المصدر: Getty

التهميش المُتواصِل لأكبر مجموعة إسلامية مُعارِضة في المغرب

لطالما تواجدت جماعة العدل والإحسان المغربية خارج الساحة السياسية العامة، ومن المستبعد أن يتغيّر ذلك.

نشرت في ٣ يونيو ٢٠١٥

لطالما كان لأكبر مجموعة معارضة في المغرب، وهي جماعة العدل والإحسان، علاقات صعبة مع النظام الملَكي.

فهذه الجماعة تعتبر النظام فاقداً للشرعية، وترفض المشاركة في العملية السياسية. وهي تراهن على أن الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية المتدهورة ستعمِّق نزعة الحنق الشعبي ضد النظام. كما تشتكي الحركة من السيطرة المُطبِقة للدولة على أنشطتها، ومن الحظر الذي تفرضه هذه الأخيرة منذ أمد طويل على إقامة أحزاب إسلامية مُعارِضة.

من جهته، يُطلّ النظام على آراء هذه الجماعة بكونها تهديداً لشرعيته، وأيضاً بأنها مجموعة عفا عليها الزمن ولاتستطيع التأثير سوى على أتباعها. وهو لم يُبدِ أي اهتمام بإلغاء الحظر على أنشطتها، ولا كذلك دمجها في دائرة التيار السياسي العام.

خلقت وفاة مؤسِّس الجماعة وزعيمها الروحي، الشيخ عبد السلام ياسين، في كانون الأول/ديسمبر 2012، شعوراً بالتفاؤل الحذر بأن العلاقات بين الجماعة وبين النظام قد تتحسّن. بيد أن أمد هذا الشعور كان من عمر الورود.

 فعلى الرغم من بروز قيادة جديدة للجماعة ورغبة مُعلَنة من قِبَلها في المشاركة في العملية السياسية، في سياق ظروف مناسبة، إلا أنها فشلت في التخلُّص من إرثها التاريخي المرتبط برفضها لسلطة الملك الدينية ولنظام الحوكمة المغربي. ثم، في حين أن السلطات المغربية انخرطت في حوار ومفاوضات مع نشطاء سياسيين آخرين، إلا أنها واصلت تهميش هذه الجماعة، وقوَّضت ماكان أصلاً تحالفاً محدوداً بين الأحزاب الإسلامية واليسارية التي لعبت دوراً رئيساً في المعارضة.

هذه الحرب الباردة المتجدّدة كانت جلية في آذار/مارس 2015، حين اعتقلت أجهزة الأمن قائداً نقابياً من الجماعة بتهمة الخيانة الزوجية. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، تفاقمت التوترات حين رفض المسؤولون المغاربة طلباً من زوجة ياسين بأن تُدفَن إلى جانب زوجها. وبعد كثير من الأخذ والردّ وتدخُّل السلطات العليا، سُمِحَ بإجراء الدفن حيث كان مقرّراً في البداية.

فيما كان انعدام الثقة يشوب علاقات النظام مع جماعة العدل والإحسان، كان حزب سياسي آخر، هو حزب العدالة والتنمية، يعثر على طريقة للعمل مع المؤسسة الملكية. وقد حصد هذا الحزب غالبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 2011، وارتقى ليصبح مشاركاً رئيساً في الحكومة، حيث أصبح زعيمه رئيساً لوزراء المغرب.

أما جماعة العدل والإحسان فهي لم تُبلِ بلاء حسناً. وإذا ماوضعنا في الاعتبار وجهات نظر الجماعة المتصلّبة إزاء النظام وموقف الدولة العنيد منها، فإن تطبيع العلاقات بين الطرفَين – وبالتالي منح الجماعة دوراً في التيار السياسي العام – لايبدو وارداً في المستقبل المنظور.

تاريخ معارضة غير عنيفة

تمثّل جماعة العدل والإحسان، التي تأسّست في العام 1986، نموذجاً فريداً بين الحركات الإسلامية في العالم العربي. فهي، من الناحية السياسية، غير عنيفة، لكنها حركة معارضة مناوئة للمؤسسة الحاكمة. وعلى المستوى الديني، تُعتبَر الجماعة قريبة من طريقة "الزاوية" الصوفية، وتُحبِّذ التعليم الروحي والصُحبة (إرشاد شيخ).

تماهت الجماعة بشكل وثيق مع شخصية ياسين الكاريزمية، الذي كان من أتباع الطريقة البوتشيشية الصوفية البارزة في المغرب. لكن ياسين افترق عن هذه الطريقة في أواسط السبعينيات بعد صراع على السلطة مع زعيمها الحالي الشيخ حمزة بن العباس، غداة موت والد هذا الأخير الذي كان يقود هذه الطريقة الصوفية.

ويمكن في الواقع العثور على مكامن التوتر طويل الأمد بين النظام وجماعة العدل والإحسان في مرحلة ماقبل تأسيس الجماعة، حين وجّه ياسين رسالة إلى الملك الراحل الحسن الثاني في أواسط السبعينيات، يطالب فيها بالحكم العادل والتوزيع العادل للثروة في البلاد.
واليوم، لاتعترف الدولة رسمياً بجماعة العدل والإحسان، وتُحكِم قبضتها على أنشطتها. وينبع موقف النظام هذا من رفض الحركة الاعتراف بسلطة الملك الدينية بوصفه "أمير المؤمنين"، وأيضاً من اعتبار الجماعة نظامَ الحكم المغربي غير عادل لأن كل الصلاحيات التنفيذية، بنظرها، محصورة في خاتمة المطاف في يد الملك.

تُصِرّ الجماعة على أنها ترفض المشاركة في الانتخابات بشكل رسمي، لأنها في نظرها مزوّرة من أصلها ، وأنها ستشارك بوسائل أخرى في السياسات الرسمية إذا ما أدخل النظام إصلاحات سياسية حقيقية. وهي انخرطت في نشاط سياسي من خلال أقنية غير رسمية، مثل الأنشطة الشبابية في الجامعات، منذ تأسيسها. كما أنها تُصِرّ على أنها تعمل في حدود القانون.

لكن الجماعة سعَت إلى القيام بدور أكثر نشاطاً إبان حمأة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في المغرب في العام 2011. فقد انضمّ القطاع الشبابي في الجماعة إلى حركة 20 فبراير التي كانت المنظِّم الرئيس للتظاهرات، والتي حدّدت دورها في إطار أجندة إصلاحية لتجنُّب المجابهة المباشرة مع الملَكية. بيد أن جماعة العدل والإحسان أرادت الذهاب أبعد من ذلك، وحاول بعض قادتها دفع حركة 20 فبراير إلى اتخاذ مواقف أكثر جذرية من النظام. بيد أن أحد قادة الجماعة قال أن النظام أثبط اليساريين الذين شاركوا في هذه الحركة من إمكانية التعاون مع الجماعة.1  وبالتالي تقوّضت جهود الجماعة لتحقيق إصلاحات أكبر بسبب مقاومة اليسار غير الراديكالي. وهكذا، ومع أن الجماعة كانت العمود الفقري لحركة 20 فبراير، إلا أنها فشلت في تحسين موقعها التفاوضي مع النظام.

في المقابل، برز حزب العدالة والتنمية بكونه المستفيد الأكبر من الاحتجاجات، على الرغم من بقائه بعيداً عن حركة 20 فبراير. ذلك أن النظام اضطر إلى تقديم سلسلة من التنازلات، وإلى انتهاج إصلاحات محدودة، بما في ذلك إجراء انتخابات مبكِّرة جرت بالفعل في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. وغداة الأداء القوي لحزب العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع، كلَّفه الملك تشكيل حكومة جديدة.

في هذه الأثناء، كانت جماعة العدل والإحسان تخرج بخفَّي حنين، وتجد نفسها غير مُحتضَنة لا من النظام ولا من المعارضة اليسارية. وبعد أسبوعين من عملية الاقتراع، انسحبت الجماعة من حركة 20 فبراير.

خطوات محدودة نحو التغيير

على الرغم من كل ذلك، كان لاحتجاجات حركة 20 فبراير تأثير على جماعة العدل والإحسان، وإن بشكل محدود.

كانت الجماعة تتعرّض دوماً إلى انتقادات بسبب تكلُّس هيكليتها التنظيمية (مثلها مثل النظام). وهي هيكلية ترتكز على تقديس زعيم واحد وتتّصف بغياب الديمقراطية الداخلية.

لكن، خلال السنوات الأخيرة من قيادة ياسين بدأت الجماعة بإعادة هيكلة نفسها، بهدف توسيع دائرتها القيادية وتحسين أدائها المؤسساتي. وقد دفعها اندلاع الاحتجاجات في العام 2011، ومارافقها من ديناميكيات الربيع العربي، إلى تسريع هذه العملية، من خلال مروحة من التغييرات التي تستهدف ضخّ مزيد من الشفافية في جسد الجماعة.

وأدّت وفاة ياسين في نهاية العام 2011 إلى تعزيز مطّرد في هذه التغييرات. فللمرة الأولى، على سبيل المثال، أقدم مجلس شورى الجماعة على طرح تمييز وظيفي بين الدعوة والسياسة. وفي الوقت نفسه، تم انتخاب محمد عبادي، وهو عضو مؤسِّس للجماعة وصديق مقرّب لياسين، في منصب جديد هو الأمين العام. وهذا كان مؤشراً على مدى حرص الجماعة على الاحتفاظ بهويتها الصوفية. كما أوجدت الجماعة منصب نائب الأمين العام وانتخبت له فتح الله أرسلان. ومع أن أرسلان لم يكن عضواً في الدائرة السياسية، إلا أنه كان قد عمل طويلاً كناطق رسمي باسم جماعة العدل والإحسان، ويُقال إن له نفوذاً على التوجُّه السياسي للتنظيم.

سجّلت الهيكلية الجديدة أيضاً نهاية حقبة الشيخ والمريد التي عمل فيها ياسين كشيخ مربي، فيما أتباع الجماعة مجرد تلامذة له. بدلاً من ذلك، أبدت الجماعة تصميماً على المضي قدماً نحو هيكلية أكثر ديمقراطية وشفافية، يكون فيها التوافق الداخلي مطلوباً قبل الإقدام على أي عمل. علاوة على ذلك، تم رفع عدد أعضاء الدائرة السياسية للجماعة، وبدأت هذه الأخيرة بإصدار التقارير غداة كل اجتماع لمكتبها الوطني.

منذ ذلك الحين، كانت جماعة العدل والإحسان حريصة على إبراز وتلميع صورة هيكليتها المؤسسية الجديدة، التي باتت معتمدة بشكل متزايد على دوائر متخصصة للإشراف على مجالات محدّدة. ويُحتمَل أن يسمح مجلس الإرشاد، الذي يضمّ أعضاء قديمي العهد في الجماعة، والذي يضع التوجُّه الاستراتيجي للحركة، لهذه الدوائر باتخاذ قرارات أكثر، طالما أنها تتوافق مع التوجُّه الاستراتيجي العام للمنظمة. بيد أن مجلس الإرشاد يحتفظ لنفسه بحق تجريد هذه الدوائر من الصلاحيات حين يكون هذا ضرورياً. مثلا، في حين أن مجلس الإرشاد منح القطاع الشبابي الضوء الأخضر للاشتراك في الاحتجاجات الشعبية للعام 2011، إلا أنه كان هو على الأرجح الذي اتخذ بشكل منفرد قرار الانسحاب منها. 

حاولت جماعة العدل والإحسان، سعياً منها إلى بناء دور سياسي أكبر لنفسها، الانفتاح على الفضاء العام والتواصل مع الإعلام. ومع اندلاع الربيع العربي، نشرت بيانات حول عدد من القضايا – بما في ذلك التعديلات الدستورية وانتخابات العام 2011، إضافة إلى النقاشات حول المرأة والصحة والشباب – الأمر الذي اعتُبِر تخلّياً عن رفضها السابق الراسخ لأي نقاش حول السياسات العامة، وعن لومها النظام في العادة على كل المشاكل المحلية.

فضلاً عن ذلك، حاولت جماعة العدل والإحسان التحرّر من العزلة الإعلامية التي كانت فُرِضَت عليها من قبل وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، من خلال إعادة تفعيل موقعها الإلكتروني، وإطلاق قناة خاصة بها على شبكة الإنترنت، وعقد جلسات إعلامية منتظمة مع وسائل إعلام مطبوعة مستقلة. ومع ذلك، تفادت وسائل إعلامية عدة نقل أخبار جماعة العدل والإحسان وقادتها، ربما خشية اجتذاب ردودَ فعل سلبية من النظام.

لكن هذه التغييرات التنظيمية التجميلية العديدة، لاتعكس تحوّلاً بنيوياً في جماعة العدل والإحسان، بل هي محاولة للتكيّف مع الظروف السائدة في المغرب. فالقرارات الاستراتيجية المهمة لايزال يصنعها مجلس الإرشاد، وأيٌّ من قادة جماعة العدل والإحسان لم يكن قادراً على شغر مكان مؤسِّس الجماعة. 

والواقع أن إصرار جماعة العدل والإحسان على تشكيل جبهة موحّدة يُعرقِل أي نقاش عام حول مسلّمات الجماعة، علماً أن أعضاءها لم ينخرطوا إلا في نقاش داخلي محدود حول المشاركة السياسية للحركة وخياراتها الاستراتيجية. كما أن الهيكلية الضيّقة للجماعة تُهمِّش الخصوم الداخليين، وتجعلهم عاجزين عن إحداث أي تغيير من الداخل. وبما أن هؤلاء النقّاد لايمثّلون مجموعة فكرية متجانسة، فهم غير قادرين على تشكيل منظمة جديدة خاصة بهم، ولذا ينضمّون في نهاية المطاف إلى مجموعات سياسية أخرى أو ينسحبون من الحياة السياسية برمّتها.

الاضطلاع بدور فاعل أكثر

تواصَل تهميش جماعة العدل والإحسان حتى تشرين الأول/أكتوبر 2014، عندما وجدت الجماعة فرصةً لقذف نفسها مجدداً إلى المسرح السياسي، عبر انضمامها إلى نقابات العمّال والأحزاب غير الإسلامية في إضراب عام دامَ يوماً واحداً، للاحتجاج على الحكومة على الظروف الاقتصادية المتدهورة. وقد شكّلت مشاركة الدائرة النقابية التابعة للجماعة في الإضراب العام الذي نُظِّم في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2014، أوّل تحرّك مهم تقوم به الجماعة منذ انسحابها من حركة 20 فبراير في أواخر العام 2011.

والمفارقة أن نقابات العمّال والأحزاب السياسية الموالية للنظام دعمت أيضاً الإضراب، محاججةً أنه يستهدف فقط الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية لا النظام الذي لاتزال تدعمه. وفي حين سعَت هذه المجموعات إلى استخدام الإضراب لإسقاط الحكومة، اتّهم بعض قادة حزب العدالة والتنمية جماعة العدل والإحسان بالانتهازية السياسية بسبب مشاركتها في التحرّك ضد حكومة يقودها إسلاميون.

شاركت جماعة العدل والإحسان في الإضراب العام لأسباب عدة، أهمها التهميش الذي عانت منه بعد انسحابها من حركة 20 فبراير. وسعَت الحركة، بدعمها احتجاجات نقابات العمّال، إلى تحقيق أهداف ثلاثة: إحياء ذراعها النقابية؛ ومفاقمة الظروف الاجتماعية-الاقتصادية لدفع النظام إلى المفاوضات؛ وإحباط تجربة حزب العدالة والتنمية في السلطة. وجاءت مشاركتها على خلفية تنافس إيديولوجي متواصل بين المجموعتَين الإسلاميّتَين. هذه النزاعات الداخلية بين المجموعات التي تتقاسم الإيديولوجيا نفسها عادةً ماتكون شرسة، لأن الخصوم يتنافسون على القاعدة الاجتماعية نفسها، وإذا فاز أحدهم، خسر الآخر. وفي هذه الحالة، يشير استمرار تواجد حزب العدالة والتنمية في الحكومة إلى أن جماعة العدل والإحسان فشلت في سعيها إلى تغيير النظام من خارج المجال السياسي الرسمي.

فشل الإضراب العام في إسقاط الحكومة أو مفاقمة الظروف الاجتماعية. وهو لم يجتذب إقبالاً عالياً، ولم يجبر الحكومة على الانخراط في مفاوضات. لذا بعد تلك المحاولة الفاشلة، قرّرت جماعة العدل والإحسان تَحيُّن فرصة أفضل للعودة إلى الشارع.

الوضع الراهن يُرجَّح استمراره

لاتزال موازين القوى بين النظام وجماعة العدل والإحسان تميل إلى صالح النظام. وثمة أسباب عدة تفسّر أرجحية استمرار الوضع الراهن في المستقبل القريب.

أولاً، خسرت جماعة العدل والإحسان العديد من مناصريها منذ العام 2007، نتيجة خيبة أملهم من "رؤى وأحلام" الحركة، وهذا تعبيرٌ يُقصَد به توقّعات قام بها ياسين وعدد آخر من القادة في العام 2006 بأن تغييراً جذرياً في حياة المغرب السياسية سيحدث في خلال تلك السنة. لكن عندما لم يحدث شيء، فَقَدَت الحركة ثقة العديد من أعضائها، الذين إما انسحبوا من الحياة السياسية أو انضمّوا إلى أحزاب أخرى.

ثانياً، ليس لجماعة العدل والإحسان أي حلفاء سياسيين مهمّين، وعلى الرغم من الروابط الجيدة التي تجمعها ببعض مجموعات اليسار الهامشية، من المستبعد أن تبني روابط جديدة. وقد طفا العداء الراسخ بين جماعة العدل والإحسان وأحزاب اليسار المُعارِضة إلى السطح مجدداً في الأيام الأولى لحركة 20 فبراير، وبعد بضعة أشهر، انفصلت الجماعة عن اليساريين. ثم أن علاقة جماعة العدل والإحسان مع الإسلاميين الآخرين متوتّرة هي أيضاً، مع أن الحركة تنخرط أحياناً في مجاملات اجتماعية ودينية معهم. كما أن بنية الجماعة المركزية، إضافة إلى اختلافاتها السياسية مع المجموعات الإسلامية الأخرى، تعني أنها لن تُشكِّل على الأرجح تحالفات جديدة مع تلك المجموعات.

ثالثاً، تُعَدّ قيادة جماعة العدل والإحسان محافِظةً لاتميل نحو التصادم مع النظام. فقادتها يأتون في معظم الأحيان من الطبقة الوسطى الحضرية، وهم إما يعملون في مهن حرة أو في وظائف بيروقراطية. لذا يَعرِف هؤلاء القادة أن التصعيد مع النظام لن يكون مكلفاً وحسب، بل سيولّد أيضاً محصلات غير مؤكّدة. وهكذا اختاروا أن يهدّئوا من نبرة خطابهم في احتجاجات العام 2011، كما قالت ندية ياسين، ابنة مؤسِّس الجماعة، في آذار/مارس 2015، للمحافظة على الاستقرار وتفادي العنف. ويستمر هؤلاء القادة في معارضة النظام بالوسائل السلمية. فقد دعا مسؤولو جماعة العدل والإحسان إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ الأحزاب كافة، وهذه، وفقاً لأحد قادة الحركة الكبار، الطريقة الوحيدة التي تودّ المجموعة المشاركة بها في السياسة الرسمية، في غياب إصلاحات مهمة من جانب الملك.2 

رابعاً، أضعفت مقاربة النظام تجاه الإسلاميين جماعة العدل والإحسان. فعقب انتخابات العام 2011، نجح النظام في ضبط حزب العدالة والتنمية، مكافئاً إيّاه بموقعٍ في الحكومة، مقابل دوره في الحفاظ على استقرار البلاد. كما أن بعض السلفيين أُدمِجوا أيضاً في العملية السياسية. بهذه الخطوات أصبح النظام واثقاً من أنه في موقع قوة ويستطيع الاستمرار في تهميش جماعة العدل والإحسان، التي حافظت على موقفها الثابت المناهض له. والواقع أن القصر راهن طويلاً على أن الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية ستهدّئ أي احتجاجات شعبية، وتُثبِت صحة مقاربة "الإدماج – الاعتدال" التي اعتمدتها الملَكية تجاه الإسلاميين، بتصريحاتٍ مُسانِدة من رئيس الوزراء تدعم شرعية الملك. ويستمر القصر في السعي إلى إخضاع جماعة العدل والإحسان، ومنعها من التحالف مع لاعبين سياسيين آخرين.

لقد تواجدت جماعة العدل والإحسان خارج الساحة السياسية العامة طوال ثلاثة عقود. والتغييرات الإقليمية والاحتجاجات الشعبية في المغرب، في العام 2011، لم تقلب العلاقة بين الجماعة والنظام. ومن المرجّح أن يبقى الوضع الحالي بينهما على ماهو عليه إلى أن يفقد أحد الطرفَين الأفضلية، وهذا الطرف لن يكون النظام على الأرجح.

لكن إدماج جماعة العدل والإحسان في المجال السياسي الرسمي، شرط ضروري لتحقيق أي انتقال حقيقي إلى ديمقراطية تعدّدية في المغرب. لهذه الغاية، سيكون على كلٍّ من النظام وجماعة العدل والإحسان أن يخفّفا من مواقفهما المشدودة ويطلقا حواراً سياسياً جدّياً.

هوامش

1 مقابلة أجراها الكاتب مع مسؤول كبير في جماعة العدل والإحسان، في الدار البيضاء، آذار/مارس 2015.

2 المصدر السابق.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.