أطاحت موجة من الاحتجاجات والسخط حاكم تونس المُستبد، زين العابدين بن علي، بسرعة مذهلة، ما أثار الخوف بين القادة العرب من احتمال أن تمتد الاضطرابات إلى بلدانهم قريباً. وبينما لايزال من غير الواضح ما الذي ستجلبه اضطرابات تونس على البلاد، يبحث ساسة المنطقة الأقوياء عن سبل لاحتواء الفوضى في العالم العربي.
يُحلل مروان المعشر، وزير الخارجية ونائب رئيس وزراء الأردن الأسبق، الاضطرابات التونسية وأثرها على العالم العربي. ويقول أنه في حين أدى ارتفاع الأسعار والبطالة إلى إثارة الاضطرابات، إلا أنه من الخطأ الاعتقاد بأن كل ذلك كان يتعلق بالاقتصاد. فالعالم العربي يتخبّط في أزمة بسبب الافتقار إلى الحوكمة الرشيدة. ويتعيّن على القادة الاعتراف بأنه ما من بلد بمنأى عن الخطر، وبأن عليهم اتخاذ خطوات لفتح نظمهم السياسية بهف تحسين الحقوق الديمقراطية والسياسية للسكان، وعندها فقط يمكن تجنّب حدوث ثورات في المستقبل.
- ما الأسباب الكامنة وراء الانتفاضة في تونس؟
- ماذا الذي يُتوقع أن نشهده في تونس في الأسابيع والأشهر المقبلة؟
- لماذا لم يكن سقوط الرئيس زين العابدين بن علي متوقعاً؟
- هل ستمتد الأزمة والاحتجاجات إلى خارج تونس؟
- هل ثمة زعماء عرب آخرون مُعرضون إلى الخطر؟
- ما الدروس التي يمكن أن يستفيدها العالم العربي من الأزمة؟
- هل يشي التغيير في الوضع العربي الراهن بوجود خلل في السياسة الأميركية؟ وكيف يجب أن يرد الغرب على الاضطرابات التونسية؟
- هل العالم العربي في أزمة؟
ما الأسباب الكامنة وراء الانتفاضة في تونس؟
اندلعت الاحتجاجات بسبب الشكاوى الاقتصادية وارتفاع الأسعار، لكن من الخطأ الاعتقاد بأن الأزمة كانت تتعلق بالمال وحسب، إذ لم يكن الاقتصاد وحده هو الذي جعل الناس يتظاهرون. كانت الاضطرابات تتعلق بالحوكمة بقدر تعلقها بالاقتصاد.
عند إلقاء نظرة على الشعارات التي استخدمت في تونس وفي أرجاء العالم العربي في الأسابيع الأخيرة، نجد أن القليل منها كانت غايته ارتفاع الأسعار. بدلاً من ذلك، اتهمت الشعارات الحكومة بالتخلي عن شعبها. ثمة منسوب مرتفع من الإحباط إزاء عدم وجود حكم رشيد، وهذا هو الدرس الذي يجب أن يتم استيعابه في تونس وعواصم عربية أخرى.
ماذا الذي يُتوقع أن نشهده في تونس في الأسابيع والأشهر المقبلة؟
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان يمكن أن تصبح تونس منارة في العالم العربي، إذ أن الانتقال السلمي إلى الديمقراطية المستدامة ليس مضموناً بأي حال من الأحوال. من المأمول ألا ينتهي الأمر في تونس على غرار الحملة الأمنية في إيران بعد الانتخابات المتنازع عليها في العام 2009، لكن هذا لما يتضح بعد.
هناك وجوه قديمة في الحكومة الجديدة، ويتعيّن البت في أمور كثيرة. ومن الواضح أن ثمة رغبة قوية لدى السكان في بداية جديدة ونظام أكثر ديمقراطية وتعددية، لكن الطريق إلى ذلك لايزال طويلا.
لماذا لم يكن سقوط الرئيس زين العابدين بن علي متوقعاً؟
الحجة التقليدية التي كانت تُطرح داخل العالم العربي وخارجه هي أن الأمور على مايرام وأن كل شيء قيد السيطرة. مع مثل هذا النمط من التفكير، جادلت القوى المُسيطرة بأن المعارضين والدخلاء الذين يدعون إلى الإصلاح، يبالغون في توصيف الأوضاع على غير ماهي على أرض الواقع. بيد أن الأحداث التي تكشفت في تونس قوّضت هذه الحجة بشكل كاسح.
كان أداء تونس من الناحية الاقتصادية جيداً نسبياً، وكانت فيها معارضة معتدلة، ومؤسسة أمنية قوية، ولذا فقد اعتبر خطر اندلاع ثورة احتمالا ضئيلا. لم يكن من المفترض أن يحدث ذلك في تونس، وحقيقة أنه حدث تُثبت أن ثمة حاجة إلى إصلاحات سياسية أساسية، من قبيل توسيع عملية صنع القرار ومكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم العربي.
هل ستمتد الأزمة والاحتجاجات إلى خارج تونس؟
مبعث القلق لايتعلّق بما إذا كانت الاحتجاجات ستمتد من تونس، ولكن باحتمال أن تنفجر التوترات في البلدان العربية في أي لحظة، كما أظهرت الأحداث في تونس. وبينما تختلف الظروف في كل بلد، فإن ثمة مطالب شاملة في جميع الدول العربية، مثل تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد، والتعامل مع الناس بطريقة عادلة، بغض النظر عن الوضع السياسي والاقتصادي. هذه هي القضايا التي تحتاج إلى معالجة، ومعالجة سريعة أيضاً.
تقول الحجة القديمة إنك إذا ما فتحت النظام، فإن الإسلاميين سيسيطرون على الحكم. وقد وفّر ذلك مبرراً للأحزاب الحاكمة للإبقاء على النظام مُغلقاً ولإحكام قبضتها على السلطة. في تونس، اختار شخص واحد، لم يكن ينتمي إلى حزب إسلامي ولم يكن عضواً في جماعة مسلحة، أن يحرق نفسه بسبب الإحباط الاقتصادي. وهذا يقوّض تفكير الحرس القديم الذي يقول أن النظام السياسي يجب أن يظل خاضعاً إلى رقابة مشددة. في مواجهة الاستياء المكبوت، وفي ظل عدم وجود وسيلة للتعبير عن الشكاوى بصورة ديمقراطية، دفع عمل قام به شخص واحد إلى نشوب ثورة.
ليس معروفاً بعد ما إذا كانت الدول العربية سوف تستخلص الدروس الصحيحة، لكن المؤشرات الأولية لاتبدو مُشجِّعة.
هل ثمة قادة عرب آخرون مُعرضون إلى الخطر؟
لايوجد بلد في مأمن من الخطر. ثمة اتجاه لدى المستشارين في الأنظمة العربية اليوم للقول بأن بلادهم ليست تونس. ويتمثّل الاتجاه الآخر بالقول إن هذه أزمة اقتصادية يمكن التعامل معها من خلال تدابير يتم اتخاذها على المدى القصير، مثل توفير الدعم وزيادة الرواتب.
هذا يُمثّل إخفاقاً تاماً في فهم الوضع. فما لم يبدأ القادة في فهم الدروس الحقيقية، واتخاذ الخطوات الصحيحة، فإن العالم العربي سيعود إلى سابق عهده في لمح البصر، مع ما لذلك من عواقب وخيمة وخطيرة بالنسبة إلى المستقبل.
ما الدروس التي يمكن أن يستفيدها العالم العربي من الأزمة؟
هناك ثلاثة دروس يتعيّن على العالم العربي أن يستفيدها من أحداث تونس. الأول يتمثّل في أن ماحدث لاعلاقة له بالاقتصاد فقط بل أساساً بالحوكمة. وبالتالي، يتعيّن أن تعالج الحلول قضايا الحكم بقدر ما تعالج الهموم الاقتصادية.
ثانياً، لا أحد في مأمن. لايمكن لأي بلد أن يقول بأنه ليس في خطر. فقد كانت تونس بلداً يعمل بشكل جيد، وفيه معارضة معتدلة وأجهزة أمنية قوية، ويتمتع بنمو اقتصادي قوي نسبياً، لكن هذا لم يحل دون اندلاع الأزمة.
ثالثاً، أن من الخطأ طرح الحجة القديمة التي تقول إنه لايمكن للبلدان فتح النظم السياسية من دون أن يأتي الإسلاميون إلى الواجهة. فبينما لايزال بمقدور الإسلاميين ممارسة التأثير بعد فتح النظم السياسية، اتضح في تونس أنه ليس ثمة حاجة لأن يأتي التغيير على يد جماعة مسلحة أو على يد المعارضة الإسلامية. بدلاً من ذلك، أمكن لشخص واحد أن يؤجج ثورة أدت إلى سقوط حاكم مستبد. وهذا يشي بوجود مشكلة بنيوية أعمق يتعيّن معالجتها بطريقة مستدامة، وليس من خلال ردود فعل غير محسوبة وقصيرة المدى.
هل يشي التغيير في الوضع العربي الراهن بوجود خلل في السياسة الأميركية؟ وكيف يجب أن يرد الغرب على الاضطرابات التونسية؟
ينبغي على الحكومات الغربية التي تُقدَّم الدعم الأعمى للأنظمة الاستبدادية، أو تغض الطرف عن السياسات القمعية المُتبعة، أن تعيد النظر في سياساتها. وفي حين أن الإصلاح عملية محلية بالتأكيد، إلا أنه يتعيّن على المجتمع الدولي ألا يعيق الإصلاح السياسي في بلدان مثل تونس.
كانت تونس دولة بوليسية وكان الفساد متفشياً لسنوات. كان هذا معروفاً تماماً، لكن الغرب تجاهله. يجب أن يتغيّر هذا، كما يجب أن يكون هناك المزيد من التركيز على الإصلاح السياسي. لاينبغي أن يتم إعطاء الحكم الرشيد أولوية أقل عندما يتعامل الغرب مع العالم العربي في شأن القضايا التي تهم الجانبين. لم يعد من الممكن احتواء قضايا الفساد والمساواة والحكم الرشيد وسيادة القانون داخل كل بلد، فهي ذات طابع عالمي، ولم يعد في وسع المجتمع الدولي تجاهلها.
هل العالم العربي في أزمة؟
المنطقة تتخبط في أزمة بالفعل. فمن الصراعات في لبنان، إلى الاستفتاء في السودان، إلى أزمة الخلافة في مصر وثورة الياسمين في تونس، هذه كلها أمور تتعلق بالحوكمة. على الرغم من أن كل حالة مختلفة عن الأخرى، إلا أن القضايا الأساسية التي تربط بينها جميعاً هي الافتقار إلى وجود الحوكمة الرشيدة، والثقافة التعددية، والاحترام الجدي لسيادة القانون.
إن من يجادلون بأن العالم العربي ليس في وضع مُفجع يجانبون الحقيقة والواقع. فالأحداث الصغيرة يمكن أن تُفجّر أزمة على مستوى المنطقة، وما لم تتم معالجة قضايا الحكم التي تتقاطع في جميع البلدان والتصدي لها بسرعة، فسيعاني العالم العربي المزيد من الأزمات في المستقبل. هذا هو الدرس الأهم الذي يجب أن يتعلّمه العالم العربي والمجتمع الدولي من الأحداث الأخيرة في تونس.