المصدر: Getty
مقال

روحاني وعامه الأول في الرئاسة

قبل عام، فاز حسن روحاني، رجل الدين الذي ترشّح على أساس برنامج انتخابي معتدل، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. والآن بعد عام على تسلّمه سدّة الرئاسة، ما الذي حققه روحاني؟ يناقش أربعة خبراء إيرانيين سياساته والآفاق المتاحة من أجل التغيير.

 نقاش صدى
نشرت في ٦ أغسطس ٢٠١٤

قبل عام، فاز حسن روحاني، رجل الدين الذي ترشّح على أساس برنامج انتخابي معتدل، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. أمِل الإيرانيين بأن يعمل روحاني على رفع لواء القضايا الإصلاحية و البراغماتية انطلاقاً من موقعه الوسطي في مؤسسة الحكم، و أن يفي  بالوعود الأساسية الذي قطعها خلال حملته الانتخابية و التي تشمل تحسين الاقتصاد المتعثّر، تحسين حقوق المرأة، إتخاد نهج جديد للمحادثات النووية، واستراتيجية لتخفيف العزلة المالية والدبلوماسية الدولية. أمِل الغرب بأن يكون روحاني، الذي كان كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين بين 2003 و2005، شريكا أفضل قادرا على دفع المفاوضات النووية نحو الأمام. لكن روحاني يواجه متنافسة مع كتلة المحافظين ذوي النفوذ داخل النظام الإيراني متشككة  من الإصلاحات والتسوية مع الغرب بشأن البرنامج النووي. 

والآن بعد عام على تسلّمه سدّة الرئاسة، ما الذي حققه روحاني؟

يناقش أربعة خبراء إيرانيين سياسات روحاني والآفاق المتاحة من أجل التغيير. ندعوكم للانضمام إلى النقاش عبر مشاركتنا آراءكم في قسم التعليقات.

روحاني والسير على الحبل الرفيع

إسكندر صادقي بروجردي

الدكتور إسكندر صادقي بروجردي، مساعد رئيس تحرير المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط.

أفاد روحاني جيداً من وجوده في أروقة النفوذ في الدولة طيلة ثلاثة عقود فهو يعرف ماهي المسائل التي يمكنه أن يضغط فيها من دون المجازفة بحدوث تداعيات خطرة، وتلك التي لاتقدّم الكثير على مستوى المكاسب الملموسة. رفعت إدارة روحاني شعار الاعتدال في حين استُخدِم مصطلح "توندرو" (تشدّد) للاستهزاء بمنتقدي الحكومة الذين يجدون الآن أنهم أقلّية ومنفصلين تماماً عن المزاج السائد في البلاد.

يبذل حلفاء روحاني في حزب منفذي البناء، والمتعاطفون معهم، وفصيل الاعتدال الذين يشكّلون الأكثرية في مجلس الشورى بعد فوز روحاني في الانتخابات الرئاسية، جهوداً متضافرة الآن للظهور في موقع وسطي وإقناع أكبر شريحة ممكنة من النخبة السياسية بدعم المسار الذي اختارته الحكومة. حتى الآن، أتاح التركيز على المسألة النووية، والإعفاء من العقوبات، ورداءة الحالة الاقتصادية، تشكيل ائتلاف من "وسطيي" النظام - يضم الإصلاحيين الأكثر محافظية وماكان يُعرَف بـ"اليمين المعتدل" المرتبط بالرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني - و"المبدئيين المعتدلين"، ومنهم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ووسطيون في مجمع علماء الدين المجاهدين.

مما لاشك فيه أن عدداً كبيراً من الناخبين، إن لم يكن معظمهم، انشغلوا في شكل أساسي بجعل حياتهم اليومية أكثر قابلية للعيش. بيد أن دعم الإصلاحيين لروحاني، الذي تجسّد في التأييد القوي من جانب الرئيس الأسبق محمد خاتمي وانسحاب المرشح الرئاسي محمد رضا عارف على مضض، كان أساسياً في حشد قاعدة انتخابية داعمة لوصوله إلى الرئاسة. على الرغم من أن روحاني لم يرتبط قط باليسار الإسلامي أو بتنظيم "إصلاحي"، إلا أنه دعا إلى فرض سيادة القانون واحترام خصوصية الأشخاص؛ في حين أنه لم يبذل جهوداً فعلية من أجل تنفيذ "شرعة حقوق المواطن" التي وضعتها حكومته وكانت موضع احتفاء شديد. 

كذلك يدرك الإصلاحيون أنفسهم، براغماتياً، أن البدائل المتاحة أمامهم ضئيلة، لهذا يستمرّون في دعم النظام. لكن روحاني يحاذر من الضغط في المسائل الحسّاسة فعلاً، مثل الرقابة الاستصوابية (نظارت استصوابي) على العملية الانتخابية من قبل مجلس صيانة الدستور، وإشراف مجلس خبراء القيادة على المرشد الأعلى.

فضلاً عن ذلك، تجاهل المرشد الأعلى خامنئي المطالبات بالإفراج عن قادة الحركة الخضراء - مير حسين موسوي ومهدي كروبي وزهراء رهنورد - أو محاكمتهم بعد وضعهم في الإقامة الجبرية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتشير التقارير أيضاً إلى أنه معادٍ لخاتمي لأنه يعتبره غير موالٍ له. تكشف هذه التصرّفات عن عدم استعداد للسماح لروحاني وحلفائه بإعادة دمج من تجرأوا ذات يوم على أن يتحدّوا (ولو بصورة طفيفة) شخص المرشد الأعلى والمنصب الذي يشغله.

محاولة لمأسسة التهميش السياسي للشخصيات الإصلاحية تتجلى في  مشروع القانون الجديد المطروح في مجلس الشورى حول الأحزاب السياسية. بموجب مشروع القانون، يُمنَع أي شخص أدين بالضلوع في "أنشطة تخلّ بأمن الدولة" أو كان عضواً في حزب منحلّ، من الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تأسيس حزب جديد. يبدو أن مشروع القانون يستهدف في شكل مباشر تنظيمَين إصلاحيين حظرتهما وزارة الداخلية في العام 2009. الأول هو جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية التي تولّى رئاستها في البداية شقيق خاتمي الأصغر، والثاني هو منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، التنظيم "اليساري" الأبرز، ومن أعضائه بهزاد نبوي، وفيض الله عرب سرخي، ومصطفى تاج زاده الذين سُجِنوا إبان الاضطرابات في العام 2009 وحملة القمع التي شنّها النظام. تؤشّر هذه المعطيات إلى أن السياسيين المحافظين يحاولون منع الإصلاحيين من العمل من جديد على وضع برنامج سياسي قابل للحياة بما يمكن أن يؤدّي إلى إعادة حشد قاعدة داعمة لهم ورصّ صفوفها.

في حين سُجِّل تحوّلٌ ملحوظ وبعض التساهل في المساحة السياسية (لاسيما بالنسبة إلى القوى المقرّبة من النظام)، يستمر اعتقال الأشخاص وحجزهم لدوافع سياسية. من شأن المؤسسة المحافظة المتجذّرة مؤسسياً وغير الخاضعة للمساءلة أن تضغط إذا شعرت بأن امتيازاتها مهدّدة، تماماً كما تحصّن المحافظون بعد "ربيع طهران" بين 1997 و1999.

لكن في حال النجاح في التوصل إلى حل دائم للمأزق النووي - والذي حصل على دعم حذر من مكتب المرشد الأعلى - مما لاشك فيه أن ذلك سيضمن لروحاني مكانة راسخة في التاريخ. من شأنه أيضا أن يساهم في تعزيز موقع الرئيس في مواجهة منتقديه. إلا أن ذلك قد يؤدّي أيضاً إلى خسارة مكتب المرشد الأعلى معظم دوافعه لكبح من يُعادون في العلن الرئيس وجدول أعمال إدارته. 

لكن إذا أمكن الحفاظ على التماسك بين الفصائل المختلفة التي ينضوي ضمنها حلفاء روحاني في إطار التحضير للانتخابات النيابية في العام 2016، فمن شأن الحصة السياسية لجبهة الثبات المحافظة، وحتى كتلة المبدئيين برئاسة غلام علي حداد عادل، في مجلس الشورى أن تتراجع إلى حد كبير. وقد يحدث ذلكحتى فيما لايزال الإصلاحيون، لاسيما الأكثر ميلاً نحو التشدّد بينهم، يواجهون خطر التهميش السياسي والمدني "المقنّن" على يد الدولة العميقة.

بيد أن من يُعرَفون بالاعتداليين سيستمرّون في تجنّب التطرّق إلى المسائل التي يعلمون أنها تثير حساسية مكتب المرشد الأعلى والمؤسسات الإشرافية والقوى الأمنية. بدلاً من ذلك سينكفئون بهدوء للاهتمام بالمسائل التي تروّج لرؤيتهم عن الازدهار الإيراني وتحظى بدعم أوسع في أوساط النخبة السياسية، مثل تحسين العلاقات مع دول الغرب النافذة وتعزيز القطاع الخاص. فغالب الظن أنهم يتطلّعون إلى إقامة سنغافورة شيعية في قلب الخليج الفارسي. لكن يبقى السؤال: هل سيتمكّنون من مواجهة الضغوط شبه المحتومة من القضاء والدولة العميقة؟

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

حقوق الإنسان لاتزال تعاني

آزاده معاوني

آزاده معاوني، مراسلة مجلة "تايم" سابقاً في الشرق الأوسط، ومؤلّفة "جهاد أحمر الشفاه" و"شهر عسل في طهران".

عندما كان حسن روحاني يشنّ حملته الرئاسية خلال صيف 2013، اختار المفتاح شعاراً شاملاً لبرنامجه الانتخابي ورؤيته لإيران جديدة. وقد تعهّد بأن ذلك المفتاح سيفتح المساحة السياسية المحكمة الإغلاق في إيران ويُشرِّع الأبواب أمام الحقوق المدنية الأساسية. في غضون عامٍ من تسلّم روحاني الرئاسة، تحوّل المفتاح مادّة دسمة لرسّامي الكاريكاتور الذين صوّروه مفقوداً أو غير مسنّن كما يجب أو غير متطابق مع القِفل. فالرئيس الإيراني يحكم الآن بلاداً بالكاد طرأ عليها أي تغيير.

واقع الحال هو أن الفوضى القانونية والاعتقالات التعسّفية التي طبعت عهد محمود أحمدي نجاد، استمرّت بلا هوادة. تعمد الدولة بانتظام إلى توقيف ناشطي المجتمع الأهلي والصحافيين، وإعدام أعداد كبيرة من السجناء من دون محاكمات عادلة. لاتزال المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي كانت تنبض بالحياة من قبل، تلتزم الصمت وتخضع للترهيب، وكذلك يستمرّ الاستقواء السياسي الذي دفع بالسياسيين الإصلاحيين وسواهم من النقّاد إلى هامش الحياة العامة. التشابه واضح جداً إلى درجة أن أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، وجّه انتقادات لاذعة لحكومة روحاني في آذار/مارس الماضي لأنها "لم تغيّر مقاربتها" في التعامل مع عقوبة الإعدام أو حماية حرية التعبير.

منذ مطلع العام الجاري، نفّذت الدولة حكم الإعدام بحق حوالي 400 سجين كان عدد كبير منهم، بحسب مجموعات حقوق الإنسان، ناشطين من أجل حقوق الأقليات الإتنية وقد اتُّهِموا زوراً في جرائم جنائية. وسجنت السلطات أيضاً ما لايقل عن 30 صحافياً واختصاصياً تكنولوجياً، وعمدت، في خطوة اكثر عدوانية في تموز/يوليو الماضي، إلى اعتقال مراسل صحيفة "الواشنطن بوست" في طهران.

إذاً ظلّت وعود روحاني الانتخابية الأبرز عن تحقيق الحرية الرقمية للإيرانيين والكرامة للمواطنين، واحترام حياتهم الخاصة، مجرد وعود فارغة. لابل أكثر من ذلك، جدّدت الدولة جهودها الآيلة إلى فرض اللباس الإسلامي والحد من وصول النساء إلى الأماكن العامة. وقد عقد مجلس الشورى جلسة مؤخراً حول التهديد الأخلاقي الذي تتسبّب به السراويل الضيّقة (ليغينغ)، ومنعت السلطات النساء من مشاهدة مباريات كرة الطائرة في ملعب آزادي في طهران.

أما سجل حكومة روحاني في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني فهو الآن موضع نقاش واسع، حتى داخل الإدارة الإيرانية إذ يُنظَر إليه بأنه أكبر إخفاقاتها العلنية وأكثرها إثارة للقلق. يعتبر حلفاء الرئيس أنه يجدر به التركيز أولاً على التوصل إلى اتفاق نووي، ثم استخدام رأس المال السياسي الذي من شأنه أن يحصده جراء هذا النصر للدفع نحو تنفيذ إصلاحات اجتماعية وسياسية أكثر خلافية. بيد أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تعرِّضه لخسارة الرأي العام الإيراني الذي لايلمس تحسناً في مستوى المعيشة ولامساحة أكبر من الحرية.

لقد أدّى حجم الانتهاكات المتواصلة في عهد روحاني إلى حجب الإجراءات الصغيرة التي سعت حكومته إلى تطبيقها، ومنها الإفراج عن عدد من السجناء السياسيين، وإصدار تراخيص صحافية لمطبوعات كانت محظورة سابقاً مثل "إيران فردا" و"زنان إمروز" اللتين أدّت كل منهما، في حقبتها، دوراً أساسياً في النقاش والتغطية حول شؤون النساء والديمقراطية. وقدّمت كلتاهما منبراً لمناقشة الإجراءات الحكومية المثيرة للجدل، مثل حظر قطع القناة الدافقة لتعقيم الذكور، والترويج لإنجاب عدد أكبر من الأولاد.

يقول حلفاء روحاني إن الإعدام والاعتقالات ومخلّفات عهد أحمدي نجاد في التعامل مع المجتمع المدني والصحافة هي صنيعة القضاء المتشدّد. ويعتبرون أنه يجب إلقاء اللوم على المؤسسة القضائية في هذا المجال.

ويلفت أنصاره أيضاً إلى أن روحاني تصدّى للمتشدّدين بقوة أكبر بكثير من الرئيس الأسبق محمد خاتمي، آي آخر الرؤساء الذين حاولوا نشر الاعتدال في إيران، لكنه فشل في ذلك. ففي قضية تأمين الوصول الحر للإيرانيين إلى الإنترنت، حذّر روحاني المتشدّدين من أن "حقبة منبر الوعظ الأوحد" قد ولّت. ورداً على اعتراض خصومه بشأن تراجع الثقافة الإسلامية، قال حانقاً: "لايمكنكم أن تجرّوا الناس إلى الجنّة بواسطة الهراوات".

بيد أن الإيرانيين العاديين، والمجتمع الدولي أيضاً، لايضعون تقويماً لأداء السلطات المختلفة في الجمهورية الإسلامية قبل التوقّف عند سجل روحاني. ففي نظرهم، لايمكن فصل النظام عن السلطة التنفيذية. وقد بدأت خيبة أمل عميقة تنتشر في صفوف الشباب الذين صوّتوا لروحاني في الانتخابات الرئاسية.

فهم يعتبرون أن اقتراب روحاني ودبلوماسييه من توقيع اتفاق نووي ليس بالإنجاز العظيم. لقد دعم المرشد الأعلى تلك المساعي، تاركاً العمل القذر لطاولات التفاوض في أوروبا، وليس للكواليس السياسية في طهران.

بالنسبة إلى من يتوقّعون من مفتاح روحاني أن يفتح على الأقل بعض الأبواب، كان عامه الأول في الرئاسة مخيّباً للآمال. فإيران في عهد روحاني تسودها الفوضى القانونية وتتعرّض للترويع الفكري تماماً كما تسلّمها من سلفه، في بلدٍ حيث القرار السياسي هو بأيدي أجهزة الاستخبارات النافذة وليس بأيدي السياسيين الذين صوّت لهم الإيرانيون.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

الإدارة الاقتصادية غير الفعالة

محمد جهان-بارفار

محمد جهان-بارفار خبير اقتصادي أميركي-إيراني.

أعرب عدد كبير من صانعي القرارات والعقائديين البارزين في الجمهورية الإسلامية مراراً وتكراراً عن تشكيكهم في النموذج التقليدي للنمو والتنمية الاقتصادية. فهم يعتبرون التنمية الاقتصادية مخططاً غربياً، ولم ينفكّوا عن إبداء رغبتهم في السعي خلف أهداف أخرى. 

من جهة أخرى، التزم الرئيس الإيراني حسن روحاني علناً تحسين معيشة الإيرانيين العاديين. لكن بعد انقضاء عام على تسلّمه الرئاسة، لاتزال إيران تعاني من مجموعة من المشاكل القصيرة والطويلة الأمد. ففي المدى القصير، يبقى الركود التضخّمي الناجم عن تشديد العقوبات الدولية، المسألة الأكثر إلحاحاً. فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة التضخم 40 في المئة بين العامَين 2012 و2013، وتراجع إجمالي الناتج المحلي بمعدّل نحو 6 في المئة. اليوم، لاتزال نسبة التضخم عند حدود 25 في المئة، ومن المتوقّع أن يتراجع إجمالي الناتج المحلي 3 في المئة إضافية بحلول العام الفارسي الجديد (آذار/مارس 2015). المفارقة هي أن النمو الاقتصادي هو الذي قدّم لإدارة روحاني، من بين مختلف السياسات، فرصتها الأكبر للنجاح.

السبب الأساسي خلف هذا الركود المطوّل هو العقوبات، لاسيما تلك التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد أثبتت هذه العقوبات فعاليتها؛ فالاقتصاد الإيراني يعاني من تباطؤ شديد. وفي هذا الإطار، أقرّ أحد الوزراء الإيرانيين مؤخراً بأن مالايقل عن 50 في المئة من المصانع تعمل بأقل من طاقتها1. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني، على الأرجح أن التجميد المتواصل للأصول الإيرانية سيتسبّب باستمرار الركود الاقتصادي. يكثر الحديث الآن عن المخاوف من الجمود والجيل الضائع. أما خريطة طريق المعافاة الاقتصادية الإيرانية التي أصدرها الفريق الاقتصادي في إدارة روحاني الأسبوع الماضي، فقد انطلقت من الافتراض الواضح بأن العقوبات الدولية ستبقى قائمة في المستقبل المنظور.

في غضون ذلك، لاتزال معدلات التضخم المزدوجة الأرقام بمثابة لعنة للاقتصاد الإيراني. فالتضخم المرتفع بصورة مستمرة، مقروناً بمعدلات البطالة المزدوجة الأرقام، والمشاركة المتدنّية من القوة العاملة، وانخفاض النمو في الإنتاجية، وتفشّي الفساد، والبيئة المعادية للأعمال التي تحبط روح المبادرة وريادة الأعمال، والمؤسسات المالية الضعيفة، والإدارة الماكرواقتصادية غير الفعالة، تسبَّبَ بأداء اقتصادي هو من الأسوأ في العالم في وقت السلم، خلال العقود الثلاثة الماضية. نقاط الضعف هذه تحجبها إلى حد ما الإيرادات النفطية الكبيرة التي تساهم في تعويم مستوى الدخل الفردي.

ليست لدى إدارة روحاني حتى الآن أية خطة لمعالجة هذه المشاكل الطويلة الأمد. فخطة المعافاة التي تم نشرها لاتحدث سوى تغييرات طفيفة في السياسات الاقتصادية التي كانت معتمدة قبل أحمدي نجاد، والتي فشلت بوضوح في توليد نمو مستدام وإبعاد شبح التضخم. لاتقدّم الخطة حلولاً مبتكرة، بل إنها أشبه بلائحة تمنّيات تستند إلى افتراضات وتوقّعات غير منطقية (أي استخدام "المال الساخن") أساساً لتحقيق النتائج المرجوّة (جمع الرساميل للاستثمار في البنى التحتية). الجديد في الوثيقة هو رغبة السلطات غير الحكيمة في إلغاء معايير الاكتتاب في القطاع المالي، مايعني أنه سيصبح بإمكان المصارف إقراض الأموال بالاستناد إلى تقديرها الخاص بدلاً من التقيّد بإجراءات تحوّطية خاصة بعملية الإقراض. سوف تطلق هذه السياسة العنان للمخالفات والفساد، وتتسبّب بالقمع المالي وتقنين القروض. بصريح العبارة، يهيّئ فريق روحاني الساحة لأزمة مصرفية في المستقبل غير البعيد.

تُبيّن الوثيقة أيضاً حدود الأدوات المتوافرة للسياسة الماكرواقتصادية الإيرانية. منذ منتصف الثمانينيات، ألغى المسؤولون استهداف سعر الفائدة من عملية صنع السياسات. فردّت السلطات النقدية بزيادة عرض النقود. لكن في غياب سوق ديون متطورة وناشطة، يؤدّي ذلك إلى توسيع القاعدة النقدية بطريقة يكاد يستحيل العودة عنها، وإلى ارتفاع التضخم بشكل مستمر. على سبيل المثال، أدّى التفاؤل الذي رافق انتخاب روحاني العام الماضي، فضلاً عن نجاح فريقه في الانخراط في مفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد، إلى خفض التوقعات التضخّمية وإلى تراجع التضخّم الفعلي من 40 إلى 25 في المئة في البداية. بيد أن الإدارة الإيرانية تقرّ بأن القاعدة النقدية توسّعت بنسبة 27 في المئة في السنة المالية 2013-2014. ببسيط العبارة، يمكننا أن نتوقّع بكل ثقة جولة جديدة من التضخم المرتفع في 2014-2015.

أدّى تحويل سعر الفائدة إلى مسألة سياسية ودينية - عبر تطبيق الصيرفة الإسلامية التي تلغي نظام الفوائد المصرفية - إلى ظهور مجموعة من النتائج غير الحميدة. ففي غياب أسعار فائدة تستند إلى السوق، لايستطيع المستثمرون إجراء تحاليل دقيقة للتكاليف والمنافع، وغالب الظن أنهم سيحجمون عن توظيف أموالهم في استثمارات طويلة الأمد. وبما أن الاستثمار الخاص هو المحفّز الأساسي لاستحداث الوظائف، لايزال الاقتصاد الإيراني يرزح تحت وطأة البطالة المرتفعة وانخفاض الإنتاجية.

من أجل معالجة هذه المشاكل الطويلة الأمد، كان ينبغي على إدارة روحاني تعزيز مؤسساتها المعنية بصنع القرارات وتحسين مصداقيتها. بيد أنها قامت عملياً بالنقيض تماماً. فمن خلال الدعوات المتكرّرة لرجال الدين الشيعة بغية الحصول على دعمهم في المسائل اليومية، ألحق فريق روحاني أضراراً طويلة الأمد بسلطة المؤسسات الاقتصادية وفعاليتها.

بعد عام على وصول روحاني إلى سدّة الرئاسة، عليه أن يعيد تقويم سياساته الاقتصادية وفريقه الاقتصادي. فمستقبل 78 مليون نسمة بين يدَيه. والتمسّك بسياسات مجرَّبة وفاشلة لن يُشرِّع الأبواب أمام مستقبل أكثر إشراقاً.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.


1. محمد رضا نعمت زاده، وزير الصناعة والتعدين والتجارة - 30 تموز/يوليو 2014.

محاولة التوفيق بين عناصر متنافرة

كريم سجادبور

كريم سادجادبور، باحث كبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

خلال الحملة الرئاسية الإيرانية في العام 2013، سوّق حسن روحاني نفسه أمام الرأي العام الإيراني الحذر والمؤسسة السياسية المتشدّدة، بأنه الرجل الذي يستطيع التوفيق بين الامتيازات الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية والمصالح الاقتصادية للدولة الإيرانية. من هذا المنظار، لم يكن على إيران أن تقرّر إذا كان يجب أن ترفع شعار الموت لأميركا أو تسعى إلى تحقيق انفراج في العلاقات معها، أو إذا كان عليها مقاومة المنظومة العالمية أو الاندماج فيها من جديد، أو إذا كان يجدر بها أن تكون ثيوقراطية أم ديمقراطية. فقد أوحى روحاني أنه بإمكان الجمهورية الإسلامية، بقيادته، أن تجمع بين ذلك كله.

أدرك روحاني منذ بداية عهده الرئاسي أنه لايمكن إنهاء الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها إيران من دون رفع العقوبات. لكن رفع العقوبات يتطلّب التوصل إلى اتفاق نووي. بناءً عليه، وظّف روحاني كل رأسماله السياسي في السياسة الخارجية بدلاً من الشؤون الداخلية، وأحجم عن إثارة حفيظة المحافظين الإيرانيين - الذين يحتاج إلى دعمهم للتوصّل إلى تسوية نووية - عبر الامتناع عن الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. بيد أن المجتمع الأهلي الإيراني استوعب روحاني بصبرٍ أملاً في أن تساهم الأجواء الخارجية الأكثر استرخاءً في التخفيف من أجواء القمع والتضييق في الداخل.

من أبرز العوامل التي صبّت في مصلحة الرئيس روحاني أن سلفه محمود أحمدي نجاد، رجل التهويل الكلامي، وضع معياراً متدنّياً جداً للإدارة الكفوءة والدبلوماسية العامة. في الواقع، اقتصرت بعض إنجازات روحاني الملموسة على إلغاء الأضرار التي تسبّب بها أحمدي نجاد، مثل إعادة بناء العلاقات مع المملكة المتحدة بعد انقطاعها على خلفية قيام عصابة بنهب السفارة البريطانية في طهران في العام 2011 بموافقة الحكومة الإيرانية.

الأهم من ذلك، يستحقّ روحاني التنويه لمساهمته في تطبيع الحوار المباشر بين طهران وواشنطن. فطوال ثلاثة عقود، كانت الوسيلة شبه الوحيدة للتواصل بين البلدَين التهديدات العلنية والقدح والذم. أما الآن، وعلى الرغم من استمرار النفور المتبادل، فإنّ المسؤولين الأميركيين والإيرانيين يتواصلون بصورة منتظمة عن طريق البريد الإلكتروني والاتصالات الهاتفية، كما أنهم يتفاوضون في الفنادق الأوروبية. وقد حطّم روحاني نفسه أحد المحظورات المستمرة منذ 35 عاماً في الجمهورية الإسلامية، عبر التكلّم هاتفياً مع الرئيس أوباما.

بيد أن روحاني لم ينجح بالدرجة نفسها في تحقيق الاعتدال في المبادئ الثورية، الذي يشكّل المطلب الأساسي للكونغرس الأميركي، ويتعلّق ذلك على وجه الخصوص برفض إيران الشديد لوجود إسرائيل ودعمها للمجموعات القتالية مثل حزب الله والجهاد الإسلامي وحماس (كانت العلاقة بين إيران وحماس مشحونة في الآونة الأخيرة، لكنها انبعثت من جديد بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير في غزة). كما أن الدعم الإيراني للنظام السوري لم يتزحزح على الرغم من همجية بشار الأسد - لاسيما الهجوم بالأسلحة الكيميائية الذي أسفر في آب/أغسطس 2013، بعد أسبوعَين فقط من تسلّم روحاني منصبه، عن مقتل نحو 1500 شخص بينهم أكثر من 400 طفل، بحسب بعض التقديرات.

هذا السجل، فضلاً عن تراجع حقوق الإنسان والصعوبات التي تعترض التوصّل إلى اتفاق نووي، أحدث خيبة أملٍ من روحاني في أوساط الرأي العام. لكن هذه الانتقادات تُضيِّع الهدف. فروحاني هو في أفضل الأحوال بمثابة ملازم ثانٍ خاضع لإمرة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، العقائدي المتصلّب البالغ من العمر 75 عاماً الذي يسعى إلى الحفاظ على المبادئ الثورية الإيرانية، من دون تغييرها أو التخفيف من حدّتها. بعد ثمانية أعوام من حكم محمود أحمدي نجاد، راودت الرأي العام الإيراني الغاضب والمجتمع الدولي آمالٌ غير واقعية بأن روحاني، البراغماتي القادم من داخل النظام، يتحلّى بالإرادة والقدرة لتحقيق تغيير جوهري.

في حين أن خصوم روحاني على الساحة الدولية - مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - يتّهمونه بالازدواجية، يتخوّف أنصاره في الداخل من أن مصير رئاسته يتوقّف إلى حد كبير على توقيع اتفاق نووي لايتمتّع بالسلطة اللازمة لإبرامه. ففي هذا الإطار، عليه إقناع خامنئي المشكّك بأن إيران تتخلّى عن القليل في المدى القصير في مقابل حصولها على الكثير، في حين أنه يجب إقناع الكونغرس الأميركي المشكّك أيضاً بأن إيران تتخلّى عن الكثير في المدى الطويل في مقابل حصولها على القليل. وهذه مهمة أصعب بكثير بالمقارنة مع الاتفاق النووي المؤقت الذي جرى التوصّل إليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

النقطة الإيجابية الأبرز بالنسبة إلى روحاني هي أن غالبية واضحة من الشعب الإيراني والجزء الأكبر من العالم الخارجي يريدان أن تخرج إيران من عزلتها السياسية والاقتصادية. إيران من الدول القليلة في العالم التي تعاني من فارق شاسع بين ماكانت عليه من قبل وماتطمح إليه. كان الهدف الأساسي من التفويض الشعبي الذي حصل عليه روحاني تقليص هذا الفارق. لكن تاريخ الجمهورية الإسلامية على امتداد 35 عاماً يُظهر أن المتشدّدين يعوّضون عما يفتقرون إليه من دعم شعبي عبر اللجوء إلى القوّة الإكراهية. إذا لم تعطِ إيران الأولوية للمصالح الوطنية والاقتصادية مقدِّمةً إياها على العقيدة الثورية، ستظلّ بلداً ذا إمكانات هائلة إنما مهدورة.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.