المصدر: Getty
دراسة

المسار الجغرافي للنزاع والتطرُّف في تونس

بعد أكثر من ست سنوات من إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي، لاتزال المناطق الحدودية في تونس مرتعاً للسخط الاجتماعي والاضطرابات.

نشرت في ٢٠ يوليو ٢٠١٧

بعد أكثر من ست سنوات من إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي، لاتزال المناطق الحدودية في تونس مرتعاً للسخط الاجتماعي والاضطرابات. فالشبان المغبونون يُعبّرون على نحو مُطّرد عن غضبهم من خلال احتجاجات ساخنة ومتقدة، وعنف في الشوارع، وفي بعض الحالات التطرُّف العنيف. ورداً على الإرهاب والقلاقل المتواصلة، طوّرت الحكومة التونسية سياسات أمنية مُتشدّدة، غالباً ما تؤدي مضاعفاتها إلى مفاقمة التوترات الاجتماعية، والعنف السياسي، والتطرُّف. وهذه حلقة مفرغة ليس بالمستطاع كسرها سوى من خلال قيام الحكومة التونسية بإعادة النظر في مقاربتها الراهنة حيال المناطق الحدودية.

الحدود الهشّة للدولة التونسية

  • العديد من اليافعين في المناطق الحدودية التونسية فقدوا الثقة بعملية الانتقال الديمقراطي، وتنامت لديهم مشاعر لاهبة من الإحباط العميق، والحنق، والعداء لسلطة الدولة.
  • أدّت سنوات من الاحتجاجات المتّصلة إلى تصعيد وتصليب المطالب المُتمحورة حول عقد اجتماعي جديد يمكن أن يُسفر عن إعادة توزيع أكثر عدالة لموارد الدولة، وعن عملية إدماج تكون في آن شفافة وشاملة للجميع في مجال إدارة الموارد الطبيعية للبلاد.
  • ساهم عجز الدولة، أو عدم استعدادها، لإصلاح أنماط الحوكمة- وأيضاً نزوعها إلى مهاجمة المُحتجين ووصمهم بأنهم مُثيرو شغب ومُهرّبون وإرهابيون- في رفع وتائر التسييس والتطرف لدى الشبان.
  • يُعتبر الانقطاع المطوّل بين الدولة وبين المناطق المُهمّشة مسألة خطرة، تُهدِّد بإغراق البلاد في لجج عنف قد تدفعها إلى الارتداد ثانية إلى الحكم السلطوي القمعي.

توصيات إلى السلطات التونسية والمجتمع الدولي

  • ضرورة الاعتراف بتجارب المناطق الحدودية المريرة مع التمييز الاجتماعي- الاقتصادي والعسف السياسي على مدى عقود كاملة، وكذلك الإقرار بمكانة الشخصيات التاريخية، والرموز، والانجازات التي قدّمتها هذه المناطق إلى تونس. وإذا ما ترافق ذلك مع برنامج تنمية جهوية حقيقية، فقد تساهم مثل هذه اللفتات في مصالحة الأطراف المحرومة والمغبونة مع الساحل المتوسطي الشرقي المُهمين على البلاد.
  • دعم الاستراتيجيات التي ترفع من وتائر القدرة التنافسية الزراعية، وتُصلح ملكية الأراضي، وتُحسِّن إدارة الموارد الطبيعية. إن استثمار قسط عادل من الأرباح المتأتية من الموارد المحلية في مشاريع لصالح هذه المناطق، يمكن أن يُحسِّن معيشة سكانها ويدفعها قدماً إلى الأمام.
  • إصلاح أجهزة الأمن الداخلي وقطاع العدالة الجنائية، ووضع برامج إعادة تأهيل وإدماج لمئات المقاتلين التونسيين العائدين من ساحات الحروب الخارجية.
  • دعم وتمكين نشاطات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ولجنة الحقيقة والكرامة. إن تقليص الفساد، واستعادة العدالة، وتوفير التعويض لضحايا القمع، كل هذا من شأنه تعزيز استقرار مُستدام.

مقدّمة

تُعمِّق كلٌ من ظاهرتي التفاوت الاجتماعي وعدم التناظر الجهوي، الصدع بين المناطق الطَرْفِية المُتململة والمُضطربة وبين المناطق الساحلية في شرق المتوسط، مايُهدِّد بتقويض المرحلة الانتقالية الديمقراطية في البلاد. وتخشى النخب الساحلية التونسية، كما تُسيء فهم، السخط المرير الذي يغشى المجتمعات المحلية الحدودية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تحصين البلاد من التهديدات الإرهابية المُتصاعدة. ولايجب أن ننسى هنا أن الجماعات الإرهابية العنيفة في هذه المجتمعات، تتغذّى من خيبات الأمل من عملية الانتقال الديمقراطي هذه، وتتصيّد مشاعر العجز والإقصاء المتفاقمة في صفوف الشبان التونسيين.

والحال أن التركيز ضيّق الأفق للحكومة التونسية على مكافحة الإيديولوجيا المتطرفة، يحرف الانتباه عن معالجة البواعث الحقيقية للتطرّف، على رغم أن الدراسات الأخيرة أظهرت أن جاذبية الجماعات المتطرفة العنيفة، على غرار الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتيا، تستند في الدرجة الأولى إلى وعد التمكين واستعادة الكرامة، أكثر من اعتمادها على الإيديولوجيا أو الإيمان الديني.1

لقد اختبرت تونس منذ ثورة 2011 مروحة واسعة من التهديدات الأمنية، خاصة على طول حدودها الهشّة. وستعمد هذه الدراسة إلى تقييم مقاربات تونس المتمحورة حول الأمن والسيطرة على الحدود، كما ستطرح توصيات واقتراحات حول معالجة الفجوة الخطرة بين شبان المناطق الحدودية وبين الدولة.

ديناميكيات التطرُّف

كانت الحكومة التونسية، منذ نهاية العهد السلطوي للرئيس السابق زين العابدين بن علي في كانون الثاني/يناير 2011، تجهد لجبه الخطر الإرهابي الذي يغيّر جلده باستمرار، بعد أن كانت الثورة التونسية زعزعت في البداية المشهد الأمني، وأصابته بالوهن السياسي والاضطراب الجهوي. علاوةً على ذلك، وفّرت حقبة مابعد الثورة لمختلف فصائل الجماعات السلفية الفرص السانحة لزرع بذور حركة ثورية أخرى في تربة البيئات الفقيرة، كما سمحت لها بقطف ثمار خيبات الأمل المتفشية بين الشبان، خصوصاً في المناطق الحدودية. وهكذا، تقدّم السلفيون من كل الألوان والمشارب الصفوف، وكان أكثر من أفاد بينهم من عملية الانتقال السياسي، من يُسمون السلفيين الجهاديين. فقد شهدت قوة هؤلاء طفرة واضحة، بعد إطلاق سراح المئات منهم من السجون، وبعد عودة العديد من مشايخهم البارزين إلى تونس من ملاذاتهم في أوروبا الغربية، حيث طفقوا يمدّون جذورهم في الأحياء الفقيرة والمهمّشة التي تغيب عنها سلطة الدولة.2

إحدى التحديات التي واجهت السلفيين، كمنت في كيفية تحويل الشبكات السلفية الجهادية المُتباينة إلى بنية هيكلية ثابتة تتمتع بسلطة مركزية وقيادة مُحدّدة. وقد التفّ العديد من السلفيين المتطرفين حول جماعة أنصار الشريعة المُتشدّدة التي أسّسها السجين السابق سيف الله بن حسين، المعروف باسم أبو عياض، في أواخر نيسان/أبريل 2011. أعطى أبو عياض هذا الأولوية للسيطرة المركزية بدل التركيز على تنامي السلفية الجهادية، لأنه خشي أن تؤدي التوجهات السلبية إلى إلحاق الضرر بالحركة.3 والواقع أن هذه المخاوف سرعان ماتحققت على أرض الواقع، حين غرقت الحركة في لجج الخلافات حول مسألة العنف ضد معارض الفن، والأضرحة، ومحال بيع الخمور.4 وعلى رغم ادعاءات أبو عياض بأن تونس لم تعد أرض جهاد، إلا أن الدعوة السلفية وخطابها العنيف باتا على نحو مطّرد حادين ضد باقي التونسيين الذين يرفض السلفيون أسلوب حياتهم.

تصاعُد أعمال العنف وصل إلى ذراه في أيلول/سبتمبر 2012، حين أشعلت دهماء هائجة النيران في السفارة الأميركية وفي المدرسة التعاونية الأميركية بتونس. وهكذا أثبتت السلفية التي تحاول فرض قوانينها الخاصة أنها مُدمّرة لهذا التيار، خاصة حين تشدّد الطرف الإسلامي الرئيس، حزب النهضة، الذي تزعّم إئتلافاً حاكماً في الفترة بين تشرين الأول/أكتوبر 2011 وكانون الثاني/يناير 2014، في مقاربته الأمنية، واستهدف هيئات أنصار الشريعة ومنظماتها الجماهيرية ونشاطاتها الاجتماعية. هذا الموقف المُتشدّد حفز السلفيين الجهاديين على تحويل اهتمامهم بعيداً عن الدعوة المُتطرفة، وأحياناً العنيفة، والتركيز بدل ذلك على تحدّي سلطة الدولة وشن الهجمات على مؤسساتها الرئيسة. كان السلفيون يأملون بهز صدقية أجهزة أمن الدولة، عبر الإثبات للتونسيين الساخطين بأن حكومتهم عاجزة عن وقف هجمات السلفيين الجهاديين.

تصاعدت استراتيجية الاستنزاف هذه العام 2013، وطفت على السطح حلقة مفرغة من الاستفزاز، والرد الانتقامي، والقمع. حينها، أنحى رئيس الوزراء الإسلامي آنذاك علي العريض باللائمة على جماعة أنصار الشريعة لاغتيال شخصيتين سياسيتين تونسيتين، وإرداء العديد من أفراد قوات الأمن قتلى.5 وقد أدّت الحملات الشاملة في البلاد ضد مخابىء وملاذات المُشتبه بهم من المُتشددين إلى اكتشاف مخازن أسلحة كانت مُعدّة لهجمات مستقبلية. وفي خضم وطيس الحرب المتصاعدة بين الدولة وبين أنصار الشريعة، عمدت منظمات صغيرة مُتشدّدة وعنيفة على ارتباط بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلى تصعيد الموقف في المناطق الغربية المحاذية للجزائر. وبعد تصنيف أنصار الشريعة كمنظمة إرهابية، وما تلا ذلك من شن حملة أمنية واسعة النطاق عليها وعلى أنصارها، تموضعت جماعات على غرار كتيبة عقبة بن نافع (وهي فرع من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب) كحاجز ضد سياسة الدولة القائمة على تجريم السلفية وقمع الاعتراض. وهي فعلت ذلك على وجه الخصوص في أكثر الأحياء والمناطق حرماناً في البلاد.

أدّت هزيمة أنصار الشريعة إلى تسريع تفكّك المشهد التونسي المُتشدّد، إذ لفظت هذه الجماعة أنفاسها في أواخر 2014 بفعل الهجمات المتواصلة للقوات المسلحة الحكومية. وهذا خلّف وراءه فراغاً إيديولوجياً وقواعد شعبية كبيرة ساخطة، لجأ بعض أعضائها إلى الاستكانة مؤقتاً والعمل السرّي عبر دمج الشبكات بعضها ببعض وإقامة روابط اجتماعية في بن قردان قرب الحدود مع ليبيا، فيما انضمّ أعضاء آخرون إلى مسرحي العمليات العسكرية في سورية وليبيا.6 بيد أن فريقاً ثالثاً من السلفيين واصل القتال ضد "الحكومة الطاغية" من خلال الارتباط بكتيبة عقبة بن نافع قرب الحدود الجزائرية.

كان تركيز الحركة السلفية- الجهادية، إلى حين أحاقت الهزيمة بأنصار الشريعة، ينصّب على زعزعة استقرار مؤسسات الدولة، فيما هي تنشط لتعبئة جحافل من التونسيين المُستائين من عملية الانتقال الديمقراطي. لكن فشل هذه الاستراتيجية أسفر عن تحوّل جذري في المقاربة التي كانت قد حبّذت ضرب المدنيين كما الأهداف العسكرية.7 وكانت هذه الاستراتيجية الجديدة شهدت تنامياً ضخماً بفعل النشاط المتمدِّد والعميق للدولة الإسلامية في ليبيا. ففي العام 2015 وحده، ادّعى تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن ثلاثة هجمات: في متحف باردو الوطني في العاصمة تونس (22 قتيلا)، وفي منتجع ساحلي في سوسة (38 قتيلا) وضد باص ينقل الحرس الرئاسي التونسي في العاصمة (12 قتيلا). وفي آذار/مارس 2016، شنّ عشرات من أفراد خلايا نائمة درّبتها الدولة الإسلامية هجوماً دراماتيكياً على قوات الأمن التونسية في بن قردان.

صدّت قوات الأمن التونسية بنجاح هذا الهجوم الأخير الذي استهدف السيطرة على بن قردان، بهدف تشجيع السكان المحليين الساخطين على التمرّد علنا. بيد أن حجم هذه المحاولة وتواطؤ بعض سكان بن قردان، أماط اللثام عن أن الجماعات المُتطرفة قادرة بالفعل على التمدّد والانتشار في مناطق الحدود. مثل هذا التطوّر يتطلّب من الحكومة التونسية أن تتبنّى مقاربة جديدة لاتكون محدودة بإنفاذ الأمن والنظام وتطبيق إجراءات عسكرية، بل تستند أساساً إلى تحليل مخاطر التطرّف في السياقات والبيئات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت فيها. إذ في تونس، تُعتبر المُثيرات الاجتماعية- الاقتصادية (التنفير والانسلاخ، والتمييز، والوسم بالعار) والتباينات الجهوية، مؤشرات مهمة تُنبئ بآفاق عنف الشباب ونزعات التطرف، خاصة في المناطق الحدودية.8

ركائز ودعائم التطرُّف

يمكن القول إن مقاربة الحكومة الراهنة للإرهاب قمينة بأن تُشعل فتيل المزيد من التطرُّف والنزعات الراديكالية. من جانبه، يحب الرئيس باجي قائد السبسي أن ينحّي جانباً التطرّف العنفي بصفته بربرية متعصّبة مُوحى بها من الخارج.9 بيد أن هذه المقاربة المتمحورة حول الإيديولوجيا تتجاهل الدوافع الكامنة وراء هذا التطرّف، كما أنها تحد من قدرة الحكومة على تقدير حجم ومدى وعمق التهديد بطريقة منهجية. ثم أن الخطوات الحكومية التي تتجاهل المقومات الاجتماعية والاقتصادية والجهوية للتطرّف، ستؤثّر على مسارات ومسالك الإرهاب في تونس.10

والواقع أن سهام التقديرات المُتجردة لمشاكل تونس مع التطرُّف، تنصب مباشرة على العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمناطقية، أكثر من مسائل الأصوليات الدينية.11 وتُظهر الدراسات النادرة التي أُجريت، أن معظم الشبان التونسيين الأكثر تعاطفاً مع أنصار الشريعة يتحدرون من بيئات فقيرة وكانوا سابقاً الأقل التزاماً بتطبيق الشعائر الدينية. كما تُظهر أن الشبان المغبونين والمُضطهدين يتعاطفون مع الجهاديين، لأنهم يتشاطرون معهم الخلفيات الاجتماعية- الاقتصادية البائسة نفسها، ويقطنون في الأحياء المتداعية ذاتها.12

بالطبع، الإيديولوجيات المتطرّفة يمكن أن تتأثر بالسياقات الإقليمية والتظلّمات الجيو-سياسية، لكنها تكون أيضاً تعبيراً عن بيئاتها المحلية. وهذا صحيح على وجه الخصوص بالنسبة إلى الجيل الأخير من المتطرفين التونسيين، الذين لم يكونوا موجودين في الموجة الأولى من المعارك في أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، كما كانوا يافعين في الجولة الثانية من المعارك الرئيسة التي بدأت بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 على إثر الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة والتي تصاعدت مع الغزو الأميركي للعراق العام 2003.

يُعبّر أفضل تعبير عن الجيل الثالث من المتطرفين الذين نضجوا مع الثورة التونسية في 2011-2012، أولئك الذين ارتكبوا الهجمات الإرهابية الدراماتيكية التي ضربت تونس العام 2015: فهم وُلدوا في التسعينيات، وتذوّقوا مرارة الحكم القمعي لبن علي، ثم انضموا إلى سياسة التمرّد التي وضعت نهاية لهذا الحكم التعسفي. بيد أنهم أصيبوا بالخيبة جراء عجز حكومات مابعد الثورة عن تحقيق مطالبهم، ولذا قاموا بتنحية الحماسة الثورية جانباً بسرعة وعانقوا السلفية الجهادية بوصفها الأداة الرئيسة للمقاومة.13

واليوم، يُعتبر الشبان الذين أصبحوا متطرفين أفضل تعليماً من أقرانهم المواطنين الآخرين، لكنهم عاطلون كلياً أو جزئياً عن العمل.14 تتراوح أعمار هؤلاء بين سن الثامنة عشرة والرابعة والعشرين15 والعديد منهم، بمن فيهم الثلاثة الذين ارتبكوا الهجومين في باردو وسوسة، ويأتون من خلفيات مُفقرة ومناطق مُهمّشة.16 علاوةً على ذلك، تسمح مشاعر الزهادة وقلة الأهمية في ضواحي العاصمة أو على مشارف ولاية القصرين للجماعات المتطرّفة بأن تدمج بين النشاطات الدعوية والاجتماعية لتسهيل تعبئة الدعم لها على حساب الدولة.17 فقبل هزيمة أنصار الشريعة، كان الانضمام إلى هذه الجماعة الأخيرة موازٍ للانخراط في حركة ثورية قادرة على تمزيق النظام المؤسسي والجيلي (من جيل).18 ولذا، كانت هذه الحركة ملاذاً ملائماً لأولئك المُهمشين في المجتمع الباحثين عن وسيلة للتنفيس عن إحباطاتهم وتحطّم آمالهم من عملية الانتقال الديمقراطي.

ولّد فشل عملية الانتقال الديمقراطي في تحسين الظروف الاقتصادية للشبان التونسيين شعوراً بأن النظام مُوجّه ضدهم. وقد وجد تقرير للبنك الدولي العام 2014 حول كيفية إزالة العقبات أمام إدماج الشباب، أن 68 في المئة من اليافعين المدينيين و91 في المئة من الشبان الريفيين لايمحضون النظام السياسي ثقتهم.19 أما القادة السياسيون فمازالوا إلى حد كبير طاعنين في السن، وفرانكوفونيين، وينتمون إلى الطبقة الوسطى، فيما غالبية التونسيين شباناً يافعين، ويتحدثون العربية، ومحرومين.

بالطبع، معالجة المحصلات المُخيّبة للآمال تختلف من فرد إلى آخر. لكن التجربة التونسية تشي بأن الحنق والغضب من تواصل الإقصاء الاجتماعي والتباينات الجهوية، جنباً إلى جنب مع التعرُّض إلى مؤثرات خطاب الدعاة السلفيين، هي عوامل مهمة لفهم أسباب نزوع الشبان إلى التطرُّف. فمع تصاعد وتائر الإحباط، يصبح بعض الأشخاص أكثر ميلاً إلى العدمية، كما تدل على ذلك المعدلات المرتفعة لعمليات الانتحار وإحراق الذات في أكثر الأحياء والمناطق إفقارا.20 هذا في حين يصبح آخرون منجذبين إلى المفاتن البطولية للمقاتلين الجهاديين في ساحات المعارك السورية والليبية، أو في جبل الشعانبي قرب القصرين، الذي يقع على مرمى حجر من الحدود الجزائرية.21

التحدي الماثل أمام المسؤولين الحكوميين التونسيين هو فهم ظاهرة تمرّد الشباب هذه. ذلك أن اعتبار الأصولية الإسلامية الدافع الرئيس للتطرّف، يسىء تشخيص المشكلة: ففي كل حين يقع هجوم إرهابي، تشنّ الدولة حملة على المُشتبه بأنهم مُتشدّدين. ويشتكي السلفيون من المعاملة الإذلالية، والغارات غير القانونية، والاعتقالات التعسفية، والمضايقات القانونية. كما تشتكي عائلات المُشتبه بهم والمقاتلين العائدين إلى الوطن من الاضطهاد والعسف المنهجي للشرطة. وفي غياب برامج نزع التطرف أو سياسة إعادة الإدماج الاجتماعي، تُصبح هذه المقاربة الأمنية ثقيلة الوطأة وعكسية النتائج. لا بل ثمة ما هو أسوأ: إنها "تدفع الناس إلى الإرهاب"، كما يقول رضا رضاوي المؤلّف المشارك لتقرير أخير حول الإرهاب في تونس نشره المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.22 هذه المخاوف نفسها طرحتها منظمات حقوق دولية، حين حذّرت من أن العُسف باسم الأمن، لايفعل شيئاً سوى تعقيد التهديدات الأمنية التي تواجهها البلاد.23

علاوةً على ذلك، باتت السجون التونسية، بسمعتها السيئة واكتظاظها والمصارف الصحية البائسة فيها، بيئة ممتازة لترعرع التطرُّف. وهذا ما أثبته على نحو فاقع التحوّل الدراماتيكي لمغني راب في ربيعه الخامس والعشرين إلى مقاتل في صفوف الدولة الإسلامية. كان هذا المغني، وهو مروان الدويري، المعروف باسم أمينو، زير نساء ويعشق نشر صوره الخاصة قبالة سيارات السباق إلى جانب نساء غير محتشمات البتة.24لكن، بعد ثمانية أشهر في غياهب السجون بتهمة حيازة الحشيش، تغيّر أسلوب حياته بشكل جذري وسريع. ففي غضون سنة واحدة، تخلى عن الراب، وغيّر ملابسه، وأعلن ولاءه للدولة الإسلامية عبر فايسبوك في آذار/مارس 2015.25 كان مروان قبيل تحوّله إلى التطرّف في السجن قد انتقد عنف الشرطة ضد الشبان التونسيين، وجادل محاميه السابق غازي المرابط بأن مثل هذا العنف مسؤول عن انتقال أمينو إلى السلفية المتطرفة.26

وهكذا، يؤدي الإمتهان المتواصل للمجتمعات المحلية المُفقرة، والصدمة الناجمة عن ممارسات الشرطة العنفية والتطفلية، إلى خلق مشاعر إذلال عميقة في نفوس الشبان، وإثارة أحاسيس المرارة لديهم ضد سلطة الدولة. ويُعبَّر غالباً عن هذا الإحباط في الاحتجاجات، والعنف في الشوارع، والتطرُّف العنيف، خاصة في المناطق الحدودية التي طالما عانت من الإهمال، والتي تتحمّل جُل وطأة سياسة القبضة الحديدية التي تمارسها الحكومة.

منطقة في حالة ثَوَران: الحدود الجنوبية الشرقية لتونس

واقع أن المنطقة الجنوبية الشرقية لتونس تغلي بالسخط الشديد والعداء للحكومة، ليس بالأمر المستجد أو المفاجىء، إذ أنها لطالما كانت مُبتلية بالإقصاء والحرمان. فمن الحكم الاستعماري لهذه المنطقة إلى عهد بن علي، كانت هذه الأطراف الجنوبية مُهمّشة ومُدانة بكونها بيئة قَبَلِية، وجامحة، ومتخلّفة. وقد أدّى رسم الفرنسيين الحدود الاعتباطية، ومصادرة الأراضي وفرض الاستقرار الإجباري على البدو في المنطقة التي تعاني من ضعف الإمكانات الزراعية، إلى الإخلال بالحياة الرعوية لسكانها.27 كما خلقت سياسة أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، الحبيب بورقيبة، الذي أعاد التأكيد على هذه التوجهات غير المُتناظرة، شعوراً عميقاً بالظلم، وأشعل روح التمرّد ضد المركز.

أولى خطوات التحدي لهذا الواقع برزت غداة الاستقلال في العام 1956، حين اصطفّت الجهات الجنوبية إلى جانب العدو السياسي لبورقيبة، صالح بن يوسف، وهو قائد وطني جنوبي تحدى هيمنة جهاز الدولة وأدان موارد ومداخيل النخبة في تونس العاصمة والساحل الشمالي الشرقي.28 هذه الخصومات السياسية نفسها بُعِثَت من جديد في الانتخابات الرئاسية العام 2014، حين صوّت الجنوب المُفقر بشكل كاسح ضد المرشح الرئاسي السبسي، الذي يُعتبر ركيزة مركزية راسخة لهياكل السلطة المُهيمنة التي حكمت تونس منذ الاستقلال. في كلا الحالتين، كان سكان الجنوب يعبّرون عن سخطهم من الانموذج الاقتصادي السائد الذي أدار الظهر لهم. وهكذا، من مركزية الدولة السلطوية في عهد بورقيبة إلى الليبرالية الاقتصادية القائمة على المحسوبية خلال حكم بن علي، وجدت المناطق الجنوبية نفسها في الجانب الخاسر من اقتصاد مُختل التوازن للغاية.

عدا حفنة الوظائف في الجيش وفي الحكومة المحلية التي تصدّقت بها الدولة كمحسوبية سياسية، تعيّن على السكان الجنوبيين أن يعيلوا أنفسهم بأنفسهم من خلال العمل في اقتصاد السوق السوداء. فالعائلات في النواحي الحدودية مع ليبيا، تدبّرت أمرها بمعطيات معيشية متداعية تتكوّن في غالب الأحيان من عمل مياوم في التجارة غير المنظّمة والتهريب عبر الحدود. وقد سرّعت العلاقات المتزعزعة مع الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي قتل في تشرين الأول/أكتوبر 2011، تعزيز الطابع غير المنظّم للتجارة عبر الحدود. كما أشرع الإغلاق الدوري للحدود وطرد العمال التونسيين من ليبيا الأبواب أمام الكارتلات القَبَلية لتطوير خدمات مربحة عبر الحدود. وهكذا، طوّرت قبيلة التوازين التابعة لبن قردان وحلفائها من قبائل النوايل في ليبيا أسواقاً غير نظامية تتعاطى بالعملة، والاتجار بالبشر، وتهريب مروحة واسعة من السلع الليبية المدعّمة، من الوقود إلى السكر. وفي العام 1993، دفعت العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على ليبيا السكان على كلا جانبي الحدود إلى الاعتماد على التهريب لتأمين لقمة العيش.

تسامح نظام بن علي، إن لم يكن شجّع، نمو المراكز غير القانونية للتجارة بوصفها صمامات أمان يمكن أن تُنفّس الاحتقان المجتمعي الذي قد ينفجر في شكل اضطرابات أهلية أو عمليات هجرة جماعية إلى المناطق الأكثر تطوراً في المدن الساحلية الشرقية. لكن، كان ثمة محظوران بارزان لهذه الاتفاقية غير الرسمية: فالكارتلات القبلية تعهّدت بعدم الانخراط في تهريب الأسلحة والمخدرات والتزمت مساعدة الحكومة على حماية الحدود من تسلل مهربي هذه المواد. وحين كسرت الحكومة قواعد هذه الاتفاقية الضمنية، غرقت منطقة الحدود في بحر لجب من الاضطرابات. ففي صيف 2010، تمرّد التجار غير النظاميين والمهربين عبر الحدود ضد كلٍ من إغلاق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا، ومحاولات أقارب بن علي سيئي السمعة فرض ضريبة خروج على التونسيين الذين يعبرون الحدود. ولم يتوقف العنف والاضطرابات إلا بعد أن ألغى الرئيس الضريبة، وأمر بإعادة فتح المعبر الحدودي. السيناريو نفسه تكرر في أوائل 2015، بعد أن فرضت الحكومة التونسية ضريبة تصدير قدرها 15 دولاراً على الأجانب، مادفع السلطات الليبية إلى الرد بالمثل.29 ومرة أخرى، أدت الاحتجاجات الشرسة إلى إجبار السلطات على تعليق هذه الضريبة أيضا.

عرقل سقوط نظام بن علي نشاط الأسواق عبر الحدود، وشبكات التجارة، ومستويات السلوك. كما انه أربك التراتبيات التقليدية الداخلية والخارجية للسلطة القَبَلية، إذ باتت النخب القبلية المُهيمنة وكارتلات التهريب عُرضة إلى المنافسة من قبل قبائل كانت هامشية في ما مضى ومن أطراف مُغامرة. وقد عمد اللاعبون الجدد، الذين اغتنموا فرصة تشتت انتباه القوى الأمنية وعدم تنظيم اقتصاد الحدود، إلى توسيع مجالات تجارتهم لتشمل سلعاً كانت ممنوعة سابقاً كالكحول والمخدرات. ومما زاد الطين بلّة في السوق السوداء دخول المتطرفين العنيفين على خط هذا الخليط، الأمر الذي أوجب التمييز بين الشبكات غير النظامية الحميدة للتجار عبر الحدود وبين رواد الجريمة المُنظَمة والعنف. لكن من سوء الحظ، تميل السلطات التونسية، ومعها الإعلام، على نحو متزايد إلى خلط كل أنواع التهريب غير القانوني بعضه ببعض بوصفه يشكل تهديداً لأمن الدولة. وهذا المنحى القائم على تجريم اقتصاد الظل، ينفّر السكان المحليين واللاعبين الاقتصاديين الذين تحتاجهم الحكومة للمساعدة على إدارة شؤون الحدود. هذا إضافة إلى أن ذلك يفاقم الأزمة الاجتماعية التي تغلي تحت سطح المنطقة الجنوبية.

والحال أن الموجة الرعناء من الهجمات الإرهابية في تونس وتوغّل الدولة الإسلامية في أعماق جنوب البلاد، يمكِّن ويعزز مقاربة الحكومة المستندة إلى شعار الأمن أولاً في المناطق الحدودية. وهكذا، رفع الهجوم في بن قردان في آذار/مارس 2016 من وتائر عسكرة المناطق الحدودية بهدف ردع الإرهاب وقطع دابر تجارة التهريب المُتنامية. كما حثّت الحكومة الخطى لبناء حاجز مناوىء للإرهاب يبلغ مداه 125 ميلاً على طول الحدود مع ليبيا. هذا الحاجز، الذي تُطلق عليه تونس اسم "نظام العقبات" مكوّن من أكوام رمال وخنادق مليئة بالمياه لمنع العربات والأشخاص الذين يحملون مواد مهرّبة من عبور الحدود. وفي سبيل منع المتشددين من دخول تونس عبر ليبيا، سيُجهّز هذا الحاجز بمجسات إلكترونية ويعزز بأبراج مراقبة وطائرات من دون طيار.30

لكن لايُحتمل أن تكون عسكرة الحدود فعّالة، إلا إذا أصبحت الحكومة جدّية في معالجة الأسباب العميقة لانعدام الأمن في الجنوب. فبناء الجدار لن يوقف الإرهاب ولن يحد من تدفق المواد المُهرّبة إلى البلاد. لا بل يشي التاريخ الحديث بأن إغلاق الحدود الجنوبية لايفعل شيئاً سوى تشجيع مهنة التهريب. ففي حقبة الثمانينيات، أصبحت منطقة بن قردان ملاذاً رئيساً للتهريب، بالتحديد حين جرى إغلاق الحدود مع ليبيا. وبالتالي، لن تؤثّر عسكرة الحدود سوى على أضعف الناس الذين يعتمدون على الاتجار في الممنوعات، والذين يفتقدون إلى الوسائل والشبكات للتغلّب على عقبة الحواجز الحدودية. أما حلقات التهريب الأقوى والأغنى، فإنها ستستخدم الطرق الرئيسة، وستفيد من تواطؤ وتغاضي عناصر دوريات الحدود التونسيين ومسؤولين رسميين آخرين.31

يُنحي المنطق البسيط في تونس لائمة البلايا الأمنية في البلاد على ليبيا. كما يعتقد العديد من المسؤولين التونسيين أن التهديدات الأمنية تنبع في الدرجة الأولى من الخارج، وبالتالي فهي تتطلّب أساساً مقاربة وردوداً أمنية. مثل هذه المقاربة تُعطي الأولوية لتعزيز عمليات مراقبة الحدود، وتطوير قدرات أجهزة المخابرات والمؤسسات الأمنية الأخرى في اكتشاف ومنع تنقّل المتشددين والمهربين عبر الحدود من ليبيا. بالطبع، تركيز السلطات التونسية على تعزيز الحدود وزيادة الحواجز قابلة الحدود الليبية أمر مهم، لكنه يجازف بحرف الانتباه عن جذور الأسباب المؤدية إلى فقدان الأمن. ونتيجة لذلك، لم تنل المشاكل الاجتماعية- الاقتصادية التي تُشعل إوار السخط السياسي، والاضطرابات الاجتماعية، والتطرف العنيف، ما تستحق من الدولة، عدا تقديم الوعود ومعسول الكلام.

لقد أصبحت المقاربة التقليدية لمكافحة الإرهاب ثابتة من ثوابت سياسة تونس نحو الأطراف الجنوبية الشرقية من البلاد. ففي العام 2014، خاض السبسي بنجاح معركة الانتخابات الرئاسية بوصفه المرشح الأكثر قدرة على استعادة الاستقرار والأمن في البلاد. لكن بالنسبة إلى العديدين في الجنوب الذين رفضوا هذا الترشيح، تتم مطابقة عهد السبسي كرئيس مع القسوة والتعيير. ويؤكّد استصغار السبسي للجنوب (وصف منافسه في الانتخابات الرئاسية للعام 2014، وهو الجنوبي منصف المرزوقي، بأنه "مرشح الجهاديين")، شبهات العديدين بأن النخبة السياسية تتعمّد ترك هذه المناطق لتتآكل.32 وعلى أي حال، سبق للسبسي أن أثار زوبعة من الجدل في أيلول/سبتمبر 2011 حين تحدّث عن المناطق المتحضّرة في الساحل، مما يعني ضمناً أن المناطق الجنوبية غير مُتحضّرة.

والحصيلة؟ إنها تتمثّل في أن وعود السبسي للتصدي للفوضى والخروج على القانون على طول الحدود، اصطدمت مع حقيقة قاسية هي أن المجتمعات المحلية تعتمد في معيشتها على الانتقال الحر للأشخاص والبضائع. وهذا البُعد العابر للحدود في العلاقات القبلية والاجتماعية بين جنوب شرق تونس وبين غرب ليبيا، يجعل أي إعاقة للتجارة عبر الحدود قضية لاهبة ومُتفجّرة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المجتمعات المحلية في جنوب شرق تونس لديها بنية عائلية راسخة، وروابط اقتصادية وثقافية مع غرب ليبيا. ولذا، لايجب أن نستغرب إذا ما كانت عرقلة هذه التبادلات، تؤدي في الغالب إلى إشعال الاحتجاجات وأعمال الشغب. ويعتقد معظم الجنوبيين أن النظام السياسي خاضع إلى سيطرة نخبة شمالية شرقية همّها الرئيس إدامة تهميشهم وإقصاءهم. فبدلاً من معالجة ظروف التنمية الجهوية غير المتكافئة، تُعتبر الحكومة مُعرقلة للمصدر الوحيد للمداخيل المُتوافرة لسكان المناطق الحدودية. ولذا، لايتمحور العنف حول معارضة سيطرة الدولة على حدودها، بقدر ماينصّب على عدم توافر البديل الفعال للتجارة غير النظامية.

لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في حقبة مابعد الثورة في تحقيق ولو تطوير بسيط في خدمات البنية التحتية التي تفتقد إليها بشدة المناطق الجنوبية الشرقية. وفي ما عدا جزيرة جربة، وهي جنّة سياحية تقع في الطرف الجنوبي من خليج قابس، فإن شطراً كبيراً من هذه المناطق يعاني من مستويات خفيضة من التنمية. على سبيل المثال، لدى ولاية تطوان، التي كانت مسرحاً للاحتجاجات ضد التهميش، أكبر عدد من الخريجين العاطلين عن العمل في البلاد (58%).33 وعلى رغم المساحة الكبيرة للمنطقة الجنوبية الشرقية (25% من مساحة تونس) وحقول النفط فيها التي توفّر 40 في المئة من الإنتاج التونسي، إلا انها تعاني من بُنى مادية بائسة كالطرقات، والمستشفيات، والمدارس. ومثل هذه العجوزات تُشل النشاط الاقتصادي والقدرة على تقديم الخدمات الاجتماعية، حتى في الأنحاء التي شهدت تصنيعاً واسعا. ففي ولاية قابس، التي تقع على طول الساحل الجنوبي الشرقي وتفاخر بانطوائها على أضخم المناطق الصناعية، يبلغ معدل البطالة والأمية مستويات أعلى بكثير من المعدل الوطني. هذه الظروف التي تجعل هذه المنطقة تختنق بأنفاسها جراء التلوّث الصناعي وظروف العمل غير الصحية ونقص توافر خدمات الاستشفاء والرعاية الصحية، تميط اللثام بشكل كامل عن مدى التهميش الذي تعاني منه المجتمعات المحلية هناك.34 وقد أصبح شعار "الشعب يريد بيئة سليمة" لازمة ثابتة وعامة في الاحتجاجات على التلّوث الذي تحدثه صناعة الفوسفات،35 حيث يشتكي السكان المحليون من تصاعد وتائر العقم، والإجهاض، والسرطان وأمراض التنفس والقلب.36 كما أنهم ينحون باللائمة على مناجم الفوسفات ومصافي البترول لاستنزاف الموارد المائية المحلية، وتخريب واحات النخيل الساحلية، وإلحاق الضرر بمعيشة المزارعين.37

ما يُثير حفيظة المناطق الفقيرة هو أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، أثبتت أنها غير قادرة على تصحيح هذه العجوزات. وقد كان يُتوقع من الإسلاميين، على وجه الخصوص، الذين عانوا من القمع في العهد السلطوي السابق، أن يقطعوا مع السياسات التي انحازت لصالح الأقاليم الساحلية. وبالفعل، عمد حزب النهضة خلال سنتي حكمه إلى زيادة المُخصصات العامة للمناطق الفقيرة بنسبة 30 في المئة، بيد أن التأخير المتواصل في تنفيذ مشاريع البنى التحتية (بفعل أسباب هيكلية وسياسية في آن)، حرف خطط الحكومة عن مسارها. والحصيلة أن الأموال التي أُنفقت كانت أقل حتى من مستويات ماقبل الثورة.38

علاوةً على ذلك، ساهمت النزاعات بين الحكومة المركزية وبين الممثلين المحليين وسلطات الولايات في إبطاء وتيرة الاستثمارات وتوظيف رؤوس الأموال. فعلى المستوى المركزي، أسفر فقدان التنسيق التنظيمي عن التنافر وعدم الاتساق في تخطيط وتنفيذ مشاريع التنمية في معظم الأقاليم المُهمّشة. كما أدى عدم التعاون بين وزارة التنمية الجهوية والتخطيط وبين وزارات الصناعة، والمالية، والاقتصاد، والعمل، والزراعة والبيئة، والتجهيز، إلى سياسات اقتصادية مُفككة، الأمر الذي دفع كل وزارة إلى السعي وراء مصالحها الضيّقة وصون مضمارها الخاص. وفي بيئة يغشاها اللااستقرار، كان المحافظون الذين عيّنتهم حكومة يقودها الإسلاميون، يواجهون مقاومة عنيدة وحرون من النخب المحلية، والنقابات، والإدارات الجهوية. إضافة إلى ذلك، عمّقت حقيقة أن معظم المحافظين الذين عيّنهم النهضة كانوا يفتقدون إلى الخبرات الاقتصادية والإدارية، مشاعر التوتر وفقدان الثقة.39 وهذا الأمر سحب نفسه أيضاً على منطقة التجارة الحرة الموعودة بين بن قردان ورأس جدير، وعلى قناة نقل الغاز بين قابس وليبيا.40

تعرّض رئيس الحكومة يوسف الشاهد منذ تعيينه في آب/أغسطس 2016 إلى ضغوط شديدة لإعادة تنشيط وتسريع تنفيذ المشاريع الاستثمارية المُعلّقة. والحال أن إقامة المناطق الصناعية والتجارة الحرة في النواحي الحدودية كان اختباراً لنوايا الحكومة. بيد أن النوايا الحسنة وحدها لاتكفي. وعلى سبيل المثال، لم يتم تصميم مناطق التجارة الحرة المُقترحة على نسق المواقع الاقتصادية الخاصة المغربية والمدن الصناعية في طنجة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحويل طنجة مؤخراً إلى مركز تصنيع رئيس ومعبر تجاري، تطلّب استثمارات كثيفة في المرافىء، والطرقات، والنقل الجوي، وإمدادات المياه، إضافة إلى مروحة واسعة أخرى من الإجراءات لاجتذاب المستثمرين وتدريب العمال في الصناعات الآلية والفضائية.41 الفضل في نجاح مثل هذه المبادرات يُنحى إلى وجود إرادة سياسية قوية وراءها. وكما مع أي شيء آخر في المغرب، تتحرّك المشاريع التي يأمر بها الملك بخطى أسرع. أما المشاريع التي تفتقد إلى هذه الحظوة، فهي تتعثّر في لجج البيروقراطية المُترنحة، والنزاعات السياسية، والتجاوزات في التكاليف. ومن الواضح أنه ليس ثمة مثيل لهذه الأمور في نظام الانتقال الديمقراطي في تونس.

لاريب أن الشاهد واجه صعوبات جمّة. فمع وجود بنى تحتية بائسة، وتعداد سكاني متناقص، وعمال أقل كفاءة من باقي الأقاليم على طول الساحل الشرقي المتوسطي لتونس، كان بديهياً أن تكون المناطق الجنوبية أقل جذباً للمستثمرين. هذا علاوة على أن العقبات البيروقراطية والفساد اعترضت طريق ترقية الأعمال. ثم جاءت التهديدات الأمنية المتصاعدة لتزيد الطين بلّة، عبر إثارة مخاوف الاستثمارات الأجنبية المباشرة. والواقع أن هذه التحديات الكأداء ليست قصراً على الحدود الجنوبية، إذ أن حدود تونس الغربية مبتلية هي الأخرى بمشاكل الفقر المُدقع، واللامساواة الحادة، والبطالة الكاسحة، وتفاقم نشاطات المتطرفين.

حتى الآن، فشلت حكومة الوحدة الوطنية في استنهاض الإرادة السياسية وفي توفير الأصول المالية لحفز التنمية الاقتصادية في النواحي الحدودية التي تعاني من التخلّف. والمدهش هنا هو غياب أي خطط عمل متسقة لتحقيق الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المحلية الحدودية. مثل هذا الشح في وتائر التقدم الاقتصادي يخلق مرجلاً مشتعلاً بالحنق والغضب، قد يعبّر عن نفسه بشكل مطّرد في شكل احتجاجات، وعنف في الشوارع، وتطرّف عنيف.

رواق العنف: حدود تونس الغربية

تؤوي حدود تونس الغربية بعضاً من المواطنين الأكثر حرماناً في البلاد، حيث تضم 30 في المئة من مجموع السكان، و55 في المئة من الفقراء.42 تقدّم ولاية القصرين، التي سُلِّطت الأضواء الدولية عليها في العام 2012 بعدما تحوّلت مناطقها الجبلية عند الحدود مع الجزائر إلى ملاذٍ للمقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة، المثال الأفضل عن تأثيرات اللامساواة الحادّة والتفاوت الشديد بين المناطق الساحلية الأكثر تطوراً في الشمال الشرقي وبين المناطق الداخلية والغربية. المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الولاية التي تضم نصف مليون نسمة، هي الأسوأ في البلاد.43

السبب وراء هذا الوضع المؤسف هو طبيعة التنمية الاقتصادية التي تميل تاريخياً لمصلحة المناطق الساحلية في الشمال الشرقي. ويعزو سكّان القصرين هذا التفاوت إلى سياسة متعمّدة تنتهجها النخبة السياسية والاقتصادية لمعاقبة المنطقة على تمرّدها. للقصرين وسواها من المناطق الغربية رصيدٌ طويل في معارضة السلطات المركزية بدءاً من الحقبة الاستعمارية. فقد خاضت القبائل في الغرب مقاومة ضارية ضد السيطرة الفرنسية. وبعد الاستقلال، أبدت هذه المناطق استياءها من سيطرة النخب في المناطق الساحلية على أجهزة الدولة. إحدى المحطات البارزة في الرواية عن الحرمان والقمع المتعمدَين لمناطق الأطراف على أيدي النخبة الساحلية في الشمال الشرقي كانت في العام 1963، عندما أُعدِم الأزهر الشرايطي، ابن ريف قفصة في جنوب غرب تونس والزعيم الكاريزماتي للتمرد المناهض للفرنسيين، بتهمة التخطيط لاغتيال بورقيبة.

أما التونسيون الذين لايُبدون تشكيكاً شديداً بنوايا الدولة، فيلقون اللوم على السياسات النيوليبرالية التي اعتمدها بورقيبة أولاً، وليس على أي انتقام سياسي من مناطق الأطراف في غرب البلاد. لقد تسبّب ترويج بورقيبة للسياحة والنمو الذي تقوده الصادرات، باختلالات شديدة في التوازن الاقتصادي والجهوي. فالهدف الأساسي من بناء قطاعات البنى التحتية الأساسية الوطنية، كان تحفيز النمو الاقتصادي في العاصمة والمناطق الساحلية في الشرق. واستُخدِمت الاستثمارات الكبرى في البنى التحتية للمواصلات من أجل ربط الجزء الشرقي الوسطي للبلاد بالمنطقة المتروبوليتانية حول تونس الكبرى، حيث تتركّز القطاعات ذات القيمة المضافة العليا مثل الأقمشة والسياحة.44 ولقد ساهمت المعاملة التفضيلية لهذه المناطق في ظهور انقسامات جهوية حادّة، إذ أصبح الحزام الاقتصادي الساحلي شريان الحياة للاقتصاد التونسي، مع مساهمته بأكثر من 85 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في البلاد. هذا ويتمركز 56 في المئة من السكان و92 في المئة من المصانع الصناعية، على مسافة أقل من ساعة في السيارة من المدن الكبرى الثلاث، تونس وصفاقس وسوسة.45

في غضون ذلك، تُرِكت المناطق الغربية لتقبع في بؤر الفقر والتخلّف. لذلك ليس مفاجئاً أن يكون الغرب، في التاريخ الحديث لتونس، منبع المقاومة والثورة. لاتزال الأحداث التي طبعت الهجوم المسلّح الذي شنّه اليوسفيون التونسيون (الذين تأثّروا بصالح بن يوسف) والليبيون المدعومون من القذافي لزعزعة استقرار نظام بورقيبة، تحظى بالدعم من عدد كبير من الأشخاص في المنطقة، فهم يرون فيها الوسيلة الوحيدة لمقاومة الإهمال والتمييز من الدولة.46 منذ ذلك الحين، تجذّرَ في تلك المناطق تقليدٌ من الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات العنيفة اعتباراً من العام 1984، مع اندلاع أعمال شغب دموية بسبب لقمة العيش والتي بلغت ذروتها في العام 2008 مع الثورة في الحوض المنجمي في ولاية قفصة.47 وفي خريف 2010، شكّلت ولايتا سيدي بوزيد والقصرين المحرومتان منطلقاً للانتفاضة التي أدّت إلى انتهاء حقبة بن علي الممقوتة من التونسيين. لكن بعد ستة أعوام على الثورة، لاتزال أكثرية الشباب في هاتين المنطقتين المهمشّتين تعاني من الإقصاء من الوظائف، والتأمين الصحي، والضمان الاجتماعي، والمرافق العامة.

لايزال النموذج الاقتصادي شديد المركزية نفسه الذي تسبّب بتهميش التونسيين وإضعافهم طوال سنواتٍ إبان الثورة، قائماً حتى الآن. وتثير الجهود الآيلة إلى معالجة أوجه التفاوت بين المناطق، الشكوك، وحتى العداء، لدى الأفرقاء المستفيدين من الوضع القائم. لاتزال النخبة في المدن والساحل تمارس قدراً كبيراً وغير متكافئ من التأثير في الاقتصاد والسياسة التونسيَّين. وهذا هو السبب خلف القيود التي تعرقل تطبيق إصلاحات المنظومة اللامركزية المنصوص عليها في دستور 2014. ويُهدّد تعزيز السلطات المحلية والجهوية خطوط الانقسام السياسية والاقتصادية القائمة في البلاد، لذلك تعمد النخبة السياسية إلى تعطيل هذه العملية بدلاً من دعمها. على سبيل المثال، تضع وزارة الداخلية، المكلّفة الإشراف على تنظيم اللامركزية وتطبيقها، عراقيل إدارية لتبطيء وتيرة الإصلاحات أو تمييعها. والنتيجة هي أن قوانين اللامركزية لاتزال غارقة في مستنقع السجالات السياسية حول إعادة رسم الخطوط البلدية والجهوية، ونقل الكفاءات إلى البلديات ومجالس المناطق وتكليفها بها. كذلك جرى تأجيل الانتخابات البلدية والجهوية مرات عدة بسبب الخلافات السياسية، لكن حتى كتابة هذه السطور، الموعد المقرر لإجراء الانتخابات هو 17 كانون الأول/ديسمبر 2017.

أدّت وتيرة التغيير البطيئة إلى استفحال الإحباطات، ماتسبّب بدق إسفين أعمق بين سكّان الأطراف وقادتهم السياسيين. وغالباً مايندّد العاطلون عن العمل، في احتجاجاتهم، بالطبيعة المركزية للدولة وعدم الاستجابة من جانب الإدارة المحلية والجهوية. وكانت موجة الاحتجاجات التي عمّت المناطق الغربية في مطلع العام 2016 موجَّهة ضد السلطات المحلية التي غالباً ماتُظهر ازدراء ولامبالاة باحتياجات المتظاهرين ومطالبهم. كثيراً مارفض حكّام الولايات وسواهم من المسؤولين المحليين حتى الانخراط في حوار مع المتظاهرين. مما لاشكّ فيه أن غالبية البلديات تفتقر إلى الإمكانات المادّية أو إلى تفويض واضح لتلبية المطالب. كما تنقصها الموارد البشرية المؤهَّلة التي تُعتبَر ضرورية للتخطيط لاستراتيجيات إنمائية شاملة وتصميمها. وتعاني مجالس التنمية الاقتصادية المحلية من النقص في أعداد الموظفين، ولاتمتلك موارد كافية كي تتمكّن من تطوير أي خطط عمل فعلية ومتكاملة من أجل إشراك الشباب على الصعيدَين الاجتماعي والاقتصادي.

مع الشحّ في الأموال المتوافرة لبرامج الخدمات والرعاية الاجتماعية، تدير السلطات المحلية حفنة من برامج المساعدات العامة لاحتواء الاضطرابات الاجتماعية في أوساط المعدمين الذين يشعرون بالاستياء. خلال عهد بن علي، أنشئت برامج اجتماعية على غرار صندوق التضامن الوطني، وصندوق العمالة الوطني، والبنك التونسي للتضامن، وذلك من أجل التخفيف من وطأة الفقر وأوجه التفاوت بين المناطق. وُضِع التصوّر الخاص ببرنامج Les Chantiers (برنامج الأشغال العامة) في عهد بورقيبة، وجرى تطويره في عهد بن علي كمصدر أساسي للتوظيف في المناطق الأشد فقراً في البلاد. وقد أمّن البرنامج وظائف قصيرة الأمد في مجالات صيانة الطرقات، وتنظيف شبكات الصرف الصحي وتركيبها، والتخلّص من المياه الآسنة، والحفاظ على التربة، والأنشطة الحرجية. بيد أن السلطات المحلية استخدمت الأموال لترسيخ شبكات الزبائنية التابعة لها، وتعزيز قدرتها على فرض سيطرتها الاجتماعية وهيمنتها السياسية.48 كانت للمسؤولين الكبار في الإدارة المحلية حصص سياسية لإعادة توزيع الوظائف على عائلاتهم أو بيعها إلى شبكات زبائنية أخرى.

استمرت هذه المنظومة الفئوية والزبائنية في مرحلة مابعد الثورة. ففي غياب أي تفكير جدّي في حدود النموذج الاقتصادي، لجأت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة إلى المقاربات السطحية القديمة نفسها والحلول المسكِّنة المؤقتة. على سبيل المثال، استخدمت جميع الإدارات التونسية منظومة مايُسمى Les Chantiers لبناء شبكات الدعم وتهدئة التشنّجات الاجتماعية المتصاعدة.49 ويولّد التلاعب المستمر بهذه المصادر لنقل الدخل، التي تشكّل أحياناً الوسيلة الوحيدة لشراء السلم الاجتماعي، أتون غضب متأججاً يعبّر عن نفسه باطّراد في الاحتجاجات وعنف الشوارع. وتتسبّب الاضطرابات بدورها بعرقلة النمو الاقتصادي الذي يشكّل حاجة ماسة، كما تحول دون ترسيخ الإصلاحات الديمقراطية.

فضلاً عن ذلك، تفاقمت المحنة الاقتصادية للمناطق الواقعة عند الحدود الغربية، مع إحكام عدد من المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة قبضتهم على المناطق الوعرة في جبلَي الشعانبي وسمامة على مقربة من الحدود الجزائرية. جوبِهت الهجمات التي شنّتها كتيبة عقبة بن نافع وتنظيم جند الخليفة الموالي للدولة الإسلامية في القيروان في تونس، بتكثيف الهجمات الجوية على الأراضي الخاضعة إلى سيطرة هاتَين المجموعتين، فضلاً عن نشر المزيد من الأسلحة والعناصر. وقد كانت لتعزيز المراقبة على الحدود الجزائرية تداعيات اجتماعية سلبية على الأشخاص الذين تتوقّف أرزاقهم على التجارة غير النظامية عبر الحدود، في وضع مشابه إلى حد كبير لما يحصل عند الحدود الليبية.

تؤدي عرقلة الاقتصاد غير النظامي إلى تعميق شعور الشعب بالتهميش الاقتصادي والاستبعاد الاجتماعي. ويخلّف ذلك إحساساً بالمرارة في أوساط السكان المحليين الذين يعتقدون أن التدابير الحكومية الأمنية تُطبّق على حساب معيشتهم. وقد اشتكى كثيرون من أنهم علقوا وسط إطلاق النار المتبادل بين قوات الأمن وبين الجماعات الإرهابية.50 علاوةً على ذلك، جعل تصاعد استخدام أسلحة المدفعية والغارات الجوية الحياة في قرى عدّة صعبة، إذ إنها كانت تؤدي في بعض الأحيان إلى تدمير المزارع والأراضي الزراعية الأخرى. وفي خضم ذلك، برزت ردود فعل متنامية في وجه نموذج مكافحة الإرهاب الذي يضع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في الدرجة الثانية على سلم الأولويات. فعلى سبيل المثال، غالباً ماتزامن الارتفاع في حدّة التنافس الاجتماعي مع تشديد تدابير مكافحة الإرهاب بأمر من السبسي. وقد اكتسبت الاضطرابات العنيفة في كانون الثاني/يناير 2016 زخماً بالتحديد خلال فرض حالة الطوارئ في البلاد قبل هذه الاضطرابات بشهرين.

نتيجةً لذلك، وجدت نفسها الحكومة والمناطق الحدودية على السواء عالقةً في هذه الحلقة المفرغة من العنف. فالإرهاب يضفي شرعية على النُهُج المتشددة المستخدمة في مكافحة الإرهاب، التي غالباً ماتؤدي آثارها إلى تصاعد وتيرة التوترات الاجتماعية والعنف السياسي. فعلى سبيل المثال، يدفع اختناق الاقتصاد غير النظامي الأشخاص، الذين لايملكون خيارات عديدة والذين اعتمدوا تاريخياً على التهريب كمصدر قوتهم اليومي، إلى حافة الهاوية. الجدير ذكره هنا أن الحوافز الضرورية للخروج من هذا المأزق شبه معدومة، ذلك أن مستوى التهديد الإرهابي لايزال مرتفعاً، كما أن اللاعبين السياسيين الذين يملكون القدرة على التعهّد بتعزيز أهداف التنمية المستدامة ومعالجة الأسباب الأساسية التي تغذي التطرّف لايتمتّعون بالمصداقية. ولذا، تتأثر منطقة الحدود الغربية بشكل مضاعف بازدياد حدّة القتال وما يقابله من تدابير صارمة لمكافحة الإرهاب. من جهته، يؤدي الإرهاب إلى استشراء التخلّف وعدم المساواة، في حين تُعمّق النُهُج المتشدّدة لمكافحة الإرهاب حالة الانقسام في المجتمعات وتزيد من الإحباط المتنامي للشباب.

تستغل الجماعات المتطرّفة نفور الشعب من نظامها السياسي لتفكيك سلطة الحكومة.51 وفي المناطق الحدودية الفقيرة التي تتحمّل العبء الأكبر من سياسة الحكومة الأمنية المتشدّدة، يزداد حقد الناس على الشرطة والأجهزة الأمنية.52 ومن الواضح أن انعدام الثقة والعداء يعيقان عملية مكافحة الإرهاب ويهيئان أيضاً بيئة حاضنة لتجنيد المتطرفين. ليس من المستغرب، إذاً، أن ينضّم بعض الشباب إلى الجماعات المسلحة العنيفة المتحصّنة في منطقة جبل الشعانبي، أو المختبئة في الضواحي الفقيرة لمدينة القصرين مثل حي النور، مسقط رأس أحد منفذي الهجوم الذي استهدف المتحف الوطني في باردو.53

التوصيات

لاينفك استمرار التطرّف بين الشباب ودورة الاحتجاجات الصامدة، يقفان حجر عثرة في طريق النهج الحكومي الذي يضع الأمن على رأس أولوياته، ويجعل من الضرورة بمكان البحث بشكل معمّق عن مصادر التوترات وانعدام الأمن في المناطق الحدودية. ولكسر هذه الحلقة المفرغة، لابدّ من أن تعترف الحكومة رسمياً بما عانته المناطق الحدودية على مدى عقود طويلة من تمييز اجتماعي واقتصادي واستغلال سياسي. كما يتعيّن على الحكومة أيضاً أن تطوّر مبادرة لإبراز شخصياتها التاريخية ورموزها والاعتراف بمساهماتها في تونس في كتب التاريخ المدرسية والتشريعات والنصب التذكارية والمعارض.54 وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنه قد تمّ التلاعب بالروايات التاريخية التونسية، بهدف التقليل من أهمية دور المناطق الحدودية في الحركة الفكرية والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. ولايؤدي استغلال التاريخ على هذا النحو وإعادة إنتاج نخبة الساحل لخطاب وطني موصوم ضد المناطق الحدودية التونسية سوى إلى تعميق هذا الانقسام.

علاوةً على ذلك، ينبغي على السلطات التونسية أن تنظر في إقرار سياسات تمييز إيجابية تعطي الأولوية للاستثمار في البرامج الاجتماعية والسياسة العامة في المناطق الحدودية.55 فالبرامج التي تستثمر في مكامن القوة التنافسية للمنطقة، يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على سبل عيش المجتمعات المحلية، ما يساهم في التصدّي لعملية تجنيد المتطرفين. ويتطلّب وضع مثل هذا البرنامج تطوير خطة زراعية شاملة تسعى إلى التحديث التكنولوجي للقطاع من خلال آليات مالية مبتكرة توّجه الموارد نحو التعليم والتدريب المهنيين وإصلاح الأراضي. ويُعتبر تحسين إدارة الموارد الطبيعية واستثمار جزء لابأس به من الأرباح المتأتية من الموارد المحلية في مشاريع محلية، عاملين أساسيين أيضاً في تلبية احتياجات ومطالب الشعب.

لحلفاء تونس دورٌ في مساعدتها على تحقيق التوازن بين الأمن والحرية والتنمية. وينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول وجهات مانحة أخرى أن تجعل المساعدات الأجنبية مشروطة بتطبيق إصلاحات ترمي إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. كما ينبغي أن تصب مساعداتها ومواردها في صالح فئات شعبية أوسع، وأن تؤدّي إلى تحسين الوضع الاجتماعي المتردّي في مناطق تونس الحدودية. فإذا لم يُبرمج تقديم المساعدات بشكل جيد، لن يبقى لدى التحالف الحاكم دافع قوي لتبنّي إصلاحات من شأنها إرساء حكم القانون وحماية الحريات المدنية.56 وقد وثّقت جمعيات حقوق الإنسان ارتفاعاً مقلِقاً في معدّل الانتهاكات الحاصلة، مثل المضايقات التي تعرّضت إليها عائلات الأشخاص المُشتبه بمشاركتهم في تنفيذ عمليات إرهابية، ولجوء الشرطة إلى القوة المفرطة خلال اقتحام المنازل وتفتيشها، وفرض قيود تعسّفية على حركة الأفراد داخل تونس.57

لتصويب المقاربة الأمنية المتشددة التي تفاقم التهديدات الأمنية في تونس، بدل تخفيفها، على الولايات المتحدة وحلفائها دفع الحكومة التونسية إلى الالتزام بشكلٍ جدّي في إصلاح جهاز الأمن الداخلي ونظام العدالة الجنائية، وتحسين الحوكمة وتمكين عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة الحقيقة والكرامة. فمن شأن الحدّ من الفساد، وإعادة إرساء العدالة، وكبح جماح الانتهاكات التي ترتكبها الشرطة أن تخفّف كلها من وطأة الضغوط الاجتماعية التي تعاني منها المناطق الحدودية. كذلك، ينبغي على المجتمع الدولي مساعدة الحكومة على إعداد وتمويل برامج لإعادة تأهيل وإدماج المقاتلين التونسيين العائدين إلى البلاد، على أن تستند هذه البرامج إلى السياق الاجتماعي والثقافي الذي أشرع الأبواب على مصراعيها أمام التطرّف العنفي ودفع الأفراد إلى الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية. ستشكّل هذه الخطوة، إذا ما ترافقت مع جهود أكثر فاعلية ترمي إلى تضييق الفجوة الاجتماعية-الاقتصادية بين المناطق الساحلية والمناطق الريفية، الحل الأمثل لتحقيق الاستقرار الدائم والمستدام في تونس.

خاتمة

إن التهديدات الأمنية المُحدقة بمناطق تونس الحدودية حقيقية وتقرّ بها الحكومة التونسية. لكن للأسف، افتقرت استجابة الحكومات المتعاقبة في مرحلة مابعد الثورة إلى الحكمة والتبصّر، إذ فشلت في معالجة جذور الأسباب الكامنة وراء هذه التهديدات، والتي تُعتبر سياسية واجتماعية-اقتصادية في جوهرها. وإذ تبالغ الحكومة التونسية في ردة فعلها على التهديدات الأمنية من خلال اتّخاذ تدابير متشدّدة، فهي تقترف خطأ يتمثل في إرجاء البدء بتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، مايفاقم تهميش شباب المناطق الريفية.

لاشك في أن الحرب على الإرهاب تستوجب تعديل التوازن القائم بين الحريات التي ناضل الشعب التونسي لنيلها من جهة، وبين الظروف التي يمليها الوضع الأمني السائد في البلاد من جهة أخرى. تواجه تونس تحدّياً معقّداً يتجلّى في كيفية التعامل مع عودة مئات الأشخاص الذين غادروا البلاد للمشاركة في حروب العراق وليبيا وسورية، في ظل التخوف من أن يزعزعوا استقرار البلاد من خلال تعزيز الشبكات المتطرفة محليّاً، أو تنفيذ "الذئاب المنفردة" عمليات إرهابية. يرى بعض التونسيين أن هذا الاحتمال يعيد إلى الأذهان شبح التمرّد المسلّح ضد الحكومة الجزائرية الذي دام عقداً كاملاً في التسعينيات، إذ أسهمت عودة قدامى المحاربين الجزائريين من الحرب التي شهدتها أفغانستان في الثمانينيات، في إذكاء جذوة العنف.58 نظراً إلى هذه المخاوف، انتهجت الحكومة وأجهزتها الأمنية مروحة من المقاربات المتشدّدة والقاسية، تضمّنت سنّ سياسات تجريمية وووضع الأشخاص المشتبه بضلوعهم في التنظيمات الإرهابية تحت مجهر المراقبة المكثّفة.

قد يكون من المفيد اتّخاذ تدابير أمنية مشدّدة، شرط ألا يؤدي ذلك إلى حدوث انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان. فالشرطة تواصل معاملاتها المسيئة وممارسة التعذيب بحق الشباب – وهما سمتان أساسيتان من نظام بن علي59 - مايزرع في نفوسهم شعوراً عميقاً بالذل والمرارة تجاه الدولة وسلطتها. كذلك تُعتبر تكتيكات الشرطة هذه الأداة الأساسية التي تدفع الشباب للالتحاق بالتنظيمات الجهادية. لذا، ولكي تنجح السلطات التونسية في وقف التهديد الذي يطرحه التشدّد العنيف،60 لابدّ من بلورة استراتيجيات شاملة ترمي إلى تحسين القدرات الاستخباراتية وجهود مكافحة الإرهاب، ومعالجة الظروف التي أشعلت جذوة التطرف. ففي ظل غياب هذه الإجراءات، لن تؤول جهود الحكومة في نشر الجيش على الحدود، أو حملتها لضبط حركة التجارة عبر الحدود، إلا إلى مفاقمة حالة الانفلات الأمني التي تغرق في لججها المناطق الطرفية في تونس.

هوامش

1 Quintan Wiktorowicz, “Why Trump’s Speech on Terrorism Was Such a Missed Opportunity,” Washington Post, May 21, 2017, https://www.washingtonpost.com/news/acts-of-faith/wp/2017/05/21/why-trumps-speech-on-terrorism-was-such-a-missed-opportunity/?utm_term=.1373e04475c4.

2 أنوار بوخرص، "بين نارين: مكابدات الإسلاميين في تونس"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 27 كانون الثاني/يناير 2014، http://carnegie-mec.org/2014/01/27/ar-pub-54615.

3 Francesco Cavatorta and Fabio Merone, “Tunisian Salafism: Between Institutional Politics, Dawa and Jihadism,” Orient 54, no. 3 (2013).

4 Monica Marks, “Who Are Tunisia’s Salafis?,” Foreign Policy, September 28, 2012, http://foreignpolicy.com/2012/09/28/who-are-tunisias-salafis/.

5 Tarek Amara, “Tunisia Blames ‘Terrorist’ Ansar al-Sharia for Killings,” Reuters, August 27, 2013, http://www.reuters.com/article/us-tunisia-crisis-ansar-idUSBRE97Q0EW20130827.

6 Olfa Lamloum, “Marginalisation, Insecurity and Uncertainty on the Tunisian–Libyan Border: Ben Guerdane and Dhehiba From the Perspective of Their Inhabitants,” International Alert, December 2016, http://www.international-alert.org/sites/default/files/TunisiaLibya_MarginalisationInsecurityUncertaintyBorder_EN_2016.pdf.

7 “Jihadist Violence in Tunisia: The Urgent Need for a National Strategy,” Crisis Group Middle East and North Africa Briefingno. 50, International Crisis Group, June 22, 2016, https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/north-africa/tunisia/jihadist-violence-tunisia-urgent-need-national-strategy.

8 Olfa Lamloum “Appartenir à Dhiba et Ben Guerdane, entre emblèmes et stigmates,” Nawaat, January 16, 2017, https://nawaat.org/portail/2017/01/16/appartenir-a-dhiba-et-ben-guerdane-entre-emblemes-et-stigmates/ انظر أيضاً: Hamza Meddeb, “Young People and Smuggling in the Kasserine Region of Tunisia: Stories of Dispossession and the Dynamics of Exclusion,” International Alert, May 2016, http://www.international-alert.org/sites/default/files/Tunisia_YoungPeopleSmuggling_EN_2016.pdf.

9 “Tunisie: Béji Caïd Essebsi condamne une ‘attaque jihadiste sans precedent,’” Jeune Afrique, March 7, 2016, http://www.jeuneafrique.com/308047/politique/tunisie-beji-caid-essebsi-condamne-attaque-djihadiste-precedent/.

10 Assaf Moghadam, Ronit Berger, and Polina Beliakova, “Say Terrorist, Think Insurgent: Labeling and Analyzing Contemporary Terrorist Actors.” Perspectives on Terrorism 8, no. 5 (2014): http://www.terrorismanalysts.com/pt/index.php/pot/article/view/374/html.

11 Olfa Lamloum and Mohamed Ali Ben Zina, Jeunes de Douar Hicher et d’Ettadhamen: une enquête sociologique (Tunis: Arabesques, 2015).

12 كشفت دراسة، شملت 740 شاباً، أجرتها في العام 2015 منظمة "إنترناشونال أليرت" في حيّ التضامن ودوّار هيشر، أحد الضواحي المهمشة في تونس، أن 57 في المئة من المستطلعة آراؤهم رفضوا قرار تصنيف جماعة أنصار الشريعة كمجموعة إرهابية. انظر: “Entretien avec… Olfa Lamloum, politologue: la transition vue par deux quartiers d’ ‘en bas,’” Marsad Tunisie, July 23, 2015, http://www.observatoire-securite.tn/fr/2015/07/23/entretien-avec-olfa-lamloum-politologue-la-transition-vue-par-deux-quartiers-den-bas/.

13 تمّ الاستناد في صياغة هذه الفقرة إلى معلومات موجودة في: Anouar Boukhars, “The Politics of North African Salafism,” Orient 2 (2016); انظر أيضاً: Francesco Cavatorta, “Salafism, Liberalism, and Democratic Leaning in Tunisia,” Journal of North African Studies 20, no. 5 (2015): 770–83; وأيضاً أنوار بوخرص، "بين نارين".

14 أحمد نظيف، "ماذا تكشف الملفّات القضائيّة للجهاديّين التونسيّين؟"، المونيتور، 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/11/tunisia-center-study-terrorism-distribution.html.

15 ألفة لملوم، "ملاحظات عن "الجهاديين" في تونس"، السفير، 6 آب/أغسطس 2015، http://arabi.assafir.com/Article/4298.

16 كان الانتحاري، الذي نفذ الهجوم في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وأسفر عن مقتل اثني عشر فرداً من الحرس الرئاسي في قلب العاصمة، من التضامن، أحد الأحياء الفقيرة في تونس. تُعتبر هذه الضاحية مثالاً صارخاً عن المناطق المهملة الغارقة في البؤس والركود والصراع. وقد برزت كمستوطنة غير رسمية للمهاجرين الريفيين القادمين من شمال غرب البلاد الفقير. واليوم، هي منطقة مكتظة بالسكان وفقيرة ومزدحمة. Hélène Sallon, “Dans la cité Ettadhamen, à Tunis, les Islamistes d’Ennahda tissent leur toile,” Le Monde, October 21, 2011, http://www.lemonde.fr/tunisie/article/2011/10/21/dans-la-cite-ettadhamen-a-tunis-les-islamistes-d-ennahda-tissent-leur-toile_1591834_1466522.html.

17 في حين أن معظم التونسيين الذين يقاتلون في سورية وليبيا يتحدرون من الأحياء والمناطق المستبعدة اجتماعياً، إلا أن بعض الشباب من الضواحي الشمالية الغنية في تونس الكبرى قد ساروا على طريق التطرّف. Rafika Bendermel, “Pourquoi Daech recrute-t-il autant en Tunisie?,” Middle East Eye, December 8, 2015, http://www.middleeasteye.net/fr/analyses/pourquoi-daech-recrute-t-il-autant-en-tunisie-539858032.

18 Francesco Cavatorta, “Salafism, Liberalism, and Democratic Leaning in Tunisia.”

19 "تونس: إزالة الحواجز أمام إشراك الشباب"، البنك الدولي، 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، http://www.albankaldawli.org/ar/country/tunisia/publication/tunisia-breaking-the-barriers-to-youth-inclusion.

20 Rihab Boukhayatia, “Suicides chez les mineurs en Tunisie: cas isolés ou phénomènes de société?,” Huffpost Maghreb, January 20, 2016, http://www.huffpostmaghreb.com/2016/01/20/tunisie-suicides-mineurs_n_9028442.html; انظر أيضاً: Christian Dumas, “Tunisie: depuis Bouazizi, on se suicide en s’immolant par le feu,” Le Figaro, December 18, 2016, http://www.lefigaro.fr/international/2016/12/18/01003-20161218ARTFIG00127-tunisie-depuis-bouazizi-on-se-suicide-en-s-immolant-par-le-feu.php.

21 Olivier Roy, “International Terrorism: How Can Prevention and Repression Keep Pace?” (speech at BKA Autumn Conference, San Domenico, Italy, November 18–19, 2015), https://life.eui.eu/wp-content/uploads/sites/7/2015/11/OLIVIER-ROY-what-is-a-radical-islamist.pdf.

22 Carlotta Gall, “Tunisia Fears the Return of Thousands of Young Jihadists,” New York Times, February 25, 2017, https://www.nytimes.com/2017/02/25/world/europe/isis-tunisia.html.

23 "تونس: الانتهاكات باسم الأمن تهدد الإصلاحات"، منظمة العفو الدولية، 10 شباط/فبراير 2017، https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2017/02/tunisia-abuses-in-the-name-of-security-threatening-reforms/.

24 Caroline Alexander and Jihen Laghmari, “How Tunisia Became a Feeder to the Islamic State,” Bloomberg, March 23, 2015, http://www.bloomberg.com/news/articles/2015-03-24/rapper-with-rifle-shows-scale-of-tunisia-fight-against-jihadists.

25 المصدر السابق.

26 تمّ الاستناد في صياغة هذه الفقرة إلى: Anouar Boukhars, “The Fragility of Elite Settlements in Tunisia,” African Security Review 26, no. 2 (2017); انظر أيضاً: Thierry Portes, “Tunisie: la surprenante conversion au djihad d’un célèbre rappeur,” Le Figaro, March 22, 2015, http://www.lefigaro.fr/international/2015/03/21/01003-20150321ARTFIG00081-tunisie-la-surprenante-conversion-au-djihad-d-un-celebre-rappeur.php.

27 أثار هذا الإذلال العسكري مقاومة شرسة، بما في ذلك انتفاضتين مسلحتين: الأولى قادها في العام 1881 علي بن خليفة، وهو رئيس بارز في الجنوب حفّز قبائل المنطقة، وخاصة في صفاقس وقابس، على حمل السلاح قبل التعرّض إلى الهزيمة على يد الفرنسيين؛ الثورة المسلحة الثانية (1915-1916) قادها خليفة بن عسكر، الذي حشد قبائل دهيبات في تونس وجبل نفوسة في ليبيا قبل أن يقمعها الفرنسيون بعنف. انظر: Olfa Lamloum, “Appartenir à Dhiba et Ben Guerdane.”

28 خرج بورقيبة وعشيرته في الساحل منتصراً من هذا الصراع على السلطة، مخمداً - بفضل الدعم العسكري الفرنسي – نار التمرد في الجنوب ومجبراً بن يوسف على الفرار إلى المنفى في ألمانيا حيث اغتيل من قبل عملاء تونسيين في العام 1961. انظر أنوار بوخرص، "ساعة الحساب: مسيرة تونس الخطرة نحو الاستقرار السياسي"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 2 نيسان/أبريل 2015، http://carnegie-mec.org/2015/04/02/ar-pub-59618.

29 Pierre Longeray, “Tunisia Attempts to Calm Citizens After Deadly Protests Over New Border Taxes,” Vice News, February 12, 2015, https://news.vice.com/article/tunisia-attempts-to-calm-citizens-after-deadly-protests-over-new-border-taxes.

30 Sarah Souli, “Border Control: Tunisia Attempts to Stop Terrorism With a Wall,” Vice News, November 16, 2015, https://www.vice.com/en_us/article/border-control-tunisia-attempts-to-stop-terrorism-with-a-wall-v22n11.

31 Aymen Gharbi, “Tunisie: Entretien sur l’économie de Ben Guerdane avec Adrien Doron, chercheur en géographie,” Huffpost Maghreb, March 22, 2016, http://www.huffpostmaghreb.com/2016/03/22/tunisie-ben-guerdane-economie_n_9520834.html.

32 Thameur Mekki, “La ville où Béji n’est pas caïd,” Orient XXI, December 23, 2014, http://orientxxi.info/magazine/la-ville-ou-beji-n-est-pas-caid,0776.

33 Lilia Blaise, “Tataouine: Tunisia’s Jobless Search for Answers After Deadly Protest,” Middle East Eye, May 30, 2017, http://www.middleeasteye.net/news/tataouine-protests-1079869515.

34 Mekki, “La ville où Béji.”

35 “Pollution in Gabès, Tunisia’s Shore of Death” Al Jazeera, June 14, 2013, http://www.aljazeera.com/indepth/features/2013/06/20136913247297963.html.

36 Thessa Lageman, “Is Help on the Way for Tunisia’s Cancer Hotspot?,” Al Jazeera, December 29, 2015, http://www.aljazeera.com/news/2015/12/tunisia-cancer-hotspot-151213062057351.html.

37 “Pollution in Tunisia: Dirty Business,” Economist, December 16, 2014, http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21636443-locals-complain-about-phosphate-industry-dirty-business.

38 Irene Bono, Béatrice Hibou, Hamza Meddeb, and Mohamed Tozy, L’État d’injustice au Maghreb: Maroc et Tunisie (Paris: Karthala, 2015).

39 المصدر السابق.

40 Nadya B’chir, “Tunisia Economy Set to Suffer Blow From Libya Violence,” Al Monitor, May 17, 2014, http://www.al-monitor.com/pulse/business/2014/05/tunisia-economy-suffer-libya-violence.html.

41 Z. Joe Kulenovic, “Tangier, Morocco: Success on the Strait of Gibraltar,” Private Sector Development (blog), World Bank, November 25, 2015, http://blogs.worldbank.org/psd/tangier-morocco-success-strait-gibraltar.

42 Alfonso Medinilla and Sahra El Fassi, “Réduire les inégalités régionales en Tunisie,” European Center for Development Policy Management, April 2016, http://ecdpm.org/wp-content/uploads/BN84-FR-Reduire-inegalites-regionales-Tunisie-Medinilla-ElFassi-avril-2016.pdf.

43 يستطيع نصف السكان فقط الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، في حين أن المعدل الوطني يبلغ 90 في المئة. Laura-Maï Gaveriaux, “Cinq ans après la chute du président Ben Ali; Kasserine ou la Tunisie abandonee,” Le Monde Diplomatique, January 1, 2016. الفوارق اللافتة نفسها تنطبق على معدل الفقر الرسمي (32.3في المئة في مقابل 15.5 في المئة)، ومستويات الأمّية (32 في المئة في مقابل 18.8 في المئة)، ومعدلات البطالة (22.7 في المئة في مقابل 14.8 في المئة). تبلغ نسبة البطالة لدى الخرّيجين نحو 46.9 في المئة في حين أن المعدّل الوطني هو 31.9 في المئة. Alfonso Medinilla and Sahra El Fassi, “Réduire les inégalités régionales en Tunisie.”

44 Faycel Zidi, “Politiques economiques et disparites regionales en Tunisie: une analyse en equilibre general micro-stimul,” HAL, July 1, 2013, https://halshs.archives-ouvertes.fr/tel-00965133/document.

45 Frédéric Bobin, “Tunisie: à Kasserine, la contrebande est une soupape,” Le Monde, June 26, 2015.

46 Michaël Béchir Ayari, “Seven Ways to Steady a Tunisia Under New Attack,” In Pursuit of Peace (blog), International Crisis Group, March 9, 2016, http://blog.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/2016/03/09/seven-ways-to-steady-a-tunisia-under-new-attack/.

47 Béatrice Hibou, “La formation asymétrique de l’État en Tunisie: les territoires de l’injustice,” in L’État d’injustice au Maghreb: Maroc et Tunisie,Irene Bono, Béatrice Hibou, Hamza Meddeb, and Mohamed Tozy(Paris: Karthala, 2015), 108.

48 المصدر السابق.

49 المصدر السابق.

50 Hamza Meddeb, “Young People and Smuggling.”

51 Michael Ayari, “La Tunisie saura-t-elle montrer l’exemple?,” Le Monde, December 2, 2015, http://www.lemonde.fr/idees/article/2015/12/02/la-tunisie-saura-t-elle-montrer-l-exemple_4822204_3232.html.

52 Olfa Lamloum and Mohamed Ali Ben Zina, Jeunes de Douar Hicher.

53 "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي – "العدو غير المرئي"، آخر أيام الإرهابيين في تونس؟"، قنطرة، 1 حزيران/يونيو 2015، https://ar.qantara.de/content/تنظيم-القاعدة-في-بلاد-المغرب-الإسلامي-–-العدو-غير-المرئي-آخر-أيام-الإرهابيين-في-تونس؟.

54 المصدر السابق.

55 Olfa Lamloum, “Marginalisation, Insecurity and Uncertainty.”

56 Robert Kubinec, “How Foreign Aid Could Hurt Tunisia’s Transition to Democracy,” Monkey Cage (blog), Washington Post, December 19, 2016, https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2016/12/19/how-foreign-assistance-can-hurt-not-help-tunisias-democratic-transition/?utm_term=.708cc2e2e985.

57 "نريد نهاية للخوف: انتهاكات حقوق الإنسان في سياق حالة الطوارئ في تونس"، منظمة العفو الدولية، 13 شباط/فبراير 2017، https://www.amnesty.org/ar/documents/mde30/4911/2017/ar/.

58 أنوار بوخرص، "العنف السياسي في شمال أفريقيا: مصاعب التحرر غير المكتمل"، دراسة تحليلية رقم 3، مركز بروكنجز الدوحة، كانون الثاني/يناير 2011، https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/01_north_africa_boukhars_arabic.pdf.

59 المصدر السابق.

60 Georgia Holmer and Adrian Shtuni, “Returning Foreign Fighters and the Reintegration Imperative,” Special Report no. 402, United States Institute of Peace, March 2017, https://www.usip.org/sites/default/files/2017-03/sr402-returning-foreign-fighters-and-the-reintegration-imperative.pdf.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.