن الحكومة (والتي تصدر تقليدياً بتأخير نحو تسعة أشهر)، تُظهر تراجعاً في صافي هذه الاستثمارات مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

لقد كان الاستثمار خارج قطاع استخراج النفط والغاز، ضعيفاً. وفقاً لحسابات مستندة إلى بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري، سجّلت الاستثمارات الخارجية المباشرة في القطاع غير النفطي، تراجعاً، من 3.24 مليارات دولار في السنة المالية 2015/2016 إلى 3.07 مليارات دولار في السنة المالية 2016/2017. قد يكون أحد أسباب التراجع الالتباس الذي أعقب تعويم العملة من قبل البنك المركزي المصري، غير أن البيانات تشير إلى أن ذلك لم يؤثّر في الاستثمارات في القطاع النفطي. نظراً إلى الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة المطلوبة للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، لا سيما في مياه المتوسط، شكّل القطاع النفطي على الدوام نسبة مئوية غير متكافئة من الاستثمارات الخارجية المباشرة في مصر – حتى قبل اكتشاف حقل ظهر الضخم للغاز في العام 2015. في حين أن القطاع يحقق ربما أداء جيداً في المجمل، ويساهم إلى حد كبير في المؤشرات العالية التي تسجّلها مصر على مستوى الاقتصاد الكلي، إلا أن القطاع النفطي يوظّف عدداً قليلاً نسبياً من المصريين. كما أن النمو في القطاع النفطي لم ولن يُترجَم مباشرةً في شكل مكاسب بالنسبة إلى معظم المصريين الذين يفوق عددهم 90 مليون نسمة. يكتسب هذا الأمر بعداً مقلقاً إضافياً عندما نأخذ في الاعتبار معدل البطالة في مصر الذي يصل إلى 11.8 في المئة، والقوة العاملة النظامية التي لا يتخطى عديدها 29.5 مليون نسمة.

من شأن زيادة الاستثمارات في قطاعَي التصنيع والخدمات أن تساهم بسهولة أكبر في دمج العمّال المصريين في آلياتهم الإنتاجية. غير أن قطاع التصنيع لم يحصل سوى على 495 مليون دولار من الاستثمارات الخارجية المباشرة، فيما حصل قطاع الخدمات على 752 مليون دولار فقط، أي ما نسبته 5.8 و9.5 في المئة على التوالي. عبر استقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية إلى قطاعَي التصنيع والخدمات، بإمكان مصر أن تستمر في تحقيق المنافع الماكرو اقتصادية نفسها التي تستمدها من القطاع النفطي، وذلك عبر زيادة الصادرات وخفض الواردات، ما يؤدّي إلى خفض العجز التجاري. غير أن قطاعَي التصنيع والخدمات يقدّمان منافع إضافية أيضاً. يستطيع المستثمرون الأجانب الإفادة من القوة العاملة الشابة، وغير المكلفة نسبياً، في مصر، ما يساهم في معالجة مشكلة البطالة بصورة مباشرة، وهو أحد الأهداف المعلَنة للحكومة. وعبر نقل مزيد من المصريين إلى العمالة النظامية، سوف يتم توسيع القاعدة الضريبية للحكومة، ما يساهم في خفض عجز الموازنة.

تُشكّل الحكومة المصرية بحد ذاتها عائقاً أمام زيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة. فقد أشار تقرير نشرته وكالة "رويترز" مؤخراً عن الدور المظلم للجيش في الاقتصاد المصري، إلى أن الجيش يملك عشرات الأعمال والشركات، على الرغم من أنه ليس واضحاً بعد ما هو حجم المساحة التي يسيطر عليها في الاقتصاد في شكل عام. كذلك تتنافس كيانات حكومية أخرى مع الجهات الخاصة في قطاعات مثل المصارف، والتبغ، والأسمدة. تتسبّب مشاركة الحكومة في القطاع الخاص بعقبات كبرى للشركات الخاصة. فغالباً ما تكون الشركات المملوكة من الدولة في مصر معفيّة من فرض ضريبة على القيمة المضافة على مشتريات الزبائن، ويمكنها أن تستمر في العمل إلى أجل غير مسمّى حتى لو كانت تتكبّد خسائر، ما يتسبب بإضعاف الجهات الخاصة. أما الشركات الخاصة، لا سيما تلك التي تُقدّم تقارير إلى المساهمين، فهي مضطرّة إلى زيادة أرباحها إلى أقصى حد، ونادراً ما تتمكّن من الحصول على الامتيازات والقدرة على الوصول إلى الدوائر الحكومية التي تتمتع بها الشركات المملوكة من الدولة.

لقد أعلنت الحكومة عن مخططات لبيع أجزاء من هذه الكيانات خلال الأعوام المقبلة، لا سيما في القطاع المصرفي وقطاع الطاقة، من خلال عروض الاكتتاب العام الأولي في البورصة. من شأن هذه المبادرة أن تشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن حجم التدخل الحكومي في القطاع الخاص ونطاقه سيبقيان كبيرَين، حتى لو تمّت كل عروض الاكتتاب العام الأولي المحتملة. لا تزال هناك ضبابية شديدة في ما يتعلق بمخططات الاكتتاب العام الأولي، فالمساهمون في هذه الشركات ليست لديهم حوافز للبيع، وربما تسعى الحكومة فقط إلى التخفيف من مخاوف المقرِضين الأجانب. في الواقع، ليس هناك من مبرّر ماكرو اقتصادي كي تتولى الحكومة والجيش إدارة الشركات عندما يكون القطاع الخاص قادراً على تأمين الخدمات نفسها بطريقة أكثر فاعلية، ما عدا في حالات إخفاق السوق والصناعات التي ترتدي أهمية قصوى للأمن القومي. فهذا يشكّل عائقاً كبيراً أمام الاستثمارات الخاصة، لا سيما من قبل الشركات الأجنبية الأقل اعتياداً على السوق المصرية. ومع ابتعاد الحكومة بصورة متزايدة عن الأسواق الحرة وعن الديمقراطية التمثيلية، واتجاهها نحو آلية فاضحة لإثراء النخب العسكرية، سوف تتضاءل المحفّزات التي تساهم في تشجيع الاستثمارات الخارجية.

لم تعد مصر في قبضة أزمات اقتصادية كارثية، كما أنها لم تعد تعاني من تبعات الإصلاحات البنيوية والماكرو اقتصادية التي تشكّل حاجة ماسة. لقد بدأ التضخم بالانخفاض، وباشر البنك المركزي خفض أسعار الفوائد، ما يساهم في تحسين ظروف الاستثمار في الداخل. يجب أن تركّز الحكومة المصرية الآن على الخروج من قطاعَي التصنيع والخدمات عن طريق بيع الشركات المملوكة من الدولة واستقطاب الاستثمارات الخارجية لسدّ الثغر. وعبر القيام بذلك، يمكنها خفض نسبة البطالة مع الحفاظ على النمو وتطوير اقتصاد أكثر شمولاً واستدامة. إنها ضرورة قصوى، إذ يُتوقَّع أن يتخطّى عدد المصريين 100 مليون نسمة في السنوات المقبلة. لسوء الحظ، بدلاً من أن تُفيد مصر من موقعها لتحقيق الاندماج الكامل في السوق العالمية، يبدو أنها تتّجه إلى أن تحصر نفسها بالنمو عن طريق النزعة الريعية واستخراج النفط والغاز.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

برندان ميغان محلل متخصص في الاقتصاد الكلي يركّز على الشرق الأوسط. لمتابعته عبر تويتر BrendanJMeighan@

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.