المصدر: Getty
مقال

تونس وازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع المهاجرين

كشف تناول وسائل الإعلام الغربية لتصريحات الرئيس التونسي العنصرية الأخيرة عن ازدواجية معايير الغرب في تعاطيه مع قضايا المنطقة.

 ثروة بوليفي
نشرت في ٣٠ مارس ٢٠٢٣

تسبب الرئيس التونسي قيس سعيّد في ثورة غضب حقوقية بعد بيان ألقاه في فبراير/ شباط الماضي طلب فيه من قوات الأمن طرد جميع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول جنوب الصحراء الكبرى، ووصف الهجرة بأنها "مؤامرة إجرامية لتغيير التركيبة السكانية في تونس".

على الرغم من احتجاج منظمات حقوق الإنسان التونسية على هذا البيان وما ترتب عليه من سياسات مناهضة لأصحاب البشرة السمراء، إلا أن بعض التونسيين، وخاصة أنصار الرئيس سعيد، لم يجدوا أي غضاضة في تلك التصريحات التي نتج عنها موجة عنف ضد المهاجرين الأفارقة الذين تعرضوا للتنكيل والإيذاء البدني واللفظي حتى اضطروا للتخييم أمام سفارات بلدانهم والمنظمات الدولية الحقوقية للمطالبة بإعادتهم إلى أوطانهم.

ورغم أن الوضع في تونس في أعقاب تصريحات الرئيس كان كارثياً، إلا أن وسائل الإعلام الدولية، وخاصة الغربية منها، لم تتردد في إضافة جرعات الإثارة المعتادة على تغطيتها للأحداث. حيث سارع العديد من الصحفيين والباحثين الأجانب إلى تحليل الوضع وعرض آرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي مستخدمين خطاباً استعلائياً يعزز صورة "المنقذ الأبيض". بل إن بعض هؤلاء حَمّل الصحفيين التونسيين ووسائل الإعلام المحلية المسئولية الجزئية عما آل إليه الوضع نتيجة تغطيتهم لانقلاب سعيّد في يوليو/ تموز 2021.

في الواقع، تعتبر التغطية الإعلامية الغربية للتطورات في تونس منذ ثورة 2011 جدلية على أفضل تقدير. فما أن انطلقت الثورة التونسية في عام 2011، حتى هرعت وسائل الإعلام الدولية لتغطية أخبار تحول بلدٍ إفريقيٍ إلى دولة ديموقراطية بحماس أشبع نهم التونسيين في جذب الاهتمام الغربي وأرضى غرورهم. ولكن، ومع مرور الوقت وتعاقب الأزمات، التي كان آخرها انقلاب قيس سعيّد في يوليو/ تموز 2021، أصبحت التغطية الإعلامية الغربية للشأن التونسي تغطيةً يغلب عليها التشاؤم بسبب الإحباطات المتكررة التي اعترضت طريق التحول الديموقراطي في تونس.

شهد العامان الماضيان – مرحلة ما بعد الانقلاب – سيناريوهات ونظريات كارثية، تفتقر إلى السياق والمنطق، عرضها المحللون الغربيون، جاءت نتيجة مباشرة لغياب المحللين المحليين عن منصات الإعلام المرموقة، وهي مشكلة أثارها عدد من الصحفيين التونسيين لأنها تزيد من الإحباط والذعر في السردية التونسية. انتقدت المؤسسات الغربية، بما فيها البنك الدولي الذي علق شراكته مع تونس - تصريحات سعيّد العنصرية، وأدانت منظمات حقوق الإنسان، بما فيها هيومن رايتس ووتش، العنف الذي تعرض له أصحاب البشرة السمراء في تونس بعد بيان الرئيس، وطالب أعضاء البرلمان الأوروبي برد فعل من الاتحاد الأوروبي.

قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل الأسبوع الماضي إن "الاتحاد الأوروبي يتابع بقلق التطورات الأخيرة في تونس" و أن  "انهيار تونس سيؤدي إلى تدفقات كبيرة من الهجرة إلى أوروبا، وهو أمر نريد تجنبه." على الرغم من أن تصريحات بوريل لا تقل في عداوتها للأجانب عن تصريحات سعيّد الأخيرة، إلا أن تجاهل وسائل الإعلام الدولية لنبرة العداوة تلك يكشف المعايير المزدوجة التي تتبعها هذه المؤسسات التي لا تحاسب جميع القادة السياسيين على ما يقولونه على قدم المساواة.

الحقيقة هي أن سياسة كراهية الأجانب التي ينتهجها الغرب تعجز عن وصفها الكلمات؛ ففي الصيف الماضي، خفضت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة لدول المغرب العربي كأداة للضغط السياسي على الحكومات. وبالمثل، اقترحت المملكة المتحدة مشروع قانون يسمح للسلطات بترحيل اللاجئين، واعتمدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا اتفاقية لوقف تدفق طالبي اللجوء. ومع ذلك، لم تحاول وسائل الإعلام والمجتمع الدولي إبراز مثل هذه الإجراءات أو إضفاء صبغة درامية عليها مثلما فعلت بكلمات سعيّد.

فوق هذا، وعندما تتخذ دول الشمال العالمي القوية مثل هذه القرارات، يتم ترشيدها وتبريرها بمبدأ حماية الحدود. أما عندما تقوم إحدى البلدان الإفريقية بالشيء نفسه، تصنف هذه الأعمال على أنها عنصرية وكراهية للأجانب. وربما لم يكن سعيّد ليتلقى ردود الأفعال العنيفة التي تلقتها تصريحاته لو كان أكثر دبلوماسية في اختيار كلماته.

تستغل المؤسسات الإعلامية الغربية، صاحبة التأثير الأكبر على الرواية الدولية، قدرتها على توجيه الرأي العام لشيطنة بعض التصرفات والتصريحات العنصرية وصنع المبررات للبعض الآخر. ولكن ما يفوت هذه المؤسسات هو أن تلك الازدواجية في المعايير تعزز المشاعر المعادية للغرب، والتي هي بالفعل قوية في جنوب العالم.

يجب أن تكون حقوق الإنسان أكثر من مجرد حبر على ورق، وينبغي لوسائل الإعلام أن تحاسب جميع البلدان على انتهاكاتها على قدم المساواة. 

ثروة بوليفي كاتبة وصحافية تونسية مستقلة. تابعوها على تويتر @TharwaBoulifi.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.