المصدر: Getty

الحوكمة ومستقبل العالم العربي

وضعت أنظمة الحكم العربية معادلة ثابتة لإدارة العلاقة بين الدولة والموطنين، ومفادها: خدمات حكومية مقابل القبول الشعبي العام. لكن، خلال السنوات السبع الماضية، أدت التغيّرات في العلاقات بين الحكومة والمواطنين إلى إعادة تشكيل تصوّرات المواطنين لما هم مدينون به للحكومة ومايمكن أن يتوقعوه منها.

نشرت في ٢١ يناير ٢٠١٩

الحوكمة ومستقبل العالم العربي

إنتصار فقير وسارة يركيس

مقدّمة

وضعت أنظمة الحكم العربية معادلة ثابتة لإدارة العلاقة بين الدولة والموطنين: خدمات حكومية مقابل القبول الشعبي العام. وقد فرض هذا العقد الاجتماعي السائد على الحكام أن يقدّموا للمواطنين الوظائف في القطاع العام والسلع والخدمات المجانية أو المدعومة (مثل الصحة، والطاقة والغذاء) مقابل الولاء وقبول الحد الأدنى من الحقوق السياسية والحريات المدنية.1 لكن، خلال السنوات السبع الماضية، أدت التغيّرات في العلاقات بين الحكومة والمواطنين إلى إعادة تشكيل مدركات المواطنين وفهمهم لما هم مدنيون به للحكومة ومايمكن أن يتوقعوه منها. وفي هذا السياق، فإن التوازن بين مكونات هذه العلاقة – مثل تزويد الخدمات، وجهود مكافحة الفساد، والتمثيل، وحكم القانون، والأمن، والاستقرار- آخذٌ بالتغير.

عندما فشلت بعض الحكومات في الوفاء بما يترتب عليها من التزامات في هذه الصفقة، وعندما تذمّر الجمهور وتولّاه السخط على بنود تلك الاتفاقية، كسر الكثير من المواطنين حاجز الصمت. وقد كانت الحاجة إلى خلق علاقة جديدة بين الدولة والمواطنين إحدى القوى المحرّكة ضمنياً لاحتجاجات 2011 العربية وما تلاها من اضطراب. ولازال أحد المكونات الرئيسة لأي عقد اجتماعي – أي الحوكمة الفعّالة – يعاني الانهيار في أغلب أرجاء المنطقة. كما أن معدلات البطالة العالية في الدول غير المصدرة للنفط (ولاسيما في أوساط الشباب) تقف حجر عثرة أمام النمو الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة، فيما يزيد التشاؤم حول المستقبل من حالة السخط. وفي طول المنطقة وعرضها، فإن المواطنين، بصرف النظر عن الانتماء الإثني، أو الديانة، أو الثروة، أو التحصيل العلمي أو المكانة الاجتماعية – يواصلون المطالبة بالعناصر الأساسية للحوكمة التي غالباً ما تعجز الدول أو تمتنع عن تقديمها ومنها: الحريات الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع، والنفاذ إلى مراكز صنع القرار، وتقديم الخدمات الفعّالة، وبذل الجهود لمكافحة الفساد. ولاريب أن معالجة هذه المكونات الأساسية للحوكمة الفعّالة سوف تخفف من بعض أجواء التوتر التي تسود المنطقة الآن، وتساعد في استعادة الاستقرار في المدى البعيد.

التمثيل، المشاركة، والحرية: البحث عن بدائل

تتقلّص في أرجاء المنطقة الحريات المدنية - وهي حريات التعبير، والتجمع، والتنظيم والصحافة. ووفقاً لبيانات منظمة " فريدم هاوس"، فإن جميع البلدان العربية، باستثناء خمسة منها (أي 71 في المئة) "ليست حرة"، ولا تعتبر أية دولة عربية "حرة" في تصنيفات حرية الصحافة والإنترنت.2 وتعتبر المنظمة الأردن، والكويت، ولبنان، والمغرب دولاً "حرة جزئياً"، ويبين قدرة تلك الحكومات على ضبط ومراقبة عمليات اللبرلة فيها. غير أن الناشطين المحبطين في المنطقة قد استقر رأيهم على العموم على أن العام 2011 يمثّل لحظة مؤقتة عابرة، كما أن الصدمات والأضرار التي خلفتها في بلدان مثل ليبيا، وسورية واليمن، بالإضافة إلى الرد القاسي على الاحتجاجات الشعبية في مصر والبحرين قد دفع الحكومات إلى الحيلولة دون سعي المواطنين إلى تحقيق المزيد من الاندماج السياسي.

يتزايد شعور المواطنين بأن آليات المشاركة التقليدية، مثل الاقتراع والترشّح للمناصب الرسمية، تفتقر إلى المصداقية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إضعاف العلاقة بين المواطنين والدولة (انظر الجدول 1). ووفقا لمسح الباروميتر العربي، فإن ثقة الموطنين العرب بالمؤسسات العامة متدينة إلى أدنى المستويات.3 ففي المغرب، على سبيل المثال، أفاد 0.3 في المئة فقط من جملة من شملهم المسح أن لديهم" ثقة كبيرة" بالأحزاب السياسية. وفي الجزائر، أفاد 9 في المئة فقط أن لديهم "ثقة كبيرة" بالحكومة. أما مستوى الثقة بالقضاء فهو على نحو ما أعلى في بعض الدول: فقد أعرب 37 في المئة من المصريين و30 في المئة من الأردنيين عن "قدر كبير" من الثقة بالمؤسسات القضائية. ولاعجب إذاً، في ظل غياب الثقة، أن ينضم المواطنون في أغلب البلدان العربية إلى المنظمات والجماعات غير الحكومية بمعدلات أعلى من معدلات انضمامهم للأحزاب السياسية. ففي الجزائر، كان 9 في المئة من المستجيبين في مسح البارومتر العربي أعضاء في إحدى تلك المنظمات، فيما كان 2.4 في المئة فقط منهم أعضاء في حزب سياسي. وفي مصر، كان 6.4 في المئة أعضاء في إحدى المنظمات، مقابل 0.8 في المئة وحسب من الأعضاء في حزب سياسي.

ومع ذلك، فإن الكثيرين لازالوا يتشبثون بالأمل، ويحسّون بأنه لازال لديهم بعض الخيارات للتشارك مع الحكومة، على الرغم من أن هذه الخيارات قد تكون غير تقليدية. ومن هنا، فإن الناس يبحثون عن وسائل بديلة للمشاركة في سيرورات صنع القرار ولتأكيد وممارسة حرياتهم في بلادهم.

 حريات منقوصة

سلكت بعض الحكومات سياسة اللاتسامح تجاه حق التجمع. ففي مصر، على سبيل المثال، أصبح من المعالم البارزة لسياسة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لجوئها إلى القمع الوحشي لإنهاء الاحتجاجات، وهو الأسلوب الذي كان قد استحدث في وقت سابق رداً على الاعتصامات المعادية للانقلاب في مسجد رابعة العدوية العام 2013 التي سقط ضحيتها ما يتراوح بين 800 و1000 من المدنيين.4 يضاف إلى ذلك أن نظام السيسي، منذ تسلمه زمام الحكم، قد أودع السجن كما تقول بعض التقارير نحو 60 ألف شخص لمخالفات متنوعة، مع ممارسة أساليب التعذيب الأكثر وحشية ضدهم.5 ويختلف ذلك عما كان حتى في عهد الرئيس السابق حسني مبارك- ناهيك عن مرحلة ما بعد الثورة – التي اتسمت كذلك بالمداهمات والتقييدات، لكن الناشطين كانوا قادرين على الاحتشاد والتحرّك. ومن المؤكد أن نشاط المعارضة على الصعيد العام ضد العسكر أو حتى مبارك نفسه كان حافزا للقمع، غير أن النشطاء كانوا على العموم يدركون حدود الخطوط الحمر. وقد تحركت الخطوط الحمر الآن وغدت  من الصعب تحديدها أحياناً. فقد بات بإمكان أي شخص أن يواجه غضب الدولة – ويتجلى ذلك في حالات الاختفاء القسري، والاعتقال غير القانوني، والقتل، ولاسيما اغتيال طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني على يدي أجهزة الأمن المصرية العام 2016.

وفي أغلب البلدان العربية، تتعرّض الصحافة إلى الهجوم على نحو مطرد. وحتى عندما تتمتّع الصحافة بالحرية جزئياّ، كما في الكويت، ولبنان، وتونس، فإن الصحافيين يواجهون التقييدات، بما فيها المضايقات، والسجن، والقيود المفروضة على حرية التعبير إلكترونيا، ولا يتفرّد العالم العربي وحده بهذه الظواهر. وفي هذه البيئة التقييدية، برع المواطنون في العثور على مواقع إعلامية ومصادر بديلة للمعلومات – مثل تطبيقات الاتصالات والتدوينات – للحصول على المعلومات وبثها.

ومع أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست بديلاً عن حرية الصحافة، إلا أنها غدت أداة مطلبية مهمة. ففي المملكة العربية السعودية، انتعشت النشاطية الإلكترونية بعد العام 2011، وبلغت أوجها في حملات مطلبية وتوعوية ناجحة عدة. وكانت حملة تويتر التي بادرت بها النساء (#Women2Drive) مسؤولة جزئياً عن القرار الذي صدر في المملكة العربية السعودية برفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات في حزيران/يونيو 2018.6 ومع أن الدولة السعودية في ما بعد استخدمت قضية حقوق المرأة (بما فيها حق قيادة السيارة) لصرف الأنظار عن النزعة السلطوية المتعاظمة لولي العهد الأمير محمد بن سليمان، وسياسة البلاد الخارجية المتعبة، فإنه لا يمكن إنكار مساهمة النساء الناشطات في إثارة الاهتمام بهذه القضية باستخدام كل ما أتيح لهن من أدوات، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي. وفي حين يتعرّض العديد من النشطاء السعوديين إلى الاعتقال والمحاكمة في داخل البلاد، فإن آخرين يمكنهم مواصلة مشاركتهم في المنفى – وهو تيار شائع في العالم العربي. ولكنهم، بمواصلة عملهم في المنفى، يمثّلون تحدّياً للنشطاء أنفسهم. قد اتسع نطاق تدخل العديد من الحكومات، وتجلّى ذلك في قتل الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي.

النشاط السياسي والمشاركة السياسية

أدّى احتقار المواطنين للسياسيين وللأحزاب السياسية وانعدام الثقة بالحكومات إلى انخفاض نسبة المقترعين، ولاسيما الشباب في الانتخابات.7 ويعود جانب من عدم الثقة ذاك إلى خيبة الأمل التي يحس بها الكثيرون، وبخاصة النساء والشباب، الذين يشكّلون شرائح صغيرة من أعضاء الأحزاب السياسية في المنطقة. ويظل هذا الشعور قائماً على الرغم من بعض التغيّرات في الآونة الأخيرة، ومنها المطالبة في الانتخابات المحلية في تونس العام 2018 بالمناصفة بين الجنسين أفقياً لا عمودياً فقط، في قوائم المرشحين في الأحزاب.8

إن غياب القوى السياسية البديلة يزيد من الوهن الذي أصاب المؤسسات ويضاعف من عدم الثقة بها. ويبذل المواطنون في المنطقة قصارى الجهد لإيجاد بديل للنخب الحاكمة يمكن أن يعالج قضايا قصور الحوكمة والفساد. كما بدأ تضافر عجز الأحزاب السياسية وعدم القدرة على التنبؤ بالتقلبات في موقف الدولة من حرية التعبير، تدريجياً بتغيير طبيعة المشاركة. وأخذ المواطنون بالتحوّل، بصورة متزايدة، إلى الآليات غير الرسمية مثل الاحتجاج والمقاطعة، ويركّزون أكثر من ذي قبل على قضايا محددة تتعلق بالحوكمة، مثل تقديم الخدمة، وبخاصة على المستوى المحلي. علاوةً على ذلك، ومع تعرّض الديمقراطية إلى الخطر في جميع أنحاء المعمورة، استُعيض عن الدعوة إلى الإصلاح الديمقراطي واسع النطاق بمطالب أبسط.

أصبحت الاحتجاجات التي تتمحور حول موضوعات حوكمية محددة – كما هو الحال، مثلا، في المغرب، وتونس، والأردن – أكثر شيوعاً، وفي العامين 2016 و2017، اكتسحت الاحتجاجات المناطق الجنوبية من تونس، التي كانت قد شهدت تظاهرات مماثلة خلال العقد الفائت، وفي الكامور، احتل المحتجون أحد مرافق النفط والغاز، ما أدّى إلى إيقاف الإنتاج، وطالبوا الدولة بأن تقوم بتوزيع الأرباح الناتجة عن استخراج النفط والغاز في منطقتهم بصورة أكثر إنصافا. وقد ترددت في أرجاء البلاد أصداء الرسالة الموجّهة إلى الدولة – وهي أن الحكومة لاتستطيع تجاهل المطالب المطروحة في إحدى المناطق الأكثر تهميشا في البلاد، وأن على شركات النفط والغاز أن تقدّم بعض المنافع إلى السكان المحليين. وأسفر ذلك بدوره عن انتشار احتجاجات أضيق نطاقاً في بقاع أخرى غير الكامور. والواقع أن المحتجين حققوا في ما بعد كثيراً من المطالب التي طرحوها على الدولة والقطاع الخاص أول الأمر، فتأكدت بذلك الفكرة القائلة بأن الاحتجاجات أكثر فعالية من المشاركة السياسية الرسمية.9

وفي لبنان، انطلقت موجة من الاحتجاجات حول إدارة النفايات أثارها المقيمون في بيروت بعد أن فاض بهم الكيل، فلجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ورفعوا شعار "طلعت ريحتكم!" وتحوّلت الحركة في ما بعد إلى تحالف سياسي هو "بيروت مدينتي" شارك في الانتخابات النيابية في أيار/مايو 2018. وفي الجزائر، كانت الاحتجاجات منذ عهد بعيد حافزاً أساسياً يدفع الدولة إلى التحرّك. ومع أن فئات مصلحية تتبنى قضايا محددة كانت هي الفئة المسيطرة إلى حد بعيد، فقد تحوّلت تلك الاحتجاجات إلى حركات دائمة أوسع نطاقاً، وفي غضون السنوات القليلة الماضية، شهدت الجزائر احتجاجات دائمة حول استكشاف الغاز الصخري، ولاسيما تحليله وتسييله. ونظم أهالي منطقة أم صلاح حركة قوية تجلّت فيها قوة المقاومة المدنية في وجه إجراءات الترهيب والترغيب المعهودة من جانب الدولة.10

وبالمثل، في المغرب، تكرّرت الاحتجاجات واتّسع نطاقها في العامين 2016 و2017 في الريف، وهي منطقة مهمّشة تقليدياً، وانتشرت في بقاع أخرى. فأرغم ذلك الحكومة على اللجوء إلى إجراءات علاجية سريعة تجمع بين الوعد بإصلاحات على المدى البعيد، والمداهمات التي تشمل الاعتقال والضرب، والترهيب. وتطرح قضية الريف في المغرب مثالاً واضحاً على الكيفية التي تتقاطع فيها الأوضاع الاقتصادية المتردية مع الحوكمة السيئة وعدم احترم الحقوق والحريات الأساسية.11 وفي مطلع العام 2018، انتشرت في المناطق الشرقية من المغرب حركة احتجاجية أخرى ضد الحوكمة السيئة، حيث طالب المواطنون بالحصول على الخدمات الأساسية والمزيد من فرص التنمية للارتقاء بالمنطقة إلى مستوى مناطق البلاد الأخرى. وتبيّن هذه الأمثلة جميعها كيف يتحايل المواطنون على السيرورات التقليدية. فعندما يخفق المسؤولون المنتخبون – من خلال صناديق الاقتراع أو السيرورات البيروقراطية التقليدية، في الارتقاء بالحوكمة، فإن المواطنين يلجؤون إلى الاحتجاج والمقاطعة للضغط على الحكومات وإرغامها على التحرك – حتى وإن كانت الحلول مؤقتة.

الطريق إلى الأمام

  • فيما يستمر افتقار البرلمانات العربية إلى سلطة الحكم الحقيقية، فإن المسؤولين المحليين المنتخبين يتمتعون في بعض الحالات بقدر أكبر من حرية التصرف. ويصدق ذلك بصورة خاصة على البلدان التي تمارس الحكومات فيها الآن قدراً من اللامركزية. وفيما تنخفض المستويات الكلية للثقة والرضى بأداء السياسيين والإجراءات في أنحاء البلاد، فإن اللاعبين السياسيين، من أحزاب وأفراد، قد يرتقون بأدائهم على الصعيد المحلي ببذل جهود أكبر لتحسين تسليم الخدمات. وسيتيح ذلك للأحزاب السياسة تطوير قواعدها الشعبية والتركيز على قضايا حوكمية محلية محددة.
  • لتنمية وسائل الوصول إلى الجمهور، تستطيع الأحزاب كذلك أن تعمل مع لاعبين فاعلين في المجتمع المدني. وعلى الرغم من الضغوط التي تفرضها الدولة، فإن بعض هؤلاء يمثلون لاعبين مستقلين قادرين على التصرف عندما تفشل الدولة. وبدلاً من أن يكون أحدهما بديلاً للآخر، فإن في وسع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني أن يعملا سوياً لتعزيز مدى الانتشار بالنسبة إليهما ولتطوير الحوكمة على الصعيد المحلي.
  • إن للدول الخيار لاستخدام الآليات التشاورية، مثل الحوارات الوطنية حول القضايا الوطنية وكذلك الحوارات المحلية والمجالس البلدية. وقد لجأت بعض الدول العربية، ومنها المغرب وتونس، إلى سيرورات الحوار الوطني حول قضايا مثل مشاركة الشباب. وفي تونس، تمثّل الحوكمة التشاركية عنصرا أصيلاً في الدستور، وتطرح تشريعات أساسية دورياً أمام المواطنين أو الجماعات في جميع أرجاء البلاد لإبداء آرائهم فيها. وهذه السيرورات تعطي المواطنين الفرصة لإبداء وجهات نظرهم وهمومهم أو الإعراب عن مظالمهم، وللشعور بأنهم هم الذين يملكون عملية صنع القرار السياسي. غير أن المشاورات الشعبية العامة قد تؤدي إلى آثار عكسية إذا أهمل راسمو السياسات  آراء المواطنين. وفي وسع المجتمع المدني واللاعبين السياسيين، هنا أيضاً، أن يعملا معاً لتشجيع المواطنين وضمان الاستماع إلى أصواتهم. ويستطيع المجتمع المدني كذلك أن يساعد في إدارة توقعات الجمهور حول نتائج الآليات التشاورية.
  • لايستطيع المواطنون أن يفعلوا إلا أقل القليل لمكافحة مستويات القمع العالية في المنطقة مع الإحساس ببعض الأمان. ولذلك، فإن المجتمع الدولي يلعب دوراً حاسماً في توجيه أصابع الاتهام، علناً، وبصورة خاصة، إلى الدول العربية على ما تقوم به من انتهاكات. وبوسع المجتمع الدولي كذلك أن يدعم وسائل الإعلام المحلية والعالمية والمجتمع المدني الذي يركّز على حصول وسائل الإعلام على المعلومات، وعلى حرية الصحافة. إن مساعدة هذه الجماعات على بناء قدراتها وتزويدها بالدعم اللازم قد يتيحان لها أداء دورها، وبخاصة في مجال توثيق المخالفات والمفاسد حيثما أمكن ذلك.

فعالية الحكومة

غالباً ما تبحث الحكومات، عند مواجهتها لتحديات تزويد الخدمة، عن حلول لاتعالج قضية المساءلة الجوهرية.
لقد بدأت الإمارات العربية المتحدة، وهي من أغنى بلدان المنطقة وحكومتها من الأفضل في مجال تزويد الخدمات، بتطبيق نظام طوعي لتحديد المراتب لتطوير أداء القطاع العام في 2011.12 وقدّم التدريب لجميع المؤسسات التي حددت مراتبها وفقا لقدرتها على تزويد المعلومات، والارتقاء بالقدرات وتقديم خدمات مرضية تماما.13 لكن بالنسبة إلى حكومات أخرى، كما في الكويت والمملكة العربية السعودية، فإن فعالية الحكومة لا علاقة لها بمستوى الموارد. فعلى الرغم من وفرة الموارد، فإن المملكة العربية السعودية والكويت أخفقتا في الأداء على مستوى الإمارات العربية المتحدة وقطر، بل إن دولا ذات موارد محدودة، مثل الأردن، والمغرب، وتونس، تتميّز بأداء مماثل لأداء المملكة العربية السعودية. لكن حتى في الدول التي حسّنت فيها الحكومات من فعّاليتها بمرور الوقت، فإن المواطنين لازالوا يشعرون بخيبة الأمل إزاء ما يلمسونه من انعدام التقدّم.

تحديات تزويد الخدمات

خلال السنوات القليلة الماضية، حققت بعض الحكومات العربية إنجازات مهمة في مجالي الصحة والتعليم، فاستأصلت عدداً من الأمراض السارية، وخفضت من المعدلات المرتفعة لوفيات الرضع والأمومة من خلال رفع مستوى الوعي، وتيسّر الحصول على الدواء، والاستثمار في بناء أو تطوير أوضاع المؤسسات الطبية، وتعزيز استكمال الدراسة الابتدائية.14 لكن على الرغم من هذه التحسينات، لازال المواطنون يشعرون بخيبة الأمل تجاه قصورها، ولاسيما في ظل البلاغيات الخطابية ومحاولات الإصلاح التي لا نهاية لها على ما يبدو.

سعت المغرب والأردن إلى تحسين مستوى الخدمات الأساسية عبر سلسلة من الإصلاحات في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. غير أن قصص النجاح المتميّزة في الإصلاحات في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، تبيّن التفاوت في مستوى التنمية في الدول التي تتصدر قائمة بلدان الإقليم التي تتسم بالتهميش وبانتشار الاحتجاجات المحلية. ففي المغرب، تتفاوت معدلات النمو بدرجات ملموسة. نفاذ كل جهة إدارية عن أخرى من حيث الخدمات الأساسية، ومن بينها الصحة العامة والتعليم، والنقل، وحتى توفّر مياه الشرب. وفي درعة تافيلالت، التي تُعدّ تاريخياً إحدى الجهات الإدارية الأفقر في المغرب، يتخلّف مستوى النفاذ إلى الرعاية الصحية عما هو عليه في الجهات الأخرى بما يعادل 30 في المئة.15 ولاعجب إذاً من أن درعة تافيلالت قد شهدت سلسلة من الاحتجاجات العام 2017، إزاء غياب النفاذ إلى رعاية صحية نوعية أول الأمر، ثم إزاء قصور النفاذ إلى مياه الشرب.

تعمل الحكومتان المصرية واللبنانية على خفض توقعات المواطنين بالتدريج من ناحية تزويد الخدمات في البلدين. وقد تدنت بعض مؤشرات التنمية البشرية في مصر في أعقاب ثورة العام 2011، فيما أعاد العسكر الاستقرار إلى البلاد، لكنهم واجهوا صعوبة في توفير الخدمات. ويرى أحد الشباب المصريين أن "حكومة السيسي قد حولت توقعات المواطنين من تساؤلات حول الحوكمة وتزويد الخدمات إلى تساؤلات حول الأمن والاستقرار".16 ولم يعد المصريون يتوقعون الحصول على فرص العمل، بينما تقوم الحكومة برفع الدعم شيئاً فشيئاً. وتعكس هذه  الجهود المتدرّجة تحديات أمنية كبرى (مثل انعدام الاستقرار في سورية وظهور الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتياً، والجماعات المنتسبة لها في لبنان، وسيناء، والساحل الأفريقي)، لكنها تمثّل كذلك نزوع الحكومة إلى التذرع بالأمن واعتباره طرفاً في معادلة الاستقرار والازدهار.

وفي لبنان، وهو البلد الذي عانى حرباً مدنية شرسة، يعطي المواطنون الأولوية للأمن والتنمية الاقتصادية على تزويد الخدمات، وهم مستعدون لقبول مستوى أقل من الخدمات مقابل الأمن،17 فيما تحول المحسوبية والفساد دون قيام الحكومة بتطوير فعالياتها. وقد تعاظمت مدركات المواطنين لفعالية الحكومة في العام 2006 عندما تعثّر تزويد الخدمات جراء التناحر السياسي، والأزمة الحكومية اللاحقة، والخلاف الحكومي المستحكم.18 ومنذ العام 2011، تمخض تدفق اللاجئين السوريين عن تعاظم الأعباء التي تثقل كاهل الحكومة المنهكة، والنفاذ غير المتكافئ للخدمات العامة في شتى المحافظات اللبنانية.

ثمة فجوة عريضة وآخذة بالاتساع بين ما تعد به الحكومات وما تقدّمه. وسنة بعد سنة، ينفذ صبر المواطنين الذين مافتئوا، في جميع أرجاء المنطقة، ينتظرون تغيراً ملموساً في حياتهم اليومية. وعلى حد تعبير أحد الشباب المصريين، "فإن انقطاع الكهرباء في المناطق الحضرية، بالنسبة لكثير من الشباب المصريين، يمثل خطاً أحمر، يدفع أغلب المصريين غير المسيّسين إلى التسيّس". وقد يفضي تضافر عجز الحكومة وتململ الجماهير المطّرد إلى مزيدٍ من الاحتجاجات ويدفع بعضهم إلى أساليب راديكالية أكثر لإحداث التغيير. وفي تونس، يقال إن بعض الثوريين في المناطق المهمشة في الجنوب والداخل يلتحقون بصفوف الدولة الإسلامية في ليبيا أو سورية – لا بسبب إيديولوجية دينية مشتركة، ولكن بسبب اليأس، والإحباط، والإحساس بأن الحكومة الديمقراطية التي ناضلوا لإقامتها لم تفعل إلا أقل القليل لتحسين مستوى معيشتهم.19 يضاف إلى ذلك أن طبيعة حاجات المواطنين في بعض البلدان قد تغيّرت بصورة ملحوظة مع تحسّن نوعية الحياة لديهم.

كيفية استجابة الحكومات

ترفع حكومات عربية عديدة، على نحو متزايد، شعار اللامركزية بوصفه الطريق إلى الارتقاء بمستوى الحوكمة وتعزيز التنمية. ففي المغرب، وضع الملك محمد السادس في مطلع العقد الأول من هذا القرن مخطّطاً أولياً لتطبيق اللامركزية، كما أن التعديل الدستوري للعام 2011 أرسى قواعد متينة لدولة مغربية لامركزية. ومع أن هذه الخطط تبشّر بالخير – بل إن بلداناً أخرى مثل تونس تحاول محاكاتها – إلا أن التنفيذ لازال أمراً معلّقاً. ومن التحديات التي تواجه اللامركزية غياب الإرادة السياسية لتفويض حقيقي للصلاحيات إلى الهيئات الإدارية الأدنى مرتبة، أو توزيع الموارد المالية الضرورية على المحافظات الطرفية، كما هو الحال في تونس. علاوةً على ذلك، من المحتمل أن تكون التحديات الأساسية التي تُبْتلى بها الحكومة المركزية قائمة كذلك في المستويات المحلية أو المناطقية لأن الثقافة، والأجندات، والأولويات السياسية ليست مختلفة على الأرجح بين هذه وتلك.

والحل الآخر الذي يجري الترويج له هو الحكومة الإلكترونية، أو رَقْمنة العملية البيروقراطية عن طريق إعداد منصات إلكترونية لتيسير وصول المواطنين وعامة الناس إلى المعلومات الحكومية. وتقوم حكومات عديدة بالترويج لمبادرات الحكومة الإلكترونية لتنسيق وتوضيح العمليات البيروقراطية، والحد من الفساد، وتطوير الفعالية. وعلى سبيل المثال، فإن منصات الحكومة الإلكترونية المنسّقة في البحرين تطرح إجراءات أبسط لطلب الوثائق الرسمية. وقد سعت الحكومة إلى تطوير نظام المنصات بإطلاق حملات عدة لزيادة الوعي ولترويج استخدامها.20 بيد أن المدركات حول فعالية حكومة البحرين بقيت، إلى حد كبير، على حالها، وربما تعكس عوامل مؤثرة أخرى، مثل الإجراءات المشددة في ميدان الحريات المدنية، والسياسات التمييزية القاسية التي تمارسها الحكومة.

تظل هذه الحلول مجرد إجراءات مؤقتة في غياب المساءلة. وتطرح أقطار الخليج مثالاً مشهوداً على كيفية استخدم الحكومات لمواردها المالية، بصورة فعّالة، لتحاشي المساءلة والمحاسبة. فأخذت تنفق بصورة استراتيجية لكي تتجنّب السخط الشعبي وتضمن الاستقرار السياسي. ففي أعقاب انتفاضات العام 2011 في المنطقة، حاولت بلدان الخليج كافة أن تطوّر فعالية حكوماتها كي تتفادى مايشبه الثورتين التونسية والمصرية وتواجه التحديات الأخطر في البيئة الاقتصادية العالمية. وفي العام 2011، وعدت المملكة العربية السعودية بأنها ستنفق ثمانين مليار دولار لإصلاح القطاع العام، وكشفت النقاب، في وقت لاحق، عن خطط إصلاحية كبرى عدة لإقناع مواطنيها بقبول تخفيض النفقات. ومع أن هذه الإجراءات لم تتمخض عن تغييرات ملموسة حتى الآن، فإنها لم تؤدِّ كذلك إلى أية قلاقل رئيسة. وعلى العكس من ذلك، فإن البحرين، التي لاتتمتع بوفرة الموارد مثل المملكة العربية السعودية وقطر، لازالت تعتمد على القمع لإخضاع المواطنين.

إن مستقبل أسواق النفط العالمية المشكوك فيه وتعاظم الضغوط على الميزانيات المالية – جراء ارتفاع الإنفاق الاجتماعي وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي – قد دفع أقطار الخليج إلى صوغ خطط طموحة لتحويل اقتصاداتها وتعديل عقودها الاجتماعية. إن رؤية 2030 في البحرين (المتبناة العام 2008)، ورؤية المملكة العربية السعودية 2030 (المتبناة العام 2016)، ورؤية الإمارات العربية المتحدة 2021 (المتبناة العام 2010)، ورؤية الكويت 2035 (المتبناة العام 2017)، ورؤية عُمان 2020 (المتبناة العام 1995، والمحدَّثة العام 2016)، ورؤية قطر (المتبناة العام 2008)، تشترك جميعها في التركيز على الارتقاء بفعالية الحكومة وتزويد الخدمات. غير أن هذه البلدان تشهد مستويات هائلة من اللامساواة الاجتماعية، وبأقل القليل من المساءلة السياسية أو الحريات المدنية. ويولّد ذلك سخطاً من نوع مختلف، يعطي الأولوية لرغبة المواطنين في نيل المزيد من الحريات المدنية والمشاركة في عملية صنع القرار، على حساب أداء الحكومات.

الطريق إلى الأمام

  • يمكن لعملية اللامركزية أن تكون هي السبيل الميسر لحكومة أفضل على المستوى المحلي، شرط توفّر الموارد المناسبة والإرادة السياسية. كما أن بناء القدرات لدى المجالس المحلية وتوفير برامج المخصّصات المالية التنافسية التي تعلي من شأن المبادرات والمبتكرات في أوساط الفاعلين المحليين، ستسمح بقدر أكبر من تملك التنمية المحلية وتبنيها، وستجعل من السهل معالجة الإجحاف الذي يحس به السكان المعرّضين إلى الإغفال والتجاهل.
  • قد يكون التركيز على الحوكمة في الجهات الإدارية الفرعية، والحضرية والمستويات المحلية، وحول قضايا محددة، مثل الرعاية الصحية والتعليم، منطلقاً أولياً ممكناً للاعبين الذين يريدون الارتقاء بفعالية الحكومة ومواجهة غياب الخدمات الأساسية. وقد يساعد ذلك في إبراز المكانة السياسية، ويوفّر أو ربما يستعيد بعض الثقة بالمسؤولين المنتخبين.
  • تستطيع الدول كذلك أن تبذل الجهود الرامية إلى مكافأة الأداء الجيّد الفعّال على جميع المستويات البيروقراطية الإدارية، وبخاصة، المستوى المحلي، لتشجيع القوى العاملة العامة الأفضل أداءً، وتوفر للمواطنين الإحساس باستجابة الحكومة.
  • كما أن في وسع أدوات أخرى، مثل البرنامج الذي يجري تنفيذه في تونس، للتمييز الإيجابي، أن تساعد على توليد النوايا الحسنة بين السكان.21 وتحاول هذه العملية وأمثالها مواجهة التهميش الجهوي الطويل الأمد عبر إعطاء الأولوية في توزيع الموارد للمناطق التي تعرّضت، تقليدياً، إلى الإغفال والتجاهل، وعبر تقديم مكافأة مالية للجهات التي تلتزم بمعايير سياسية واقتصادية-اجتماعية محددة، مايخلق دورة إيجابية للتنمية الجهوية.
  • ينبغي على المنظمات غير الحكومية المموَّلة دولياً أو محلياً أن تنظر في تحويل المساعدات عبر القنوات المحلية للتغلّب على عجز البيروقراطيات الإدارية الوطنية ولضمان السيطرة المحلية على اتخاذ القرارات المحلية. 

الرقابة على الفساد

إن الفساد، الذي يعرفه البنك الدولي بأنه "إساءة استخدام المنصب في القطاع العام لتحقيق مكاسب خاصة"، يصيب الحكومات بالشلل ويغضب المواطنين.22 في جميع أرجاء العالم العربي وفي المسح الذي أجرته مؤسسة كارنيغي العام 2016 حول الحوكمة على قادة الرأي العرب، رأى ما يقارب نصف المستجيبين، وعددهم 103، أن الفساد يمثل واحدة من القضايا الثلاث الأكثر إلحاحاً في المنطقة.23 وتتجلّى في البلدان العربية مستويات شتى من الفساد، تضم الفساد الصغير الطفيف، مثل رشوة شرطي المرور؛ والفساد المتوسط، كالمحاباة والمحسوبية في ممارسات التوظيف؛ والفساد الأكبر، مثل توزيع الموارد غير القانوني على جماعة إثنية أو دينية أثيرة، أو القَرْضَبة والاختلاس التام.

إضافةً إلى ذلك، على الرغم من أن مستويات الفساد قد لاتكون آخذة بالتزايد، فإن مدركات الجمهور عن الفساد تتزايد بالفعل. وبينما يجمع أغلب المواطنين في المنطقة داخل الحكومة وخارجها، على أهمية مكافحة الفساد، فإن الجهود المبذولة في هذا المجال قد مُنيت إلى حد كبير بالفشل.
لقد أصبح الفساد نظاماً قائماً بنفسه، وغدا، على حد تعبير أحد الأكاديميين المصريين،24 من "الخصائص الأصيلة" لأنظمة الحكم في المنطقة. وباستثناء تونس كحالة متميزة، تتجلّى في الدول العربية تشكيلة من المظاهر الأوتوقراطية التي ترتبط بالفساد. ففي الأنظمة السلطوية، تتحكّم النخب بجميع روافع السلطة إلى حد ما. والمواجهة الفعّالة للفساد في المنطقة لاتتطلب الإصلاحات القانونية وحسب، مثل إقرار القوانين المتصلة بحرية المعلومات، أو الحلول التكنولوجية مثل مبادرات الحكومة الإلكترونية، بل تستلزم كذلك تغيراً جوهرياً في الثقافة السياسية التي يترعرع فيها الفساد. وفي بلدان عديدة، مثل دول الخليج، ولبنان، والمغرب فإن معالجة الفساد ستلحق الضرر بالنخب الحاكمة التي تفيد من الوضع القائم. غير أن الفشل في مواجهة هذه المشكلة قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الذي قد يلحق ضرراً أكبر بمصالح النظام والنخب. وتسيطر النخب غالباً على المنافذ الإعلامية، والقطاع الخاص، والصناعات المفتاحية، وفي بعض الأحيان، على منظمات المجتمع المدني ذات النفوذ. وتستطيع بهذه الوسائط تأخير القوانين التشريعية والإجراءات القضائية.

 تميل الدول العربية إلى تشغيل قطاعات عامة عريضة ومترهلة، ويكمن هنا واحد من القوى المحرّكة للفساد.25 وفي الدول الغنية بالنفط، يتولّد الفساد كذلك من توزيع الريع،26 وكما يلاحظ أحد النشطاء اللبنانيين، فإن "غياب نظام التوظيف القائم على الجدارة في الإدارة العامة، وانتشار المحسوبية والمحاباة، والاعتبارات الطائفية، تؤدي غالباً إلى استخدام الموظفين المدنيين غير المؤهلين الذين يساهمون في ممارسات الفساد أو يتستّرون عليها".27 وتفضي المحسوبية إلى إقامة دوائر مفرغة من البيروقراطيين من ذوي الكفاءة المتدنية، الأمر الذي يؤدي إلى تقويض الثقة بالمؤسسات، ويسفر بدوره عن تغذية الفساد وإنعاشه.

مُضْمَرات الفساد

الفساد باهظ الكلفة. فبالإضافة إلى أنه يشوّه النمو الاقتصادي في الدولة أو في الصناعة، فإن "الشركات ستفقد الحوافز لتحسين نوعية المنتجات، كما ستتوقف مبتكرات ومكاسب الإنتاجية الواردة من الشركات الجديدة. وبعبارة أخرى، فإن [الفساد] يقوّض تنافسية الاقتصاد ويعيق الاستثمار وخلق الوظائف".28 وقد بيّنت إحدى الدراسات أن انخفاض مستوى عوائد الضريبة في العالم العربي كذلك تعود، جزئيا، إلى الفساد.29

وذلك مثير للقلق بشكل خاص إذا أخذنا بالاعتبار أن عدم قدرة البلدان الغنية الموارد في المنطقة على الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية التي يتضاءل مخزونها بسرعة والتي شهدت عوائدها انخفاضاً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية. ووفقا لأحد التقارير، "ففي البلدان التي تحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز، مثل المملكة العربية السعودية، فإن رفع عوائد الضريبة أقل إلحاحاً واستعجالاً، مع أن ذلك ضروري لأغراض الاستدامة النقدية في المدى البعيد"، ولاسيما إذا أخذنا بالاعتبار الزيادات الكبيرة في الإنفاق التي شهدناها منذ بداية الربيع العربي.30

ويمكن للفساد أن يخلّف تداعيات تلحق الضرر بالناحية الأمنية كذلك. فهو يفسح المجال للمتاجرين بالمحرّمات – كالأسلحة، والمخدرات، والبشر – لإدخال الممنوعات إلى البلاد. وتراخي الرقابة على الحدود، الناجم عن نظام قائم على الرشوة، قد ييسر عمليات تبييض الأموال وانتشار الإرهاب.31 وكما يلاحظ أحد محلّلي القضايا الأمنية في تونس، فإن نقاط المراقبة والحماية على الحدود لا قيمة لها إذا واصل موظفو الجمارك ممارساتهم الفاسدة وسمحوا للسلع الممنوعة بالعبور.32 علاوةً على ذلك، فإن المواطنين الذين يشعرون بالريبة والعداء تجاه الحكومات التي يعتبرونها فاسدة قد يكونون أكثر استعدادا للانضمام إلى الجماعات المتطرفة التي قد تزعم أنها تحارب الزعماء الفاسدين أو تبرر نشاطا آخر يلحق الضرر بالدولة أو بمصالحها.33 وتبيّن بعض الدراسات كذلك أن في البلدان العربية قطاعات أمنية رثة ذات قدرة رقابية متواضعة وتفاعل محدود مع الجمهور، وهو ما يهدد بانتشار الفساد داخل هذه القطاعات.34 وقد أوضح تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2013 أن الجزائر، ومصر، وليبيا، وسورية، واليمن قد بلغت مرحلة حرجة في التعرّض إلى مخاطر الفساد.35

يمكن أن يؤدي الفساد كذلك إلى تخفيض جودة المؤسسات الحكومية، ولاسيما الأجهزة الإدارية البيروقراطية. فعندما يعتاد البيروقراطيون على ممارسة الفساد، يغدو من الصعب تطبيق السياسات العامة التي تعمل لصالح الدولة والمواطنين. وفي البلدان الغنية بالنفط في المنطقة، أسفر انهيار النظام الريعي إلى مزيد من الفساد، وغدا بالتالي أكثر تحيّزاً ضد العمال الوافدين والمرتزقة وغير المواطنين الذين يتنافسون على موارد آخذة بالتناقص بصورة متزايدة.

الطريق إلى الأمام

  • تتطلّب مكافحة الفساد إطاراً قانونياً محكماً، بما فيه التشريعات الخاصة بالنفاذ إلى المعلومات والإفصاح عن الذمة المالية، والهيئات القضائية والتخصصية القوية القادرة على محاكمة الجرائم المتصلة بالفساد. وفي غياب المساءلة والمحاسبة، وتحكيم المواطنين والإرادة السياسية اللازمة لتطبيقها، فإن النفاذ إلى قوانين المعلومات وإجراءات الشفافية القانونية، ستكون خالية من أي معنى.
  • ومن الأدوات المُمكنة في هذا السياق إقامة هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد، كما في تونس، حيث تموّل الحكومة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تؤدي مهماتها بوصفها كياناً مستقلاً للتحقيق في قضايا الفساد.36 لكن نجاح هذه الهيئات مرهون باستقلالها السياسي، وبدعمها بالكوادر والموارد المناسبة للتعامل مع ما يشكل في الغالب أعداداً ضخمة من الحالات المتأخرة.
  • من الآليات الأخرى، التي أتت ثمارها في مكافحة الفساد في مناطق أخرى من العالم، عمليات الحكومة الإلكترونية وإجراءاتها. إن رقمنة العمليات الإدارية البيروقراطية، مثل العمليات الجمركية، والتسجيل التجاري وإجراءات الشراء يمكنها أن تعيق الفرص لممارسة الرشوة، والمحسوبية، والصفقات الجانبية بإخضاع جميع المبادلات لمتطلبات المنصات التي لاتراعي المشاعر والميول الإنسانية. وقد لاتكون إجراءات الحكومة الإلكترونية مناسبة في جميع الظروف، غير أن الدول العربية التي قامت برقمنة أعمالها والإعلان عنها ستبعث الطمأنينة والثقة في النفوس، وتشجّع الناس على إجراء معاملاتهم العالمية عبر القنوات الرسمية المناسبة.
  • ينبغي على الجماهير العربية (وكذلك المنظمات العالمية مثل منظمة الشفافية الدولية) أن تواصل الضغط على القادة العرب لاستئصال الفساد، حتى بطرائق بسيطة. يضاف إلى ذلك أن إدراك الرابطة بين الفساد والأمن والفساد والتردي الاقتصادي من شأنه أن يحفز العمل. ويجب على المجتمع المدني واللاعبين الدوليين أن يكثفوا التغطية الإعلامية والدبلوماسية لحالات الفساد، لأن أنظمة الحكم تهتم بعرض صورة طيبة عن نفسها، محليا وعالميا. وطرح نماذج إيجابية عن الجهود المبذولة لمكافحة الفساد.

خاتمة

إن العلاقات بين القادة والمواطنين العرب آخذة بالتغير منذ انتفاضات العام 2011. ذلك أن الغبطة العامرة والآمال العريضة التي راودت الجماهير بربيع ديمقراطي سرعان ما انحسرت. وبعد ما يقرب من ثماني سنوات، لازالت مشاعر الغضب والخيبة التي أدت إلى الثورة، والاحتجاج، والحرب، تغتلي في النفوس. وفي جميع أرجاء المنطقة، نفذ صبر المواطنين على حكومات يعتبرونها غير فعّالة، وفاسدة، ولا تخضع إلى المساءلة. هذا الغضب والسخط الدائم يدفعان المواطنين إلى البحث عن مسارات جديدة لإعادة تشكيل علاقتهم بالدولة. وفي تلك الأثناء تناضل الدول للتكيّف مع الأوضاع، وكثيراً ما تقصّر في ذلك، وفي أحسن الحالات تفشل في الوفاء بوعود الإصلاح التي قطعتها على نفسها ، أو تلجأ إلى القمع والعنف في أسوأها- وفي الحالتين يزداد اتساع الشقة بين المواطنين والدولة.

يتطلّب التصدي لهذه التحديات، كما يرى تقرير أصدره مركز بلفر العام 2016 مزيداً من العمل الجاد وعقداً اجتماعياً جديداً "يدفع بالمنطقة نحو نظام سياسي أكثر انفتاحاً واقتصاد أكثر تنافسية، حيث تؤدي الدولة دوراً تنظيمياً واستراتيجياً أكثر يستهدف ضمان مجال أوسع لقطاع خاص أكثر ديناميكية".37

في كثير من الحالات، يظل هذا العقد الاجتماعي بعيد المنال، ففي أحد طرفي هذا الطيف، تمضي دول مثل مصر والبحرين قدماً وبقوة ونشاط، في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية الكفيلة بتأمين الاستقرار وتزويد الشعب بالخدمات بصورة فعّالة. وفي الطرف الآخر، تتحرّك تونس ببطء باتجاه الديمقراطية اللبرالية في المجال السياسي والإصلاحات الاقتصادية الضرورية، بينما تجهد كذلك لتلبية مطالب الجمهور، وهو مايؤدي كذلك إلى فجوة عريضة من الريبة وعدم الثقة بين الشعب وحكومته.

على الحكومات في العالم العربي بأسره أن تدرك أن العلاقة بين الدولة والشعب ستواصل التدهور ما لم تتم معالجة ثلاث قضايا: النفاذ إلى مراكز اتخاذ القرار، والتزويد الفعّال للخدمات، ومكافحة الفساد. وليس هناك من حل فوري لأي من هذه التحديات، غير أن في وسع الحكومات، والمجتمع المدني، والأسرة الدولية أن تعمل سوياً لبلورة خطوات متدرجة للارتقاء بالحوكمة، وتوفير السلع والخدمات النوعية واستئصال الفقر في المنطقة بأسرها. وبصرف النظر عما قد يحمله المستقبل للمنطقة، فمن المؤكد أن هذه الخطوات الثلاث ستخفف من أسوأ النتائج الممكنة.

مقال

الاستقلال القضائي في مصر – إلى أين؟ سحر عزيز

هيئة القضاء المصرية مؤسسة تابعة للدولة تضم النخب وحسب، وليس ثمة مايحفّز القضاة على تغيير الوضع القائم بصورة جذرية، فهم موظفون مدنيون يتمتعون بمنزلة اجتماعية متميّزة ويتقاضون أجوراً عالية. ومن هنا، فإن مايحدّ من استقلال القضاء، حكماً، هو نظام الدولة السياسي. وحيث إن السلطة الرئاسية بلغت ذروتها في الوقت الحاضر، فإن الآليات القانونية يجري تعزيزها لإسكات المجتمع المدني، الذي لعب تاريخياً، دور الرقيب على الحكومة. ومع إساءة السلطة التنفيذية للمحاكم لخدمة أجندتها السياسية بصورة أكبر، فإن الدعوة إلى تحقيق استقلال القضاء بشكل قد يهدّد القبضة المُحكمة للجهاز التنفيذي على السلطة الشديد، قد تكون جهداً عقيماً. لكن حتى الدولة السلطوية نفسها تستفيد من جهاز قضائي كفؤ وفعّال. فبينما تؤدي الإجراءات التقشفية إلى تعميق الفقر وتضيق الخناق على الطبقة المتوسطة، فإن الاستقرار الداخلي في مصر يظل ذا طبيعة هشة. ويحتل اجتذاب الاستثمار الأجنبي والمساعدات الدولية مرتبة الأولوية في الدولة. ولتحقيق ذلك، تنبغي طمأنة المستثمرين إلى أن المحاكم المصرية ستحمي ممتلكاتهم عن طريق تطبيق القوانين التي تتسم بالاستقلالية والشفافية. وسيوفّر ذلك فرصة للأطراف المعنية وأصحاب المصالح محلياً ودولياً لإصلاح جوانب من الجهاز القضائي الذي يبدو في ظاهره بسيطاً، لكنه يؤدي دوراً حاسماً في مجال حكم القانون. وستفضي ثلاثة إصلاحات محددة إلى توطيد استقلال القضاء على المدى الطويل:

الأول هو ضرورة تأسيس مركز للتدريب القضائي المهني، يقضي فيه القضاة الجدد سنة واحدة على الأقل ويقدمون فيه امتحاناً للتخرّج. ومن المرجّح أن القضاة الأفضل تأهيلاً ممن يعتزون بجودة عملهم سيكونون أكثر حرصاً على سمعتهم وأكثر ميلاً للمحافظة على استقلالهم.

 
سحر عزيز
سحر عزيز أستاذة في القانون الدولي وباحثة في قضايا العدالة الاجتماعية في إدارة كلية الحقوق في جامعة روتجرز، حيث تتولى إدارة مركز دراسات الأمن والأعراق والحقوق. كما تعمل باحثة أولى في كل من معهد السياسة والتفاهم الدولي ومركز السياسة العالمي.

إن القضاة المصريين يبدأون مسيرتهم العملية فور تخرّجهم من كلية الحقوق، ويعيّن الواحد منهم مدّعياً عاماً في مكتب الادعاء العام. ويجري اختيارهم كقضاة لا على أساس درجاتهم أو مرتبتهم الدراسية؛ فالمحسوبية لها دورها في عملية الاختيار.1 وقبل أن يصبحوا قضاة، لايتلقى خريجو الحقوق أي تدريب خاص في كلية الحقوق التي مافتئت نوعية التعليم فيها تتراجع بصورة حادة على مدى الجيلين الماضيين.

وفي العام 2008، قدّمت مجموعة من القضاة مشروع قانون لتأسيس معهد قضائي يتولّى تدريب القضاة الجدد وتقديم التعليم المهني المستمر للقضاة القدامى في الوقت نفسه. غير أن المشروع لم يحظَ بالقبول في مجلس الشعب. وينبغي أن يكون تقديم المشروع مجدّداً من أولويات المسؤولين المصريين والقضاة، والمستثمرين الأجانب، والمنظمات الدولية المعنية بإقرار العدالة على نحو أكثر كفاءة وإنصافا.

الإصلاح الثاني يستوجب استحداث برنامج للكتبة القضائيين، بحيث يستطيع القضاة أن يستخدموا المحامين، بأجر، للمساعدة في تنظيم الملفات التي تضم خلاصة قرارات المحاكم وجداول الدعاوى والموضوعات الآخذة بالتزايد المطّرد. ويتحمّل القضاة المصريون أعباء ضخمة من القضايا المعروضة على المحاكم، ويعود ذلك، في جانب منه، إلى نقص عدد القضاة وإلى شغف المجتمع المصري بالتقاضي. غير أنهم لايتلقون إلا أقل القليل من الدعم الإداري للمساعدة في الأبحاث القانونية وتصريف القضايا. سيزيد توفر المزيد من الدعم المهني قدرة القضاة على إعطاء كل قضية ماتستحق من الوقت الضروري لإصدار أحكام قضائية أفضل وأكثر كفاءة.

أخيراً، تحتاج قاعات المحاكم إلى التجديد والتحديث. إن مباني المحاكم المصرية المهلهلة تدفع المواطنين المصريين إلى اعتبار الجهاز القضائي مجرد مؤسسة عاجزة أخرى من مؤسسات الدولة عديمة الكفاية. وينبغي على المصلحين، والحال هذه، أن يشدّدوا المطالبة بتجديد قاعات المحاكم لتتحوّل إلى أماكن يُحترم فيها القانون ويؤخذ بجدّية من جانب كل من المواطنين والمستثمرين الأجانب الذين تسعى الحكومة الى اجتذابهم. وتلعب المدركات والانطباعات دوراً مؤثراً في الإعلاء من شأن حكم القانون. وإذا ما أرادت الدولة من المواطنين احترام القانون، فمن الضروري أن تكون الأماكن التي يجري فيها إقرار القانون مدعاة للاحترام والوقار.

هوامش

1 Nora Elbialy, Miguel A. Garcia-Rubio, and Ahmed Zaki, “The 2007 Egyptian Judicial Reform and Its Efficiency Implications on First Instance Courts,” Effectius, 2011, http://effectius.com/yahoo_site_admin/assets/docs/The2007EgyptianJudicialReformanditsefficiencyimplications_EFFECTIUS_newsletter16.344135720.pdf.

مقال

عهد جديد في المملكة العربية السعودية: الحد من الإصلاح وإسكات المصلحين هالة الدوسري

تشهد المملكة العربية السعودية تحوّلات مثيرة للقلق في قيادتها السياسية، فبالرغم من أن قيادة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، تعترف بالتحديات التاريخية التي تواجهها الدولة اقتصادياً ودينياً واجتماعياً، لكنها، في الوقت نفسه، تكبح وتستعدي حركة المجتمع المدني وقيادات الإصلاح الذين نشطوا في التصدي لتلك التحديات. يُضاف إلى ذلك أن الانشغال بالصراعات الإقليمية يهدّد الاستدامة الاقتصادية والسياسية نفسها التي تحاول هذه القيادة تحقيقها.

في 15 أيار/مايو 2018، بدأت حملة واسعة النطاق من الاعتقالات التي استهدفت نساء ناشطات بارزات، ومُحاميهن، والعديد من أنصارهن. ومن المثير للدهشة أن الاعتقالات جاءت قبل بضعة أسابيع من رفع الحظر الذي استمر عقوداً عدة على قيادة النساء للمركبات. وقد سبقتها كذلك موجتان من الاعتقالات التي استهدفت بها الدولة الكتّاب، والإصلاحيين الإسلاميين الناشطين، ورجال الأعمال البارزين، ورجال الدولة، بمن فيهم بعض أعضاء العائلة المالكة من ذوي النفوذ السياسي المهم. استهدفت الاعتقالات النساء الناشطات اللواتي استطعن، منذ العام 2011، إنتاج مستوى مؤثّر من الوعي العام والمشاركة على الصعد المحلية والدولية.

 
هالة الدوسري
هالة الدوسري ناشطة سعودية في مجال حقوق الإنسان وباحثة وكاتبة. تتركّز أبحاثها على العنف القائم على النوع الاجتماعي والتقاطعات بين الجندر والصحة.

كانت ثلاث من النساء المحتجزات قد استحدثن نموذجاً مطلبياً أطلق العنان لحركة قوية لتعزيز الإصلاح في حقوق المرأة لما هو أبعد من قيادة السيارات. وانفرد اعتقالهن بطابع انتقامي غير مسبوق يتجاوز الأعراف الثقافية السائدة التي تدعو إلى احترام الأفراد، ولاسيما النساء. وما من شك في أن تلك العداوة الفريدة من نوعها تمثّل دليلاً على مدى هشاشة النساء الناشطات في نظام ملكي مطلق من جهة، وعلى ما حققنه من نجاح في الحصول على الدعم المجتمعي، من جهة أخرى. فبعد الاعتقالات بوقت قصير، ظهرت صور النساء والرجال المحتجزين على الصفحات الأولى للصحف المرتبطة بالدولة وحسابات التواصل الاجتماع وقد طبعت كلمة الخيانة عليها باللون الأحمر. وفي الوقت نفسه، وجهت حملة ساندتها الدولة إلى أفراد المجموعة تهمة الخيانة ملصقة بهم تهمة العمالة لقوى أجنبية في محاكمات إعلامية. وفي سلسلة من المقالات الموجّهة، والتحليلات على الصفحات الأولى للصحف قام خبراء قانونيون ومصادر حكومية غير معلنة، وأعضاء في مجلس الشورى، بمن فيهم امرأة، بتحريض العامّة ضد النشطاء تحت شعار "الأمة خط أحمر". وتحوّلت الخطابات الطنانة من تصوير النشطاء كعملاء للسفارات الأجنبية يهدفون إلى تأليب المؤسسات الدولية ضد الدولة إلى وصمهم بتهمة العمالة لإيران، وقطر، وتركيا، وذلك بعد أن استفزّت التلميحات الأولية الدبلوماسيين الأجانب في المملكة العربية السعودية.

لم تقدّم الدولة أية أدلة على التهم الموجّهة إلى النشطاء، لكنها أعلنت بعد أسبوعين أن هؤلاء اعترفوا، بالإجماع، بالتهم الموجّهة لهم. وجرى ذلك كله بدون أية تمثيل قانوني أو اشفافية. وكان من الواضح أن المقصود بهذه الدعاوي نشر الخوف في أوساط المواطنين في الداخل بأسلوب استفزازي يذكّر بالحرب الإلكترونية التي تزعمتها السعودية ضد قطر وأعداء آخرين. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الدولة أعربت عن اهتمامها بتحسين مستوى شرعيتها الدولية، من أجل اجتذاب الاستثمارات الدولية ولتأمين المساندة السياسية للقيادة الجديدة. ويبدو أن الحافز وراء الاعتقالات هو رغبة الدولة في الهيمنة على سردية الإصلاح لا في صفوف الجمهور المحلي وحسب، بل في الحلبة الدولية متعاظمة الأهمية. ومن هنا، فإن الاعتقالات تمثّل فرصة أمام المجتمع الدولي لممارسة تأثير كبير على الطبيعة السلطوية للمملكة العربية السعودية، وذلك بتقديم الدعم للذين استهدفتهم الاعتقالات.

حوّلت نزعة الدولة السلطوية المتعاظمة والتي لاضابط لها ولا رابط الأنشطة التوعوية إلى مهمة محفوفة بالخطر يمكن للدولة قمعها بطريقة سهلة عبر استثارة المشاعر الوطنية. فقد تسبّب قرار سياسي واحد في إيقاف الزخم النسوي المتصاعد والذي تم بناؤه بصبر وعناية على مدى سنوات من التعاون وبناء القدرات. هذه المقاربة الإصلاحية للسلطة و التي تهبط من القمة إلى القاعدة محدودة القدرة في تلبية مطالب الجمهور وتقرير نوعية الإصلاح الذي ينبغي متابعته عندما لايمكن لهذا الجمهور تحديد أولوياته، أو أن ينتقد أو يوجّه رسم السياسات العامّة. والأهم من ذلك كله أن من شأن هذه المقاربة أن تدفع بالتحرك المدني النشط إلى خارج الحدود، حيث تستطيع الجماعات والأفراد تنظيم أنفسهم، والنفاذ إلى المعلومات، وحشد صفوفهم لتحقيق نموذج مختلف للحوكمة.

مقال

من النشاط المدني إلى العمل السياسي المؤسّساتي: دروس من لبنان جان قصير

في صيف العام 2015، وفيما كانت أكوام النفايات المتعفّنة تتراكم في شوارع بيروت، أشعلت شبكات من الناشطين حركة واسعة النطاق من الاحتجاجات المناهضة للسلطة، وطالبت المسؤولين بإيجاد حلول مستدامة لمعالجة أزمة النفايات، إضافةً إلى محاسبة المسؤولين عن الأزمة. وأعربت هذه الاحتجاجات عن تزايد المشاعر المناهضة للسلطة في أرجاء البلاد كافة، وكشفت عن استفحال الفساد البنيوي في أوساط النخبة الحاكمة. وكانت تلك الشبكات المعارضة للسلطة قد بدأت بالظهور منذ العام 2011، وتضم بشكل أساسي مجموعات من المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، والمجموعات السياسية اليسارية، والنوادي الطلابية. إنّ "الحراك المدني"، كما سمّاه الأطراف المشاركون فيه، شكّل أوسع تجمّع سياسي من خارج الاصطفافات الحزبية، وكان لاطائفياً، ولا زعامة له، في لبنان بعد الحرب.

على الرغم من قدرته على الحشد والتعبئة، فشل "الحراك المدني" في إحداث تغيير نوعي في سياسات السلطة، كما هُزم في الانتخابات النيابية التي طال انتظارها في العام 2018، عندما خاض مرشحوه الانتخابات في إطار تحالف واسع.
شاب "الحراك المدني" ثغرات بنيوية واستراتيجية عميقة حدّت من قدرته على أداء دور سياسي مؤثر. وقد دفع كلٌّ من غياب القيادة الموحّدة للحراك، ومرونة بنيته، وطابعه اللا حزبي، الكثير من اللبنانيين إلى المشاركة في التظاهرات والشعور بالانتماء إلى هذا الحراك، لكن لم تستطع الجهات القيادية فيه الاستفادة من تعاطف الرأي العام لبناء قاعدة شعبية متينة. إضافةً إلى ذلك، تجنّبت قوى "الحراك المدني" الخوض في القضايا الإشكالية التقليدية في السياسة اللبنانية، مثل الأمن والسياسة الخارجية، وركّزت بدلاً من ذلك على مكافحة الفساد لتستهوي أوسع شريحة من الناخبين. لكنّ هذه الاستراتيجية لم تحقّق أهدافها على الرغم من رغبتها الصادقة في توحيد الناخبين اللبنانيين، إذ كشفت عن مدى الانقسامات الإيديولوجية داخل الحراك.

 
جان قصير
جان قصير باحث وناشط سياسي يحمل شهادة الماجستير في العلوم السياسية المقارنة من جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

وفي نهاية المطاف، ظل التأييد الشعبي للاحتجاجات هشاً، ولم يستطع "الحراك المدني" التصدّي للهجوم المضادّ الذي شنّته عليه السلطة الحاكمة. ففي غياب قاعدة شعبية قائمة وبنية سياسية ممأسسة، فشلت قوى الحراك في استثمار ماحظيت به من تعاطف وحماس. كما أنّ افتقارها إلى برنامج واضح وشامل أضرّ بمصداقيتها كبديل سياسي في الانتخابات النيابيّة، وكشف عن محدودية قدرتها في بناء قاعدة شعبية وإحداث التغيير في بنية السلطة. إضافةً إلى ذلك، لم تكن أبرز الوجوه القيادية في الحراك معروفة خارج أوساط الناشطين البيروتيين، كما أنها كانت تفتقر إلى الخبرة السياسية. من هنا، عانت قوى "الحراك المدني" في مواجهتها ضد الأحزاب السياسية اللبنانية الطائفية التي تعتمد على شبكات عميقة الجذور، وتسيطر عل المنافذ الإعلامية، وتستفيد من دعم مالي ضخم. وحاولت الأحزاب الانتقاص من سمعة الشخصيات القيادية في الحراك عبر نشر الشائعات حول أجنداتهم وولاءاتهم ومصادر تمويلهم. وفي النهاية، نجحت السلطة من خلال تلك التهجّمات والقمع العنيف1 للمظاهرات في تقليص ما كانت تتمتع به الحركة الاحتجاجية من دعم شعبي.

على الرغم من أنّ التحرّك العفوي المناهض للسلطة استطاع استقطاب السخط الشعبي والتأثير في الخطاب العام، لم يتمكّن، بقدراته المحدودة، من أن يبلور قاعدة شعبية ويؤثّر على بنية السلطة. فيتّضح إذاً أن بناء قاعدة شعبية ومجموعات سياسية ممأسسة، هي المقاربة الأفضل لاغتنام الفرص بفعالية وإحداث تحوّل في النظام السياسي.

هوامش

1 "لبنان: يتعين محاسبة قوات الأمن التي قامت باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين"، منظمة العفو الدولية، 29 آب/أغسطس 2015، https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2015/08/lebanon-security-forces-using-excessive-force-against-protestors-must-be-held-to-account/

مقال

الحوكمة في غزة عمر شعبان

أدّى الانقسام بين حماس وفتح، والحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة منذ العام 2007 إلى سقوط ما لاحصر له من الضحايا في فلسطين. وتشمل التداعيات السياسية للنزاع بين حماس وفتح والحصار الإسرائيلي تقويض شرعية انتخابات العام 2007 الديمقراطية؛ وانتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها القيود على الحق في حرية التعبير؛ والتقييدات المشدّدة على حرية التنقل. وفي غزة، أفضت هذه الظروف المتطرفة بالتدريج إلى نزعة راديكالية جذرية متعاظمة، ولاسيما بين جيل الشباب. ويقال إن مئة من الشباب الغزّيين قد التحقوا بالحركة التي أطلقت على نفسها اسم الدولة الإسلامية في سيناء، بالإضافة إلى الآلاف من المقيمين الذين أصبحوا من المتطرفين فكرياً وسلوكياً.

غير أن العنصر الأهم في الحصار هو تدني نوعية الخدمات التي تقدم للجمهور، أي خدمات الصحة، والتعليم، والكهرباء، والمياه. فقد لحق الضرر بنوعية الخدمات وتوافرها بصورة مثيرة. ومنذ بدء الحصار، لم تتضح هوية المسؤولين عن تقديم تلك الخدمات: سواء الحكومة الإسرائيلية، التي تسيطر على الحدود مع غزة؛ أم حماس، التي تتولى الحكم في غزة منذ العام 2007؛ أو السلطة الفلسطينية، التي تعتبر، دولياً، هي الممثلة للشعب الفلسطيني.

 
عمر شعبان
عمر شعبان محلّل مقيم في غزة متخصّص في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط وهو مؤسس مركز PalThink للدراسات الخارجية.

فمنذ بدء الحصار، أمرت السلطة الفلسطينية موظفيها العموميين، فعلياً، بعدم العمل مع حكومة حماس. فقامت حماس، بدورها، بملء تلك الشواغر بعشرات الآلاف من أعضائها – الذين يفتقر العديد منهم إلى المؤهلات اللازمة. وأدى نقص الموظفين المؤهلين إلى إلحاق الضرر الفادح بتوافر الخدمات ونوعيتها، ولاسيما في مجالي الصحة والتعليم، ويميل موظفو قطاع التعليم إلى ممارسة المزيد من التشدّد، بحيث غدت المدارس أكثر ميلاً إلى التدين، وأقل تنوعاً، وأكثر تسيّساً. بل إن المدارس، في أحيان عدة، أرغمت الطالبات على ارتداء بزة نظامية خاصة.

يبذل أهل غزة قصارى الجهد للحصول على الكهرباء والماء.1 فقد قلّصت السلطة الفلسطينية إمداد الكهرباء التي تعتمد على ثلاثة مصادر: محطة الكهرباء في غزة، التي تعمل بوقود يأتي من إسرائيل وتسدد كلفته السلطة الفلسطينية؛ والإمدادات الإسرائيلية، التي تدفع السلطة كلفتها كذلك؛ وكميات محدودة من الكهرباء، تقدّمها مصر، وتسدّد كلفتها الجامعة العربية.

يتلقى المقيمون في غزة في الوقت الحاضر طاقة كهربائية لمدة ثلاث ساعات أو أربع يوميا.2 الأمر الذي يؤثر بصورة سلبية بالغة على ضخ المياه ومحطات معالجة المياه.

كما يؤثّر النقص في إمداد الكهرباء كذلك على قدرة المرافق الصحية في غزة. إن عشرات الآلاف من اللترات المكعبة من مياه الصرف الصحي تتدفق في البحر كل يوم، وتتعرّض شواطئ غزة إلى قدر هائل من التلوث. كما أن هذه التقييدات القاسية قد أعاقت الإنتاج في القطاع الخاص، الأمر الذي يضيق الخناق على أصحاب الأعمال التجارية في جميع القطاعات. وقد عاينت عمليات الإنشاءات والتصنيع الضرر الأكبر، إذ أن مصالح تجارية عديدة لم تتمكن من الاستمرار في أنشطتها. كما أن قدرة الغزيين الشرائية المتناقصة قد فاقمت من التحديات التي يواجهونها.

أضعف الحصار الإسرائيلي والشقاق السياسي غزة بصورة كاسحة: فالمجتمعات المحلية غدت أكثر فقراً، وأكثر اعتماداً على المعونات الغذائية، وأقل إنتاجية، وأكثر راديكالية، وأقل تسامحاً. وهذه الأوضاع المستمرة لاتهدّد غزة وحسب، بل استقرار المنطقة بأسرها كذلك.

هوامش

1 Tamsin Avra, “Gaza Electricity Crisis Fact Sheet,” Rebuilding Alliance, 2017, http://www.rebuildingalliance.org/gaza-electricity-crisis-fact-sheet/.

2 "غزة تغرق في الظلام: انهيار حاد في وضع الطاقة"، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، 25 أيار/مايو 2017، https://www.ochaopt.org/ar/content/gaza-plunges-darkness-severe-deterioration-energy-situation.

هوامش

1 Hedi Larbi, “Rewriting the Arab Social Contract: Toward Inclusive Development and Politics in the Arab World,” Belfer Center for Science and International Affairs, Harvard Kennedy School, May 2016, https://www.belfercenter.org/sites/default/files/legacy/files/Rewriting%20Arab%20Social%20Contract%20Final_opt.pdf.

2 “Freedom in the World 2017,” Freedom House, 2017, https://freedomhouse.org/report/freedomworld/freedom-world-2017.

3 “Arab Barometer IV: Public Opinion Survey Conducted in Algeria, Egypt, Jordan, Lebanon, Morocco, Palestine, and Tunisia, 2016-2017,” accessed from http://www.arabbarometer.org/waves/arab-barometer-wave-iv/.

4 عمر شاكر، "حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر"، هيومن رايتس ووتش، 12 آب/أغسطس 2014، https://www.hrw.org/ar/report/2014/08/12/256580

5 "مصر: وباء التعذيب قد يشكل جريمة ضد الإنسانية"، هيومن رايتس ووتش، 6 أيلول/سبتمير 2017، https://www.hrw.org/ar/news/2017/09/06/308505

6 Laura Smith-Spark, “The Ban on Saudi Women Driving Is Ending: Here’s What You Need to Know,” CNN, June 22, 2018, https://www.cnn.com/2018/06/22/middleeast/saudi-womendriving-ban-end-intl/index.html.

7 Sarah Yerkes, “Where Have All the Revolutionaries Gone?,” Brookings Institution, March 2017, https://www.brookings.edu/research/where-have-all-the-revolutionaries-gone/.

8 سارة يركيس ومروان المعشّر، "اللامركزية في تونس: تعزيز المناطق، وتمكين الشعب"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 17 أيار/مايو 2018، https://carnegie-mec.org/2018/06/11/ar-pub-76529

9 Youssef Cherif, “The Kamour Movement and Civic Protest in Tunisia,” Carnegie Endowment for International Peace, April 8, 2017, http://carnegieendowment.org/2017/08/08/kamourmovement-and-civic-protests-in-tunisia-pub-72774.

10 "جنوب الجزائر: طليعة المشاكل"، مجموعة الأزمات الدولية، تشرين الثاني/نوفمبر 2016، https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/algeria/algeria-s-south-trouble-s-bellwether

11 المعطي منجب، "حراك الريف يستمر بلا هوادة في المغرب"، صدى (مدوّنة)، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 21 حزيران/يونيو 2017، https://carnegieendowment.org/sada/71334?lang=ar

12 World Bank. Worldwide Governance Indicators online database. http://info.worldbank.org/governance/wgi/index.aspx#home.

13 Athur Mickoleit, “An Exploratory Look at Public Sector Innovation in GCC Countries” (prepared for the Government Summit Thought Leadership Series, February 10–12, 2014, Dubai, UAE), Organization for Economic Cooperation and Development, February 2014, https://www.oecd.org/mena/governance/An-exploratory-look-at-public-sector-innovation-in-GCC.pdf.

14 المصدر السابق.

15 “La Cartographie du Dévelopment Local Multidimensionnel : Niveau et Déficits,”Observatoire National du Dévelopment Humain, 2017, http://www.ondh.ma/fr/publications/cartographie-developpement-local-multidimensionnel-niveau-et-deficits.

16 ورشة عمل كارنيغي، كانون الأول/ديسمبر 2017.

17 ورشة عمل كارنيغي، نيسان/أبريل 2018.

18 تحسّنت التصورات بشكل ملحوظ في 2010-2011، لكنها انخفضت مجدّداً منذ العام 2012: https://www.theglobaleconomy.com/Lebanon/wb_government_effectiveness/

19 مقابلة أجرتها المؤلّفتان مع محلّل أمني تونسي، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

20 Mickoleit, “An Exploratory Look at Public Sector Innovation in GCC Countries.”,

21 يركيس والمعشّر، "اللامركزية في تونس".

22 Corruption Action Plan Working Group, “Helping Countries Combat Corruption: The Role of the World Bank,” Poverty Reduction and Economic Management Network, World Bank, September 1997, http://www1.worldbank.org/publicsector/anticorrupt/corruptn/corrptn.pdf.

23 كاماك والمعشّر، "أصوات عربية حول التحدّيات التي تواجه الشرق الأوسط الجديد".

24 ورشة عمل كارنيغي، نيسان/أبريل 2018.

25 Kate Gillespie, “The Middle East’s Corruption Conundrum,” Current History 105 (January 2006): http://www.currenthistory.com/Article.php?ID=382.

26 المصدر السابق.

27 ورشة عمل كارنيغي حول الحوكمة، نيسان/أبريل 2018.

28 أنطونيو نوسيفورا وبوب ريكرز، "الثورة غير المكتملة: توفير فرص ووظائف أفضل وثروة أكبر لكل التونسيين"، قسم الحد من الفقر والإدارة الاقتصادية، البنك الدولي، 24 أيار/مايو 2014.

29 Patrick A. Imam and Davina F. Jacobs, “Effect of Corruption on Tax Revenues in the Middle East,” International Monetary Fund, November 2007, https://www.imf.org/en/Publications/WP/Issues/2016/12/31/Effect-of-Corruption-on-Tax-Revenues-in-the-Middle-East-20005.

30 المصدر السابق.

31 Robert I. Rotberg, ed., Corruption, Global Security, and World Order (Washington, DC: Brookings Institution Press, 2009).

32 سارة يركيس ومروان المعشّر، "عدوى الفساد في تونس: المرحلة الانتقالية في خطر"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، تشرين الأول/أكتوبر 2017، https://carnegie-mec.org/2017/11/10/ar-pub-74696

33 Rotberg, ed., Corruption, Global Security, and World Order.

34 "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خانة الخطر المرتفع للفساد في قطاع الدفاع"، منظمة الشفافية الدولية، 6 شباط/فبراير 2013، https://www.transparency.org/news/pressrelease/middle_east_and_north_african_governments_have_high_risks_of_defence

35 المصدر السابق.

36 يركيس والمعشّر، "عدوى الفساد في تونس".

37 Larbi, “Rewriting the Arab Social Contract.”

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.