شهد الإعلام في تونس تغييرات جذريّة منذ بدء ثورة البلاد في العام 2011، إذ هو ابتعد عن المحتوى الذي كان في السابق ذا نسق واحد، ومقيَّداً للغاية، ويحاكي خطّ الدولة، وأصبح يقدّم الآن إنتاجاً متنوّعاً. كما ظهرت مروحة كبيرة من وسائل الإعلام الجديدة. ثم أن الإطار القانوني ومؤسسات الدولة التي تنظّم شؤون هذه الصناعة، تشهد الآن عملية إصلاح على قدم وساق. والأهمّ أن الصحافيين أصبحوا الآن قادرين على اختبار الصحافة السياسية مباشرة من المصدر.
لكن، وعلى الرغم من توافر الأساس اللازم لبروز مشهد إعلامي حرّ وغير منحاز عموماً، يواصل الصحافيون العمل من دون موارد وتدريب كافيين، وفي ظل معايير مهنية مثيرة للجدل، تتمثّل في أنماط تحريرية إشكاليّة تظهر في منشورات على غرار صحف الإثارة (التابلويد Tabloids). وقد وصفت إحدى مراسلات مجلة Réalités الوضع ببراعة، بعد سقوط نظام الرئيس بن علي، حين قالت: "أخيراً، بات بإمكاننا أن نقول كل مانريد، وأن نجري مقابلات مع أي شخصية سياسية نريد، وأن ننتقد أي واحد منهم. لقد تحرّرنا". بيد أن هؤلاء الصحافيين الذين لطالما مُنِعوا من ممارسة مهنتهم على نحو مجزٍ، غير قادرين في الوقت نفسه على ترجمة هذه الحرية المكتسبة إلى ممارسات إعلامية مهنيّة.
لايزال الإعلام التونسي يمثّل منبراً للتلاعب وممارسة الضغوط والتحيّز. وقد أصبحت وسائل الإعلام المسرح الرئيس للمعركة السياسية والإيديولوجية الشرسة التي يدور رحاها بين المعسكرين الخصمين في البلاد: الإسلاميون المحافظون والنخب العلمانية. وقد أدرك حزب النهضة الإسلامي، الفائز في أول انتخابات حرّة في تاريخ هذا البلد العلماني، رويداً رويداً التأثير المطّرد للإعلام الوطني، واتّجه إلى تبنّي تكتيكات النظام السابق. وهكذا بدأ الحزب الإسلامي ومؤيّدوه برفع أصواتهم ضد مايرون أنه "جماعات ضغط يسارية" تحوّل الإعلام إلى سلاح ضدّ سياسات الحكومة.
على أي حال، سيكون التحرر الفعلي لقطاع الإعلام مستحيلاً، من دون تدريب يؤسس لمعايير المهنية في هذه الصناعة، ويساعد الإعلاميين التونسيين على التغلّب على العادات الرّاسخة. ولابدّ أن يكون من الأولويات أيضاً ضمان توفير درجة من الأمان الوظيفي للصحافيين. إذ طالما بقيت ظروف العمل تشكّل مصدر قلق للصحافيين، وبقي هؤلاء غير قادرين على تأمين عقود عمل لائقة بدرجة معقولة من الاستقرار ومعدّلات الرواتب، لن تكون جودة المحتوى أولويّة بالنسبة إليهم.
تحوّلات الإعلام التونسي
فتحت وسائل الإعلام المطبوعة والإعلام المرئي والمسموع في تونس صفحة جديدة في مسيرتها غداة ثورة 2011 وإطاحة نظام زين العابدين بن علي، فتحرّرت من القبضة الصارمة لحكّامها السابقين. ومع ذلك، زجّت الثورة وسائل الإعلام أيضاً في حقبة من التشويش والضياع حول كيفية ترجمة حريتها الجديدة. واليوم، لاتزال الصحافة التونسية، في أحسن الأحوال، منتوجاً قيد التحوّل لمّا يكتمل بعد.
لم يتحرّر رجال الإعلام تماماً في تونس. صحيح أن حدود ماهو مسموح وماهو غير مسموح لم تَعُد ضيّقة كما كانت عليه من قبل، إلا أن هذه الحدود ليست واضحة أيضاً. إذ لاتزال البلاد تفتقر إلى وجود كادر من الصحافيين المحترفين، ولم يستوعب الكتّاب الذين تحرّروا مؤخّراً من الضوابط الصارمة، بالضرورة، الأخلاق والممارسات المهنية التي تضمن جودة عالية من التقارير الصحافية. ثم أن ظروف العمل لاتزال سيئة أيضاً، حيث يعمل العديد من الصحافيين وفق عقود عمل مؤقّتة قد تُجدَّد لفترات طويلة، إلا أنها من دون أي أمان وظيفي. والأهمّ أن وسائل الإعلام التقليدي أصبحت مظهراً مركزياً من مظاهر الصراع السياسي الدائر بين الحكومة الجديدة التي يقودها إسلاميون معتدلون وبين المعارضة العلمانية الجديدة.
تؤكد صعوبة تبدّل الإعلام التونسي أن عملية الانتقال من الحكم السلطوي، في تونس وغيرها، لاتتطلّب تغيير رأس النظام وحسب، بل أيضاً إجراء تغييرات في جميع مؤسّسات هذا النظام. قد تحظى معارك الإصلاح هذه باهتمام أقلّ من المعارك التي تجري على أعلى مستويات الحكومة، لكنها مهمّة بالقدر نفسه بالنسبة إلى نتائج العملية الانتقالية.
ماضي صناعة الإعلام
كان الإعلام التونسي في السابق من بين الأكثر رتابة وخضوعاً إلى الرقابة في العالم العربي، وتحكمه نظم من الضوابط الصارمة المفروضة على كلٍّ من وسائل الإعلام المستقلّة وتلك التي تملكها الدولة على حدّ سواء. كانت صناعة الإعلام معروفة بخضوعها إلى إشراف ونفوذ عدد من الهيئات الحكومية التي تحتكر جميع مراحل الإنتاج الإعلامي. وباعتماد أسلوب "العصا والجزرة" مع وسائل الإعلام، كان النظام السابق يكافئ مَن كانوا يمتدحونه، ويعاقب مَن يجرؤ على انتقاده.
قبل الثورة، كانت وسائل الإعلام المطبوعة تنقسم إلى مطبوعات تمتلكها الدولة مباشرة ("لابريس" La Presse، الصحافة) أو تعود إلى الحزب الحاكم (الحرية، "لورونوفو" Le Renouveau) وأخرى مملوكة للقطاع الخاص لكنها حافظت على صلات راسخة مع النظام من خلال علاقات الصداقة، أو العلاقات العائلية، أو المحاباة (الصباح، الشروق، "لوتان" Le Temps، "لوكوتيديان" Le Quotidien، الصريح). وفي غضون ذلك، عاشت صحافة المعارضة السابقة (المواطنون، الفجر، الطريق الجديد) ظروفاً صعبة في ظل الضغط السياسي والاقتصادي الذي مارسه النظام.
خضع قطاع الإعلام المرئي والمسموع إلى هيمنة قناتين تلفزيونيتين كبيرتين، تمثّل دورهما في تغطية نشاطات الرئيس وعائلته، (الوطنية 1) و(الوطنية 2). وفي غضون السنوات العشر الأخيرة من عمر النظام، أصبح محتوى القناتين يركّز على أخبار "العشيرة" الأوسع وليس الرئيس فقط. إضافة إلى هاتين القناتين الكبيرتين، كانت هناك قناتان تلفزيونيتان خاصتان واثنتا عشرة محطة إذاعية، تملك الدولة اثنتين منها. كان لقناتين أخريين كبيرتين ترتبطان بالنظام (تلفزيون حنبعل وتلفزيون نسمة) استماعٌ واسعٌ في جميع أنحاء البلاد، لكن لايمكن وصفهما بأنهما مستقلّتان. فقد منعت كل وسائل البث الخاصة من تقديم تقارير عن المجال السياسي، وظلّ الأمر حكراً على وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، والتي اقتصر دورها السياسي على سرد أخبار أسرة الرئيس.
تولّت مجموعة كبيرة من مؤسّسات الدولة تنظيم الجهاز الإعلامي. كانت وزارة الاتصالات تتولّى المسؤولية العامة عن الإعلام التونسي، فيما كانت وزارة الداخلية هي المسؤولة عن المصادقة على طلبات إصدار المطبوعات الجديدة. وقد حوّلت وزارة الداخلية تلك العملية، التي كان ينبغي أن تقتصر على مجرد إخطار بسيط، إلى نظام مقنّع لمنح التراخيص.
لعبت الوكالة التونسية للاتصال الخارجي دوراً محورياً في كل هذا. أُنشِئَت هذه الوكالة، التي كانت تتبع وزارة الاتصالات، في العام 1990، وكانت مهمّتها الرئيس تجميل صورة النظام في وسائل الإعلام الدولية. بيد أنها أصبحت في نهاية المطاف المسؤولة عن توزيع عائدات الإعلانات التي يتم تحصيلها من الإدارات العامة على وسائل الإعلام المختلفة، وبالتالي كانت تقرّر حجم تمويلها وجدوى استمرارها.
على الصعيد الدولي، تمثّلت الوظيفة الرئيس لوكالة الاتصال الخارجي في تشجيع نشر الدعاية المؤيّدة ضمناً للنظام عن طريق رعاية جولات صحافية إلى تونس، أو حتى دفع مكافآت مباشرة مقابل المقالات التي تؤيّد النظام. وفي إطار سعيها إلى ترويج صورة إصلاحية للنظام، لم تركّز الحملة الدولية القوية التي قامت بها الوكالة على الإعلاميين فقط، بل شملت أيضاً الدبلوماسيين والسياسيين. كانت الوزيرة الفرنسية السابقة للشؤون الخارجية والأوروبية، ميشال أليو ماري، من أبرز المستفيدين من هذه الرحلات. وهي أُجبِرَت على التنحّي بعد أن نشرت الصحافة الفرنسية خبر عطلة عيد الميلاد التي أمضتها في تونس، والتي جرى خلالها نقلها على متن طائرة يملكها عزيز ميلاد، الذي يعدّ من المقرّبين من عائلة بن علي، فيما كانت الثورة مستعرة. كما أدّت الوكالة أيضاً مهمات عملية بالغة الأهمية، مثل منح التراخيص للموفدين الخاصّين والمراسلين الدوليين، وكانت مخوّلة سحب التصاريح من أي صحافي ينتقد سياسات النظام.
في هذه الأثناء، كانت الوكالة التونسية للإنترنت، تضبط محتوى شبكة الإنترنت وتراقب مستخدميها، من خلال حجب الصفحات التي تتضمّن محتوًى "غير مقبول"، ولاسيّما إذا كان ذا طبيعة سياسية. واحتكرت شركة يملكها مسعود دادا، وهو من المقرّبين من النظام السابق، عمليات توزيع كل الصحف والمجلات (ولاتزال الموزّع الوحيد للمطبوعات في منطقة تونس العاصمة). كانت إدارة عملية توزيع تردّدات الراديو والتلفزيون حكراً على الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي، الذي فرض رقابة الدولة جزئياً من خلال تقييد الوصول إلى التردّدات.
في ضوء هذه القيود، إضافة إلى ظروف العمل الحسّاسة للغاية، كان الصحافيون المحلّيون مهتمّين أساساً بمحاولة تجنّب خرق ماتسمّى الخطوط الحمراء. وكما أوضح العديد من الصحافيين الذين قابلتهم،1 نادراً ماكانت نوعيّة الانتاج الإعلامي تمثّل أولوية، بالنظر إلى المخاطر الكبيرة التي ستترتّب على وضعهم المهني وأمانهم الوظيفي الهشّ. وفي الواقع، حوّل نظام مراقبة وسائل الاعلام القسري الذي فرضه النظام الصحافيين المحليين إلى مجرّد ناقلين لسياسات الحكومة.
وحدهم الإعلاميون المحليون الذين يعملون لصالح وسائل إعلام دولية تمتّعوا بقدر من حرية التعبير، مع أنهم ظلّوا حذرين إزاء تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها النظام. وكانت هذه الحرية مقيّدة أكثر عندما يتعلّق الأمر بمقاربة الشؤون الداخلية لعائلة بن علي والموضوعات المتعلقة بالفساد والتفاوت في الثروة والفقر. ووفقاً للمراسل السابق لقناة "بي بي سي العربية" كمال بن يونس، تمثّلت "وصفته السرية" لتجنّب الغضب الرسمي، فيما هو يواصل تناول الموضوعات المثيرة للجدل، في نقل المعلومات الحسّاسة إلى زملائه في المقرّ الرئيس لهيئة الاذاعة البريطانية في لندن. وقد ظلّت وظيفة المراسل التونسي المحلي غير موضع خطر عموماً، طالما أنه لاينقل هذه المعلومات مباشرة من العاصمة التونسية.
صحيح أن صناعة الإعلام التونسي شهدت عدداً من فترات "الصحوة" القصيرة قبل الثورة، إلا أنها نجمت أساساً عن رغبة سياسية في فتح هذه الصناعة من أجل تخفيف حدّة التوتّرات الاقتصادية، وعكس صورة إصلاحية للنظام. وبناءً على ذلك، شهدت السنوات 1977-1988 "ربيعاً صحافياً تونسياً"، تمثّل في ظهور عدد من المطبوعات المستقلّة الرائدة. وجلب صعود بن علي إلى السلطة "ربيعاً" آخر قصيراً لوسائل الإعلام في البلاد (1988-1990)، لكنه سرعان ماتحوّل مرة أخرى إلى القمع، حيث طُبّقت لأول مرة تدابير مثل الرقابة المسبقة على الصحافة. بموجب تلك السياسة، كانت المطبوعات تضطر إلى تسليم نسخ إلى وزارة الإعلام لمراقبة محتواها قبل توزيعها. وقد رُفع هذا الإجراء الصارم في وقت لاحق واستُبدل بتوجيهات واضحة إلى رؤساء تحرير هذه المطبوعات.
النظام الجديد
بعد سقوط نظام بن علي، أُطلق العنان لشهيّة مكبوتة وتوّاقة إلى النشر منذ فترة طويلة، ماجلب الفوضى إلى صناعة كانت منظّمة بشكل صارم في السابق. ووفقاً للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، وهي الهيئة التي أُنيط بها الإشراف على إصلاح الإعلام بعد الثورة، ظهرت 228 مطبوعة تونسية جديدة بعد الانتفاضة. ومع ذلك، معظمها لم يصدر فعلياً، واختفى البعض الآخر بعد فترة وجيزة من إطلاقه.
في الأشهر الأولى التي تلت الثورة، تحوّلت جميع وسائل الإعلام بسرعة، بما فيها تلك التي كانت تصدر في ظل النظام السابق، إلى منابر لتصفية الحسابات الشخصية والسياسية. فقلّة خبرة الصحافيين المحليين، الذين عملوا طويلاً كأبواق لدعاية النظام، إضافة إلى عدم وجود أي مواثيق شرف مهنية، ترك العاملين في صناعة الإعلام غير مهيئين لترجمة حريتهم الجديدة في ممارسات مهنية. وهكذا، في معظم الأحيان، تجلّى الاهتمام الجديد بالتقارير الصحافية الميدانية التي تلهث وراء الإثارة. وتعمل بعض المنشورات الجديدة بعدد قليل من الصحافيين ومعايير مهنية مشكوك فيها، تتمثّل في أنماط تحريرية إشكالية تظهر في منشورات على غرار صحف الإثارة (التابلويد).
أُعيدت هيكلة الصحافة ووسائل الإعلام التي تديرها الدولة وتلك التي يملكها الحزب الحاكم السابق وعائلة بن علي. وقبل انتخاب الجمعية التأسيسية الجديدة في تشرين الأول/أكتوبر 2011، أجرت الحكومة المؤقتة تغييرات في إدارات بعض وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، وهي العملية التي يعتبرها الكثيرون غير مكتملة، حيث لاتزال بعض الشخصيات التي كانت بارزة في ظلّ النظام السابق تتحكّم في عمليات صنع القرار في هذه الوسائل. فضلاً عن ذلك، أُغلِقَت بعض الصحف التي كان يملكها الحزب الحاكم (الحرية، "لورونوفو" Le Renouveau) ودُمِج موظفوها في وسائل الإعلام التي تديرها الدولة. وفي هذه الأثناء، صادر مكتب رئيس الوزراء وسائل الإعلام التي تخص عائلة بن علي، وعيّن "متصرفاً قضائياً" للإشراف على إدارتها الجديدة.
يضمّ مشهد الإعلام المرئي والمسموع العمومي حالياً قناتين تلفزيونيتين – الوطنية 1 والوطنية 2 - وتسع محطات إذاعية، منها أربع وطنية (الإذاعة الوطنية التونسية، وإذاعة تونس الدولية، وإذاعة تونس الثقافية، وإذاعة الشباب)، وخمس إقليمية (إذاعات صفاقس، والمنستير، وقفصة، والكاف، وتطاوين)، في مايُناقِض المشهد الإعلامي السابق حيث كانت وسائل الإعلام تتركّز في العاصمة. إذاعة شمس أف أم، التي كانت مملوكة سابقاً لابنة الرئيس المخلوع، سيرين بن علي، وإذاعة زيتونة الدينية، التي يملكها صهر بن علي، صخر الماطري، مدرجة الآن في المشهد الإعلامي العام لحقبة مابعد الثورة.
إن معظم المؤسسات الحكومية التي كانت تشرف على إدارة صناعة الإعلام تتطوّر أو يتم إغلاقها، ولم تعد تتولّى وظائف قمعية. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح كيف سيعاد تنظيمها وتصنيفها في سياق عصري. على سبيل المثال، تم إلغاء وزارة الاتصالات بعد الثورة، لكن وظائفها لم تختفِ تماماً. وبعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر، شُكِّلت لجنة خاصة في مكتب رئيس الوزراء لإدارة العلاقات مع وسائل الإعلام الوطنية والدولية. لم تعد وزارة الداخلية تمنح التراخيص، حيث يُطلب من المطبوعات الصحافية الجديدة تقديم ملفّ إلى وزارة العدل يتضمّن معلومات أساسية عن المشروع الجديد، ولم تعد ملزمة بالحصول على موافقة من السلطات للسماح لها بالنشر.
مع أنه يجري التحقيق مع وكالة الاتصال الخارجي بشأن سوء استخدام الأموال العامة - على النحو المبيّن في تقرير لجنة تقصّي الحقائق التي كلفت بالتحقيق في قضايا الفساد في ظل النظام السابق في أعقاب الثورة - فإنها لاتزال الكيان الرئيس المسؤول عن منح التراخيص للمراسلين الأجانب. ومنذ شباط/فبراير 2011، وُضِعَت الوكالة أيضاً تحت إشراف متصرّف قضائي على الرغم من أن الحكومة المؤقّتة أعلنت عن نية لتفكيكها.2 وتعكف الوكالة التونسية للإنترنت على تحديث صورتها وتصنيف نفسها كمقدّم للخدمات. ووفقاً لما يقوله معز شكشوك المدير التنفيذي للوكالة، فإنها الآن مصمّمة على تعزيز انفتاح وحيادية الإنترنت،3 لكن خطر تقييد الشبكة لايزال يلوح في الأفق.
عملية تحرر قانونية شائكة
بدأ الإصلاح القانوني لصناعة الإعلام التونسي غداة إطاحة نظام بن علي. وبينما ركّزت الإصلاحات أساساً على إلغاء السمات القمعية للقوانين التي تنظّم عمل الإعلام، فإنها أوجدت رؤية جديدة لصناعة مستقلة ومهنية مستوحاة من نماذج وتجارب انتقالية عالمية أخرى. ومع ذلك، لايزال يتعيّن على الحكومة الجديدة تبنّي العملية الإصلاحية وأبرز ما أسفرت عنه من إصدار مراسيم قانونية تضمن الانفتاح الإعلامي.
القوانين المنظّمة للصحافة في ظل حكم بن علي
في ظلّ النظام التونسي السابق، تم تنظيم الإعلام في البلاد بواسطة ترسانة من القوانين في كلٍّ من القانونين الصحافي والجنائي. كان قانون الصحافة للعام 1975 (قانون 32-1975)، هو الذي ينظّم بشكل أساسي عمل وسائل الإعلام المطبوعة، والذي خضع إلى عدد من التعديلات في السنوات 1988، و1993، و2001، و2006. لكن، بدلاً من إتاحة المزيد من الحرية، كانت تلك "الإصلاحات" تهدف إلى تعزيز السيطرة السياسية على الإعلام. وبموجب قانون الصحافة، فرضت عقوبات مادية ومالية عدة على الصحافيين الذين يجرأون على تجاوز الخطوط الحمراء للدولة، ومنها حماية "أمن الدولة الداخلي والخارجي" و"النظام العام". طبقت وزارة الداخلية العقوبات بشكل تعسّفي، وساهمت الصياغة الغامضة للقانون في تكميم الإعلام تماماً. وعلى سبيل المثال، شرّع القانون عقوبة السجن للصحافيين الذين يرتكبون واحدة من اثنتي عشرة جناية أو جنحة مختلفة، منها على سبيل المثال، التحريض على القتل والكراهية الدينية والعرقية، والحطّ من قدر الرئيس التونسي ورؤساء الدول الأجنبية، والتضليل والقدح والذم. وكان طول مدة الأحكام يعتمد على المكانة الرسمية للشخص الذي تم التشهير به.
في ظلّ حكم بن علي، تحوّلت بعض الأحكام المتعلقة بالجنح الصحافية الجنائية من اختصاص قانون الصحافة إلى اختصاص القانون الجنائي، وصدرت أحكام بالسجن في قضايا تشهير تتعلق بالمسؤولين الحكوميين ورئيس الجمهورية ومؤسّسات الدولة مثل القضاء والقوات المسلحة، ورؤساء الدول الأجنبية والدبلوماسيين الأجانب، والجماعات الدينية. ومن خلال صياغة فضفاضة سهّلت سوء الاستخدام، استغلّ النظام السابق هذه الأحكام بانتظام لاستباق الانتقادات العلنية وإجهاضها، وتكميم أفواه الصحافيين، وسجن المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان.
في المقابل، لم يكن هناك قانون موحّد لتنظيم وسائل الإعلام المرئي والمسموع المختلفة الخاصة والعامة. كان الإطار القانوني الوحيد الموجود يتعلّق بإنشاء المؤسّسات العامة، مثل القانون الرقم 49 للعام 1990 الذي ينظّم إنشاء مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية العمومية، وقوانين تأسيس الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي (القانون 93-8، 1993)4 وكذلك الوكالة الوطنية للتردّدات (القانون 2001-1).5 وفي ظل عدم وجود أي قوانين شاملة للبثّ، خضعت الصناعة الإعلامية إلى الرقابة المالية والسياسية للنظام، التي تنفّذها وزارة الاتصالات، والتي كانت مسؤولة عن المحتوى الإعلامي والعاملين والقرارات التحريرية.
رؤية جديدة لصناعة الإعلام
غداة الثورة، رفضت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال أن تلعب أي دور تنفيذي، واختارت بدلاً من ذلك القيام بوظيفة استشارية. عملت الهيئة الجديدة، المؤلّفة من خبراء إعلاميين وقانونيين وعلى رأسها صحافي تونسي من ذوي الخبرة على المستوى الدولي،6 تحت مظلة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي كُلِّفت بوضع الأسس اللازمة لإقامة الجمهورية الجديدة، وهي المهمة التي انتهت في تشرين الأول/أكتوبر 2011 غداة انتخاب الجمعية التأسيسية.
أنيطت بالهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال مهمة اقتراح إصلاحات لقطاعات الإعلام والاتصال مع مراعاة المعايير الدولية لحرية التعبير.7 كان دورها استشارياً في المقام الأول، وتركَّز على اقتراح اصلاحات عن طريق صياغة القوانين بالتعاون مع لجنة من الخبراء القانونيين. ومن خلال سلسلة من ورش العمل التي شارك فيها خبراء إعلاميون محليون وعالميون إضافة إلى جماعات الدفاع عن وسائل الإعلام، كانت نتيجة الدور الاستشاري الذي قامت به الهيئة صدور تقرير نهائي عرضت فيه توصياتها الرئيسة لتحرير الصناعة الإعلامية.8
ركّزت الرؤية الجديدة لهيئة إصلاح الإعلام التونسي على تفكيك النظام القديم لصالح هياكل جديدة بالاستفادة من تجارب دولية. شكّل تحويل وسائل الإعلام التي تديرها الدولة إلى مزوِّد للخدمات العامة، هدفاً محورياً تعرّض إلى انتقادات واسعة في ضوء دور الإعلام الحكومي السابق كبوق في خدمة النظام، وافتقاره إلى المعايير المهنية الأساسية. ويقول رئيس الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال كمال العبيدي، أن قطاع الإعلام المملوك للدولة "يمكن أن يوفّر نموذجاً لممارسات أفضل بالنسبة إلى وسائل الإعلام الخاصة. فالرأي العام يفضّل الاعتماد على المؤسسات العامة التي يمكنها توفير معايير مهنية رفيعة. ولم تكن وسائل الإعلام الخاصة أكثر مهنيّة في ظل النظام السابق، بل إنها كانت تُستَخدَم في بعض الأحيان في أعمال التلفيق والتشهير ضد الناشطين والصحافيين".9
الآن وقد اقتربت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال من نهاية مهمّتها المحدّدة، نجحت حتى الآن في العمل على إصدار ثلاثة مراسيم أساسية تهدف إلى إصلاح قطاع الإعلام وضمان الحقوق الصحافية الأساسية. لكن لأن الهيئة عملت في ظلّ المرحلة الانتقالية، فإنها افتقرت إلى سلطة تنفيذية. وبالتالي، يعود للحكومة الجديدة أن تُقِرّ أو لاتُقِرّ التدابير التي اتخذتها الهيئة، مما عرّض الهيئة إلى الانتقاد بحجة عدم نجاعة هذه التدابير. والجدير بالذكر أن الجمعية التأسيسية لم تصادق حتى الآن على معظم المراسيم التي أصدرتها الهيئة في ظل الحكم المؤقّت، ولذلك لم تدخل حيّز التنفيذ بعد. وقد أثار عزوف الحكومة الجديدة، التي يقودها حزب النهضة الإسلامي الذي تولّى السلطة في كانون الأول/ديسمبر 2011، عن تأييد غالبية الإصلاحات، تساؤلات حول نجاعة عمل الهيئة إرثها.
تغييرات واعدة
يضمن المرسوم الرقم 115-2011 (الصادر في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011)، الذي صيغ ليحلّ محلّ قانون الصحافة السابق، حريةَ تداول ونشر وتلقّي الأخبار والآراء مهما كان نوعها.10 ويضمن المرسوم حقوقاً أساسيةً للصحافيين، مثل حق الصحافيين في الوصول إلى المعلومة وسرّية المصادر، وحماية الصحافيين من التهديدات الجسدية أو المالية نتيجةً لممارسة هذه الحقوق، أو إبداء الرأي، أو نشر المعلومات. وتحدّد الوثيقة أيضاً عدداً من الأحكام التنظيمية في مايتعلّق بالصحافة. وهي تسمح بنشر الدوريات المطبوعة من دون الحصول على ترخيص مُسبَق، وتشمل بنوداً تشترط تسمية مدير مسؤول للمطبوعة، والفصل بين إدارة الصحيفة أي مالكيها، وبين فريقها التحريري، واعتماد الشفافية في مايتعلق بتمويل المطبوعات وملكيّتها. ويتناول المرسوم أيضا مسألة التنوّع الإعلامي من خلال مكافحة الاحتكار، حيث يحظر، على سبيل المثال، على أي فرد امتلاك مطبوعتين سياسيتين تتجاوز نسبة توزيعهما اليومي 30 في المئة من توزيع المطبوعات المماثلة على المستوى الوطني.
الأهم من ذلك أن القانون الجديد للصحافة يضع قيوداً على قدرة وزارة الداخلية على التدخّل في الإعلام. وتشرف السلطة القضائية راهناً على قطاع الإعلام، بما في ذلك تسجيل المطبوعات الجديدة، وتختصر الآلية حالياً على تبليغ آلي عبر ملفّ يُقدَّم أمام السلطة القضائية. كما أُلغيَت معظم أحكام السجن، بما فيها تلك المتعلّقة بالقذف والتشهير، واستُبدِلَت بغرامات، فيما أُبقي على عقوبة السجن لعدد محدود جداً من الجنح: من بينها دعم الإرهاب أو جرائم الحرب، والتحريض على الكراهية الدينية أو العرقية، ونشر أفكار حول التمييز العنصري، ونشر معلومات تتعلّق بالقضايا القضائية الخاصة باغتصاب القصّر. ومع ذلك، استمرّ المجتمع الإعلامي، جنباً إلى جنب مع جماعات الدفاع والضغط، في المطالبة بالإلغاء الكامل لعقوبة سجن الصحافيين.
أما المرسوم الثاني الجديد، الرقم 41-2011 (بتاريخ 26 أيار/مايو 2011)، فهو يهدف إلى تنظيم آلية النفاذ إلى الوثائق الحكومية وكشف مضمونها ليستخدمها الصحافيون. وكان الوصول إلى هذه الوثائق مقيّداً في السابق، وهو ماشكّل إحدى الشكاوى الرئيسة للصحافيين في ظل نظام بن علي. والحال أن هذا التقييد في جوهره كان بمثابة حظر فعلي على الصحافة الاستقصائية. في المقابل، يُلزم المرسوم الجديد الجهات الحكومية بتسهيل وصول الصحافيين والجمهور إلى تلك الوثائق. وفي حال رفضت الإدارة العامة الكشف عن هذه الوثائق، يمكن رفع دعوى عليها ومحاسبتها.11
ويضمن المرسوم الثالث الرقم 116-2011 (صادر بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011)، حرية قطاع البثّ ويؤسّس هيئة مستقلة للاتصالات - الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري - مكلّفة بتنظيم هذه الصناعة.12 بيد أن هذه الحرية مقيَّدة باحترام الخصوصية الفردية وحرية المعتقد وحماية الطفولة والصحة العامة. وقد بقيت القيود نفسها في مايتعلق بحماية "النظام العام" و"الأمن الوطن"، والتي استخدمها النظام السابق، منصوصاً عليها في الأحكام الجديدة، من دون إشارات واضحة إلى مجالات تطبيقها. وقد حاججت السلطة التشريعية في أن هذه القيود مُعتَمَدة في قوانين الإعلام في معظم النظم الديمقراطية.
وتتشكّل الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري، التي لم تنشأ فعلياً بعد، من:
- عضو معيّن من الرئيس التونسي.
- عضوين يمثّلان السلطة القضائية، تقترحهما الهيئات المهنية الممثلة للقضاء.
- عضوين يقترح تعيينهما رئيس السلطة التشريعية.
- عضوين تقترحهما الهيئات النقابية الصحافية.
- عضو يعيّنه ممثّلو قطاع الاتصال المرئي والمسموع (من الحقل التقني).
عضو مُعيَّن باقتراح من مالكي المؤسسات الاعلامية.
وفقاً للمرسوم الذي أسّس الهيئة، يُمنَع أي شخص شغل مناصب سياسية أو حكومية في العامين الماضيين من العضوية فيها. وخلافاً للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، فإن الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري هي هيئة تنفيذية، وهي تتمتّع بسلطات تنظيمية واستشارية وقضائية، بما في ذلك القدرة على قبول أو رفض طلبات الحصول على تراخيص التشغيل الجديدة، وإصدار مواصفات للتراخيص (cahiers de charge)، وضمان التعدّدية في مضمون الإنتاج، وخاصة في البرامج السياسية. والمثال الرئيس على ذلك هو سلطة اللجنة في الإشراف على التغطية الإعلامية للحملات الانتخابية، عبر تخصيص وقت على الهواء لكل مرشّح، ووضع جدول زمني للتغطية.
والهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري مخوّلة أيضاً اعتماد مدوّنة السلوك الخاصة ببثّ الإعلانات وتسوية النزاعات المتعلّقة بإطلاق محطات التلفزيون والإذاعة وتشغيلها. كما أنها مخوّلة، وهذا الأهم، فرضَ عقوبات على الجنح التي ترتكبها وسائل الإعلام، وهي تتراوح من توجيه إنذارات عن المخالفة وفرض الغرامات، وقد تصل في نهاية المطاف إلى حد تعليق أو حتى سحب تراخيص التشغيل. وتقدّم الهيئة توصيات لتطوير هذا القطاع، بشكل خاص لجهة تنظيمه، ولها رأي مُلزِم في اقتراحات القوانين ذات الصلة، وكذلك تعيّن مديري محطات الإذاعة والتلفزيون التابعة للدولة. والأهم من ذلك أن الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري تعتبر محكمة ابتدائية بسبب إمكانية استئناف قراراتها أمام المحاكم العادية.
نقد النظام الجديد
أثارت سلطات الهيئة الجديدة انتقادات من داخل المجتمع الإعلامي، وخاصة بين مالكي وسائل الإعلام الذين يعتبرون أن هذه السلطات الواسعة، مثل القدرة على تعليق التراخيص، تعتبر بمثابة تهديد كبير لحرية الإعلام. لكن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال ردّت بالقول أن القوانين المماثلة في النظم الديمقراطية تتضمّن أحكاماً مماثلة.
لم يتم إعلان الأسباب الكامنة وراء تأخير إنشاء الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري. لكن يُقال أن الانتقادات الموجَّهة إلى أداء الهيئة، إضافة إلى أجواء انعدام الثقة بين الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال وبين الحكومة الجديدة، هي السبب في رفض الحكومة الحالية إقرار المرسومين 115 و116 (تمت المصادقة على المرسوم 41) وإنشاء هيئة تنظيمية رسمية لقطاع الاتصال المرئي والمسموع. وتعتبر المعارضة العلمانية الجديدة التأخير بمثابة مناورة تكتيكية من جانب الحكومة، من أجل السيطرة مجدداً على صناعة الاتصال المرئي والمسموع.13
ستُنهي الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال مهامها قريباً، لتتولاها هيئة جديدة لاتزال تنتظر الإنشاء، للإشراف على صناعة البث، هي الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري التي سبق أن تحدّثنا عنها. وتحبّذ الهيئة الوطنية إيجاد تنظيم ذاتي لقطاع الصحافة المكتوبة، واعتماد مدوّنة لقواعد الأخلاق للاسترشاد بها في ممارسات الصحافيين، على غرار الكثير من التجارب الدولية، من دون حاجة إلى إيجاد هيئة تنظيمية للصحافة المكتوبة.
ولايزال مصير إرث الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال غامضاً. فقد أطلقت الحكومة الحالية عملية تشاور وطنية بشأن مضمون المراسيم الجديدة الخاصة بقطاعي الصحافة والإعلام المرئي والمسموع. وعلى أي حال، قاطعت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين هذه العملية على أساس أن هناك عيوباً شابتها، وأن هذه العملية ارتبطت برموز من النظام السابق. وفي حال فشل عملية التشاور، سوف يكون الحلّ بعرض المرسومين 115 و116 إلى الجمعية التأسيسية، المخوّلة تبنّي أو تعديل أو رفض أحكامهما.
الضغوط على الإعلام مستمرّة
لم تضع عملية التحرّر القانونية غير المكتملة لقطاع الإعلام في تونس حدّاً لمحاكمة الصحافيين بسبب ممارسة مهنتهم. بدلاً من ذلك، يخشى الصحافيون الآن من أن القضاء، وليس وزارة الداخلية، بات الأداة الرئيسة للترهيب. والحال أن هذه المخاوف واقعية إذا ما أخذنا في الاعتبار عدداً من الأحداث التي وقعت مؤخّراً وحُكِم فيها على صحافيين بالسجن بموجب أحكام القانون الجنائي، مايُلقي بظلال من الشكّ على فعالية عملية الإصلاح. ومع ذلك، تكشف الأحكام التي أصدرتها السلطة القضائية في حالات عديدة مماثلة عن نية للعزوف عن إصدار أحكام بالسجن، حيث يُطبِّق القضاة بدلاً من ذلك مقاربة "ناعمة"، لاجئين إلى مجرد فرض غرامات مالية.
وفقاً لبشير وارده، الصحافي السابق والمستشار في الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، فإن النظام القضائي الآن في "ضياع قانوني" في مايخصّ القضايا المتعلّقة بالصحافيين، حيث يُطبِّق النظام أحكام كلّ من قانون الصحافة الجديد (المرسوم 115-2011 ) والقانون الجنائي. ومع ذلك، ينصّ قانون الصحافة الجديد على أن تحلّ أحكامه محلّ كل القوانين السابقة التي تتناول القضايا ذات الصلة بالإعلام. ويوضّح وارده قائلاً: "جميع الأحكام القانونية السابقة التي كانت مُطبَّقة قبل صدور المرسوم 115، ملغاة بحكم الأمر الواقع. وهذا يشمل أحكام القانون الجنائي التي تتناول الجرائم والجنح التي يرتكبها العاملون في وسائل الإعلام".14 وفي بعض الحالات، يستخدم القضاء قانون الصحافة في معاقبة الصحافيين. ويستشهد وارده بمثال الصحافي شاكر بسبس من راديو موزاييك الذي تم تغريمه بسبب قيامه بالتصوير داخل قاعة المحكمة من دون إذن مسبق من القاضي. وفي مثل هذه الحالة، اختارت المحكمة تطبيق قانون الصحافة الجديد، واقتصر حكمها على فرض غرامة بسيطة.15
مع ذلك، يستمرّ تجاهل الدّعوات إلى إزالة الأحكام التي تقضي بسجن الصحافيين، وعدم معاقبة حالات التشهير بالسجن.16 ويعتبر عزوف الحكومة الجديدة في تونس في مرحلة مابعد الثورة عن تأييد المراسيم الجديدة التي تنظّم عمل وسائل الإعلام عاملاً رئيساً وراء لجوء القضاء إلى القانون الجنائي في القضايا التي ترفع ضد الصحافيين. يذهب وارده إلى حدّ القول أن القضاة "يتعرّضون إلى ضغوط سياسية من النظام الجديد".
إن غالبية الدعاوى القانونية التي رفعت في فترة مابعد الثورة ضد صحافيين كانت على أساس ديني لاتهام الصحافيين بانتهاك القيم الإسلامية – مع أن التّهَم تقدّم على أنها إخلال بالنظام العام. تم تطبيق أحكام السجن على الصحافيين للمرة الأولى في مرحلة مابعد عهد بن علي في حالة حبس مدير إحدى الصحف لنشره صورة امرأة عارية على الصفحة الأولى من صحيفته. أُفرِج عن المدير العام لصحيفة "التونسية" (ناصر الدين بن سعيدة) بعد أسبوع من احتجازه قبل المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد "الآداب العامة" بسبب نشر الصورة، التي تظهر نجم كرة قدم ألماني من أصل تونسي وصديقته، وقد غطّت ذراعه صدرها العاري. صادرت السلطات جميع نسخ الطبعة المخالفة بعد أن تم توزيعها على أكشاك بيع الصحف. اعتقال بن سعيدة، إضافة إلى اثنين من أعضاء فريق التحرير، جرى وفقاً للمادة 121 (3) من القانون الجنائي، وقد يواجه بموجبها حكماً بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى 1200 دينار (801 دولار) في حال إدانته.17
استُخدِمَت المقاربة نفسها ضد نبيل القروي، المدير العام لمحطة تلفزيون نسمة الخاصة واثنين من الفريق العامل . اتّهم الثلاثة بـ"انتهاك المقدّسات" و"الإخلال بالنظام العام" بسبب بثّ فيلم "برسيبوليس" Persepolis الفرنسي - الإيراني. وفي أحد المشاهد، تظهر الشخصية الرئيسة في الفيلم وهي تتحدث إلى الله، ما أثار غضب المسلمين التونسيين المحافظين. وقد اتّهمت الدعوى، التي رفعها أكثر من 140 محامياً، رئيس القناة بالتواطؤ في بث فيلم أجنبي من شأنه أن يخلّ بالنظام العام ويقوّض الأخلاق العامة. وفي نهاية المطاف غُرِّم القروي بحوالى 1500 دولار حيث كانت المحكمة متردّدة في إنزال العقوبة القصوى بالسجن لمدة ثلاث سنوات التي طالب بها غلاة المحافظين. وفي إشارة إلى أنه تم إحراز بعض التقدم في هذا المجال منذ سقوط النظام السابق، عبّر قرار المحكمة بوضوح عن أن السلطة القضائية ستعزف عن تطبيق عقوبات صارمة في القضايا ضدّ صحافيين للحؤول دون التشجيع على مزيد من الدعاوى ضدّ الصحافيين.18
رُفِع العديد من القضايا المماثلة ضد صحافيين ووسائل إعلام للأسباب الدينية نفسها. من بين هذه القضايا، قضية اثنين من المدوّنين التونسيين الشباب اللذين حكم عليهما بالسجن سبع سنوات لنشرهما رسوماً كاركاتورية للنبي محمد على موقع فايسبوك. وجّهت إلى المدوّنين، وهما من مدينة المهديّة الساحلية، تهمة "انتهاك الأخلاق، والإخلال بالنظام العام". وقد استأنفا الحكم.
تصل هذه الضغوط إلى مجال الإعلام الحديث أيضاً. فمع أن الوكالة التونسية للإنترنت تسعى إلى أن تتطوّر بعيداً عن دورها القمعي السابق في مراقبة الفضاء الإلكتروني، فقد تضطرّ إلى اعتماد الممارسات السابقة التي كانت تقوم بموجبها بحجب الصفحات الإلكترونية التي تجد أنها تحمل مضموناً لايناسب النظام. وقد تضطر الوكالة إلى العودة الى هذا الدور القمعي في أعقاب مبادرة قامت بها مؤخّراً مجموعة من المحامين الذين استصدروا أمراً من المحكمة يجبر الوكالة على حجب المواقع الإباحية التي يُزعم أنها تشكّل خطراً على القُصَّر والقيم الإسلامية. تم تأييد الحكم في مرحلة الاستئناف، إلا أن محكمة النقض، أعلى سلطة قضائية في تونس، ألغت الحكم واختارت إحالة القضية مجدداً إلى الاستئناف، تاركةً بذلك خطر عودة ممارسات حجب الصفحات الإلكترونية.19
هذه الأنواع من القضايا ليست جديدة على تونس. فكثيراً ما استخدم قانون العقوبات في ظل نظام بن علي لمحاكمة الصحافيين، حيث جرى نقل مجموعة كبيرة من الأحكام الجنائية الخاصة بالصحافيين من قانون الصحافة إلى القانون الجنائي في السنوات الأخيرة من حكمه. وهذه القضايا الحالية لاتثير تساؤلات حول حماية حرية التعبير خلال الفترة الانتقالية في البلاد وحسب، بل تعكس أيضاً الصراع الدائر بين العلمانيين والإسلاميين الذي يحوّل وسائل الإعلام إلى واحدة من أبرز ساحات الصراع في البلاد.
إن موقف إسلاميي حزب النهضة، الذي فاز في أول انتخابات حرّة في تاريخ هذا البلد العلماني جدّاً، من مسألة الحريات الإعلامية لايزال غير واضح. غالبية هذه القضايا التي سبق أن تحدّثنا عنها، قد تقدّم بها محامون يدّعون أنهم يحمون مايعتبرونه "قيماً إسلامية"، وغالباً ما أثبتت الحكومة أنها غير متسامحة تجاه الآراء التي تعتبر معادية للإسلام. لكن الحكومة لاتزال متردّدة في اتّخاذ تدابير ضد الآراء المتطرّفة حين تتطابق تلك الآراء مع الإسلام السلفي الراديكالي، مثل تلك التي تدعو إلى استخدام العنف ضدّ "الكفار" أو شرعنة ختان الإناث (دعا إليه رجل الدين المصري وجدي غنيم خلال زيارته لتونس). وقد أثار هذا اتّهامات من جانب المعسكر العلماني بأن الحكومة التي يقودها حزب النهضة تكرّس معايير مزدوجة عندما يتعلّق الأمر بقضايا حرية التعبير.20
المعارك الإيديولوجية والاستقلالية في وسائل الإعلام
عموماً، تحسّن هامش حرية التعبير في وسائل الإعلام التونسية الرئيسة مقارنةً بالوضع الذي كان سائداً قبل الثورة. ومع ذلك، أصبحت وسائل الإعلام المسرح الرئيس للمعركة السياسية والإيديولوجية الشّرسة الدائرة بين المعسكرين المتنافسين في البلاد: الإسلاميون المحافظون والنخبة العلمانية. وقد حوّل الاصطفاف الحزبي للصحافيين بين هذين المعسكرين وسائل الإعلام إلى منبر للدعاية لهذين الطرفين، حيث أصبح الإعلاميون مرة أخرى تابعين للأجندات السياسية. ونتيجة لذلك، قد تتم التضحية مرة أخرى بفرصة الصحافيين المحلّيين في أن يصبحوا محترفين ومستقلين خدمةً للإيديولوجيا.
لم يخطّط إسلاميو حزب النهضة للقيام بحملة إعلامية خاصة بالانتخابات. فمن وجهة نظر الحزب، المعروف منذ زمن بعيد بنضاله ضد النظام، وبجذوره المُحافِظة المعادية للنخية الفرنكوفونية في تونس، لم يكن ممكناً تحقيق الفوز في المعركة الانتخابية عبر وسائل الإعلام، بل من خلال العمل المنسّق والفعّال على الأرض. وقد رأى حزب النهضة أنه إذا ركّز الإعلام المؤيّد للعلمانيين بشكل سلبي على مخاطر الأسلمة، فهذا سيؤدّي إلى نتائج عكسية وسيصبّ في مصلحة التيار الاسلامي.
وكان المثال على ذلك الحملة الإعلامية التي قامت بها قناة نسمة الخاصة مُحذِّرةً من مخاطر قيام جمهورية إسلامية على النمط الإيراني في تونس، وبلغت هذه الحملة ذروتها في بثّ فيلم "برسيبوليس" وفي النقاش الواسع خلال الحلقة وبعدها حول الإسلام السياسي. اعتبر الكثيرون الحملة أداة فعّالة لزيادة شعبية الحزب الإسلامي، حيث بدا أن الإسلاميين ضحايا حملة أطلقها العلمانيون. وهذا مارفضه أحد نجوم القناة معتبراً أنها تبسيطية. فوفقاً لسفيان بن حميدة، رئيس قسم الأخبار في القناة، يتغاضى العلمانيون عن الواقع الإسلامي الجديد في العالم العربي. يقول بن حميدة: "في كل الأنظمة العربية الانتقالية، يحقّق الإسلاميون نتائج باهرة في الانتخابات. لدينا تقليد يتمثّل في بثّ أفلام تعالج موضوعاً ما نقوم بمناقشته، ولم يكن الفيلم الإيراني استثناء. في منطقتنا العربية، الحداثة هي مجرّد واجهة لواقع إسلامي متجذّر، ونحن نرفض أن نرى هذا الواقع".
إن عدم الاكتراث السابق لحزب النهضة بنفوذ الإعلام، أصبح الآن شيئاً من الماضي. إذ يرفع الحزب الإسلامي ومؤيّدوه أصواتهم عالياً ضدّ مايرون أنه "جماعات ضغط يسارية" تُحوِّل الإعلام إلى سلاح ضد سياسات الحكومة، بعد أن أيقنوا مدى تأثير وسائل الإعلام الوطنية، ولاسيما تلك العامة والقنوات التلفزيونية الخاصة. ويصعّد حكام تونس الجدد هجومهم على وسائل الإعلام العامة وإدارتها، معتبرين أنها منبر صريح للمعارضة. يزعم حزب النهضة أن وسائل الإعلام الرسمية تضخّم أوجه قصور الحكومة، في محاولة لإركاع الترويكا الائتلافية الحاكمة. وعلى النقيض من دور المساجد، التي يقال أن بعضها واقع تحت السيطرة التامة للجماعات السلفية المتطرّفة، يُنظَر إلى وسائل الإعلام المرئي والمسموع الوطنية باعتبارها رأس الحربة في معركة الحفاظ على الدولة العلمانية، في مواجهة أسلمة البلاد على مستوى القاعدة. محور هذا الصراع هي مؤسسة التلفزة الوطنية العامة التي يتّهمها أنصار النهضة بأنها لسان حال المعارضة العلمانية الجديدة.
تخضع القنوات التلفزيونية العامة إلى سيطرة "جماعات ضغط خفيّة"، وفقاً لعادل الثابتي، رئيس تحرير مجلة "مواطنون" التي يصدرها حزب التكتل، الذي يشكّل جزءاً من الائتلاف الحاكم. وهو يعرب عن خيبة أمله من نوعية البرامج مدّعياً أنها فشلت في إعطاء تمثيل متساوٍ لوجهات النظر المتنوّعة، خصوصاً في الموضوعات التي تدقّ إسفيناً بين الحكومة والمعارضة. وفقاً للثابتي، رفض التلفزيون الحكومي دعوة ممثّلين عن الجماعات السلفية لشرح موقفها بشأن ارتداء النقاب في الجامعات، وهو الأمر الذي كان محظوراً في ظل النظام العلماني السابق. وتؤجّج هذه المسألة التوتّر بين العلمانيين والجماعات السلفية التي تطالب بحقّ النساء المنقّبات في دخول الحرم الجامعي.
يخضع تلفزيون الدولة التونسي نظرياً إلى سيطرة الحكومة الجديدة. ومع ذلك، لايبدو أن خطّه التحريري يعكس السياسات الحكومية؛ ويبقى من غير الواضح كيف يتم تحديد اتجاهه التحريري الجديد. شهد مقرّ تلفزيون الدولة في الآونة الأخيرة اعتصاماً متواصلاً لأنصار النهضة، الذين طالبوا بـ"تطهير" التلفزيون ممَّن يسمّون "عملاء" النظام السابق، والتدخّل الاستعماري الأجنبي. وأصبحت عبارة "الشعب يريد تغيير وسائل الإعلام" شعاراً شعبياً بين أنصار النهضة.
في المقابل، أثار قرار الحكومة تعيين مسؤولين كبار جدد في مناصب إدارية في وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وهي المهمة التي ينبغي أن تكون من اختصاص الهيئة التنظيمية الجديدة لصناعة البث (الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري)، مزاعم بأن الحكومة تلجأ ثانيةً إلى تكتيكات النظام السابق الهادفة إلى تدجين الإعلام. وماعزّز هذه الانتقادات هو أن بعض المعيّنين كانوا شخصيات إعلامية بارزة في نظام بن علي نفسه. وقد اضطرّت الحكومة إلى التراجع عن هذه الخطوة في أعقاب حملة صاخبة قامت بها المعارضة، بدعم عناصر كبيرة من المجتمع الإعلامي الذي اعتبر الترشيحات محاولةً لـ"ترهيب" وسائل الإعلام في ظلّ النظام الجديد وإسكاتها في نهاية المطاف. كما ندّدت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال بهذه التعيينات كونها ترقى إلى "سيطرة الحكومة الكاملة على وسائل الإعلام الحكومية، وضياع لاستقلاليّتها في اتخاذ القرارات" المؤسساتية.
وفي الآونة الأخيرة، تحوّلت معركة السيطرة على محطات التلفزيون الحكومية من الشوارع إلى المحاكم. ونظراً إلى عدم قدرتهم على السيطرة على إنتاج القنوات التلفزيونية، لجأ الإسلاميون إلى السلطة القضائية لتكثيف الضغوط على الخط التحريري للمحطات. على سبيل المثال، سعت دعوى قضائية رُفِعَت مؤخّراً ضدّ شبكة التلفزيون العمومي التونسي، إلى حظر استخدام مصطلح "مؤقتة" لوصف الحكومة الجديدة. وجادل الإسلاميون بأن هذا المصطلح جعل الحكومة تبدو أقلّ شرعيّة، وقد عسكت هذه القضية الصراع القائم حول السيطرة على السياسات التحريرية في الإعلام الحكومي. وفي هذه القضية بالذات، حكمت السلطة القضائية في النهاية لصالح التلفزيون الحكومي.
واقع الصحافة الجديدة
من الواضح أن الإعلام لايزال يخضع في الممارسة إلى سيطرة عدد مختلف من اللاعبين. وكما اعترف العلمانيون والإسلاميون ضمنياً، لايزال التطوّر نحو صحافة مستقلة يشكّل التحدي الرئيس للعاملين في وسائل الإعلام التقليدية الذين لم يتمكنوا بعد من ممارسة دور مهني يتجاوز مجرد خدمة أجندة سياسية. وقد كان انتخاب الجمعية التأسيسية اختباراً للإعلام التونسي في مجال الصحافة السياسية. إذ كشفت مهمة تغطية هذا الحدث التاريخي عن العديد من التحدّيات المهنية التي لاتزال تواجه صناعة إعلامية في طور التحوّل. ووجدت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، التي شكّلت مرصداً لمراقبة التغطية الإعلامية للانتخابات، أنه كانت هناك "نقلة نوعيّة" في الإعلام المطبوع والإذاعي والجديد منذ قيام الثورة. وأثنى تقرير الرصد على الجهود للالتزام بالحياد في تغطية الحملة الانتخابية، إضافة إلى اتّخاذ مزيد من الخطوات الحرفية المهنية.
غير أن التقرير انتقد تحيّز بعض وسائل الإعلام تجاه بعض الأحزاب السياسية، وتغيير بعض المطبوعات اتجاهها التحريري بصورة كاملة، حيث تحوّلت بسرعة من تمجيد النظام قبل سقوط بن علي إلى توجيه انتقادات لاذعة إليه. كما سلّط التقرير الضوء على ظهور الإثارة والتجاوزات والمبالغة وإشاعة التوتّر، ما أدّى إلى ترسيخ العبارات المبتذلة والصيغ النمطيّة، وخاصة في وسائل الإعلام العمومية.
لقد أدّت قلّة خبرة الصحافيين والإطار الزمني القصير المخصّص للتحضير والتدريب، إلى إعاقة تقديم تغطية نوعية وغير متحيّزة ومهنية للانتخابات. كان العدد الكبير من المرشحين، الذين كان معظمهم غير معروف للجمهور التونسي ومجتمع وسائل الإعلام، من بين التحدّيات الأخرى. ووسط كل هذه العقبات، والمعركة الشرسة الدائرة بين العلمانيين والإسلاميين، لم يشكّل تأمين تمثيل عادل للمرشحين أولويّة بالنسبة إلى الصحافيين، الذين كانوا بدورهم يعملون من دون توجيه واضح من رؤسائهم إذ كان مدراء التحرير يعانون من (قلّة) الخبرة نفسها كالمراسلين.
بالنسبة إلى خالد حداد، نائب رئيس تحرير صحيفة "الشروق"، التي اشتهرت بكونها منبراً قوياً في ظل النظام السابق، بدا تخصيص حصّة كبيرة من تغطية الصحيفة للانتخابات إلى حزب النهضة أمراً عادياً، إذ كان "حزب النهضة ينظّم أنشطة عامة كبيرة. ويقول: "نحن لم نسلط الضوء على نشاطات الحزب بهدف تظهيرها، لأنها كانت ظاهرةً أساساً وبوضوح كبير". ويضيف "لايمكنني تسليط الضوء على حزب لايحظى بالشعبية. لا أستطيع اختلاق رأي عام ليس موجوداً في الواقع. في الماضي لم يكن لدينا خيار. الآن، صرنا نملك هذا الخيار". بالنسبة إلى سفيان حميدة، المسؤول في قناة نسمة، لم يكن الاهتمام الرئيس تمثيل الآراء المختلفة، بل تجسيد هويّة القناة التلفزيونية، والتي يعتبرها أنصار النهضة المنبر الأساسي للتيار العلماني. ويوضّح ذلك بالقول: "في أثناء الانتخابات، قرّرنا أن نكون أنفسنا، من دون أي رقابة ومن دون إنكار قيمنا". ويضيف: "نحن قناة علمانية حديثة، ولانعتقد أنه علينا أن نخجل من هويّتنا ".
صحافيو الإعلام التقليدي وتحدّيات التحديث
مع أنه جرى اتخاذ خطوات كبيرة باتجاه تنويع قطاع الإعلام في البلاد وتحريره من القيود السابقة، ثمّة عدد من العوامل المترابطة التي تفرض تحدّيات على الصحافة التونسية. من أهم هذه التحدّيات استقلالية الجسم الصحافي عن الدوائر السياسية، ووعي الإعلاميين لدورهم الأساسي في مساءلة السلطة وليس إرضاءها. ولعلّ تحقيق تقدّم في اتجاه التغطية الإخبارية المُحايِدة؛ يمكن أن يفسح الطريق أمام مصالحة حقيقية بين الصحافيين وجمهورهم. ومع ذلك، تمثّل ظروف العمل الهشّة التي يعاني منها المجتمع الإعلامي المحلي عقبة رئيسة في طريق المهنيّة.
بدأت عملية تحوّل الصحافيين من صورة صحافيي العشيرة التي كانت سابقاً السبب الرئيس وراء ابتعاد الجمهور التونسي عنهم، كما قال لي العديد من الصحافيين الذين التقيت بهم في إطار البحث الذي أُعِدُّه. إلا أن تلك عملية شائكة تتطلّب نقداً ذاتياً وإعادة نظر شاملة في الآليّات التي أدّت إلى أن تحوّل صناعة الإعلام إلى لسان حال النظام. إذ لايزال الموقف التبسيطي القائل بأن "لم يكن لدي أي خيار" لسان حال الصحافيين، والردّ الوحيد منهم عند سؤالي لهم عن مسؤولياتهم الشخصية والمهنية، إذ كانوا يتذرّعون بالقول: "لم يكن لدينا خيار آخر، كان علينا أن نحافظ على مصدر عيشنا".
كانت خدمة النظام أمراً لامفرّ منه بالنسبة إلى أغلب صحافيي الإعلام التقليدي حيث كان الصحافيون-الموظفون يشعرون بأنهم ملزمين بسياسة المؤسّسات الإعلامية. عملت تبر النعيمي مراسلة لصحيفة الحرية، التي كانت تمثّل الحزب الحاكم السابق، وهي أُغلِقَت فجأة في اليوم الذي غادر فيه بن علي البلاد. تقول النعيمي أنها "فخورة" بأنها عملت في "الصحيفة التي أسّسها بورقيبة". وترفض تبر، التي انضمّت إلى فريق إذاعة "شباب" العمومية بعد إغلاق الصحيفة، أن تناقش مسؤوليتها الشخصية أو تعترف بأي ذنب لدورها في الترويج للنظام السابق. تقول: "كنا صادقين وكنا ننقل الأحداث كما وقعت". وتضيف: "لكننا كنا ننقل فقط الأحداث التي تدعم سياسة الحزب. كانت هذه هي سياسة الصحيفة. وباعتباري واحدة من الصحافيين العاملين فيها، كان علي أن أحترمها. فقد كنت أقوم بعمل مهني".
موقف الإنكار هذا هو واقع حال المحرّرين والشخصيات الإعلامية البارزة في تونس على حدّ سواء، الذين اختار معظمهم التحوّل من مدح النظام السابق إلى تملّق وإطراء الحكومة الجديدة. ويقدّم ردّ فعل هيئة تحرير مجلة Réalités على اقتراح الصحافيين بأن يعتذروا لقرائهم مثالاً جيداً لحالة الإنكار هذه. تروي حنان زبيس المحرّرة في المجلة: "في 30 كانون الأول/ديسمبر [2010]، وبينما كانت البلاد تحترق، نشرنا مقالاً مدفوعاً يثني على إنجازات أحد أفراد عائلة بن علي. كان هذا نكسة كبيرة لنا. بعد الثورة، عقدنا العديد من الاجتماعات مع إدارة المجلة وطلبنا نشر رسالة اعتذار لقرائنا. كان الردّ إنكاراً كاملاً: "... ولكن ماذا كان في وسعنا أن نفعل غير ذلك؟"
أثار الجدل حول مسؤولية الصحافة خلافاً بشأن فكرة إعداد قائمة سوداء للشخصيات الإعلامية التي لعبت دوراً بارزاً في تضليل المجتمع الإعلامي وتشويه الرأي العام في ظل النظام السابق. ويهدف الاقتراح، الذي تدعمه نقابة الصحافيين، إلى فتح الباب أمام رفع دعاوى ضد تلك الشخصيات. ومع ذلك، لم يحظ الاقتراح بموافقة جميع الصحافيين. إذ يشعر العديد ممن يعارضون القائمة السوداء بالقلق من إطلاق العنان للثأر بين الصحافيين، وبخاصّة في ضوء فوضى الاتّهامات والتّشهير التي انفجرت في الإعلام التونسي في الأشهر الأولى التي أعقبت الثورة. يومها، اتّهم الصحافيون بعضهم بعضاً بأنهم عملاء للنظام السابق، كما راجت الاتهامات ضدّ شخصيات عامة بأنها فاسدة وسارقة... ويعتقد آخرون أن المصالحة الحقيقية تتطلّب إصلاح أخطاء الماضي وتحميل المسؤولية لمن ارتكبها.
العادات الإعلامية القديمة عصيّة على التغيير
فيما يشهد الإعلام في ظلّ المرحلة الانتقالية هامشاً أوسع من حريّة التعبير، لاتزال عادات التملّق للحكام راسخة، مايؤكّد خطر ظهور أشكال جديدة من المحسوبيات والشللية الإعلامية. وفي حين تمت "إطاحة" بعض رؤساء التحرير، وخصوصاً المسؤولين عن عملية صنع القرار في الإعلام الحكومي، احتفظ آخرون بمناصب نافذة أو تمّت ترقيتهم منذ قيام الثورة. وفي هذه الأثناء، يكاد يكون من المستحيل إجراء تغيير في الدوائر العليا لصنع القرار في وسائل الإعلام الخاصة، حيث غالباً مايكون رؤساء التحرير أيضاً هم أصحاب هذه الوسائل. وفي بعض هذه الوسائل، تمكّنت فرق التحرير من وضع خط فاصل بين الهيئة التحريرية وبين مُلكية الوسيلة الإعلامية، وطلبت أن ينتخب طاقم العاملين الصحافيين أنفسهم رؤساء التحرير.
لم تتحقّق عملية الاستقلالية التحريرية الهشّة هذه في وسائل الإعلام الأخرى، حيث لاتزال عمليات صنع القرار على حالها عموماً. وكما يوضّح رفيق بن عبدالله، المراسل البرلماني لصحيفة الصباح: "بعد الثورة، قلنا لرئيس التحرير "ارحل" [شعار الثورة التونسية]، كنا نقاتل كي تتولي شخصيات توافقية لم تلعب دوراً سلبياً في ظل النظام السابق، السيطرة على عملية صنع القرار داخل الصحيفة. للأسف، الكثيرون من أدوات النظام السابق لايزالون موجودين" داخل الصحف. ووفقاً لما تقوله رئيسة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، نجيبة الحمروني، يواجه الصحافيون المحليون صراعاً مزدوجاً إذ أنهم " يواجهون سلطة صاحب الوسيلة الإعلامية أو رئيس التحرير ممن كانوا من أتباع النظام، إضافة إلى مشكلة الرأي العام الذي يتّهمهم بالمسؤولية عن فساد وسائل الإعلام ويعتبرهم شركاء فيه".
بعد شهور من الثورة التونسية، تبدو الحرية الجديدة نقمة أكثر منها نعمة بالنسبة إلى الصحافيين في البلاد. فهم لايزالون يتساءلون: كيف ينبغي ترجمة هذه الحرية عملياً، وكيف ينبغي اتّخاذ القرارات التحريرية؟ وتصف مراسلة التلفزيون الحكومي أميرة العرفاوي حالة الضياع التحريري الذي شعر به العاملون داخل القناة العمومية بعد رحيل بن علي، موضحة أن المحرّرين كانوا متردّدين في اتّخاذ أي قرار يمكن أن يثير ردود فعل لايمكن التنبؤ بها في الشارع. ومع ذلك لم يدم هذا التردّد طويلاً، إذ سرعان مابدأ الصحافيون بممارسة أفضل ماتعلّموه، أي تملّق السلطة السياسية. قبل الثورة، كانت "السلطة" تعني نظام بن علي. لكن في تلك اللحظة، أصبحت "السلطة" تعني الجيش والشعب والمقاومة. وكما تشير العرفاوي، "تعوّدنا أن نكون بوق النظام. لم يكن لنا خيار، والآن نجد أنفسنا بوق الشعب، وليس لنا خيار أيضاً".
آليات التحوّل الى صناعة إعلام ليبرالية
استقطب الانفتاح الأخير الذي شهدته صناعة الإعلام التونسية اهتماماً دولياً واسعاً في مجال تدريب العاملين في وسائل الإعلام المحلية. وفقاً للصحافية حنان زبيس، كان هذا التدريب ضرورياً للغاية لتوفير فهم للأخلاقيات والممارسات الصحافية الأساسية، مثل التحقّق من مصادر المعلومات والتمييز بين الخبر والرأي.
لكن، وعلى الرغم من فائدته في تعزيز قدرة الصحافيين، لم يكن هذا التدريب مصمّماً على نحو يتناسب مع الاحتياجات الخاصة للصحافيين التونسيين الذين ورثوا ثقافة الخنوع إلى السلطة السياسية. كما أنه لم يعالج المشاكل المرتبطة بالبنية البالية والممارسات الإعلامية التي عفا عليها الزمن. ووفقاً لرئيس اتحاد الصحافيين الشباب، عبدالرؤوف بالي، "كانت الدورات التدريبية نفسها مفتوحة أمام جميع أنواع الصحافيين. وعلى سبيل المثال، تمت دعوة الصحافيين الذين يغطون الأنشطة الرياضية لحضور التدريب في مجال الصحافة السياسية. لقد أرادوا فقط ملء الدورات، وتنفيذ برامجهم".
فضلاً عن ذلك، يبدو أن "الغرائز الصحافية" القديمة لاتذوي بسهولة. وكما يقول حسام الدين حمد، المراسل في إذاعة شمس، فإن الانفعالات الذاتية المتجذّرة يصعب التغلّب عليها. ويروي: " أرتكب دوماً أخطاء من هذا النوع. على سبيل المثال، تدخّلت في مناظرة على الهواء للردّ على مستمع كان يعبّر عن وجهات نظر لم تعجبني. طلب مني رئيس التحرير توخّي الحذر إزاء مثل هذه الأخطاء".
سيكون تحرير قطاع الإعلام مستحيلاً من دون إعادة النظر في ظروف عمل الصحافيين التونسيين. إذ لم تكن جودة المحتوى أبداً من الأولويّات بالنسبة إلى الصحافيين الذين كان هدفهم الرئيس، ببساطة، تحمّل ظروف عمل لاتُطاق. كان على معظم الصحافيين التونسيين الانتظار سنوات طوال قبل الحصول على عقد عمل، في حين عمل آخرون كثر بنظام القطعة وكانوا يحصلون على أجور متدنّية مقابل القطعة الواحدة. كما كانوا جميعاً عرضةً إلى الطرد في أي لحظة. ولذا يبقى الحصول على عقود لائقة تسمح للصحافيين بالتمتّع برواتب لائقة وأمان وظيفي تحدّياً أساسياً.
تحدّد اتفاقيات سابقة سلّم رواتب لمختلف العاملين في وسائل الإعلام، خاصة في وسائل الإعلام المطبوعة وظروف عملهم. وكانت تلك الاتفاقات تحظى برضا أصحاب وسائل الإعلام، ومع ذلك، فهي لم تُنفَّذ أبداً على أرض الواقع. في ظلّ نظام بن علي، كانت الحكومة تدعم مايُسمّى بـ"عقود التدريب"، التي أمّنت للصحافيين فرصةً للعمل في وسيلة إعلامية حين كانت الحكومة تدفع رواتبهم بشكل جزئي. نظرياً، كان ينبغي ألا تستمرّ هذه العقود أكثر من سنة واحدة، لكن في الواقع، كانت الإدارة تجدّد هذه العقود على أساس أن الصحافي المتدرّب يحتاج إلى المزيد من التدريب. وأدّت هذه الممارسة إلى وضعٍ عَمِلَ فيه الصحافيون لسنوات في ظلّ عقود هشة قصيرة الأجل، كانوا يحصلون بموجبها على أجور متدنّية ويواجهون خطر الطرد الوشيك. وفي نهاية المطاف، أطلق الصحافيون "ثوراتهم" من أجل تأمين ظروف عمل لائقة داخل غرف الأخبار وضد مالكي وسائل الإعلام، وهي المعركة التي لن يكون كسبها سهلاً.
وقد تشكّل هذه الثورة الداخلية التحدّي الأبرز بالنسبة إلى الصحافيين، وذلك لأن أصحاب وسائل الإعلام الخاصة لازالوا متردّدين في إعادة النظر بظروف العمل شديدة السوء لموظفيهم. وتكافح النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أيضاً للفوز بحقّ تمثيل الصحافيين في المفاوضات مع مالكي وسائل الإعلام، إذ يقود الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يمثّل العمال في جميع القطاعات، عمليات التفاوض هذه. وسيتطلّب تحسين ظروف العمل السيئة هذه أن يتضامن الصحافيون ويشكّلوا هيئة ضغط تحت راية موحّدة.
الخاتمة
صنّفت منظمة "مراسلون بلا حدود"، في أحدث تقرير لها، "مؤشر حرية الصحافة (2011-2012)"، تونس في المرتبة 134، بتقدّم من المرتبة 164 في الترتيب السابق. وأشادت المنظمة المتخصّصة برصد الانتهاكات ضدّ حرية الإعلام بـ"انتهاء المضايقات التي كان يتعرّض إليها الصحافيون من نظام بن علي، وبروز تعدّدية حقيقية للرأي في وسائل الإعلام، ووقف عمليات حجب صفحات الإنترنت، وإن كان ذلك وقفاً مؤقتاً". ومع ذلك، يشير التقرير أيضاً إلى أن "التعيينات الأخيرة لأشخاص لهم صلات بالنظام السابق لإدارة وسائل الإعلام الحكومية، تؤكّد خطر العودة إلى الماضي".
صحيح أن حرية التعبير الجديدة التي أتاحتها بيئة مابعد الثورة في تونس ليست فريدة في تاريخ البلاد، إذ سمحت فترات قصيرة وعديدة من الانفتاح السياسي في الماضي للإعلام التونسي بالتمتّع بتَرَف نقد النظام. لكن تبيّن في وقت لاحق أن هذه الحرية ليست سوى أداة لتهدئة التوتّرات الاجتماعية والاقتصادية، والتي أُبقيت عادة طيّ الكتمان عبر التعتيم الإعلامي الكامل.
تدين الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، في تقريرها النهائي، تلكّؤ الحكومة الجديدة في اعتماد القوانين الجديدة التي سنّتها، وتعبّر عن الأسف لما اعتبرته غياب قواعد موضوعية وشفّافة وعادلة لتعيين مدراء وسائل الإعلام العمومية، وللزيادة المقلقة في الهجمات ضد الصحافيين وعلى حرية الصحافة، والمحاولات الرامية إلى السيطرة على وسائل الإعلام. لكن، وفي مايتجاوز الإرادة السياسية للنظام الانتقالي، ثمّة تحدّيات مصيرية تواجه صناعة الإعلام، خصوصاً تلك التي تتعلّق بقدرتها على أن تكون أكثر مهنيّة.
إن المهمة الحاسمة الآن تتمثّل في استشراف مستقبل عملية الانفتاح الإعلامي في تونس وآثارها الفعلية: هل ستؤدّي إلى ظهور إعلام قوي ومستقلّ ومتجذر في صحافة مهنية ومسؤولة؟ أم أن هذا الربيع الجديد سيتلاشى ويحلّ محلّه شتاء من حروب الأجندات السياسية في الإعلام؟ لاتزال بعض التحدّيات والمخاطر السابقة ملحوظة (ولاسيما شهيّة الحكام الجدد لاستخدام آليات قديمة للسيطرة على وسائل الإعلام)، إضافة إلى عدم قدرة الصحافيين على النأي بأنفسهم عن الأجندات السياسية المتصارعة. والأهم من ذلك كلّه أن يتجاوز وعيُ الصحافيين التعريفَ السابق لدورهم كصندوق بريد بسيط لسياسة الحكومة، إذ تتطلّب نهضة راسخة لوسائل الإعلام التونسية يقظة من جانب المجتمع الإعلامي نفسه، ووعياً لدوره كبارومتر الديمقراطية الجديدة في البلاد.
1. تعتمد هذه المادة على النتائج الرئيسة لدراسة تجريبية أجريت تحت إشراف المشروع البحثي "الثورات العربية: ثورات الإعلام"، الذي يحقّق في التغيّرات التي طرأت على وسائل الإعلام العربية في ظلّ التحولات السياسية في إطار الربيع العربي. يستضيف المشروع ويديره قسم الإعلام والاتصال في كلية لندن للاقتصاد.
2. لم تَعُد الوكالة تملي عملية توزيع عائدات الإعلانات العامة. وتتخذ الإدارات العامة القرارات الخاصة بهذا التوزيع من دون أي قواعد أو معايير واضحة.
3. "مقابلة معز شكشوك مع قناة "تونس لايف" في اجتماع المدوّنين العرب في تونس"، يوتيوب، 5 تشرين الأول/أكتوبر 2011،
www.youtube.com/watch?v=NeNcZpnwMTA&feature=related
4. www.youtube.com/watch?v=NeNcZpnwMTA&feature=related
5. See the National Broadcasting Corporation website, www.telediffusion.net.tn/
index.php?presen.
6. عمل كمال العبيدي مستشاراً لمؤسسات إعلام وحقوق إنسان وأبحاث عدة مثل منظمة العفو الدولية. عمل بشكل رئيس على حقوق وسائل الإعلام والحريات في المنطقة العربية.
7. المرسوم الرقم 10 لسنة 2011 الصادر في تاريخ 2 آذار/مارس، 2011، الجريدة الرسمية، 44 آذار/مارس 2011، ص 22-25.
8. الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، تقرير الهيئة، الملخص التنفيذي، نيسان/أبريل 2012، متوفر على الموقع التالي:
www.inric.tn/index.php?option=com_content&view=article&id=155%3A2012-04-29-14-14-07&catid=43%3Ainric-conferences&Itemid=151&lang=ar.
9. مقابلة مع الكاتبة، كانون الأول/ديسمبر 2011.
10. المرسوم الرقم 15 لسنة 2011 الصادر في تاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، الجريدة الرسمية، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2011.
11. المرسوم الرقم 41 لسنة 2011 الصادر في تاريخ 26 أيار/مايو 2011، الجريدة الرسمية، 31 أيار/مايو 2011، 2559.
12. المرسوم الرقم 116 لسنة 2011 الصادر في تاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، الجريدة الرسمية، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2011.
13. Monia Ghanmi, “Tunisia Fosters Media Pluralism,” Maghrebia, July 7, 2011.
14. مقابلة مع الكاتبة، أيار/مايو 2012.
15. “200 dinars d’amende: l’affaire du journaliste Cheker Besbes passe en appel,” Nawaat.com, February 14, 2012, http://nawaat.org/portail/2012/02/14/interview-200-dinars-damende-laffaire-du-journaliste-cheker-besbes-passe-en-appel
16. Please refer to Human Rights Watch, “Tunisia Repressive Laws,” November 1, 2011, www.hrw.org/reports/2011/11/01/tunisia-s-repressive-laws-0.
17. Human Rights Watch, “Tunisia: Newspaper Director Free After Week in Jail,” February 23, 2012, www.hrw.org/news/2012/02/23/tunisia-newspaper-director-free-after-week-jail.
18. “Tunisian TV Mogul Fined Over ‘Blasphemous’ Film,” Telegraph, May 16, 2012, www.telegraph.co.uk/news/worldnews/africaandindianocean/tunisia/9244054/Tunisian-TV-mogul-fined-over-blasphemous-film.html.
19. المصدر السابق.
20. Amna Guellali, “Tunisia: Free Speech, Double Standards,” OpenDemocracy.net, March 6, 2012, www.hrw.org/news/2012/03/06/tunisia-free-speech-double-standards.
21. مقابلة مع الكاتبة، كانون الأول/ديسمبر، 2011.
22. “Tunisie: manifestation contre les récentes nominations dans le secteur des medias,” Nawat.com, January 9, 2012, http://nawaat.org/portail/2012/01/09/tunisie-manif-contre-manif-contre-les-recentes-nominations-dans-le-secteur-des-medias.
23. “Accord sur l’ETT: déphasage entre le principe d’indépendance et la composition proposée du conseil d’administration,” INRIC.tn, March 12, 2012, www.inric.tn/fr/index.php?option=com_content&view=article&id=165:communique&catid=1:inric-actualites-recentes&Itemid=156.
24. “Pouvoir, presse et societe: Tensions sur fond de censure,” Chopitos, March 6, 2012, http://chopitos.blogspot.co.uk/2012/03/pouvoir-presse-et-societe-tensions-sur.html.
Sabrine Belhaj Fraj, “Tunisian Media: Under Construction,” latunisievote.org, November 28, 2011, www.latunisievote.org/en/society/item/414-tunisian-media-under-construction-.
25. Sabrine Belhaj Fraj, “Tunisian Media: Under Construction,” latunisievote.org, November 28, 2011, www.latunisievote.org/en/society/item/414-tunisian-media-under-construction-.
26. المصدر السابق.
27. مقابلة مع الكاتبة، كانون الأول/ديسمبر 2011.
28. المصدر السابق.
29. أسّس الصحيفة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي يُعتَبَر مؤسس الدولة العلمانية. أغلقت صحيفة الحرية في اليوم نفسه الذي غادر فيه بن علي تونس. أعيد توزيع الموظفين على وسائل إعلام حكومية أخرى.
30. مقابلة مع الكاتبة، كانون الأول/ديسمبر 2011.
31. المصدر السابق.
32. المصدر السابق.
33. المصدر السابق.
34. المصدر السابق.
35. المصدر السابق.
36. المصدر السابق.
37. Reporters without Borders, World Press Freedom Index, 2011/2012, http://en.rsf.org/press-freedom-index-2011-2012,1043.html
38. تقرير الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، الملخص التنفيذي، ص 18-29.