المصدر: Getty
دراسة

بين نارين: مكابدات الإسلاميين في تونس

للمضي قدماً بتونس، يتعيّن على القوى الإسلامية والعلمانية أن تعالج المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تولّد الاضطرابات والمتطرّفين الغاضبين في البلاد.

نشرت في ٢٧ يناير ٢٠١٤

تصارع تونس عدم الاستقرار والتوترات الاجتماعية والانقسامات الإيديولوجية بعد مرور ثلاث سنوات على إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي عبر انتفاضة شعبية. غير أن البلاد تحرز تقدّماً على طريق الديمقراطية. فقد عقد الساسة الإسلاميون والعلمانيون اتفاقاً يمكن أن يعيد عملية الانتقال الديمقراطي في تونس إلى مسارها الصحيح. ولكي يتم ترسيخ المكاسب التي تحقّقت وضمان أن يتردّد صدى التجربة التونسية الناجحة في أنحاء العالم العربي، ينبغي التصدّي للصراعات الاجتماعية والاقتصادية التي تغذّي الاحتجاجات والتطرّف. 

انقسامات عميقة

  • توصّلت القوى السياسية الإسلامية والعلمانية تخندق علماني الرئيسة في تونس إلى اتفاق عام بشأن القواعد المؤسّسية لاستكمال عملية الانتقال الديمقراطي.
     
  • يعدُّ الاتفاق انتصاراً كبيراً للبراغماتية على السياسة المثيرة للخلاف والانقسام. وقد تطلّب من الأطراف السياسية الفاعلة، والتي لم تكن تثق ببعضها بشدّة، التغلّب على عداواتهم وإبرام اتفاقات غير إيديولوجية .
     
  • التوتّر بين الحقوق الفردية والدينية، لا المبادئ السياسية المتنافسة للحكومة، هو الذي يغذّي الصراعات السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين.
     
  • تتفاقم التوتّرات بين الإسلاميين والعلمانيين بسبب صعود السلفية، التي هي شكل أكثر محافظة وتعصّباً من الإسلام السياسي الذي تنادي به حركة النهضة، والتي تولّت زعامة الحكومة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2011 وحتى كانون الثاني/يناير 2014.
     
  • عرقل الاقتتال السياسي في صفوف حركة النهضة وقلّة الخبرة التي تعاني منها جهود الحكومة لوضع وتنفيذ استراتيجية تهدف إلى الحدّ من معدّلات البطالة والفوارق الاقتصادية بين المناطق الداخلية الفقيرة والمناطق الساحلية الأكثر تقدّماً في البلاد.
     
  • أدّى الفشل في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في تونس إلى تعميق الفجوة بين الشعب والسياسيين وساهم في صعود السلفية المتطرّفة في المناطق الأكثر بؤساً من الناحية الاقتصادية في البلاد.

الآثار المترتبة على مستقبل تونس

الاقتصاد هو مفتاح الحلّ. تحتاج الحكومة المؤقتة لإيجاد الوسائل اللازمة لتمويل الميزانية وتوفير الاستثمارات الموجّهة إلى المناطق الأكثر اضطراباً وتهميشاً في البلاد. فالإقصاء الاجتماعي والحرمان من الحقوق الاقتصادية للمجتمعات المحلية في المناطق الداخلية والحدودية يغذّي الاضطرابات الاجتماعية والجريمة والمتشدّدين الساخطين.

ينبغي التعجيل بإصلاح القطاع الأمني. التأهيل المهني لوزارة الداخلية وأجهزة الأمن الداخلي وقطاع العدالة ضروري لكسب ثقة المواطنين ووقف تدهور القانون والنظام. وبالتالي يجب أن تكون هذه المؤسّسات أكثر عرضة إلى المساءلة وأكثر شرعية.

الحاجة إلى الدعم الخارجي. يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الذين لهم اهتمام مباشر في تونس تشجيع الإصلاحات في القطاعين الأمني والاقتصادي. ومن خلال حشد الاستثمارات وتوفير الدعم المالي لجهود التنمية، يمكن لشركاء تونس الغربيين تعزيز إيجاد فرص العمل في المناطق الأكثر تهميشاً في البلاد.

مقدمة

بعد ثلاث سنوات من إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي، لاتزال تونس تعرج على الطريق الملتوي نحو الديمقراطية. فقد تسبّب اغتيالان سياسيان مثيران وتفجير انتحاري ومواجهات عدة فتاكة بين المتشدّدين السلفيين والأجهزة الأمنية في تشويه العام 2013. وأثار تفاقم انعدام الأمن سخط الجمهور، وسمّم المناخ السياسي، وأدّى إلى حالة استقطاب حاد في المجتمع. وفي ظل هذا الواقع، بدت الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني عالقة في حلقة مفرغة من الاتّهامات المتبادلة والمناورات وانعدام الثقة.

في خطوة أولى مهمة تهدف إلى حلّ الأزمة التي تشلّ البلاد منذ تموز/يوليو، غداة اغتيال السياسي اليساري محمد براهمي، توصّلت القوى السياسية الرئيسة في نهاية العام 2013 إلى اتفاق عام بتوسّط الاتحاد العام التونسي للشغل حول القواعد المؤسّسية اللازمة لاستكمال عملية الانتقال الديمقراطي. اختار شهر كانون الثاني/يناير ليكون المهلةَ لوضع اللمسات الأخيرة على الدستور الجديد واختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وقد مهّدت هذه الخطوة الطريق لاستقالة الحكومة التي يقودها حزب النهضة الإسلامي المعتدل في 9 كانون الثاني/يناير والاستعاضة عنها بحكومة انتقالية بقيادة مهدي جمعة، التكنوقراطي المستقل ووزير الصناعة السابق.

وهكذا، يبدو أن أشهراً صعبة من المساومات خلف الكواليس بين قادة أكبر حزبين سياسيين في تونس بدأت تؤتي أكلها. ويعود الفضل إلى راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الذي يبلغ الثالثة والسبعين، والباجي قائد السبسي، رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب نداء تونس العلماني، والذي يبلغ السابعة والثمانين، في إنجاز الإطار الواسع الذي أدّى إلى عقد الصفقة بين الإسلاميين ونحو نصف أحزاب المعارضة.1 

قد يكون هذا اتفاقاً تاريخياً بين العدوين اللدودين: الإسلاميين والعلمانيين. فقد اعترف السبسي ومعه المعتدلون في المعسكر العلماني بأن الإسلام السياسي يشكّل واقعاً اجتماعياً وسياسياً، وأن الفوضى السياسية والاضطرابات الاجتماعية ستكون بديل الحوار والتوافق. وأدرك الغنوشي وغيره من الإسلاميين المعتدلين أن حزب النهضة سيكون أفضل حالاً إذا تم استكمال عملية الانتقال الديمقراطي بسرعة وتسليم السلطة إلى حكومة مستقلّة مؤقّتة. وبعد مناقشات داخلية ساخنة داخل الحزب حول شروط التسوية، فاز الخط المعتدل والتوافقي على الاستراتيجية الصدامية التي كان يميل إليها جزء لابأس به من قاعدة نشطاء حزب النهضة والذين يرون المفاوضات على أنها صراع حياة أو موت.2 

غير أن تونس لاتزال تعاني من صعوبات ومخاطر جمّة على الرغم من التحسّن الذي شهده الوضع السياسي فيها. فلاتزال هناك العديد من التحدّيات التي تنتظرها، ولعلّ أصعبها هي الصراعات الاجتماعية والاقتصادية التي تغذّي الاحتجاجات والتشدّد. فخلال السنوات الثلاث الماضية، لم تفكّر الحكومة، التي كانت منهمكة في الصراع السياسي والتوتّرات الإيديولوجية، بصورة جدّية في كيفية معالجة معدّلات البطالة والفوارق الاقتصادية بين المناطق الداخلية الفقيرة وبين المناطق الساحلية الأكثر تطوراً في البلاد. وقد تسبّب انعدام خبرة الحكومة المنتهية ولايتها بقيادة الإسلاميين في الحكم، والإضرابات المتتالية في البلاد، والنمو الاقتصادي الهزيل في أوروبا، في توسيع الضائقة الاقتصادية في تونس، وهو ما أسفر عن عواقب وخيمة.

عمّق الفشل في تحسين الوضع الاقتصادي والحدّ من التهميش الاجتماعي والاقتصادي الهوّة بين مؤسّسات الدولة وبين فئة الشباب.3  كما كان هذا الفشل أحد أسباب لجوء البعض إلى السلفية المتشدّدة في المناطق الأكثر بؤساً اقتصادياً في البلاد. وفي الضواحي الفقيرة في المدن الكبرى والمناطق الخارجية الفقيرة من البلاد، تنخرط أقلّية صغيرة من السلفيين أكثر فأكثر في أنشطة التهريب والإجرام واللجوء إلى استخدام العنف، وهو قد يشكّل خطراً كبيراً على الأمن والاستقرار في تونس.4 

لكي تتعامل مع مشكلة السلفية المتشدّدة، يتعيّن على الحكومة التونسية القيام بإصلاح قطاع الأمن ومعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الناس إلى المواقف المتطرّفة. وقد قصّرت حكومة حزب النهضة في كلتا الحالتين. إذ كانت استراتيجيتها تجاه السلفيين المتشدّدين متناقضة وغير متّسقة. وأدّى ذلك إلى تصدّع الحركة الإسلامية وجعل التسوية السياسية مع المعارضة في غاية الصعوبة.

ستواجه الحكومة الجديدة أيضاً الكثير من الضغوط لمواجهة السلفيين المتشدّدين. وسيكون اللجوء إلى الحزم ضرورياً للتخلّص من المتطرّفين الأكثر خطورة. غير أن اتّباع مقاربة أمنية بحتة ينذر بزيادة التشدّد والمواجهة مع مؤسّسات الدولة. إذ يكمن التحدّي الآن بالنسبة إلى مهدي جمعة وحكومته في كيفية استعادة سلطة الدولة من دون الوقوع في فخّ ردّ الفعل المبالغ فيه، وانتهاك حقوق الإنسان، والقمع العشوائي.

لاشك أن البراغماتية والتوافق أفادا تونس. لكن، إذا ما أرادت الحكومة الحالية أن تنجح في استعادة الأمن وتحقيق الاستقرار السياسي، وتوجيه البلاد نحو تعزيز الديمقراطية، فإنها تحتاج أيضاً للحصول على مساعدة عاجلة من شركائها الدوليين.

خطوط صدع قديمة

أعطى تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة حزب النهضة وحزبين علمانيين في العام 2011 سبباً للأمل في أن تتجاوز الحياة السياسية التونسية عقوداً من العداء المرير بين الإسلاميين والعلمانيين. فقد برع نظاما الحبيب بورقيبة، الذي ظلّ رئيساً حتى العام 1987، وزين العابدين بن علي، الذي أطيح به في العام 2011، في استغلال وتسخير خوف العلمانيين من الإسلاميين باعتباره الآلية الرئيسة لممارسة الرقابة الاجتماعية وإدامة حكمهما الاستبدادي.

تسيّست الحركة الإسلامية في تونس في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ومن ثمَّ تمأسَسَت في العام 1981 تحت راية "حركة الاتّجاه الإسلامي". وعندما تولّى بن علي، الجنرال السابق في الجيش ووزير الداخلية، السلطة من بورقيبة الذي كان قد هرم ووعد بفتح النظام السياسي أمام مزيد من المنافسة والديمقراطية، سعى الإسلاميون - كانوا قد أصبحوا حركة جماهيرية بحلول العام 1988 – إلى الحصول على الاعتراف القانوني باسم حزب النهضة.5  كتب محلّل شؤون الشرق الأوسط مايكل كوبلو: "كما اتّضح فيما بعد، لم يتحمّل زين العابدين بن علي والدولة التونسية إمكانية وجود معارضة إسلامية قوية، ولاسيّما حكومة إسلامية في مرحلة ما".6  تراجع الساسة العلمانيون، وهم الذين كانوا في البداية يدعمون انفتاح النظام السياسي، عندما ظهرت جاذبيتهم الانتخابية المحدودة على حقيقتها في الانتخابات البرلمانية لعام 1989. وعلى الرغم من ظهور مزاعم بالتزوير، تمكّن الإسلاميون، الذين ترشّحوا وخاضوا الانتخابات على قوائم المستقلين، من الحصول على ثاني أعلى عدد من الأصوات (17 في المئة) بعد الحزب الحاكم. وتراوحت حصتهم في بعض المدن الكبيرة بين 25 و30 في المئة.7  كان ذلك يمثّل نقطة تحوّل، وبشّر بقرب فترة طويلة من القمع ضد النهضة. وبالتالي فقد أمضى عدد من أعضاء الحزب، بمن فيهم الغنوشي، جلّ وقتهم في المنفى في أوروبا.

على غرار بورقيبة، صوّر زين العابدين بن علي الإسلاميين باعتبارهم رجعيين خطرين تلاعبوا بالرموز الدينية لاستغلال سذاجة الفقراء وغير المتعلمين والمضلَّلين. وقد جرى تصوير الإسلام في وسائل الإعلام باعتباره بضاعة أجنبية مستوردة وخطراً داهماً على الروح الوطنية. بيد أن أفكار الإسلاميين ومفاهيمهم كانت حصيلة الوعي المحلي، وقد تجلّت دائماً، إمّا بشكل مستقلّ أو بالاشتراك مع آخرين، غير أن الدعاية الرسمية أنكرت ذلك.

سخر كلا الرئيسين من الفكرة القائلة إن هناك في الواقع ألواناً مختلفة من الإسلام السياسي. كان ينظر إلى الإسلام السياسي الإصلاحي، من النوع الذي ينادي به حزب النهضة، باعتباره تناقضاً لفظياً. في نظر نظامي بورقيبة وبن علي، لم يكن هناك سوى إسلاميون رجعيون عقائديون ومتطرّفون يمارسون العنف، ولاوجود لإصلاحيين وسطيين. وكان يجري الطعن في الإسلام السياسي بوصفه إيديولوجية بغيضة لاتصلح للحياة السياسية وتستحق أن تبقى أسيرة الغموض والتهميش. 

وبدافع الخوف من حدوث تغيير اجتماعي جذري ووقوع أعمال عنف إذا وصل الإسلاميون إلى السلطة، اختارت شريحة لايستهان به من النخبة العلمانية في عهد بن علي أن تحتمي بالسلطوية، وأن تلتزم بقواعد النظام بدلاً من المخاطرة بالقيام باندفاعات غير منضبطة نحو الدمقرطة. فقد كتب المحلل السياسي التونسي توفيق مديني قائلاً إن هذا الخوف من الإسلام هو الذي حدا ببعض العلمانيين إلى التغاضي عن محاولات بن علي لاجتثاث الساسة الإسلاميين من تونس.8 

أعقبت فترة من الهدوء النسبي ثورة كانون الثاني/يناير 2011 التي أدّت إلى إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي وانتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2011 التي فاز فيها حزب النهضة بأكبر عدد من المقاعد في الجمعية التأسيسية التي صاغت الدستور. لكن سرعان ماظهر الخوف من الإسلام في أوساط البعض ممن يصنّفون أنفسهم كعلمانيين. وقد عمل التوتّر بشأن الحرية في مقابل الإجراءات التنظيمية، أو الإيديولوجية في مقابل البراغماتية، على تشكيل طبيعة الحياة السياسية في تونس مابعد الثورة.9  ويتجادل الإسلاميون والعلمانيون باستمرار حول النماذج الاجتماعية للحياة التي يريدون الحفاظ عليها أو الترويج لها. ويخشى كل فريق من أن أساليبه الفردية في الحياة (القواعد الأساسية للباس والعادات الغذائية مثل استهلاك الكحول وما إلى ذلك) قد تكون عرضة إلى الخطر في ظل غياب الضمانات الدستورية المطلقة للحريات الفردية والحقوق الدينية. في هذه المناقشات، تحتلّ مبادئ الحقوق السياسية مكاناً أقلّ بروزاً. فقد كتبت مليكة زغال من جامعة هارفارد قائلة: "تمحورت السياسة حول التساؤلات المتأصلة والملازمة للعقيدة والسلوك أكثر منها حول (نماذج) أو خطط إقامة نظام اجتماعي وسياسي".10  وبعبارة أخرى، المبادئ السياسية المتنافسة في الحكم أو الاختلافات بشأن العقد الاجتماعي المناسب، ليست هي من يغذّي الحرب السياسية التي نشهدها بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

سرعان ماعادت خطوط المعركة القديمة التي تضرب جذورها بعمق حول دور الدين في الحياة العامة ومفهوم الحرية والقيم إلى الظهور، بعد فترة الهدوء القصيرة التي أعقبت الثورة، حيث انخرط العلمانيون والإسلاميون في جدل حول معاني وحدود تلك المبادئ. أراد المعسكر الحداثي، كما يحلو لغير الإسلاميين أن يشيروا إلى أنفسهم، تحرير حرية الرأي والتعبير تماماً باستثناء المظاهر التي يعتقدون أنها تمثّل تعدّياً على أنماط حياتهم الفردية أو تعمل على الترويج لأسلمة المجتمع. وعلى سبيل المثال، صُدمَ العديد من النُخَب عندما طالبت الطالبات بحقهن في ارتداء النقاب في حرم جامعة منوبة في نهاية العام 2011. وقد اعتبر هذا التصرف بداية حملة متعمّدة لتدمير القيم التقدمية لتونس الحديثة.

أيّد الإسلاميون أيضاً حرية التعبير التي تحمي الحقوق السياسية وتحرّر المؤسّسات الدينية والخطاب الديني من سيطرة الدولة. غير أنهم كانوا متشكّكين بشدة من المشروع العلماني للمجتمع، والذي وصفه الغنوشي زعيم النهضة بأنه سلطوي دافعه الرغبة في استبعاد الدين من الحياة العامة والسياسة.11  وهكذا على غرار العلمانيين، أراد كثير من الإسلاميين فرض ضمانات دستورية مناسبة لمنع تهميش الدين، والترويج لحرية الكلام أو التعبير المهينة من الناحية الدينية.

زاد اندلاع العديد من الخلافات حول مدى حرية التعبير من مشاعر انعدام الثقة بين الإسلاميين والعلمانيين، واستعرت الحروب الثقافية التي لاتزال تعوق عملية الانتقال الديمقراطي. فقد ضغط بعض أعضاء حزب النهضة، على سبيل المثال، من دون جدوى لتجريم التجديف. ولجأ البعض الآخر إلى القضاء لمعاقبة ما اعتبروه سلوكاً يشكّل جريمة ضد الدين. وعلى سبيل المثال، صدر أمر لمدير مجلة "التونسية" يوم 8 آذار/مارس 2012، بدفع غرامة لنشره صورة امرأة عارية على صفحة الغلاف في المجلة. كما تم استهداف العديد من الفنانين أيضاً بسبب الإساءة للأخلاق العامة.

حاولت قيادة النهضة النأي بنفسها عن هذه الخلافات، غير أن ذلك عرّض الحركة إلى انتقادات العلمانيين الذين اتّهموها بالخضوع إلى ضغوط من جناحها اليميني ومن السلفيين.

النهضة والعلمانيون

بغرض تهدئة المخاوف، حاول كلا المعسكرين التفاوض من أجل التوصل إلى إطار قانوني يوفّر ضمانات كافية للحريات المدنية وحقوق الإنسان والحريات الدينية. وللأسف، فإن سلسلة من الحسابات المخطئة والأحداث الصادمة عزّزت شُقّة الخلاف بين العلمانيين والإسلاميين.

تنازلات وعثرات

بمجرّد وصولها إلى السلطة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر 2011، أتيحت الفرصة لحركة النهضة لوضع التزامها النظري بالديمقراطية موضع التطبيق. بيد أن افتقارها إلى الخبرة في الحكم، والانقسامات الداخلية التي كانت تعاني منها، وغموضها حيال العلاقة بين الدين والدولة، عقّدت جهودها لطمأنة خصومها غير الإسلاميين.12 

أراد الحزب تحرير الدين من سيطرة الدولة، لكنه أصرّ في الوقت نفسه على ضرورة أن تنخرط الدولة في تنظيم الدين. وقد أتاح هذا التركيز على مركزية الدين في النظام السياسي لحركة النهضة فرصة الدفاع أمام أنصارها عن التزامها بإقامة دولة مدنية تكون ديمقراطية بالفعل لكنها ليست منفصلة عن الدين.

مع ذلك، أدّت هذه الرغبة في التشريع على أساس المرجعيات والقيم الدينية، في أثناء الحكم، إلى خلق حالة من التوتّر.13  إذ فاقم موقف النهضة حول دور الدين في الحياة العامة، في حدّه الأقصى، مخاوف العلمانيين إزاء دوافع الإسلاميين "الشرّيرة". وأسفرت المناقشات داخل الحزب حول إضفاء الطابع الدستوري على الشريعة، ومأسسة التكامل بين الرجل والمرأة، وتجريم التجديف، عن تصعيد حدّة صدامات النهضة مع العلمانيين إلى مستوى لامجال لتسكينه. أصدرت حركة النهضة مشروع قانون يدعو إلى العزل السياسي لكبار أعضاء الحزب الحاكم السابق وإجراء تغييرات في موظفي القطاعين الأمني والقضائي، فسّرها معارضو الحزب باعتبارها دليلاً إضافياً على تصميم الإسلاميين على السيطرة على المفاصل الرئيسة للدولة وفرض إيديولوجيتهم المتطرّفة على المجتمع.

في المقابلات التي أجريت معهم، اعترف العديد من أعضاء البرلمان من حزب النهضة أنهم ارتكبوا بعض الأخطاء، غير أنهم أصرّوا على أن الحزب يحكم ضمن ائتلاف مع حزبين علمانيين(التكتّل والمؤتمر من أجل الجمهورية)، وأن لها سجلاً حافلاً من السعي إلى التوصّل إلى الحلول الوسط والتوافق في الآراء بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية. كما أكّدوا أن الحزب عارض محاولات بعض أعضائه تجريم التجديف وإضفاء الطابع الدستوري على الشريعة، ورضخ جزئياً بشأن تفضيله لإقامة نظام حكم برلماني.

قدّمت حركة النهضة تنازلات بهدف المساعدة على كسر الجمود.14  فقد وافقت على التنازل عن الوزارات الرئيسة لتكنوقراط مستقلّين بعد أن جندَلَ الرصاص الزعيم العلماني شكري بلعيد يوم 2 شباط/فبراير 2013. وخلال حوار وطني بدأ في تشرين الأول/أكتوبر 2013، وافقت الحركة على مطالب المعارضة بتسليم مقاليد السلطة إلى حكومة تصريف أعمال مستقلّة من التكنوقراط، شريطة أن تحصل على ضمانات بأن قواعد اللعبة السياسية لن تستخدم ضدّها.15  كما وافقت النهضة على أن تُرسَّخ في الدستور الجديد ضمانات بحرية الوجدان، ومجموعة واسعة من الحقوق للمرأة، إضافة إلى حظرٍ ضد الاتهامات بالارتداد عن الدين والدعوة إلى العنف. بيد أن تقديم أي تنازلات أخرى كان سيعتبر انتحاراً سياسياً. وفي مقابلات أجريت معهم في آب/أغسطس، عبّر العديد من ممثلي النهضة في البرلمان عن خوف حقيقي من أن البلاد ستعود إلى النظام القمعي السابق. كان العديد منهم على قناعة بأن العلمانيين مصمّمون على سحقهم.16 

أحبط العنف السياسي والنشاط الإرهابي الدراماتيكي محاولات النهضة لتخفيف حدّة التوتّرات. فقد تم توقيت حالات العنف لتتزامن مع مناسبات سياسية فارقة. في 2 شباط/فبراير 2013، اغتيل السياسي العلماني المعارض شكري بلعيد، في الوقت الذي وصلت فيه المحادثات الرامية إلى توسيع الائتلاف الحاكم إلى مرحلة متقدمة، واكتسب قانون مثير للجدل يهدف إلى حظر النظام السابق زخماً سياسياً في الجمعية التأسيسية. وجاءت حادثة الاغتيال السياسي الثانية في 25 تموز/يوليو للسياسي اليساري محمد براهمي أيضاً في لحظة حاسمة في عملية الانتقال الديمقراطي الصعبة في تونس. كانت البلاد تحتفل بعيد استقلالها السادس والخمسين وكان ساستها على أعتاب تذليل العقبات النهائية للتوصّل إلى صفقة دستورية تاريخية.17  وصادف مقتل ستة من رجال الحرس الوطني يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر الذكرى السنوية الأولى لأول انتخابات حرّة ونزيهة في تاريخ البلاد، وبداية الحوار الوطني.

نُسبت أعمال العنف إلى قوى مختلفة. فقد ألقى الرئيس منصف المرزوقي، وهو علماني معتدل مدافع عن حقوق الإنسان، باللائمة علناً على القوى المعادية للثورة داخل البلاد وخارجها في إثارة الفوضى واستغلال الجماعات السلفية الجهادية.18  وفي مقابلتين أجريتا معهما، بدا عضوان في الجمعية التأسيسية عن حزب النهضة مقتنعَيْن بأن النظام القديم استغلّ سلفيين عنيفين لارتكاب أعمال عنف.19  وأشار آخرون إلى أيدٍ أجنبية، وخاصة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والجزائر، وجادلوا بأن تلك القوى استخدمت أو اخترقت التنظيمات السلفية لزرع الاضطرابات وزعزعة استقرار عملية الانتقال الديمقراطي.20  ومع ذلك، اتّهم كثيرون في المعارضة حركة النهضة إما بالتهاون في مسألة الأمن أو بالتواطؤ المباشر مع المتطرّفين الدينيين، ورفضوا التنازلات التي قدمتها باعتبارها مناورات مخادعة للتمسّك بالسلطة.

وسواء كان من قبيل الصدفة البحتة أم لا، فإن العنف يثير المخاوف من أن المخرّبين مصمّمون على عرقلة آخر عملية انتقال ديمقراطي جارية في العالم العربي.

تخندق علماني

قبل اتفاق الحلّ الوسط الذي تم التوصل إليه في 14 كانون الأول/ديسمبر 2013، والذي يقضي بحلً الحكومة التي تقودها حركة النهضة وتشكيل حكومة انتقالية بزعامة مهدي جمعة، بدا أن الرغبة في دحر الإسلاميين بالنسبة إلى بعض الساسة العلمانيين قد حلّت محلّ المخاوف من الانزلاق إلى فوضى سياسية أو العودة إلى النظام الاستبدادي السابق.

منذ اغتيال براهمي في تموز/يوليو الماضي وإطاحة الجيش جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تصلّبت مواقف المعارضة العلمانية في تونس إلى حدّ كبير. وعلى الرغم من أعدادهم الصغيرة، بدا أن الأكثر راديكالية من المعارضين مسيطرون وأظهروا لجوءً غريزياً مزعجاً إلى دوافع غير ديمقراطية. تجلّى ردّ الفعل السلطوي هذا في الاعتماد الإجباري على العناصر المعادية للإسلاميين في قوات الأمن وقوى الدولة السابقة في حقبة ماقبل الثورة.21  وبسبب عدم قدرتهم على تجنيد الجيش في إزاحة حكم الإسلاميين، كان البعض في النخبة العلمانية يأمل في أن يرى انقلاباً ينبثق من داخل وزارة الداخلية والشرطة الوطنية.

في مقال افتتاحي في صحيفة "لوموند"، حذّرت مجموعة من الأكاديميين التونسيين والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني من أن اللعبة الخطيرة التي تمارسها النخبة السياسية تنذر بسحق الثورة. وشبّه كاتبا المقالة دور النخبة بدور رجال الإطفاء المهووسين بإشعال الحرائق. فقد أجّجوا الأزمة، ومن ثمَّ دخلوا على عجل وبأيديهم حلّ ثوري يعزّز مصالحهم ويقدّمها على ماسواها.22 

ظنَّ الساسة العلمانيون أن الإيديولوجية المعادية للإسلاميين ربما تكون كافية لكسب أصوات بعض من خاب أملهم بحكم النهضة. بيد أن مطالب الحدّ الأقصى من جانب أقلية متشدّدة لكنها صريحة، أفضت إلى خلق انقسامات داخل المعارضة العلمانية. وخلّفت المعارضة المنهجية للجهود الواقعية التي قادتها أقوى النقابات ومجموعات الأعمال لحلّ الأزمة السياسية انطباعاً بأن بعض العناصر في المعسكر العلماني كانت منشغلة بالتركيز على الإسلام السياسي باعتباره عدواً لدوداً أكثر من انشغالهم بنجاح الحوار الوطني.23

ظهور أشكال متنافسة من التديّن

كان الإسلاميون منقسمين أيضاً. فقد كانت طفرة المدّ السلفي في الحياة العامة أحد العوامل الرئيسة التي أدّت إلى تصاعد حدّة التوتّر في تونس مابعد الثورة، إضافة إلى الانقسامات الداخلية في حركة النهضة حول كيفية التعاطي مع تلك الظاهرة التي يرى معظم التونسيين أنها تشكّل تهديداً للأمن وعملية الانتقال الديمقراطي.

تاريخ من الصراع

على مدى عقود، شكّل الصراع الإيديولوجي بين الإسلاميين وبين السلفيين، جزءاً عضوياً من مناقشات الإسلاميين التونسيين. بالنسبة إلى الإسلاميين الإصلاحيين، كان السلفيون يمثّلون على الدوام تحدّياً نظرياً وإيديولوجياً وكذلك عائقاً أمام مشروعهم السياسي. وقد ظهرت القطيعة بين التيارين بصورة علنية في المعارك المذهبية والأخلاقية والسياسية التي قادها راشد الغنوشي ضد السلفيين من منفاه في إنكلترا.24 

لطالما افترض الإسلاميون أن الإيديولوجية الإسلامية الإصلاحية قدّمت حلاً لحالة القلق والاضطراب التي عانت منها تونس في ظل حكم بن علي. فقد أدّت السياسة التي اتّبعها الرئيس السابق في نزع الطابع السياسي والطابع الإسلامي عن المجتمع، جنباً إلى جنب مع التناقضات التي انطوت عليها سياساته في مجال التنمية الاقتصادية، إلى خلق أزمة اجتماعية كان لها تأثير عميق ومربك على الكثير من التونسيين. فقد أصيب معظم الشباب بالإحباط نتيجة التحوّلات الاجتماعية المؤلمة الناجمة عن المخاطر الأخلاقية للعولمة، واتّباع نظامهم سياسات عامة بعيدة عن الممارسات الأخلاقية والمساءلة والعدالة الاجتماعية.

كان أعضاء حزب النهضة يعتقدون أن جاذبية (كاريزمية) الغنوشي وتوظيفه لسرديّة إسلامية ديمقراطية، سيجذب المهمّشين والمحرومين اجتماعياً. وكان حزب النهضة يعتقد، باعتباره عنصراً في التنشئة الاجتماعية السياسية والإيديولوجية، أن الدخول إلى الإسلام السياسي كان يمرّ بصورة طبيعية عبر حركتهم. وكان حزب النهضة يأمل بأن تسترعي محاولاته لترشيد منظومة القيم والقواعد والمعايير وتخصيص وظيفة عملية للفكر الإسلامي في السياسة الانتباه في بيئة اجتماعية متباينة أكثر فأكثر.

ومع أن هذا كان صحيحاً إلى حدّ كبير، إلا أن حركة النهضة خسرت قاعدتها في أكثر المناطق المهملة في البلاد في سياق جهودها لبناء مفهوم إيديولوجي عملي وقادر على مخاطبة قطاعات واسعة في المجتمع. إذ يصوّر العلمانيون حزب النهضة باعتباره تجسيداً للطبقات الدنيا الفقيرة والمُعَرَّبة، غير أن أنصاره في معظمهم متعلمون وحضريون.25  وخلال السنوات العشرين التي أمضاها بعيداً عن المشاركة في الحياة السياسية، حاول حزب النهضة طمأنة الطبقة الوسطى ومنتقديه من العلمانيين أنه لايملك أجندة دينية متطرّفة أو خطة اقتصادية لإعادة توزيع الثروة. وقد أدّت هذه المحاولة إلى حدوث انفصال بين الحزب وبين المجتمعات الفقيرة التي كان يدّعي أنه يمثّلها. 

فقد الحزب بعضاً من احتكاره للنشاط الاجتماعي الديني لأنه سارع إلى النجاة بنفسه من حملة القمع القاسية التي مارستها الدولة ضده في عهد بن علي، وماصاحب ذلك من ظهور أشكال جديدة من التديّن والإنتاج الإيديولوجي. إضافة إلى ذلك، أجبرت القيود التي فرضها المنفى القسري الحزب على إخلاء الميدان لأشكال أخرى ناشئة من الشعبوية الدينية التي استفادت من تعمّق الشعور بالضيق الاجتماعي والفراغ الإيديولوجي الواسع.

ونتيجة لذلك، نشأ جيل جديد من التونسيين الساخطين ممن لم يتعرّفوا على النهضة إلا لماماً. ووجد البعض ممن كانوا أكثر شعوراً باليأس وعدم الأمان في السلفية والهياكل الاجتماعية ملاذاً آمناً من الاضطرابات الاجتماعية والأخلاقية.

الوجوه المتعدّدة للسلفية

السلفية تقليد فكري سنّي يوفّر فهماً اصطفائياً لعلم التوحيد، وليست قوة متجانسة. ويدعو السلفيون إلى المعتقدات الدينية نفسها، حيث تتمثّل أهداف كل التيارات السلفية في فرض الشريعة الإسلامية والقضاء على السلوك الملحد وإقامة دولة إسلامية في تونس. غير أن استراتيجياتها مفصّلة وفقاً للاحتياجات والظروف الفردية الخاصة. واعتماداً على البيئة المحلية والدولية، يمكن أن تتّخذ السلفية أشكالاً مختلفة، بدءاً من النشاط الدعوي السلمي والتصوّف السياسي وانتهاء بأعمال الرقابة الأخلاقية العنيفة والصراع المسلح. في عهد زين العابدين بن علي، كانت قلّة من الناس تمارس السلفية، والتي كانت تتألف من تيارين أساسيين: السلفية العلمية غير السياسية والسلفية الجهادية السياسية.

استندت السلفية العلمية (السلفية النصّية) إلى فهم حرفي للإسلام، وكانت ترتبط بشكل وثيق بعلماء السعودية. وتتميّز بأنها سلمية وغير صدامية تجاه النظام. وقد تجنّب أتباعها عالم السياسة "الملحد"، وركّزوا بدلاً من ذلك على الأعمال الدعوية الأكثر إشباعاً وتجاوباً بالنسبة إلى عقيدتهم. إذ لن يتحقّق النموذج النبوي من الخبرة السياسية إلا عندما يتم غرس الاعتقاد الصحيح في أذهان الناس وممارساتهم. كان السلفيون مولعين بتذكير أتباعهم بأن الأمر استغرق النبي محمد ثلاثة عشر عاماً من الدعوة الحليمة والمشاركة الاستراتيجية لإضعاف القاعدة الوثنية واكتساح المجال السياسي.26 

هذا التوجّه اللاسياسي لهذه النزعة السلفية، وفّر لها الحماية من غضبة الأجهزة الأمنية. وبسبب قلّة أعداد الدعاة العاملين فيها وأماكن التعلم المحدودة التابعة لها، لم تكن تتعرّض إلى مضايقات، طالما أنها كانت تتجنّب التحريض على الخلافات السياسية والفتن وأعمال العنف. وقد حظي هؤلاء السلفيون بطريقة ما بالتشجيع في تنظيم عملياتهم في أوساط القاعدة الشعبية من السلطات الرسمية نفسها التي قمعت الساسة الإسلاميين بقسوة.

في عهد زين العابدين بن علي، تحوّل عدد ضئيل من التونسيين الساخطين إلى هذا النوع من السلفية. تجمّعوا مع أصحابهم من المتدينين ذوي الميول المشتركة في حلقات علم ومقاهٍ ومساجد معينة في المناطق التي كانت مشاعر السخط تنتشر فيها على نطاق واسع، كالضواحي الشعبية في العاصمة (التضامن والانطلاقة)، والغرب الأوسط المهمل (سيدي بوزيد)، ومدن أخرى مثل بنزرت ومنزل بورقيبة ورادس والزهراء.27  وتجمّع آخرون عملياً في غرف الدردشة على شبكة الإنترنت أو غيرها من الأماكن على الإنترنت حيث تجاوزوا سيطرة النظام على المعلومات وتحايلوا على الرقابة التي كان يفرضها على المطبوعات والنشرات السلفية.28  وقد ساعدت هذه التجارب الافتراضية، بدعم من الدعاة المحليين ممن يتمتّعون بالجاذبية، على توليد مشاعر الهوية والتضامن. كما وفّرت الإطار الديني لفهم بيئتهم "الفاسدة".

شيئاً فشيئاً، أدّت هذه العقلية المغلقة القائمة على أساس ترابط المصير إلى تشكيل زمر صغيرة متطرّفة مصمّمة على تحدّي الوضع الراهن بالقوة وبالعنف في بعض الأحيان. غير أن هذا التيار الجهادي مرفوض من جانب السلفيين غير السياسيين ومعسكر الإسلاميين.

أصبحت الفضاءات الافتراضية هي الوسائل التي تم من خلالها الدخول في دائرة التطرّف العنيف. إذ حثّ الدعاة المتشدّدون ومن يعملون على تجنيد الجهاديين المسلمين على الدفاع عن معتقداتهم وقيمهم، عبر الانخراط في ساحات القتال بدعوى أن الإسلام محاصر. بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية والغزو الأميركي للعراق في العام 2003، استجاب العشرات من التونسيين لهذه الدعوات إلى العنف والتشدّد في الخارج، كما بدأ هؤلاء المجاهدون في "تطوير علاقاتهم مع أشخاص في الوطن الأم".29  

بسبب أجهزة الدولة القمعية، تم تنفيذ عمليات الجهاد العنيف في الخارج أساساً، وتحديداً في العراق. أما على المستوى المحلي، فقد تورّط الجهاديون السلفيون في الهجوم الإرهابي على جربة في 11 أبريل 2002، وكذلك في "قضية سليمان" في الفترة 2006-2007، التي كانت أول تهديد إرهابي خطير في تاريخ تونس.30

وهناك مجموعة أخرى من السلفيين لاتتفق تماماً مع التيار غير السياسي أو التيار الجهادي. معظم هؤلاء كانوا من الشباب العصاميين ممن تأثروا بالقنوات الفضائية.31  كانوا أكثر فردانية واستقلالية، وكانت لهم ميول اجتماعية وتوجهات سياسية مختلفة.

كان معظم المجنّدين السلفيين يتبعون، بالإجمال، نمطاً مماثلاً. كانت أعمارهم تتراوح بين ست عشرة وثلاثين سنة، وينحدرون من الأحياء المحرومة اجتماعياً نفسها، ويتميّزون بتدنّي مستوى التعليم، وضعف المعلومات الدينية الأساسية. كان هؤلاء في كثير من الأحيان من التجار والباعة المتجوّلين ممن لهم تاريخ في ممارسة وتجريب طائفة واسعة من الأنشطة غير المشروعة والإجرامية. وبعد أن أمضوا فترات في السجن، وجد بعضهم في السلفية قناة جديدة لإثبات الذات ومتنفّساً من التهميش الاجتماعي.32

السلفية بعد الثورة

لم تنبثق السلفية فقط مع مرحلة الغليان الثوري في العام 2011، على الرغم من أن غالبية السلفيين تجنّبوا السياسة وكانوا حذرين في ممارساتهم وأعمالهم قبل ثورة كانون الثاني/يناير 2011. بعد إطاحة بن علي المذهلة، رأى السلفيون أن هناك فرصة مواتية للتخلص من الحذر والدفع باتجاه تطبيق شريعة الله. فجأة ظهر بعض الشبان ممن تحوّلوا سراً إلى السلفية في عهد زين العابدين بن علي وكرّسوا أنفسهم لنشر أفكارهم. لابل حتى الجهاديين السلفيين دخول المعترك السياسي، فنبذوا استخدام القوة ونهوا عن اللجوء إلى العنف الجهادي في تونس الجديدة.

قام السلفيون بحملة سريعة وهائجة لإعادة تشكيل المشهد الديني والاجتماعي في تونس، بعد أن تم الإفراج عن المئات منهم وعاد العديد من المشايخ البارزين إلى تونس من ملاجئهم في أوروبا الغربية. وقد تجلّت هذه الصحوة الروحية في زيادة مساحة التديّن (الزي والطقوس المتميزة) واعتماد خطاب صارم (الخير مقابل الشر والمباح مقابل المحظور وهكذا دواليك).

أنشأ السلفيون الذين يلتزمون بالنصوص عدداً من الجمعيات الخيرية والمدارس لاستعادة عظمة الإسلام في المجتمع. وصعّدت الجمعيات التي تأسّست حديثاً ضغوطها على الحكام الجدد في تونس لاقتطاع دور أكبر للإسلام في السياسة.

غير أن الجهاديين السلفيين هم الذين جنوا أكبر فائدة من عملية الانتقال السياسي.

جاذبية السلفية الجهادية

استخدم الجهاديون السلفيون استراتيجية ذات مسارين في البيئة السياسية الجديدة، ووسّعوا قاعدة تأييدهم في الأحياء الحضرية الفقيرة من خلال النشاط الاجتماعي ونشر الفكر السلفي، وفي الوقت نفسه، كانوا يجنّدون التونسيين الساخطين في فرق جهادية عالمية تقاتل في الجزائر وسورية ومالي. وفي الداخل التونسي، وعدوا بعدم القيام بأعمال عنف ضد الدولة لأنها تخلّصت من الاستبداد وتوقفت عن قمع الدين. لكن بقي القتال واجباً فقط في الأماكن التي لاتزال شريعة الله فيها محاصرة والوعظ محظوراً.33 

بذل السلفيون جهوداً كبيرة في سبيل نشر فكرهم، حيث بدأوا نشاطهم في العديد من المساجد التونسية وأرغموا الأئمة والشخصيات الدينية التي فرضها النظام السابق على الخروج منها. ومن أصل 5 آلاف مسجد، خضع حوالى 1000 مسجد إلى سيطرة السلفيين المتطرّفين.34  وقد حوّل السلفيون أماكن العبادة هذه إلى أماكن يكيلون فيها الشتائم إلى شرور العلمانية والتغريب. وفي سياق حماسهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هاجم السلفيون الذين كانوا يأخذون القانون بأيديهم المعارض الفنية ودنّسوا الأضرحة وحرقوا محلات بيع الخمور. وفي بعض الأحياء التي كانت تخضع إلى هيمنتهم، ضغطوا على السكان لكي يتكيّفوا مع القواعد السلفية الأساسية الصارمة للسلوك. وفي حالات أخرى، شكّلوا فرقاً للآداب لفرض مجموعة من القواعد الخاصة بالقيود الأخلاقية، وخاصة اللباس والفصل بين الرجال والنساء.

في المناطق الحضرية الفقيرة التي تتميز بالقلق والضيق الاجتماعي والعزلة وارتفاع معدلات البطالة، نصّب السلفيون أنفسهم باعتبارهم مفوّضين بحفظ النظام ومروّجين للعدالة الشفافة. كما تطوّعوا لحلّ النزاعات الشخصية والقضايا المدنية الأخرى. وخلال الاضطرابات، نشروا رجالهم لحماية الممتلكات والمنشآت الاقتصادية الأساسية والمباني العامة والأملاك الخاصة.35  ولم يعد الجزء الذي كانوا يسيطرون عليه من الاقتصاد السري مجرّد وسيلة لكسب العيش بل أصبح أيضاً جزءاً من النظام والترابط الاجتماعي.

أكّد الجهاديون على أن التباين القائم بين نشاطهم وعملهم الخيري وعلاقاتهم الاقتصادية وبين الاستقطاب السياسي والجمود الحزبي الذي هزّ مؤسّسات الدولة، أضرّ بالاقتصاد وخلق اضطرابات اجتماعية. وقالوا إن أجنداتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية المتداخلة عزّزت الشعور بالترابط المشترك الذي تجاوز الخلافات التافهة والانقسامات السياسية المدمّرة.

استثمر الجهاديون بكثافة في مجال النشاط الاجتماعي، حيث وفّروا فرص العمل والتربية الإسلامية وقدّموا الصدقات إلى الفقراء ونظاماً بسيطاً للعدالة، وهو ماشكّل مقاربة ناجحة. فقد كتب تيم هويويل من هيئة الإذاعة البريطانية يقول إن "أحد المؤيدين الجدد للحركة انضم إلى صفوفها بعد أن عثر السلفيون على ممتلكات كانت سرقت من عقاره وأعادوها إليه".36 

ويمكن أن تعزى جاذبية الخطاب السلفي والنشاط الراديكالي إلى خيبة الأمل التي كانت تنتاب أقلّية صغيرة ولكن مهمة، من الشباب التونسي في المجتمعات الأكثر تهميشاً، في ظل عملية انتقال ديمقراطي سعت جاهدة إلى تلبية تطلعاتهم للحصول على فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويشعر معظم هؤلاء بالخذلان من العملية السياسية في فترة مابعد الثورة، والتي يرون أنها تخضع إلى هيمنة زمرة من السياسيين القدامى المصمّمين على استنساخ السياسات الاقتصادية الإقصائية نفسها التي كان يتبعها النظام القديم. إذ توفّر لهم السلفية وسيلة لتعزيز ميولهم السياسية والاجتماعية عبر أساليب ثورية.

تَعِدُ الجهادية السلفية الشباب باكتساب هوية فردية أصيلة وكرامة جديدة للردّ على التهميش والإقصاء الاجتماعي الذي يعانون منه. كما توفرّ لهم وسيلة للشهرة والمغامرة. اعتنق معظم المتحوّلين إلى السلفية بعد الثورة هذه السلفية الجهادية بسبب حماستها الثورية وتكتيكات المواجهة التي تتبعها في الشارع. فقد كتبت مونيكا ماركس، الخبيرة في الشؤون التونسية، قائلة إن السلفية الجهادية "ثقافة فرعية تمثّل شكلاً بديلاً من الاحتجاج السياسي ونمط حياة، ولكنها لاتعبّر عن نفسها بالضرورة من خلال استخدام العنف".37 

اكتسبت السلفية الجهادية جاذبية في المناطق الفقيرة لأنها قدمت أجندة حيوية ومتشدّدة تتناقض بصورة صارخة مع الأجندات الضعيفة والمتخاذلة لليسار والإسلام السياسي المحافظ جداً. كما أصبحت تقريباً ظاهرة نفسية لها أساطيرها الخاصة حول كيفية تصوّر التونسيين الذين يشعرون بالاغتراب لهوياتهم، وكيفية حصولهم على القبول في الأوساط الاجتماعية حيث يعبّرون عما يجيش في أنفسهم ويعزّزون روحانيتهم. بالنسبة إلى الأتباع، وفّرت هذه السوق الهامة بمبادئها وممارساتها طوق نجاة من الاضطرابات الاجتماعية ومن الإسلام المساوم الذي يوصي به الخطباء في المساجد التي تخضع إلى سيطرة الدولة.

صورت وسائل الإعلام السلفية الجهادية باعتبارها حركة موحّدة ومتجانسة، لكن الوقائع والأحداث على الأرض تظهر أن الحركة ممزّقة. فحتى عندما تتبنّى السلفية معايير اجتماعية وأنماط حياة معينة، يحجم بعض الجهاديين السلفيين عن الانضمام إلى هياكلها التنظيمية التي يرون أنها مثيرة للانقسام ومتناقضة مع التعاليم السلفية. ووفقاً لفرانشيسكو كافاتورتا وفابيو ميرون، فإنه منذ قيام الثورة، "يعمل عدد من المشايخ الصغار خارج أي هيكل تنظيمي ويقودون الجماعة (المحلية)، على النحو الذي يرونه مناسباً، معتمدين على آراء ومقترحات إيديولوجية من عدد من المصادر المختلفة، الوطنية والدولية على حدّ سواء".38  فكل جماعة لديها قيادتها الخاصة التي تضع استراتيجيات إرسال الرسائل وتجنيد الأنصار. وعادة مايكون المركز الأول في كل جماعة من نصيب قدامى المحاربين المتمرّسين على القتال من الذين قاتلوا في أفغانستان ومناطق الصراع الأخرى. كما يتولّى السجناء السابقون مناصب قيادية، لأنه ينظر إليهم باعتبارهم رموزاً للمقاومة وشخصيات ملهمة.39  وقد طرح انتشار هذه الجماعات مشاكل من حيث التنسيق والسيطرة، على الرغم من المحاولات التي جرت لإقامة نوع من التعاون غير الرسمي.

محاولة مأسسة الجهادية السلفية   

لم تتحوّل السلفية الجهادية حتى الآن إلى حركة متماسكة. والواقع أن المحاولة الوحيدة الجادة لممارسة العمل الجماعي المؤسّسي تمت على يد المجموعة السلفية المتطرّفة "أنصار الشريعة"، والتي صنّفتها الحكومة كتنظيم إرهابي في أيار/مايو 2013.

دافع أبو عياض، رئيس التنظيم، الذي ألقي القبض عليه في ليبيا في أواخر كانون الأول/ديسمبر، عن مسار الهيكلة الرسمي القائم على أساس ضرورات اللحظة. وهو يجادل بأن السلفية الجهادية نمت باطّراد وتضاعفت أضعافاً كثيرة ولذا فهي بحاجة إلى هيكلة وإدارة. وفي ظل عدم وجود تنظيم رسمي وهياكل تعبئة، توتّرت العلاقات بين مشايخ الجهاد وأتباعهم، وبالتالي فقد يؤدّي عدم وجود رقابة مركزية على الاستراتيجية والتنظيم إلى نتائج عكسية تؤذي الحركة. وثبت أن العنف العشوائي وغير المستهدف مكلف بالنسبة إلى الجهاديين السلفيين، حيث صَدَم معظم التونسيين، على سبيل المثال، واستعدى الدوائر المستهدفة، وشجّع الدولة على ممارسة القمع ضدهم.

وبهدف توسيع قاعدة أتباعها، رسّخت جماعة أنصار الشريعة نفسها باعتبارها جزءاً لايتجزأ من النسيج الاجتماعي في المناطق الفقيرة حيث تغيب سلطة الدولة، عبر التركيز على الأنشطة الخيرية وتوفير القانون والأمن. وقد سهّل ضعف سلطة الدولة، والإرباك والفوضى اللذين سادا في صفوف قواتها الأمنية بعد انهيار دكتاتورية بن علي، طموح التنظيم لخلق مساحات اجتماعية حيث يمكنه فرض النظام الاجتماعي والأخلاقي.40  فقد كان بن علي يعتمد على الشرطة وجحافل من المخبرين الذين يحصلون على رواتب لمراقبة المتطرّفين السلفيين والمعارضين السياسيين. وبعد إطاحته، تم حلّ هذه الشبكة من الجواسيس، وهو ما أدّى إلى فتح المجال أمام السلفيين للتعبئة والعمل. ووصل الأمر ببعض أفراد قوة الشرطة في جميع أنحاء البلاد إمّا إلى الانشقاق أو الإحجام عن ممارسة واجباتهم خوفاً من الانتقام أو المقاضاة بسبب وظائفهم السابقة في جهاز أمن بن علي المكروه. وكما أوردت مونيكا ماركس، فإن "الثورة قلبت هرم بن علي السلطوي، وعطّلت سلسلة هياكل القيادة على الصعيدين الوطني والمحلي".41

سوّقت جماعة أنصار الشريعة نفسها بقوة باعتبارها تنظيماً عقلانياً يلتزم بتعزيز رأس المال البشري. واستهدفت جهود التجنيد التي قامت بها التيار الثالث من السلفيين، أي المجموعة الشبابية التي لم تكن سياسية ولاجهادية. في العديد من الحالات، انتقد عياض النخب السياسية ورجال الأعمال بسبب فرضهم نموذجاً اقتصادياً مستورداً وفاشلاً على المجتمع. وقال، في أيار/مايو 2012، إنه لتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف الاقتصادي، فإن ثمّة حاجة إلى تغيير النظام المالي بصورة جذرية. ودعا عياض، كما لو كان يخوض حملة انتخابية، إلى تعزيز دور العمال من خلال إنشاء نقابات وجمعيات مراقبة إسلامية. ووضع الخطوط الأولية لتأمين فرص تنموية جديدة عبر إدخال أشكال مختلفة من السياحة المتفوقة أخلاقياً والأكثر ربحية من البدائل الحالية التي تلوّث الثقافات المحلية وتضرّ بالمجتمعات، وفقاً لما قال.42

على المقلب الآخر، عارض بعض السلفيين تماماً أي شكل من أشكال المأسسة. وهم يجادلون بأن هذا الأمر غير جائز بموجب العقيدة السلفية لأنه يقسم جماعة المؤمنين وينتهك مبدأ التوحيد المقدس (وحدانية الله). وثمّة أيضاً أسباب استراتيجية للمعارضة، لأن المأسسة تجعل السلفيين أهدافاً للقمع يسهل التعرّف عليها.

في مسعًى منها لردم هوَّة الخلافات بين النقيضين، تدعو مجموعة ثالثة إلى إنشاء "جمعية أكثر مرونة لها بنية هرمية واضحة يسيطر عليها المشايخ من كبار السن".43  بيد أن الحركة لاتزال منقسمة في الوقت الراهن. ويسهم عدم التجانس الهيكلي للسلفية الجهادية وغياب قادة يمكن التعرف عليهم بوضوح في تعقيد محاولات الحكومة إشراك الجهاديين السلفيين أو التفاوض معهم أو قمعهم.

التعاطي مع موجة المدّ السلفي: رؤى متنافسة

عندما جاءت إلى السلطة، واجهت حركة النهضة التحدّي المتمثّل في التعاطي مع التطرّف والعنف السلفي. فقد جلبت اللحظة الثورية الصراعات الإيديولوجية التي كانت تدور بين الإسلام السياسي الإصلاحي وبين السلفية إلى العلن. وعلى الرغم من إدراك النهضة للتحدّي الإيديولوجي الذي يشكّله السلفيون، فوجئ الإسلاميون بعد الثورة بأن السلفية أصبحت واقعاً اجتماعياً في البلاد، وخاصة في المناطق الأكثر سخطاً.

كانت هناك ثلاث وجهات نظر متناقضة داخل الحزب حول كيفية معالجة التحدّي الذي تمثّله السلفية: الانخراط مع السلفيين والتعاون مع أنصار اللاعنف أو اتّخاذ موقف متشدّد ضد الجناح المتشدّد في الحركة.44 

الانخراط

الاستراتيجية الأولى والمهيمنة هي الاستراتيجية الوسطية التي أكّدت على الانخراط والإقناع. وقد اعتبر أنصارها أن استخدام مقاربة واقعية وشديدة مع السلفيين المتشدّدين لن يكون فعّالاً أبداً، وسيزيد من احتمالات تجنيد أشخاص في التنظيمات المتطرّفة التي تستخدم العنف.

يعدّ زعيم النهضة راشد الغنوشي المدافع الرئيس عن هذا النهج اللين. فقد حذّر من أن القمع الذي مارسه بن علي ضد الإسلام السياسي والإقصاء الاجتماعي للمجتمعات البعيدة عن المركز، هو الذي دفع بعض التونسيين إلى التطرّف الديني.45  كان الغنوشي يدرك أن التخفيف من صعود السلفية سيتطلّب العمل وفق أفق زمني طويل، بيد أنه كان واثقاً من أن وجود استراتيجية حكومية تركّز على دمج الفئات المهمّشة أكثر من تركيزها على المطالب القسرية سيجبر السلفيين في نهاية المطاف على ضبط سلوكهم وتعديله.46 

ووفقاً لما تقوله حركة النهضة، فإن إفراط السلفية في إظهار الانفعال الديني والرغبة في المواجهة الثقافية، يمكن أن يُعزى إلى حماسة الشباب المتَّقدة.47  وبما أن النظام السابق أثار غضبهم وقيّدهم، فقد وجد المتشدّدون الشباب في الثورة فرصة للتعبير بقوة عن مصطلحاتهم الثقافية وتعزيز فهمهم المتشدّد للسلفية. كان العديد منهم غير مستعدين لتحمّل فرض أي قيود على أنشطتهم الدينية والثقافية أو الاستسلام للبراغماتية "ضيّقة الأفق"، كما أبلغني أسامة الصغير، عضو حزب النهضة والعضو في الجمعية التأسيسية، في تونس في آب/أغسطس الماضي.

اعتبر حزب النهضة هذا التشدّد الشبابي مرحلة عابرة. فالحريات الجديدة تقدّم فرصة شافية مريحة للأعصاب لإطلاق العنان لمشاعر الإحباط والغضب المكبوتة. وبمجرّد أن يدرك الشباب أن أهدافهم غير قابلة للتطبيق، فإنهم سيخففون من حماستهم. ويحب الغنوشي أن يشير إلى مسار حزبه باعتباره الأول والأهم في الاعتدال الإيديولوجي التطوري للحركات الدينية.48  وفي اللحظة التي اكتشف فيها قادة حزب النهضة أن الطهرانية الإيديولوجية تقود إلى طريق مسدود، بدأوا يعيدون النظر بصورة جذرية في وجهات نظرهم السياسية والإيديولوجية. ويقول الغنوشي إن السلفيين في تونس الديمقراطية سيضطرون إلى بدء مراجعاتهم الفكرية بعد أن تعجز تجربتهم الطوباوية عن إحراز أي تقدم.

ويعتقد الغنوشي بصدق بأنه في سوق حرة لتداول الأفكار، سيدرك السلفيون أن من الحكمة اعتماد نهج تدريجي وبراغماتي لتعزيز القيم والأخلاق الإسلامية. وفي واحد من تصريحاته المثيرة للجدل، قال الغنوشي إنه ناشد الشباب السلفيين ضبط تكتيكاتهم والمضيّ قُدُماً بحذر، والأهم من ذلك أن يقدّروا المدى الذي وصلوا إليه حق تقديره. وحذّرهم من أنهم إذا بالغوا في سلوكياتهم فإن الحريات التي يتمتّعون بها يمكن أن تزول سريعاً. استخدم الغنوشي المأساة الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي، على سبيل التحذير، كي يبيّن للسلفيين مخاطر التحرك بسرعة كبيرة. يومها أساء الإسلاميون الجزائريون فهم ميزان القوى، وحاولوا أن يسيطروا على النظام السياسي بسرعة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الأحزاب العلمانية ومنظمات المجتمع المدني وعدداً من المثقفين والشخصيات الإعلامية. وحذّر الغنوشي من أن الانقلاب العسكري الذي أعقب ذلك في الجزائر والهادف إلى "إنقاذ الجمهورية" يمكن أن يحدث أيضاً في تونس، حيث لايزال المعارضون البديهيون للسلفيين والإسلاميين يشغلون مناصب مؤثّرة في الجيش وأجهزة الأمن والإعلام والقضاء.

كان زعيم حزب النهضة يحاول إقناع الدعاة السلفيين المتبرّمين وقادة الجماعات الإسلامية بأن يختاروا معاركهم بعناية. وعندما صعّدوا وتيرة احتجاجاتهم في الشوارع بغرض إدراج الشريعة في الدستور، طلب الغنوشي منهم عدم إغفال الصورة الكبيرة: "لماذا لازلتم تصرّون على الشريعة عندما يمكنكم فتح مدرسة [قرآنية]". وقال إن مثل هذه المطالب غير ضرورية وتأتي بنتائج عكسية، وهي نابعة من تفكير سطحي ولاتخدم سوى تحويل الأنظار عن هدف طمأنة الناس وتدعيم المكاسب السياسية والاجتماعية الإسلامية".49 

ندّد الغنوشي باستمرار بالعنف السلفي. وقال: "يجب علينا أن نكون حازمين مع هؤلاء الذين ينتهكون القانون"، مضيفاً " ولكن بعض خصومنا يريدون منا اعتماد أساليب زين العابدين بن علي نفسها، وفتح معسكرات اعتقال، واعتقال آلاف الأشخاص واستخدام التعذيب والمحاكم الصورية لمجرّد أنهم ينتمون إلى هذه الجماعة". وأكد الغنوشي على ضرورة التمييز بين العقيدة الإيديولوجية وبين الأعمال الإجرامية. وقال: "إذا لم يتوقف السائق عند الإشارة الحمراء فلا ينبغي أن يُسأل عن إيديولوجيته، بل يجب أن يُقال له إنه خالف القانون".50

في عشرات المناقشات التي أجراها الغنوشي مع السلفيين، قال إنه شجّعهم على الاستثمار في النشاط الاجتماعي السلمي والسير على درب جبهة الإصلاح، أول تجربة سلفية في السياسة.51  أما مؤسّس الحزب، محمد خوجة، فهو جهادي تائب تخلّى عن دعم العنف والإرهاب، وعادة مايعتبر مثالاً على اجتثاث التطرّف السلوكي والعقائدي.

لم يتبع الجهاديون الذين عادوا من العراق وميادين الصراع الأخرى مؤخراً مساراً مماثلاً. على سبيل المثال، رفض الجهاديون المخضرمون في أكبر وأعتى التنظيمات السلفية - جماعة أنصار الشريعة - الاستجابة إلى هذه الدعوات. وقد سَخِر عياض من مبادرات النهضة، وأصرّ على أن الوعظ والنشاط المتطرّف هما أفضل سبيلين لتطبيق شريعة الله.

 ولعلّ ماعقّد الأمور أكثر بالنسبة إلى حزب النهضة، هو أن الأحزاب السلفية الجديدة التي نبذت العنف وتشارك في العملية السياسية، ناضلت للحصول على موطئ قدم في معاقل السلفية التقليدية. على سبيل المثال، يلتزم حزب جبهة الإصلاح الذي تأسّس في العام 2012 بتطبيق الشريعة بلا تردّد، حيث يَعِد الشباب المحرومين بالعدالة والمساواة للجميع في ظل القانون.52  ومع ذلك، يرى جيل الشباب في الحزب تجسيداً للجيل الأكبر سناً من السلفيين المنفصلين عن احتياجات ومطالب الشباب المحرومين. أما تركيز الحزب على الهياكل السياسية والمأسسة التشريعية البطيئة والخجولة لمطالب السلفيين، فلا يحظى بجاذبية كبيرة في الأوساط السلفية التونسية.

يرفض معظم السلفيين الشباب، حتى الآن، المشاركة في العمل السياسي المثير للانقسام والانفصال الديمقراطي الذي يولّده لصالح النشاط الاجتماعي و"رأي الشارع". فلا يزال العديد من الشباب السلفيين منزعجين من بدء عملية تراجع مثيرة تنطوي على المخاطرة بجعل ماكان محرّماً حتى الآن جائزاً وفق مايقول عدد من أتباعه، من قبيل مأسسة الانقسامات عبر تشكيل أو الانضمام إلى تنظيمات أو أحزاب سياسية. وقد وفّرت حقيقة النظر إلى قيادات الأحزاب السياسية السلفية الجديدة باعتبارها هرمة ومنعزلة سبباً وجيهاً لجعل المشاركة في السياسة الحزبية أكثر صعوبة.

شكّل نهج الغنوشي التصالحي رأي الأغلبية داخل حزب النهضة إلى أن تم اغتيال الزعيم العلماني شكري بلعيد في شباط/فبراير عام 2013. فقد كان هناك ميل لثني الفصائل السلفية المتشدّدة عن التطرّف وربما دمجها في حزب النهضة أو غيره من الأحزاب السلفية الموجودة بالفعل.53 

لكن في نهاية المطاف، بالغ الغنوشي في تقدير قدرته على ممارسة تأثير معنوي على الشباب السلفيين، وعلى بناء توافق سياسي بشأن كيفية التعامل مع التحدّي الذي يشكّلونه.54  فشلت محاولاته في استخدام مهاراته الكاريزمية وسلطته الدينية للتواصل مع الجيل الجديد من الشباب الذين يشعرون بخيبة أمل عميقة تجاه الحكومة وعملية الانتقال السياسي التي يعتبرونها منحازة طبقياً وتدار من جانب السياسيين القدامى. كما أخطأ الغنوشي في الحكم على التأثير المعدي للجهاديين العائدين من ميادين القتال على الجيل الجديد من النشطاء السلفيين الذين أمضوا سنوات تكوينهم الثقافي والفكري وهم يتعرّضون إلى الوعظ المتشدّد من المملكة العربية السعودية.55 

التعاون

تعتمد الاستراتيجية الثانية للتعامل مع التحدّي السلفي على التعاون مع السلفيين السلميين الذين لايؤمنون بالعنف. الأنصار الرئيسيون لهذا الخط هم القادة الإسلاميون الرجعيون الذين يعتبرون النهضة والسلفيين جزءاً من الأسرة الإسلامية نفسها.56  وتقوم هذه الاستراتيجية على سياسات الهوية والشعبوية. وهي تدعم التحالفات الانتخابية والعقائدية بين الإسلاميين والسلفيين.

بدأ التعاون بين السلفيين والإسلاميين في أوائل تسعينيات القرن الماضي مع تدمير الهياكل الرسمية للنهضة وتغلغل السلفية في تونس. وفي حين لم يحلّ انتشار هذه الإيديولوجية الجديدة تماماً محلّ النظام القائم للإسلام السياسي، فقد تبنّى عدد من الإسلاميين المعتقدات والممارسات السلفية.57  ومع مرور الوقت، انبثقت مجموعة فرعية من النهضة خلطت بين الأفكار السلفية وبين السياسة الإسلامية.58

يعتبر الصادق شورو أهم ممثّل لهذا النهج، وهو خطيب مؤثّر وعضو في الجمعية التأسيسية المسؤولة عن صياغة الدستور الجديد في تونس. أمضى شورو عشرين عاماً في الأسر ويمتلك مؤهلات إيديولوجية لاتشوبها شائبة، ما أكسبه احترام السلفيين وتعاطف الساسة الإسلاميين.59  فهو يمثّل صوت المعسكر الطهراني في حزب النهضة، وهي جماعة ضغط ومراقبة تطرح رسالة مؤيدة للاستبداد، وتؤثّر في تطببيق الشريعة الإسلامية. ويستغل شورو خطر التطرّف والعنف السلفي لانتزاع تنازلات من الدولة حول دور الدين في المجتمع. إذ إن تطبيق القوانين الإسلامية سيسحب البساط من تحت أقدام المتدينين الصاخبين والمتطرّفين الذين اعتمدوا طويلاً على إقصاء الحكومة للدين، ليكون على هامش الحياة الاجتماعية والفكرية ويقوم بدور الطفيليات العامة، واستغلوه كأداة فعّالة لتجنيد الأنصار.60

يودّ البعض داخل هذا المعسكر أن يرى النهضة وقد تحوّلت إلى السلفية، لأن هذا من شأنه توحيد الطيف الإسلامي كله ويهمّش من يدعون إلى استخدام العنف.61 

المعارضة المتشدّدة 

الاستراتيجية الثالثة هي تلك التي يفضلها رئيس الوزراء المنتهية ولايته علي العريّض، الذي أيّد اتّخاذ موقف متشدّد من السلفيين المتطرّفين. فقد حذّر حزب النهضة من أنه في حاجة للنأي بنفسه عن الجماعات السلفية. وجادل العريّض بأن الفشل في وقف انتشار السلفية المتشدّدة، سيهدد الهيمنة السياسية والانتخابية لحزبه، وربما ينتهي إلى تدمير عملية الانتقال الديمقراطي برمّتها.

لم تحظ إستراتيجية المواجهة هذه إلا بدعم أقلّية في حزب النهضة، لأن الكثيرين كانوا يخشون من عودة أساليب الدولة القمعية السابقة. وبعد أن تدهور الوضع الأمني، أصبح هذا الموقف يمثّل السياسة الرسمية للحزب.62

المتشدّدون يفوزون

تردّدت الحكومة في البداية في مواجهة السلفيين المتشدّدين، لأن قدرتها على القيام بذلك كانت محدودة. غير أن استراتيجية الغنوشي في المشاركة الانتقائية خرجت عن مسارها بعد اغتيال محمد براهمي في تموز/يوليو 2013 وارتفاع وتيرة النشاط الإرهابي الذي تزامن مع ذلك.

أدّى تنامي العنف السلفي إلى مفاقمة شكوك العلمانيين إزاء صفاء نية الإسلاميين تجاه الديمقراطية. انتقد البعض نهج المشاركة باعتباره حيلة سياسية لاستمالة السلفيين كي يصوتوا لحزب النهضة. ورأى البعض الآخر أنها وسيلة ماكيافيلية لأسلمة المجتمع التونسي ودحر الإرث التقدمي في البلاد.

اضطر حزب النهضة إلى تغيير استراتيجيته. وبدأ نهجه يتصلّب بصورة جدّية بعد تصنيف جماعة أنصار الشريعة منظمة إرهابية في أيار/مايو 2013 ومنع عقد المؤتمر السنوي للتنظيم في 12 أيار/مايو 2013. منذ ذلك الحين، تم إلقاء القبض على أكثر من ألفين من السلفيين بسبب تورّطهم المباشر أو غير المباشر في أعمال العنف.63  والتحدّي الذي تواجهه الحكومة الآن يتمثّل في كيفية مواجهة التطرّف المتشدّد في السلفية من دون الوقوع في فخ المبالغة في ردّ الفعل.

ليس ثمّة حلّ يمكن تعميمه للتحدّي السلفي. إذ إن تجميع كل التيارات السلفية والتونسيين الشباب الذين يمكن تمييزهم كجهاديين في سلة المتطرّفين والإرهابيين العنيفين، هو نهج مبسّط وخطير للغاية. كما أن وصم تنظيم كامل باعتباره جماعة إرهابية قد يؤدّي إلى علاقة سياسية جيدة لكنه لاينتج سياسة ذكية. وثمّة خطر حقيقي من أن وصم عشرات الآلاف من مؤيّدي أنصار الشريعة كإرهابيين سيصبح نبوءة ذاتية التحقّق. فليس لدى التنظيم المعزول الذي يتعرّض إلى الهجوم شيئ يخسره الآن، وربما ينخرط في الإرهاب لتعطيل عملية الانتقال السياسي.64 

إضافة إلى ذلك، فإن قمع أنصار الشريعة لن يحلّ مشكلة السلفية الجهادية في تونس. فهناك عدد كبير من الجماعات السلفية الصغيرة التي تعمل بشكل مستقل عن أنصار الشريعة أو تستغل اسمها لارتكاب أعمال العنف.65

يكمن مفتاح الحلّ في تحديد كيفية التفريق بين السلفيين العنيفين الذين هم أعداء حقيقيون للدولة وبين المتطرفين غير العنيفين الذين يرفضون الوضع الراهن ليس إلا. إذ يراود العديد من الشباب السلفيين شعور عميق من عدم الثقة في السياسة، ويشعرون بأنهم منقطعون عن مجتمعاتهم المحلية، ويكرهون السياسة الخارجية الغربية. هؤلاء يطرحون مشكلة اجتماعية ينبغي أن تبقى منفصلة عن التهديد الإرهابي الذي يشكّله المتطرفون العنيفون ممن يمارسون الوعظ ويحرّضون ويستخدمون العنف الذي يستدعي الردّ من جانب الأجهزة الأمنية والقضائية.

خلاصة

تشكّل خيبة الأمل في دول مابعد الثورة حدثاً قوياً يتكرّر باستمرار. فبعد أن تتلاشى نشوة الفرح الأولي، سرعان ماتسود مشاعر الاكتئاب، وهذه هي المحنة التي تواجه تونس اليوم.

كان من الصعب التوصل إلى توافق بشأن السياسات العامة والصفقات الكبرى المطلوبة لتحفيز العملية الانتقالية ومنحها قوة دفع بسبب غياب الثقة الأساسية وأسلوب المعاملة بالمثل بين الكثير من أطياف المعارضة العلمانية وحركة النهضة. وقد عزّزت الأحداث المذهلة، وعدم كفاية المعلومات حول دوافع ومصالح الجماعات المتعارضة، ووجود مجموعات مفسدة شُقَّة الخلاف بين العلمانيين وبين الإسلاميين.

فقد خلق تفشّي السلفية في الحياة العامة، على وجه الخصوص، انقسامات عميقة داخل المجتمع التونسي حول الأجندة السلفية وأفضل السبل للتعاطي مع الصعود المفاجئ للحركة. كافحت الحكومة التي يقودها حزب النهضة للتعامل مع الجزء المتشدّد من السلفية، وقد دفعت ثمناً سياسياً باهظاً بسبب فشلها في ذلك. وعانت شعبية الحزب ومكانته السياسية كثيراً مع كل عمل من أعمال العنف التي ارتكبها السلفيون. ووضعت النهضة نفسها في موقف محرج جرّاء عدم ملء الفراغ الأمني بسرعة بعد سقوط بن علي حيث أتاح غياب السيطرة المركزية الفرصة للسلفيين العنيفين كي يعملوا بحرية ويستغلّوا المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وهو الأمر الذي غذّى نمو الحركة. في نهاية المطاف، هدّد العنف الذي مارسته أقلية صغيرة من السلفيين المتشدّدين حظوظ النهضة السياسية وبقاء عملية الانتقال الديمقراطي نفسها.

أصيب التونسيون بالإحباط وهم يترنّحون من أزمة سياسية إلى أخرى. فهم غاضبون من أداء النهضة في السلطة، حيث فشل الحزب في احتواء التهديد السلفي والحدّ من الاختلالات الاقتصادية المحلية، وتطبيق العدالة الانتقالية. كما أن التونسيين محبطون من المعارضة العلمانية التي لاتوحي انتهازيتها السياسية بالكثير من الثقة.

والواقع أن فشل الساسة التونسيين في إيجاد أرضية مشتركة في مابينهم، أثّر سلباً على سبل عيش أولئك الذين يحتاجون إلى استعادة الحياة الطبيعية. واستنزف فشلهم أيضاً ثقة الجمهور في عملية الانتقال السياسي.

ثمّة أعداد متزايدة من التونسيين يعلنون الآن أنهم مستعدون لمقايضة الديمقراطية بتحقيق الاستقرار السياسي والأمن. لابل إن هناك، في بعض الأوساط، حنيناً لحكم الرجل القوي.66 

على الرغم من هذه التحدّيات والنكسات الكبرى، تمكّنت تونس من التقدم ببطء. فسكان البلاد متجانسون ويتمتعون بثقافة جيدة إلى حدًّ ما، وليس لجيشها سجل في الانقلابات العسكرية، وإسلاميوها توافقيون، وهذه كلها إشارات إيجابية للعملية الانتقالية. ويعرف الإسلاميون وخصومهم العلمانيون أنهم لايملكون مايكفي من النفوذ والسلطة لجعل خصومهم يمتثلون لمطالبهم. ويدرك البراغماتيون في المعارضة العلمانية أنهم غير قادرين على إجبار الإسلاميين على ترك السلطة عن طريق إجراءات شعبية تتم في الشارع أو عن طريق انقلاب عسكري كما حدث في مصر. كما تعي حركة النهضة تماماً أن الفوضى السياسية والحرب الأهلية هي بديل تقديم التنازلات. وكلما استمرّ المأزق السياسي، كلما ازداد خطر أن يؤدّي حدوث هجوم إرهابي كبير أو اغتيال شخصية رفيعة المستوى إلى فشل المحادثات ودفع البلاد الى المجهول. وهذه ستكون نتيجة مدمّرة بالنسبة إلى تونس والمنطقة بأسرها. ولعلّ الخوف من هذا السيناريو، الذي يعني خسارة لكل الأطراف، هو ما أبقى المتنازعين حتى الآن على الطاولة للتفاوض على خريطة طريق لاستكمال الفترة الانتقالية التي طال أمدها.

ويتعيّن على الحكومة المؤقتة المقبلة اتّخاذ خطوات واضحة لدفع البلاد إلى الأمام، بما في ذلك معالجة الإقصاء الاجتماعي وحرمان بعض المجتمعات من الحقوق الاقتصادية، وهي المشاكل التي تغذّي الاضطرابات الاجتماعية والإجرام والمتشدّدين الغاضبين. كما أن جمع الوسائل الضرورية لتمويل الميزانية وإطلاق الاستثمارات المستهدفة في المناطق المضطربة والأكثر تهميشاً في البلاد أمران أساسيان ولازمان.

كما أن هناك حاجة ملحّة لأن تعجّل الحكومة بإصلاح القطاع الأمني لجعل الجهات الفاعلة والمؤسّسات المكلّفة حماية الدولة ومواطنيها أكثر مهنيّة وخاضعة إلى المساءلة وشرعية. ومن بين الأولويات القصوى إعادة تنظيم وزارة الداخلية ووضع رقابة ديمقراطية على ميزانيتها وممارساتها. كما تحتاج أجهزة الأمن الداخلي وقطاع العدالة إلى إعادة هيكلة وإصلاح. فالتأهيل المهني لهذه المؤسّسات ضروري لكسب ثقة المواطنين ووقف تدهور القانون والنظام.

ويمكن للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الذين لديهم اهتمام مباشر بتونس تشجيع هذه الإصلاحات في القطاعين الأمني والاقتصادي. فمن خلال دعم الاستثمارات في مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، يمكن لشركاء تونس الغربيين تعزيز إيجاد فرص العمل في المناطق الأكثر تهميشا في البلاد.

وعلى الجبهة السياسية الداخلية، كانت محاولة التوصل إلى حلّ بشأن تفاصيل الصفقة النهائية صعبة على نحو مؤلم، لكن الاتفاق الذي تم توقيعه بين الإسلاميين وبين المعارضة العلمانية في نهاية العام 2013 كان انتصاراً للبراغماتية على الإيديولوجية والسياسة المثيرة للانقسام. وإذا ماتم احترام الاتفاق، فربما يكون علامة فارقة في تاريخ تونس يمكن أن يتردّد صداها في جميع أنحاء العالم العربي.

هوامش

1 Carlotta Gall, “A Political Deal in a Deeply Divided Tunisia as Islamists Agree to Yield Power,” New York Times, December 16, 2013, http://mobile.nytimes.com/2013/12/17/world/africa/a-political-deal-in-a-deeply-divided-tunisia-as-islamists-agree-to-yield-power.html?from=world.

في مقابلة مع الصحيفة السويسرية Le Temps، دافع الغنوشي عن مقاربته التنازلية كما هو ضروري في بلد "حيث عمل التونسيون منذ القرن التاسع عشر من أجل بناء دولة معتدلة وحداثية تجمع مابين القيم الإنسانية العالمية ومبادئ الإسلام". وأكّد أن حزب النهضة يجب أن يتعايش مع خصومه العلمانيين ويتشاطر السلطة مع أكثرهم اعتدالاً. أنظر: Angélique Mounier-Kuhn, “La Tunisie a besoin de l’alliance entre islamistes modérés et laïcs,” Le Temps, January 14, 2014, www.letemps.ch/Page/Uuid/60eee41a-7c8c-11e3-87e1-5f55d2b2d249/La_Tunisie_a_besoin_de_lalliance_entre_islamistes_mod.

3 تظهر أرقام استطلاعات الرأي الأخيرة أن عدداً متزايداً من الناس العاديين أصبحوا يشعرون بالاشمئزاز من السياسة ومؤسّسات الدولة. أنظر: “Tunisians Disaffected With Leaders as Conditions Worsen,” Pew Research, September 12, 2013, www.pewglobal.org/2013/09/12/tunisians-disaffected-with-leaders-as-conditions-worsen

4 أنظر: International Crisis Group, Tunisia’s Borders: Jihadism and Contraband, International Crisis Group, Middle East and North Africa Report no. 148, November 28, 2013.

5 أنظر: Malika Zeghal, “Competing Ways of Life: Islamism, Secularism, and Public Order in the Tunisian Transition,” Constellations 20, issue 2, June 2013, 254–74.

6 Michael J. Koplow, “First They Came for the Islamists,” Foreign Affairs, August 28, 2013, www.foreignaffairs.com/articles/139872/michael-j-koplow/first-they-came-for-the-islamists.

7 Khadija Mohsen-Finan, “Changement de cap et transition politique au Maroc et en Tunisie, ”Pouvoirs 145, April 2013, www.revue-pouvoirs.fr/IMG/pdf/Pouvoirs145_p105-121_Transition_Maroc_Tunisie.pdf.

8 Taoufik Medini, History of the Tunisian Political Opposition From the Beginning to the Revolution (Tunis: Massiliana Edition, 2012), 362.

9 Ibid., 539–52.

10 Zeghal, “Competing Ways of Life: Islamism, Secularism, and Public Order in the Tunisian Transition.”

11 للاطلاع على تحليل معمق لآراء الغنوشي حول الإسلاميين والديمقراطية، والتعددية السياسية والحريات وحقوق الإنسان، أنظر كتابه الصادر باللغة العربية، "الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام"، (مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون، 2012).

12 للاطلاع على انتقاد داخلي لأخطاء حركة النهضة في الحكم وقلة خبرتها وانقساماتها الإيديولوجية الداخلية، شاهد المقابلة التي أجرتها قناة "التونيسية" مع نائب رئيس حركة النهضة عبدالفتاح مورو، "حركة النهضة ستضحي بالغنوشي وهو محاصر"، 16 أيلول/سبتمبر 2013. www.attounissia.com.tn/details_article.php?t=42&a=100544&temp=1

13 أنظر:  Zeghal, “Competing Ways of Life: Islamism, Secularism, and Public Order in the Tunisian Transition.”

14 أنظر، معين بسيسو، "تجربة جديرة بالاحترام"، الجزيرة، 10 كانون الثاني/يناير 2013، www.aljazeera.net/home/print/6c87b8ad-70ec-47d5-b7c4-3aa56fb899e2/a4e05b6f-c5b8-4d75-8564-8a4f0db2aaf4.

15 أنظر، راشد الغنوشي، "هل ينقذ الحوار الوطني الربيع التونسي؟"، الجزيرة، 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2013. www.aljazeera.net/opinions/pages/f24480c0-db23-4033-8c0a-4fb3c0a9b58e.

16 يشير كل من تمت مقابلتهم تقريباً إلى دعوات أطلقها بعض العلمانيين لمحاكمة أعضاء النهضة بسبب "مسؤوليتهم" في تدهور الأوضاع الأمنية في تونس. ويمكن كذلك سماع مثل هذه التهديدات في احتجاجات الشوارع ضد النهضة.

دفع الخوف العديد في حزب النهضة إلى النظر أحياناً إلى ناقديهم في المعارضة على أنهم ينتمون إلى النظام السابق أو أن هذا الأخير يتلاعب بهم. والواقع أن بعض هؤلاء كانوا كذلك، إلا أن عدداً ملحوظاً كانوا قلقين من الأسلمة المحتملة للبلاد. أنظر: “Trois ans après, la Tunisie toujours dans l’ombre de Ben Ali,” France Info, January 14, 2014. 

الخطأ الذي ارتكبه حزب النهضة هو أنه رفض هذا الخوف معتبراً أنه مبالغ فيه أو ملفََّق لنزع الشرعية عن الإسلاميين. وإذ استخفّ الحزب بتأثير هذا الخوف، تركه يتفاقم لوقت طويل. وكما أقرّ الغنوشي في مقابلة مع الصحيفة السويسرية Le Temps، كان ينبغي على حزب النهضة على الأرجح أن يبذل جهداً أكبر لضمّ المزيد من الأحزاب العلمانية إلى ائتلافه الحكومي. أنظر: Mounier-Kuhn, “La Tunisie a besoin de l’alliance entre islamistes modérés et laïcs.”

17 Isabelle Mandraud, “Tunisie: la crise politique tourne au chaos, ” Le Monde, October 24, 2013, www.lemonde.fr/international/article/2013/10/24/tunisie-la-crise-politique-tourne-au-chaos_3501949_3210.html.

18 Jean-Louis Le Touzet, “En Tunisie, le processus démocratique sera achevé,” Libération, November 6, 2013, www.liberation.fr/monde/2013/11/06/en-tunisie-le-processus-democratique-sera-acheve_945155.

19 وفقاً لمراقبين مقربين من النهضة، فقد تبين في أعقاب الثورة أن العديد من المجرمين والسفاحين ومخبري النظام السابق أصبحوا سلفيين، حيث اعتمدوا القواعد الأساسية الخاصة بملابسهم. وتم تدعيم هذه الملاحظة بتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية حول السلفية والعنف. إذ أبلغ ضابط في لواء التدخل الخاص مجموعة الأزمات في أيلول/سبتمبر 2012 أنه "بعد أقل من شهر من سقوط زين العابدين بن علي، جرى اختراق السلفيين الجهاديين من أفراد عصابات ومخبرين صغار من الحزب الحاكم السابق". وأضاف: "بعد عام واحد وفي بلد يفتقر إلى الأمن بصورة عملية، أصبح كل (أزعر) سلفياً". ولاشكّ أن الدعاة السلفيين المتشدّدين شجّعوا مثل المسعى للخلاص الديني حيث يكفّر المجرمون "التائبون" عن أرواحهم الخاطئة وأرواح مجتمعهم عن طريق الانضمام إلى الصراع ضد قوى الظلم. غير أن هذا الانقلاب المفاجئ أثار العديد من الشكوك بأن المهتدين الجدد كانوا يستخدمون الهوية السلفية ليؤمّنوا لأنفسهم دوراً في الاقتصاد غير الرسمي والاتجار المربح في المخدرات والكحول في المناطق شبه الحضرية .
أنظر: International Crisis Group, Tunisia: Violence and the Salafi Challenge, International Crisis Group, Middle East/North Africa Report no. 137, February 13, 2013, 20–21.

20 للاطلاع على تقرير ممتاز حول كيفية عمل السعودية على خنق الربيع العربي، بما في ذلك تونس، أنظر: Christophe Ayad et al., “Le ‘grand jeu’ de Riyad pour étouffer les ‘printemps arabes,’” Le Monde, January 13, 2014, www.lemonde.fr/libye/article/2014/01/13/le-grand-jeu-de-riyad-pour-etouffer-les-printemps-arabes_4346993_1496980.html.

21 Vincent Geisser, “Lettre à mes Amis (es) de L’Opposition Tunisienne,” Le Quotidien Algérie, July 26, 2013, http://lequotidienalgerie.org/2013/07/26/lettre-a-mes-amises-de-lopposition-tunisienne.

22 Hèla Yousfi and Choukri Hmed, “Non à l’assassinat de la révolution tunisienne,” Le Monde, July 29, 2013, www.lemonde.fr/idees/article/2013/07/29/en-tunisie-la-revolution-ne-doit-pas-mourir_3455077_3232.html.

23 Farida Dahmani, “Tunisie: qui est le nouveau chef de l'exécutif, Mehdi Jomâa?” Jeune Afrique, December 30, 2013, www.jeuneafrique.com/Article/JA2763p058.xml0

24 Interview with Vincent Geisser, El Kasbah, December 2, 2012, www.facebook.com/notes/el-kasbah/10-questions-%C3%A0-vincent-geisser/493425510697021.

25 كما اتّضح في انتخابات العام 2011، كان أداء حزب النهضة ضعيفاً في المجتمعات المهمّشة في سيدي بوزيد والقصرين، حيث حصل على 14 في المئة من الأصوات, ومع ذلك فقد حقق الحزب أفضل النتائج في المناطق الحضرية. 
أنظر:  Zeghal, “Competing Ways of Life: Islamism, Secularism, and Public Order in the Tunisian Transition.”

26 مقابلة أجراها الكاتب مع محمد خوجة، تموز/يوليو 2012.

27 Vincent Geisser, “Ennahdha et les salafistes, radioscopie d’une relation,” Réalités, June 26, 2012, www.realites.com.tn/interview/vincent-geisser-ennahdha-et-les-salafistes-radioscopie-dune-relation.

28 بحلول نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان الكثيرون قد حمّلوا ووزعوا كتب ابن تيمية ومحمد المقدسي الممنوعة من التداول.

29 Francesco Cavatorta and Fabio Merone, “Tunisian Salafism: Between Institutional Politics, Dawa and Jihadism,” Orient 54, no. 3 (2013): 31.

30 Sami Ghorbal, “Comment les salafistes ont été neutralisés,” Jeune Afrique, January 7, 2008.

31 Vincent Geisser, “Ennahdha et les salafistes, radioscopie d’une relation.”

32 المصدر السابق.

33 قتال مشتقة من كلمة جهاد، والتي تعني محاولة الخضوع إلى الله وتطهير النفس من الداخل. ومن بين الأمثلة المذكورة في القرآن عن القتال: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين "(البقرة، الآية 190)، "فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً" (النساء، الآية 91).

34 “Now There Are Fewer Than 100,” Religious Affairs Minister Noureddine Khadmi told Reuters in an interview. Tom Heneghan, “Ennahda’s Religious Policies Split Tunisia’s Ruling Party,” Huffington Post, April 9, 2013, www.huffingtonpost.com/2013/09/04/Ennahda-religious-policies-tunisia_n_3861793.html.

35 أنظر:  International Crisis Group, Tunisia: Violence and the Salafi Challenge

36 Tim Whewell, “Justice Kiosk: Tunisia’s Alternative Law Enforcers,” BBC News Magazine, July 29, 2013. www.bbc.co.uk/news/magazine-23469218.

37 Monica Marks, “Youth Politics and Tunisian Salafism: Understanding the Jihadi Current,” Mediterranean Politics, 18:1, 2013.

38 Cavatorta and Merone, “Tunisian Salafism: Between Institutional Politics, Dawa and Jihadism,” 33.

39 ”International Crisis Group “Tunisia: Violence and the Salafi Challenge.

40 Monica Marks, “Plagued by Insecurities,” Sada, Carnegie Endowment for International Peace, March 5, 2013, http://carnegieendowment.org/2013/03/05/plagued-by-insecurities/fo7g.

41 المصدر السابق.

42 أنظر: Wafa Sdiri, “Vidéo: La nouvelle Tunisie aux yeux d’Abou Iyadh, leader des salafistes jihadistes,” Tunisie numérique (tunisienumerique.com), May 21, 2012, www.tunisienumerique.com/video-la-nouvelle-tunisie-aux-yeux-d’abou-iyadh-leader-des-salafistes-jihadistes/125679.

43 Cavatorta and Merone, “Tunisian Salafism: Between Institutional Politics, Dawa and Jihadism,” 33.

44 أنظر: Perrine Mouterde, “Au congrès de Kairouan, les salafistes seront tentés de provoquer Ennahda,” France 24, www.france24.com/fr/20130517-tunisie-rassemblement-kairouan-salafistes-tentation-provoquer-Ennahda-geisser.

45 أنظر مقابلة الغنوشي مع صحيفة الحياة، "مهاجمة السفارات مؤامرة هدفها وقف حوار أميركا مع الإسلاميين"، 30 أيلول/سبتمبر 2012. http://alhayat.com/Details/439628.

46 “Rached Ghannouchi: ‘Si nous diabolisons les salafistes, dans dix ou quinze ans, ils seront au pouvoir,’” Le Monde, October 10, 2012,
www.lemonde.fr/tunisie/article/2012/10/18/m-ghannouchi-si-nous-diabolisons-les-salafistes-dans-dix-ou-quinze-ans-ils-seront-au-pouvoir_1777448_1466522.html.

47 أنظر: Marks, “Youth Politics and Tunisian Salafism,” 104–111.

48 Francesco Cavatorta and Fabio Merone, “Moderation Through Exclusion? The Journey of the Tunisian Ennahda From Fundamentalist to Conservative Party,” Democratization 20, issue 5, 2013.

49 Roua Khlifi and Adam Le Nevez, “Secret Video Reveals Ghannouchi’s Vision for Islam in Tunisia,” Tunisia-live, October 11, 2012, www.tunisia-live.net/2012/10/11/secret-video-reveals-ghannouchis-vision-for-islam-in-tunisia.

50 Robert Fisk, “Rached Ghannouchi Says He Doesn’t Want an Islamic State in Tunisia,” Independent, October 24, 2012, www.independent.co.uk/voices/comment/rached-ghannouchi-says-he-doesnt-want-an-islamic-state-in-tunisia-can-he-prove-his-critics-wrong-8225092.html.
أنظر أيضاً مقابلة الغنوشي مع صحيفة الحياة، "مهاجمة السفارات مؤامرة هدفها وقف حوار أميركا مع الإسلاميين".

51 من بين الأحزاب السلفية الأخرى التي تم منحها ترخيصاً حزب الأصالة وحزب الرحمة. كما تم إدماج حزب التحرير القومي الإسلامي الراديكالي في العملية السياسية.

52 للاطلاع على شرح ممتاز للشريعة الإسلامية والسبب الذي يجعلها جذابة للمسلمين، أنظر:
N. Feldman, “Why Shariah?,” New York Times, March 16, 2008, www.nytimes.com/2008/03/16/magazine/16Shariah-t.html?pagewanted=all&_r=0.

53 “En Tunisie, Ennahda face au défi de la contestation salafiste,” L’Orient-Le Jour, May 15, 2013, www.lorientlejour.com/article/814464/en-tunisie-ennahda-face-au-defi-de-la-contestation-salafiste.html.

54 أقرّ الغنوشي بالقدْر نفسه عندما أخبر إيزابيل ماندرو من صحيفة Le Monde بأن حزب النهضة كان ينبغي أن يكون أكثر حزماً مع السلفيين المتشدّدين منذ البداية.
“Rached Ghannouchi: ‘Ennahda a quitté le pouvoir par choix éthique,’” Le Monde, January 14, 2014, www.lemonde.fr/tunisie/article/2014/01/14/rached-ghannouchi-nous-avons-quitte-le-pouvoir-par-choix-ethique_4347544_1466522.html.

55 Kevin Casey, “A Crumbling Salafi Strategy,” Sada, Carnegie Endowment for International Peace, August 21, 2013, http://carnegieendowment.org/sada/2013/08/21/crumbling-salafi-strategy/gjkq.

56 Vincent Geisser, “Ennahdha et les salafistes, radioscopie d’une relation.”

57 أنظر: Kamal Ben Younes, Islamists and Secularists in Tunisia: From Prisons and Repression to the challenge of Governing the Country (Tunis: Berg Editions, 2012), 52. 

58 ”Geisser, “Ennahdha et les salafistes, radioscopie d’une relation.

59 Frida Dahmani, “Tunisie : Chourou, l’imprécateur,” Jeune Afrique, September 19, 2013, www.jeuneafrique.com/Article/JA2748p049.xml1/tunisie-anc-sadok-chourou-ennahdhatunisie-chourou-l-imprecateur.html.

60 عندما وافق حزب النهضة، في كانون الثاني/يناير 2014، على مطلب المعارضة بتحريم الاتهامات بالارتداد عن الدين، أدان شورو بغضبٍ هذا التنازل معتبراً إياه خطوة مبالغاً فيها. فشجب ما اعتبره التمييع الخطير للإسلام في مسودة الدستور، وهي وثيقة انتقدها باعتبارها "مولوداً ميتاً" ونتاجاً للإملاءات الداخلية والخارجية. أثار شجبُ شورو غضبَ الكثيرين في حزب النهضة، بمَن فيهم رئيس الكتلة البرلمانية في الحزب، الصحبي عتيق، الذي أشاد بالميثاق الجديد معتبراً إياه فخراً للتونسيين جميعاً.

“Tunisie: Réactions des groupes parlementaires aux interventions de Chourou et Badi sur le projet de Constitution,” Babnet Tunisie, January 18, 2014, www.babnet.net/cadredetail-78316.asp.

61 Vincent Geisser, “Ennahdha et les salafistes, radioscopie d’une relation.”

62 أنظر: Isabelle Mandraud, “Ali Larayedh: ‘Je veux redonner confiance aux Tunisiens,’” Le Monde, March 26, 2013.

63 Whewell, “Justice Kiosk: Tunisia’s Alternative Law Enforcers.

64 أنظر: Yassine Khiri, “Tunisie: le dernier espoir des ‘printemps arabes,’” L’Express, September 2013, www.lexpress.fr/actualite/monde/afrique/tunisie-le-dernier-espoir-des-printemps-arabes_1277905.html.

65 Fabio Merone, “One Last Chance for Ansar al-Sharia in Tunisia,” Tunisia Live, August 30, 2013, www.tunisia-live.net/2013/08/30/one-last-chance-for-ansar-al-sharia-in-tunisia.

66 Zogby Research Services, Tunisia: Divided & Dissatisfied With Ennahda, September 2013. http://b.3cdn.net/aai/b8cc8e61b78158d847_8pm6b1oog.pdf.

 
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.