مقدمة
تتمتع المؤسسات الحكومية المصرية بحضور قوي في المجال الديني بكافة مجالاته الدعوية والوعظية والقضائية والتشريعية، وكذلك التعليمية من خلال المنح الدراسية التي تقدمها. وعلى الرغم من رسوخ الجذور المجتمعية لهذه المؤسسات إلا أن الاضطراب الهائل الذي شهدته البلاد خلال العقد الماضي متمثلاً في ولوج حركة إسلامية إلى أروقة السلطة وخروجها المبتسر، وما أعقب ذلك من تولية رئيس جديد يحمل رؤيته الخاصة للمجال الديني، وشروعه السريع في إحياء وتعميق النظام الاستبدادي وإطلاق يد الهيئات الأمنية في قمع ومراقبة المنظمات والحركات الدينية، قد ألقى ظلالاً كثيفة على عملها في المجال العام.
ومع ذلك تمكنت الهيئات الدينية المصرية من تجاوز تلك العواصف والخروج منها أقوى مما كانت، فقد أصبحت أكثر استقلالاً وأكثر تماسكاً بعد أن شهدت تراجع وضعف تأثير منافسيها على المجتمع المصري. غير أن هذا لا يعني أنها قد وصلت إلى بر الأمان. فالاستقلال الجديد بالكاد يحيا تحت مطارق النظام الأمني الصارم والرئيس المهيمن، أما التماسك فيوشك أن يتهاوى بسبب التناحر والتنافس بين قياداتها، وهو تناحر يفاقمه أحياناً تدخل النظام الذي يعمل بسياسة فرّق تسد. أما التأثير الاجتماعي فلا يمكن التكهن بمداه في مجتمع تتصارع فيه السلطة الدينية التقليدية مع المؤسسة السياسية التي لا حدود لنفوذها مع كل ما تملكه من أدوات القمع.
ويحظى الدور الذي يلعبه الرئيس عبد الفتاح السيسي في المجال الديني باهتمام دولي ومحلي كبير. فقد حظيت دعوته لما يسميه " تجديد الخطاب الديني"1بالاستحسان الدولي، أما محلياً فهو يقود حملة الراغبين في استئصال شأفة الإسلام السياسي، حيث لم يكتفِ بخلع الرئيس السابق محمد مرسي واعتقال الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بل استولى أيضاً على آلاف المساجد المستقلة ومئات الجمعيات الخيرية المتصلة بالحركات الإسلامية.
وقد لقيت كلمة السيسي التي ألقاها في 2015 أمام جمهور من كبار علماء الدين، ودعا فيها إلى ثورة دينية، ترحيباً كبيراً من القادة الغربيين في وقت كان فيه تنظيم الدولة الإسلامية يتغلغل في أنحاء العراق وسوريا وينشر دعوة العنف في دول أوروبا والولايات المتحدة.
أما على الصعيد المحلي، فيعتبر المراقبون المصريون الجهود الرئاسية في المجال الديني دليلاً على رغبة النظام في الهيمنة على كافة مناحي الحياة، فالرئيس لا يتردد في إلقاء محاضرة على العلماء فيما يعنُّ له من شؤون الدين، مثل الفكر الديني، والتطرف، والطلاق، وغيرها من المسائل العقدية التي قلّما جَرؤ أسلافه على الخوض فيها.
وعلى الرغم من الجهود المستمرة والقوية التي يبذلها السيسي في توجيه التعليم والخطاب الديني، إلا إنه من الصعب حالياً التكهن بما يمكن أن تحققه هذه الجهود من نتائج. ورغم استجابة بعض المؤسسات الدينية ورضوخها لسيطرة النظام إلا أن مؤسسات أخرى على رأسها الأزهر، وهو الجامعة ومركز الدراسات الإسلامية ذو المكانة الدولية المرموقة، لا تزال تدافع، مستميتةً، عن استقلالها، وتقاوم بحزم مهذب تعليمات الرئيس في مسائل بعينها.
وتتكون المؤسسة الإسلامية في مصر من عدة هيئات متداخلة اشتبكت في السنوات الأخيرة في عدد من السجالات التي شغلت المجتمع المصري ما أثار الجدل حول أهمية إصلاحها وتجديدها. ويدور الجدل عن معنى التجديد وأهميته على المستويين الرسمي والشعبي سواءَ في جلسات مجلس الشعب أو على نطاق جماهيري عام.
وقد أدى هذا إلى عملية شد وجذب سياسية للسيطرة على المؤسسة الدينية تلعب فيها المبادرات الرئاسية دوراً ملحوظاً تدعمها أطراف فاعلة. والحقيقة أن ما يحدث لا يستهدف التأثير على حركة الإصلاح في المجتمع المصري فحسب، بل يرقى إلى مستوى الصراع من أجل السيطرة على الهيئات الدينية.
المؤسسات الدينية في مصر
شكلت المؤسسات الدينية، منذ نشوئها، أداةً من أدوات الدولة المصرية. يعود تاريخ نشأة بعض هذه المؤسسات إلى أكثر من ألف عام، أي أنها نشأت قبل فترة طويلة من دمجها رسمياً في الجهاز الحكومي للدولة. فقد تأسس الجامع الأزهر في عام 972 على يد الأسرة الشيعية الحاكمة آنذاك، أما غيره من المؤسسات فيرجع تاريخها إلى العهد العثماني أو القرن التاسع عشر وهي تعتبر أزمنة أقرب بالمقارنة مع الأزهر. وفي مصر حيث تتقاطع السلطة السياسية والدينية باستمرار كان من الصعب، دائماً، تحديد الكيفية المثلى لقيادة تلك المؤسسات وإلى أي مدى يمكن للنظام أو الحاكم السياسي مساءلتها. ويعود الخلاف حول السيطرة على المدارس الإسلامية والمساجد وغيرها من الهيئات الدينية إلى القرن التاسع عشر، حيث بدأ تأسيس الدولة المصرية النظامية الحديثة التي يسعى فيها الحكام للهيمنة على كافة مؤسسات البلاد وتوجيهها. وفي فترة الستينيات اتخذ نظام الرئيس جمال عبد الناصر نهجاً تدخلياً واضحاً، ووصلت السيطرة المباشرة للدولة على الأجهزة الدينية ذروتها، أما في العقود التالية فقد خففت الدولة قبضتها تدريجياً وإن لم تتخلَ كلياً عن أدوات النظام الناصري. ورغم أن الحكام استمروا في التلاعب بالمؤسسات الدينية وضرب بعضها ببعض إلا أنهم حرصوا على أن تتخذ هذه المؤسسات موقفاً موحداً في مواجهة الحركات الدينية الأصولية، خاصة أن تلك الحركات أوجدت لنفسها موضع قدم في المجتمع المصري منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم.
وفي أعقاب الاضطرابات التي صاحبت انتفاضة كانون الثاني/ يناير 2011 نجح الأزهر في تحقيق انتصار نوعي اكتسب من خلاله قدراً لا بأس به من الاستقلال والحكم الذاتي أقره القانون وتمكن من إثبات قيمته لمسؤولي الدولة ذوي العقلية الأمنية الذين طالما تشككوا في جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية، وطالما اتخذوا مواقف مضادة لها2. ولذلك فعندما تولي السيسي رئاسة البلاد وجد خليطاً من المؤسسات الدينية بعضها كان حليفاً له بشكل أو بآخر، أما بعضها الآخر فرفض التنازل مصمماً على أن مصداقية المؤسسات الدينية ترتكز على ترك مسافة آمنة بينها وبين الممارسات السياسية اليومية، وعلى قدرتها على حماية التراث الإسلامي والعلوم الشرعية التي تعتبر كنزاً وطنياً يتجاوز التوجهات التنظيمية لكبار أعضاء السلطات التنفيذية.
الأزهر
يعتبر الأزهر، كما يعرّف نفسه، أكبر المؤسسات الدينية في مصر بما يتمتع به من حضور في المجال التعليمي على المستوى الدولي والمحلي. وتتبع الأزهر جامعة وشبكة واسعة من المدارس الابتدائية والثانوية والعديد من مراكز الأبحاث والدراسات. والأزهر مجمع يحتوي على العديد من المؤسسات المختلفة وتقوده شخصية اعتبارية تحمل رسمياً لقب "الإمام الأكبر" أو "شيخ الازهر" كما يسميه عامة الشعب، وهو الذي يشرف من خلال مكتبه أو مشيخة الأزهر على كافة القطاعات التابعة للمؤسسة.
وبينما يتبع الأزهر رسمياً أجهزة الدولة المصرية، إلا إن إيمانه الراسخ بتفرد هويته ورسالته التي يتباهى بها طلابه وباحثيه وخريجيه ومريديه بأرديتهم المميزة وولائهم العميق، قد مكنه من أن يتحول إلى مؤسسة تلهم قادتها ومعلميها وموظفيها وتلاميذها بقدسية وعالمية الرسالة التي يخدمونها. وتعلن صفحة الأزهر على الفيسبوك أن " الله قد اختار مصر من خلال الأزهر لتكون منارة الإسلام في العالمين العربي والإسلامي بأسرهما"3.
وقد أسهمت هذه الصورة وهذا الدور في منح الأزهر صوتاً قوياً ومؤثراً على الصعيدين الديني والعام لدرجة جعلت النظام يعتبره جائزة سياسية مهمة يجب الفوز بها. وبدأ، خاصة في العهود الحديثة، محاولاته الحثيثة لاكتساب تأييد الأزهر لسياساته وأيديولوجياته وأفكاره.
وبالفعل تمكن النظام على مدار القرن ونصف الماضيين من تنمية أدواته وشحذ مخالبه القانونية والإدارية وفرض السيطرة الكاملة على الأوقاف الدينية (وبالتالي على المدخولات المالية التي تمول الأزهر) لتصل سيطرته إلى ذروتها في 1961 عندما تمت إعادة هيكلة الأزهر، وإلغاء هيئة كبار العلماء، ووضع جامعة الأزهر تحت الرقابة الحكومية المباشرة بعد إجبارها على ضم كليات غير دينية. في خضم كل هذا كانت التصريحات الدينية الصادرة من الأزهر تدعم التوجهات الأيديولوجية للنظام 4.
وشهدت سبعينيات القرن الماضي تخفيفاً تدريجياً لسيطرة الدولة على الأزهر، وإن لم يكن هذا التخفيف نتاج تغيير رسمي في السياسات، بل كان نتيجةً طبيعيةً لانفراج قبضة السيطرة المركزية على العديد من مفاصل الدولة أثناء حكم الرئيسين السادات ومبارك. مع ذلك استمر البعض في صفوف المؤسسات الدينية ومؤيديها، وداخل حركات المعارضة الإسلامية في التنديد بما اعتبروه التسلط المستمر للنظام.
يضم الأزهر بين صفوفه طيفاً واسعاً من المذاهب والمناهج الفقهية، وتحرص المؤسسة الرسمية للأزهر على ترويج مبدأ التقبل والتسامح مع مختلف مدارس التشريع الإسلامي، وقد اغتنم قادة الأزهر فرصة انتفاضة 2011 لمطالبة القيادة العسكرية المؤقتة، التي تولت حكم البلاد، بمنح المؤسسات الدينية استقلالية أكبر بكثير مما تمتعت به عبر عقود من الزمان. وبالفعل تحقق لهم ما طلبوا من خلال قانون صدر على عَجلٍ في كانون الثاني/ يناير 2012 واعتمده المجلس العسكري الحاكم للبلاد قبل أن يعقد البرلمان ذو الأغلبية الإسلامية أولى جلساته، في محاولة واضحة لضمان استقلالية الأزهر عن النظام.
وأعاد القانون الجديد إحياء هيئة كبار العلماء، ووضع على رأسها شيخ الأزهر، الإمام الأكبر، الذي تقع عليه مسؤولية اختيار أعضاء الهيئة الذين سيتعين عليهم بدورهم اختيار خلفاء لهم وانتخاب شيخ الأزهر عند خلو منصبه. وبدأ الإمام الأكبر مهمته بتروٍ ولم يتعجل تشكيل الهيئة، حيث كانت التعيينات عملية توازن دقيقة، ليس فقط لضمان تمثيل كافة التخصصات والمدارس الفقهية، ولكن لأن الشيخ أحمد الطيب كان يتحرك بحذر وكان يميل بشكل عام لتعيين شخصيات تتمتع بالقدر المناسب من الأقدمية والكفاءة العلمية والحصافة. وضم الطيب للهيئة بعض الشخصيات العامة المعروفة مثل يوسف القرضاوي وهو عالم مصري مقيم في الدوحة وعمل في الهيئة لبرهة إبّان تأسيسها، وعلي جمعة مفتي الديار المصرية السابق الذي لا يزال عضواً بالهيئة والذي يعتبر من أعنف منتقدي جماعة الإخوان المسلمين ومن أكبر مؤيدي نظام ما بعد 2013. أما معظم الأعضاء الباقين فلا يتمتعون بالشهرة الجماهيرية ويعرفهم فقط زملاؤهم الأزهريون. ويحرص الطيب على الرجوع للهيئة دورياً كلما احتاج لإصدار البيانات أو اقتراح مشاريع قوانين معتمداً على قوة الحكمة الجماعية للفقهاء المتبحرين بدلاً من اتخاذ القرارات الفردية وإصدارها من مكتبه.
وأصبح وجود الهيئة، وحقيقة استحالة عزل الإمام الأكبر، عاملان حاسمان في قدرة الأزهر على الحفاظ على استقلاليته. ولكن هذا الاستقلال لا يعني أن قادة الأزهر يضعون أنفسهم في خانة المعارضين للنظام، بل على العكس، فهم يتقبلون تماماً شرعية النظام السياسي القائم ويدعمون سلطة القيادة السياسية في إدارة البلاد بما يحقق الصالح العام. وبالتالي فهم يميلون إلى اتخاذ موقف محافظ ليس بالضرورة تجاه السياسة العامة (على الرغم من أن بعضهم يفعل) بل تجاه قبول نظام سياسي يعتقدون أنه قادر على خلق بيئة اجتماعية صالحة وداعمة للممارسات الدينية. ولذلك وبينما يدافع الأزهر عن استقلاله بكل حميّة، فإنه لا يتردد في التعاون مع وزارة الداخلية لوضع آليات تساعد على حل النزاعات المحلية.
والواقع أن الأزهر لا يتهاون بتاتاً مع أي محاولة للتدخل في الكيفية التي يدير بها شؤونه الداخلية، وبالرغم من ارتيابه الشديد في جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن عملية تطهير المؤسسة الأزهرية من أعضاء الجماعة والمتعاطفين معهم لم تكن سريعة كما كانت في باقي الجامعات على سبيل المثال، بسبب ما يتمتع به الأزهر من استقلال، وبسبب إصراره المستمر على اتباع ما يرتئيه من أساليب في التعليم وفي التوجه العقدي.
وإذا كان الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء هما حجر الزاوية في استقلال المؤسسة، فإن جامعة الأزهر وشبكة المدارس والمعاهد الأزهرية هي سر الحضور الكبير الذي تتمتع به المؤسسة في المجتمع المصري، ليس فقط على المستوى الرسمي من حيث عدد المدارس والمعاهد الأزهرية على أرض الواقع، ولكن أيضاً بشكل غير رسمي، حيث إن معظم المسؤولين الدينيين والموظفين بما فيهم الوعاظ الذين يعملون في المساجد الخاضعة لإشراف الدولة هم من خريجي الأزهر مما يمنح المؤسسة دائرة انتخابية لا يباريها فيها إلا قلة قليلة من الأجهزة الدينية.
دار الإفتاء
يرجع تاريخ دار الإفتاء، وهي مؤسسة حكومية يرأسها مفتي الديار المصرية وتسمي أحياناً بمكتب المفتي، إلى عام 1895 5. وعلى الرغم من أن منصب المفتي كان موجودا قبل هذا التاريخ بتوصيفه الرسمي إلا أن هذه الفترة شهدت تحول مجموعة من المناصب الدينية إلى بيروقراطيات حكومية خاضعة للوائح رسمية وهياكل إدارية وقواعد قانونية6.
وتتبع دار الإفتاء وزارة العدل تبعية سياسية هيكلية فقط، وتصر الدار على تقديم نفسها بوصفها هيئة حكومية قائمة بذاتها، ومن هذا المنطلق نجد أن الدار قد تطورت بتطور الدولة المصرية الحديثة، حيث قدمت خدماتها للمسؤولين الحكوميين، وعموم الناس من طالبي المشورة في كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، وأسهمت بوضوح في بسط السيادة المصرية فيما يتعلق بأمور التشريع الديني وعلاقته بالدولة.
وخلافاً للدور الريادي الذي لعبه الأزهر بهيئاته المتعددة والمنتشرة، فإن دور دار الإفتاء وحضورها منذ تأسيسها قد تباين بتباين الظروف السياسية المحيطة بها وبمدى قوة شخصية المفتي. وإن كانت سبعينيات القرن الماضي قد شهدت بزوغاً ملحوظاً لدورها يمكن إرجاعه إلى سببين رئيسين، الأول أن المؤسسة تقدم رؤية علمية وموثوقة للقانون الإسلامي لا تتعارض مع سلطة الدولة الحديثة، بل تدعمها وتنتقد الأصوات الراديكالية المعارضة. وعلى سبيل المثال في 2017 أيد المفتي قراراً بحظر تداول عملة البيتكوين الرقمية لأنها تقوض قدرة الدولة المصرية على تنظيم العملة، وتتيح للمتاجرين بها التهرب من قبضة المؤسسة الأمنية، وأيضا قد يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية7.
لكن دار الإفتاء لم تكن متفردة في هذا المقام، وهذا يقودنا إلى السبب الثاني الذي أدى لسطوع نجمها، ألا وهو منافستها العلنية مع الأزهر. فلا يخفى على أحد أن الأنظمة لطالما وضعت الهيئات القوية في مواجهات ضارية أمام بعضها البعض لتحقق مآربها السياسية الآنية، وقد شهدت نهايات القرن العشرين تنافساً شبه علني بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية، وهو تنافس كان فيه المفتي (في أغلب الأحوال) أقل شأناً من شيخ الأزهر، ولكن أكثر تقارباً وتماشياً مع موقف النظام الحاكم.
ورغم أن التنافس بين مؤسسات الدولة قد استمر على مدى العقد الماضي، إلا أن دور الدار بوصفها منافساً حقيقياً للأزهر قد تضاءل بشدة في الفترة الماضية. فدار الإفتاء رغم كونها مصدراً للفتوى والأحكام الدينية إلا إنها ببساطة تظل أصغر حجماً وأقل شهرةً من الأزهر بمؤسساته المتعددة وحضوره الشعبي الكبير. والأهم من ذلك أن قانون 2012 الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، سمح لهيئة كبار العلماء بتسمية مفتي الجمهورية مع احتفاظ رئيس الجمهورية بحق إصدار قرار التعيين بناءً على ترشيح شيخ الأزهر8. وبهذا القانون انطوت دار الإفتاء ومفتي الديار معاً في عباءة الأزهر بشكل رسمي، وتأكدت مكانة المفتي الثانوية مقارنة بشيخ الأزهر، حيث يتقاعد الأول عند بلوغه سن الستين، أما الإمام الأكبر فيتمتع بمنصبه طوال حياته.
تولى المفتي الحالي الشيخ شوقي علام منصبه في 2013 بعد انتهاء ولاية سلفه الشيخ علي جمعة، الذي حَظي أثناء رئاسته للدار بقاعدة احترام شعبية كبيرة باحثاً وفقيها، وإن كان ميله للدخول في نزاعات شخصية علنية مع زملائه من الفقهاء قد أثر سلباً على سمعته. ولا يتمتع المفتي الجديد بذات المنزلة، فهو شخصية متواضعة وتصالحية مقربة من قيادات الأزهر9، وجاء تعيينه ليزيد من تراجع مكانة دار الإفتاء باعتبارها صوتا مستقلا ومنفرداً يؤهلها لتكون داعماً أكبر لسياسات النظام. وكانت سمعة عَلاّم قد أثارت بعض الشائعات بأن النظام يجهزه ليحل محل الإمام أحمد الطيب في رئاسة مشيخة الأزهر خاصة بعد أن توترت العلاقات بين الطيب والنظام.
وزارة الأوقاف
ربما تكون وزارة الأوقاف هي أكبر بيروقراطية في الدولة المصرية، حيث يعمل بها أكثر من 300.000 موظف ومع ذلك فإن وضعها بوصفها وزارة تعمل مباشرة داخل السلطة التنفيذية، وفي الواقع داخل مجلس الوزراء، يلغي تماماً قدرتها على العمل بوصفها صوتاً دينياً مستقلاً خاصة أن الذي يترأسها حاليا (وزير الأوقاف محمد مختار جمعة) يرتبط بالنظام ارتباطاً وثيقاً10. وبالرغم من افتقار المؤسسة إلى الهيبة والمكانة التي تتمتع بها غيرها من المؤسسات الدينية الأكثر استقلالاً إلا أن حضورها الإداري الكبير يمنحها مجالاً هائلاً وسلطة قانونية ممتدة.
وقد نشأت وزارة الأوقاف بسبب تنامي الرقابة الإدارية على أوقاف الدولة المصرية الحديثة في القرنين التاسع عشر والعشرين. وحيث كان ريع هذه الأوقاف يستخدم للإنفاق على المساجد والمؤسسات الخيرية والدينية فقد لعبت الوزارة دوراً رقابياً فعالاً أثناء إنشاء دور العبادة وغيرها من المباني الإسلامية. وبحلول خمسينيات القرن العشرين تحول دورها من مجرد الرقابة العامة إلى السيطرة المباشرة على هذه الكيانات11.
وترتب على ذلك أن تَحَوّل كل مسجد معترف به في البلاد إلى مرفق حكومي، وتَحوّل كل واعظ رسمي إلى موظف حكومي، وتَحوّل جل الأنشطة الخيرية في الدولة، كتوزيع الزكاة، إلى فعاليات حكومية من الناحية النظرية على الأقل. أما من الناحية العملية فرغم وجود هذه الرقابة إلا إن كفاءتها تتباين لعدة أسباب: أولها، أن موارد الوزارة لا تكفي لمراقبة كل مسجد في مصر، خاصة أن الصحوة الدينية في المجتمع المصري، والتي بدأت في سبعينيات القرن العشرين، أدت إلى ظهور عدد هائل من الزوايا التي يمولها الأهالي (الزاوية في مصر تشير إلى مصلى محلي) والتجمعات العفوية في الهواء الطلق12. أما ثانياً، فحتى المساجد التي تديرها الدولة، يعمل بها دعاة ووعاظ تلقوا تعليمهم وتدريبهم في الأزهر، وبالتالي فهم يحملون ولاءً عظيماً لتلك المؤسسة ويتطلعون إليها في كل ما يخص شؤونهم وقضاياهم الدينية. أما السبب الثالث، فهو استحالة فصل الدعاة والمساجد عن مجتمعاتهم المحلية التي يرتبطون بها ارتباطاً وثيقاً، لا يمكن مقارنته بولائهم المكتسب لبيروقراطية الدولة التي يخدمونها ويكسبون معاشهم منها، وكلما زاد تعاونهم مع اللجان المحلية الداعمة لعملهم كلما تنامى دورهم في الرعاية والوعظ وازداد رسوخاً.
ومنذ 2013 استخدمت الوزارة أدواتها في محاولة لفرض خط مؤيد للنظام، وسعت لاستئصال جيوب المعارضة، وخاصة تلك الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، من المرافق الخاضعة لسيطرتها في عملية تطهير طويلة الأجل بدأت في أعقاب أحداث 2013 ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً13. كما عززت الوزارة رقابتها على عمليات توزيع الزكاة، وهي تبرعات خيرية سنوية يلتزم بتأديتها المسلمين وتوزعها المساجد واللجان المحلية وأحياناً تساهم في دعم عمل دور العبادة في الأحياء. وأغلقت الوزارة المساجد في غير أوقات الصلاة، وهو جزء من خطتها المتنامية لتنظيم الفضاء العام، ولكن أيضا بسبب الخوف التاريخي من استخدام المساجد كملتقى للإسلاميين وكمركز تجنيد للجماعات المعارضة للنظام. ولا يخفى على العامة أن المساجد تخضع ليس فقط لرقابة الدولة، ولكن لرقابة الجهاز الأمني كذلك.
وفي عام 2016 سعت الوزارة لتوحيد خطبة صلاة الجمعة عن طريق فرض خطبة مكتوبة يلقيها الدعاة على المنابر في يوم الجمعة في كافة مساجد الدولة14. وأثارت المبادرة عاصفة من الانتقادات شاركت فيها مؤسسة الأزهر التي أعلنت أنها المسؤولة الوحيدة عن الجامع الأزهر، وأن خريجي جامعة الأزهر مؤهلون تماماً لإعداد وكتابة الخطب وليس فقط لقراءتها. وانتهى النزاع بموافقة الوزارة على تحديد موضوع الخطبة وطولها ونقاطها الرئيسة، ولكنها لم تصر على أن يقرأ الوعاظ نص الخطبة حرفياً.
وفي 2019 اقترحت الوزارة أن يقدم الوعاظ تسجيلات صوتية ومرئية لخطب الجمعة، ولكنها تراجعت عن اقتراحها بسبب احتجاجات الأئمة الذين لم يثنيهم تذكير الوزارة لهم بأن لديها أدوات أخرى للرصد15.
وما أن بدأت جائحة كوفيد-19، حتى سارعت الوزارة إلى التذرع بها لتجديد محاولات السيطرة على زوايا الصلاة الصغيرة والتجمعات التي تتم على أسطح المباني أو في الشوارع16 على الرغم من أنها تهاونت في البداية، ولم تحذُ حذو الأزهر الذي أوقف صلاة الجمعة للمساهمة في الحد من انتشار المرض.
وتعمل لجنة من الخبراء على إعداد الخطب الوعظية للوزارة. وتضم هذه اللجنة أعضاءً من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهو هيئة ارشادية تعمل داخل الوزارة نفسها وتتناول في عموم عملها شؤوناً غير جدلية فيما عدا شأنين استثنائيين. أولهما التذكير المستمر بأهمية طاعة ولي الأمر وهو الحاكم، أو القائد أو، في السياق السياسي، هو رئيس النظام السياسي الحاكم. وثانيهما ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرف، وهي مصطلحات تستخدمها الوزارة لوصف كلٍ من تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين17.
وغالباً ما تؤدي هذه الإجراءات إلى توتر العلاقات بين الوزارة والأزهر، وهو المؤسسة التي تنافح عن استقلالها وسلطتها الأخلاقية والدينية، وتصر على أنها المرجع الأعلى في المسائل العقدية. وفي بعض الأحيان تبدو العلاقة بين وزير الأوقاف وشيخ الأزهر علاقة تنافسية على المستوى الشخصي، تتشابه مع ما كان يدور من اشتباكات بين مفتي الديار والإمام الأكبر في عقود سابقة. وبالطبع أدى هذا إلى سيل من التصريحات الدبلوماسية التي تؤكد على أن الرجلين تجمعهما علاقات طيبة وأن مؤسستيهما تعملان بتناغم الحلفاء18.
مؤسسات أخرى ذات سلطة دينية
وعلى الرغم من أن وزارة الأوقاف والأزهر هما الذراعان الأكثر طولاً للجهاز الديني في الدولة المصرية، ولكنهما، قطعا، ليستا الوحيدتين. فوزارة الداخلية تصدر بطاقات شخصية تحتوي على خانة تحدد ديانة حامليها وهذا بدوره يحدد أي قوانين الأسرة ينطبق على حامل البطاقة، أما القضايا المعقدة فتلجأ للتقاضي أمام المحاكم الإدارية19. وتحدد وسائل الإعلام المملوكة للدولة (وكذلك المنافذ الإعلامية التي تسيطر عليها هيئات الدولة حتى ولو كانت خاصة اسمياً) الوعاظ والعلماء المسموح لهم بالظهور الإعلامي. أما وزارة التعليم فتلعب دوراً دينياً مبطناً وإن كان لا يقل أهمية، فالتعليم الديني إلزامي في المدارس الحكومية وتحدد الوزارة المناهج وأساليب التعليم المتبعة وتختار المعلمين بمساعدة من الأزهر. (التعليم الديني الحكومي كان مثار جدل لسنوات عديدة ولم تشهد مناهجه تغييرات تذكر على الرغم من التقلبات السياسية التي شهدها العقد الماضي). وتطبق محاكم الأسرة القانون الإسلامي، بتشريعاته الحرفية، كلما تسنى ذلك ووفقاً للتفسير المصري الشرعي للفقه الإسلامي، عندما تكون التشريعات غامضة أو مسكوتٍ عنها. وأحياناً يُدلي البرلمان المصري بدلوه في المسائل الدينية ولاسيما ما يتعلق منها بالتشريع (خاصة قوانين الأسرة)، وتحديد المرجعية الدينية في البلاد (مدى اعتبار الأزهر تلك المرجعية) وغيرها من الشؤون السياسية التي تتلامس مع المجال الديني.
والحقيقة أن هذا التعدد في الجهات الدينية الفاعلة لا يؤدي فقط إلى إحماء وطيس الجدل الديني في المجتمع المصري، ولكنه يؤدي أيضاً إلى تنافر مؤسسات الدولة. ومع تضييق المجال السياسي وتحجيم النقاش العام، تصبح أجهزة الدولة المتنافرة تلك هي المهيمن على السجال الديني في البلاد، وتصبح قرارات رئيس الجمهورية، متى أصدرها، هي الحكم الفصل في هذه السجالات خاصة في ظل الحضور الملموس والقوي للأجهزة الأمنية. ولكن هذا لا ينفي أن النقاش لازال مستمراً حول ما يستجد من إشكالات دينية سواء كان نقاشاً ضمنياً مع الرئيس نفسه أو علنياً مع قادة الفكر الديني. وتدور معظم السجالات الدينية في الإعلام ولكن يظل مجلس الشعب أو البرلمان المصري هو الساحة المفضلة لفض تلك النزاعات.
مبادرات الإصلاح السياسي في البرلمان منذ 2013
بينما تَتّخذ الدولة المصرية معظم قراراتها المصيرية في دهاليز النظام الضيقة، إلا إنها لا تمانع مناقشة أهم القضايا الدينية على الملأ في جلسات برلمانية نشطة. وبرغم هزالة السجل التشريعي للبرلمان المصري، إلا أنه تحول إلى منتدى أساسي لإشهار المناقشات الدينية الجدلية. ويعود هذا لسببين هامين، الأول هو أن الدور الجماهيري القوي الذي لعبته الحركات الإسلامية المعارضة خلال العقود الماضية – وكذلك ما حدث مؤخراً من الصعود والسقوط السريعين لحكم الإخوان المسلمين- قد وضع العديد من القضايا الإسلامية في صدارة جدول أعمال البرلمان. أما الثاني فيتعلق بأعضاء البرلمان، فعلى الرغم من خلو البرلمان من أصوات معارضة حقيقية إلا أنه يضم بعض الأعضاء الذين يأملون في وضع بصمتهم على المجال الديني.
وقد أشار بعض أعضاء البرلمان الذي انعقد منذ 2015 إلى 2020 إلى أن المؤسسة الدينية في مصر لا تستجيب لاحتياجات الواقع المعاصر، بل تتعصب لأفكار ومناهج عفا عليها الزمان. وقد وجد هذا الرأي صداه عند بعض الشخصيات التي تنحدر من المؤسسات الدينية ذاتها – مثل الرئيس السابق لجامعة الأزهر الذي تمت تنحيته في خضم خلافات وخصومات داخلية- والتي أخذت زمام المبادرة في اقتراح التغيير.
طُرح نوعان من المبادرات التشريعية منذ 2013 لتقنين دور الدين في السياسة والحياة العامة المصرية. يعالج النوع الأول مسألة الهيكلية الدينية أما الثاني فيتناول قضايا عملية تطبيقية، ولكن الحقيقة أن جميع هذه المبادرات كانت تسعى في جوهرها لتحديد صاحب السلطة العليا.
اتخذت المجموعة الأولى من المبادرات وهي المتعلقة بالهيكلة الدينية شكل الشائعات أو فقاعات التجارب، وكانت تهدف بوضوح للتقليل من استقلالية المؤسسات الدينية خاصة الأزهر. ولعل أكثرها طموحاً كان تلك المبادرة التي أثارت الكثير من اللغط في 2017 وكان من الممكن أن تتسبب في تحجيم الكثير من الاستقلال المؤسسي الذي حققته قيادات الأزهر في 2012 لولا أن تمكن قادة الأزهر من حشد قواهم لمناهضتها في مجابهات علنية20. والواقع أن أياً من هذه المبادرات لم يحقق نجاحاً يذكر، حيث إن التغييرات التي تقترحها هذه المجموعة لا يمكن أن تلقى أي صدى يذكر بدون دعم قيادات البلاد بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه. ويظل السؤال حول دوافع هذه المبادرات مطروحاَ، هل هي الميول الأيديولوجية لصاحب المبادرة، أم هي عملية جس نبض لصالح أحد القادة، أم هي رمية بغير رام، لا غرض منها سوى إزعاج مؤسسة الرئاسة. ومع ذلك فمن المرجح أنها ليست مشاريع خاصة ولا محاولات صاخبة لجذب انتباه الجماهير نظراً لضيق المجال السياسي المصري ولحرص قيادات البرلمان على إحكام سيطرتهم عليه.
على سبيل المثال، في ربيع عام 2020 اقترح عدد كبير من أعضاء البرلمان، بمن فيهم رئيس اللجنة البرلمانية المشرفة على الشئون الدينية، سلسلة من التعديلات على قانون 2012. واستهدفت هذه التعديلات منح الرئيس دوراً أكبر في تعيين المفتي، والسماح بضم خبراء من مختلف المجالات، وليس فقط كبار علماء الأزهر، إلى هيئة كبار العلماء، ووضع شكل من الرقابة على الإمام الأكبر21. ومرة أخرى حشد الأزهر حملة معارضة ترأسها الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء، وكادت الحملة أن تفشل لولا أن مشروع التعديلات عُرِض على مجلس الدولة (وهو هيئة تشريعية معنية بمراجعة مسودة القوانين المقترحة) الذي تحفظ على القانون وأعلن عدم دستوريته، ما أدى بالبرلمان إلى سحب التعديلات وحفظها.
لكن هذه العثرة لم تمنع أعضاء مجلس الشعب من الخوض في شأن ديني آخر ألا وهو حق إصدار الفتوى. فالمجلس، متذرعاً، برغبته في محاربة ظاهرة الفتاوى المتطرفة والمضللة والتي تكون أحياناً غير منطقية22، وهي رغبة قد تكون بالفعل صادقة، حاول أن يخوض معركة تشريعية يشتبك فيها مع دار الإفتاء ووزارة الأوقاف وهيئة كبار علماء الأزهر ومجمع الأزهر للبحوث الإسلامية وأعضاء هيئة التدريس بالأزهر، وجميعها مؤسسات حكومية تشعر بأنها مخولة لإصدار الفتاوى ولا تترد في ذلك.
أما المجموعة الثانية من المبادرات التشريعية فتناولت بعض الإشكالات العملية وخاصة في مجال قانون الأسرة. وبناءً على التقنين العصري للفقه الإسلامي فإن أي نقاش حول قانون الأسرة بما في ذلك أحكام الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث يعتبر بطبيعته نقاشاً دينياً.
لقد ثار كثير من اللغط حول مبادرتين متناقضتين متعلقتين بقانون الأحوال الشخصية، تقدم الأزهر بإحداها عبر هيئة كبار العلماء وتقدم بالأخرى عدد من أعضاء مجلس الشعب23. حيث اعترض البرلمانيون بأن قانون الأزهر المقترح يتحفظ بشكل مفرط في بعض الأمور الخلافية مثل توزيع الحقوق والواجبات بين الزوجين، وأن الأزهر بذلك يتجاوز اختصاصاته. أما الأزهر فأعلن أنه ليس جهة تشريع ولا علاقة له بالتشريعات، لكن حينما يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية فلا يترك الأمر لغير العلماء، وحيث أن الأزهر هو المرجعية الدينية العليا بحسب نص الدستور فإن ترك هذه الأمور لغيره لا يمكن وصفه إلا بالعبث. أما نواب البرلمان فلم يترددوا في إعلان اعتراضاتهم على تدخل الأزهر معلنين أن الأزهر ما هو إلا جهة استطلاع رأي في المسائل الدينية، أما المسائل المدنية فيجب أن يَبُتَّ فيها البرلمان وإلا فَقَد مكانته الدستورية كجهة تشريعية.
من الواضح أن البرلمان المنتخب في 2020 يعتزم التدخل في القضايا الدينية أكثر بكثير من سابقه. فقد سارع مجلس الوزراء مثلاً بإدراج التعديلات المقترحة على قانون الأسرة على جدول أعماله مباشرة بمجرد عرضها على مجلس الدولة24، أما الرئيس عبد الفتاح السيسي فلم يتردد في استخدام حقه الدستوري في تعيين بعض نواب مجلس الشعب ليتمكن من وضع الشيخ علي جمعة (مفتي الجمهورية السابق والعالم الأزهري ذو المكانة الدينية الكبيرة الذي ثار حوله كثير من اللغط بسبب هجومه الحاد على جماعة الإخوان المسلمين ومن يواليهم) داخل الهيئة الموقرة. وتولى علي جمعة فور تعيينه رئاسة لجنة الشئون الدينية في البرلمان، وهو منصب يمنحه سلطة كبيرة في التأثير على جدول أعمال البرلمان. ونظراً لمكانته ومنصبه السابق كمفتي وعضويته في هيئة كبار العلماء وتأييده الحاد والعنيف للإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في 2013 (على عكس شيخ الأزهر الذي كان أكثر هدوءً)، فمن المرجح أن تدور كثير من المعارك بين البرلمان وقيادات الأزهر الحالية (ربما لأسباب شخصية وسياسية أكثر منها دينية)25.
يبقى في النهاية السؤال الأهم، من يكون له القول الفصل في المسائل الخلافية الدينية؟ وكيف ينبغي أن تتعامل السلطات الدستورية والأخلاقية مع بعضها البعض؟ وإلى أي مدى يحق للقيادة السياسية توجيه الهيئات الدينية أو قيادتها أو حتى ملاينتها بحيث تنعكس تفضيلات القيادة السياسية على التوجه الديني الذي ترعاه الدولة؟
وعلى الجانب الآخر تتساءل المؤسسات الدينية، بدورها، عن حقها في الاستقلال بقراراتها فيما تعتبره يقع داخل نطاق خبراتها أو سلطتها. وهو سؤال مشروع في ظل ما تتعرض له مثلاً مناهج الأزهر من مناقشات علنية متكررة.
التغييرات في الخطاب الإسلامي
ليس كل نقد للخطاب الديني السائد هو نقد بيروقراطي. والحقيقة أن الكثير من المسائل العقدية والفقهية العامة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بكيفية تطبيق التعاليم الدينية على مناحي الحياة المعاصرة، قد نوقش علناً في أكثر من مناسبة، ليس فقط في جلسات مجلس النواب. وربما تكون السابقة التي لم تشهدها الحياة الدينية المصرية من قبل هي تدخل رئيس الدولة شخصياً وبقوة في المسائل العقدية.
في أوائل كانون الثاني/يناير 2015 وبعد حوالي ثمانية أشهر من توليه السلطة رمى السيسي أول سهامه نحو المؤسسة الدينية الإسلامية في كلمته التي ألقاها أمام جمع غفير من القادة الدينين في احتفال بمناسبة المولد النبوي. فقد خرج السيسي عن نص خطابه الرسمي متسائلاً كيف أصبح الفكر الخاطئ بين المسلمين سبباً في إرهاب العالم26، وقال: "نحن بحاجة إلى ثورة دينية"، وأضاف مخاطباً شيخ الأزهر" أنت والدعاة مسؤولون أمام الله"27. ثم مضى متسائلاً عما إذا كان ما يتلقاه طلبة المعاهد الدينية هو الدين الصحيح، ليعود مستأنفاً كلمته المكتوبة ويقول إن الدولة تتعهد بتقديم كل الدعم للمؤسسات الدينية، وهي الجملة التي التقط عندها الحضور أنفاسهم المرتبكة ليصفقوا تأييداً.
حظي خطاب السيسي في المولد النبوي، والذي أعقبه بعد بضعة أيام بحضور قداس عيد الميلاد القبطي، بتغطية وإشادة دولية كبيرة28. وذهب معلقون غربيون بارزون إلى حد القول إن السيسي يستحق جائزة نوبل للسلام وفكر بعضهم أنه قد يكون مارتن لوثر العالم الإسلامي29.
وعلى مدار الشهور والأعوام التالية استمر السيسي في مطالبة المؤسسات الدينية، وفي مقدمتها الأزهر، بأن تولي أهمية قصوى لمسألة الإصلاح الديني30، مشدداًمراراً وتكراراً أن ما يبذل من جهود غير كافٍ، وأن الخطاب والفكر الديني يحتاج للتجديد والتنوير، وأن الحاجة تزيد إلى بذل جهود جديدة لمواجهة الأفكار التي تبرر التطرف. والحقيقة أن السيسي منذ 2015 وجد في احتفالات المولد النبوي فرصة سنوية لتوبيخ الأئمة وعلماء الدين، واستئناف مبارزاته الكلامية المهذبة ظاهرياً مع فضيلة الإمام الأكبر31.
وبالرغم من أن جملة "إصلاح الخطاب الديني" هي العبارة التي فرضها السيسي على الحوار السياسي المصري، إلا أن هيئات أخرى تبنتها بحماس شديد. وبينما ترتبط هذه العبارة بدعوة الرئيس للإصلاح إلا أن قادة الأزهر أنفسهم لطالما وصفوا أنفسهم بالمصلحين، ولكنهم مصلحون ترتكز دعواهم على أسس من العلم والتجديد لا تتعارض مع واجبهم في حماية التراث الإسلامي الذي صاغته المؤسسة الدينية عبر العصور من خلال فهمها لمصادر الدين. وبشكل ما تحولت دعوة الإصلاح إلى مشروع اليوم لجميع المؤسسات الدينية، وإن كانت كل مؤسسة تحمل فهمها الخاص لمعنى الإصلاح ولمن تقع عليه مسؤولية القيام به.
وقد تناول الأزهر موضوع الإصلاح الديني لما يزيد عن قرن من الزمان، ولكن ما يعنيه الإصلاح للأزهر هو إحياء التراث الدراسي والبحثي الذي يمكن من خلاله تطبيق الإرث الديني على الواقع المعاصر. وهي مهمة لا يصح أن يضطلع بها إلا العلماء، أما أولئك الراغبون في تنحية التراث الديني القديم أو النصوص الفقهية التاريخية، جُلّها أو بعضها، (مثل بعض أجزاء السنة القولية أو الفعلية للرسول محمد والتي تستخدم كمصدر من مصادر التشريع) فهم لا يُصلحون الخطاب الديني، بل يدمرونه.
ولكن إصرار الأزهر على تعريف مصطلح الإصلاح الديني وإدارة دفة التغيير لا يلقى قبولاً عند الجميع، خاصة أن المواجهات العلنية بين قيادات الأزهر ورئيس الجمهورية قد أفسحت المجال للراغبين في تحدي سلطة الأزهر. وبالرغم من أن الدولة تحرص على احتواء أي نقاش حول المشاكل الاجتماعية والسياسية بمنتهى الحزم، إلا أنها لا تمانع في السماح للجدل الديني ان يشتد ويقوى. ولا يتردد أعضاء البرلمان في الإدلاء بدلوهم، أما النخبة المثقفة فلا تحاول حتى أن تتمثل بالرئيس في توبيخه الضمني المقنع للأزهر، بل توجه هجماتها المباشرة له غير عابئة بالنتائج. وقد سارع وزير الأوقاف إلى التذرع بدعوة الرئيس لعقد سلسلة من المؤتمرات والمبادرات الهادفة "لتجديد الخطاب الديني"32. وفي يناير 2020 أثارت مناقشة علنية بين رئيس جامعة القاهرة وإمام الأزهر موجة اتهامات ومواجهات امتدت على صفحات الجرائد لأسابيع بعد انتهاء المؤتمر، ما أدى لمزيد من الاستقطاب المجتمعي حيث شعر مؤيدو الأزهر أن مؤسستهم المبجلة تتعرض لهجوم ممنهج، أما منتقدوه فاعتبروا موقف المؤسسة محاولة ثيوقراطية (من علماء الدين) تستهدف الاستحواذ على السلطة33.
وبالرغم من أن تدخل السيسي في الجدل حول التجديد كان يحدث على فترات ولا يخوض في كثير من التفاصيل إلا أنه كان متسقاً ومستمراً وواضحاً. فهو لا ينادي بالعلمانية أو حرية الفرد في اختيار المعتقدات غير المؤطرة، فمثلاً، لاتزال الجماعات الدينية غير التقليدية مثل جماعة القرآنيين، الذين يرفضون السنة النبوية بالكلية ويتخذون القرآن وحده مصدراً للدين، تتعرض للملاحقة الأمنية بتهمة تهديد أمن الدولة33، على العكس من ذلك يطالب السيسي شيوخ الدين بالتخلي عن عنادهم وجمودهم أمام النص الديني، ووضع أنفسهم في خدمة أولويات الدولة. وقد وبخ السيسي الإمام الطيب علناً في فعالية حضرها الإمام الأكبر ودافع فيها عن التراث الإسلامي عندما اتهمه بأنه لا يستوعب أن "المعضلة الحالية في جميع أنحاء العالم ليست في عدم اتباع السنة، بل في الفهم الخاطئ لصحيح الدين" وأردف السيسي متسائلاً "أي الجماعتين أكثر خطأً: هل أولئك الذين يدعون للتخلي عن السنة أم الذي يسيئون تفسير الدين؟34"
وربما يكون الخلاف بين الشخصيات السياسية والدينية حول قضايا السياسة العامة واستقلالية المجال الديني وغيرها من مسائل التعيينات والرقابة أمراً اعتيادياً مألوفاً، ولكن التوتر الجاري حالياً بين شيخ الأزهر ورئيس الجمهورية يعتبر غير مسبوق. فقد وضع الرئيس السابق جمال عبد الناصر الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية تحت سيطرة الدولة وطالبها بتأييد جميع مبادراته السياسية (بما في ذلك دعم المبادرات الاشتراكية التي تتماشي مع المعايير الإسلامية للعدالة الاجتماعية). ولكنه لم يطالب بأي سلطة دينية شخصية. أما السادات فقد أطلق على نفسه لقب الرئيس المؤمن، وخلق لنفسه شخصية عامة ساعدته على لي عنق الأيدلوجية الرسمية في اتجاه الدين، وسعى مثل سلفه إلى الحصول على دعم المؤسسات الدينية في أمور بعينها مثل مفاوضات معاهدة السلام مع إسرائيل. ولكن السيسي وحده هو الذي خاض في إشكاليات الخطاب والفكر الإسلامي ولم يتردد في محاضرة علماء الدين في كيفية الاضطلاع بمسئولياتهم، بل وعاتبهم باسم الدولة المصرية والشعب المصري أمام الله. وهذ ما أدى بالصراع الديني- رغم كل المحاولات لاحتوائه وأحياناً لإسكاته- إلى أن اتخذ طابعاً سياسياً وأحياناً شخصياً بالنسبة للرئيس.
ديناميكية العلاقة بين السيسي والإمام الأكبر
من بين الجوانب الأكثر حدة في محاولات السيسي للسيطرة على المجال الديني، هي خلافه العلني المستمر مع شيخ الأزهر. تولى الطيب منصبه الذي عينه فيه الرئيس السابق حسني مبارك في 2010 وتمكن من رعاية مؤسسة الأزهر العريقة، والعبور بها إلى بر الأمان رغم الصراعات السياسية والدينية المريرة التي تعاقبت على البلاد. وحرص على الحفاظ على علاقة لا بأس بها مع المجلس العسكري الانتقالي، وإن توترت هذه العلاقة أثناء حكم الإخوان، إلا أنها عادت لمسارها الإيجابي عندما وقف الطيب كتفاً بكتف مع البابا تواضرس، بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بالإسكندرية ليؤيدا إعلان السيسي الاستيلاء على السلطة بعد الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013.
وبالرغم من أنه لا يمكن وصف الطيب بالشخصية الثورية، ولا يمكن بالتأكيد اتهامه بالتعاطف مع الإخوان، إلا أن علاقته بالسيسي اتسمت بالتوتر منذ بدايتها. وقد أدلى الطيب بعدة تصريحات في الفترة التي تلت انقلاب تموز/ يوليو داعياً إلى مصالحة وطنية شاملة ومعترضاً على وحشية الطريقة التي استخدمها السيسي لسحق الإخوان المسلمين خلال عمليات القتل الجماعي التي ارتكبها في تموز/يوليو وآب/أغسطس. وبلغ اعتراضه حد اعتزال المشهد العام مؤقتاً والاعتكاف في مدينة أسوان في جنوب البلاد35. وبحسب أحد المراقبين، شعر السيسي بالاستياء من محاولات الطيب للبقاء على الحياد واعتبر أنه بذلك" يضع جهود الدولة في محاربة الإرهاب على قدم وساق مع أولئك الذين يرعونه"36.
بدأ السيسي حملته على المؤسسة الدينية في كانون الثاني/ يناير 2015، بعد توليه الرئاسة بأشهر قليلة، بدعوته إلى تجديد الخطاب الديني التي تناولناها فيما سبق. وقد اختلف هو والطيب علناً حول العديد من المسائل الدينية والدنيوية في 2016 و2017 بما في ذلك سياسات السيسي التي كان لها تداعيات مباشرة على الأزهر، مثل مشاركة مصر في المؤتمر الإسلامي المثير للجدل الذي عقد في الشيشان، والاستجابة لطلب الحكومة الصينية بترحيل الطلبة الإيغور37.
وفي كانون الثاني/ يناير 2017 وقع خلاف جديد بين السيسي والطيب تكشفت من خلاله مدى الطبيعة الشخصية لنزاعهما. فالسيسي الذي كثيراً ما يطلق لسانه على ما يعتبره عِللاً اجتماعية، كالسمنة المفرطة مثلاً، قرر تناول مسألة ارتفاع معدلات الطلاق38 ودعا إلى إلغاء الطلاق الشفهي الذي تقره الشريعة الإسلامية متحدياً شيخ الأزهر علناً، حيث سأله مستفزا "ما رأيك يا فضيلة الشيخ؟ تعبتني يا فضيلة الإمام."39 وعندما أعلنت هيئة كبار العلماء أن الطلاق الشفوي" مستقر منذ عهد النبي" "دون اشتراط إشهاد أو توثيق"، اندلعت عاصفة أججتها الأذرع الإعلامية للدولة، حتى ذهب البعض إلى المطالبة باستقالة شيخ الأزهر لتجرؤه على معارضة السيسي40. وقد فشل السيسي في محاولة لاحقة "لقصقصة" أجنحة الطيب من خلال مشروع قانون يستهدف استقلالية الأزهر عندما تراجع البرلمان عن إقراره في أيار/مايو 2017، وفشلت محاولة أخرى شبيهه لوضع قيود مماثلة في التعديلات الدستورية لعام 2019 بعد أن قدم الطيب بعض التنازلات، ما أدى لرحيل بعض كبار الشخصيات الأزهرية التي تعتبر مستقلة أكثر مما ينبغي41.
ومنذ ذلك الحين والخلاف بين السيسي والطيب حول قضايا عامة أو خاصة وحول السيطرة على الأزهر مستمر، وفي منتصف 2020 وصل الخلاف بينهما إلى مجلس الشعب. وفي المؤتمر الدولي الذي عقد في بداية العام في جامعة القاهرة أعلن الطيب مرة أخرى رفضه العلني للجهود الرامية لمراجعة الخطاب الديني بالطريقة التي يقترحها السيسي ومؤيدوه، في سجال حاد دار بينه وبين رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت، الذي يتحدث بلسان السيسي42. ومرة أخرى انهالت الانتقادات على الطيب من مؤيدي السيسي43. وفي تموز/ يوليو2020 أعطى البرلمان، التابع للنظام، موافقته المبدئية على مشروع قانون يهدف إلى نزع سيطرة الأزهر عن منصب المفتي ودار الإفتاء ليضعهما تحت سيطرة رئاسة الجمهورية44. ومرة أخرى قاوم الأزهر هذا التعدي على سلطته وطالب الطيب بتوجيه كلمة إلى نواب الشعب قبل التصويت النهائي. وفي أواخر آب/أغسطس قرر البرلمان إرجاء التصويت على القرار إلى الدورة المقبلة للمجلس والتي ستنعقد في نهاية 2020 على النحو الذي ذكرناه أعلاه45.
السيطرة على الدولة المصرية
يقدم السيسي مبادراته المتعلقة بدور الدين في السياسة والحياة العامة المصرية على أنها دعوة للحداثة والتسامح بين الأديان ومحاربة التطرف، ولكن هذه المبادرات قد تكون في حقيقتها محاولة لبسط النفوذ وإحكام السيطرة على الأزهر وجميع المؤسسات الدينية وإخضاعها لقيادته.
ومنذ تولي السيسي السلطة الفعلية في مصر في أعقاب انقلاب تموز/يوليو 2013 وتنصيبه رئيساً في أيار/ مايو 2014 وهو يعمل بلا كلل على إخضاع كافة المؤسسات الحكومية. وعلى الرغم من أننا لا نستغرب أن يكون نفوذ السيسي أكبر بكثير من نفوذ سلفه المخلوع محمد مرسي، ولكن المدهش بالفعل هو أن سيطرة السيسي قد فاقت سيطرة مبارك الذي حكم البلاد منذ 1981 حتى انتفاضة 2011. وبالرغم من أن حكم مبارك كان أبعد ما يكون عن الديموقراطية، إلا أن بعض المؤسسات الحكومية، مثل القضاء والبرلمان والسلك الدبلوماسي، كانت تفخر بكفاءتها وتراثها العريق الممتد في تاريخ أقدم مؤسسات الشرق الأوسط، وكانت تتمتع بهامش لا بأس به من الحرية والاستقلال في اختيار كبار موظفيها وتنفيذ اجراءاتها الداخلية46.
أما في عهد السيسي فقد دار الزمان على هذه المؤسسات وتضرر بعضها ضرراً بالغاً. وعلى سبيل المثال تعرضت مؤسسة القضاء، وهي من أكثر المؤسسات الحكومية احتراماً ونزاهة، لضربة قاصمة عندما أعادت التعديلات الدستورية في 2019، وما تبعها من تشريعات تنفيذية، هيكلة الهيئات القضائية بشكل زاد سيطرة الرئيس على تعيين رؤساء الهيئات القضائية. ووصف مصدر قضائي لم يكشف عن اسمه هذه الاجراءات بأنها " تشريع للديكتاتورية"47. وفي ضربة أخرى لاستقلال القضاء قام السيسي بإقالة السيد هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، في 2016 ثم أودعه الحبس في 2018 بتهمة نشر أخبار مضللة، بعد ادعائه أن بحوزته أدلة على فساد بعض كبار القادة48.
ولا يمكن للبرلمان، وهو هيئة مسيسة بامتياز، أن يغرد خارج السرب إلا بموافقة الحكومة، على الرغم من أنه قد سمح لبعض ممثلي المعارضة بالمشاكسة أحياناً في عهد مبارك. وقد حلت السلطة القضائية أول برلمان منتخب ديموقراطياً في 2012 بعد حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية طريقة انتخابه. وبعد أن تولى السيسي الحكم في العام التالي اتخذ خطوات متتابعة (من بينها تغيير القوانين الانتخابية) لضمان تجريم، أو استبعاد الأحزاب المعارضة بما يمكن أنصاره ومؤيديه وحدهم من تشكيل البرلمان49. وجلبت الانتخابات البرلمانية في أواخر 2020 حزباً جديداً موالياً للنظام لتنظيم النواب المنتخبين بشكل أكثر فعالية، بينما كان النواب المستقلون أبرز ضحايا التمثيل في البرلمان. وأصبح مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان، معبراً عن السلطة التنفيذية كما الغرفة الأولى بعد أن ملأه السيسي بالموالين له والمستفيدين من نظامه، محكماً بذلك قبضته على السلطة التشريعية في البلاد.
وحتى السلك الدبلوماسي المصري، الموالي دائماً للدولة، والذي طالما تمتع بهامش من الاستقلال، يُمنح دائماً للنخبة المثقفة، أُخضع أيضاً تحت حكم السيسي. وبدأت سلسلة من عمليات التطهير في عام 2014 أزاحت العديد من الدبلوماسيين المرموقين المشتبه في تعاطفهم مع انتفاضة 2011 مثل وزير الخارجية السابق نبيل فهمي، الذي استقال بعد عام واحد من توليه منصبه، بعد أن ترددت أقوال عن رفضه التعاون مع الحكومة في إجراء تحقيقات أو تعيينات أو إقالات ذات دوافع سياسية50 .
أما الجامعات المصرية سواءً كانت حكومية أو خاصة فقد شهدت توسعاً غير مسبوق لنفوذ السلطة التنفيذية بعد فشل انتفاضة 2011 التي قادها الشباب، وأصبح من السهل إقالة أعضاء هيئة التدريس على خلفية أي نشاط سياسي قد تراه أجهزة الاستخبارات، التي تشرف على كل ما يدور في الجامعات يومياً، خروجاً عن المسموح. ولم يعد لأساتذة الجامعات حرية اختيار المؤتمرات الدولية التي يشاركون فيها أو المحاضرين الذين يرغبون بدعوتهم إلى الحرم الجامعي51.
ربما يكون الجانب الأكثر وضوحاً في سيطرة السيسي على المؤسسات الحكومية هو عملية عسكرة الدولة التي لا يمكن أن تخطئها الأعين. فقد تحولت الدولة في عهد عبد الفتاح السيسي من دولة بوليسية كما كانت في عهد أسلافه إلى دولة يحكمها العسكر. والسيسي لا يخجل من استخدام الجيش في كل ملامح الحياة المصرية، مُنحياً المدنيين سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، بل أنه قدم برامج لتلقين موظفي الدولة المدنيين أهمية الخضوع للسيطرة العسكرية. ولم يكن من المستهجن في السابق أن يشغل ضباط الجيش سواء العاملون أو المتقاعدون منهم مناصب مهمة في الوزارات أو هيئات الحكم المحلي، ولكن هذا الاتجاه أصبح أكبر وأكثر رسمية في عهد السيسي52. وفي تموز/يوليو 2020 صدر تعديل ينص على أن يقوم وزير الدفاع بتعيين مستشار عسكري لكل محافظ لضمان تنفيذ الأولويات العسكرية 53،ويكون على رأس واجبات هذا المستشار الإشراف على تنفيذ منهج التربية العسكرية لطلبة المدارس الثانوية والجامعات وفقاً للقواعد التي تحددها وزارة الدفاع وهو جزء من خطة شاملة لنشر مبادئ الأمن القومي التي غالباً ما يتولى تدريسها ضباط الجيش لأصحاب المهن من الشباب أو كبار موظفي الدولة مثل القضاة54. ولم تُستثنَ المؤسسة الدينية من هذه الجهود حيث ترسل وزارة الشئون الدينية مبعوثيها لتلقي هذا التدريب.
مثابرة الطيب
ربما لا تكون جهود السيسي للسيطرة على المؤسسة الدينية جهوداً لافتة، ولكن اللافت بالفعل هو أنه لم يربح كل جولات معركته مع الطيب. وعلى الرغم من أن السيسي قد حاول أن ينتقص من صلاحيات الطيب بإخضاع وزارة الأوقاف ودار الفتوى ووضعهما تحت سلطة الرئاسة بدلاً من الأزهر (بدون أي تغيير رسمي أو قانوني) وإجبار الطيب على إقالة العديد من أنصاره المقربين55، إلا أن الطيب قد نجح في المقاومة حتى الآن. وتمكن من رفض أي تغيير في تفسيرات وتعاليم الشريعة الإسلامية، بدون أن يفقد منصبه الرسمي، على الرغم من رغبة السيسي الواضحة في تغييره بشخصية أكثر مرونة.
وقد أحسن الطيب اختيار معاركه على الرغم من أنه من علماء السنة الذين يؤمنون بضرورة الإذعان للحاكم ولمؤسسات الدولة الرسمية حرصاً منهم على تنفيذ مبدأ طاعة ولي الأمر، لاعتقادهم المتجذر أنه مهما فسدت السلطة السياسية فهي المسؤولة الأولى عن حماية النظام الاجتماعي بما يسمح للمؤمنين أن يعيشوا حياة صالحة56. ولكن عندما تتغول سلطة الدولة وتهم بابتلاع السلطة العقائدية أو الحد من استقلالها، فهنا يأتي دور الطيب وأمثاله في دفع الخطر.
ولكن لِمَ نجح الطيب نسبياً في مقاومة محاولات السيسي حتى الآن؟ على ما يبدو أن ما يشد من أزر الطيب ويزيد موقفه صلابةً هو اعتماده على أربعة عوامل للمقاومة، عوامل قانونية، ومؤسسية، وشخصية، ودولية. قانونياً، عزز المجلس العسكري الانتقالي الذي حكم البلاد في أعقاب تنحي مبارك سلطة الأزهر من خلال المرسوم الذي صدر في كانون الثاني/يناير 2012 والذي أصبح بموجبه منصب الإمام الأكبر محصنا حيث لا يمكن عزل شيخ الأزهر مدى الحياة57.وعلى الرغم من أن هذا القرار قد صدر خوفاً من هيمنة الإخوان المسلمين، إلا أنه ليس من السهل التراجع عنه لعدة أسباب: من بينها العامل الثاني الذي يعتمد عليه الطيب في مقاومة السيسي وهو المزيج الهائل من الدعم الشعبي لمؤسسة الأزهر، وما تمثله من دور رمزي يجمع بين السلطة الدينية والكبرياء الوطني، حيث يشكل أتباعه من خريجي المدارس والمعاهد الأزهرية قاعدة شعبية مخلصة يصعب أن تتحصل عليها أي من مؤسسات الدولة الأخرى. أما العامل الشخصي فيظهر جلياً في نجاح الطيب في الحفاظ على قدر لا بأس به من ماء الوجه أثناء محاولاته المستمرة لتخطي المآزق السياسية والدينية المتتالية طوال عقد من الزمان، وتميز خطابه، حتى في أحلك المواقف، بالاحترام والترفع عن الصراعات الحزبية.
قد يكون سطوع نجم الطيب على الصعيد الدولي هو العامل الحاسم الأخير الذي مكنه من مقاومة محاولات السيسي للسيطرة. بينما سعى العديد من قادة السياسة الدولية في العقدين الماضيين للتحالف مع شخصيات إسلامية ذات مكانة ومصداقية وقدرة على التعبير عن رأيها مهما كان الثمن، فقد وجد الطيب ظهيرين في شخصي البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والأمير محمد بن زايد ولي العهد الإماراتي.
وقد التقى البابا فرانسيس والشيخ الطيب لأول مرة في أيار/مايو 2016 بعد ما يقرب من مرور عقد من العلاقات المتوترة بين سلفه البابا بنديكت السادس عشر والأزهر الشريف58. وعلى الفور نشأت بين الطيب والبابا فرانسيس علاقة صداقة دافئة، وتعاون إيجابي أسفر عن العديد من الاجتماعات، التي شهدت تبادلاً لوجهات النظر، ونتج عنها مبادرات كبرى مثل الإعلان المشترك عن "الأخوة الإنسانية" في أبريل 592019. وعندما نشر البابا رسالته الدورية " فراتيلي توتي" أو " كلنا أخوة" في تشرين الأول/ اكتوبر 2020 استشهد بإعلانه المشترك مع الطيب الذي أشاد بدوره بالرسالة الدورية الجديدة60.
وقد شجعت الإمارات العربية المتحدة ومحمد بن زايد هذا التعاون المشترك بين الفاتيكان والأزهر، فقد استضافت إعلان البيان المشترك في 2019، وحرصت على بناء علاقات وطيدة مع الطيب مند 2013. وقبل فترة وجيزة من الانقلاب على مرسي في 2013 سافر الطيب للإمارات ليتلقى جائزة كبرى، ما أثار الانتقادات الحادة ضده في الأوساط الموالية للإخوان المسلمين في مصر61. ومنذ ذلك الحين غمر قادة الإمارات، وعلى الأخص محمد بن زايد الذي يسعى بكل قوة للقضاء على جماعة الاخوان المسلمين في المنطقة، الطيب والأزهر بالاهتمام والثناء والتمويل62. وفي المقابل قدم الطيب دعماً دينياً، ليس فقط لحملة محمد بن زايد ضد الإخوان المسلمين، ولكن لكافة المبادرات الإماراتية مثل حملة مقاطعة قطر التي بدأت في 201763.
ولكن مؤخراً بدأت تظهر بعض المؤشرات على وجود خطوط حمراء يبدو أن الطيب لا يرغب في تجاوزها حتى من أجل إرضاء رعاته الإماراتيين. وحتى كتابة هذه الكلمات، لم يعلن الطيب موقفه الرسمي إزاء التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وتتردد شائعات أن هذا الاتفاق المفاجئ أدى إلى توتر العلاقات بين الإمام والإمارات64. وبالإضافة إلى ذلك أفادت التقارير أن الطيب قد قاوم بإصرار كافة الضغوط، التي تعرض لها لإصدار بيان يصف فيه جماعة الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية، على غرار ما فعل بعض رجال الدين السعوديون والإماراتيون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 (في محاولة أخيرة لتشجيع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إعلان الجماعة منظمة إرهابية أجنبية قبل أن يغادر منصبه).65
يبدو أن محمد بن زايد والبابا فرانسيس كانا يحملان دوافع مختلفة لتوطيد علاقاتهما مع الطيب. فالبابا قد يكون مدفوعاً باهتمامه بتحسين العلاقات الإسلامية- المسيحية في أوروبا وبمصير المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط، أما الإمارات فيدفعها حرصها على الفوز بنصيب الأسد في المنافسات الأيديولوجية والإقليمية الجارية في الشرق الأوسط، ولكن تأثير كلاهما على مصير الطيب في مصر كان مماثلاً. فلا شك أن الدعم الذي قدمه البابا باعتباره شخصية دولية ذات شعبية هائلة، والدعم الذي قدمه محمد بن زايد بكل ثقله المالي والدبلوماسي قد عزز مكانة الطيب وتمكنه من منصبه. وعندما فرض السيسي على كبار المسؤولين الحصول على موافقته المسبقة قبل السفر للخارج في كانون الثاني/ يناير 2019 كان قراره على ما يبدو يستهدف الطيب بشكل أو بآخر66.
النتيجة: هل تغيرت القلوب والعقول بسبب إصلاحات السيسي؟
لقد خدمت إصلاحات السيسي الدينية أجندته السياسية الخاصة، حيث مكنته من وضع جميع مؤسسات الدولة تحت سيطرته، والقضاء على كل أثر لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين، وتلميع صورته أمام الغرب باعتباره المصلح الإسلامي المنتظر. لكن يبقى السؤال الأهم عما إذا كانت هذه الخطوات التي اتخذها حتى الآن كافية لخفض معدل التطرف بين الشباب، أو لتغيير الطريقة التي يمارس بها المصريون دينهم بشكل جوهري؟
منالصعبالتأكيد على أن محاولاتإصلاحالخطابالإسلاميأوالسيطرةعلىالمؤسساتالدينيةقدساعدتفيمعالجةمشكلةمصر الأزليةمعتحولالمتطرفينإلىالعنف. تشير الإحصاءات إلى ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية الناتجة عن التطرف منذأن تولى السيسي الحكم، وبلغت هذه الهجمات ذروتها في 2017-2018، واستمرتحتىعام2021، وإن تباينت حدتها بحسب المؤثرات الخارجية مثل تغير ظروف تنظيم الدولة الإسلامية67.
وفي حين أنه من المستحيل معرفة ما إذا كانت محاولات السيسي للإصلاح قد نجحت بالفعل في صرف قلوب المصريين وعقولهم عن التطرف، إلا إنه من المؤكد أن الكثير من مسببات التطرف قد تفاقمت بشدة في السنوات الأخيرة. ولا تزال انتهاكات حقوق الإنسان التي بدأت في 2013، متمثلة في احتجاز عشرات الآلاف من الشباب في ظروف سيئة، والاختفاء القسري، وفترات الحبس الاحتياطي المطولة، والمحاكمات المجحفة، والتعذيب، والانتهاكات الجنسية، مستمرة، بل وتزداد سوءاً بمرور الوقت68. وعلاوة على ذلك فقد تدهورت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وانتشرت البطالة والفقر المدقع بسبب السياسات التقشفية للحكومة وكلها من العوامل المؤدية للتطرف69.
لايزال الدين جزءاً هاماً من الحياة العامة في مصر، وحسب استطلاعات الرأي70 يعتبر المصريون أنفسهم متدينون إلى حد كبير نسبياً. والواقع أن الهوية الدينية والدفاع عن المصطلحات الدينية مثل الشريعة والقانون الإسلامي كانت تحتل أهمية كبرى في وقت ما، ولكن الدلائل تشير حالياً إلى أن الالتزام الديني قد بدأ يتراجع إلى حد ما، ورغم أن هذا التراجع ليس خطيراً، ولكنه بدأ يثير مخاوف الأوساط الدينية الرسمية71. والواقع أن حال التدين في مصر، الآن، يمكن اعتباره دليلاً على تراجع مستويات التدين والثقة في الرموز الدينية في المنطقة عامة72. وفي حين يسارع القادة الدينيون والمسؤولون السياسيون لذم الإلحاد والتحذير من عواقبه الوخيمة إلا أن التهديد الحقيقي الذي يخشاه هؤلاء لا يكمن في نبذ الدين نفسه، بل في نبذ ممثلي الدين وتحييد دورهم القيادي في البلاد. ولا يهتم الجيل الصاعد من الشباب المصري بممارسة شعائر الدين مثل الصلاة كما يهتم بها الجيل الأكبر سناً، ووفقاً للمقياس العربي فإن 53 في المئة من المصريين الذين تجاوزوا الخمسين يؤدون صلاة الفجر بانتظام بينما يؤديها 8 في المئة فقط من الشباب بين سن الثامنة عشر والتاسعة والعشرين. وتتشابه هذه النسبة بفروقات بسيطة مع التزام المصريين بقراءة أو الاستماع إلى القرآن الكريم73. وتشارك النخبة المصرية مشاركة مبطنة في الدفع بدور الدين إلى خارج حلبة الحياة العامة المصرية، ويظهر هذا في التعامل مع قضية حجاب المرأة على سبيل المثال والذي أصبحت بعض الدوائر تعتبره مخالفاً للصواب السياسي74. ولكن إذا كانت الممارسات الدينية الشخصية قد أصبحت أكثر تسيباً في بعض الأوساط، فإن الممارسات الاجتماعية المحافظة والقمعية المرتبطة بالثقافة العسكرية لا تزال تعمل على قدم وساق في دوائر اخرى75.
يبدو أن الموقف العام تجاه الإسلام يتجه الآن إلى سياق سياسي واجتماعي مختلف ما يثير مخاوف الأوساط الدينية الرسمية، فمع إغلاق أماكن العبادة المستقلة وإخضاع المنظمات غير الحكومية والمساجد وغيرها من الأماكن المخصصة لإقامة الشعائر الدينية للرقابة الحكومية الصارمة، أصبح المصريون يتلقون دينهم حصرياً من خلال الأصوات الرسمية للدولة، حتى وإن حاولت تلك الأصوات التمسك بشيء من الاستقلال عن النظام. وكانت الصحوة الدينية التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي قد اتخذت مناحي عامة وخاصة، ولكن ما أعطاها الزخم الحقيقي كان الالتزام الفردي والتجمعات غير الرسمية والحراك الاجتماعي الذي صاحبها. وقد تأثرت الحياة اليومية للمصريين بعد أن قررت الدولة إغلاق آلاف المساجد الخاصة، وقطع خدماتها الخيرية بتهمة ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين76. كما أصبحت الزكاة، وهي إحدى أركان الإسلام، تخضع لرقابة حكومية صارمة، حيث يحاول النظام توجيه العطايا نحو مشاريع تدعمها الدولة، بينما يشعر المانحون بالتوتر بسبب العطاء المُسيس77. ولكن التحول ليس مطلقاً، فلا تزال في مصر أماكن مستقلة تسمح بالممارسات والبحوث الدينية الحرة، ولكن الارتفاع الملحوظ في مستوى الرقابة والسيطرة قد أدى إلى كبح جماح النشاط الديني في المجتمع المصري78.
والحقيقة أن المؤسسات الإسلامية الرسمية لن تستطيع أبداً أن تسد الفجوة طوال الوقت، خاصة أن قرب بعضها من النظام وسياساته يمكن أن يقوض مصداقيتها. ورغم أن الأزهر يمكن أن يقدم للمصريين إطاراً معيارياً عاماً للإسلام، فلن يستطيع، بالتأكيد، أن يحقق التجانس بين كافة التوجهات الدينية، التي تعج بها البلاد، وهي مهمة كبرى قد تتجاوز قدراته وطموحاته في آن معاً، إلا من خلال مفهوم فضفاض للغاية بهدف تعزيز الممارسات والمعتقدات الآمنة سياسياً. ومن غير المرجح أن تنجح الجهود الرئاسية الرامية لوضع خطوط أمنية حمراء أو لتبني ما يسمى بالتجديد، إلا في قيادة بعض المظاهر الدينية الرسمية. وفي النهاية لا يبدو أن محاولات السيسي لفرض سيطرة كاملة على المؤسسات الدينية والخطاب الديني ستؤدي لإحداث أي تغييرات دائمة في الثقافة الإسلامية للدولة، أو في احتمال أن تتخذ الخلافات حتى العنيفة منها منحىً دينياً في المستقبل.
شكر وتقدير
يتقدم المؤلفان بالشكر لكل من هـ. أ. هيليير، ومحمد مندور على ما قدماه من ملاحظات وتعليقات على هذه الورقة البحثية وكذلك لكل من جيمس. سي غايثر جونيور وإيان والاس للمساعدة البحثية.
هوامش
1 "السيسي يدعو لتجديد الخطاب الديني حسب الفهم الصحيح للإسلام" المركز المصري للمعلومات ودعم اتخاذ القرار، 8 ديسمبر، 2016
, https://www.sis.gov.eg/Story/107014?lang=en-us
2 "أزهر ما بعد الثورة" ، ناثان ج.براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، سبتمبر 2011،
https://carnegieendowment.org/files/al_azhar.pdf.
3 " الأزهر الشريف"، فيديو نشر في صفحة الأزهر على الفيس بوك، 1 أبريل 2020،
https://www.facebook.com/watch/?v=657826174790396.
4 "قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة- قانون رقم 13 لسنة 2012 لتعديل بعض مواد قانون رقم 103 لسنة 1961 المتعلق بإعادة هيكلة الأزهر والهيئات التابعة له" http://www.laweg.net/Default.aspx?action=ViewActivePages&Type=6&ItemID=75214&مرسوم-بقانون-رقم-13-لسنة-2012-بتعديل-بعض-أحكام-القانون-رقم-103-لسنة-1961-بشأن-إعادة-تنظيم-الأزهر-والهيئات-التى-يشملها
5 دار الإفتاء https://www.dar-alifta.org
6 ماحكم بيع وشراء العملة الالكترونية المسماة بيتكوين؟"، شوقي إبراهيم علام، دار الإفتاء، 28 ديسمبر 2017
https://www.dar-alifta.org/ar/ViewFatwa.aspx?sec=fatwa&ID=14139
7 مشروع قانون إصلاح الأزهر يثير الجدل" نهى الحناوي، الاندبندت المصرية، 9 يناير 2012،
https://egyptindependent.com/al-azhar-reform-draft-law-stirs-controversy.
8 رؤية ضيف: مفاوضات التغيير في المؤسسة الدينية الإسلامية" مع علي جمعة، رويترز، 21 فبراير 2013 و "انتخاب مفتي الديار المصرية لأول مرة على الإطلاق" ، جريدة الأهرام الرقمية، 11 فبراير 2013
http://blogs.reuters.com/faithworld/2013/02/21/guestview-negotiating-change-in-the-islamic-religious-establishment-reasons-for-optimism
http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/64550/Egypt/Politics-/Egypts-new-Grand-Mufti-elected-for-first-time-ever.aspx.
9 مصير 120 ألف عامل بعد نجاح "الأذان الموحد" و" الأوقاف" تنفي التسريح."، سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسى، جريدة الوطن، 2 أبريل 2019.
https://www.elwatannews.com/news/details/4094924?t=push
10 تطور ديوان الأوقاف في مصر في القرن التاسع عشر: لوائح 1837 و1851 " الأرشيف الشرقي، يناير 2010. https://www.researchgate.net/publication/297561221_The_Development_of_Diwan_al-awqaf_in_Egypt_in_the_19th_Century_Regulations_of_1837_and_1851.
11 تعبئة الإسلام، الدين والحراك والتغيير السياسي في مصر"، كاري روسوفسكي ويكهام ، دار نشر جامعة كولومبياـ أكتوبر 2002.
12 الإيقاف عن العمل والإحالة للتحقيق.. سلاح الأوقاف ضد الأئمة المخالفين"، سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسى، جريدة الوطن، 28 أكتوبر 2019. و "السلطات تستبعد وتحظر عشرة وعاظ من جماعة الإخوان المسلمين من المساجد"، أحمد مجاهدـ العرب ويكلي، 1 ديسمبر 2019 .
https://www.elwatannews.com/news/details/4399197;
https://thearabweekly.com/authorities-remove-and-ban-ten-muslim-brotherhoods-preachers-mosques.
13 مصر تأمر الوعاظ المسلمين بإلقاء خطبة أسبوعية موحدة"، رويترز، 13 يوليو 2016 .
http://blogs.reuters.com/faithworld/2016/07/13/egypt-orders-muslim-preachers-to-deliver-identical-weekly-sermons.
14 الأوقاف" تقترح تسجيل خطبة الجمعة صوت وصورة.. وغضب يجتاح الأئمة" سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسى، أخبار الوطن، 28 أكتوبر2019 https://www.elwatannews.com/news/details/4564942.
15 الأوقاف تحذر: لا صلاة جمعة في الطرقات أو أسطح العمارات وسنعاقب المخالفين" أحمد كساب، الشروق، 2 أبريل، 2020.
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=02042020&id=febac488-604d-4f8f-9182-e859117d64b4.
16 جمهورية مصر العربية، وزارة الأوقاف"، 20 مارس 2020.
http://ar.awkafonline.com/wp-content/uploads/2020/03/1441-007-004_2.pdf.
17 . وزير الأوقاف يزور شيخ الأزهر ويدعو له بدوام الصحة والعافية"، المصري اليوم، 28 سبتمبر، 2019. https://www.almasryalyoum.com/news/details/1430221.
18 . الموافقة على تغيير الديانة في المحاكم الإدارية: القانون والحقوق والتذبذب العلماني"، " منى عرابي، الاختلافات الحديثة، المجلد 17 رقم 1، 2015 .
https://newdiversities.mmg.mpg.de/wp-content/uploads/2015/10/2015_17-01_05_Oraby.pdf.
19 المعركة حول الأزهر"، ناثان ج.براون ومريم غانم، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 31 مايو، 2017.
https://carnegie-mec.org/diwan/70103.
20 . انفراد.. مشروع تعديل قانون الأزهر يتضمن محاسبة الإمام الأكبر"، اسماعيل الأشول، الشروق
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=24042017&id=96a96597-fb51-4baa-812a-a425ef2926d4
21 الأزهر والحكومة المصرية يتنازعان السيطرة على دار الإفتاء"، شهيرة أمين، المونيتور، 24 يوليو، 2020 .
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/egypt-draft-law-control-al-azhar-dar-al-iftaa-religious.html.
22 الأزهر يضع 10 مواد تؤسس لبناء الأسرة بمشروع قانون الأحوال الشخصية"، شيماء عبد الهادي، بوابة الأهرام، 26 أكتوبر، 2019 و" عندما تكون الإجراءات سياسة"، ناثان ج. براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 12 نوفمبر، 2019 .
http://gate.ahram.org.eg/News/2317623.aspx;
https://carnegie-mec.org/diwan/80301.
23 استحداث مواد خاصة بإثبات النسب.. مصادر حكومية تكشف تفاصيل مشروع قانون الأحوال الشخصية"، محمد سامي، مصراوي، 14 يناير، 2021.
https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2021/1/14/1951557/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AF-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D8%A8%D8%A5%D8%AB%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A8-%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86#SectionMore.
24 السياسة والدين في مصر في عهد ما بعد الانقلاب"، عمرو عثمان، Open Democracy، 28 نوفمبر، 2013.
https://www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/religion-and-politics-in-post-coup-egypt.
25 خطبة الرئيس السيسي في احتفالية المولد النبوي التي نقلتها شبكة النهار الإخبارية، النهار اليوم، 1 يناير 2015.
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=ptAdsg5fWCA.
26 نفس المرجع السابق
27 الرئيس المصري يدعو إلى ثورة دينية"، دانا فورد وسلمى عبد العزير وإيان لي، سي إن إن، 6 يناير، 2015.و "وهل السيسي مارتن لوثر الإسلام؟"، ميشيل دن وكاتي بينتيفوجليو، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 16 يناير، 2015 .
https://www.cnn.com/2015/01/06/africa/egypt-president-speech/index.html;
https://carnegie-mec.org/diwan/57738.
28 ويل: السيسي يستحق جائزة نوبل للسلام بعد خطبته عن الإسلام،" مدونة Real Clear Politics، 11 يناير، 2015. و " مارتن لوثر الإسلام؟"، بيتر سميث، Quadrant، 7يناير، 2015. https://www.realclearpolitics.com/video/2015/01/11/will_al-sisi_deserves_nobel_peace_prize_for_speech_on_islam.html
http://quadrant.org.au/opinion/qed/2015/01/islams-martin-luther.
29 موجز كلمة السيسي الشهرية: أهم10 مواضيع تناولتها الكلمة"، مدى مصر، 12 مايو، 2015. و " السيسي: يجب إعادة قراءة التراث ليناسب العصر"، أحمد البحيري ومحسن سميكة، المصري اليوم، 20 نوفمبر، 2018. و" السيسي: تصويب الخطاب الديني ليس ترفا ولا رفاهية.. ولن يمس الثوابت"، مارينا نبيل، الشروق، 8 ديسمبر، 2016.“https://www.madamasr.com/en/2015/05/12/news/u/sisis-monthly-speech-summed-up-the-10-most-important-issues-addressed;
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1344471https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=08122016&id=46b4d3b6-3d8a-4b22-a7c6-b1f175697ed5.
30 المولد النبوي: كلمة السيسي وتعقيبه على شيخ الأزهر تثير ردود فعل متباينة حول مدلولاتها"، بي بي سي العربية ، 8 نوفمبر، 2019.
https://www.bbc.com/arabic/trending-50345733.
31 انظر على سبيل المثال " وزير الأوقاف: آليات الخطاب الديني يجب أن تصلح ولا تفسد"، بلدنا اليوم، 25 مايو، 2015.
https://www.baladnaelyoum.com/news/5c684262a2432174366ed685/%D8%AA%D8%BA%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AA/laquo%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%81raquo-%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D9%84%D8%AD-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%81%D8%B3%D8%AF.
32 معركة كلامية بين د. أحمد الطيب شيخ الأزهر ود. محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة"، صدى البلد، 8 يناير، 2020. و" عاجل: شيخ الأزهر أحمد الطيب يرد على رئيس جامعة القاهرة الخشت: كنت أود أن يكون كلامك مدروساً" نشره على اليوتيوب د.عبد الله رشدي، 28 يناير، 2020.
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=c6ObpvukhrY
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=2Krs03SEklE.
33 تجديد حبس المدون القرآني رضا عبد الرحمن 15 يوماً على ذمة التحقيق"، أحمد سلامة، أخبار درب، 14 يناير، 2021.
https://daaarb.com/%d8%aa%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%ad%d8%a8%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d8%a7-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad.
34 الرئيس السيسي يقول: الداعية يجب ان يتمتع بنظرة شمولية"، نهي الطويل، Egypt Today,، 19 نوفمبر، 2018.
https://www.egypttoday.com/Article/1/60720/A-cleric-must-have-a-comprehensive-approach-President-Sisi.
35 الأزهر ونظام 30 يونيو: حذر لا يعطل المسار"، مي شمس الدين، مدى مصر، 30 يونيو، 2017. و" شيخ الأزهر يقول أنه علم بفض الاعتصام عبر وسائل الإعلام"، المصري اليوم على صفحة أيجيبت اندبندنت، 10أغسطس، 2013.
https://www.madamasr.com/en/2017/06/30/feature/politics/al-azhar-post-june-30-an-ongoing-dispute-interrupted-by-a-brief-alliance
https://egyptindependent.com/azhar-grand-sheikh-says-he-was-informed-about-sit-dispersal-through-media.
36 الأزهر ونظام 30 يونيو: حذر لا يعطل المسار" ، مي شمس الدين، مدى مصر، 30 يونيو، 2017.
https://www.madamasr.com/en/2017/06/30/feature/politics/al-azhar-post-june-30-an-ongoing-dispute-interrupted-by-a-brief-alliance.
37 على خلفية مشاركة شيخ الأزهر في مؤتمر الشيشان.. هل تتوتر العلاقات المصرية السعودية؟"، محمد سعيد، المونيتور، 13 سبتمبر، 2016. و" مصر تحتجز الطلبة الإيغور الذين يخشون العودة إلى الصين: مجموعة الحقوق" ، ليسا بارينغون، رويترز، 7 يوليو، 2017.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2016/09/egypt-saudi-arabia-controversy-grozny-conference-azhar.html;
https://www.reuters.com/article/us-egypt-china-uighur-idUSKBN19S2IB.
38 السيسي يوبخ المصريين بسبب السمنة والشارع يرد بالنكات"، امينة اسماعيل ولينا مصري، رويترز، 9 ديسمبر، 2018.
https://www.reuters.com/article/us-egypt-politics-health/lectured-by-sisi-on-body-weight-egyptians-respond-with-jokes-idUSKBN1OI1Y6.
39 الأزهر ونظام 30 يونيو: حذر لا يعطل المسار"، مي شمس الدين، مدى مصر، 30 يونيو، 2017.
40 . محمد الباز يكتب.. لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر؟"، محمد الباز، الدستور، 25 يناير، 2017.
https://www.dostor.org/1294343.
41 المعركة حول الأزهر"، ناثان ج. براون ومريم غانم، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 31 مايو، 2017. و" كيف نجا شيخ الأزهر من التعديلات الدستورية؟"، اسمهان سليمان، مدى مصر، 11 أبريل، 2019.
https://www.madamasr.com/en/2019/04/11/feature/politics/how-the-grand-imam-of-al-azhar-survived-the-constitutional-amendments.
42 إصلاح الفكر الديني.. معضلة مصر الأزلية"، محمد نافع وافي، القنطرة، 14 يوليو، 2020.
https://en.qantara.de/content/president-sisi-the-grand-imam-and-al-azhar-egypts-eternal-conundrum-reforming-religious.
43 رجال الدين في مصر نصبوا أنفسهم أنبياء.. وشكلوا طبقة خاصة فوق الشعب"، دندراوي الهواري، اليوم السابع، 3 فبراير، 2020.
https://www.youm7.com/story/2020/2/3/%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%89-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%86%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87%D9%85-%D8%A3%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B4%D9%83%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A9-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9/4615313.
44 الأزهر والحكومة المصرية يتنازعان السيطرة على دار الإفتاء"، شهيرة أمين، المونيتور، 24 يوليو، 2020.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/egypt-draft-law-control-al-azhar-dar-al-iftaa-religious.html.
45 شيخ الأزهر يطلب حضور الجلسة العامة لمجلس النواب لشرح رؤية رفض مشروع قانون الإفتاء"، عبد الله أبو ضيف، القاهرة 24، 23 أغسطس، 2020.
https://www.cairo24.com/politics/832359/%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%87%d8%b1-%d9%8a%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d8%ad%d8%b6%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%84%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%ac.
46 تصحيح ثورة التصحيح"، ناثان ج. براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 27 فبراير، 2019.
https://carnegie-mec.org/diwan/78461.
47 قضاة عن التعديلات الدستورية: مذبحة جديدة بأدوات قديمة"، مدى مصر، 21 فبراير، 2019. و " الهيئات القضائية، مجلس معطل بسبب خلاف رئيس البرلمان ووزير العدل"، رنا ممدوح، مدى مصر، 24 يونيو، 2019.
https://www.madamasr.com/en/2019/02/21/feature/politics/judicial-officials-constitutional-amendments-final-battleground-in-struggle-for-judicial-independence
https://www.madamasr.com/en/2019/06/24/feature/politics/parliament-approves-laws-allowing-sisi-to-select-judicial-heads-stalemate-continues-over-council-of-judicial-bodies.
48 المحكمة العسكرية المصرية تحكم على أحد منتقدي السيسي بالسجن خمس سنوات"، ديكلان ولش، النيويورك تايمز، 24 أبريل، 2018.
https://www.nytimes.com/2018/04/24/world/middleeast/egypt-military-court-sisi-critic.html.
49 محكمة مصرية تحكم بحل الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين" لين نويهيد، رويترز، 10 أغسطس، 2014.و" الأحزاب المدنية المصرية: صراع على الهوية والاستقلال"، ميشيل دن وعمرو حمزاوي، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 31 مارس، 2017 . و " البرلمان المصري والمرحلة الانتقالية: التحييد المتعمد"، جان كلوديوس فولكيل، مجلة البحوث الشمال أفريقية 22:4، 595-619، 8 مارس، 2017.
https://www.reuters.com/article/us-egypt-brotherhood/egypt-court-dissolves-muslim-brotherhoods-political-wing-idUSKBN0G90AM20140810
https://carnegieendowment.org/2017/03/31/egypt-s-secular-political-parties-struggle-for-identity-and-independence-pub-68482
https://doi.org/10.1080/13629387.2017.1297234.
50 يحدث في الخارجية: مساعي الأجهزة الأمنية للهيمنة على الوزارة"، أسمهان سليمان، مدى مصر، 22 مايو، 2017.
https://www.madamasr.com/en/2017/05/22/feature/politics/backstage-at-the-foreign-ministry-security-apparatuses-play-for-control.
51 الحرية الأكاديمية المفقودة في مصر"، آمي اوستن هولمز وسحر عزيز، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 24 يناير، 2019.
https://carnegieendowment.org/sada/78210.
52 تخطيط الاقتصاد العسكري غير الرسمي: دولة العسكر"، مالكوم ه.كير، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 18 نوفمبر، 2019 .
https://carnegie-mec.org/2019/11/18/mapping-informal-military-economy-officers-republic-pub-80337.
53 القانون رقم 165 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 55 لسنة 1968 بشأن منظمات الدفاع الشعبي والقانون رقم 46 لسنة 1973 بشأن التربية العسكرية في مرحلتي التعليم الثانوي والعالي، 27 يوليو، 2020. و" تعيين مستشارين عسكريين للإشراف على الحياة المدنية في مصر يثير موجة غضب" ، المونيتور، 9 أغسطس، 2020.
https://ahmedazimelgamel.blogspot.com/2020/08/165-2020-55-1968-46-1973.html;
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/08/egypt-law-military-role-civil-life-ministries.html.
54 قيادة الدولة المصرية الممتدة: أيديولوجية أم إدارة؟" ناثان ج. براون ومارك برلين، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 28 مايو، 2020. و" اجبار القضاة المصريين على تلقي تعليم عسكري"، أحمد يونس، المونيتر، 9 نوفمبر، 2020.
https://carnegieendowment.org/2020/05/28/steering-wide-egyptian-state-ideology-or-administration-pub-81924https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/11/egyptian-judges-trained-strategic-national-security-studies.html.
55 الأزهر والحكومة المصرية يتنازعان السيطرة على دار الإفتاء"، شهيرة أمين، المونيتور، 24 يوليو، 2020 . و"شيخ الأزهر يواجه حرباً إعلامية ضروس"، حسام ربيع، المونيتور، 27 فبراير،2020.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/egypt-draft-law-control-al-azhar-dar-al-iftaa-religious.html
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/02/egypt-azhar-controversy-imam-religious-discourse-tayeb-media.html.
56 هوية وماهية ولي الأمر. السؤال الذي لا يسأله أحد."، ناثان ج. براون، معهد اوناتي الدولي لعلم اجتماع القانون، 1 مار، 2019.
http://opo.iisj.net/index.php/osls/article/viewFile/1095/1269#:~:text=The%20wali%20al%2Damr%20%E2%80%93%20the,without%20that%20transformation%20drawing%20notice.
57 ما الذي يغضب الكثيرين بشأن الأزهر؟" ناثان ج. براون، المجلس الأطلسي، 30 يناير،2012.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/why-are-so-many-upset-about-alazhar.
58 الاجتماع هو الرسالة هذا ما قاله البابا لشيخ الأزهر." جونو اروتشو استيفيز، National Catholic Reporter، 23 مايو، 2016.
https://www.ncronline.org/news/vatican/meeting-message-pope-tells-head-al-azhar.
59 وثيقة الأخوة الإنسانية للتعايش والسلام الدولي" النسخة الكاملة، أخبار الفاتيكان، 4 فبراير، 2019.
https://www.vaticannews.va/en/pope/news/2019-02/pope-francis-uae-declaration-with-al-azhar-grand-imam.html.
60 فراتيللي توتي"، البابا فرانسيس، الفاتيكان، 3 أكتوبر، 2020. و" البابا فرانسيس يعيد الضمير للإنسانية"، شيخ الأزهر، أخبار الفاتيكان، 5 أكتوبر، 2020.
http://www.vatican.va/content/francesco/en/encyclicals/documents/papa-francesco_20201003_enciclica-fratelli-tutti.html
https://www.vaticannews.va/en/world/news/2020-10/grand-imam-al-tayyeb-encyclical-fratelli-tutti-fraternity-pope.html.
61 شخصية العام الثقافية، فضيلة الشيخ الدكتور أحمد محمد الطيب" جائزة الشيخ زايد للكتاب 2013. ومحمد رجب عبر “WWW World,” Daily News Egypt,، في 8 أبريل، 2006.
https://www.zayedaward.ae/en/previous.editions/winners/dr.sheikh.ahmad.muhammad.al.tayyeb.aspx?year=2013
https://dailynewsegypt.com/2006/04/08/www-world.
62 محمد بن زايد وشيخ الأزهر يؤكدان على أهمية التضامن والتعاون الدولي لمواجهة انتشار فيروس كورونا"، زكريا محي الدين، WAM، 30 مارس ، 2020. و " الإمام الأكبر يعلن التبرع بقيمة جائزة الأخوة الإنسانية المقدمة من الإمارات العربية المتحدة للمنظمات الخيرية",” The National، أغسطس 2019.
https://wam.ae/ar/details/1395302833937;
https://www.thenationalnews.com/uae/grand-imam-of-al-azhar-announces-uae-humanitarian-award-will-be-donated-to-charity-1.893687.
63 الأزهر يؤيد قطع العلاقات مع قطر"، المصري اليوم عبر Egypt Independent، 7 يونيو، 2017.
“https://egyptindependent.com/azhar-supports-sever-relations-qatar.
64 بسبب التطبيع.. أزمة مكتومة بين شيخ الأزهر والإمارات"، الخليج الجديد، 30 نوفمبر، 2020.
https://thenewkhalij.news/article/213570/%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA.
65 مصادر: فشل ضغوط إماراتية على شيخ الأزهر لإصدار بيان مناهض للإخوان"، الخليج الجديد، 26 نوفمبر،2020.
https://thenewkhalij.news/article/213143/%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%B6%D8%BA%D9%88%D8%B7-%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D9%84%D8%A5%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%87%D8%B6-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86.
66 كبار الموظفين في مصر لا يسمح لهم بالسفر بدون موافقة الرئيس"، أميرة سيد أحمد، المونيتور، 29 يناير، 2019.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2019/01/egypt-sisi-decree-officials-travel-permission.html.
67 خمس سنوات من حرب مصر على الإرهاب" هيئة التحرير لسياسات الشرق الأوسط، 15 مايو، 2015. و"مسؤولون مصريون: مقتل عنصري أمن في انفجار قنبلة على جانب الطريق في سيناء"AP News، 1يناير، 2021.
https://timep.org/wp-content/uploads/2018/07/TIMEP-ESW-5yrReport-7.27.18.pdf
https://apnews.com/article/police-egypt-middle-east-islamic-state-group-bombings-94f6eadebb7c9ecd430f652192fd2ca1.
68 قمع السلطة وتطرف الشباب في مصر"، مؤسسة هينريك بول، 1 مارس، 2017. و " بين داعش وإجراءات الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب- الأطفال يتعرضون للتطرف والاستغلال والاختطاف"، مركز بلادي للحقوق والحريات، 3 فبراير، 2020.
https://www.boell.de/sites/default/files/egypt-paper2-radicalization.pdf https://beladyrf.org/sites/default/files/2020-01/combinepdf%20(2).pdf.
69 البعد الاجتماعي والاقتصادي للتطرف الإسلامي في مصر وتونس" ، كارلا أوغسطس صب وأحمد نور أخونزاده، معهد فرانكفورت لأبحاث السلام، ومعهد لايبنيز، مؤسسة هسيان لأبحاث السلام والصراع، فبراير 2019.
https://www.hsfk.de/fileadmin/HSFK/hsfk_publikationen/PRIF_WP_45.pdf.
70 تباين الالتزام الديني بين الأعمار المختلفة بحسب الدولة" مركز بو للأبحاث، 13 يونيو، 2018.
https://www.pewforum.org/2018/06/13/how-religious-commitment-varies-by-country-among-people-of-all-ages.
71 هل أصبح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل تديناً؟ حوار مع مايكل روبنز"، نامان كارل- توماس هبتوم، الباروميتر العربي، 6 أبريل، 2020.
https://www.arabbarometer.org/2020/04/is-the-mena-region-becoming-less-religious-an-interview-with-michael-robbins.
72 العرب يفقدون الثقة في الأحزاب والقيادات الدينية،Economist، 5 ديسمبر، 2019.
https://www.economist.com/graphic-detail/2019/12/05/arabs-are-losing-faith-in-religious-parties-and-leaders.
73 أداة تحليل البيانات، الباروميتر العربي.
https://www.arabbarometer.org/survey-data/data-analysis-tool.
74 "الغطرسة ضد الحجاب"، Economist,، 27 أغسطس، 2015.
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2015/08/27/haughty-about-the-hijab.
75 اعتقالات جديدة في الحملة المصرية ضد مجتمع الميم في غياب التنديد الدولي"، نيلة جوشال، هيومن رايتس ووتش، 22 يناير، 2018.
https://www.hrw.org/news/2018/01/22/more-arrests-egypts-lgbt-crackdown-no-international-outcry.
76 الحرب المصرية على الأعمال الخيرية" نيكولاس لين واميلي كرين لين، Foreign Policy,، 29 يناير، 2015 .
https://foreignpolicy.com/2015/01/29/egypts-war-on-charity-morsi-muslim-brotherhood.
77 الأعمال الخيرية الإسلامية غير السياسية في مصر المعاصرة"، أميرة ميترماير، القانون والمجتمع الإسلامي، المجلد 27، العدد 1-2 ، 20 فبراير، 2020.
https://brill.com/view/journals/ils/27/1-2/article-p111_5.xml?language=en.
78 أنظر عمرو عبد الرحمن، "نهاية النهضة الإسلامية؟ التعليم الديني المستقل بعد 2011: الخصائص والغموض والمسارات المستقبلية" وحدة الدراسات القانونية والمجتمعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، سبتمبر 2019
https://manshurat.org/file/72146/download?token=BFMQjRyz.