الأبحاث

المؤسسات الإسلامية في الدول العربية: تحليل منهجيات السيطرة والاستقطاب والنزاع

تسلّط العلاقات المعقدة بين الدولة والمؤسسات الإسلامية في السعودية واليمن وسورية وليبيا ومصر والجزائر والمغرب الضوء على تطوّر الحوكمة، وتترتّب عليها تداعيات مهمة لجهة السياسات الغربية المتعلقة بمكافحة التطرّف العنيف وحلّ النزاعات.

نشرت في ٧ يونيو ٢٠٢١

يتزايد في الوقت الراهن تدخل الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية في عمل المؤسسات والمنظمات الدينية بكافة أشكالها وتعريفاتها سواءً كانت وزارات، أو هيئات، أو جامعات، أو مساجد، أو مؤسسات خيرية، أو أوقاف (الأوقاف الإسلامية تشتمل على أصول نقدية وعقارية) أو زوايا صوفية (الزوايا هي مدارس أو محافل أو طرق دينية تلعب دوراً اجتماعياً هاماً في المجتمعات المحيطة بها) أو منظمات شباب أو منصات إعلامية أو غيرها. وتمارس الأنظمة لعبة السيطرة على المؤسسات الدينية ومحاولة استقطابها ودمجها مستخدمة كل وسيلة ممكنة، قديمةً كانت أم حديثة، للتحكم فيما يجري داخل تلك المؤسسات من عمليات التوظيف والتطهير وإصدار القوانين، والتنظيم الإداري، والإشراف المالي، وغيرها. ولا يخفى على أحد أن الدول العربية الحديثة منذ إنشائها وهي تعمل على توظيف ومأسسة الإسلام الذي ورثته منذ عهود الاستعمار الأوروبي وما سبقه من حكم الامبراطورية العثمانية، وهي عملية استمرت عبر السنين بالتوازي مع تغلغل الدولة في الحياة اليومية للمواطن العربي1.

وعلى الرغم من ذلك فإن محاولات السيطرة هذه ليست أحادية التوجه، فالشخصيات والمنظمات الإسلامية الموالية للدولة غالباً ما تتمتع بنفوذ وشأنٍ كبير بسبب الدور الذي تلعبه كوسيط بين النظام والمجتمع. وكلما زادت شعبيتها ورأسمالها المجتمعي زادت قدرتها على التفاوض مع السلطة الحاكمة، ومقايضة صمتها عما يدور في عالم السياسة مقابل حريتها في تناول بعض القضايا الشخصية والاجتماعية (على الرغم من تعدي النظام على هذه القضايا أيضاً). ولكن الشخصيات الدينية الموالية للدولة تجد نفسها في موقف يفرض عليها أن تجتهد باستمرار لتنقيح مظهرها الأخلاقي ولتدرأ عن نفسها شُبهة المنافحة عن النظام وأجندته السياسية الدنيوية بدلاً من أن تكون صوت الإيمان والتقوى.

عدا ذلك فإن الخط الفاصل بين الإسلام الرسمي والإسلام غير الرسمي هو خط مشوش وملتبس إلى حد كبير. فالتصريحات عن الإسلام تنهمر من كل حدب وصوب سواء من المقربين للنظام أو من غيرهم من رجال الدين الرسميين أو القضاة أو المشرّعين أو حتى الإعلاميين بمتابعيهم الكُثُر ومعرفتهم الضحلة بالجوانب الفقهية للإسلام2. وفي بعض الأحيان تعمل الدولة على إنشاء وتمويل ورعاية دوائر اجتماعية وسياسية مستحدثة بهدف الترويج لما يسمى بحركة الإصلاح الإسلامي ودعمها عن طريق إجراء تغييرات قانونية وإدارية.

وترجع أهمية ما تقوم به الأنظمة العربية حالياً من تدخل كبير وسريع ومعقد في المجال الإسلامي إلى التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي واجهتها في الأعوام التي أعقبت الربيع العربي الذي بدأ في 2011 والتي فاقمتها مؤخراً جائحة كورونا. وقد حشدت تلك الأنظمة مؤسساتها الدينية الحكومية واستخدمتها أحياناً كأداة لتلميع مشروعية الحكومة في مواجهة القلق الجماهيري المتصاعد بسبب تلك الكارثة الصحية العامة وما ترتب عليها من انهيار اقتصادي-من خلال السيطرة على الخطاب العام والمساجد وعمليات توزيع الإعانات والخدمات- وأحياناً أخرى تستخدم ككبش فداء يتلقى اللوم بدلاً عنها إن لزم الأمر3.

تعود رغبة الدولة في استقطاب المؤسسات الدينية والسيطرة عليها إلى تخوفها من الحركات الإسلامية المتطرفة وما تمثله من خطر عسكري داخلي خاصة في ظل ضغوط الحلفاء والشركاء الغربيون الدافعة للتصدي لهذه التهديدات كجزء من خطة واسعة النطاق لمكافحة التطرف العنيف. ولا شك أن فكرة محاربة التطرف هي التي شجعت الحكومات العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية على الترويج لما تفعله من رقابة وتنظيم للمؤسسات الدينية الإسلامية وخطابها بوصفه إصلاحات.

ولكن هذه الإصلاحات، التي لا تتردد أحياناً في استهداف ناقدي النظام من الإسلاميين، لا تزيد في حقيقة الأمر عن كونها خدعة ترتكز على افتراض معطوب بأن الدافع الأساسي للعنف والتطرف هو التفسير الخاطئ للإسلام. وكل ما تفعله هذه الإصلاحات هو تقديم صورة مريحة للجمهور الغربي عما يتم إحرازه من تقدم في مكافحة التطرف بينما هي في الواقع تتجاهل أهم مصادر التشدد وأكثرها حضوراً على أرض الواقع ألا وهو الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان العربي والتعدي على حقوقه القانونية، سواء في التقاضي أو في السجون، وانتشار الفساد في أجهزة الدولة، وكلها مفاسد أسهمت في الحالة المزرية التي وصلت إليها الدول العربية حالياً. وبعبارة أخرى فإن الترويج لما يسميه الحكام العرب الإسلام المعتدل عن طريق مأسسة وتنظيم المجال الديني يعني الوصول إلى صورة عن الإسلام لا تمثل تهديداً لكياناتهم السياسية وبقائها، وليس إسلاماً يقلّم أظافر التطرف والعنف بالفعل كما يأمل صناع القرار الغربيون.

ومن ناحية أخرى، وعلى نقيض السياسات التدخلية للأنظمة العربية القوية، فإن المؤسسات الإسلامية في الدول العربية التي مزقتها النزاعات قد أضحت إما كيانات مجزأة أو غنيمة تتبادلها الفصائل السياسية والعسكرية المتناحرة. ولنا في كل من ليبيا وسوريا واليمن مثال، حيث ارتبط مصير كافة المؤسسات الإسلامية من وزارات ومدارس ومعسكرات شبابية وأوقاف وهيئات خيرية بمصير تلك الدول التي انهارت وتقطعت أوصالها بسبب الحروب الأهلية التي شهدتها. وأسست جماعات المعارضة والحكم الذاتي، كل في منطقة نفوذه، هيئات دينية محلية متنافسة تتمتع باستقلال كبير حصلت عليها بسبب افتقار القيادات السياسية للموارد التي تساعد على دمجها واستقطابها. وغالباً ما تكون المؤسسات الإسلامية في تلك البيئات المتصارعة أكثر استجابة للمؤثرات الاقتصادية والأيديولوجية الخارجية سواء كان مصدر تلك المؤثرات هو القوى الإقليمية التي تشن حروباً بالوكالة أو القوى الدولية الغربية.

وقد توصلت وكالات الغوث والحكومات الغربية إلى أن الشخصيات الدينية في الدول التي تعاني من النزاعات المسلحة أو التي تتعافى منها يمكن أن يكونوا شركاء في الوساطة والتنمية المجتمعية4. ولكن، كما هو الحال فيما يتعلق بمكافحة التطرف العنيف، فإن محاولات الغرب للتواصل مع الجهات الإسلامية الفاعلة في بيئات النزاع تتسم بالتعقيد الشديد حيث إن الشركاء الإسلاميين غالباً ما يكونون مسيسين ومتحزبين نتيجة سنوات الحرب الطويلة وبالتالي فإن إدعاءاتهم بأنهم يتحدثون باسم مجتمعاتهم الممزقة أو أن الدوافع الوحيدة لعملهم كوسطاء هي دوافع أخلاقية بالأساس ربما تكون غير مقنعة. علاوة على ذلك فإن الاهتمام الغربي قد يؤدي بشكل غير مقصود إلى تضخيم دور تلك الشخصيات الدينية وزيادة هوة الانقسامات القائمة على اختلاف الهوية وتعميق الدوافع الدينية للحروب الأهلية ما يؤدي إلى تحييد العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية5. بالإضافة إلى ذلك يصعب قياس مدى فعالية تلك الشراكة.

وبحسب خبير تنمية أمريكي، يتمتع بخبرة تزيد عن عقد من الزمان في شؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فإن" مبادرات الولايات المتحدة الأمريكية (لمكافحة التطرف العنيف) تميل غالباً إلى منح المؤسسات الإسلامية اهتماماً ظاهرياً لا يعول كثيراً على النتائج، وأن برامج المنح الممولة حكومياً إنما تدعو" قادة المجتمع الديني المحليين" إلى ورش العمل الخاصة بحل النزاعات مرة أو مرتين ذراً للرماد في العيون بلا التزام حقيقي بالبحث عن الأسباب الأساسية الكامنة وراء تلك المأساة"6

كيف تتفاعل المؤسسات الدينية مع الحكومات العربية

حتي يومنا هذا لم تحظ العلاقة المعقدة والمتداخلة بين المؤسسات الإسلامية والأنظمة العربية الحاكمة بالاهتمام التحليلي أو الأكاديمي الذي تستحقه مقارنة بما حصلت عليه سياسات الأحزاب الإسلامية أو التشدد والتطرف الإسلامي7. وتهدف الأوراق البحثية المدرجة في هذه الدراسة والتي تفحص المملكة العربية السعودية واليمن وسوريا وليبيا ومصر والجزائر والمغرب إلى معالجة هذه الثغرة استناداً إلى حصيلة عامين من البحث والعمل الميداني والمقابلات الشخصية مع مسؤولين عرب وشخصيات دينية بارزة.

وتُلقي هذه الدراسة الضوء على الآليات التي تحكم العلاقة بين المؤسسات الإسلامية والهيئات الحكومية بكافة أشكالها بدءاً من الأنظمة الرسمية القوية في البلاد العربية المستقرة نسبياً إلى الأنظمة والحركات غير الرسمية وشبه الحكومية وغير الحكومية في البلدان العربية التي تعاني من النزاعات أو التي تتعافى منها. ولا نهدف هنا لقياس موازين القوى أو لتحديد رابح أو خاسر ولا يمكن لنا أن نقدم تكهنات بعينها أو حلول سياسية محددة، ولكن يمكننا أن نقدم من خلال هذه الورقة البحثية شرحاً تفصيلياً لجانب هام من جوانب الحوكمة في العالم العربي طالما ظل مهملاً بالرغم مما يترتب عليه من نتائج عديدة وهامة تضعها الحكومات الغربية على رأس أولويات سياساتها الخارجية مثل مكافحة الإرهاب وتعزيز حل النزاعات وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي المستقبلي للدول العربية.

تلعب المؤسسات الإسلامية ورجال الدين الإسلامي دوراً وساطياً هاماً بين الأنظمة الحاكمة والمجتمعات التي تحكمها. ويستخدم الحكام العرب في تعاملهم مع المجال الديني وممثليه وسائل متعددة تتأرجح بين الحوار ومحاولات الاستقطاب إلى الخلاف والإكراه الصريح. ولذلك فلا يمكن إغفال أهمية تلك المؤسسات بوصفها نوافذ يمكن من خلالها رؤية التفاوت الهيكلي بين الدول العربية وضآلة مشروعية أنظمتها الحاكمة.

فالأنظمة الواثقة من نفسها سياسياً واجتماعياً لم تتردد عبر التاريخ في إفساح المجال ومنح الحريات للمؤسسات الدينية وممثليها ولو حتى بغرض مراقبتها، أما الأنظمة المذعورة المصابة بالرهاب فقد وضعت القيود والعراقيل أمام مؤسساتها الدينية وأفقدتها القدرة على الحركة والمناورة ما أدى إلى نشوء حركات معارضة لا تجد لنفسها متنفساً في العلن فتلجأ إلى التخفي والعنف في بعض الأحيان.

وتتزايد أهمية فهم هذه المؤشرات في ضوء ما أسماه باحثو مؤسسة كارنيغي "عقد القرارات العربية" حيث سيؤدي انخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب العالمي عليه إلى حرمان العديد من القادة العرب من الموارد التي طالما اجتازت اختبار الزمن في شراء الأصوات المعارضة في المجتمع8. وتمثل الحقبة القادمة تحدياً خاصاً للأنظمة الحاكمة في ما يسمى بالدول الريعية حيث يوزع الحكام عائدات النفط لشراء ولاءات رجال الدين والتحكم في المنظمات الدينية المتعددة9.

ويتناول ناثان ج. براون وياسمين فاروق في الورقة الافتتاحية لهذه المجموعة  أهم هذه الدول الريعية قاطبة وهي المملكة العربية السعودية والتي تجاوز تأثيرها الديني الكبير حدودها الجغرافية بسبب ما تتمتع به من ثروات طائلة وأحقية تاريخية في القيادة الدينية وأجهزة إعلامية قوية وآليات دعوية هائلة. وبينما تحظى الأجندة الإصلاحية التي تَقدم بها ولي العهد المتسلط والطموح محمد بن سلمان بتغطية إعلامية كبيرة فإن البحث يشير إلى أن التغييرات المقترحة على الهيكلة الدينية والتي أثارت كل هذا الصخب الإعلامي ماهي إلا تغييرات شكلية وليست جوهرية. وعلى الرغم من أن الطفرة في التوجيهات الحكومية للمؤسسة الدينية هي طفرة مهمة وغير مسبوقة في التاريخ الحديث للمملكة إلا إن الفحص الدقيق لتلك التوجيهات يبين أنها تركز على جوانب التدين المظهرية بدلاً من التركيز على تغيير الجوانب العقدية الحقيقية، فضلاً عن ذلك فإن كل هذه التغييرات يمكن التراجع عنها، والأهم أن أثر تدخل الدولة في المجال الديني سواء من خلال تأثيرها على ولاءات رجال الدين، أو على وجهة النظر المحلية والعالمية في الشرعية الإسلامية لهذا النظام الملكي، يظل غير مؤكد على المدى الطويل.

أما اليمن، وهي واحدة من أفقر البلدان العربية وموطن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي تسبب فيها البشر على مستوى العالم منذ عقود، فطالما كانت مرتعاً للنفوذ الديني السعودي من خلال التيار الإسلامي السلفي المحافظ. ولكن هذا لم يمنع رجال الدين في اليمن من أن يكون لهم هم أيضاً تأثير كبير على الحركات الدينية خارج اليمن وأن يتحدى تأثيرهم أحياناً مبادئ السلفية السعودية بطرق قد لا تكون ملحوظة دائماً. وفي أعقاب الحرب الأهلية اليمنية التي اندلعت في 2014 والتي فاقمها التدخل العسكري السعودي والإماراتي في 2015، تحولت المؤسسات الإسلامية وخاصة المدارس والمعاهد والمعسكرات التابعة للسلفيين والشيعة الزيديين والصوفية والإخوان المسلمين إلى مواقع عسكرية وسياسية ترتع فيها جماعات المعارضة وممثلو النفوذ الأجنبي. وتتجنب الباحثة اليمنية ميساء شجاع الدين في حديثها عن هذا الصراع الطائفي إعطاء وزنا كبيرا إلى الهوية الطائفية باعتبارها دافعا من دوافع الحرب. ومع ذلك فهي ترى أن التعليم الديني، كما يراه الفاعلون المحليون والأجانب، في هذه الدولة الممزقة يعتبر أداة مهمة من أدوات التعبئة الأيديولوجية والتنشئة والتجنيد، حيث تعيد الحرب الأهلية الطاحنة تشكيل شخصية المدارس والمؤسسات الإسلامية سواء التقليدية منها أو الأكثر معاصرة بطرق يمتد تأثيرها لأجيال قادمة.

بعيداً عن الجزيرة العربية، تعرضت سوريا لدمار كبير بسبب الحرب الأهلية الطويلة والتمزق الإقليمي والسياسي الذي تسببت فيه القوى الخارجية ووكلاؤها على أرض المعركة. ويوضح توماس بييريت وليلى الرفاعي في دراستهما كيف أثر الناتج الكلي لجميع هذه العوامل تأثيراً كبيراً على العلاقة الخلافية بين المؤسسات الدينية والجهات السياسية الفاعلة خاصة في الجيوب البعيدة عن سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد وهناك يحدد الباحثان ثلاثة أنواع من الحوكمة الدينية لكل منها شخصية محلية متميزة تعكس توجهات الفصيل المعارض المهيمن وتعكس أيضاً توجهات الراعي الخارجي وبالأخص الراعي التركي.

بينما يبسط النظام السوري قبضته على ما يزيد عن ثلثي البلاد، يسعى لتأمين وتوطين المؤسسة الإسلامية السنية كجزء من استراتيجياته للحكم. ويُعتبر هذا التوجه استمراراً في التدخل الرأسي في الشؤون الدينية الذي بدأه الأسد عشية انتفاضة 2011. وبالرغم من الازدهار الذي شهدته محاولات الإدارة الذاتية المبدئية إلا أن المؤسسات الإسلامية حتى في مناطق المعارضة لا تزال عرضة للتدخل العنيف من الفاعلين السياسيين المحليين الذين يحتمون بقوتهم العسكرية. ويخلص الباحثان إلى أنه من المرجح أن يصبح الاحتكاك الناتج عن هذا الخلل في التوازن هو العرف السائد في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والمناطق المستقلة عنه في المستقبل المنظور.

على غرار سوريا، تُعد ليبيا دولة عربية أخرى دمرتها الحرب وأدت إلى تمزيق وحدة أراضيها وانهيار مؤسساتها وسمحت للقوى الخارجية بالتدخل في شؤونها منذ الإطاحة بحاكمها الديكتاتور معمر القذافي. أتعرض في بحثي عن ليبيا للكيفية التي تحولت بها الأوقاف الليبية إلى عامل جاذب للمنافسات الشرسة، والعنيفة أحياناً، بين التيارات الإسلامية الليبية، خاصة المسماة بالسلفية المدخلية بفصائلها السياسية وجماعاتها المسلحة ومجالسها البلدية المحلية والقوى الأجنبية التي تدعمها والتي يتزايد نفوذها. وكان الدور الذي تلعبه الأوقاف في الإشراف على العديد من الأصول العقارية وتعيين أئمة المساجد يُمكّنها من التواصل مع الجماهير بشكل جعل الإسلاميين وغير الإسلاميين على حد سواء يعتبرونها مصدرا هاماً من مصادر المكانة والقوة الاقتصادية في الدولة.

بمتابعة المسار المضطرب لهذه المؤسسة في فترة ما بعد 2011، أتعرض للإرث المشحون الذي خلفه حكم القذافي، والذي اعتبر الاستيلاء على حيازات الأوقاف جزءاً من سياسات التنظيم الجماعي للأراضي، وأعود إلى فترة الاستعمار الإيطالي وما وقع خلالها من عمليات استغلال مشابهة، وأخلص إلى أنه بعد مرور ما يزيد على عقد من المنافسات العنيفة والاستقطاب السياسي والتغييرات المتوالية في قيادات الأوقاف فإن نظرة الجماهير لهذه المؤسسة قد تغيرت تغييراً لا رجعة فيه، وأعرض أيضاً ملاحظاتي حول الآلام الليبية المتوطنة والمتمثلة في النخب المتنافسة والفساد والتوترات المركزية المحلية.

ننتقل من ليبيا إلى مصر، حيث يوضح لنا ناثان ج. براون وميشيل دن في ورقة بحثية أخرى أبعاد التدخل المصري في الشأن الليبي وخاصة في المجال الديني وهو تدخل قديم تزايد مؤخراً بسبب مخاوف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من التحديات المحلية والإقليمية التي صاحبت عملية انتقال السلطة إليه من جماعة الإخوان المسلمين. ويشير البحث إلى أن الخوف كان أهم الدوافع للحملة الضخمة التي قادها السيسي لتعزيز سيطرة الدولة على المؤسسات الإسلامية المصرية من أصغر المساجد والزوايا إلى أهم المراكز الدينية العلمية وأكثرها تبجيلاً- الأزهر الشريف. ولكن هذه الحملة التي لقيت استحساناً غربياً باعتبارها عملية إصلاحية تستهدف القضاء على التطرف العنيف، والتي استخدم فيها السيسي كل أدواته الحكومية والقانونية والمالية وحتى القمعية، كانت نتائجها غامضة فيما يتعلق بتجفيف المنابع الحقيقية للعنف نظراً لما تمارسه الدولة من انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان ولتدهور الوضع الاقتصادي وما صاحب ذلك من بطالة وفقر.

بالإضافة إلى ذلك، يفند الباحثان وجهة النظر المتعلقة بسيطرة النظام المطلقة على الشئون الدينية، فبالرغم من أن العديد من المؤسسات الدينية، بمن فيها من رجال الدين، قد أًخضِعَت لتحكم الرئيس، أو تم إغلاقها كلياّ إلا أن البعض الآخر، مثل الأزهر على سبيل المثال، كان ينافح عن استقلاله بعنف وقوة. بالإضافة إلى ذلك فإن المنافسة على السلطة الدينية يشترك فيها أطراف عديدة، ربما أكثر من المعتاد، فبالإضافة إلى الرئيس المصري هناك البرلمان وهناك المتنافسين داخل المؤسسات الدينية نفسها.

تخلص الورقة البحثية إلى أنه على الرغم من أن التدين لا يزال جانباً هاماً من جوانب الحياة العامة المصرية إلا أن الأثر الكلي لتدخلات النظام وتقليص المساحة التي تتحرك فيها المؤسسات الإسلامية كان له أثر سلبي على ثقة المجتمع عامة والشباب خاصة في السلطة الدينية.

وينتقل البحثان الأخيران في هذه المجموعة إلى المغرب العربي حيث يعرضان العلاقة بين دول المغرب العربي والمؤسسات الدينية الصوفية التي طالما اعتبر العالم الغربي أنها تقدم شكلاً سلمياً ومعتدلاً للإسلام وأنها معادل ايديولوجي سلمي للسلفية الجهادية المتشددة خاصة مع ما تتمتع به من ثقل تاريخي في الحياة الاجتماعية والروحية والسياسية للمغرب العربي. وفي تحليلهما لكل من المغرب والجزائر يستكشف كلا من أنور بوخارس و انتصار فقير كيف سارعت الأنظمة في كلا البلدين إلى استغلال هذا التصور واستخدام الصوفية في إرساء سلطة الدولة محلياً وتعزيز سياساتها الخارجية خاصة في الغرب وفي بلدان أخرى في أفريقيا. ولعل هذا الانتفاع بالصوفية ليس جديداً تماماً، إذ طالما مارس الصوفيون نفوذهم في المغرب العربي على مدار التاريخ برغم السلطة الحاكمة بما في ذلك القوى الاستعمارية مثل الإمبراطورية العثمانية وانجلترا وفرنسا وإيطاليا، حيث قدموا أنفسهم كوسطاء وحلفاء، بل وأعداء مسلحين إن اقتضى الأمر.

في ضوء هذه الخلفية التاريخية يرى بوخارس أن النظام الجزائري قد استخدم كل ما أتيح له من أدوات اقتصادية وسياسية وإعلامية لترقية الصوفية في الحياة العامة الجزائرية وصقل إرثها التاريخي بين المواطنين واستخدامها لسد الثغرات في خدمات الرعاية الاجتماعية التي تقدمها الدولة وأيضاً لموازنة السلفية المتشددة. وفي المقابل تُخضِع المؤسسات الصوفية علاقاتها التبادلية -الرعوية مع الدولة لحسابات دقيقة تحمي بها سمعتها. ويرى بوخارس، مستنداً على مواضيع دراسات أخرى، أن حركة التعبئة السياسية الشعبية في الجزائر والتي في طليعتها حركة "حراك" الديموقراطية قد خلقت العديد من الصعوبات والاختيارات للصوفيين الذين طالما عانوا، بحسب الباحث، من تشابكهم مع النخب السياسية غير المحبوبة شعبياً.

أما بالنسبة للمغرب فتشرح فقير كيف أن النظام الملكي الحاكم، الذي طالما استقى شرعيته الدينية والسياسية من انتسابه للسلالة النبوية المحمدية، يسعى بطرق مماثلة لاستخدام الحركة الصوفية كأداة سيطرة وتحكم من خلال إدارتها وشرعنتها والترويج لها. وكيف أن هذا أدى في الواقع لعكس حالة التردي التي تعرضت لها المكانة الاجتماعية للحركة الصوفية في المغرب ويعكس أيضاً رغبة المملكة في أن يراها أصدقاؤها في الغرب مركزاً لنشر الإسلام المعتدل في الداخل وعبر القارة الأفريقية. وبالنسبة للقارة الأفريقية فإن الترويج للصوفية كقوة ناعمة مهمة يمكن أن يساعد النظام على التواصل الاقتصادي والسياسي مع الدول الأفريقية وصولاً للجنوب الساحلي. ولكن كما توضح أبحاث أخرى فإن تكلفة هذا التدخل الحكومي تضاعفها تكاليف شرعية تدفعها المؤسسات الصوفية وفاعليها.

بالنظر لما تقدمه هذه الأوراق البحثية مجتمعة يمكننا بوضوح رؤية صورة مركبة للتفاعلات الديناميكية بين المؤسسات الإسلامية والحكومات العربية وهي تفاعلات، بطبيعتها، ليست دينية فقط، ولكنها أيضا تفاعلات اجتماعية يترتب عليها آثار سياسية واقتصادية بعيدة المدى.

شكر وتقدير

يتقدم المؤلفون بالشكر لمؤسسة هنري لوس التي لولا منحتها السخية لما تمكنوا من إجراء البحوث التي احتاجتها هذه الدراسة. ويشكر المؤلفون السيدة توبي فولكمان مديرة المبادرات السياسية في المؤسسة على دعمها وتشجيعها الدائمين. والشكر موصول لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومنسوبيها الذين دعمو الدراسة بما قدموه من بحوث سياقية هامة ونخص بالشكر جيمس سي.غايثر، والزملاء الباحثين ساندي الخطامي وجاكلين ستومسكي، وكلاً من هيلي كلاسن وصامويل بريز وريان ديفرييس من فريق التواصل بكارنيغي الذين قاموا بتحرير المواد مجمعة بشكل متميز. ونشكر أيضاً كلاً من كيري دوغاندزيك وماديسون أندروز على تقديمها دعما برامجيا حيويا. أيضاً نتقدم بالشكر للباحثين المميزين من خارج مؤسسة كارنيغي والذين كانت لمراجعاتهم واستعراضهم الدقيق لعمل نظرائهم جل الفائدة، والذين تم شكرهم بالاسم في كل ورقة بحثية. وأخيراً وليس آخراً ما كان لهذا البحث أن يظهر بالصورة التي خرج بها لولا المساعدة الجوهرية التي قدمها باحثون محليون وموظفون وناشطون وشخصيات دينية شاركت في المقابلات التي احتاجها العمل سواء في الميدان أو عن بعد. ولم نتمكن من ذكر اسمائهم لأسباب أمنية.

هوامش

1"الإسلام الرسمي في العالم العربي: الصراع على السلطة الدينية"، ناثان ج. براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 11 مايو، 2017.
 https://carnegieendowment.org/2017/05/11/official-islam-in-arab-world-contest-for-religious-authority-pub-69929

2 للمزيد عن هذا اقرأ كتاب "Arguing Islam After the Revival of Arab Politics" لناثان ج. براون،مطبعة جامعة اكسفورد،نيويورك، 2016.

3فريدريك ويري" السلطة الإسلامية والأنظمة العربية في زمن الجائحة"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي،16 أبريل، 2020. https://carnegieendowment.org/2020/04/16/islamic-authority-and-arab-states-in-time-of-pandemic-pub-81563.

4لقراءة المزيد عن هذا الموضوع خاصة فيما يتعلق باليمن أقرأ "معالجة السلفية الجهادية في اليمن: الدور الذي يلعبه الدين والمجتمع في غمار الحرب الأهلية"، أندرو ماكدونل، هنري بربريدج والدكتور يارا زغيب سلوم، المركز الدولي للدين والديموقراطية، أعسطس 2017. https://icrd.org/wp-content/uploads/2017/11/ICRD-Report-Addressing-Jihadi-Salafism-in-Yemen-Final-Copy.pdf.

5لمزيد من النقاش ولاستطلاع أدبيات المبحث انظر "استخدام المنظمات غير الحكومية للبعد الديني في حل النزاعات، مع دراسة حالات في نيجيريا وميانمار"، جوهانز كوينراد دي جونج، أطروحة ماجستير، جامعة ليدن 2018. https://openaccess.leidenuniv.nl/bitstream/handle/1887/64644/Koenraad%20de%20Jong%20-%20Master%20thesis.pdf?sequence=1
يقول المؤلف" وعلاوة على ذلك فإن جعل الدين هو المحور الأساس في أي نزاع يؤدي لخلق مراكز قوى داخل المجموعات بسبب منح القادة الدينيين قوة أكبر من تلك التي اعتادوا الحصول عليها من قبل. كما أنه يخلق ويعزز الانقسامات من خلال التنميط والتركيز على الاختلافات"

6الإيميلات المتبادلة بين المؤلف و خبير تنمية امريكي في 14 أكتوبر، 2019.

7استثناءً لما سبق توجد مجموعة دراسات عن السلطة الدينية في قطر والسعودية وتونس وتركيا والمغرب والأردن قامت بها مؤسسة بيكر التابعة لجامعة رايس بدعم من مؤسسة هنري لوس، وتشمل الدراسات بيانات استطلاعية فريدة. للاطلاع على المشروع يمكن الرجوع إلى "الحراس الجدد للدين: الإسلام والسلطة في الشرق الأوسط"، قادر يلدريم، مارس 2019. https://www.bakerinstitute.org/research/new-guardians-religion-islam-and-authority-middle-east. وفي نفس السياق تعمل مؤسسة بروكينغز بالشراكة مع مركز بركلي للدين والسلام والشؤون الدولية في جامعة جورج تاون على مشروع يتناول الجغرافيا السياسية للقوة الدينية الناعمة ويتفحص الكيفية التي تم بها شحذ الفاعلين والهيئات الإسلامية في سياسات الدول الشرق أوسطية. انظر" الإسلام حرفة الدولة: كيف تستخدم الحكومات الدين في السياسات الخارجية"، بيترماندفيل وشادي حميد، مؤسسة بروكنغز، نوفمبر 2018. https://www.brookings.edu/research/islam-as-statecraft-how-governments-use-religion-in-foreign-policy.

8 "عقد قادم للقرارات العربية"، مروان المعشر ومها يحي في "اليوم التالي، الملاحة في عالم ما بعد الجائحة، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 9 سبتمبر، 2020. https://carnegieendowment.org/2020/09/09/coming-decade-of-arab-decisions-pub-82506.

9 "السلطات الدينية الحكومية في الاقتصادات الريعية وإدارة الاستقلالية الإسلامية" كورتني فرير، ,” British Journal of Middle Eastern Studies 41 (1), 2020, 42–61,  https://doi.org/10.1080/13530194.2020.1714213.

من سيتحدث باسم الإسلام في مصر ، ومن سيستمع؟

مقدمة

تتمتع المؤسسات الحكومية المصرية بحضور قوي في المجال الديني بكافة مجالاته الدعوية والوعظية والقضائية والتشريعية، وكذلك التعليمية من خلال المنح الدراسية التي تقدمها. وعلى الرغم من رسوخ الجذور المجتمعية لهذه المؤسسات إلا أن الاضطراب الهائل الذي شهدته البلاد خلال العقد الماضي متمثلاً في ولوج حركة إسلامية إلى أروقة السلطة وخروجها المبتسر، وما أعقب ذلك من تولية رئيس جديد يحمل رؤيته الخاصة للمجال الديني، وشروعه السريع في إحياء وتعميق النظام الاستبدادي وإطلاق يد الهيئات الأمنية في قمع ومراقبة المنظمات والحركات الدينية، قد ألقى ظلالاً كثيفة على عملها في المجال العام.

ومع ذلك تمكنت الهيئات الدينية المصرية من تجاوز تلك العواصف والخروج منها أقوى مما كانت، فقد أصبحت أكثر استقلالاً وأكثر تماسكاً بعد أن شهدت تراجع وضعف تأثير منافسيها على المجتمع المصري. غير أن هذا لا يعني أنها قد وصلت إلى بر الأمان. فالاستقلال الجديد بالكاد يحيا تحت مطارق النظام الأمني الصارم والرئيس المهيمن، أما التماسك فيوشك أن يتهاوى بسبب التناحر والتنافس بين قياداتها، وهو تناحر يفاقمه أحياناً تدخل النظام الذي يعمل بسياسة فرّق تسد. أما التأثير الاجتماعي فلا يمكن التكهن بمداه في مجتمع تتصارع فيه السلطة الدينية التقليدية مع المؤسسة السياسية التي لا حدود لنفوذها مع كل ما تملكه من أدوات القمع.

ويحظى الدور الذي يلعبه الرئيس عبد الفتاح السيسي في المجال الديني باهتمام دولي ومحلي كبير. فقد حظيت دعوته لما يسميه " تجديد الخطاب الديني"1بالاستحسان الدولي، أما محلياً فهو يقود حملة الراغبين في استئصال شأفة الإسلام السياسي، حيث لم يكتفِ بخلع الرئيس السابق محمد مرسي واعتقال الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بل استولى أيضاً على آلاف المساجد المستقلة ومئات الجمعيات الخيرية المتصلة بالحركات الإسلامية.

وقد لقيت كلمة السيسي التي ألقاها في 2015 أمام جمهور من كبار علماء الدين، ودعا فيها إلى ثورة دينية، ترحيباً كبيراً من القادة الغربيين في وقت كان فيه تنظيم الدولة الإسلامية يتغلغل في أنحاء العراق وسوريا وينشر دعوة العنف في دول أوروبا والولايات المتحدة.

أما على الصعيد المحلي، فيعتبر المراقبون المصريون الجهود الرئاسية في المجال الديني دليلاً على رغبة النظام في الهيمنة على كافة مناحي الحياة، فالرئيس لا يتردد في إلقاء محاضرة على العلماء فيما يعنُّ له من شؤون الدين، مثل الفكر الديني، والتطرف، والطلاق، وغيرها من المسائل العقدية التي قلّما جَرؤ أسلافه على الخوض فيها.

وعلى الرغم من الجهود المستمرة والقوية التي يبذلها السيسي في توجيه التعليم والخطاب الديني، إلا إنه من الصعب حالياً التكهن بما يمكن أن تحققه هذه الجهود من نتائج. ورغم استجابة بعض المؤسسات الدينية ورضوخها لسيطرة النظام إلا أن مؤسسات أخرى على رأسها الأزهر، وهو الجامعة ومركز الدراسات الإسلامية ذو المكانة الدولية المرموقة، لا تزال تدافع، مستميتةً، عن استقلالها، وتقاوم بحزم مهذب تعليمات الرئيس في مسائل بعينها.

وتتكون المؤسسة الإسلامية في مصر من عدة هيئات متداخلة اشتبكت في السنوات الأخيرة في عدد من السجالات التي شغلت المجتمع المصري ما أثار الجدل حول أهمية إصلاحها وتجديدها. ويدور الجدل عن معنى التجديد وأهميته على المستويين الرسمي والشعبي سواءَ في جلسات مجلس الشعب أو على نطاق جماهيري عام.

وقد أدى هذا إلى عملية شد وجذب سياسية للسيطرة على المؤسسة الدينية تلعب فيها المبادرات الرئاسية دوراً ملحوظاً تدعمها أطراف فاعلة. والحقيقة أن ما يحدث لا يستهدف التأثير على حركة الإصلاح في المجتمع المصري فحسب، بل يرقى إلى مستوى الصراع من أجل السيطرة على الهيئات الدينية.

المؤسسات الدينية في مصر

شكلت المؤسسات الدينية، منذ نشوئها، أداةً من أدوات الدولة المصرية. يعود تاريخ نشأة بعض هذه المؤسسات إلى أكثر من ألف عام، أي أنها نشأت قبل فترة طويلة من دمجها رسمياً في الجهاز الحكومي للدولة. فقد تأسس الجامع الأزهر في عام 972 على يد الأسرة الشيعية الحاكمة آنذاك، أما غيره من المؤسسات فيرجع تاريخها إلى العهد العثماني أو القرن التاسع عشر وهي تعتبر أزمنة أقرب بالمقارنة مع الأزهر. وفي مصر حيث تتقاطع السلطة السياسية والدينية باستمرار كان من الصعب، دائماً، تحديد الكيفية المثلى لقيادة تلك المؤسسات وإلى أي مدى يمكن للنظام أو الحاكم السياسي مساءلتها. ويعود الخلاف حول السيطرة على المدارس الإسلامية والمساجد وغيرها من الهيئات الدينية إلى القرن التاسع عشر، حيث بدأ تأسيس الدولة المصرية النظامية الحديثة التي يسعى فيها الحكام للهيمنة على كافة مؤسسات البلاد وتوجيهها. وفي فترة الستينيات اتخذ نظام الرئيس جمال عبد الناصر نهجاً تدخلياً واضحاً، ووصلت السيطرة المباشرة للدولة على الأجهزة الدينية ذروتها، أما في العقود التالية فقد خففت الدولة قبضتها تدريجياً وإن لم تتخلَ كلياً عن أدوات النظام الناصري. ورغم أن الحكام استمروا في التلاعب بالمؤسسات الدينية وضرب بعضها ببعض إلا أنهم حرصوا على أن تتخذ هذه المؤسسات موقفاً موحداً في مواجهة الحركات الدينية الأصولية، خاصة أن تلك الحركات أوجدت لنفسها موضع قدم في المجتمع المصري منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم.

وفي أعقاب الاضطرابات التي صاحبت انتفاضة كانون الثاني/ يناير 2011 نجح الأزهر في تحقيق انتصار نوعي اكتسب من خلاله قدراً لا بأس به من الاستقلال والحكم الذاتي أقره القانون وتمكن من إثبات قيمته لمسؤولي الدولة ذوي العقلية الأمنية الذين طالما تشككوا في جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية، وطالما اتخذوا مواقف مضادة لها2. ولذلك فعندما تولي السيسي رئاسة البلاد وجد خليطاً من المؤسسات الدينية بعضها كان حليفاً له بشكل أو بآخر، أما بعضها الآخر فرفض التنازل مصمماً على أن مصداقية المؤسسات الدينية ترتكز على ترك مسافة آمنة بينها وبين الممارسات السياسية اليومية، وعلى قدرتها على حماية التراث الإسلامي والعلوم الشرعية التي تعتبر كنزاً وطنياً يتجاوز التوجهات التنظيمية لكبار أعضاء السلطات التنفيذية.

الأزهر

يعتبر الأزهر، كما يعرّف نفسه، أكبر المؤسسات الدينية في مصر بما يتمتع به من حضور في المجال التعليمي على المستوى الدولي والمحلي. وتتبع الأزهر جامعة وشبكة واسعة من المدارس الابتدائية والثانوية والعديد من مراكز الأبحاث والدراسات. والأزهر مجمع يحتوي على العديد من المؤسسات المختلفة وتقوده شخصية اعتبارية تحمل رسمياً لقب "الإمام الأكبر" أو "شيخ الازهر" كما يسميه عامة الشعب، وهو الذي يشرف من خلال مكتبه أو مشيخة الأزهر على كافة القطاعات التابعة للمؤسسة.

وبينما يتبع الأزهر رسمياً أجهزة الدولة المصرية، إلا إن إيمانه الراسخ بتفرد هويته ورسالته التي يتباهى بها طلابه وباحثيه وخريجيه ومريديه بأرديتهم المميزة وولائهم العميق، قد مكنه من أن يتحول إلى مؤسسة تلهم قادتها ومعلميها وموظفيها وتلاميذها بقدسية وعالمية الرسالة التي يخدمونها. وتعلن صفحة الأزهر على الفيسبوك أن " الله قد اختار مصر من خلال الأزهر لتكون منارة الإسلام في العالمين العربي والإسلامي بأسرهما"3.

وقد أسهمت هذه الصورة وهذا الدور في منح الأزهر صوتاً قوياً ومؤثراً على الصعيدين الديني والعام لدرجة جعلت النظام يعتبره جائزة سياسية مهمة يجب الفوز بها. وبدأ، خاصة في العهود الحديثة، محاولاته الحثيثة لاكتساب تأييد الأزهر لسياساته وأيديولوجياته وأفكاره.

وبالفعل تمكن النظام على مدار القرن ونصف الماضيين من تنمية أدواته وشحذ مخالبه القانونية والإدارية وفرض السيطرة الكاملة على الأوقاف الدينية (وبالتالي على المدخولات المالية التي تمول الأزهر) لتصل سيطرته إلى ذروتها في 1961 عندما تمت إعادة هيكلة الأزهر، وإلغاء هيئة كبار العلماء، ووضع جامعة الأزهر تحت الرقابة الحكومية المباشرة بعد إجبارها على ضم كليات غير دينية. في خضم كل هذا كانت التصريحات الدينية الصادرة من الأزهر تدعم التوجهات الأيديولوجية للنظام 4.

وشهدت سبعينيات القرن الماضي تخفيفاً تدريجياً لسيطرة الدولة على الأزهر، وإن لم يكن هذا التخفيف نتاج تغيير رسمي في السياسات، بل كان نتيجةً طبيعيةً لانفراج قبضة السيطرة المركزية على العديد من مفاصل الدولة أثناء حكم الرئيسين السادات ومبارك. مع ذلك استمر البعض في صفوف المؤسسات الدينية ومؤيديها، وداخل حركات المعارضة الإسلامية في التنديد بما اعتبروه التسلط المستمر للنظام.

يضم الأزهر بين صفوفه طيفاً واسعاً من المذاهب والمناهج الفقهية، وتحرص المؤسسة الرسمية للأزهر على ترويج مبدأ التقبل والتسامح مع مختلف مدارس التشريع الإسلامي، وقد اغتنم قادة الأزهر فرصة انتفاضة 2011 لمطالبة القيادة العسكرية المؤقتة، التي تولت حكم البلاد، بمنح المؤسسات الدينية استقلالية أكبر بكثير مما تمتعت به عبر عقود من الزمان. وبالفعل تحقق لهم ما طلبوا من خلال قانون صدر على عَجلٍ في كانون الثاني/ يناير 2012 واعتمده المجلس العسكري الحاكم للبلاد قبل أن يعقد البرلمان ذو الأغلبية الإسلامية أولى جلساته، في محاولة واضحة لضمان استقلالية الأزهر عن النظام.

وأعاد القانون الجديد إحياء هيئة كبار العلماء، ووضع على رأسها شيخ الأزهر، الإمام الأكبر، الذي تقع عليه مسؤولية اختيار أعضاء الهيئة الذين سيتعين عليهم بدورهم اختيار خلفاء لهم وانتخاب شيخ الأزهر عند خلو منصبه. وبدأ الإمام الأكبر مهمته بتروٍ ولم يتعجل تشكيل الهيئة، حيث كانت التعيينات عملية توازن دقيقة، ليس فقط لضمان تمثيل كافة التخصصات والمدارس الفقهية، ولكن لأن الشيخ أحمد الطيب كان يتحرك بحذر وكان يميل بشكل عام لتعيين شخصيات تتمتع بالقدر المناسب من الأقدمية والكفاءة العلمية والحصافة. وضم الطيب للهيئة بعض الشخصيات العامة المعروفة مثل يوسف القرضاوي وهو عالم مصري مقيم في الدوحة وعمل في الهيئة لبرهة إبّان تأسيسها، وعلي جمعة مفتي الديار المصرية السابق الذي لا يزال عضواً بالهيئة والذي يعتبر من أعنف منتقدي جماعة الإخوان المسلمين ومن أكبر مؤيدي نظام ما بعد 2013. أما معظم الأعضاء الباقين فلا يتمتعون بالشهرة الجماهيرية ويعرفهم فقط زملاؤهم الأزهريون. ويحرص الطيب على الرجوع للهيئة دورياً كلما احتاج لإصدار البيانات أو اقتراح مشاريع قوانين معتمداً على قوة الحكمة الجماعية للفقهاء المتبحرين بدلاً من اتخاذ القرارات الفردية وإصدارها من مكتبه.

وأصبح وجود الهيئة، وحقيقة استحالة عزل الإمام الأكبر، عاملان حاسمان في قدرة الأزهر على الحفاظ على استقلاليته. ولكن هذا الاستقلال لا يعني أن قادة الأزهر يضعون أنفسهم في خانة المعارضين للنظام، بل على العكس، فهم يتقبلون تماماً شرعية النظام السياسي القائم ويدعمون سلطة القيادة السياسية في إدارة البلاد بما يحقق الصالح العام. وبالتالي فهم يميلون إلى اتخاذ موقف محافظ ليس بالضرورة تجاه السياسة العامة (على الرغم من أن بعضهم يفعل) بل تجاه قبول نظام سياسي يعتقدون أنه قادر على خلق بيئة اجتماعية صالحة وداعمة للممارسات الدينية. ولذلك وبينما يدافع الأزهر عن استقلاله بكل حميّة، فإنه لا يتردد في التعاون مع وزارة الداخلية لوضع آليات تساعد على حل النزاعات المحلية.

والواقع أن الأزهر لا يتهاون بتاتاً مع أي محاولة للتدخل في الكيفية التي يدير بها شؤونه الداخلية، وبالرغم من ارتيابه الشديد في جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن عملية تطهير المؤسسة الأزهرية من أعضاء الجماعة والمتعاطفين معهم لم تكن سريعة كما كانت في باقي الجامعات على سبيل المثال، بسبب ما يتمتع به الأزهر من استقلال، وبسبب إصراره المستمر على اتباع ما يرتئيه من أساليب في التعليم وفي التوجه العقدي.

وإذا كان الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء هما حجر الزاوية في استقلال المؤسسة، فإن جامعة الأزهر وشبكة المدارس والمعاهد الأزهرية هي سر الحضور الكبير الذي تتمتع به المؤسسة في المجتمع المصري، ليس فقط على المستوى الرسمي من حيث عدد المدارس والمعاهد الأزهرية على أرض الواقع، ولكن أيضاً بشكل غير رسمي، حيث إن معظم المسؤولين الدينيين والموظفين بما فيهم الوعاظ الذين يعملون في المساجد الخاضعة لإشراف الدولة هم من خريجي الأزهر مما يمنح المؤسسة دائرة انتخابية لا يباريها فيها إلا قلة قليلة من الأجهزة الدينية.

دار الإفتاء

يرجع تاريخ دار الإفتاء، وهي مؤسسة حكومية يرأسها مفتي الديار المصرية وتسمي أحياناً بمكتب المفتي، إلى عام 1895 5. وعلى الرغم من أن منصب المفتي كان موجودا قبل هذا التاريخ بتوصيفه الرسمي إلا أن هذه الفترة شهدت تحول مجموعة من المناصب الدينية إلى بيروقراطيات حكومية خاضعة للوائح رسمية وهياكل إدارية وقواعد قانونية6.

وتتبع دار الإفتاء وزارة العدل تبعية سياسية هيكلية فقط، وتصر الدار على تقديم نفسها بوصفها هيئة حكومية قائمة بذاتها، ومن هذا المنطلق نجد أن الدار قد تطورت بتطور الدولة المصرية الحديثة، حيث قدمت خدماتها للمسؤولين الحكوميين، وعموم الناس من طالبي المشورة في كل ما يتعلق بالشؤون الدينية، وأسهمت بوضوح في بسط السيادة المصرية فيما يتعلق بأمور التشريع الديني وعلاقته بالدولة.

وخلافاً للدور الريادي الذي لعبه الأزهر بهيئاته المتعددة والمنتشرة، فإن دور دار الإفتاء وحضورها منذ تأسيسها قد تباين بتباين الظروف السياسية المحيطة بها وبمدى قوة شخصية المفتي. وإن كانت سبعينيات القرن الماضي قد شهدت بزوغاً ملحوظاً لدورها يمكن إرجاعه إلى سببين رئيسين، الأول أن المؤسسة تقدم رؤية علمية وموثوقة للقانون الإسلامي لا تتعارض مع سلطة الدولة الحديثة، بل تدعمها وتنتقد الأصوات الراديكالية المعارضة. وعلى سبيل المثال في 2017 أيد المفتي قراراً بحظر تداول عملة البيتكوين الرقمية لأنها تقوض قدرة الدولة المصرية على تنظيم العملة، وتتيح للمتاجرين بها التهرب من قبضة المؤسسة الأمنية، وأيضا قد يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية7.

لكن دار الإفتاء لم تكن متفردة في هذا المقام، وهذا يقودنا إلى السبب الثاني الذي أدى لسطوع نجمها، ألا وهو منافستها العلنية مع الأزهر. فلا يخفى على أحد أن الأنظمة لطالما وضعت الهيئات القوية في مواجهات ضارية أمام بعضها البعض لتحقق مآربها السياسية الآنية، وقد شهدت نهايات القرن العشرين تنافساً شبه علني بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية، وهو تنافس كان فيه المفتي (في أغلب الأحوال) أقل شأناً من شيخ الأزهر، ولكن أكثر تقارباً وتماشياً مع موقف النظام الحاكم.

ورغم أن التنافس بين مؤسسات الدولة قد استمر على مدى العقد الماضي، إلا أن دور الدار بوصفها منافساً حقيقياً للأزهر قد تضاءل بشدة في الفترة الماضية. فدار الإفتاء رغم كونها مصدراً للفتوى والأحكام الدينية إلا إنها ببساطة تظل أصغر حجماً وأقل شهرةً من الأزهر بمؤسساته المتعددة وحضوره الشعبي الكبير. والأهم من ذلك أن قانون 2012 الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، سمح لهيئة كبار العلماء بتسمية مفتي الجمهورية مع احتفاظ رئيس الجمهورية بحق إصدار قرار التعيين بناءً على ترشيح شيخ الأزهر8. وبهذا القانون انطوت دار الإفتاء ومفتي الديار معاً في عباءة الأزهر بشكل رسمي، وتأكدت مكانة المفتي الثانوية مقارنة بشيخ الأزهر، حيث يتقاعد الأول عند بلوغه سن الستين، أما الإمام الأكبر فيتمتع بمنصبه طوال حياته.

تولى المفتي الحالي الشيخ شوقي علام منصبه في 2013 بعد انتهاء ولاية سلفه الشيخ علي جمعة، الذي حَظي أثناء رئاسته للدار بقاعدة احترام شعبية كبيرة باحثاً وفقيها، وإن كان ميله للدخول في نزاعات شخصية علنية مع زملائه من الفقهاء قد أثر سلباً على سمعته. ولا يتمتع المفتي الجديد بذات المنزلة، فهو شخصية متواضعة وتصالحية مقربة من قيادات الأزهر9، وجاء تعيينه ليزيد من تراجع مكانة دار الإفتاء باعتبارها صوتا مستقلا ومنفرداً يؤهلها لتكون داعماً أكبر لسياسات النظام. وكانت سمعة عَلاّم قد أثارت بعض الشائعات بأن النظام يجهزه ليحل محل الإمام أحمد الطيب في رئاسة مشيخة الأزهر خاصة بعد أن توترت العلاقات بين الطيب والنظام.

وزارة الأوقاف

ربما تكون وزارة الأوقاف هي أكبر بيروقراطية في الدولة المصرية، حيث يعمل بها أكثر من 300.000 موظف ومع ذلك فإن وضعها بوصفها وزارة تعمل مباشرة داخل السلطة التنفيذية، وفي الواقع داخل مجلس الوزراء، يلغي تماماً قدرتها على العمل بوصفها صوتاً دينياً مستقلاً خاصة أن الذي يترأسها حاليا (وزير الأوقاف محمد مختار جمعة) يرتبط بالنظام ارتباطاً وثيقاً10. وبالرغم من افتقار المؤسسة إلى الهيبة والمكانة التي تتمتع بها غيرها من المؤسسات الدينية الأكثر استقلالاً إلا أن حضورها الإداري الكبير يمنحها مجالاً هائلاً وسلطة قانونية ممتدة.

وقد نشأت وزارة الأوقاف بسبب تنامي الرقابة الإدارية على أوقاف الدولة المصرية الحديثة في القرنين التاسع عشر والعشرين. وحيث كان ريع هذه الأوقاف يستخدم للإنفاق على المساجد والمؤسسات الخيرية والدينية فقد لعبت الوزارة دوراً رقابياً فعالاً أثناء إنشاء دور العبادة وغيرها من المباني الإسلامية. وبحلول خمسينيات القرن العشرين تحول دورها من مجرد الرقابة العامة إلى السيطرة المباشرة على هذه الكيانات11.

وترتب على ذلك أن تَحَوّل كل مسجد معترف به في البلاد إلى مرفق حكومي، وتَحوّل كل واعظ رسمي إلى موظف حكومي، وتَحوّل جل الأنشطة الخيرية في الدولة، كتوزيع الزكاة، إلى فعاليات حكومية من الناحية النظرية على الأقل. أما من الناحية العملية فرغم وجود هذه الرقابة إلا إن كفاءتها تتباين لعدة أسباب: أولها، أن موارد الوزارة لا تكفي لمراقبة كل مسجد في مصر، خاصة أن الصحوة الدينية في المجتمع المصري، والتي بدأت في سبعينيات القرن العشرين، أدت إلى ظهور عدد هائل من الزوايا التي يمولها الأهالي (الزاوية في مصر تشير إلى مصلى محلي) والتجمعات العفوية في الهواء الطلق12. أما ثانياً، فحتى المساجد التي تديرها الدولة، يعمل بها دعاة ووعاظ تلقوا تعليمهم وتدريبهم في الأزهر، وبالتالي فهم يحملون ولاءً عظيماً لتلك المؤسسة ويتطلعون إليها في كل ما يخص شؤونهم وقضاياهم الدينية. أما السبب الثالث، فهو استحالة فصل الدعاة والمساجد عن مجتمعاتهم المحلية التي يرتبطون بها ارتباطاً وثيقاً، لا يمكن مقارنته بولائهم المكتسب لبيروقراطية الدولة التي يخدمونها ويكسبون معاشهم منها، وكلما زاد تعاونهم مع اللجان المحلية الداعمة لعملهم كلما تنامى دورهم في الرعاية والوعظ وازداد رسوخاً.

ومنذ 2013 استخدمت الوزارة أدواتها في محاولة لفرض خط مؤيد للنظام، وسعت لاستئصال جيوب المعارضة، وخاصة تلك الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، من المرافق الخاضعة لسيطرتها في عملية تطهير طويلة الأجل بدأت في أعقاب أحداث 2013 ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً13. كما عززت الوزارة رقابتها على عمليات توزيع الزكاة، وهي تبرعات خيرية سنوية يلتزم بتأديتها المسلمين وتوزعها المساجد واللجان المحلية وأحياناً تساهم في دعم عمل دور العبادة في الأحياء. وأغلقت الوزارة المساجد في غير أوقات الصلاة، وهو جزء من خطتها المتنامية لتنظيم الفضاء العام، ولكن أيضا بسبب الخوف التاريخي من استخدام المساجد كملتقى للإسلاميين وكمركز تجنيد للجماعات المعارضة للنظام. ولا يخفى على العامة أن المساجد تخضع ليس فقط لرقابة الدولة، ولكن لرقابة الجهاز الأمني كذلك.

وفي عام 2016 سعت الوزارة لتوحيد خطبة صلاة الجمعة عن طريق فرض خطبة مكتوبة يلقيها الدعاة على المنابر في يوم الجمعة في كافة مساجد الدولة14. وأثارت المبادرة عاصفة من الانتقادات شاركت فيها مؤسسة الأزهر التي أعلنت أنها المسؤولة الوحيدة عن الجامع الأزهر، وأن خريجي جامعة الأزهر مؤهلون تماماً لإعداد وكتابة الخطب وليس فقط لقراءتها. وانتهى النزاع بموافقة الوزارة على تحديد موضوع الخطبة وطولها ونقاطها الرئيسة، ولكنها لم تصر على أن يقرأ الوعاظ نص الخطبة حرفياً.

وفي 2019 اقترحت الوزارة أن يقدم الوعاظ تسجيلات صوتية ومرئية لخطب الجمعة، ولكنها تراجعت عن اقتراحها بسبب احتجاجات الأئمة الذين لم يثنيهم تذكير الوزارة لهم بأن لديها أدوات أخرى للرصد15.

وما أن بدأت جائحة كوفيد-19، حتى سارعت الوزارة إلى التذرع بها لتجديد محاولات السيطرة على زوايا الصلاة الصغيرة والتجمعات التي تتم على أسطح المباني أو في الشوارع16 على الرغم من أنها تهاونت في البداية، ولم تحذُ حذو الأزهر الذي أوقف صلاة الجمعة للمساهمة في الحد من انتشار المرض.

وتعمل لجنة من الخبراء على إعداد الخطب الوعظية للوزارة. وتضم هذه اللجنة أعضاءً من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهو هيئة ارشادية تعمل داخل الوزارة نفسها وتتناول في عموم عملها شؤوناً غير جدلية فيما عدا شأنين استثنائيين. أولهما التذكير المستمر بأهمية طاعة ولي الأمر وهو الحاكم، أو القائد أو، في السياق السياسي، هو رئيس النظام السياسي الحاكم. وثانيهما ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرف، وهي مصطلحات تستخدمها الوزارة لوصف كلٍ من تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين17.

وغالباً ما تؤدي هذه الإجراءات إلى توتر العلاقات بين الوزارة والأزهر، وهو المؤسسة التي تنافح عن استقلالها وسلطتها الأخلاقية والدينية، وتصر على أنها المرجع الأعلى في المسائل العقدية. وفي بعض الأحيان تبدو العلاقة بين وزير الأوقاف وشيخ الأزهر علاقة تنافسية على المستوى الشخصي، تتشابه مع ما كان يدور من اشتباكات بين مفتي الديار والإمام الأكبر في عقود سابقة. وبالطبع أدى هذا إلى سيل من التصريحات الدبلوماسية التي تؤكد على أن الرجلين تجمعهما علاقات طيبة وأن مؤسستيهما تعملان بتناغم الحلفاء18.

مؤسسات أخرى ذات سلطة دينية

وعلى الرغم من أن وزارة الأوقاف والأزهر هما الذراعان الأكثر طولاً للجهاز الديني في الدولة المصرية، ولكنهما، قطعا، ليستا الوحيدتين. فوزارة الداخلية تصدر بطاقات شخصية تحتوي على خانة تحدد ديانة حامليها وهذا بدوره يحدد أي قوانين الأسرة ينطبق على حامل البطاقة، أما القضايا المعقدة فتلجأ للتقاضي أمام المحاكم الإدارية19. وتحدد وسائل الإعلام المملوكة للدولة (وكذلك المنافذ الإعلامية التي تسيطر عليها هيئات الدولة حتى ولو كانت خاصة اسمياً) الوعاظ والعلماء المسموح لهم بالظهور الإعلامي. أما وزارة التعليم فتلعب دوراً دينياً مبطناً وإن كان لا يقل أهمية، فالتعليم الديني إلزامي في المدارس الحكومية وتحدد الوزارة المناهج وأساليب التعليم المتبعة وتختار المعلمين بمساعدة من الأزهر. (التعليم الديني الحكومي كان مثار جدل لسنوات عديدة ولم تشهد مناهجه تغييرات تذكر على الرغم من التقلبات السياسية التي شهدها العقد الماضي). وتطبق محاكم الأسرة القانون الإسلامي، بتشريعاته الحرفية، كلما تسنى ذلك ووفقاً للتفسير المصري الشرعي للفقه الإسلامي، عندما تكون التشريعات غامضة أو مسكوتٍ عنها. وأحياناً يُدلي البرلمان المصري بدلوه في المسائل الدينية ولاسيما ما يتعلق منها بالتشريع (خاصة قوانين الأسرة)، وتحديد المرجعية الدينية في البلاد (مدى اعتبار الأزهر تلك المرجعية) وغيرها من الشؤون السياسية التي تتلامس مع المجال الديني.

والحقيقة أن هذا التعدد في الجهات الدينية الفاعلة لا يؤدي فقط إلى إحماء وطيس الجدل الديني في المجتمع المصري، ولكنه يؤدي أيضاً إلى تنافر مؤسسات الدولة. ومع تضييق المجال السياسي وتحجيم النقاش العام، تصبح أجهزة الدولة المتنافرة تلك هي المهيمن على السجال الديني في البلاد، وتصبح قرارات رئيس الجمهورية، متى أصدرها، هي الحكم الفصل في هذه السجالات خاصة في ظل الحضور الملموس والقوي للأجهزة الأمنية. ولكن هذا لا ينفي أن النقاش لازال مستمراً حول ما يستجد من إشكالات دينية سواء كان نقاشاً ضمنياً مع الرئيس نفسه أو علنياً مع قادة الفكر الديني. وتدور معظم السجالات الدينية في الإعلام ولكن يظل مجلس الشعب أو البرلمان المصري هو الساحة المفضلة لفض تلك النزاعات.

مبادرات الإصلاح السياسي في البرلمان منذ 2013

بينما تَتّخذ الدولة المصرية معظم قراراتها المصيرية في دهاليز النظام الضيقة، إلا إنها لا تمانع مناقشة أهم القضايا الدينية على الملأ في جلسات برلمانية نشطة. وبرغم هزالة السجل التشريعي للبرلمان المصري، إلا أنه تحول إلى منتدى أساسي لإشهار المناقشات الدينية الجدلية. ويعود هذا لسببين هامين، الأول هو أن الدور الجماهيري القوي الذي لعبته الحركات الإسلامية المعارضة خلال العقود الماضية – وكذلك ما حدث مؤخراً من الصعود والسقوط السريعين لحكم الإخوان المسلمين- قد وضع العديد من القضايا الإسلامية في صدارة جدول أعمال البرلمان. أما الثاني فيتعلق بأعضاء البرلمان، فعلى الرغم من خلو البرلمان من أصوات معارضة حقيقية إلا أنه يضم بعض الأعضاء الذين يأملون في وضع بصمتهم على المجال الديني.

وقد أشار بعض أعضاء البرلمان الذي انعقد منذ 2015 إلى 2020 إلى أن المؤسسة الدينية في مصر لا تستجيب لاحتياجات الواقع المعاصر، بل تتعصب لأفكار ومناهج عفا عليها الزمان. وقد وجد هذا الرأي صداه عند بعض الشخصيات التي تنحدر من المؤسسات الدينية ذاتها – مثل الرئيس السابق لجامعة الأزهر الذي تمت تنحيته في خضم خلافات وخصومات داخلية- والتي أخذت زمام المبادرة في اقتراح التغيير.

طُرح نوعان من المبادرات التشريعية منذ 2013 لتقنين دور الدين في السياسة والحياة العامة المصرية. يعالج النوع الأول مسألة الهيكلية الدينية أما الثاني فيتناول قضايا عملية تطبيقية، ولكن الحقيقة أن جميع هذه المبادرات كانت تسعى في جوهرها لتحديد صاحب السلطة العليا.

اتخذت المجموعة الأولى من المبادرات وهي المتعلقة بالهيكلة الدينية شكل الشائعات أو فقاعات التجارب، وكانت تهدف بوضوح للتقليل من استقلالية المؤسسات الدينية خاصة الأزهر. ولعل أكثرها طموحاً كان تلك المبادرة التي أثارت الكثير من اللغط في 2017 وكان من الممكن أن تتسبب في تحجيم الكثير من الاستقلال المؤسسي الذي حققته قيادات الأزهر في 2012 لولا أن تمكن قادة الأزهر من حشد قواهم لمناهضتها في مجابهات علنية20. والواقع أن أياً من هذه المبادرات لم يحقق نجاحاً يذكر، حيث إن التغييرات التي تقترحها هذه المجموعة لا يمكن أن تلقى أي صدى يذكر بدون دعم قيادات البلاد بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه. ويظل السؤال حول دوافع هذه المبادرات مطروحاَ، هل هي الميول الأيديولوجية لصاحب المبادرة، أم هي عملية جس نبض لصالح أحد القادة، أم هي رمية بغير رام، لا غرض منها سوى إزعاج مؤسسة الرئاسة. ومع ذلك فمن المرجح أنها ليست مشاريع خاصة ولا محاولات صاخبة لجذب انتباه الجماهير نظراً لضيق المجال السياسي المصري ولحرص قيادات البرلمان على إحكام سيطرتهم عليه.

على سبيل المثال، في ربيع عام 2020 اقترح عدد كبير من أعضاء البرلمان، بمن فيهم رئيس اللجنة البرلمانية المشرفة على الشئون الدينية، سلسلة من التعديلات على قانون 2012. واستهدفت هذه التعديلات منح الرئيس دوراً أكبر في تعيين المفتي، والسماح بضم خبراء من مختلف المجالات، وليس فقط كبار علماء الأزهر، إلى هيئة كبار العلماء، ووضع شكل من الرقابة على الإمام الأكبر21. ومرة أخرى حشد الأزهر حملة معارضة ترأسها الإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء، وكادت الحملة أن تفشل لولا أن مشروع التعديلات عُرِض على مجلس الدولة (وهو هيئة تشريعية معنية بمراجعة مسودة القوانين المقترحة) الذي تحفظ على القانون وأعلن عدم دستوريته، ما أدى بالبرلمان إلى سحب التعديلات وحفظها.

لكن هذه العثرة لم تمنع أعضاء مجلس الشعب من الخوض في شأن ديني آخر ألا وهو حق إصدار الفتوى. فالمجلس، متذرعاً، برغبته في محاربة ظاهرة الفتاوى المتطرفة والمضللة والتي تكون أحياناً غير منطقية22، وهي رغبة قد تكون بالفعل صادقة، حاول أن يخوض معركة تشريعية يشتبك فيها مع دار الإفتاء ووزارة الأوقاف وهيئة كبار علماء الأزهر ومجمع الأزهر للبحوث الإسلامية وأعضاء هيئة التدريس بالأزهر، وجميعها مؤسسات حكومية تشعر بأنها مخولة لإصدار الفتاوى ولا تترد في ذلك.

أما المجموعة الثانية من المبادرات التشريعية فتناولت بعض الإشكالات العملية وخاصة في مجال قانون الأسرة. وبناءً على التقنين العصري للفقه الإسلامي فإن أي نقاش حول قانون الأسرة بما في ذلك أحكام الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث يعتبر بطبيعته نقاشاً دينياً.

لقد ثار كثير من اللغط حول مبادرتين متناقضتين متعلقتين بقانون الأحوال الشخصية، تقدم الأزهر بإحداها عبر هيئة كبار العلماء وتقدم بالأخرى عدد من أعضاء مجلس الشعب23. حيث اعترض البرلمانيون بأن قانون الأزهر المقترح يتحفظ بشكل مفرط في بعض الأمور الخلافية مثل توزيع الحقوق والواجبات بين الزوجين، وأن الأزهر بذلك يتجاوز اختصاصاته. أما الأزهر فأعلن أنه ليس جهة تشريع ولا علاقة له بالتشريعات، لكن حينما يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية فلا يترك الأمر لغير العلماء، وحيث أن الأزهر هو المرجعية الدينية العليا بحسب نص الدستور فإن ترك هذه الأمور لغيره لا يمكن وصفه إلا بالعبث. أما نواب البرلمان فلم يترددوا في إعلان اعتراضاتهم على تدخل الأزهر معلنين أن الأزهر ما هو إلا جهة استطلاع رأي في المسائل الدينية، أما المسائل المدنية فيجب أن يَبُتَّ فيها البرلمان وإلا فَقَد مكانته الدستورية كجهة تشريعية.

من الواضح أن البرلمان المنتخب في 2020 يعتزم التدخل في القضايا الدينية أكثر بكثير من سابقه. فقد سارع مجلس الوزراء مثلاً بإدراج التعديلات المقترحة على قانون الأسرة على جدول أعماله مباشرة بمجرد عرضها على مجلس الدولة24، أما الرئيس عبد الفتاح السيسي فلم يتردد في استخدام حقه الدستوري في تعيين بعض نواب مجلس الشعب ليتمكن من وضع الشيخ علي جمعة (مفتي الجمهورية السابق والعالم الأزهري ذو المكانة الدينية الكبيرة الذي ثار حوله كثير من اللغط بسبب هجومه الحاد على جماعة الإخوان المسلمين ومن يواليهم) داخل الهيئة الموقرة. وتولى علي جمعة فور تعيينه رئاسة لجنة الشئون الدينية في البرلمان، وهو منصب يمنحه سلطة كبيرة في التأثير على جدول أعمال البرلمان. ونظراً لمكانته ومنصبه السابق كمفتي وعضويته في هيئة كبار العلماء وتأييده الحاد والعنيف للإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في 2013 (على عكس شيخ الأزهر الذي كان أكثر هدوءً)، فمن المرجح أن تدور كثير من المعارك بين البرلمان وقيادات الأزهر الحالية (ربما لأسباب شخصية وسياسية أكثر منها دينية)25.

يبقى في النهاية السؤال الأهم، من يكون له القول الفصل في المسائل الخلافية الدينية؟ وكيف ينبغي أن تتعامل السلطات الدستورية والأخلاقية مع بعضها البعض؟ وإلى أي مدى يحق للقيادة السياسية توجيه الهيئات الدينية أو قيادتها أو حتى ملاينتها بحيث تنعكس تفضيلات القيادة السياسية على التوجه الديني الذي ترعاه الدولة؟

وعلى الجانب الآخر تتساءل المؤسسات الدينية، بدورها، عن حقها في الاستقلال بقراراتها فيما تعتبره يقع داخل نطاق خبراتها أو سلطتها. وهو سؤال مشروع في ظل ما تتعرض له مثلاً مناهج الأزهر من مناقشات علنية متكررة.

التغييرات في الخطاب الإسلامي

ليس كل نقد للخطاب الديني السائد هو نقد بيروقراطي. والحقيقة أن الكثير من المسائل العقدية والفقهية العامة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بكيفية تطبيق التعاليم الدينية على مناحي الحياة المعاصرة، قد نوقش علناً في أكثر من مناسبة، ليس فقط في جلسات مجلس النواب. وربما تكون السابقة التي لم تشهدها الحياة الدينية المصرية من قبل هي تدخل رئيس الدولة شخصياً وبقوة في المسائل العقدية.

في أوائل كانون الثاني/يناير 2015 وبعد حوالي ثمانية أشهر من توليه السلطة رمى السيسي أول سهامه نحو المؤسسة الدينية الإسلامية في كلمته التي ألقاها أمام جمع غفير من القادة الدينين في احتفال بمناسبة المولد النبوي. فقد خرج السيسي عن نص خطابه الرسمي متسائلاً كيف أصبح الفكر الخاطئ بين المسلمين سبباً في إرهاب العالم26، وقال: "نحن بحاجة إلى ثورة دينية"، وأضاف مخاطباً شيخ الأزهر" أنت والدعاة مسؤولون أمام الله"27. ثم مضى متسائلاً عما إذا كان ما يتلقاه طلبة المعاهد الدينية هو الدين الصحيح، ليعود مستأنفاً كلمته المكتوبة ويقول إن الدولة تتعهد بتقديم كل الدعم للمؤسسات الدينية، وهي الجملة التي التقط عندها الحضور أنفاسهم المرتبكة ليصفقوا تأييداً.

حظي خطاب السيسي في المولد النبوي، والذي أعقبه بعد بضعة أيام بحضور قداس عيد الميلاد القبطي، بتغطية وإشادة دولية كبيرة28. وذهب معلقون غربيون بارزون إلى حد القول إن السيسي يستحق جائزة نوبل للسلام وفكر بعضهم أنه قد يكون مارتن لوثر العالم الإسلامي29.

وعلى مدار الشهور والأعوام التالية استمر السيسي في مطالبة المؤسسات الدينية، وفي مقدمتها الأزهر، بأن تولي أهمية قصوى لمسألة الإصلاح الديني30، مشدداًمراراً وتكراراً أن ما يبذل من جهود غير كافٍ، وأن الخطاب والفكر الديني يحتاج للتجديد والتنوير، وأن الحاجة تزيد إلى بذل جهود جديدة لمواجهة الأفكار التي تبرر التطرف. والحقيقة أن السيسي منذ 2015 وجد في احتفالات المولد النبوي فرصة سنوية لتوبيخ الأئمة وعلماء الدين، واستئناف مبارزاته الكلامية المهذبة ظاهرياً مع فضيلة الإمام الأكبر31.

وبالرغم من أن جملة "إصلاح الخطاب الديني" هي العبارة التي فرضها السيسي على الحوار السياسي المصري، إلا أن هيئات أخرى تبنتها بحماس شديد. وبينما ترتبط هذه العبارة بدعوة الرئيس للإصلاح إلا أن قادة الأزهر أنفسهم لطالما وصفوا أنفسهم بالمصلحين، ولكنهم مصلحون ترتكز دعواهم على أسس من العلم والتجديد لا تتعارض مع واجبهم في حماية التراث الإسلامي الذي صاغته المؤسسة الدينية عبر العصور من خلال فهمها لمصادر الدين. وبشكل ما تحولت دعوة الإصلاح إلى مشروع اليوم لجميع المؤسسات الدينية، وإن كانت كل مؤسسة تحمل فهمها الخاص لمعنى الإصلاح ولمن تقع عليه مسؤولية القيام به.

وقد تناول الأزهر موضوع الإصلاح الديني لما يزيد عن قرن من الزمان، ولكن ما يعنيه الإصلاح للأزهر هو إحياء التراث الدراسي والبحثي الذي يمكن من خلاله تطبيق الإرث الديني على الواقع المعاصر. وهي مهمة لا يصح أن يضطلع بها إلا العلماء، أما أولئك الراغبون في تنحية التراث الديني القديم أو النصوص الفقهية التاريخية، جُلّها أو بعضها، (مثل بعض أجزاء السنة القولية أو الفعلية للرسول محمد والتي تستخدم كمصدر من مصادر التشريع) فهم لا يُصلحون الخطاب الديني، بل يدمرونه.

ولكن إصرار الأزهر على تعريف مصطلح الإصلاح الديني وإدارة دفة التغيير لا يلقى قبولاً عند الجميع، خاصة أن المواجهات العلنية بين قيادات الأزهر ورئيس الجمهورية قد أفسحت المجال للراغبين في تحدي سلطة الأزهر. وبالرغم من أن الدولة تحرص على احتواء أي نقاش حول المشاكل الاجتماعية والسياسية بمنتهى الحزم، إلا أنها لا تمانع في السماح للجدل الديني ان يشتد ويقوى. ولا يتردد أعضاء البرلمان في الإدلاء بدلوهم، أما النخبة المثقفة فلا تحاول حتى أن تتمثل بالرئيس في توبيخه الضمني المقنع للأزهر، بل توجه هجماتها المباشرة له غير عابئة بالنتائج. وقد سارع وزير الأوقاف إلى التذرع بدعوة الرئيس لعقد سلسلة من المؤتمرات والمبادرات الهادفة "لتجديد الخطاب الديني"32. وفي يناير 2020 أثارت مناقشة علنية بين رئيس جامعة القاهرة وإمام الأزهر موجة اتهامات ومواجهات امتدت على صفحات الجرائد لأسابيع بعد انتهاء المؤتمر، ما أدى لمزيد من الاستقطاب المجتمعي حيث شعر مؤيدو الأزهر أن مؤسستهم المبجلة تتعرض لهجوم ممنهج، أما منتقدوه فاعتبروا موقف المؤسسة محاولة ثيوقراطية (من علماء الدين) تستهدف الاستحواذ على السلطة33.

وبالرغم من أن تدخل السيسي في الجدل حول التجديد كان يحدث على فترات ولا يخوض في كثير من التفاصيل إلا أنه كان متسقاً ومستمراً وواضحاً. فهو لا ينادي بالعلمانية أو حرية الفرد في اختيار المعتقدات غير المؤطرة، فمثلاً، لاتزال الجماعات الدينية غير التقليدية مثل جماعة القرآنيين، الذين يرفضون السنة النبوية بالكلية ويتخذون القرآن وحده مصدراً للدين، تتعرض للملاحقة الأمنية بتهمة تهديد أمن الدولة33، على العكس من ذلك يطالب السيسي شيوخ الدين بالتخلي عن عنادهم وجمودهم أمام النص الديني، ووضع أنفسهم في خدمة أولويات الدولة. وقد وبخ السيسي الإمام الطيب علناً في فعالية حضرها الإمام الأكبر ودافع فيها عن التراث الإسلامي عندما اتهمه بأنه لا يستوعب أن "المعضلة الحالية في جميع أنحاء العالم ليست في عدم اتباع السنة، بل في الفهم الخاطئ لصحيح الدين" وأردف السيسي متسائلاً "أي الجماعتين أكثر خطأً: هل أولئك الذين يدعون للتخلي عن السنة أم الذي يسيئون تفسير الدين؟34"

وربما يكون الخلاف بين الشخصيات السياسية والدينية حول قضايا السياسة العامة واستقلالية المجال الديني وغيرها من مسائل التعيينات والرقابة أمراً اعتيادياً مألوفاً، ولكن التوتر الجاري حالياً بين شيخ الأزهر ورئيس الجمهورية يعتبر غير مسبوق. فقد وضع الرئيس السابق جمال عبد الناصر الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية تحت سيطرة الدولة وطالبها بتأييد جميع مبادراته السياسية (بما في ذلك دعم المبادرات الاشتراكية التي تتماشي مع المعايير الإسلامية للعدالة الاجتماعية). ولكنه لم يطالب بأي سلطة دينية شخصية. أما السادات فقد أطلق على نفسه لقب الرئيس المؤمن، وخلق لنفسه شخصية عامة ساعدته على لي عنق الأيدلوجية الرسمية في اتجاه الدين، وسعى مثل سلفه إلى الحصول على دعم المؤسسات الدينية في أمور بعينها مثل مفاوضات معاهدة السلام مع إسرائيل. ولكن السيسي وحده هو الذي خاض في إشكاليات الخطاب والفكر الإسلامي ولم يتردد في محاضرة علماء الدين في كيفية الاضطلاع بمسئولياتهم، بل وعاتبهم باسم الدولة المصرية والشعب المصري أمام الله. وهذ ما أدى بالصراع الديني- رغم كل المحاولات لاحتوائه وأحياناً لإسكاته- إلى أن اتخذ طابعاً سياسياً وأحياناً شخصياً بالنسبة للرئيس.

ديناميكية العلاقة بين السيسي والإمام الأكبر

من بين الجوانب الأكثر حدة في محاولات السيسي للسيطرة على المجال الديني، هي خلافه العلني المستمر مع شيخ الأزهر. تولى الطيب منصبه الذي عينه فيه الرئيس السابق حسني مبارك في 2010 وتمكن من رعاية مؤسسة الأزهر العريقة، والعبور بها إلى بر الأمان رغم الصراعات السياسية والدينية المريرة التي تعاقبت على البلاد. وحرص على الحفاظ على علاقة لا بأس بها مع المجلس العسكري الانتقالي، وإن توترت هذه العلاقة أثناء حكم الإخوان، إلا أنها عادت لمسارها الإيجابي عندما وقف الطيب كتفاً بكتف مع البابا تواضرس، بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بالإسكندرية ليؤيدا إعلان السيسي الاستيلاء على السلطة بعد الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013.

وبالرغم من أنه لا يمكن وصف الطيب بالشخصية الثورية، ولا يمكن بالتأكيد اتهامه بالتعاطف مع الإخوان، إلا أن علاقته بالسيسي اتسمت بالتوتر منذ بدايتها. وقد أدلى الطيب بعدة تصريحات في الفترة التي تلت انقلاب تموز/ يوليو داعياً إلى مصالحة وطنية شاملة ومعترضاً على وحشية الطريقة التي استخدمها السيسي لسحق الإخوان المسلمين خلال عمليات القتل الجماعي التي ارتكبها في تموز/يوليو وآب/أغسطس. وبلغ اعتراضه حد اعتزال المشهد العام مؤقتاً والاعتكاف في مدينة أسوان في جنوب البلاد35. وبحسب أحد المراقبين، شعر السيسي بالاستياء من محاولات الطيب للبقاء على الحياد واعتبر أنه بذلك" يضع جهود الدولة في محاربة الإرهاب على قدم وساق مع أولئك الذين يرعونه"36.

بدأ السيسي حملته على المؤسسة الدينية في كانون الثاني/ يناير 2015، بعد توليه الرئاسة بأشهر قليلة، بدعوته إلى تجديد الخطاب الديني التي تناولناها فيما سبق. وقد اختلف هو والطيب علناً حول العديد من المسائل الدينية والدنيوية في 2016 و2017 بما في ذلك سياسات السيسي التي كان لها تداعيات مباشرة على الأزهر، مثل مشاركة مصر في المؤتمر الإسلامي المثير للجدل الذي عقد في الشيشان، والاستجابة لطلب الحكومة الصينية بترحيل الطلبة الإيغور37.

وفي كانون الثاني/ يناير 2017 وقع خلاف جديد بين السيسي والطيب تكشفت من خلاله مدى الطبيعة الشخصية لنزاعهما. فالسيسي الذي كثيراً ما يطلق لسانه على ما يعتبره عِللاً اجتماعية، كالسمنة المفرطة مثلاً، قرر تناول مسألة ارتفاع معدلات الطلاق38 ودعا إلى إلغاء الطلاق الشفهي الذي تقره الشريعة الإسلامية متحدياً شيخ الأزهر علناً، حيث سأله مستفزا "ما رأيك يا فضيلة الشيخ؟ تعبتني يا فضيلة الإمام."39 وعندما أعلنت هيئة كبار العلماء أن الطلاق الشفوي" مستقر منذ عهد النبي" "دون اشتراط إشهاد أو توثيق"، اندلعت عاصفة أججتها الأذرع الإعلامية للدولة، حتى ذهب البعض إلى المطالبة باستقالة شيخ الأزهر لتجرؤه على معارضة السيسي40. وقد فشل السيسي في محاولة لاحقة "لقصقصة" أجنحة الطيب من خلال مشروع قانون يستهدف استقلالية الأزهر عندما تراجع البرلمان عن إقراره في أيار/مايو 2017، وفشلت محاولة أخرى شبيهه لوضع قيود مماثلة في التعديلات الدستورية لعام 2019 بعد أن قدم الطيب بعض التنازلات، ما أدى لرحيل بعض كبار الشخصيات الأزهرية التي تعتبر مستقلة أكثر مما ينبغي41.

ومنذ ذلك الحين والخلاف بين السيسي والطيب حول قضايا عامة أو خاصة وحول السيطرة على الأزهر مستمر، وفي منتصف 2020 وصل الخلاف بينهما إلى مجلس الشعب. وفي المؤتمر الدولي الذي عقد في بداية العام في جامعة القاهرة أعلن الطيب مرة أخرى رفضه العلني للجهود الرامية لمراجعة الخطاب الديني بالطريقة التي يقترحها السيسي ومؤيدوه، في سجال حاد دار بينه وبين رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت، الذي يتحدث بلسان السيسي42. ومرة أخرى انهالت الانتقادات على الطيب من مؤيدي السيسي43. وفي تموز/ يوليو2020 أعطى البرلمان، التابع للنظام، موافقته المبدئية على مشروع قانون يهدف إلى نزع سيطرة الأزهر عن منصب المفتي ودار الإفتاء ليضعهما تحت سيطرة رئاسة الجمهورية44. ومرة أخرى قاوم الأزهر هذا التعدي على سلطته وطالب الطيب بتوجيه كلمة إلى نواب الشعب قبل التصويت النهائي. وفي أواخر آب/أغسطس قرر البرلمان إرجاء التصويت على القرار إلى الدورة المقبلة للمجلس والتي ستنعقد في نهاية 2020 على النحو الذي ذكرناه أعلاه45.

السيطرة على الدولة المصرية

يقدم السيسي مبادراته المتعلقة بدور الدين في السياسة والحياة العامة المصرية على أنها دعوة للحداثة والتسامح بين الأديان ومحاربة التطرف، ولكن هذه المبادرات قد تكون في حقيقتها محاولة لبسط النفوذ وإحكام السيطرة على الأزهر وجميع المؤسسات الدينية وإخضاعها لقيادته.

ومنذ تولي السيسي السلطة الفعلية في مصر في أعقاب انقلاب تموز/يوليو 2013 وتنصيبه رئيساً في أيار/ مايو 2014 وهو يعمل بلا كلل على إخضاع كافة المؤسسات الحكومية. وعلى الرغم من أننا لا نستغرب أن يكون نفوذ السيسي أكبر بكثير من نفوذ سلفه المخلوع محمد مرسي، ولكن المدهش بالفعل هو أن سيطرة السيسي قد فاقت سيطرة مبارك الذي حكم البلاد منذ 1981 حتى انتفاضة 2011. وبالرغم من أن حكم مبارك كان أبعد ما يكون عن الديموقراطية، إلا أن بعض المؤسسات الحكومية، مثل القضاء والبرلمان والسلك الدبلوماسي، كانت تفخر بكفاءتها وتراثها العريق الممتد في تاريخ أقدم مؤسسات الشرق الأوسط، وكانت تتمتع بهامش لا بأس به من الحرية والاستقلال في اختيار كبار موظفيها وتنفيذ اجراءاتها الداخلية46.

أما في عهد السيسي فقد دار الزمان على هذه المؤسسات وتضرر بعضها ضرراً بالغاً. وعلى سبيل المثال تعرضت مؤسسة القضاء، وهي من أكثر المؤسسات الحكومية احتراماً ونزاهة، لضربة قاصمة عندما أعادت التعديلات الدستورية في 2019، وما تبعها من تشريعات تنفيذية، هيكلة الهيئات القضائية بشكل زاد سيطرة الرئيس على تعيين رؤساء الهيئات القضائية. ووصف مصدر قضائي لم يكشف عن اسمه هذه الاجراءات بأنها " تشريع للديكتاتورية"47. وفي ضربة أخرى لاستقلال القضاء قام السيسي بإقالة السيد هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، في 2016 ثم أودعه الحبس في 2018 بتهمة نشر أخبار مضللة، بعد ادعائه أن بحوزته أدلة على فساد بعض كبار القادة48.

ولا يمكن للبرلمان، وهو هيئة مسيسة بامتياز، أن يغرد خارج السرب إلا بموافقة الحكومة، على الرغم من أنه قد سمح لبعض ممثلي المعارضة بالمشاكسة أحياناً في عهد مبارك. وقد حلت السلطة القضائية أول برلمان منتخب ديموقراطياً في 2012 بعد حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية طريقة انتخابه. وبعد أن تولى السيسي الحكم في العام التالي اتخذ خطوات متتابعة (من بينها تغيير القوانين الانتخابية) لضمان تجريم، أو استبعاد الأحزاب المعارضة بما يمكن أنصاره ومؤيديه وحدهم من تشكيل البرلمان49. وجلبت الانتخابات البرلمانية في أواخر 2020 حزباً جديداً موالياً للنظام لتنظيم النواب المنتخبين بشكل أكثر فعالية، بينما كان النواب المستقلون أبرز ضحايا التمثيل في البرلمان. وأصبح مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان، معبراً عن السلطة التنفيذية كما الغرفة الأولى بعد أن ملأه السيسي بالموالين له والمستفيدين من نظامه، محكماً بذلك قبضته على السلطة التشريعية في البلاد.

وحتى السلك الدبلوماسي المصري، الموالي دائماً للدولة، والذي طالما تمتع بهامش من الاستقلال، يُمنح دائماً للنخبة المثقفة، أُخضع أيضاً تحت حكم السيسي. وبدأت سلسلة من عمليات التطهير في عام 2014 أزاحت العديد من الدبلوماسيين المرموقين المشتبه في تعاطفهم مع انتفاضة 2011 مثل وزير الخارجية السابق نبيل فهمي، الذي استقال بعد عام واحد من توليه منصبه، بعد أن ترددت أقوال عن رفضه التعاون مع الحكومة في إجراء تحقيقات أو تعيينات أو إقالات ذات دوافع سياسية50 .

أما الجامعات المصرية سواءً كانت حكومية أو خاصة فقد شهدت توسعاً غير مسبوق لنفوذ السلطة التنفيذية بعد فشل انتفاضة 2011 التي قادها الشباب، وأصبح من السهل إقالة أعضاء هيئة التدريس على خلفية أي نشاط سياسي قد تراه أجهزة الاستخبارات، التي تشرف على كل ما يدور في الجامعات يومياً، خروجاً عن المسموح. ولم يعد لأساتذة الجامعات حرية اختيار المؤتمرات الدولية التي يشاركون فيها أو المحاضرين الذين يرغبون بدعوتهم إلى الحرم الجامعي51.

ربما يكون الجانب الأكثر وضوحاً في سيطرة السيسي على المؤسسات الحكومية هو عملية عسكرة الدولة التي لا يمكن أن تخطئها الأعين. فقد تحولت الدولة في عهد عبد الفتاح السيسي من دولة بوليسية كما كانت في عهد أسلافه إلى دولة يحكمها العسكر. والسيسي لا يخجل من استخدام الجيش في كل ملامح الحياة المصرية، مُنحياً المدنيين سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، بل أنه قدم برامج لتلقين موظفي الدولة المدنيين أهمية الخضوع للسيطرة العسكرية. ولم يكن من المستهجن في السابق أن يشغل ضباط الجيش سواء العاملون أو المتقاعدون منهم مناصب مهمة في الوزارات أو هيئات الحكم المحلي، ولكن هذا الاتجاه أصبح أكبر وأكثر رسمية في عهد السيسي52. وفي تموز/يوليو 2020 صدر تعديل ينص على أن يقوم وزير الدفاع بتعيين مستشار عسكري لكل محافظ لضمان تنفيذ الأولويات العسكرية 53،ويكون على رأس واجبات هذا المستشار الإشراف على تنفيذ منهج التربية العسكرية لطلبة المدارس الثانوية والجامعات وفقاً للقواعد التي تحددها وزارة الدفاع وهو جزء من خطة شاملة لنشر مبادئ الأمن القومي التي غالباً ما يتولى تدريسها ضباط الجيش لأصحاب المهن من الشباب أو كبار موظفي الدولة مثل القضاة54. ولم تُستثنَ المؤسسة الدينية من هذه الجهود حيث ترسل وزارة الشئون الدينية مبعوثيها لتلقي هذا التدريب.

مثابرة الطيب

ربما لا تكون جهود السيسي للسيطرة على المؤسسة الدينية جهوداً لافتة، ولكن اللافت بالفعل هو أنه لم يربح كل جولات معركته مع الطيب. وعلى الرغم من أن السيسي قد حاول أن ينتقص من صلاحيات الطيب بإخضاع وزارة الأوقاف ودار الفتوى ووضعهما تحت سلطة الرئاسة بدلاً من الأزهر (بدون أي تغيير رسمي أو قانوني) وإجبار الطيب على إقالة العديد من أنصاره المقربين55، إلا أن الطيب قد نجح في المقاومة حتى الآن. وتمكن من رفض أي تغيير في تفسيرات وتعاليم الشريعة الإسلامية، بدون أن يفقد منصبه الرسمي، على الرغم من رغبة السيسي الواضحة في تغييره بشخصية أكثر مرونة.

وقد أحسن الطيب اختيار معاركه على الرغم من أنه من علماء السنة الذين يؤمنون بضرورة الإذعان للحاكم ولمؤسسات الدولة الرسمية حرصاً منهم على تنفيذ مبدأ طاعة ولي الأمر، لاعتقادهم المتجذر أنه مهما فسدت السلطة السياسية فهي المسؤولة الأولى عن حماية النظام الاجتماعي بما يسمح للمؤمنين أن يعيشوا حياة صالحة56. ولكن عندما تتغول سلطة الدولة وتهم بابتلاع السلطة العقائدية أو الحد من استقلالها، فهنا يأتي دور الطيب وأمثاله في دفع الخطر.

ولكن لِمَ نجح الطيب نسبياً في مقاومة محاولات السيسي حتى الآن؟ على ما يبدو أن ما يشد من أزر الطيب ويزيد موقفه صلابةً هو اعتماده على أربعة عوامل للمقاومة، عوامل قانونية، ومؤسسية، وشخصية، ودولية. قانونياً، عزز المجلس العسكري الانتقالي الذي حكم البلاد في أعقاب تنحي مبارك سلطة الأزهر من خلال المرسوم الذي صدر في كانون الثاني/يناير 2012 والذي أصبح بموجبه منصب الإمام الأكبر محصنا حيث لا يمكن عزل شيخ الأزهر مدى الحياة57.وعلى الرغم من أن هذا القرار قد صدر خوفاً من هيمنة الإخوان المسلمين، إلا أنه ليس من السهل التراجع عنه لعدة أسباب: من بينها العامل الثاني الذي يعتمد عليه الطيب في مقاومة السيسي وهو المزيج الهائل من الدعم الشعبي لمؤسسة الأزهر، وما تمثله من دور رمزي يجمع بين السلطة الدينية والكبرياء الوطني، حيث يشكل أتباعه من خريجي المدارس والمعاهد الأزهرية قاعدة شعبية مخلصة يصعب أن تتحصل عليها أي من مؤسسات الدولة الأخرى. أما العامل الشخصي فيظهر جلياً في نجاح الطيب في الحفاظ على قدر لا بأس به من ماء الوجه أثناء محاولاته المستمرة لتخطي المآزق السياسية والدينية المتتالية طوال عقد من الزمان، وتميز خطابه، حتى في أحلك المواقف، بالاحترام والترفع عن الصراعات الحزبية.

قد يكون سطوع نجم الطيب على الصعيد الدولي هو العامل الحاسم الأخير الذي مكنه من مقاومة محاولات السيسي للسيطرة. بينما سعى العديد من قادة السياسة الدولية في العقدين الماضيين للتحالف مع شخصيات إسلامية ذات مكانة ومصداقية وقدرة على التعبير عن رأيها مهما كان الثمن، فقد وجد الطيب ظهيرين في شخصي البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والأمير محمد بن زايد ولي العهد الإماراتي.

وقد التقى البابا فرانسيس والشيخ الطيب لأول مرة في أيار/مايو 2016 بعد ما يقرب من مرور عقد من العلاقات المتوترة بين سلفه البابا بنديكت السادس عشر والأزهر الشريف58. وعلى الفور نشأت بين الطيب والبابا فرانسيس علاقة صداقة دافئة، وتعاون إيجابي أسفر عن العديد من الاجتماعات، التي شهدت تبادلاً لوجهات النظر، ونتج عنها مبادرات كبرى مثل الإعلان المشترك عن "الأخوة الإنسانية" في أبريل 592019. وعندما نشر البابا رسالته الدورية " فراتيلي توتي" أو " كلنا أخوة" في تشرين الأول/ اكتوبر 2020 استشهد بإعلانه المشترك مع الطيب الذي أشاد بدوره بالرسالة الدورية الجديدة60.

وقد شجعت الإمارات العربية المتحدة ومحمد بن زايد هذا التعاون المشترك بين الفاتيكان والأزهر، فقد استضافت إعلان البيان المشترك في 2019، وحرصت على بناء علاقات وطيدة مع الطيب مند 2013. وقبل فترة وجيزة من الانقلاب على مرسي في 2013 سافر الطيب للإمارات ليتلقى جائزة كبرى، ما أثار الانتقادات الحادة ضده في الأوساط الموالية للإخوان المسلمين في مصر61. ومنذ ذلك الحين غمر قادة الإمارات، وعلى الأخص محمد بن زايد الذي يسعى بكل قوة للقضاء على جماعة الاخوان المسلمين في المنطقة، الطيب والأزهر بالاهتمام والثناء والتمويل62. وفي المقابل قدم الطيب دعماً دينياً، ليس فقط لحملة محمد بن زايد ضد الإخوان المسلمين، ولكن لكافة المبادرات الإماراتية مثل حملة مقاطعة قطر التي بدأت في 201763.

ولكن مؤخراً بدأت تظهر بعض المؤشرات على وجود خطوط حمراء يبدو أن الطيب لا يرغب في تجاوزها حتى من أجل إرضاء رعاته الإماراتيين. وحتى كتابة هذه الكلمات، لم يعلن الطيب موقفه الرسمي إزاء التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وتتردد شائعات أن هذا الاتفاق المفاجئ أدى إلى توتر العلاقات بين الإمام والإمارات64. وبالإضافة إلى ذلك أفادت التقارير أن الطيب قد قاوم بإصرار كافة الضغوط، التي تعرض لها لإصدار بيان يصف فيه جماعة الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية، على غرار ما فعل بعض رجال الدين السعوديون والإماراتيون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 (في محاولة أخيرة لتشجيع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إعلان الجماعة منظمة إرهابية أجنبية قبل أن يغادر منصبه).65

يبدو أن محمد بن زايد والبابا فرانسيس كانا يحملان دوافع مختلفة لتوطيد علاقاتهما مع الطيب. فالبابا قد يكون مدفوعاً باهتمامه بتحسين العلاقات الإسلامية- المسيحية في أوروبا وبمصير المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط، أما الإمارات فيدفعها حرصها على الفوز بنصيب الأسد في المنافسات الأيديولوجية والإقليمية الجارية في الشرق الأوسط، ولكن تأثير كلاهما على مصير الطيب في مصر كان مماثلاً. فلا شك أن الدعم الذي قدمه البابا باعتباره شخصية دولية ذات شعبية هائلة، والدعم الذي قدمه محمد بن زايد بكل ثقله المالي والدبلوماسي قد عزز مكانة الطيب وتمكنه من منصبه. وعندما فرض السيسي على كبار المسؤولين الحصول على موافقته المسبقة قبل السفر للخارج في كانون الثاني/ يناير 2019 كان قراره على ما يبدو يستهدف الطيب بشكل أو بآخر66.

النتيجة: هل تغيرت القلوب والعقول بسبب إصلاحات السيسي؟

لقد خدمت إصلاحات السيسي الدينية أجندته السياسية الخاصة، حيث مكنته من وضع جميع مؤسسات الدولة تحت سيطرته، والقضاء على كل أثر لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين، وتلميع صورته أمام الغرب باعتباره المصلح الإسلامي المنتظر. لكن يبقى السؤال الأهم عما إذا كانت هذه الخطوات التي اتخذها حتى الآن كافية لخفض معدل التطرف بين الشباب، أو لتغيير الطريقة التي يمارس بها المصريون دينهم بشكل جوهري؟

منالصعبالتأكيد على أن محاولاتإصلاحالخطابالإسلاميأوالسيطرةعلىالمؤسساتالدينيةقدساعدتفيمعالجةمشكلةمصر الأزليةمعتحولالمتطرفينإلىالعنف. تشير الإحصاءات إلى ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية الناتجة عن التطرف منذأن تولى السيسي الحكم، وبلغت هذه الهجمات ذروتها في 2017-2018، واستمرتحتىعام2021، وإن تباينت حدتها بحسب المؤثرات الخارجية مثل تغير ظروف تنظيم الدولة الإسلامية67.

وفي حين أنه من المستحيل معرفة ما إذا كانت محاولات السيسي للإصلاح قد نجحت بالفعل في صرف قلوب المصريين وعقولهم عن التطرف، إلا إنه من المؤكد أن الكثير من مسببات التطرف قد تفاقمت بشدة في السنوات الأخيرة. ولا تزال انتهاكات حقوق الإنسان التي بدأت في 2013، متمثلة في احتجاز عشرات الآلاف من الشباب في ظروف سيئة، والاختفاء القسري، وفترات الحبس الاحتياطي المطولة، والمحاكمات المجحفة، والتعذيب، والانتهاكات الجنسية، مستمرة، بل وتزداد سوءاً بمرور الوقت68. وعلاوة على ذلك فقد تدهورت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وانتشرت البطالة والفقر المدقع بسبب السياسات التقشفية للحكومة وكلها من العوامل المؤدية للتطرف69.

لايزال الدين جزءاً هاماً من الحياة العامة في مصر، وحسب استطلاعات الرأي70 يعتبر المصريون أنفسهم متدينون إلى حد كبير نسبياً. والواقع أن الهوية الدينية والدفاع عن المصطلحات الدينية مثل الشريعة والقانون الإسلامي كانت تحتل أهمية كبرى في وقت ما، ولكن الدلائل تشير حالياً إلى أن الالتزام الديني قد بدأ يتراجع إلى حد ما، ورغم أن هذا التراجع ليس خطيراً، ولكنه بدأ يثير مخاوف الأوساط الدينية الرسمية71. والواقع أن حال التدين في مصر، الآن، يمكن اعتباره دليلاً على تراجع مستويات التدين والثقة في الرموز الدينية في المنطقة عامة72. وفي حين يسارع القادة الدينيون والمسؤولون السياسيون لذم الإلحاد والتحذير من عواقبه الوخيمة إلا أن التهديد الحقيقي الذي يخشاه هؤلاء لا يكمن في نبذ الدين نفسه، بل في نبذ ممثلي الدين وتحييد دورهم القيادي في البلاد. ولا يهتم الجيل الصاعد من الشباب المصري بممارسة شعائر الدين مثل الصلاة كما يهتم بها الجيل الأكبر سناً، ووفقاً للمقياس العربي فإن 53 في المئة من المصريين الذين تجاوزوا الخمسين يؤدون صلاة الفجر بانتظام بينما يؤديها 8 في المئة فقط من الشباب بين سن الثامنة عشر والتاسعة والعشرين. وتتشابه هذه النسبة بفروقات بسيطة مع التزام المصريين بقراءة أو الاستماع إلى القرآن الكريم73. وتشارك النخبة المصرية مشاركة مبطنة في الدفع بدور الدين إلى خارج حلبة الحياة العامة المصرية، ويظهر هذا في التعامل مع قضية حجاب المرأة على سبيل المثال والذي أصبحت بعض الدوائر تعتبره مخالفاً للصواب السياسي74. ولكن إذا كانت الممارسات الدينية الشخصية قد أصبحت أكثر تسيباً في بعض الأوساط، فإن الممارسات الاجتماعية المحافظة والقمعية المرتبطة بالثقافة العسكرية لا تزال تعمل على قدم وساق في دوائر اخرى75.

يبدو أن الموقف العام تجاه الإسلام يتجه الآن إلى سياق سياسي واجتماعي مختلف ما يثير مخاوف الأوساط الدينية الرسمية، فمع إغلاق أماكن العبادة المستقلة وإخضاع المنظمات غير الحكومية والمساجد وغيرها من الأماكن المخصصة لإقامة الشعائر الدينية للرقابة الحكومية الصارمة، أصبح المصريون يتلقون دينهم حصرياً من خلال الأصوات الرسمية للدولة، حتى وإن حاولت تلك الأصوات التمسك بشيء من الاستقلال عن النظام. وكانت الصحوة الدينية التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي قد اتخذت مناحي عامة وخاصة، ولكن ما أعطاها الزخم الحقيقي كان الالتزام الفردي والتجمعات غير الرسمية والحراك الاجتماعي الذي صاحبها. وقد تأثرت الحياة اليومية للمصريين بعد أن قررت الدولة إغلاق آلاف المساجد الخاصة، وقطع خدماتها الخيرية بتهمة ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين76. كما أصبحت الزكاة، وهي إحدى أركان الإسلام، تخضع لرقابة حكومية صارمة، حيث يحاول النظام توجيه العطايا نحو مشاريع تدعمها الدولة، بينما يشعر المانحون بالتوتر بسبب العطاء المُسيس77. ولكن التحول ليس مطلقاً، فلا تزال في مصر أماكن مستقلة تسمح بالممارسات والبحوث الدينية الحرة، ولكن الارتفاع الملحوظ في مستوى الرقابة والسيطرة قد أدى إلى كبح جماح النشاط الديني في المجتمع المصري78.

والحقيقة أن المؤسسات الإسلامية الرسمية لن تستطيع أبداً أن تسد الفجوة طوال الوقت، خاصة أن قرب بعضها من النظام وسياساته يمكن أن يقوض مصداقيتها. ورغم أن الأزهر يمكن أن يقدم للمصريين إطاراً معيارياً عاماً للإسلام، فلن يستطيع، بالتأكيد، أن يحقق التجانس بين كافة التوجهات الدينية، التي تعج بها البلاد، وهي مهمة كبرى قد تتجاوز قدراته وطموحاته في آن معاً، إلا من خلال مفهوم فضفاض للغاية بهدف تعزيز الممارسات والمعتقدات الآمنة سياسياً. ومن غير المرجح أن تنجح الجهود الرئاسية الرامية لوضع خطوط أمنية حمراء أو لتبني ما يسمى بالتجديد، إلا في قيادة بعض المظاهر الدينية الرسمية. وفي النهاية لا يبدو أن محاولات السيسي لفرض سيطرة كاملة على المؤسسات الدينية والخطاب الديني ستؤدي لإحداث أي تغييرات دائمة في الثقافة الإسلامية للدولة، أو في احتمال أن تتخذ الخلافات حتى العنيفة منها منحىً دينياً في المستقبل.

شكر وتقدير

يتقدم المؤلفان بالشكر لكل من هـ. أ. هيليير، ومحمد مندور على ما قدماه من ملاحظات وتعليقات على هذه الورقة البحثية وكذلك لكل من جيمس. سي غايثر جونيور وإيان والاس للمساعدة البحثية.

هوامش

1 "السيسي يدعو لتجديد الخطاب الديني حسب الفهم  الصحيح للإسلام" المركز المصري للمعلومات ودعم اتخاذ القرار، 8 ديسمبر، 2016
 , https://www.sis.gov.eg/Story/107014?lang=en-us

2  "أزهر ما بعد الثورة" ، ناثان ج.براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، سبتمبر 2011،
https://carnegieendowment.org/files/al_azhar.pdf.

3   " الأزهر الشريف"، فيديو نشر في صفحة الأزهر على الفيس بوك، 1 أبريل 2020،
https://www.facebook.com/watch/?v=657826174790396.

4 "قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة- قانون رقم 13 لسنة 2012 لتعديل بعض مواد قانون رقم 103 لسنة 1961 المتعلق بإعادة هيكلة الأزهر والهيئات التابعة له" http://www.laweg.net/Default.aspx?action=ViewActivePages&Type=6&ItemID=75214&مرسوم-بقانون-رقم-13-لسنة-2012-بتعديل-بعض-أحكام-القانون-رقم-103-لسنة-1961-بشأن-إعادة-تنظيم-الأزهر-والهيئات-التى-يشملها

5   دار الإفتاء https://www.dar-alifta.org

6 ماحكم بيع وشراء العملة الالكترونية المسماة بيتكوين؟"، شوقي إبراهيم علام، دار الإفتاء، 28 ديسمبر 2017
https://www.dar-alifta.org/ar/ViewFatwa.aspx?sec=fatwa&ID=14139

7 مشروع قانون إصلاح الأزهر يثير الجدل" نهى الحناوي، الاندبندت المصرية، 9 يناير 2012،
https://egyptindependent.com/al-azhar-reform-draft-law-stirs-controversy.

8 رؤية ضيف: مفاوضات التغيير في المؤسسة الدينية الإسلامية" مع علي جمعة، رويترز، 21 فبراير 2013 و "انتخاب مفتي الديار المصرية لأول مرة على الإطلاق" ، جريدة الأهرام الرقمية، 11 فبراير 2013
 http://blogs.reuters.com/faithworld/2013/02/21/guestview-negotiating-change-in-the-islamic-religious-establishment-reasons-for-optimism
http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/64550/Egypt/Politics-/Egypts-new-Grand-Mufti-elected-for-first-time-ever.aspx.

9 مصير 120 ألف عامل بعد نجاح "الأذان الموحد" و" الأوقاف" تنفي التسريح."، سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسى، جريدة الوطن، 2 أبريل 2019.
https://www.elwatannews.com/news/details/4094924?t=push

10 تطور ديوان الأوقاف في مصر في القرن التاسع عشر: لوائح 1837 و1851 " الأرشيف الشرقي، يناير 2010. https://www.researchgate.net/publication/297561221_The_Development_of_Diwan_al-awqaf_in_Egypt_in_the_19th_Century_Regulations_of_1837_and_1851.

11 تعبئة الإسلام، الدين والحراك والتغيير السياسي في مصر"، كاري روسوفسكي ويكهام ، دار نشر جامعة كولومبياـ أكتوبر 2002.

12 الإيقاف عن العمل والإحالة للتحقيق.. سلاح الأوقاف ضد الأئمة المخالفين"، سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسى، جريدة الوطن، 28 أكتوبر 2019. و "السلطات تستبعد وتحظر عشرة وعاظ من جماعة الإخوان المسلمين من المساجد"، أحمد مجاهدـ العرب ويكلي، 1 ديسمبر 2019 .
https://www.elwatannews.com/news/details/4399197;
https://thearabweekly.com/authorities-remove-and-ban-ten-muslim-brotherhoods-preachers-mosques.

13 مصر تأمر الوعاظ المسلمين بإلقاء خطبة أسبوعية موحدة"، رويترز، 13 يوليو 2016 .
http://blogs.reuters.com/faithworld/2016/07/13/egypt-orders-muslim-preachers-to-deliver-identical-weekly-sermons.

14 الأوقاف" تقترح تسجيل خطبة الجمعة صوت وصورة.. وغضب يجتاح الأئمة" سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسى، أخبار الوطن، 28 أكتوبر2019 https://www.elwatannews.com/news/details/4564942.

15 الأوقاف تحذر: لا صلاة جمعة في الطرقات أو أسطح العمارات وسنعاقب المخالفين" أحمد كساب، الشروق، 2 أبريل، 2020.
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=02042020&id=febac488-604d-4f8f-9182-e859117d64b4.

16 جمهورية مصر العربية، وزارة الأوقاف"، 20 مارس 2020.
http://ar.awkafonline.com/wp-content/uploads/2020/03/1441-007-004_2.pdf.

17 . وزير الأوقاف يزور شيخ الأزهر ويدعو له بدوام الصحة والعافية"، المصري اليوم، 28 سبتمبر، 2019. https://www.almasryalyoum.com/news/details/1430221.

18 . الموافقة على تغيير الديانة في المحاكم الإدارية: القانون والحقوق والتذبذب العلماني"، " منى عرابي، الاختلافات الحديثة، المجلد 17 رقم 1، 2015 .
https://newdiversities.mmg.mpg.de/wp-content/uploads/2015/10/2015_17-01_05_Oraby.pdf.

19 المعركة حول الأزهر"، ناثان ج.براون ومريم غانم، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 31 مايو، 2017.
https://carnegie-mec.org/diwan/70103.

20 . انفراد.. مشروع تعديل قانون الأزهر يتضمن محاسبة الإمام الأكبر"، اسماعيل الأشول، الشروق
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=24042017&id=96a96597-fb51-4baa-812a-a425ef2926d4

21 الأزهر والحكومة المصرية يتنازعان السيطرة على دار الإفتاء"، شهيرة أمين، المونيتور، 24 يوليو، 2020 .
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/egypt-draft-law-control-al-azhar-dar-al-iftaa-religious.html.

22 الأزهر يضع 10 مواد تؤسس لبناء الأسرة بمشروع قانون الأحوال الشخصية"، شيماء عبد الهادي، بوابة الأهرام، 26 أكتوبر، 2019  و" عندما تكون الإجراءات سياسة"، ناثان ج. براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 12 نوفمبر، 2019 .
http://gate.ahram.org.eg/News/2317623.aspx;
https://carnegie-mec.org/diwan/80301.

23 استحداث مواد خاصة بإثبات النسب.. مصادر حكومية تكشف تفاصيل مشروع قانون الأحوال الشخصية"، محمد سامي، مصراوي، 14 يناير، 2021.
https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2021/1/14/1951557/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AF-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D8%A8%D8%A5%D8%AB%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A8-%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86#SectionMore.

24 السياسة والدين في مصر في عهد ما بعد الانقلاب"، عمرو عثمان، Open Democracy، 28 نوفمبر، 2013.
https://www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/religion-and-politics-in-post-coup-egypt.

25 خطبة الرئيس السيسي في احتفالية المولد النبوي التي نقلتها شبكة النهار الإخبارية، النهار اليوم، 1 يناير 2015.
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=ptAdsg5fWCA.

26 نفس المرجع السابق

27 الرئيس المصري يدعو إلى ثورة دينية"، دانا فورد وسلمى عبد العزير وإيان لي، سي إن إن، 6 يناير، 2015.و "وهل السيسي مارتن لوثر الإسلام؟"، ميشيل دن وكاتي بينتيفوجليو، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 16 يناير، 2015 .
https://www.cnn.com/2015/01/06/africa/egypt-president-speech/index.html;
https://carnegie-mec.org/diwan/57738.

28 ويل: السيسي يستحق جائزة نوبل للسلام بعد خطبته عن الإسلام،" مدونة Real Clear Politics، 11 يناير، 2015. و " مارتن لوثر الإسلام؟"، بيتر سميث، Quadrant، 7يناير، 2015. https://www.realclearpolitics.com/video/2015/01/11/will_al-sisi_deserves_nobel_peace_prize_for_speech_on_islam.html
http://quadrant.org.au/opinion/qed/2015/01/islams-martin-luther.

29 موجز كلمة السيسي الشهرية: أهم10 مواضيع تناولتها الكلمة"، مدى مصر، 12 مايو، 2015. و " السيسي: يجب إعادة قراءة التراث ليناسب العصر"، أحمد البحيري ومحسن سميكة، المصري اليوم، 20 نوفمبر، 2018. و" السيسي: تصويب الخطاب الديني ليس ترفا ولا رفاهية.. ولن يمس الثوابت"، مارينا نبيل، الشروق، 8 ديسمبر، 2016.“https://www.madamasr.com/en/2015/05/12/news/u/sisis-monthly-speech-summed-up-the-10-most-important-issues-addressed;
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1344471https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=08122016&id=46b4d3b6-3d8a-4b22-a7c6-b1f175697ed5.

30 المولد النبوي: كلمة السيسي وتعقيبه على شيخ الأزهر تثير ردود فعل متباينة حول مدلولاتها"، بي بي سي العربية ، 8 نوفمبر، 2019.
https://www.bbc.com/arabic/trending-50345733.

31 انظر على سبيل المثال " وزير الأوقاف: آليات الخطاب الديني يجب أن تصلح ولا تفسد"، بلدنا اليوم، 25 مايو، 2015.
https://www.baladnaelyoum.com/news/5c684262a2432174366ed685/%D8%AA%D8%BA%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AA/laquo%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%81raquo-%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D9%84%D8%AD-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%81%D8%B3%D8%AF.

32 معركة كلامية بين د. أحمد الطيب شيخ الأزهر ود. محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة"، صدى البلد، 8 يناير، 2020. و" عاجل: شيخ الأزهر أحمد الطيب يرد على رئيس جامعة القاهرة الخشت: كنت أود أن يكون كلامك مدروساً" نشره على اليوتيوب د.عبد الله رشدي، 28 يناير، 2020.
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=c6ObpvukhrY
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=2Krs03SEklE.  

33 تجديد حبس المدون القرآني رضا عبد الرحمن 15 يوماً على ذمة التحقيق"، أحمد سلامة، أخبار درب، 14 يناير، 2021.
https://daaarb.com/%d8%aa%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%ad%d8%a8%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d8%a7-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad.

34 الرئيس السيسي يقول: الداعية يجب ان يتمتع بنظرة شمولية"، نهي الطويل، Egypt Today,، 19 نوفمبر، 2018.
https://www.egypttoday.com/Article/1/60720/A-cleric-must-have-a-comprehensive-approach-President-Sisi.

35 الأزهر ونظام 30 يونيو: حذر لا يعطل المسار"، مي شمس الدين، مدى مصر، 30 يونيو، 2017. و" شيخ الأزهر يقول أنه علم بفض الاعتصام عبر وسائل الإعلام"، المصري اليوم على صفحة أيجيبت اندبندنت، 10أغسطس، 2013.
https://www.madamasr.com/en/2017/06/30/feature/politics/al-azhar-post-june-30-an-ongoing-dispute-interrupted-by-a-brief-alliance
https://egyptindependent.com/azhar-grand-sheikh-says-he-was-informed-about-sit-dispersal-through-media.

36 الأزهر ونظام 30 يونيو: حذر لا يعطل المسار" ، مي شمس الدين، مدى مصر، 30 يونيو، 2017.
https://www.madamasr.com/en/2017/06/30/feature/politics/al-azhar-post-june-30-an-ongoing-dispute-interrupted-by-a-brief-alliance.

37 على خلفية مشاركة شيخ الأزهر في مؤتمر الشيشان.. هل تتوتر العلاقات المصرية السعودية؟"، محمد سعيد، المونيتور، 13 سبتمبر، 2016. و" مصر تحتجز الطلبة الإيغور الذين يخشون العودة إلى الصين: مجموعة الحقوق" ، ليسا بارينغون، رويترز، 7 يوليو، 2017.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2016/09/egypt-saudi-arabia-controversy-grozny-conference-azhar.html;
https://www.reuters.com/article/us-egypt-china-uighur-idUSKBN19S2IB.

38 السيسي يوبخ المصريين بسبب السمنة والشارع يرد بالنكات"، امينة اسماعيل ولينا مصري، رويترز، 9 ديسمبر، 2018.
https://www.reuters.com/article/us-egypt-politics-health/lectured-by-sisi-on-body-weight-egyptians-respond-with-jokes-idUSKBN1OI1Y6.

39 الأزهر ونظام 30 يونيو: حذر لا يعطل المسار"، مي شمس الدين، مدى مصر، 30 يونيو، 2017.

40 . محمد الباز يكتب.. لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر؟"، محمد الباز، الدستور، 25 يناير، 2017.
https://www.dostor.org/1294343.

41 المعركة حول الأزهر"، ناثان ج. براون ومريم غانم، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 31 مايو، 2017. و" كيف نجا شيخ الأزهر من التعديلات الدستورية؟"، اسمهان سليمان، مدى مصر، 11 أبريل، 2019.
https://www.madamasr.com/en/2019/04/11/feature/politics/how-the-grand-imam-of-al-azhar-survived-the-constitutional-amendments.

42 إصلاح الفكر الديني.. معضلة مصر الأزلية"، محمد نافع وافي، القنطرة، 14 يوليو، 2020.
https://en.qantara.de/content/president-sisi-the-grand-imam-and-al-azhar-egypts-eternal-conundrum-reforming-religious.

43 رجال الدين في مصر نصبوا أنفسهم أنبياء.. وشكلوا طبقة خاصة فوق الشعب"، دندراوي الهواري، اليوم السابع، 3 فبراير، 2020.
https://www.youm7.com/story/2020/2/3/%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%89-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%86%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87%D9%85-%D8%A3%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B4%D9%83%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A9-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9/4615313.

44 الأزهر والحكومة المصرية يتنازعان السيطرة على دار الإفتاء"، شهيرة أمين، المونيتور، 24 يوليو، 2020.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/egypt-draft-law-control-al-azhar-dar-al-iftaa-religious.html.

45 شيخ الأزهر يطلب حضور الجلسة العامة لمجلس النواب لشرح رؤية رفض مشروع قانون الإفتاء"، عبد الله أبو ضيف، القاهرة 24، 23 أغسطس، 2020.
https://www.cairo24.com/politics/832359/%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%87%d8%b1-%d9%8a%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d8%ad%d8%b6%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%84%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%ac.

46 تصحيح ثورة التصحيح"، ناثان ج. براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عبر مدونة ديوان، 27 فبراير، 2019.
https://carnegie-mec.org/diwan/78461.

47 قضاة عن التعديلات الدستورية: مذبحة جديدة بأدوات قديمة"، مدى مصر، 21 فبراير، 2019. و " الهيئات القضائية، مجلس معطل بسبب خلاف رئيس البرلمان ووزير العدل"، رنا ممدوح، مدى مصر، 24 يونيو، 2019.
https://www.madamasr.com/en/2019/02/21/feature/politics/judicial-officials-constitutional-amendments-final-battleground-in-struggle-for-judicial-independence
https://www.madamasr.com/en/2019/06/24/feature/politics/parliament-approves-laws-allowing-sisi-to-select-judicial-heads-stalemate-continues-over-council-of-judicial-bodies.

48 المحكمة العسكرية المصرية تحكم على أحد منتقدي السيسي بالسجن خمس سنوات"، ديكلان ولش، النيويورك تايمز، 24 أبريل، 2018.
https://www.nytimes.com/2018/04/24/world/middleeast/egypt-military-court-sisi-critic.html.

49 محكمة مصرية تحكم بحل الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين" لين نويهيد، رويترز، 10 أغسطس، 2014.و" الأحزاب المدنية المصرية: صراع على الهوية والاستقلال"، ميشيل دن وعمرو حمزاوي، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 31 مارس، 2017 . و " البرلمان المصري والمرحلة الانتقالية: التحييد المتعمد"، جان كلوديوس فولكيل، مجلة البحوث الشمال أفريقية 22:4، 595-619، 8 مارس، 2017.
https://www.reuters.com/article/us-egypt-brotherhood/egypt-court-dissolves-muslim-brotherhoods-political-wing-idUSKBN0G90AM20140810
https://carnegieendowment.org/2017/03/31/egypt-s-secular-political-parties-struggle-for-identity-and-independence-pub-68482
https://doi.org/10.1080/13629387.2017.1297234.

50 يحدث في الخارجية: مساعي الأجهزة الأمنية للهيمنة على الوزارة"، أسمهان سليمان، مدى مصر، 22 مايو، 2017.
https://www.madamasr.com/en/2017/05/22/feature/politics/backstage-at-the-foreign-ministry-security-apparatuses-play-for-control.

51 الحرية الأكاديمية المفقودة في مصر"، آمي اوستن هولمز وسحر عزيز، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 24 يناير، 2019.
https://carnegieendowment.org/sada/78210.

52 تخطيط الاقتصاد العسكري غير الرسمي: دولة العسكر"، مالكوم ه.كير، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 18 نوفمبر، 2019 .
https://carnegie-mec.org/2019/11/18/mapping-informal-military-economy-officers-republic-pub-80337.

53 القانون رقم 165 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 55 لسنة 1968 بشأن منظمات الدفاع الشعبي والقانون رقم 46 لسنة 1973 بشأن التربية العسكرية في مرحلتي التعليم الثانوي والعالي، 27 يوليو، 2020. و" تعيين مستشارين عسكريين للإشراف على الحياة المدنية في مصر يثير موجة غضب" ، المونيتور، 9 أغسطس، 2020.
 https://ahmedazimelgamel.blogspot.com/2020/08/165-2020-55-1968-46-1973.html;
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/08/egypt-law-military-role-civil-life-ministries.html.

54 قيادة الدولة المصرية الممتدة: أيديولوجية أم إدارة؟" ناثان ج. براون ومارك برلين، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 28 مايو، 2020. و" اجبار القضاة المصريين على تلقي تعليم عسكري"، أحمد يونس، المونيتر، 9 نوفمبر، 2020.
https://carnegieendowment.org/2020/05/28/steering-wide-egyptian-state-ideology-or-administration-pub-81924https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/11/egyptian-judges-trained-strategic-national-security-studies.html.

55 الأزهر والحكومة المصرية يتنازعان السيطرة على دار الإفتاء"، شهيرة أمين، المونيتور، 24 يوليو، 2020 . و"شيخ الأزهر يواجه حرباً إعلامية ضروس"، حسام ربيع، المونيتور، 27 فبراير،2020.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/egypt-draft-law-control-al-azhar-dar-al-iftaa-religious.html
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/02/egypt-azhar-controversy-imam-religious-discourse-tayeb-media.html.

56 هوية وماهية ولي الأمر. السؤال الذي لا يسأله أحد."، ناثان ج. براون، معهد اوناتي الدولي لعلم اجتماع القانون، 1 مار، 2019.
http://opo.iisj.net/index.php/osls/article/viewFile/1095/1269#:~:text=The%20wali%20al%2Damr%20%E2%80%93%20the,without%20that%20transformation%20drawing%20notice.

57 ما الذي يغضب الكثيرين بشأن الأزهر؟" ناثان ج. براون، المجلس الأطلسي، 30 يناير،2012.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/why-are-so-many-upset-about-alazhar.

58 الاجتماع هو الرسالة هذا ما قاله البابا لشيخ الأزهر." جونو اروتشو استيفيز، National Catholic Reporter، 23 مايو، 2016.
 https://www.ncronline.org/news/vatican/meeting-message-pope-tells-head-al-azhar.

59 وثيقة الأخوة الإنسانية للتعايش والسلام الدولي" النسخة الكاملة، أخبار الفاتيكان، 4 فبراير، 2019.
https://www.vaticannews.va/en/pope/news/2019-02/pope-francis-uae-declaration-with-al-azhar-grand-imam.html.

60 فراتيللي توتي"، البابا فرانسيس، الفاتيكان، 3 أكتوبر، 2020. و" البابا فرانسيس يعيد الضمير للإنسانية"، شيخ الأزهر، أخبار الفاتيكان، 5 أكتوبر، 2020.
http://www.vatican.va/content/francesco/en/encyclicals/documents/papa-francesco_20201003_enciclica-fratelli-tutti.html
https://www.vaticannews.va/en/world/news/2020-10/grand-imam-al-tayyeb-encyclical-fratelli-tutti-fraternity-pope.html.

61 شخصية العام الثقافية، فضيلة الشيخ الدكتور أحمد محمد الطيب" جائزة الشيخ زايد للكتاب 2013. ومحمد رجب عبر “WWW World,” Daily News Egypt,، في 8 أبريل، 2006.
https://www.zayedaward.ae/en/previous.editions/winners/dr.sheikh.ahmad.muhammad.al.tayyeb.aspx?year=2013
https://dailynewsegypt.com/2006/04/08/www-world.

62 محمد بن زايد وشيخ الأزهر يؤكدان على أهمية التضامن والتعاون الدولي لمواجهة انتشار فيروس كورونا"، زكريا محي الدين، WAM، 30 مارس ، 2020. و " الإمام الأكبر يعلن التبرع بقيمة جائزة الأخوة الإنسانية المقدمة من الإمارات العربية المتحدة للمنظمات الخيرية",” The National، أغسطس 2019.
 https://wam.ae/ar/details/1395302833937;
https://www.thenationalnews.com/uae/grand-imam-of-al-azhar-announces-uae-humanitarian-award-will-be-donated-to-charity-1.893687.

63 الأزهر يؤيد قطع العلاقات مع قطر"، المصري اليوم عبر Egypt Independent، 7 يونيو، 2017.
https://egyptindependent.com/azhar-supports-sever-relations-qatar.

64 بسبب التطبيع.. أزمة مكتومة بين شيخ الأزهر والإمارات"، الخليج الجديد، 30  نوفمبر، 2020.
https://thenewkhalij.news/article/213570/%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA.

65 مصادر: فشل ضغوط إماراتية على شيخ الأزهر لإصدار بيان مناهض للإخوان"، الخليج الجديد، 26 نوفمبر،2020.
https://thenewkhalij.news/article/213143/%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%B6%D8%BA%D9%88%D8%B7-%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1-%D9%84%D8%A5%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%87%D8%B6-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86.

66 كبار الموظفين في مصر لا يسمح لهم بالسفر بدون موافقة الرئيس"، أميرة سيد أحمد، المونيتور، 29 يناير، 2019.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2019/01/egypt-sisi-decree-officials-travel-permission.html.

67 خمس سنوات من حرب مصر على الإرهاب" هيئة التحرير لسياسات الشرق الأوسط، 15 مايو، 2015. و"مسؤولون مصريون: مقتل عنصري أمن في انفجار قنبلة على جانب الطريق في سيناء"AP News، 1يناير، 2021.
https://timep.org/wp-content/uploads/2018/07/TIMEP-ESW-5yrReport-7.27.18.pdf
https://apnews.com/article/police-egypt-middle-east-islamic-state-group-bombings-94f6eadebb7c9ecd430f652192fd2ca1.

68 قمع السلطة وتطرف الشباب في مصر"، مؤسسة هينريك بول، 1 مارس، 2017. و " بين داعش وإجراءات الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب- الأطفال يتعرضون للتطرف والاستغلال والاختطاف"، مركز بلادي للحقوق والحريات، 3 فبراير، 2020.
 https://www.boell.de/sites/default/files/egypt-paper2-radicalization.pdf https://beladyrf.org/sites/default/files/2020-01/combinepdf%20(2).pdf.

69 البعد الاجتماعي والاقتصادي للتطرف الإسلامي في مصر وتونس" ، كارلا أوغسطس صب وأحمد نور أخونزاده، معهد فرانكفورت لأبحاث السلام، ومعهد لايبنيز، مؤسسة هسيان لأبحاث السلام والصراع، فبراير 2019.
https://www.hsfk.de/fileadmin/HSFK/hsfk_publikationen/PRIF_WP_45.pdf.

70 تباين الالتزام الديني بين الأعمار المختلفة بحسب الدولة" مركز بو للأبحاث، 13 يونيو، 2018.
https://www.pewforum.org/2018/06/13/how-religious-commitment-varies-by-country-among-people-of-all-ages.

71 هل أصبح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل تديناً؟ حوار مع مايكل روبنز"، نامان كارل- توماس هبتوم، الباروميتر العربي، 6 أبريل، 2020.
https://www.arabbarometer.org/2020/04/is-the-mena-region-becoming-less-religious-an-interview-with-michael-robbins.

72 العرب يفقدون الثقة في الأحزاب والقيادات الدينية،Economist، 5 ديسمبر، 2019.
https://www.economist.com/graphic-detail/2019/12/05/arabs-are-losing-faith-in-religious-parties-and-leaders.

73 أداة تحليل البيانات، الباروميتر العربي.
https://www.arabbarometer.org/survey-data/data-analysis-tool.

74 "الغطرسة ضد الحجاب"، Economist,، 27 أغسطس، 2015.
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2015/08/27/haughty-about-the-hijab.

75 اعتقالات جديدة في الحملة المصرية ضد مجتمع الميم في غياب التنديد الدولي"، نيلة جوشال، هيومن رايتس ووتش، 22 يناير، 2018.
https://www.hrw.org/news/2018/01/22/more-arrests-egypts-lgbt-crackdown-no-international-outcry.

76 الحرب المصرية على الأعمال الخيرية" نيكولاس لين واميلي كرين لين، Foreign Policy,، 29 يناير، 2015 .
https://foreignpolicy.com/2015/01/29/egypts-war-on-charity-morsi-muslim-brotherhood.

77 الأعمال الخيرية الإسلامية غير السياسية في مصر المعاصرة"، أميرة ميترماير، القانون والمجتمع الإسلامي، المجلد 27، العدد 1-2 ، 20 فبراير، 2020.
 https://brill.com/view/journals/ils/27/1-2/article-p111_5.xml?language=en.

78 أنظر عمرو عبد الرحمن، "نهاية النهضة الإسلامية؟ التعليم الديني المستقل بعد 2011: الخصائص والغموض والمسارات المستقبلية" وحدة الدراسات القانونية والمجتمعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، سبتمبر 2019
https://manshurat.org/file/72146/download?token=BFMQjRyz.

استقطابات التعليم الديني في حرب اليمن

مقدمة

اندلعت الحرب الأهلية في اليمن نتيجة للتوتر السياسي المتصاعد بين مركز الدولة وأطرافها، وكذا تدهور الأوضاع اليمن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومع استمرار هذه الحرب وتوسعها أصبحت المدارس الدينية وسيلة مهمة للتحشيد والتوجيه لدى الأطراف اليمنية المتقاتلة المختلفة ومموليها الإقليمين.

هذا التوتر السياسي غير المسبوق تلا استيلاء حركة زيدية مدعومة من إيران تدعى "أنصار الله" ومعروفة باسم الحركة الحوثية على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م، ثم العام التالي بدأ تدخل عسكري من قبل تحالف بقيادة سعودية – إماراتية لمواجهة الحوثيين بتوظيف جماعات دينية مقابلة مثل السلفيين وبالنسبة للسعودية يضاف حركة الإخوان المسلمين، هذه الديناميكية الطائفية زادت من أهمية الولاءات الدينية في اليمن لتصبح عوامل أساسية في الصراع اليمني.

في الواقع اللجوء للتحشيد الديني في اليمن سبق الحرب وبدأ منذ كانت اليمن منقسمة لشمال وجنوب، ففي أواخر الستينات صار الشمال يمثل المعسكر الرأسمالي والجنوب يمثل المعسكر الشيوعي. حينها، انتشرت في اليمن الشمالي المعاهد العلمية وهي مدارس دينية للتحشيد ضد الشيوعية، وبلغ هذا التوظيف السياسي للدين ذروته بعد الوحدة اليمنية عام 1990م، ثم اندلعت حرباً أهلية في عام 1994م اصدرت فيها فتوى دينية رسمية تكفيرية من قبل حكومة صنعاء ضد الحزب الاشتراكي في الجنوب1.

هذه المرة التوظيف الديني في الصراع السياسي تزايد مع تصاعد الصراع الإقليمي- المذهبي، لذا لعبت ولازالت تلعب المدارس الدينية والتعليم الديني أدواراً مهمة في التحشيد السياسي والعسكري بهذه المعركة التي تمثل الطائفية أحد أهم مستوياتها خاصة على مستوى التحشيد للجبهات والقتال.

التداخل المذهبي والمناطقي

ما لا يدركه الكثيرون عند التعامل مع التقسيم المذهبي باليمن، إن هذا التقسيم مناطقي- قبلي بالدرجة الأولى والبعد المذهبي يأتي لاحقاً بالأهمية. فاليمن تنقسم مذهبياً لقسمين كبيرين جزء شافعي (سني) يقدروا ثلثي السكان وجزء زيدي (ِشيعي) يقدر بنسبة الثلث، لكنه في الأصل تقسيم مناطقي وقبلي يسبق حضور الإسلام باليمن.

فالزيود معظمهم يسكن في مناطق ما كان يعرف باليمن الأعلى، ويقصد به الإقليم الجغرافي الذي يقع شمال جبل سماره على بعد 164.5 كم(100 ميل) جنوبا من العاصمة صنعاء، وهي تشمل أراضي همدان والمقصود بهمدان هو أسم القبيلة التي تسكن تلك المناطق وتنقسم هذه القبيلة لقسمين كبيرين هما حاشد وبكيل. بينما يشكل السنة (الشوافع) غالبية سكان بقية المناطق، موجودين بكل المناطق الساحلية اضافة لوسط وشرق وجنوب اليمن، وتسكن هذه المناطق قبيلة أكبر تسمى مذحج ولها تفرعات عديدة أبرزها مراد في مأرب والعوالق في شبوه اضافة لقبائل كنده بحضرموت2، لكن البعد القبلي في المناطق الساحلية والوسطى ضعيف نسبياً وبالتالي سهل اخضاعها لسلطة الدولة، بينما لا تزال البنية القبلية متماسكة نسبياً شمال صنعاء وبالشرق وبعض المناطق الجنوبية.

إذن يتداخل القبلي والمناطقي مع المذهبي بوضوح باليمن ويشكل البعد القبلي – المناطقي هو لب الصراع السياسي على السلطة باليمن لعقود طويلة، لكن مؤخراً تصاعد البعد المذهبي وبالتالي تزايد توظيف التعليم الديني في الصراع السياسي الأخير نتيجة لتصاعد التدخل الإقليمي وبالتالي لجوء الأطراف المحلية بشكل أكبر وأكثر وضوحاً للتعبئة الدينية، هذا كله أدى لنشوء اشكال جديدة وغير مسبوقة من التعليم الديني بهدف التحشيد العسكري والسياسي.

الصراعات اليمنية وتعريف الهوية

التوظيف الديني الحالي في الصراع ليس بالطارئ لكنه اتخذ ملامحاً مختلفة، ومن هنا مهم معرفة تاريخ الصراع المناطقي في اليمن والذي اتخذ بعد مذهبي ثابت منذ صعود الإمامة الزيدية في اليمن.

تعد الزيدية أحد تفرعات الإسلام الشيعي التي استوطنت اليمن منذ عام 896م عندما سكن الإمام الهادي يحيى بن الحسين مدينة صعده ومنها انطلق لتأسيس أول دولة زيدية باليمن، لكنها لم تدوم طويلاً وانتهت قبل وفاة الإمام الهادي عام 911م. عقائدياً لا يختلف المذهب الزيدي عن المذاهب السنية، حتى إن البعض أطلق عليه المذهب السني الخامس وظل شائعاً اعتباره مذهب وسطي بين الشيعة والسنة.

بما إن المذهب الزيدي عاش واستمر منفرداً وسط مناطق سنية، فهو لم يتطور فقهياً وعقائدياً ليكون شخصية مذهبية مستقلة عن المذاهب السنية، لذا أبرز ما يميز المذهب الزيدي هو نظريته للحكم. المذهب الزيدي يعتبر الحاكم إمام وهو مسمي ديني يطلق على من يؤم الصلاة، ويشترك في هذا مع بقية المذاهب الشيعية كما يشترط أن يكون الإمام من آل البيت، وطريقة الوصول للحكم حسب المذهب الزيدي هي القتال، فهو المذهب الإسلامي الوحيد الذي يضفي شرعية لقتال الحاكم طالما لم يتصف بالعدل.

هذه النزعة القتالية للمذهب الزيدي تناسبت مع الطبيعة القبلية لمناطق شمال اليمن، خاصة إنها مناطق فقيرة الموارد قياساً بمناطق ما يعرف اليمن الأسفل. ففي المناطق القبلية بالشمال والشرق معدلات الأمطار فيها لا تزيد عن 250 مللي خلال السنة بينما ترتفع بوسط اليمن وغربه حتى تتراوح معدلات الأمطار 600- 800 مللي3.

من المهم معرفة إن المذهب الزيدي تواجد في عدة مناطق وأسس عدة دول في العصر الوسيط لكنه لم يستمر حتى الزمن المعاصر إلا في شمال اليمن، حيث تتابع الائمة الزيدية في الإعلان عن أنفسهم وحكم صعده وبعض المناطق المحدودة بين وقت وآخر حتى القرن السابع عشر عندما نجحوا في تأسيس دولتهم التي تحكمت بصنعاء ثم باقي اليمن لفترة دامت قرابة قرن حتى انشق الجنوب4، ثم اصبحت الإمامة الزيدية هي المتحكمة بما صار يعرف باليمن الشمالي حتى قيام الجمهورية عام 1962م.

عندما اندلعت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، كانت في الأصل انقلاب عسكري قام به بعض ضباط الجيش اليمني الذي كان زيدي بالكامل ضد الإمامة لإقامة نظام جمهوري، وبدعم مصري التي تدخلت لدعم معسكر الثوار الجمهوري ضد المعسكر الإمامي الملكي المدعوم من السعودية واستمرت الحرب الأهلية بين الطرفين ما يزيد عن سبع سنوات.

من اللافت إن الصراع بين الثورة الجمهورية والنظام الإمامي كان مقتصراً على المنطقة الزيدية بين صنعاء وصعده، بينما بقية المناطق التي يغلب على سكانها المذهب الشافعي لم تقاوم النظام الجمهوري بل انخرطت جماهيرها ونخبها في حماس ضمن صفوف الثورة.

اليمن الجمهوري

رغم إن الثورة الجمهورية عام 1962 وضعت حداً لحكم الإمامة الزيدية إلا إن كل رؤساء اليمن الجمهوري الخمسة كانوا زيود. كما استمرت الهيمنة الزيدية في الجيش وقوات الأمن، ومن اللافت إنه تم دعم النشاط السني السلفي في شمال اليمن من قبل رؤساء زيود وليس سنة، ويمكن تفسير هذا لأمرين: أولهما: ارتباط الزيدية بفكرة الإمامة مما يقوض شرعية الرؤساء الجمهوريين خاصة إنهم من خلفيات غير هاشمية (آل البيت). ثانيهما: كان شمال اليمن يدور في فلك السعودية بشكل ما لأنها تحولت لدولة حاجز بين السعودية ودولة اليمن الجنوبي الشيوعية، حتى بعد الوحدة اليمنية عام 1990م، احتفظت النخبة الشمالية القبلية الزيدية بهيمنتها بعد هزيمة الحزب الاشتراكي في عام 1994م. إذن استمرت الهيمنة الزيدية باليمن لكن بتعريفات مناطقية وقبلية وليس مذهبي- زيدي.

السيطرة الزيدية- الشمالية استمرت حتى عام الانتفاضة الشعبية عام 2011م التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح في فبراير 2012م. لحق صالح الرئيس عبدربه منصور هادي الذي كان اول رئيس غير زيدي يحكم اليمن من صنعاء، لكن هذا لم يستمر طويلاً حيث أطاح به تحالف الحوثي- صالح في يناير 2015، ثم يفر الرئيس هادي لعدن في فبراير 2015.

على الرغم من اعتماد صالح على القبيلة خلال رئاسته الطويلة (1978-2021)، لكن فترة حكمه شهدت تغييرات اجتماعية هائلة أدت بشكل كبير لإضعاف القبيلة. هذا يعود لعدة أسباب: أولها: حاول صالح يستأُثر بالسلطة من خلال السيطرة واضعاف كل القوى الاجتماعية والسياسية التي قد تنافسه. لذا استخدم أموال ونفوذ الدولة لتقويض سلطة المشايخ القبليين التقليدين ليحل محلهم مشايخ موالين للسلطة. ثانيها: التحديث والتنمية في اليمن ظلت قاصرة على المدن الرئيسية حيث يعيش المشايخ القبليين برفاهية في المدن بعيداً عن أبناء القبائل الذين استمروا يعيشوا في مناطقهم النائية التي تفتقد ابسط الخدمات كالكهرباء والمياه. هذا الانقسام أضعف البنية القبلية، وبمرور الوقت بدأ هذا يصب لصالح الجماعات الدينية لأن القبيلة كانت تخفف عادة من النزعة الإيديولوجية لأي صراع بحكم طبيعتها البراجماتية.

المدارس الدينية

تاريخياً كانت في اليمن أربع مدارس دينية كبيرة ومؤثرة وهي لا تعبر عن كل الجماعات الدينية والمذهبية باليمن مثل وجود الإسماعيليين والبهائيين واليهود، هذه المدارس هي الشافعية التي صارت ملازمة للصوفية، الزيدية، الشوكانية وهي مدرسة زيدية ذات أصول سنية. كانت هذه المدارس تعتمد النمط التقليدي في التعليم القائم على حلقات التدريس لكل استاذ يدرس ويناقش فيها الكتب المرجعية الرئيسية مثل كتاب الأم لدى الشافعيين أو كتاب الأزهار لدى الزيدية.

المدرسة الشافعية كانت الأكبر في اليمن من حيث الانتشار وهي أحد أكبر المدارس السنية المنتشرة في العالم الإٍسلامي، يليها بالانتشار المدرسة الزيدية وهي مدرسة لم تستمر وتدوم سوى بشمال اليمن وتقريبا لا توجد مجتمعات زيدية كبيرة خارج اليمن.

أما الشوكانية، فهي مدرسة سنية بجذور زيدية وهي مدرسة منفتحة على كل المذاهب فقهياً، فمنذ القرن الخامس عشر تشكل تيار زيدي يتجه نحو مزيد من التسنن حتى وصل ذروته بصعود الإمام الشوكاني (1759-1834)، من حينها تبني مذهبه الأئمة المتعاقبين لأنها كانت مدرسة لا تؤدي لصدام مستمر معهم ولا تدعو للتمرد ضد الإمام العادل كالمدرسة الزيدية التقليدية.

لم يتبق أثر للمدرسة الشوكانية التي حل محلها السلفية بينما لم يتبقى مدارس شافعية بدون الصوفية، بينما تواجه الزيدية التقليدية تهديداً متصاعداً أكبر من تمدد السلفية الذي بدأ منذ منتصف السبعينات، وهذا التهديد يتمثل في انتشار التعليم حسب افكار جماعة الحوثي. في الجزء اللاحق من هذا البحث سوف يتم تناول كل مدرسة من هذه المدارس وما طرأ عليها من تحولات وتغييرات.

المدارس الدينية السنية

لقد ارتبطت الشافعية في اليمن بالصوفية منذ القرن الثالث عشر حتى تطور الأمر مؤخرا وصار من غير الممكن وجود مدارس شافعية خارج إطار الصوفية، وأبرز مراكز تدريس الشافعية هي زبيد على الساحل الشمالي الغربي، البيضاء في وسط اليمن، كذلك تريم في وادي حضرموت بالجنوب5.

ظلت المدرسة الشوكانية منفردة باليمن وذات تأثير سياسي مهم بسبب دعم السلطة لها الذي استمر حتى بعد سقوط الإمامة وفي بدايات النظام الجمهوري حيث كان ثاني رؤساء اليمن الشمالي من تلاميذ مدرسة الشوكاني وهو القاضي عبدالرحمن الإرياني(1967-1974)، لذا كان أول مفتيين للجمهورية من تلامذة المدرسة الشوكانية وهما محمد زباره ومحمد العمراني6.

تراجع دور المدرسة الشوكانية في منتصف السبعينات منذ بدأت الحكومة اليمنية دعم المدارس السلفية، مما أدى لتدهور كل المدارس الدينية التقليدية باستثناء مدارس قليلة صوفية وزيدية في ظل هيمنة سلفية متصاعدة نتيجة لتوظيف الدين في الصراع السياسي الذي بدأ منذ تأسس الجمهورية بالشمال والنظام الماركسي في الجنوب بالستينات.

المعاهد العلمية

بدأت المدارس الدينية الحديثة "المعاهد العلمية" والتي أسستها الدولة اليمنية بالشمال في عام 1974م. من المهم معرفة الخلفيات السياسية لهذا القرار، فاليمن كانت حينذاك منقسمة لدولتين بعد تأسيس النظام الجمهوري بالشمال عام 1962م وانتهاء الحرب الأهلية عام 1969م، وتأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بالجنوب بعد انتهاء الاحتلال البريطاني عام 1967م وتبنيها للماركسية سياسياً واقتصادياً عام 1969م.

بتأسيس أول نظام شيوعي بالجزيرة العربية والمنطقة في جنوب اليمن أصبح شمال اليمن حائط صد ضد تمدد الشيوعية لباقي المنطقة، وبالتالي صار اليمن الشمالي محط اهتمام دول الخليج بالذات السعودية التي سرعان ما وطدت صلتها بالسلطة اليمنية في الشمال.

بل إن خطر الشيوعية بدأ يهدد اليمن الشمالي الذي شهد حروب عصابات يسارية كانت تعرف باسم (الجبهة الوطنية) في المناطق الوسطى وتلقت دعم من النظام الماركسي في اليمن الجنوبي منذ بداية السبعينات 1971م. هذا دفع رؤساء اليمن الشمالي المتعاقبين إلى دعم الجماعات الدينية باعتبارهم أفضل سلاح أيديولوجي ضد الشيوعية حتى نجحت الدولة أخيراً في القضاء على هذه الجماعات اليسارية عام 1982م، بعد ما استعانت الدولة في أواخر السبعينات بمقاتلين من الإخوان المسلمين الذين شكلوا ما يعرف بالجبهة الإسلامية7.

في خضم هذا الصراع السياسي تأسس أول معهد علمي عام 1972م في منطقة خولان شمال صنعاء (منطقة زيدية) لكن لم يصدر قراراً للدولة بخصوص تأسيس المعاهد العلمية إلا في عام 1974م. هكذا تطورت هذه المعاهد ونمت لتصل إلى 500 معهد في عام 1982م وبلغت 1200 معهد بعدد طلبة يصل إلى 600 الف طالب عند اغلاقها تماماً عام 2002م، عندما طبقت الحكومة اليمنية قرار إلغاء المعاهد وتوحيد التعليم عام 2001م متذرعة بالتزامها بالحرب ضد الإرهاب بعد حادثة تفجير السفينة الأمريكية كول في ميناء عدن بأكتوبر 2000م وقبل تفجيرات 11 سبتمبر بشهور8.

كانت المعاهد العلمية خط تعليمي موازي للنظام الحكومي سيطر عليه الإخوان المسلمين بشكل كبير واصبحت أحد أهم آليات التجنيد للانضمام لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت المعاهد العلمية تمتد في كل فصول المرحلة التعليمية من الابتدائية حتى الثانوية وتدرس ذات المناهج التعليمية مع مناهج اضافية في اللغة العربية والتربية الإسلامية واحياناً في بعض المراحل التعليمية كانت تضيف كتب في مناهج التاريخ حول تاريخ اليمن الإسلامي كما كانت هذه المعاهد لا تدرس منهج الفلسفة في الثانوية، وكانت فقهيا تدرس كل المذاهب السنية والمذهب الزيدي مع تركيز على المذهب الشافعي.

كانت المعاهد العلمية ادارياً ومالياً مستقلة عن وزارة التربية والتعليم بمصادر تمويل متنوعة، فكانت تتلقي أموالاً من الدولة اليمنية والحكومة السعودية اضافة لتلقيها تبرعات مالية، وحسب مسؤول يمني سابق "الدولة اليمنية في مرحلة من المراحل كانت تنفق على طالب المعاهد العلمية ست اضعاف ما تنفقه على طالب المدارس العامة9"، جدير بالذكر إن عدد طلاب المعاهد العلمية كان 13% من اجمالي الطلاب في المدارس العامة10.

كان معارضي المعاهد متعددين من يساريين وليبراليين وزيود الذين كانوا يعتبرونها أوكار تجنيد اخوانية وجزء من نشاط سعودي لنشر السلفية والتطرف باليمن، بينما مؤيدي المعاهد كانوا يرونها الوسيلة المثلى للقضاء على الفوارق المذهبية وتوحيد المرجعية الدينية لليمنيين.

بالطبع اتهام هذه المعاهد بإنها كانت اوكار تجنيد إخوانية لم يكن بعيد أبداً عن الصحة، فطابور الصباح لم يكن مثل بقية المدارس ينشد فهيا النشيد الوطني وهتاف الجمهورية بل كانت تستبدل بأناشيد الإخوان، فعوضاً عن النشيد الوطني كان نشيد سيد قطب " هو الحق يحشد أجناده..."، بعدها يهتف التلاميذ بشعار الإخوان المسلمين "الله غياتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

كانت هناك ايضاً مخيمات صيفية للطلاب الذكور، وهذه المعاهد الدينية والمخيمات الصيفية كانت تركز كثيراً على مفاهيم النشاط الدعوي والجهاد، مثل القاء محاضرات حول الدعوة النبوية ومراحلها من سرية الدعوة والتنظيم لعلنية الدعوة وسرية التنظيم ثم علنية الدعوة والتنظيم. اضافة للتركيز على التاريخ الجهادي مثل الشخصيات الإسلامية المقاتلة. اضافة للاهتمام بقضايا مثل أهمية الولاء للجماعة والطاعة للقيادة11.

كما كانت تستوعب المعاهد الكوادر الإخوانية المنفية من مصر وسوريا والسودان وغيرها من مناطق سواء كمدرسين أو مدرسات أو إداريين أو إداريات، بالتالي ارتباط هذه المعاهد بالإخوان المسلمين وتحولها لأوكار تجنيد للجماعة أمر تؤكده كل الشواهد وصعب التشكيك فيه12.

كانت المعاهد العلمية تدعو لتحريم الموسيقي وتفصل بشكل كامل بين الذكور والإناث، على كل المستويات، الطلاب والمعلمين والإداريين، وفي حال قلة اعداد النساء المعلمات في المعاهد الخاصة بالبنات بالذات في الأرياف كان يتم تعويض هذا النقص برجال متقدمين بالعمر. بالتالي، يمكن القول بسهولة إن هذه المعاهد كانت تعتمد التفسيرات الدينية الصارمة والأقرب للسلفية13.

هذه المعاهد كانت شديدة الجاذبية خاصة في الأرياف بسبب تباعد المسافات وصعوبة المواصلات وبالتالي صعوبة الوصول للمدرسة، لأنها كانت توفر سكن وتغذية للطلاب الذكور المقيمين في مناطق بعيدة. اضافة لهذا كانت لهذه المدارس سمعة جيدة في الانضباط الاخلاقي والسلوكي لطلابها، غير اهتمامها الكبير بالنشاطات مثل النشاطات الرياضية وبعضها شاق مثل تسلق الجبال وغيرها من انشطة خاصة بالذكور وكذا النشاطات المسرحية والاناشيد14. أما البنات فكانت نشاطاتهن عمل يدوي وطبخ وايضا تدريب على الأناشيد والعمل الدعوي وليس من بينها رياضة15.

جدير بالذكر، كان خريجي المعاهد العلمية غير مسموح لهم دخول الجامعات العادية، كانوا يقبلون فقط في المعهد العالي للمعلمين وبعد ثلاث سنوات يأخذوا دبلوم تؤهلهم لتعليم المرحلة الابتدائية، أو بعد خمس سنوات يأخذوا دبلوم عالي تؤهلهم للتدريس في المراحل العليا، مما يعني امتداد تأثير هذه المعاهد للمدارس العامة من خلال المدرسين خريجي هذه المعاهد16.

كانت تجربة المعاهد العلمية من أهم تجارب التعليم الديني من حيث عدد من التحقوا بها أو طول مدتها (1974-2001) أو من حيث حجم الدعم المادي وبنيتها التنظيمية والإدارية حيث كانت مئات المعاهد ممتدة على كامل مساحة اليمن الشمالي، وكذلك تأثيرها لأنها افرزت جيل كبير من المدرسين والمدرسات المنتشرين في كل المدارس اليمنية ومتأُثرين بأفكارها كما خلقت جيلاً كاملاً من الإخوان أو المتأُثرين بهم.

التعليم الديني السلفي

كان أول معهد سلفي باليمن بناه الشيخ هادي بن مقبل الوادعي عام 1979م عندما عاد من المملكة العربية السعودية بعد سجنه بتهمة المشاركة مع جهيمان العتيبي في محاولة الاستيلاء على الحرم المكي عام 1979م. يعد الشيخ هادي بن مقبل الوادعي مؤسس السلفية في اليمن بلا منازع، وهو كان عالم دين زيدي من قبيلة الوادعة في صعده لكنه سافر للسعودية في خمسينات القرن الماضي وتحول عقائدياً من الزيدية للسلفية، وقال الشيخ هادي الوادعي إن أبرز دوافع تحوله العقائدي هو التمييز في المذهب الزيدي بين الهاشميين وابناء القبائل17.

أسس الشيخ الوادعي معهد "دار الحديث" في قرية دماج التي تقع ضمن أراضي قبيلة الشيخ هادي الوادعي في محافظة صعده "معقل الزيدية"، والتي تكفلت بحمايته وحماية نشاطه ضد تذمر وغضب المرجعيات الدينية الزيدية في المنطقة18.

كانت تسمية المعهد بدار الحديث أمر ذو دلالة، فالسلفيون بمناهجهم يركزون على أهمية الحديث وبالتالي بمباحث الجرح والتعديل المتعلقة بتقييم شخصيات رواة الأحاديث النبوية، وكانت تطبق مناهج الجرح والتعديل على شخصيات العصر الحالي وبالتالي كانت أداة جيدة بيد السلفيين ضد خصومهم.

هذا أيضاً له علاقة باهتمام السلفيين المطلق بفكرتين أولها: اقتباس كل الأحكام الدينية من نصوص دينية سابقة أو احكام فقهية سابقة للسلف الصالح، والحديث يوسع دائرة النص المقدس بالتالي يمنع أية استنتاجات وأحكام شخصية لأن عقل الانسان تحكمه الأهواء حسب السلفية، بالتالي ترفض السلفية كل المناهج الفقهية المعروفة مثل القياس والإجتهاد وكل ما لا يعتمد على النصوص الدينية حرفياً.

ثانيها: انشغال السلفية الدائمة بفكرة نقاء وتطهير الدين الإسلامي والتمييز بين ما هو مسلم صحيح وغير مسلم. لذا هو منهج يميل للقطيعات ولا يقبل المخالفين، وبسبب عدم وجود الحد الأدنى لقبول الاختلاف فسرعان ما دبت الخصومات والخلافات بين ابناء هذا التيار.

أصبح مركز "دار الحديث" أحد أهم المراكز الدينية التي تستقطب ليس فقط تلاميذ من كل انحاء اليمن بل من كل انحاء العالم، مثل القرن الأفريقي وأمريكا واندونيسيا وأوروبا الغربية والدول العربية مثل مصر والجزائر. فعلى سبيل المثال في منتصف العقد الأول للألفية الثانية بلغ عدد طلاب المركز من حاملي الجنسية الفرنسية فقط لما يزيد عن مئة19، كما كان المركز يوفر سكن وتغذية لبعض الطلاب.

كان معظم مدرسي الدار سبق لهم والتعلم من خلال جامعات المملكة السعودية كما كانوا يعتمدون في مناهجهم على كثير من كتب علماء السعودية مثل ابن باز وابن عثيمين والفوزان واللحيدان وربيع المدخلي20، إضافة إن المعهد كان يتلقي أموالاً من علماء سعوديين مقربين من الأسرة المالكة مثل الشيخ ربيع المدخلي.

كان هذا التيار السلفي يدعو لعدم التدخل في السياسة والانشغال بالدعوة فقط، لذا يطلق على نفسه اسم "السلفية العلمية" وهو يحرم العمل الحزبي ويؤمن بفكرة طاعة ولي الأمر بشكل مطلق كما كان يعارض بشده التيارات الجهادية لأنه يحرم الجهاد دون إذن ولي الأمر، بينما كان خصوم هذا التيار يطلقون عليهم تسمية السلفية "المدخلية" نسبة للعالم السعودي ربيع المدخلي.

كانت العلاقة بين المعهد والحكومة اليمنية في عهد الرئيس السابق صالح (1978-2012) جيدة، فالحكومة لم تكن تتدخل فيما يدرسونه، ولم تلتفت لشكوى بعض ابناء محافظة صعده الزيود من هذا المعهد خاصة إنهم كانوا يتجهون لاعتبار الزيدية فرقة ضالة، بل كانت الحكومة اليمنية تتعهد لهم بالأمن والحراسة21.

بنيت معاهد أخرى على شاكله معهد دار الحديث من تلامذة الشيخ هادي الوادعي أو رفاقه أبرزها معهد دار الحديث في مأرب لأبو الحسن المصري أو المأربي، معهد معبر في ذمار ومعهد الأفيوش في عدن لعبد الرحمن العدني.

استمر معهد دار الحديث بالعمل بعد وفاة الشيخ الوادعي في 2001م بعد نزاع حول خلافته حتى بدأ الحوثيون بمحاصرة قرية دماج منذ منتصف اكتوبر حتى أواخر ديسمبر عام 2011 ثم تلاها حصارهم الثاني أواخر عام 2013 والذي انتهى في يناير 2014 بعد إجلاء سكان القرية الذين كان عددهم حينذاك قرابة 15 ألف22.

جدير بالذكر إن دماج لم تكن مجرد قرية تستضيف معهد علمي، بل اصبحت مكاناً تأسس فيه مجتمع متعدد الجنسيات قائم على أسس دينية صارمة ومتشددة، استوطنه بعض اليمنيين وغير اليمنيين، وتعذر الحوثيون بوجود الأجانب عند محاصرتهم القرية وإنهم يطالبون بإخراج الأجانب من دماج.

لم تكن صعده المكان الصدامي الوحيد لتواجد السلفيين، فبعد الوحدة اليمنية عام 1990م بدأ نشاطهم في تريم بمحافظة حضرموت الجنوبية وتريم هي معقل الصوفية في اليمن، وبدأوا ينشطوا في المساجد بتريم مثل مسجدي التوحيد والسنة لأبو الحسن المأربي وهو أحد تلاميذ هادي الوادعي23، مما تسبب في انقسامات وتوتر إذ يعتبر السلفيون الصوفيين مجرد فرقة ضالة.

شهدت التسعينات نشاطاً واسعاً للسلفية وانتشرت كتبهم وأشرطة التسجيلات الخاصة بهم، وظهرت تيارات سلفية أكثر نشاطاً، مثل تأسيس جمعية الحكمة في تعز عام 1990 حيث كان يرفض الشيخ الوادعي العمل الخيري معتبراً إنه شكل من اشكال الحزبية، وبدأت جمعية الحكمة تتلقي أموالاً ودعم من الجمعية الكويتية "احياء التراث الإسلامي لصاحبها الشيخ السلفي عبد الخالق عبدالله، ثم انقسمت جمعية الحكمة وتأسست منها نسخة جنوبية تسمي جمعية الإحسان في حضرموت عام 1992م24، وكانت تتلقي أموالاً من قطر25.

أبرز نتائج تشكل هاتين الجمعيتين إنهما نشطتا بالعمل الخيري وتأسيس مراكز تحفيظ القرآن الكريم مثل مركز "عاصم" ومركز "المنار" في صنعاء كما اسست معاهد ومساجد مثل "الفرقان" بتعز و"البيحاني" في إب وغيرها مما زاد من انتشار السلفية في بقية انحاء الجمهورية.26

كما تأسست في بداية التسعينات جامعات سلفية مثل جامعة الإيمان في صنعاء عام 1993 برئاسة الشيخ عبدالمجيد الزنداني وكانت تدرس علوم شرعية وقضاء، ومن المهم معرفة إنه لم يكن مسموح لطلاب هذه الجامعة الانخراط في سلك القضاء بعد تخرجهم27. كذلك جامعة الأحقاف بحضرموت التي تأسست عام 1994 والتي كانت فيها تخصصات هندسة وعلوم كمبيوتر اضافة للعلوم الشرعية28، وكانت هذه الجامعات تتلقى دعماً وتمويلاً من جمعيات ومشايخ سعوديين ومثلها مثل بقية المعاهد السلفية بعضها يوفر للطلاب سكن وإعالة.

العلاقة مع السعودية

منذ بداية نشاط السلفية في اليمن في مقتبل السبعينات كانت علاقتها قوية بالسعودية بسبب تلقي معظم اتباعها لأموال من مشايخ سعوديين واعتماد معظم معاهدها على كتب ألفها علماء سعوديين، لكن هذا لا يعني إن العلاقة كانت على وفاق تماماً أو لم تكن تتأثر بتذبذب العلاقة بين اليمن والسعودية.

فمثلأ كانت العلاقة فاترة بين الشيخ هادي بن مقبل الوادعي والحكومة السعودية بعد أن طردته بتهمة كتابة رسائل جيهمان العتيبي اثناء استيلائه الحرم المكي عام 1979م، وظل الوادعي يوصف السعودية بأرض الحرمين ونجد وليس السعودية مشككاً بشرعية آل سعود29، لكن هذا لا يعني إنه لم يكن يتلقى تمويلاً سعودياً من بعض العلماء السعوديين مثل ربيع المدخلي وعبدالعزيز بن الباز المقربين من الأسرة المالكة اضافة إنه كان يتلقى أموالاً من مؤسسة الحرمين الخيرية والتي تأسست عام 88 (تقريباً) واغلقت عام 2004 بتهمة تمويل الإرهاب30.

كانت العلاقة أيضاً تتأثر بطبيعة العلاقة المتوترة بين اليمن والسعودية، ففي عام 1990 وبسبب اصطفاف اليمن مع العراق عادت جالية يمنية تصل لقرابة المليون من السعودية لليمن بسبب التشديدات على إقامتهم، مما خلف مرارة شديدة لدى الكثير من اليمنين خاصة لدى ابناء منطقة حدودية مثل صعده كانت تشهد يومياً عودة الالآف بممتلكات بسيطة وأموالاً قليلة بعد سنوات طويلة من العمل في السعودية. هذا ربما ما دفع الوادعي للهجوم على الأسرة المالكة السعودية والملك فهد لأنهم (حسب وصفه) يخلقون العداء بينهم وبين اليمن بأخذ الثروة لأنفسهم. ثم توترت العلاقة مرة أخرى في الحرب الأهلية اليمنية عام 1994م، عندما قررت السعودية دعم الانفصال الذي دعي له الحزب الاشتراكي في الجنوب، حينها اتهمهم الوادعي بدعم الشيوعيين بالجنوب والقبائل الزيدية بالشمال31.

في مطلع الألفية الثانية عندما مرض الوادعي، استقبلته السعودية للعلاج وكانت أول مرة يزورها منذ خرج منها مطروداً عام 1979م وألتقي بالأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود وانفقت السعودية على علاجه في ألمانيا وأمريكا، هذا وظلت أمريكا في رأي الشيخ هادي حتى بعد زيارتها للعلاج مجرد وكر للكفر والفساد.

ثم عاد الشيخ هادي للسعودية التي توفي فيها عام 2001 ليدفن في ذات المقبرة التي دفن فيها كبار علماء السعودية مثل بن باز وغيرهم في مكة، لهذا اثناء تلقيه للعلاج بالسعودية دعا الوادعي طلابه للتخلص من كل محاضراته وشرائطه التي كان ينتقد فيها السعودية بل ودعاهم للوقوف مع السعودية ضد اعدائها32.

من الصعب افتراض إن هناك انفصال بين السلفية والسعودية في اليمن، لكن هذا لا يعني إن السلفيين لا يتأثرون بحساسيات وتعقيدات العلاقة بين الدولتين الجارتين السعودية واليمن وتنعكس على آرائهم تجاه السعودية المتقلبة بين التأثر والنقد والإعجاب والنقمة في ذات الوقت.

سيولة السلفية

تعد السلفية حالة سائلة فهي فكر منتشر بسبب بساطته ومباشرته لكنه لا يحمل أي شكل من اشكال التنظيم، وبسبب التزام السلفية الصارم بمبدأ طاعة ولي الأمر لم تنخرط يوماً في معارضة سياسية فعلية ضد النظام السابق، بل إن نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان يوظفهم سياسياً في بعض الأوقات مثل حرب 1994م أو حرب صعده ضد الحوثيين.

تغير الوضع بعد انتفاضة2011 والتي تسببت في انقسام السلفية في موقفها تجاه هذه الانتفاضة. يمكن القول إن الغالبية العظمي من السلفيين كانوا معارضين لهذه الانتفاضة باستثناء جمعية الإحسان وإلى حد ما جمعية الحكمة في تعز، وانبثق منهما اثناءها ائتلاف "الإحسان الإٍسلامي"33.

بعد 2011م تعرضت السلفية لانقسام آخر حول المشاركة السياسية وتكوين أحزاب، ومن اللافت إن أول حزب سلفي تأسس كان حزب "النهضة الإسلامي" الذي تشكل في مارس 2011م وكان يدعو لانفصال الجنوب34، ثم تشكل حزب "الرشاد" في مارس 2012م ومعظم مؤسسي الحزب كانوا ينتمون لجمعية الإحسان، بينما انبثق حزب "السلم والتنمية" من جمعية الحكمة35.

بعد الحرب ازدادت السلفية انقساماً وتوزعت على جميع الأطراف، فاستقطبت الإمارات سلفيين يقاتلون معها أبرزهم هاني بن بريك أحد تلامذة الشيخ هادي بن مقبل وصار الآن قيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، أما السعودية فقد استقطبت سلفيين أبرزهم أبو الحسن المأربي وهو أيضاً تلميذ للوادعي، كما استقطبت قطر بعض السلفيين مثل جمعية الاحسان في حضرموت، حتى الحوثيين نجحوا في استقطاب بعضهم مثل محمد طاهر أنعم من حزب الرشاد ومحمد عزالدين الحميري من حزب السلم والتنمية 36.

كما ترك الحوثيون بعض المعاهد السلفية تعمل مثل دار الحديث بدماج الذي لايزال يعمل لكن يقتصر تلاميذه على ابناء المنطقة خاصة ابناء قبيلة وادعة قبيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي37، وكذلك معهد معبر في ذمار، ويمكن تفسير هذا السلوك من الحوثيين الذين اغلقوا المعاهد الزيدية ومنعوا حلقات التدريس الزيدي في المساجد ببراجماتية جماعة حاكمة في التعامل مع السنة الذين يمثلون جزء كبير ومهم من السكان الواقعين تحت سيطرتهم وكذلك استعراض لانفتاحهم على الآخرين وعدم تعصبهم المذهبي.

المدارس الصوفية

صارت المدرسة الصوفية هي الحاضن الأخير للمذهب الشافعي باليمن، والصوفية ليست مذهب فقهي بل مدرسة سلوكية وتربوية تركز على الجوانب الروحانية فيما يعرف بمرتبة الإحسان والتزكية في الدين الإسلامي.

لازالت المدارس الصوفية موجودة وحاضرة في بعض مناطق اليمن مثل تهامه وتعز والبيضاء وعدن وحضرموت، بينما تحتفظ مدينة تريم في وادي حضرموت بموقعها كمعقل للصوفية باليمن.

تعرضت المدارس الصوفية بالجنوب وفي حضرموت وتريم تحديداً للإغلاق وعلمائها بعضهم سجن أو قتل اثناء مرحلة الحزب الإشتراكي (1969- 1990)، ثم تعرضت أَضرحتهم للتدمير في عامي 1994- 1995م من قبل ميلشيات مسلحة تابعة للإسلاميين الذين شاركوا مع قوات حكومة صنعاء في حربها ضد الحزب الإشتراكي في حرب 1994م38.

من اللافت إن في حرب 1994م قرر كثير من الصوفيين الاصطفاف مع الحزب الإِشتراكي رغم تنكيله بهم39، مما فسره البعض انحيازاً للسعودية كما يمكن تفسيره إن معظم قيادات الإنفصال في تلك الحرب كانوا ينحدرون من أسر هاشمية حضرمية مثل علي سالم البيض وحيدر العطاس وعبدالرحمن الجفري وغيرهم.

منذ منتصف التسعينات بدأ النشاط الصوفي وتأسس عام 1996 دار المصطفى وكان ضمن مؤسسيها الحبيب علي الجفري وهو ابن السياسي اليمني عبدالرحمن الجفري رئيس حزب "الرابطة" وهي حركة انفصالية جنوبية كانت تدعمها السعودية، والحبيب الجفري من مواليد السعودية وقضي جزء من عمره في الإمارات. أما المؤسس الثاني للدار هو الحبيب عمر بن حفيظ الذي قتل والده من قبل الإشتراكيين عام 1972م لتلجأ أسرته للشمال في البيضاء حيث تلقى تعليمه من الشيخ الصوفي الشهير حسين محمد الحيدر40.

ثم أصبح الحبيب عمر بن حفيظ المسؤول الأساسي عن دار المصطفى التي صارت مركز عالمي للصوفية يدرس فيها ما يتجاوز الأربعين جنسية والآف الطلاب من الخارج، وكانت هذه التجربة لاقت بعض المعارضة من الصوفية التقليدية بسبب تجديدها للمناهج والأساليب التعليمية لكنها استمرت حتى الآن بنجاح غير مسبوق. المدارس الصوفية عادة تتلقي دعمها من الجاليات الحضرمية المهاجرة في الخليج وشرق آسيا41.

بعد انتهاء حرب 94م وتخلص الرئيس علي عبدالله صالح من خصمه الإشتراكي بالجنوب، بدأ صالح يتيح المجال ويدعم أكثر المدارس الدينية الأخرى غير السلفية والإخوانية لكي يضعف من شوكتهم. لذا بعد خروج حزب الإصلاح من ائتلاف الحكومة عام 1997م، بدأ يظهر التقارب الصوفي- الحكومي وأصبح الشيخ الصوفي محمد علي مرعي عضو في حزب المؤتمر الشعبي العام وأسس في عام 2000م كلية العلوم الشرعية في الحديدة، وكان بعض الإخوان المسلمين يدعون إن خريجي هذه الكلية يجدون وظائف حكومية بسهولة مما يعني دعم حكومي لهم.

منذ عام 2002م بدأ الرئيس السابق صالح زياراته لدار المصطفي وبدأ مؤسسي الدار الحبيب الجفري والحبيب بن محفوظ يظهران في بعض برامج التلفزيون الرسمي اليمني، وفي انتخابات البرلمان لعام 2003م نشط مشايخ الصوفية في حضرموت وغيرها لدعم مرشحي حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم.

هكذا بدأت تظهر غلبة التيار الصوفي، ففي مركز المدينة بتريم صار يفرض على المراكز السلفية مثل مكتبة محمد بن عبد الوهاب اغلاق ميكروفوناتها ليلة كل يوم اثنين احتراماً لتجمع مشايخ دار المصطفى42.

كما إن الصوفية باليمن وعلى عكس الزيدية المعزولة والهامشية النسبية لتيار السلفية باليمن، تمتلك شخصيات مؤثرة بالخارج مثل الحبيب الجفري والحبيب عمر بن الحفيظ الذين لديهما اتباعاً خارج اليمن، اضافة لاستقطاب المدارس الصوفية اليمنية لآلاف الطلاب من شرق آسيا وأفريقيا.

في بداية الحرب الحالية عام 2015 اعلنت القاعدة سيطرتها على المكلا عاصمة حضرموت وبعض مناطق وادي حضرموت، وتعرضت أضرحة الصوفية مجدداً للتدمير ومن اللافت تماهي السلفيون مع القاعدة. في المقابل، لم يصدر أي رد من قبل المرجعيات الدينية الصوفية التي ترفض تاريخياً الانخراط في العنف فبحسب عرفهم لابد من " حفظ اللسان من الذم وحفظ اليد من الدم"43. في شهر أبريل 2016 تمكنت قوات الحكومة اليمنية بدعم من التحالف من القضاء على داعش في حضرموت، لتعاود الصوفية صعودها وتأُثيرها السياسي والإجتماعي.

مع تزايد حدة الصراع بالجنوب وتصاعد المطالب بالإنفصال عن الشمال بدأت تظهر المخاوف في محافظة حضرموت( اكبر محافظات اليمن مساحة) من مستقبلها كمكون اجتماعي ووحدة مناطقية ضخمة وذات ثروة بترولية، لذا شارك الصوفيون والسلفيون كغيرهم من المكونات الإجتماعية الحضرمية في مؤتمر حضرموت الجامع بأبريل 2017م، وكان ابرز من مثل الصوفية حينها الشيخ عبدالرحمن باعباد ومن جانب السلفية كان الشيخ صالح الشرفي. يقول أحد الصحفيين في حضرموت إن الرغبة في لملمة الوضع الداخلي في حضرموت وتوحيد الجبهة الحضرمية لتحقيق طموحات الحضارم في المزيد من الاستقلالية والحصول على سلطة أكبر أدى لهدوء سلفي- صوفي، بمنطق "كلنا حضارم"44.

يعد الحبيب الجفري أحد أبرز رموز الصوفية في العالم الإسلامي وأكثر شيخ صوفي يحتفي به الإعلام منذ سنوات طويلة، ولقد دعمته الإمارات العربية المتحدة التي تمول مؤسسة طابة التي أسسها ويديرها الحبيب الجفري منذ عام 2005م، ولها نشاطات في عدة دول أبرزها مصر45. مؤخراً صار الحبيب الجفري يتخذ مواقف سياسية معلنة ومثيرة للجدل مثل زيارته للقدس في 2012 ثم دعمه للسيسي بمصر46.

مع تصاعد دور الإمارات في الجنوب ودعمها للانفصاليين هناك وانقسام الجنوب تجاه سياسة الإمارات وحلفائها، يتحول الحبيب الجفري من رمز صوفي فوق الانقسامات لشخصية مثيرة للجدل في اوساط الصوفية بحضرموت، لذا يؤكد بعضهم إن الجفري فقد الكثير من شعبيته ومصداقيته بسبب ارتباطه المادي بالإمارات ونشاطه السياسي غير المقبول لدى الكثير من الصوفية47. بينما اعتبر البعض الآخر إن مكانته لم تهتز خاصة إنه لم يخوض في قضايا سياسية جدلية كما إن شعبية الإمارات وحليفها المجلس الانتقالي جيدة بساحل حضرموت بينما الأمر يختلف في حضرموت الوادي48.

هكذا تتفاوت الآراء الشخصية حول الحبيب الجفري حسب موقفها من سياسة الإمارات في الجنوب أو موقفها من تدخل رجال الدين عموما في الشأن السياسي. إجمالاً، لازالت المدارس الصوفية بعيدة عن السياسة، وإن كان هذا لا يعني إن كل علماء الصوفية ملتزمين بهذا التوجه. كما إن من المحتمل مستقبلاً أن تواجه المدارس الصوفية تحديات كبيرة بسبب تزايد الصراع الإقليمي بالجنوب وتحديداً حضرموت، خاصة من قبل السعودية والإمارات اللتان تستخدمان الدين في تدخلاتهما السياسية.

المدارس الزيدية

المذهب الزيدي موجود بشمال اليمن منذ أكثر من ألف عام، وكان يدرس بالشكل التقليدي بالمساجد والمدارس الدينية التقليدية، حتى قامت الثورة ضد الإمامة الزيدية وبدأ يتعرض علماء الزيدية لمضايقات خاصة إن معظم علماء الزيدية من هاشميين كانوا مؤيدين للإمامة ضد النظام مما اثار الشبهات حولهم وبعضهم تعرض للقتل والسجن اثناء الحرب الأهلية بين الطرفين (الجمهوري- الملكي)، والتي استمرت قرابة ثمان سنوات (1962-1970).

كما سبق ذكره، منذ منتصف السبعينات بدأ التمدد السني- السلفي في كل انحاء شمال اليمن بما فيها المناطق الزيدية بدعم الحكومة اليمنية وتمويل السعودية، مقابل عدم قدرة المدرسة الزيدية للتطور حيث ظلت محصورة على حلقات المساجد خاصة في صعده مثل مسجد الإمام الهادي والجامع الكبير في صنعاء.

أبرز ما يميز الزيدية كمدرسة دينية هو اعتمادها على العقل والمنطق بحكم إنها ذات اصول معتزلية (المعتزلة هم مدرسة فلسفية اسلامية)، لكنه مذهب لا يمتلك شخصية فقهية مستقلة وتأثر بشكل أو بآخر بالمدارس الفقهية السنية خاصة الحنفية، والزيدية في هذا الإطار لا تلتزم كثيراً بالأحاديث وتتبع قاعدة أخذ ما يتفق منها مع القرآن، كما تفتح باب الاجتهاد واسعاً. لذا يعتبر الكثيرون المذهب الزيدي مجرد نظرية سياسية للحكم أبرز مفاهيمها، تبرير الخروج على الحاكم الظالم وتمنح أفضلية لآل البيت.

الطبيعة السياسية للمذهب الزيدي تسببت في قلق الحكومات الجمهورية المتعاقبة من أي نشاط لها، وفي المقابل توسعت السلفية مما أدى لخلق مشاعر قلق وغضب لدى بعض المرجعيات الزيدية التقليدية وهي هاشمية في معظمها وعبرت عنه عندما بدأ الانفتاح في المجال العام وفتح الباب للممارسة السياسية الحرة وتأسيس الأحزاب مع بداية الوحدة اليمنية عام 1990، حينها تأسس حزب إسلامي سني كبير وهو حزب "التجمع اليمني للإصلاح" وحزبين إسلاميين زيديين هما حزب "الحق" وحزب "اتحاد القوى الشعبية".

جمع حزب "الحق" معظم الشخصيات الزيدية المهمة وأبرزها العلامة الزيدي الأبرز منذ قبل ثورة سبتمبر 1962م وبعدها وهو الشيخ مجد الدين المؤيدي والذي كان مدرس الشيخ بدر الدين الحوثي، وكان من أبرز ما أعلنه الحزب في بداية تأسيسه هو اصدار بيان يوضح إن الحزب يحارب الامبريالية الأميركية التي تتجسد بالوهابية السعودية49.

لم يكن التحرك مجرد سياسي بل أصبح أيضاً تعليمي، لذا بدأ تأسيس بعض المعاهد الزيدية أشهرها معهد السماوي في صعده ومعهد بدر للشيخ المرتضى المحطوري، الأبرز والأهم هو محاولة محاكاة المعاهد العلمية للإخوان المسلمين بتأسيس مخيمات صيفية للشباب الزيدي أطلق عليها مخيمات " الشباب المؤمن".  جدير بالذكر إن ابناء بدر الدين الحوثي حسين ومحمد وحميد سبق ودرسوا في المعهد العلمي بصعده ورغم إنه كان مثل غيره تحت اشراف الإخوان المسلمين، فهو كان المعهد الوحيد باليمن الذي يدرس مناهج دينية زيدية نظراً لخصوصية المدينة50.

لمواجهة انتشار السلفية في المناطق الزيدية بدأ بعض علماء الزيدية ورموزها تأسيس مخيمات دينية زيدية بداية التسعينات تقريبا عام 1993م عندما تأسس أول مخيم في منطقة الحمزات بصعده وهي منطقة هجره، والهجرة هي مناطق محمية من القبائل اليمنية ولا يجوز القتال فيها. هكذا وصل مرتادي هذه المخيمات من الشباب ما بين 10 الف- 15 الف ما بين عامي 1994-1995، ثم بدأت تتوسع لتشمل محافظات أخرى غير صعده مثل عمران وحجه والمحويت وذمار بل وفي بعض المناطق الشافعية تقريبا مثل إب وتعز51.

تلقت هذه المخيمات دعماً مالياً بسيطاً من الحكومة اليمنية التي وجدت فيهم وسيلة لتخفيف قوة السلفيين والإخوان في المناطق الزيدية خاصة بعد تراجع أهميتهم لدى الحكومة اليمنية بعد حرب 1994 وهزيمة الحزب الاشتراكي بالجنوب.

كانت هذه المخيمات الصيفية تحاكي المعاهد العلمية ومخيمات الإخوان من حيث الاهتمام الكبير بالنشاطات الفنية والرياضية، اضافة لتدريس المناهج الدينية وهي كتيبات دينية صغيرة لا تثير أية قضايا سياسية أو مذهبية، تقدم مجرد معرفة دينية مبسطة. تكمن أهمية هذه المخيمات إنها أسست لأول مرة مجتمع شاب تجمعه فكرة الهوية الزيدية، ابناء قبائل وهاشميين، كما استطاع من خلالها بعض الشخصيات الزيدية اكتساب تأثير ونفوذ على هؤلاء الشباب.

استمرت هذه المخيمات بالعمل حتى عام 2000م عندما عاد الأبن الأكبر لبدر الدين الحوثي وعضو البرلمان لمرتين، حسين الحوثي، من دراسته في السودان وبدأ الخلاف بينه وبين بعض مؤسسي المعاهد مثل محمد عزان حتى انقسمت هذه المخيمات في عام 2002م لقسمين، قسم يتبع عزان وقسم يتبع الحوثي52. القسم الذي كان يتبع الحوثي بدأ بتبني مواد دراسية سياسية كانت مرفوضة من قبل بعض المؤسسين. اغلقت هذه المخيمات كلياً بعد اندلاع حروب صعد بين جماعة حسين الحوثي والقوات الحكومية في عام 2004م.

التيار الحوثي

الحوثيون حركة زيدية يعود اسمها لاسم عائلة مؤسسها حسين الحوثي الذي نشط سياسياً من خلال نقد الحكومة وتحشيد الجماهير منذ عام 2000م. حسين الحوثي قتلته القوات الحكومية في أول جولة قتال من حروب صعدة في سبتمبر 2004، ثم اندلع القتال خمس مرات تالية ما بين 2004-2010، بعدها بأربع سنوات القوات الحوثية استولت على العاصمة صنعاء.

العقيدة الإيديولوجية للحوثي كانت متطابقة مع الزيدية في القضايا الرئيسية مثل شرعية اسقاط الحاكم الظالم والمستبد ومنح أفضلية لآل البيت، لكنهم اتخذوا مواقف مغايرة للزيدية في قضايا أخرى.

أولها: تبني الحوثيون آراء مستلهمة من خطاب الثورة الإيرانية مثل محور المقاومة ضد قوى الاستكبار، فيما يعد خطاب معادي للإمبريالية.

ثانيها: يعتبر الحوثيون نظرية ولاية الفقيه التي تبناها الخميني تأثر بالمذهب الزيدي، لأنها نظرية مختلفة عن النظرية الشيعية الاثنا عشرية التقليدية التي تقضي بانتظار المهدي المنتظر، بينما ولاية الفقيه كالزيدية تدعو للخروج على الحاكم الظالم وتولي الحكم. في المقابل، تأثر الحوثيون بالوضعية المقدسة لولي الفقيه الذي يأخذ الكثير من صلاحيات وسلطات الإمام الغائب والمعصوم عن الخطأ، وفكرة العصمة عن الخطأ تناقض تماما الزيدية وفرضية الحكم فيها لأنها تفترض إن الإمام قد يكون ظالم مما يسمح بالخروج عليه.

ثالثها: فكرة العلم والقرآن، يركز الحوثي على فكرة القائد العلم وهي فكرة رغم جذورها الزيدية لكن تركيز الحوثي عليها غير مسبوق مع اضفاء فكرة ربطها بالقرآن. العلم كمفهوم يعني العلامة المميزة التي تقود الناس لا يختلف عن تعريف الحوثيين للكلمة لكن مع إضافات مهمة. فالحوثيين طوروا المفهوم التقليدي للعلم كقائد ملهم وأضفوا عليها قدر من القدسية بربطها بالقرآن. بالتالي الزيدية التقليدية ترى العلم هو قائد الأمة بينما الحوثية يرون فيه الشخص الذي يجسد القرآن مما منح لقائدهم قدسية لم يمتلكها أي إمام زيدي سابق.

في هذا السياق، من المهم معرفة إن الحوثي لا يعترف بأي نص مقدس سوى القرآن كما يرفض التعامل مع كل كتب التراث الإسلامي، بسبب رفضهم فكرة التعامل مع النصوص البشرية بكل أشكالها من منطلق الحفاظ على نقاء الدين، مما يتناقض كلياً مع المذهب الزيدي.

ثالثها: فكرة الطاعة والولاء والوحدة، كأي جماعة دينية حركية سياسية بالدرجة الأساسية ينشغل الحوثيون كثيراً بالتأكيد على ضرورة وحدة الأمة، وهذه الوحدة حسب الفرضية الحوثية لا تتأتى إلا بطاعة القائد رغم إن مفهوم الطاعة المطلقة للحاكم تناقض الزيدية التي تشرعن التمرد على الحاكم الظالم.

رابعها: التركيز على التشيع ومعاداة السنة، من المهم في هذا الإطار معرفة إن الزيود في اليمن لطالما اعتبروا أنفسهم اتباع مذهب لا هو سني ولا شيعي، وهذا كله مفهوم لأقلية عاشت طويلاً وسط بحر من السنة. في خطابات حسين الحوثي مؤسس جماعة الحوثي والتي تعد الأدبيات الاساسية لجماعة الحوثي يتم التركيز دوماً على الزيود كجزء من الشيعة مركزاً على تقاربهم مع شيعة إيران وغيرهم، اضافة لآرائه الصدامية تجاه السنة ورموزها بما يخالف التيار الزيدي السائد في اليمن المتسامح مع الرموز السنية مثل الصحابة53.

الخلاف بين الحوثي والزيدية التقليدية حاضر لكنه خافت بسبب الخوف ومن أبرز علماء الزيدية المعارضين لتوجههم هو العالم يحيى الديلمي، ومن خلال حوارين مع اثنين من علماء الزيدية الذين رفضوا ذكر أسمهم اتهموا الحوثيين بالتضييق أكثر من النظام السابق الذي أولى اهتماماً بالتعليم السلفي على حساب الزيدية لكنه لم يعطل نشاطهم ولم يحاول سجن وتهجير بل وقتل المعارضين له من علماء الزيدية مثلما يفعل الحوثي. فحسب كلامهم تم اغلاق المراكز التعليمية الزيدية بقوة السلاح من قبل الحوثيين بحجة إنه لا ضرورة لهذا الدراسة والكتب كلها التي قد تشتت اهتمام الناس عن القرآن54.

الدورات الحوثية

يسيطر الحوثيين على كل المناطق الزيدية باليمن، وبعد اغلاقهم للمراكز التعليمية الزيدية وتهميش المراجع الدينية الزيدية التقليدية وتصعيد أخرى بديلة مثل شمس الدين شرف الدين وهو مفتي الجمهورية حالياً المعين من قبل الحوثيين، يهيمن الحوثيون الآن على الخطاب الزيدي وينشرون افكارهم من خلال تغييرهم مناهج التعليم والدورات الثقافية.

الدورات الثقافية هي دروات اجبارية على موظفي القطاع الحكومي وعلى الشباب الذاهبين للجبهة أو لجذب شباب آخرين لإضافة لائمة المساجد والنساء خاصة مديرات المدارس، هذا غير استهدافهن بمجالس النساء في المنازل مثل تجمعات العزاء وغيرها.

هذه الدورات تستمر من عشر أيام لعشرين يوماً، وفيها يقدم للمتلقين خطابات حسين الحوثي الذين يعتبروه أصح ما قيل بعد القرآن ومعظمها خطب تركز على الولاية والجهاد وأفضلية آل البيت. هذه الدورات لا تخلو من اساءات مذهبية للسنة، رغم إنهم قد يجبرون على المشاركة فيها موظفين حكوميين سنة، مثل الإساءة للصحابة ببعض التسجيلات والأشرطة والتشكيك في معتقداتهم الدينية.

كما يقدم فيها محاضرات بعض المقاتلين الحوثيين القدامي ليشرحوا كيف كانوا فئة مستضعفة وبتمكين إلهي أصبحوا قوة ضاربة لا يستهان بها، اضافة لبعض التسجيلات الإيرانية حول معارك علي بن أبي طالب ومذبحة كربلاء التي وقعت في ذريته55. كذلك بدأ الحوثيون استهداف الأطفال من 6-12 سنة بمخيمات صيفية لتدريس أفكارهم كما تشمل بعض الأنشطة، تحديداً الرياضية.

الأصالة والهوية

بينما شهدت السلفية صعوداً كبيراً باليمن بسبب الدعم والتمويل السعودي منذ منتصف التسعينات اضافة للتأثير الثقافي الذي انعكس على اليمنيين من وجود ملايين المهاجرين في السعودية، ظلت الزيدية والصوفية تقدمان أنفسهما في مواجهة السلفية بصفتهما فكران يمنيان أصيلان في مواجهة فكر وهابي مستورد من السعودية.

في المقابل، فإن السلفية كانت تتهم الزيدية والصوفية بإنها مدارس تعطي امتيازات لآل البيت ( السادة في حالة الزيدية) (الحبايب في حالة الصوفية) وإن آل البيت (الهاشميين) هم غير يمنيين، فاليمنيين هم عرب الجنوب ممن يطلق عليهم (القحطانيون) بينما الهاشميين هم من قريش أي عرب الشمال (العدنانيون)، وهذا عداء تاريخي قديم بين الطرفين يستثيره السلفيون ويلقى شعبية لدى بعض اليمنيين.

كما تنخرط كل من الصوفية والزيدية في علاقات هاشمية تتجاوز اليمن، فمثلاً الحبيب الجفري ينتمي للرابطة العلوية التي تمتد من بريطانيا لأندونيسيا مروراً بمصر والسودان وسوريا والسعودية، فعلى سبيل المثال، قامت نقابة الأشراف في مصر برفع قضية لمنع كتاب لكاتب يمني بعنوان "القبيلة الهاشمية.. ألف عام من الدماء" بحجة الإساءة للهاشميين56.

هذا ويلاحظ الكثير من اليمنيين وجود ما يشبه التراضي بين الصوفيين والحوثيين، حيث لا يهاجم الصوفية الحوثيين ويرفضون الإشارة لهم سلباً مما عزاه البعض للمكانة المتميزة للهاشميين لدى الطرفيين وطبيعة نفوذهم وتأثيرهم في كل من الجماعتين، من الممكن أيضاً اضافة وجود عامل العداء المشترك للسلفية والوهابية.

في المقابل تحاول السلفية اليمنية الرد على اتهامها بالفكر المستورد بأن ترجع جذورها للعلامة اليمني الشوكاني، بصفته الذروة لمدرسة دينية يمنية أصيلة بدأت من ابن الوزير في القرن الخامس عشر مروراً بعلماء مثل اسماعيل الأمير وصالح المقبلي والحسن الجلال، وهذا يتضح من تسمية كثير من المعاهد السلفية بإسم "ابن الأمير" أو "الشوكاني" وتدريس بعض المعاهد السلفية لكتب للشوكاني. من الصعب افتراض إن السلفية امتداد للشوكاني الذي كانت مدرسته تؤمن بالإجتهاد والقياس كأدوات منهجية في استخلاص الفتاوي، مما يخالف السلفية ومعتقداتها.

كما كانت الكثير من المعاهد ومراكز العلم السلفية تنكر عنها صفة الإنغلاق والوهابية من خلال تدريسها لبقية المذاهب خاصة المذهب الشافعي، كما إن جامعة الإيمان كانت تدرس حتى المذهب الزيدي57.

تختلف الزيدية عن الصوفية والسلفية بإنها محصورة باليمن، معاهدها لا تستقبل طلاب من خارج اليمن وتعد حالة خصوصية يمنية، لذا تركز الزيدية على خصوصيتها اليمنية في خطاب الهوية الذي تركز عليه، فمثلاً أبرز الصحف الرسمية للحوثي تسمى "الهوية"، وهم يتصورون إن هذه الخصوصية اليمنية للمذهب الزيدي يميزهم عن غيرهم من المذاهب ويجعلهم معبرين أصيلين عن الهوية اليمنية.

وفي حديث الهوية، لا يمكن تجاهل إن مختلف التيارات الدينية متشددة أو معتدلة تمتدح القبيلة وتتماهي مع الهويات دون الوطنية مثل القبيلة والمنطقة والمذهب وتدعو للوحدة الإسلامية، لكنها قد تنخرط بسهولة في توجهات انفصالية ضمن الدولة القطرية مثل حزب النهضة الإسلامي في الجنوب وكذلك السلفيين المقاتلين مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً.

تبدو العلاقة مع السعودية أيضاً مشتبكة لدى جميع الأطراف وليست قاصرة على المدرسة السلفية التي تتبناها، فالسعودية استضافت بعض الأسر الهاشمية الحضرمية بعد استقلال الجنوب وصعود الاشتراكية في عام 1967، على سبيل المثال الحبيب الجفري من مواليد السعودية، كما كانت قناة "إقرأ" السعودية تقدم برنامج اسبوعي للحبيب الجفري58.

الحال مشابه مع الزيدية، فالسعودية استضافت الكثير من الأسر الهاشمية الزيدية بعد تأسيس النظام الجمهوري بالشمال في عام 1962، أبرزهم آخر أسرة يمنية مالكة وهم بيت "حميد الدين" بل واستضافت بعض علماء الزيدية البارزين مثل مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي الذين عاشا في مدينة نجران الحدودية وكانا يلقيان دروس ومحاضرات هناك59.

هذا لا يلغي تاريخ من الصدام بين الدولة السعودية وهذه المدارس الدينية، فالدولة السعودية الأولى (1774-1818) توسعت نحو حضرموت ودمرت أضرحة الصوفية فيها لأول مرة، كما دخلت في صراع مع الدولة الزيدية سواء اثناء الدولة السعودية الأولى أو الدولة السعودية الحالية (الثالثة) مثل معركتها في الثلاثينات ضد الإمام يحيى باليمن.

من اللافت أيضاً، إن كل من الزيدية والسلفية انخرطا في خطاب معادي للإمبريالية. هذا يتضح من خلال بيان حزب الحق وخطابات حسين الحوثي التي ربطت أيضاً بين السعودية وأمريكا واعتبارها للوهابية وجه من وجوه الإسلام الإمبريالي60، بينما السلفيين كانوا ينخرطون في خطابات معادية لأمريكا وسياساتها في المنطقة وبعضهم مثل الشيخ الوادعي انتقد السعودية بشدة اثناء حرب الخليج الأولى عندما قبلت بالوجود العسكري الأمريكي على أراضيها61. كما انتقد كلاهما (السلفية والزيدية) سياسة الحكومة اليمنية وتعاونها مع أمريكا في مكافحة الإرهاب.

اضافة لهذا، فإن المدارس الدينية الحديثة يمثلهما السلفية والحوثية تشتركان في اهتمامها بمفهوم تطهير الدين الإسلامي وتوحيد المسلمين، ولأجل الوحدة الإسلامية يرفض كلاهما الاجتهاد ويعتمدان على النص ويرفضان الاختلاف، هذا بالمناسبة يسهل تسيس تلك المدارس لأن عادة رموزها ليست مرجعيات دينية مهمة بسبب انفصالها عن الإرث الإسلامي الضخم والمعقد واعتمادها على النصوص المقدسة فقط.

هكذا نلاحظ إن الجدل بين هذه المدارس ليس فقط ديني بل ينخرط في مضمون الهوية اليمنية ليثبت أيهما أكثر أصالة وتعبيراً عن اليمنيين، وهذا يتداخل كثيراً مع النشاط السياسي لأتباعهم في اثبات إنه الفصيل الأكثر وطنية.

خلاصة

الفارق الأساسي بين المدارس الدينية التقليدية والمعاصرة يكمن في الهدف منها، فالتقليدية تسعي لتعليم الطلاب وبالتالي وظيفتها هو تطوير المعرفة، مما يجعلها أكثر تسامحاً مع بقية المدارس، بالتالي كانت العلاقة بين المدارس المختلفة مبني على اعترافهم ببعض وبالتالي احترام اختلافاتهم. في المقابل تسعى المدارس الدينية المعاصرة للتحشيد السياسي، لذا ينصب اهتمامها في خلق ولاء طلابها، لذا الإساءة للمدارس الأخرى يعد ضرورة في مهمتها التحشيدية مما يتسبب بصراع بينهم.

لعبت المدارس الدينية، السلفية والإخوانية تحديداً، أدواراً هامة بالسياسة اليمنية في التحشيد منذ منتصف السبعينات على وقع انقسام البلد لشمال وجنوب يتوزعان على طرفي المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي، لكن الرئيس السابق صالح ببراجماتيته المعروفة بدأ بالإستغناء عن السلفيين والإخوان وحاول يقلص من نفوذهم بعد استنفاذ أهميتهم إثر هزيمة الحزب الإِشتراكي في عام 1994م.

زاد من هذا التوجه هو انخراط الحكومة اليمنية في التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب بعد حادثة كول عام 2000م ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر في 2001، بالتالي توجه الدعم الحكومي بشكل ما نحو الصوفية خاصة إنها ليست ذات نشاط سياسي واضح، بينما كانت الزيدية تمثل تحدي سياسي معادي للحكومة أما السلفيين والإخوان فلقد كانت لديهم علاقة ملتبسة دوماً بالتنظيمات الدولية للعنف الجهادي مثل القاعدة.

في الصراع الحالي، هذه المدارس بدأت تؤتي ثمارها وهي لاتزال في مرحلة توسع على كلا الاتجاهين، فالمقاتلين السلفيين يتوزعون على مختلف الجبهات ضد الحوثيين وكذلك الإخوان حاضرين في بعض الجبهات، وفي المقابل تقوم الدورات الثقافية للحوثيين بدورها في التحشيد والتعبئة للحرب. بينما لم تتضح حتى الآن انعكاسات الصراع السياسي في الجنوب على المدارس الصوفية حتى الآن لكن ليس من المستبعد أن تظهر مستقبلاً.

هوامش

1 ---، 11 نوفمبر 2011. صورة نادرة لفتوى عبدالوهاب الديلمي في سنة 1994 وردود العلماء. تمت استعادته في 19 اغسطس 2020 من https://yemen-press.net/news4039.html

2 Dresch, P. (2001). Tribes, government, and history in Yemen. Oxford: Clarendon. PP22-29

3Dresch, P. (2001). Tribes, government, and history in Yemen. Oxford: Clarendon. P10.

4 Dresch, P. (2001). Tribes, government, and history in Yemen. Oxford: Clarendon.CH6

5 زكريا، محمد. 2 يناير 2013. الصوفية في اليمن ظهورها وانتشارها. تمت استعادته في 29 اغسطس 2020 من http://thehistoryofarabia.blogspot.com/2013/01/blog-post_2.html

6 Heykel.B. 2003. Revival and Reform in Islam. Cambridge. Cambridge University in Islam. P1.

7 العريقي، فوزي. 14 يونيو 2020. حركة 13 يونيو والمعاهد العلمية. تمت استعادته في 31 اغسطس 2020 من https://www.khuyut.com/blog/06-14-2020-09-43-pm

8 العريقي، فوزي. 14 يونيو 2020. حركة 13 يونيو والمعاهد العلمية. تمت استعادته في 31 اغسطس 2020 من https://www.khuyut.com/blog/06-14-2020-09-43-pm

9 اتصال هاتفي للكاتب مع مسؤول يمني سابق في 29 اغسطس 2020.

10 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen.C. Hurst & Co. UK. P156

11 مقابلة تلفونية مع طالب سابق للمعاهد العلمية. 29 اغسطس 2020

12 رسائل متبادلة بين الكاتب وطالب سابق للمعاهد العلمية، نبيل الصوفي. 31 اغسطس 2020

13 مقابلة تلفونية مع طالب سابق للمعاهد العلمية. 29 اغسطس 2020

14 اتصال هاتفي للكاتب مع مسؤول يمني سابق في 29 اغسطس 2020.

15 رسائل متبادلة بين الكاتب وطالبة سابقة للمعاهد العلمية، ياسمين خشافة، 31 اغسطس 2020

16 العريقي، فوزي. 14 يونيو 2020. حركة 13 يونيو والمعاهد العلمية. تمت استعادته في 31 اغسطس 2020 من https://www.khuyut.com/blog/06-14-2020-09-43-pm

17 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen.C. Hurst & Co. UK. PP53- 57

18 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. Hurst & Co. UK.P240

19 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen.C. Hurst & Co. UK.P144

20 اجابات مكتوبة لأحد طلاب معهد دار الحديث، 19 سبتمبر 2020.

21 اجابات مكتوبة لأحد طلاب معهد دار الحديث، 19 سبتمبر 2020.

22 لدغشي، أحمد. 2014.السلفية في اليمن (مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية). مركز الجزيرة  للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون. الدوحة. بيروت.ص 103.

23 مقابلة تلفونية للكاتب مع صحفي حضرمي في 22 سبتمبر 2020م

24 الدغشي، أحمد. 2014.السلفية في اليمن (مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية). المبحث الثاني. مركز الجزيرة  للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون. الدوحة. بيروت.

25 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen..C. Hurst & Co. UK. PP62-65

26 لدغشي، أحمد. 2014.السلفية في اليمن (مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية). مركز الجزيرة  للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون. الدوحة. بيروت. المبحث الثاني

27أجابات مكتوبة للباحثة مع أحد طلاب الجامعة. 23 اغسطس 2020. 

28 تمت استعادة الصفحة في 28 سبتمبر 2020  http://ahgaff.edu/

29 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK. P135

30 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK. P152

31 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK. P166

32 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK. PP 169-175

33 لدغشي، أحمد. 2014.السلفية في اليمن (مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية). مركز الجزيرة  للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون. الدوحة. بيروت. المبحث الثالث.

34  تمت استعادته في 30 سبتمبر، 2020https://www.facebook.com/alnhdhah/

35 لدغشي، أحمد. 2014.السلفية في اليمن (مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية). مركز الجزيرة  للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون. الدوحة. بيروت. المبحث الثاني.

36 أجوبة مكتوبة لصحفي يمني تلقاها الكاتب في 29 سبتمبر 2020

37 اجوبة مكتوبة لطالب سلفي يدرس في دار الحديث بدماج حالياً، 14 سبتمبر 2020

38 حوار تلفوني للكاتب مع أحد طلبة الصوفية في حضرموت في 27 سبتمبر 2020

39 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK.P230

40 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK. PP 232-233

41 حوار تلفوني للكاتب مع صحفي من حضرموت في 29 سبتمبر 2020

42 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK.PP 232-235

43 حوار تلفوني للكاتب مع طالب صوفي في حضرموت 28 اغسطس 2020م

44 حوارتلفوني للكاتب مع صحفي حضرمي في 29 سبتمبر 2020

45تمت استعادتها في 30 سبتمبر 2020م  tabahfoundation.org

46  تمت استعادته في 30 سبتمبر 2020مhttps://www.youtube.com/watch?v=RfWRqMqSFVA

47 حوار تلفوني للكاتبة مع طالب صوفي في حضرموت  في 28 سبتمبر 2020

48 حوار تلفوني للكاتبة مع صفحي في حضرموت في 29 سبتمبر 2020

49 Salmoni, B. A. Loidolt, B., & Wells, M. Regime and periphery in Northern Yemen. p. 95

50 حوار للكاتبة مع قيادي أخواني وآخر زيدي حول المعهد العلمي بصعده، اغسطس 2014

51 Salmoni, B. A. Loidolt, B., & Wells, M. Regime and periphery in Northern
Yemen.PP 98-101

52 حوار شخصي للكاتب مع محمد عزان. 2 من اغسطس 2016

53 Shujaa al Deen, Maysaa. April, 2017. Radicalization of Zaydi Reform Attempts. Retrieved 30 September, 2020 from https://fount.aucegypt.edu/etds/607/

54 اجابات مكتوبة من عالم زيدي تلقاها الكاتب في 23 اغسطس 2020م

55 اجابات مكتوبة لأثنين حضروا الدورات الثقافية تلقاها الكاتب في 25 اغسطس 2020

56 عكاشة، ولاء. 31 يناير 2019. "القبيلة الهاشمية ألف عام من الدم"..كتاب اثار القلق فتم مصادرته. تمت استعادته في 1 اكتوبر 2020 من http://www.soutalomma.com/Article/855820/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%C2%BB-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A3%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D9%82-%D9%81%D8%AA%D9%85

57 حوار للكاتب مع عبدالرزاق العمراني ابن العلامة الشهير ومفتى الجمهورية اليمنية السابق عبدالوهاب العمراني والذي كان يدرس الزيدية في جامعة الإيمان. 23 يوليو 2020م.

58 الخضري، أنور قاسم.الحبيب الجفري صوفية بنكهة العصر!. تمت استعادة الصفحة في 1 اكتوبر 2020 من http://www.saaid.net/feraq/sufyah/87.htm

59 ..، السيد العلامة مجد الدين المؤيدي. تمت استعادته في 1 اكتوبر 2020 من http://www.zaidiah.com/scholars/30

60 Salmoni, B. A. Loidolt, B., & Wells, M. Regime and periphery in Northern Yemen. p. 95

61 Bonnefoy, Laurent. (2011). Salafism in Yemen. C. Hurst & Co. UK. P165

صراع الفصائل الليبية للسيطرة على الأوقاف الإسلامية

مقدمة

في عشية إحدى أمسيات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 ، وفي حوالي الساعة السادسة مساءً اقتحم خمسة مسلحين أحد المكاتب الحكومية في العاصمة الليبية طرابلس واعتقلوا مدير المكتب1. للوهلة الأولى قد تبدو هذه الحادثة اعتيادية ولا تستحق الذكر كونها واحدة من حوادث عنف عديدة تحدث كل يوم في ليبيا على يد الكتائب المسلحة التي لا تجد رادعاً يردعها من قبل الحكومات الضعيفة التي تعاقبت على حكم البلاد بعد سقوط الديكتاتورمعمر القذافي.وينتمي منفذوا هذه العملية إلى جماعة تسمى "قوة الردع الخاصة"، وهي ميليشياتمسلحة قوية تتمركز فيطرابلس وتنضوي إسمياً تحت لواء وزارة الداخلية.ولمدة طويلة تولت القوة التي تضم بين صفوفها عدداً لا بأس به من السلفيين -تيار إسلامي أصولي -دور جهاز الشرطة وأعطت لنفسها مسئولية إنفاذ القوانين الأخلاقية في العاصمة الليبية وضواحيها.

ولكي نتمكن من فهم ماحدث في تلك الليلة علينا أن نضع التركيبة السلفية لهذه الميليشيات نصب أعيننا وأن ننظر إلى الحادث نظرة أيديولوجيةولو جزئياً. فقد ادّعت قوة الردع الخاصة في تصريحها بشأن الحادث أن مدير المكتب كانيحرّض على الدولة ويُجنّد الشباب في المساجد لصالح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)2. وهو ادّعاءٌ واهٍ. والحقيقة أن مدير المكتب - وهو معلم قرآن سابق ومقاول مبانِ في الأربعين من عمره اسمه محمد علاء الدين التكتيك- كان يدعم ما يسمى بإئتلاف فجر ليبيا، وهي حركة تضم بين صفوفها عدداً من الإسلاميين الثوريين وبعض المتعاطفين مع الجهاديين المتشددين.3 وبالرغم من أن رؤيته المذهبية للإسلامقد تكون مختلفةعن رؤية السلفيين، إلا إنهبالتأكيد لم يكن من المتعاطفين مع داعش.

والواقع أن تهمة التطرف هي أبعد ما يكون عن السبب الحقيقي وراء عملية اختطاف التكتيك، والأرجح أن تكون وظيفة الرجل كرئيسٍ لوحدةِ أوقافِ طرابلس المُكلّفة بالإشراف على الأوقاف الليبية (الأوقاف الإسلامية ومفردها وقف عبارة عن أصول نقدية وعقارية) هي الدافع الأكثر مصداقية لما حدث. والأوقاف هي مؤسسة دينية لطالما حظيت بمكانة اقتصادية وسياسية وأخلاقية في ليبيا وفي كافة أرجاء العالم الإسلامي4.

وقد تعرض مكتب الأوقاف الوطني، الذي ألغاه القذافي كلياً في وقت ما أثناء حكمه والذي حمل مسميات عدة منها الوزارة والهيئة والسلطة،هووفروعه في أنحاء البلاد لمنافسات شرسة و أحياناً عنيفة من الفصائل السياسية المتنازعة منذ زوال الديكتاتور في 2011. وهي منافسات أضعفت قدرة هيئة الأوقاف على إدارة الإيرادات المالية الكبيرة التي تُحصّلها من تأجير المباني والعقارات وغيرها من الأصول الموقوفة ، وأعجزتها عن أداء باقي مسئولياتها من الإشراف على تحصيل وتوزيع الزكاة (الزكاة هي مبلغ سنوي إلزامي يتصدق به المسلم)، بالإضافة إلى توجيه الخطاب الإسلامي من خلال تعيين معلمي القرآن و أئمة وخطباء المساجد (الخطباء يلقون خطبة الجمعة والأئمة يتولون إدارة كافة شئون المسجد). وكلها مسئوليات لها تداعيات كبيرة على الشئون السياسية والاقتصادية الليبية وتتجاوز الدور الديني الإسمي للهيئة العامة للأوقاف والشئون الإسلامية كما تُعرف حالياً في طرابلس.

وبحسب أحد الباحثين الدينيين من قادة المجتمع الليبيفالهيئة تعتبر " أكثر أهمية من الرئاسة" 5. وبحسب باحث ليبي آخر من دارسي التيارات الدينية في البلاد "عندما تسيطر عليها تحصل على الهيبة والمال"6. ويؤكد أحد قادة المجتمع من رجال الدين أن الموارد المالية للهيئة وقدرتها على تشكيل الرأي الشعبي يجعل السيطرة عليها "أهم من السيطرة على قطاع النفط"7.

وبالرغم من قوة هذه العبارات التي تؤكد أهمية الأوقاف والتي بالطبع قد تجد من يخالفها، إلا أن المعركة التي نشبتحول الأوقاف استمدت وقودها منصراعات أخرى شديدة الأهمية، خضعت لكثير من البحث والتحليل، استهدفتالسيطرة والتأثيرعلى المصرف المركزي وهيئة الاستثماروالمؤسسة الوطنية للنفط والقطاع الأمني الليبي.

والحقيقة أن النزاعات حول سلطة الأوقاف قد وجّهت الدور الذي تؤديه هذه الهيئة الهامة و حددت طبيعة سلطتهاوأدّت في الوقت نفسه إلى الإضرار بالاقتصاد الليبي المتردي أصلاً وإلى تأجيج الاضطرابات السياسية وتوسيع الفُرقة المجتمعية وفي بعض الأحيان إلى اندلاع العنف. وقد عانى العاملون بمكاتب الأوقاف من كل هذه المحن معاناة كبيرة ودفعوامنأمانهمالشخصي أغلى الأثمان .

وربما كانت حادثة رجل الدين الطرابلسي استثناءً للقاعدة، فالتكتيك كان محظوظاً حيث أن قوة الردع الخاصة قد أفرجت عنه بعد فترة وجيزة، ولكنه أقيل من منصبه على عجالة بعدها وتم استبداله بشخصية من تيار سياسي وايديولوجي منافس يتوافق، كما هو متوقع، مع توجهات قوة الردع الخاصة التي اعتقلته8. ولكن التكتيك لم ولن يكونآخرموظفي الأوقاف الليبيين الذين يتعرضون للمضايقة والتهديد فيما سيأتي من أعوام.

وترجع تلك الرغبة التنافسية للسيطرة على الأوقاف وما تمثله من سلطة سياسية واجتماعية واقتصادية، في مجملها، إلى ما تعرضت له الهيئة من قمع امتد أحقاباً في ظل الحكم الدكتاتوري للزعيم القذافي وما سبقه أثناء الفترة التكوينية للحكم الاستعماري الإيطالي الذي امتد من 1911 إلي 1943. أما في المرحلة التي أعقبت ثورة 2011 والتي أطاحت بالقذافي، فإن التنافس للسيطرة على الأوقاف يعكس مدى التشرذم الذي أصاب الوضع السياسي عموماً وما وصلت إليه البلاد من إفراط في الإنكفاءعلىالمحلية وتردي الوضع ليصل إلى الصراعات المسلحة9. ولا شك أن هذه الفوضى العارمة في حد ذاتها ماهي إلا نتيجة لضعف أو انعدامالمؤسسات الحاكمة، والصراعات بين النخبة في البلاد، وتنامي التدخل الخارجي خاصة من قِبَل القوى الإقليمية المتنافسة وعلى رأسها تركيا والإمارات العربية المتحدة بما يحملانه من رُؤَى مختلفة لما يجب أن تكون عليه الأوضاع السياسية والايديولوجية في الشرق الأوسط10.

وتجسد المنافسة، تحديداً،التوترات القائمة بين السلطتين الوطنية والمحلية، وما تتعرض له عوائد النفط من عمليات السلب والنهب وكذلك استسهال اللجوءللحلول العسكرية عوضاً عن الحلول السياسية التي أصبحت لا تثمر عن شئ. وأدت النزاعات المتكررة حول ملكية العقارات، وهي إحدى النتائج الهدامة لحكم القذافي، إلى مفاقمة ما تتعرض له الأوقاف من اضطرابات11. فالقذافي، تنفيذاً لسياساته التي طالت كل مناحي الدولة ، اعتاد الاستيلاء على الممتلكات العقارية التي تديرها الأوقاف لإستخدامها في بناء المساكن والجامعات والمطارات والمرافق التابعة للنظام. وفي أعقاب ثورة 2011 دخلت الأوقاف في إشكالات مع العديد من المواطنين للمطالبة بهذه الحيازات. ولكن عدم وجود سجلات تحتوي على مسح دقيق للأراضي جعل عملية تحديد الملكية في غاية الصعوبة12، خاصة أن بعض المواطنين الليبيينقد حاولوا الاستيلاء على الأصول العقارية التابعةلوزارة الأوقاف أحياناً، مما أثار مخاوفالسلطات الدينية ودفعها لإصدار التحذيرات المتكررة13.

وعلى صعيد آخر وقعت الأوقاف ضحية للصراع بين القوى الدينية الليبية التي تتنافس على اكتساب الشرعية المجتمعية والاستحواذ على الموارد الاقتصادية والنفوذ السياسي .وتندرج تلك القوى المتنافسة، بشكل فضفاض، تحت مجموعتين تحملان توجهات دينية متناقضة، اولاهما يمثلها أتباع تيار السلفية، وبخاصة النسخة السعودية من السلفية والتي يطلق على أتباعها اسم المُدخليون بسبب اتّباعهم لرجل الدين السعودي ربيع بن هادي المُدخلي المقيم في المدينة المنورة، وثانيهما تمثلها التيارات الإسلامية الثورية النشطة التي يندرج تحتها جماعة الإخوان المسلمين وداعميهم والعناصر الجهادية وأتباع الطرق الصوفية14.

ولايمكن التعامل مع قضية الأوقاففي ليبيا ،بكل ما تحمله من تداعيات على الاستقرار السياسي والاجتماعيوالاقتصادي للبلاد، على أنها إشكالية دينيةمبهمة يجب تركها بالكلُية في أيدي رجال الدين. بل يجب علىصنّاع القرارالأجانب،وبالأخص الغربيون، الطامحون للانخراط في المجال الديني الليبي بهدف تحقيق التواصل المجتمعيوحل النزاعات ومكافحة التطرف العنيف، أن يتفهموا الكيفية التي تأثر بها دورتلك المؤسسة وسلطتها وممارساتها نتيجةً للنزاعات المسلحة والخلافات السياسية والتدخلات الخارجية. والأهم من ذلك يجب على صانعي القرار الغربيين أن يتفهموا أن هيئات الأوقاف لا تعمل بمعزل عن السياسة، وأنه لا يوجد ما يسمى بسلطة أوقاف ليبية خالصة أو مُنزّهَة دينياً، فلطالما لعبت السياسة والتيارات الدينية المتباينةوالمتصارعة أحياناًوكذلك المؤثرات الخارجية دورها في تشكيل المؤسسات الدينية في ليبيا على مدار التاريخ الحديث للدولة.

وبالمثل يجب على الدبلوماسيين والمنظمات غير الحكومية أن تستوعب أمرين في غاية الأهمية، الأول يتعلق بالأثر الذي خلفه التنافس على الأوقاف في التشرذم والانقسامات الحالية في ليبيا والثاني يتعلق برؤية النخبة والمواطنين الليبيين للدور الذي تؤديه مؤسسة الأوقاف. وبالتحديد يجب على أولئك الساعون للقضاء على الفساد داخل مؤسسات الدولة الليبية أن يتفهموا أولاً تأثيرهذا الفساد على الدور المالي الذي تؤديه هيئة الأوقاف وخاصة في مجال إدارة العقارات والإشراف على الزكاة.

الظلال الممتدة للحكم الإيطالي

إن التنافس السياسي الحالي للسيطرة على مكاتب الأوقاف وما يرافقها من سلطة أخلاقية واجتماعية وكذلك التنازع على أراضي وعقارات الأوقافينبع في جُلِّه من الإرث المرير الذي خلفه حكم القذافي الذي امتد من 1969 إلى 2011 وما سبقه من اضطرابات رافقت الاحتلال الايطالي الذي استمر من 1911 إلى 194315. ولكن من المهم عند دراسة هذه الأزمنةأن نتجنب الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المحللين وهو افتراض أن الأوقاف كانت حينها هيئة دينية محضة لا يلوثها دنس السياسة ولا تعكر نقاءها التدخلات الخارجية. والحقيقة هي أن هيئة الأوقاف، عبر تاريخها الطويل، سواء في ليبيا أو في غيرها من الدول الإسلامية كانت هيئة سياسية بامتياز. وتعرضت كما تعرض غيرها من المؤسسات لتأثير العديد من القوى الأجنبية سواء من داخل العالم العربي والإسلامي أو من خارجه. ولا شك أن هذه التركة الثقيلة بالإضافة إلى ما شهدته ليبيا في العشر سنوات التي أعقبت 2011 من العنف الفصائلي والتنازع السياسي قد أدى إلى تشكيل سلطة المؤسسة اليوم والكيفية التي ينظر بها المواطنون الليبيون لأهميتها و دورها.

وعلى مر تاريخ ليبيا الحديث تباينت أنواع الأصول الوقفية بحسب المو قع الإقليمي للوقف. ففي شرق ليبيا وعلى مدى قرون كانت أغلب الأوقاف عبارة عن أراضٍ تديرها سلالة جماعة الإخوة الصوفية السنوسية من خلال الزوايا المحلية (الزوايا مفردها زاوية وهي مدرسة أونُزُل أو طريقة دينية تلعب دوراً اجتماعياً هاماً في المجتمع المحيط بها)16. أما في منطقة طرابلس الخاضعة للاستعمار فكانت الأصول الموقوفة أكثر تنوعاً وكان يديرها السلطان العثماني حتى عام 1915 عندما وقعت تحت السيطرة الإيطالية17. وفي الأعوام اللاحقة حاولت القوى الاستعمارية الإيطالية التي تولت أمر الأوقاف أن تديرها مستخدمة الأطر القانونية والإدارية التي خلفها العثمانيون، الذين اتبعوا الفقه الحنفي والمالكي، في محاولة لإضفاء صبغة إسلامية على حكمها18. وغالبا ما روّجَت روما ما أجرته لاحقاً من تغييرات على إدارة الأوقاف على أنها إصلاحات مُعتَمَدة إسلاميا ساهم فيهاأعيان ليبيين موالين لإيطاليا مساهمةً رمزية، وبهذا الشكل تمكنت السلطات الإيطالية - أو هذا ما اعتقدت- من الحفاظ على النزاهة الدينية للمؤسسة19. وبشكل عام فإن السياسات الإستعمارية الإيطالية في ليبيا تزامنت مع مرحلة شهدت مراجعات وانتقادات شديدة من داخل العالم الإسلامي والعربي للجدوى الاقتصادية لمؤسسة الأوقاف وكفاءتها العامة20. وقد استشهد المستعمر الإيطالي بهذه المراجعات والانتقادات عندما شرع في الإستيلاء على ممتلكات الأوقاف في المناطق الشرقية من البلاد في أواخر عشرينات القرن الماضي كجزء من استراتيجيةغاشمة تستهدفكبح جماح حركة التمرد التي يقودها السنوسيفي محاولة لتبرير سياساته.21

وقد ترك هذا التدخل والتلاعب الخارجي بالأوقاف تركة ثقيلة يكتنفها الغموض ويشوبها التسييس استمرت حتى بعد زوال الحكم الإيطالي. وقد مرت الهيئة في مرحلة ما بعد الاستعمار وما قبل القذافي بفترةمن الاستقرار والاستمرارية وإن كانت لا ترقى إلى مستوى النهضة. ومن الجدير بالذكر أن الحلفاء لم يتدخلوا في في عمل الأوقاف أثناء حكمهم في فترة ما بعد الحرب من 1943 إلى 1951 عندما حكم البريطانيون منطقتي طرابلس وبرقة وحكم الفرنسيون منطقة فزان الجنوبية22. وعندما أُنشِئَت المملكة الليبية المتحدة المستقلة في 1951 أصبحت حيازات الأوقاف، ولا سيما تلك التي أشرفت عليها الزوايا السنوسية، مصدر دعم هام لسلطة الملك إدريس السنوسي الذي لم يطل حكمه، ولكن هيئة الأوقاف نفسها لم تشهد تغييرات كبيرة في هذه المرحلة23.

الأوقاف في عهد القذافي

عندما أطاح القذافي بالملكية في 1969 شرع في تنفيذعدة سياسات بهدف تقويض سلطة السنوسيين، حيث عمل على استبدال شيوخ السنوسية بغيرهم من علماء الدين ووضع الزوايا تحت الإشراف الحكومي ومنع بناء زوايا جديدة24. ولكنه في بداية حكمه بشكل عاملم يتدخل تدخلاً يذكرفي مؤسسات الأوقاف بل على العكس سعى للحفاظ على سلطتها ونفوذها بعيداً عن سيطرة رجال الدين السنوسيين، لتساعده على تعزيز الأركان الإسلامية لنظامه الجديد25. وبالتالي لم تكن التغييرات التي تعرضت لها هيئة الأوقاف كبيرة، بل ولم تتجاوز الجوانب الإدارية التي تضمن تقليص النفوذ السنوسي. وعلى سبيل المثال في 1971 سَنَّ النظام قانوناً تتوحد بمجمله مكاتب الأوقاف تحت إشراف الهيئة العامة للأوقاف المنشأة حديثاً والتي ضمت تحت لواءها إدارة الجامعات الإسلامية ( التي كانت تحت الإدارة السنوسية سابقاً) وإدارة الدعوة الإسلامية وإدارة المساجد والزوايا كذلك26. وبعدها بفترة قصيرة في 1972 رسّخ إنشاء جمعية الدعوة الإسلامية وضع الأوقاف تحت إشراف الهيئة، ومن ثَمَّ صدر قانون آخر تمت صياغته على نسق التشريعات المصرية والسورية لتوضيح بعض البنود المتعلقة بسلطة الأوقاف على المواريث وغيرها من المسائل27.

ولكن ومع بداية 1973 تغيرت سياسات النظام نحو الأوقاف تغييراً جذرياً، حيث شهد ذلك العام المفصلي بداية الثورة الثقافية المزعومة للقذافي التي كانت عبارة عنتوليفة من المبادئ الاشتراكية والإسلامية وما أطلق عليه اسم الديمقراطية المباشرة والتي تحدث عنها في كتابه الأخضر ثم جعلها واقعاً رسمياً مع إعلان الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية الجديدة. وكان لهذا التحول الإيديولوجي أثراً عميقاً على المؤسسات الإسلامية ورجال الدين المسلمين، حيث قدم القذافي رؤية جديدة لرجال الدين اعتبرتهم كائنات عفا عليها الزمان تتطفل على علاقة الجماهير بالإله وتهدد سلطة الرئيس السياسية28. وبالتالي بدأ النظام في اتخاذ العديد من التدابير القمعية ضد علماء الدين مسموعي الكلمة والذين استاءوا من تجريدهم من سلطاتهم وامتيازاتهم الدينية، بما فيها الإشراف على الأوقاف،بينما تحولت موازين القوى في المسائل الدينية إلى اللجان الشعبية التابعة للنظام29. وبحلول الثمانينات أدى إصرار النظام على فرض قوانين النظام التجميعي للأراضي، التي منعت المواطنين من الحصول على ريع الاراضي والعقارات المؤجرة، إلى إلغاء هيئة الأوقاف بالكامل وحظر التبرعات الموجهة لها تماماً30. ونقلت حكومة القذافي بعض حيازات الأوقاف في العديد من المدن والقرى إلى ملكية القبائل التي يؤثر عليها النظام والتي نزحت من المناطق الريفية للمدن مؤخراً31.

وشهدت هيئة الأوقاف مع نهاية التسعينات وبداية القرن الحادي والعشرين نهضة لا بأس بها وإن كانت تحت القبضة الصارمة للنظام32. وعلى وجه التحديد أصبحت الأوقاف وكيلاُ عن الحكومة في إدارة المساجد والإشرافعلى الأئمة والتأكد من توافق كل ما يتم من شعائر دينية في البلاد معنسخة الإسلام التي تُقِرّها الدولة. وازداد هذا التوجه وضوحاً في منتصف الألفينات عندما بدأ النظام في استخدام الحركة المدخلية، وهي تيار إسلامي سلفي موالٍ للنظام ، ليحتمي بها ضد السلفية الجهادية المتشددة. وأصبح أغلب أئمة المساجد الذين تعينهم هيئة الأوقاف من اتباع الحركة المدخلية ذات الارتباط الوثيق بالأجهزة الأمنية والحاصلة على مباركة الدولة . وبحسب مسئول سابق في سلطة الأوقاف في مدينة مصراتة الساحلية فإن لجان الأوقاف المكلفة باختيار أئمة وخطباء المساجد قبل ثورة 2011 كان يتحتم عليها عرض السير الذاتية للمرشحين على سلطات الأمن المحلية لفحصها قبل اتخاذ القرار الذي كان في أغلب الأحيان يميل في اتجاه المرشحين المدخليين حتى لو كانوا من الحاصلين على تعليم وتدريب رسمي لا يذكر. وردد مراقب ليبي آخر مقرب من السلفيين هذاالكلام مؤكداً أنه في نهاية الألفينات " كانت المنابر تفيض بالمَداخِلة"35.

والواقع أن التيار المدخلي الصاعد آنذاك سيصبح واحداً من عدة متنافسين يتسابقون للسيطرة على هيئة الأوقاف وغيرها من المؤسسات الإسلامية بعد انهيار نظام القذافي في 2011.

الجائزة: الأوقاف بعد القذافي (2011 – 2014)

لا شك أنسقوط نظام القذافي كانفتحاً تاريخياً هاماً للمؤسسات الإسلامية الليبية وللفاعلين الإسلاميين في البلاد بسببما نتج عنه من فرص وتحديات على حد سواء. فمن ناحية إيجابية توفرت لهذه الجهات مساحة حرية جديدة تسمح لها بممارسة ما تشاء من قول وفعل وتنظيم ودعوة، ومن ناحية أخرى وضعها هذا الانفتاح المفاجئ في مواجهة مآزق واختيارات جديدة متعلقة بمشاركتها في النظام السياسي الجديد في البلاد وعلاقتها بالتيارات الإسلامية والسياسية الأخرى التي كانت بدورها تناورلإنفاذ تأثيرها على المؤسسات الحكومية والقطاع الأمني وعلى الجماهير في الشارع الليبي36. وبالتالي تموضع الصراع على مؤسسة الأوقاف في قلب هذه البوتقة الملتهبة من الأيديولوجيات والمعتقدات التي عصفت بالحقل الإسلامي الليبي في السنوات التي تلت حقبة زوال حكم الديكتاتور.

ولعل السبب الرئيسي الذي أعطى الأوقاف مكانتها كإحدى الجوائز الكبرى في هذا السباقهو دورها في الإشراف على تعيين ومراقبة أئمة المساجد وإدارة المدارس القرآنية ونشر الثقافة الإسلامية37. ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد ، فالأوقاف كانت تحتل مكانة كبرى أيضاً في قلب النزاع السياسي والاقتصادي. فقد جعلتها مسئوليتها عن تنظيم وإدارة الوقف الديني من أراضٍ وعقارات لدعم المساجد والمدارس والمساعي الخيرية جائزة تتلهف على الفوز بها جميع الفصائل المتناحرة. ووفقاً لأحد رؤساء المكتب الوطني للأوقاف سابقا، فإن المكتب كان يتكون من خمسة أقسام: إدارة الأوقاف، وإدارة ممتلكات الأوقاف، وإدارة صناديق الزكاة، وإدارة المساجد والمدارس القرآنية، وقسم لإدارة الزوايا الصوفية38. وفي بعض الأحيان كان المكتب يتولى إعادة التأهيل الدينيلبعض المساجين الجهاديين عارضاً نفسه كمنصة للمصالحة الوطنية39. كما انخرط مسئولوا الأوقاف في العمل الدبلوماسي مع جهات خارجية، أبرزها المملكة العربية السعوديةو مصر والمغرب وقطر وتركيا. ومن غير المستغرب أن هذه التصرفات قد قوبلت بإنتقادات من الفصائل والٍايديولوجيات المعارضة الذين اتهموا مسئولي الأوقاف بتجاوز حدود واجباتهم الوظيفية40.

ومنذ عام 2011 ،بدأ تنافسالفصائلالأيديولوجيةوالسياسيةللسيطرةعلىالمواردالماليةلسلطةالأوقاف والتحكم في قراراتها الخاصة بتعيين أئمة وخطباء المساجد. وأكثر من ذلك أصبح المتحكم فيالخطابالإسلاميفي ليبيا شخصيات دينية تدعمها، من وراء الستار، ميليشيات ترتبط هي نفسها بالنخب السياسية القوية وتتلقى تمويلاً من الدولة41. وفي نفس الوقت بدأت العديد من الشخصيات والجهات السياسية والاجتماعية النافذة بالتلاسن على بعض حيازات الأوقاف مستحضرين نزاعاتٍ قديمة امتدت لعقود مضت وتعكس بوضوح مافعلهالقذافي ومن قبله الاحتلال الإيطالي من تلاعب وتطفل على ملكيات الأوقاف خلال تلك الفترات.42ولاتزالآثار تلك السياساتالتي صبغتها النزعة التنافسية التي طغت خلال ثورة 2011 ومابعدها،تؤصلاليوم للعديد منالمظالمالمتعلقةبالممتلكات العقارية،بمافيها تلك الخاصةبالأوقاف.ويضاف إلى هذه المظالمنزاعاتحولالميزانياتوالسلطةالإداريةبينمؤسسةالأوقاففيطرابلسوبين مكاتبهافيالمدنوالبلداتوالمجتمعاتالليبيةخارجالعاصمة. وهناأيضاتبرزالفجوة العميقةبينالمركزأوالعاصمةوالأطرافأوالمحافظات وهي فجوة تنبع جذورها من عهد القذافي ولازالت تؤثر على جوانب عديدةمن عملية الحوكمة في ليبيا.

وفي العام الأول بعد الثورة، أشارت مصادر متعددة من داخل المجتمع الديني والتيارات الإسلامية في ليبيا إلى وجود منافسة هادئة بين عناصر التيارات الإسلامية في البلاد وعلى رأسها المَداخِلة والإخوان المسلمين والصوفيين ومجموعات نشطة من المتشددين المحسوبين على مفتي البلاد الصادق الغرياني43للسيطرة على المساجد والمدارس القرآنية والحياة الاجتماعية. ولهذا التيار الأخير المحسوب على المفتي أهمية كبرى في أي تحليل يتناول هيئة أو وزارة الأوقاف نظراً لإشراف الغرياني على دار الإفتاء الليبية أو مكتب الفتاوى (الفتوى هي وجهة نظر شرعية في مسألة من مسائل الفقه الإسلامي). فقد عملت دار الإفتاء منذ 2011 كسلطة اجتماعية وأخلاقية موازية لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية (التي كانت تسمى سابقاً الهيئة العامة للأوقاف والشئون الإسلامية) ومارست دورها في إصدار الفتاوى في كل ما يتعلق بالتحكيم وحل النزاعات. وقد تأرجحت علاقة دار الإفتاء والغرياني نفسه بسلطات الأوقاف بين الاختلاف والاتفاق بحسب توجهات الفصيلالمتحكم في مكتب الأوقاف44 .

وفور سقوط نظام القذافي شهدمكتب الأوقاف في نيسان/ أبريل 2012 أول وأهم تغييراته عندما تحولمن هيئة عامة إلى وزارة على يد الحكومة الانتقالية الليبية45. وفي نوفمبر 2011، عيّن رئيس الوزراء المؤقت حينها عبد الرحيم الكيب رجل الدين الليبي حمزة أبو فارس،الذي كان يعمل كإمام مسجد وعالم دين والذي طالما تسببت آراءه الصريحة والمعارضة في إثارة غضب نظام القذافي في 2010 ، في منصب وزير الأوقاف46. واجتذب تعيين أبوفارس على الفور اهتمام حكومة المملكة العربية السعودية والتي بدت قلقة بشكل خاص بسبب ميوله وانحيازاته الإسلامية. وبحسب مذكرة استخباراتية سعودية سربتها ويكيليكس فإن وضع أبو فارس على رأس الأوقاف سيفتح المجال أمام عودة الإسلام السياسي في الحياة الاجتماعية والسياسية الليبية47. وبالرغم من أن هذا التقييم يعتبر مبالغة وقراءة خاطئة للمشهد السياسي الليبي ولكنه يلقى الضوء على الأهمية التي توليها قوة عربية وإسلامية كبرى كالمملكة إلى أهمية دور مؤسسة الأوقاف في ليبيا.وكما سيتبين في الأعوام التالية فإن اهتمام هذه القوة الخارجية سيتزايد مع تزايد وتيرة التنافس بين الفصائل الليبية في السيطرة على هيئة الأوقاف.

يصف رجال الدين والمعلقين الإسلاميين الليبيين الصراع على سلطة الأوقاف في 2012 بأنه كان هادئاً إلى حد بعيد. وكان التنافس الحقيقي في تلك المرحلة يستهدف التأثير على الجماهير الليبيةعن طريق تعيين أئمة وخطباء المساجد وتأسيس المدارس الدينية الخاصة وإدارة بعض مكاتب الأوقاف بالبلديات وتوزيع المناهج الإسلامية48. وفي خضم هذه التحولات على الساحة الدينية، بدأ نجم الحركة المدخليةفي السطوع والهيمنة مع تحول الحركة عن موقف السلبية التي اتسمت بها أثناء ثورة 2011 عندما اتخذ معظم أتباعها موقفاً حيادياُ أو مسانداًللنظام الحاكم مساندة علنية – وهو انعكاس لاصطفافهم السابق بجوار حكومة القذافي وأيضاً لنفورهم الأيديولوجي من حمل السلاح ضد ولي الأمر(ولي الأمر هو الحاكم أوالقائد المجتمعي ولكن بعض المذاهب السلفية تستخدم هذا المصطلح في الإشارة لرئيس الدولة أو الحكومة أو قائد السلطة السياسية الذي تتوجب توجهاتهم الايديولوجية طاعته)49. ومع حلول 2012 كان المَداخِلة قد شرعوا في تفعيل جميع وسائل الضغط المتاحة لهم من عرائض ورِشَى وغيرها للتأثير على تعيينات المسئولين على المساجد والمدارس القرآنية في غرب ليبيا50. وتزامن مع تحركاتهم هذه تطورات أخرى تمثلت في تشكيل جماعات مسلحة سلفية ذات ميول مدخلية51، كان أقواها ميليشيات طرابلس التي تطورت لتصبح قوة الردع الخاصة التي أوردنا ذكرها سابقاً52.

وشهدت الاعوام التي أعقبت سقوط القذافي مباشرة أعمال عنف قام بها السلفيون المَداخِلة ضد مواقع تراثية صوفية شملت أضرحة ومقامات دينية ومكتبات53. ولعب تراخي قوات الأمن الليبية، وتواطئها أحياناً، دوراً بارزاً في هذه العمليات التي حفزتها أيضاً التغييرات الإدارية في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المُنشأة حديثاً والتي تم بموجبها في بدايات 2012 انتزاع مسئولية الإشراف على الزوايا الصوفية من قائمة مسئوليات الوزارة. وبحسب معلقين ليبيين أدى هذا النهج إلى ترك الزوايا مكشوفة سياسياً ومالياً بعد خفض مصادر تمويلها، ووفقاً لأحد علماء الدين الليبيين الإسماعليين54 " كانت الزوايا محمية عندما كانت تحت إشراف وزارة الأوقاف" ،وأكد قائلاً أن السبب في تصاعد الهجمات السلفية على مواقع التراث الصوفي في بدايات 2012 – خاصة الهجمات التي تعرضت لها مقابر شيوخ الصوفية التي كانت الزوايا تشرف عليها وتديرها- هو ما فعلته الحكومة الانتقالية من سحب سلطة الأوقاف على تلك الزوايا55.

بالتزامن مع تلك الأحداث تحولت مدينة مصراتة الساحلية ، وهي مركز قوة تجارية وسياسية في شرق طرابلس، إلى ساحة منافسةمتصاعدة بين المَداخِلة وخصومهم من التيارات الإسلامية الأخرى مثل جماعة الإخوان المسلمين والأعضاء السابقين في جماعة المُقاتِلة الليبية الِإسلامية المنحلة حالياً وقلة قليلة من مؤيدي الغريانيوبعض الصوفيين، للاستحواذ على المجال الاجتماعي والقوة الاقتصادية والسياسية والسلطة الدينية. وأصبح فرع الأوقاف في المدينة مصدراً هاماً من مصادر النزاع بسبب ما يحتويه منأصول مالية وعقارية تمثل ثاني أكبر حيازة عقارية في ليبيا بعد طرابلس من حيث قيمتها النقدية56. ولكن في أعقاب ثورة 2011 تولى إدارة الفرع إحدى الشخصيات المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين مما أجبر السلفيون المَداخِلة على استخدام استراتيجيات شعبوية في محاولة للسيطرة على مساجد المدينة عن طريق التأثير بقوة على عملية تعيين أئمة المساجد. وقد وصف مسئول سابق بأوقاف مصراته استراتيجيات التأثير المستخدمة في 2012 كما يلي:

"إذا استاء المداخلة من إمامٍ مافإنهم يتوجهون إلى مسجده في جماعات، وبعد الاستماع إلى الدرس يكتبون التماساً يتقدمون بهإلى مكتب الأوقاف (يدّعون فيه) أن الإمام قد أخطأ في فهمه للقرآن أو الحديث – أويَحتَجّون بأي حجة أخرى (يجدونها). وبالتالي يرسل مكتب الأوقاف لجنة مفاجئة تستمع إلى الدرس الذي يلقيه الإمام ومن ثم تبدأ في التحري عن أسماء مقدمي الالتماس... وكانت نسبة 80 في المائة من الأسماء مزيفة أو تكون لأشخاص من غير مرتادي المسجد المعتادين. ويقول الجيران للجنة الأوقاف" نحن لا نعرف هؤلاء الناس (المَداخِلة) ولم نراهم من قبل في هذا المسجد"57.

وبحلول العام الثاني من المرحلة الانتقالية في ليبيا تصاعدت هذه الصراعات المحلية لتتحول إلى صراع سياسي على مستوى الدولة للسيطرة على مكتب الأوقاف في العاصمة. ومع بداية 2013 تولى رئاسة الوزراء علي زيدان العضوالسابق في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وهي حركة معارضة قديمة تضم بين أعضائها عناصراً إسلامية. وبسبب تعيين زيدان،اعتقدت الفصائل الليبية المتعارضة أن الجبهة أصبحت تسيطر على المؤسسات السياسية والإدارية الرئيسة في ليبيا بما فيها المؤتمر الوطني العام، وهو هيئة تشريعية تم انتخابها مرة واحدة، ووزارة الأوقاف58. وفي 10 شباط/فبراير 2013، عين زيدان العالم الصوفي، والرئيس السابق لفرع جمعية الدعوة الإسلامية الليبية في السنغال في عهد القذافي، عبد السلام سعد في منصب وزير الأوقاف والشئون الإسلامية59. وجاء تعيين سعد ارضاءً لمحمد جبريل رئيس الوزراء السابق وزعيم تحالف القوى الوطنية وهو إئتلاف سياسي كبير يضم عدداً من الإسلاميين وكثيراً ما وُصِفَ خطأً بأنه علماني. ولكن سعد واجه على الفور معارضة من الإسلاميين المحيطين بالغرياني – بسبب قربه من النظام السابق وعلاقاته الشخصية مع رئيس الأمن الخارجي السابق والمقرب من القذافي موسى كوسا60. ونتيجة لكل هذا ظل المنصب شاغراً حتى يوليو 2013 عندما تولاه علي حمودة، الرئيس السابق لمكتب الأوقاف في مصراته والعضو القديم في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا بجناحها العسكري61.

كان زيدان يستهدف أن يكون حمودة مرشحاً توافقياً تتقبله جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين الملتفين حول المفتي وتحالف القوى الوطنية المتنوع بزعامة جبريل. وبحسب العديد من المعلقين تمكن حمودة من الالتزام بعدم التحزب إلى درجة كبيرة62. ولكن فترة ولايته تعرضت لضغوط من التيار السلفي المدخلي الذي تزايد تأثيره بانتظام والذي سعى لتقويض سلطة حمودة عن طريق استبدال أئمة وخطباء المساجد في جميع أنحاء طرابلس وخارجها مستخدماً كل ما أمكنه من وسائل التأثير من ضغط ورِشَى و عنف أحياناً63. ومن موقعة على رأس وزارة الأوقاف تمكن حمودة من تشخيص جذور علة المؤسسة وأرجعها إلى ضعف حكومة زيدان في مواجهة الشقاق الحزبي وما أنتجه من فصائل متناحرة وجماعات مسلحة لا تتردد في استعراض قوتها بفجاجةتمثلت في اختطاف زيدان نفسه في اكتوبر201363. أما خارج العاصمة فكانت السلطة القانونية لحكومة طرابلس شبه منعدمة ،خاصة في الجنوب والشرق، مما أدى إلى تردي مستوى الأمن والخدمات ومعهما سلطة مكتب الأوقاف في طرابلس.

وبسبب إحباطه من ضعف الحكومة الليبية وقلقه من تزايد سطوة المَداخِلة لجأ حمودة للمملكة العربية السعودية لاقتناعه بأنها القوة الخارجية التي يستمد منها المَداخِلة الإرشاد الروحي والتوجيه السياسي والتمويل المادي. وخلال زيارته إلى الرياض في 2013 توجه بسؤال إلى وزير خارجية المملكة عما يشاعمن دعم الحكومة السعودية للمَداخِلة الليبيين، وكان الرد الرسمي السعودي هو "ليس لدينا أي علم بهذا"64. ومع أن النفي الرسمي السعودي لايمكن أخذه على عواهنه إلا إنه يسلط الضوء على جانب هام من جوانب التيار السلفي المدخلي الليبي.فبينما يستقي السلفيون الليبيون الإلهام الديني والعلم والتوجيه من علماء السعودية إلا أنهم حرصوا على استقلالهم عن المملكة في كل ما يتعلق بتحالفاتهم المحلية وتحركاتهم السياسية والعسكرية. وعلى الرغم من احترامهم وإتباعهم للعديد من علماء السعودية، وليس فقط للمدخلي ذاته، فهم لا يطيعون مرشديهم طاعة عمياء بل لا يجدون غضاضة في تعديل أوتفسيرما يصدر عن علماء السعودية، بما فيهم المدخلي نفسه، من تصريحات أو مسموحات و محظورات بشكل يتماشى مع أجندتهم داخل ليبيا65. وبتعبير آخر لم يكن المَداخِلة لعبة في يد السلطة الدينية في الرياض أو المدينة تحركهم بجهاز تحكم عن بعد كيفما شاءت ولم يكونوا أيضاً حصان طروادة للإيديولوجية السعودية كما وصفهم بعض المعلقين داخل وخارج ليبيا66.

وستصبح العلاقة مع المملكة العربية السعودية أكثر جدلية بسبب ما فُرِضَ على ليبيا من خيارات صعبة وما تعرض له المَداخِلة والأوقاف من تشرذم خلال الحرب الأهلية الليبية التي اندلعت في صيف 2014.

الأوقاف والحرب الأهلية الليبية (2014 -2018 )

في 16 مايو، 2014 ، هاجم تحالف فضفاض مكون من مجموعة ساخطة من وحدات الجيش والطائرات العسكرية المتهالكةبقيادة قائد عسكري من شرق ليبيا يدعى اللواء خليفة حفتر قواعد بعض الكتائبالمتمركزة في مدينة بنغازي الشرقية. وترتب على الهجوم الذي أُطلق عليه اسم " عملية الكرامة" سلسلة من الصراعات المتصاعدة التي أدت، بنهاية الصيف، إلى تقسيم ليبيا إلى إدارتين سياسيتين متضادتين تتحالف كل منهما تحالفاً فضفاضاً مع ما يجاورها من الميليشيات المحلية والبلدياتوالقبائل وتستقطب كل منهما مجموعة مختلفة من القوى الخارجية المتبارزة التي لا تزال حربها العسكرية بالوكالة تدور رحاها حتى اليوم على الأراضي الليبية.

كان الدافع المباشر والظاهري لعملية الكرامة التي قادها الجيش الوطني الليبي- الذي أصبح فيما بعد يسمى القوات المسلحة العربية الليبية- بقيادة حفتر هو استعادة الأمن في بنغازي، الذي كان قد تدهور بشدة منذ 2013، والقضاء على الميليشيات الإسلامية. ولكن الهجوم عكس أيضاً مجموعة كبيرة من التوترات السياسية والاجتماعية التي شهدتها منطقة شرق ليبيا،ومناطق أخرى في أنحاء البلاد، والتي تسببت في نزاعات مستمرة بين الإسلاميين السياسيين ومعارضيهم وما ترتب عليها من نتائج مثل تفاقم المنافسات الأيديولوجية في منطقة الشرق الأوسط خاصة في أعقاب الانقلاب الذي قاده الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر ضد حكم الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي، وتنامي قوة وتسييسالميليشيات الليبية وما ترتب على ذلك من ردود أفعال الضباط والخبراء التابعين للنظام القديم، والإشكاليات المتعلقة بتوزيع الثروات الليبية والانقسامات الفصائلية والخلل الوظيفي داخل المجلس التشريعي الوطني الليبي أو ما يسمى بالمؤتمر الوطني العام67.

ولكن المحرك الحقيقي لعملية الكرامة كان رغبة حفتر الشخصية في الاستيلاء على السلطة التي عبر عنها من خلال تهديداته المتكررة بالهجوم على طرابلس والتي أدت إلى انطلاق حملة مضادة عُرِفَت بإسم "فجر ليبيا"، تزعمها تحالف مُكوّن من قوات مُتمركزة في غرب البلاد ومجموعة من الميليشيات الإسلامية التي هاجمت مطار طرابلس الدولي في تموز/ يوليو 2014 ، وسرعان ما أرست قواعد إدارة سياسية منافسة في العاصمة طرابلس وأطلقت على نفسها اسم حكومة الإنقاذ الوطني68. وعلى مدار السنوات الأربع التالية استمر القتال بين هذا التحالف، الذي يعمل من خلال مصراتة، وبين قوات حفتر في جميع أنحاء البلاد وخاصة في مدينة بنغازي الشرقية المُتنازع عليها.وأدى هذا الانقسام السياسي للبلاد إلى تعبئة واستقطاب الإسلاميين الليبيين ورجال الدين والمؤسسات الإسلاميةولكنه قدم لهم في الوقت نفسه فرصاً جديدة للارتقاء السياسي والتوسع الاجتماعي. واصطف الإسلاميون المتشدوون والجهاديون وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدوهم وأتباع الغرياني في بنغازي ومصراته وأجزاء من طرابلس خلف حركة فجر ليبيا وحكومة الإنقاذ الوطني69.

وكان التيار المدخلي في هذه الأثناء يتعرض لنفس عوامل التحفيز والاستقطاب وإن تردد قادته بعض الشيء في إجازة حمل السلاح ودار بينهم الكثير من الجدل العَقَدي حول هذه المسألة التي استحضرت بالنسبة لبعضهم المعضلات التي استجلبتها ثورة 201170.أما في شرق ليبيا فانضم كثير من المَداخِلة إلى عمليات حفتر سواء كمقاتلين في الجيش الوطني الليبي الذي يقوده (سمي فيما بعد القوات المسلحة العربية الليبية)، أو في القوات شبه العسكرية التابعة له أو عن طريق تقديم الدعم المعنوي والدعائي. وجاء انضمام المَداخِلة لحفتر بعد سلسلة من الاغتيالات التي قام بها الإسلاميون والجهاديون لشخصيات مدخلية في شرق ليبيا في مطلع 2014، وأيضاً بسبب استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على السلطة في مدينة سرت المركزية في صيف ذلك العام. وصاحب استيلاء داعش على السلطة في سرت عمليات عنف وقمع للمدخليين المقيمين في المدينة خاصة خلال انتفاضة صيف 2014 التي قام بها أعضاء قبيلة الفرجان التي ينتمي إليها حفتر71. وأشعلت عمليات القمع تلك غضب المَداخِلة في كافة أنحاء البلاد وخاصة في شرق ليبيا وبنغازي. وبدأ المَداخِلة والعديد من الميليشيات القبلية والمحلية في ضخ مواردهم العسكرية والسياسية لدعم حفتر الذي تنامت سيطرته على منطقة شرق ليبيا تدريجياً مما أدى إلى توسع النفوذ الاجتماعي للمَداخِلة وسيطرتهم على المؤسسات الإسلامية كالمساجد والمدارس القرآنية والهيئة العامة للأوقاف والشئون الإسلامية التي تتخذ من شرق البلاد مقراً لها72.

أما في غرب ليبيا فكان الوضع معكوساً. فقد تلقى المَداخِلة صدمة هائلة عندما وقعت طرابلس في أيدي جماعات إسلامية عسكرية تابعة للمفتى73، واضطر بعض مشايخ المَداخِلة في طرابلس إلى الهرب واللجوء لجبال نفوسة بحثاً عن ملاذ في بلدات مثل الزنتان. أما البعض الآخر فاكتفى بالتزام الصمت والبقاء في البيوت. وفي هذه الأثناء واصلت الجماعات المسلحة ذات الميول المدخلية ،مثل قوة الردع الخاصة، عملياتها الاشتباكية مع منافسيها الإسلاميين التابعين للمفتي. وبشكل عام يعتبرالسلفيون وداعموهم أن صيف 2014 قد أنتج تحولاً زلزالياً في التوازن الأيديولوجي للقوة في منطقة العاصمة74.

وبالطبع أثر هذا التحول في موازين القوى على مؤسسات الأوقاف بدورها. ومع رحيل حكومة زيدان وهروبه إلى خارج البلاد في مارس 2014، استقال وزير الأوقاف حمودة في أكتوبر من العام نفسه75. وعينت حكومة فجر ليبيا في منصبه رجل دين وتاجر سابق وزعيم إحدى الكتائب الثورية من بلدة بني وليد يدعى مبارك الفطماني. كما تولى منصب نائب الوزيركلاً من عبد الباسط يربوع من مدينة الزاوية الشمالية الغربية وأبو بكر بوصوير من مدينة مصراته . أما مكتب أوقاف طرابلس فتولى قيادته مواطن ليبي- كندي مزدوج الجنسية يدعى عبد الباسط غويلة76. وكان للثلاثة توجهات أيديولوجيةإسلامية يمكن وصفها بأنها نشطة وثورية وإن كانت تميل للتشدد أحياناً77. ونتيجة لهذه التعيينات اصبحت قيادات وزارة الأوقاف الوطنية وأوقاف طرابلس لأول مرة منذ اندلاع الثورة تابعة للمفتي ودار الإفتاء وغيرها من الدوائر78. ومع إسكات رجال الدين التابعين للتيار المدخلي وطردهم خارج طرابلس شهدت المناصب الكبرى في العاصمة درجة لا بأس بها من التجانس الأيديولوجي79.

وفي الأعوام المقبلة ستلعب دار الإفتاء ووزارة الأوقاف في طرابلس الخاضعة الآن لسيطرة الإسلاميين دوراً هاماً في الحرب الأهلية الليبية وما شهدته البلاد من انقسامات سياسية من خلال ما قدمته من دعم معنوي وخطابي للكتائب التي تقاتل حفتر عبرالبلاد وخاصة للتحالف المسلح المرتكز في بنغازي والذي يدعى مجلس شورى ثوار بنغازي الذي ضم بين قواته جهاديين متطرفين على رأسهم جماعة أ نصار الشريعة التي صنفتها الأمم المتحدة كجماعة إرهابية. وفي نفس الوقت واجهت دار الإفتاء ووزارة الأوقاف تحدياً أيديولوجياً مزدوجاً من تنظيم الدولة الإسلامية التي انتقدت حكومة فجر ليبيا ووصفتها بأنها غير إسلامية وشنّت هجمات عنيفة على المساجد مثيرةً غضباً مضاداً وانتقاداتٍمن الأوقاف80. وعلاوة على ذلك حاولت وزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني دفع النفوذ المتنامي للمَداخِلة في المناطق خارج طرابلس خوفاً من تنامي النفوذ السياسي لمعسكر حفتر. وفي 2015 على سبيل المثال، زار أحد المسئولين مكتب أوقاف بلدية صبحة الجنوبية وشدّد على أهمية رفض كل الفتاوى "المستوردة من الخارج" في إشارة إلى تصريحات المَداخِلة المدعومة من المملكة العربية السعودية والمتعاطفة مع حفتر وكذلك تصريحات تنظيم الدولة الإسلامية81. وبدورهم بادر المَداخِلة المتشددون بمن فيهم العاملون ضمن قوة الردع الخاصة بتهديد العديد من مسئولي الأوقاف بل بخطفهم أحياناً كما فعلو مع محمد علاء الدين التكتيك مدير مكتب أوقاف طرابلس كما ذكرنا سابقاً. وهذا بدوره دفع مسئولي الأوقاف إلى اللجوء إلى كتائبهم الخاصة مثل كتائب قوات درع ليبيا82.

في بعض الحالات أثارت التصريحات والإجراءات المتشددة التي صدرت من مسئولي الأوقاف في طرابلس خلال عهد حكومة الإنقاذ الوطني الغضب والانتقادات من المواطنين الليبيين ومن المعارضين الأيديولوجيين لجبهة الأوقاف وبعض الدبلوماسيين الخارجيين.والحقيقة أن رئيس مكتب أوقاف طرابلس السيد عبد الباسط محمد غويلة على وجه الخصوص كان مصدراً للجدل الساخن بين معارضيه الأيديولوجيين. وعلى سبيل المثال في 2014 وخلال تجمع في مدينة زليتن الغربية تم تصويره في مقطع فيديو يؤيد فيه الجهاد، وبالطبع لم يتردد معارضوه في انتهاز الفرصة لوصمه بالتطرف، لكنه أكد على أن المقطع قد تم اقتطاعه من سياقه وأنه كان يتحدث عن الثورة ضد القذافي83. بعدها بعامين في 2016، أُردي نجله قتيلاً في بنغازي في قتال ضد حفتر ولكن الإعلام الليبي المناهض للإسلاميين وكذلك الإعلام الغربي تداول -خطأً- ملابسات الوفاة كدليل على عضوية نجل غويلة في جماعة أنصار الشريعة، ومجلس شورى ثوار بنغازي وتنظيم الدولة الإسلامية كلها جميعاً. والحقيقة هي أنه كان يحارب في صفوف كتائب مضادة لحفتر مركزها بنغازي وتسمى "لواء عمر المختار" وهي ميليشيات مستقلة رسمياً عن كل ما سبق ذكره منائتلافاتومجموعات84. وانتهى الأمر بالإعلام الليبي والغربي إلى ربط غويلة بأحد قادة ومؤسسي تنظيم الدولة الإسلامية الذي يدعى سلمان العبيدي، وهو مواطن ليبي- بريطاني مزدوج الجنسية هاجم ملهى ليلي في مانشستر في 2017، وهي تهمة أخرى سعى غويلة أيضاً إلى دحضها85.

أما بالنسبة لليربوع فقد تأثرت سمعته بسبب ارتباطه الوثيق بمواطنه الزاوي شعبان هداية وهو قائد غرفة عمليات الثوار الليبيين التي اختطفت زيدان في تشرين أول/ أكتوبر 2013. وكان الفطماني، رئيس وزارة الأوقاف الوطنية، هو أكثر الشخصيات التي تعرضت لضربات سياسية قاتلة خاصة عندما تم الكشف عن أن نجله كانيقاتل في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في سرت حيث لقي مصرعه في عام 2015 على يد قوات الكتائب التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني التي يعمل والده في صفوفها86. وبحسب التقارير أدى هذا الحادث إلى تدهور النفوذ السياسيللفطماني قرب نهاية فترة عمله في الوزارة مما ساعد على تزايد نفوذ نوابه الذين أضحوا هم المسئولونعن تسيير شئونها87.

وبحلول النصف الأخيرمن 2015 بدأت تظهر بوادر التحالف الانفصالي المؤلف من النخب والكتائب والبلدات التي دعمت تحالف فجر ليبيا وحكومة الإنقاذ الوطني. ويرجع بزوغ هذا التحالف جزئياً إلى آلية سلام أطلقتها ودعت لها الأمم المتحدة بهدف انهاء الحرب الأهلية الليبية وإنتاج حكومة موحدة. وقد لقيت هذه الآلية أصداء عبر الأوساط و المؤسسات الإسلامية في طرابلس وأثارت موجة من الجدل والفرقة بين النخبة المرتبطة بتحالف فجر ليبيا.وعلى وجه التحديد قدمت زمرة إسلامية من مسئولي الأوقاف بقيادة الفطماني استقالات جماعية احتجاجاً على محادثات الأمم المتحدة وقبولها من قِبَل شخصيات عامة عرف عنها في السابق تأييدها لفجر ليبيا خاصة في مصراته 88.

وفي 3 آذار/ مارس، عينت حكومة الإنقاذ الوطني رجل دين مصراتي يدعى أحمد شتيوي رئيساًلمكتب الأوقاف الوطني- الذي تغير مسماه من وزارة إلى الهيئة العامة للأوقاف والشئون الإسلامية- في ظل حكومة الوفاق الوطني التي أُعلِنَت في طرابلس في نهاية ذلك الشهربرئاسة فايز السرّاج. وكما كان الحال مع أسلافه تعرّض السرّاج أثناء فترة حكمه لهزات كبيرة بسبب ما واجهه من صعوبات إدارية وتحديات سياسية متعددة. وكانت بداية تلك الهزات ما صرّح به أمام وفد يمثل مكتب رئيس الوزراء أن ولاءه لا زال مع حكومة الإنقاذ الوطني المنحلة وليس مع حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها. ومازاد الطين بلة في أوائل ومنتصف 2016 أن هيئة الأوقاف انساقت وراء العمليات العسكرية المتتالية التي قادتها القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني ضد تنظيم الدولة الإسلامية المرتكز في مدينة سرت وخلاياه المتفرقة حول طرابلس وعلى الشريط الساحلي الليبي الغربي في مدينة صبراتة. وفي محاولتها لدعم حملة مكافحة الإرهاب استخدمت وزارة الأوقاف سلطتها للتحذير من عمليات التجنيد الأيديولوجي من قبل الجماعة الإرهابية في مساجد العاصمة89.

بالإضافة إلى ذلك تورط مكتب أوقاف طرابلس، بدعم من عناصر في طرابلس ومصراته ، في المعركة العسكرية الموازية الدائرة في مدينة بنغازي الشرقية بين قوات موالية لحفتر تضم مجموعات من السلفية المدخلية وقوات مناهضة له تضم إسلاميين وجهاديين. ونظراً للبعد الأيديولوجي لهذا الصراع فليس من المستغرب أن نشهد انعكاساته على المجال الديني، وعلى سبيل المثال في تموز/ يوليو 2016 أصدر المداخلة تصريحاً دَعَوا فيه أتباعهم لمحاربة مجلس شورى ثوار بنغازي بزعم أنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين90. ورداً على هذا أصدرت وزارة الأوقاف برئاسة شتيوي بياناً انتقدت فيه المدخلي لتدخله في شئون ليبيا الداخلية91. وعلاوة على ذلك واجهت سلطة الأوقاف في طرابلس التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وهي سلطة يفترض أنها وطنية، تحديات سياسية وإيديولوجية من مكتب أوقاف منفصل متحالف مع معسكر حفتر الشرقي ويهيمن عليه المَداخِلة ومقره مدينة طبرق الشرقية. ولشهور عديدة انقطع التنسيق والتواصل بين السلطة الرئيسية في طرابلس ومكتب طبرق. ولكن بحلول آب / أغسطس 2016 ظهرت بوادر تشير إلى ذوبان الجليد لفترة وجيزة حيث تعاونت السلطات الدينية في طرابلس مع نظيرتها في الشرق لتيسير سفر المواطنين الليبيين لأداء مناسك فريضة الحج.92

ولكن الصراع الأكثر خطورة الذي واجهته وزارة الأوقاف في طرابلس هو تصاعد التوتر بين الإسلاميين التابعين للغرياني والسلفيين المداخلة .وبحسب ما قاله مسئول سابق في الأوقاف عن نفسه وعن زملاءه أثناء هذه التوترات: " (كنا) محاصرين بين دار الإفتاء والمداخلة".93

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 انفجر الصراع بين التيارين في أخطر موجة عنف شهدها خلافهما عندما قَتلت وحدة فرعية متشددة تابعة لقوة الردع الخاصة التابعة لعبد الرؤوف كارة رجل الدين نادر العمراني المقرب من الغرياني الذي كان على رأس دار الإفتاء ومجلس البحوث والدراسات الإسلامية. وعلى الرغم من أن وقائع الاغتيال ومدى تورط المَداخِلة فيه ظلت غامضة إلا إن الحادث تسبب في ردود فعل عنيفة ضد التيار السلفي المدخلي في العاصمة خاصة بين المجموعات المسلحة التابعة لدار الإفتاء ومجلس شورى ثوار بنغازي أو المرتبطة بها.94 وفي محاولة لتهدئة التوترات والسيطرة على الجرأة الخطابية والعسكرية الجديدة للمداخلة أصدرت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية برئاسة الشتيوي بياناً بمنع أحد عشر شخصية مدخلية من الوعظ في المساجد95. وفضلاً عن ذلك استبدل الشتيوي رئيس مكتب أوقاف مدينة غريان الشمالية الغربية، استجابة لطلب من البلدية، برجل دين جديد مالكي المذهب يعمل كخطيب مسجد ويحمل درجة الماجستير في إدارة المشاريع ومتصل بالغرياني96. ووصف عضو في مكتب الأوقاف في غريان الجهود المتتالية للتخلص من عدد من الأئمة التابعين للتيار المدخلي في المدينة قائلاً:

كان يوجد اثنان وثلاثون خطيباً من المداخلة وكانو يركزون في خطبهم على ولي الأمرويقولون أ شياء سيئة عن العلماء. وكانوا يخالفون تقاليدنا حيث كانو ( يقولون) " إن التصدق بالمال حرام وأنه يجب إخراج العصيدة ( طبق شعبي). وأيضاً يسألون لماذا ترتدي الملابس الغربية". ولكن (مكتب الأوقاف) تخلص من اثنين أو ثلاثة فقط بسببالمشاكل والضغوط التي مارستها المجموعات المسلحة (المدخلية).97

ومع بداية عام 2017 تورط الشتيوي ووزارته في نزاعات مالية تتعلق بإشراف الوزارة على صناديق الزكاة والعقارات. وقد بدأت هذه النزاعات منذ مطلع 2016 عندما شرعت كتائب محلية تسمى لواء باب تاجوراء في تضييق الخناق علىمكتب صندوق الزكاة في منطقة النوفليين في طرابلس وقامت بتحويل أموال الزكاة إلى أعضائها98. ولم يتمكن المسئولين في حكومة الوفاق الوطني من إيقاف هذه البلطجة بالرغم من محاولات حكومة السرّاج المستمرة لتنحية هذه الجماعة المسلحة عبر الأوامر القضائية المتعددة99. وفي هذه الأثناء تصاعدت التوترات بين مكتب رئيس الوزراء ووزارة الأوقاف التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ الوطني بسبب أسعار إيجارات عقارات الأوقاف، فقد رفع الشتيوي إيجارات الأراضي الخاضعة للأوقاف خاصة في المدينة القديمة بالعاصمة لأن المواطنين كانوا يستأجرون العقارات من الأوقاف ثم يؤجرونها من الباطن بأسعار أعلى بكثير100.

وبحلول نيسان/أبريل 2017 وصلت هذه النزاعات أَوجّهاوأصدرت حكومة الوفاق الوطني مرسوماً أبعدت به الشتيوي من منصبه وجاءت بوزيرجديد يدعى عباس القاضي ، وهو مدير مدرسة سابق غيرمحسوب على أيديولوجية أو حزب سياسي بعينه، رغم أنه ينحدر من أسرة طرابلسية عريقة ويعتبر من المقربين للسرّاج. ولكنه لم يستمر في الوزارة إلا لمدة عام واحد وذلك بسبب التحولات المنهجية في نفوذ الجماعات المسلحة في طرابلس101. وفي بداية صيف 2017 أطلقت الكتائب الموالية اسمياً لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، والتي يتحالف بعضها مع السلفيين المدخليين، حملة عسكرية لطرد كتائب ومعاقل الإسلاميين المتشددين من حكومة الإنقاذ الوطني والتي كان بعضها متحالفاً مع دار الإفتاء بينما كان بعضها الآخر يدين بالولاء لما يسمى بالجماعة الليبية المقاتلة المنحلة حالياً والتي ضمت بين عناصرها جهاديين مسلحين نشطوا في عهد القذافي. ومع اجتياح قواعدهم فر الناجون من قادة الجماعات المسلحة ورجال الدين التابعين لهذه التيارات الإسلامية إلى جيوب في العاصمة مثل تاجوراء أو إلى مدينة مصراتة الغربية أو غادروا البلاد برمتها حيث اتجه كثير منهم إلى تركيا102.وبزوال هذا التحدي الإسلامي المسلح لنفوذ المَداخِلة أصبح الطريق ممهداً أمام عودة رجال الدين المدخليين إلى مساجد العاصمة وهو ما اسفر عن تحول مماثل في مراكز القوى داخل المكتبالوطنيللأوقاف.

صعود المداخلة (من 2018 إلى الوقت الحاضر)

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أقالت حكومة الوفاق الوطني عباس القاضي من منصبه كرئيس لهيئة الأوقاف والشئون الإسلامية وعينت بدلاً عنه رجل دين سلفي من منطقة فشلوم بطرابلس يدعى محمد إحميدة العباني103. أما ذريعة الإقالة فكانت أن القاضي كان يؤيد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وهوتقليد إسلامي يعترض عليه المداخلة باعتباره كفر وهرطقة.104 ولكن المغزى الحقيقي لهذه الإقالة هو انها عكست القوة المتنامية لجماعات المداخلة المسلحة وبخاصة قوة الردع الخاصة التي تربطها بالعباني علاقات وثيقة105. وبالتالي،فقد كان التعيين مؤشراً على تصاعد نفوذ المداخلة في طرابلس سواء في القطاع الأمني أوفي الشوارع والمساجد و المدارس. وفي المقابل واجه الغرياني وأنصاره من الإسلاميين انحساراً هائلاً لنفوذهم لم يشهدو له مثيلاً منذ انتصارهم في عملية فجر ليبيا في 2014. ولكن الصراع كان مازال في بداياته.

وتحت إدارة العباني بذلت وزارة الأوقاف جهوداً كبيرة لتوسعة المساحات الاجتماعية والدينية المتاحة للمَداخِلة السلفيين في غرب البلاد. وتمكن العديد من المَداخِلة الذين فرّوا من العاصمة من العودة إليها تحت حماية الكتائب ذات التوجهات المدخلية106. وفي كثير من المدن المحيطة بالعاصمة- خاصة مصراته وغريان وزليتن والخمس والزاوية- حاول العباني تغيير التركيبة الدينية لقيادات الأوقاف المحلية مما أثار كثيراً من الاحتجاجات والمعارضة107. وفي بعض الحالات، مثل حالة مدينة الزاوية، ظهرت مكاتب أوقاف منافسة108. أما في غريان فقد أزاح العباني رئيس مكتب الأوقاف السابق الذكر بناءً على طلب المداخلة المحليين حسب ما تردد109. أما في منطقة جبل نفوسة فقد أدى تعيين العباني إلى صعودٍ موازٍ للمداخلة في البلدات التي تسيطر فيها الأوقاف على الشعائر الإسلامية كالحج وتُعادي الأشخاص المنحدرين من العرق الأمازيغي الذين يتبع أغلبهم المذهب الإباضي110.

وبالطبع أثار صعود المداخلة التوترات مع الغرياني ودار الإفتاء.ورداً على تحركاتهم الهادفة للسيطرة استعان الغرياني بكل ما أمكنه من أسلحة سواء دينية أو إعلامية على رأسها محطة تلفزة تسمى "تناصح" يديرها ولده بأموال قطرية حسب ما تردد111. واستمر الغرياني في اتهام وزارة الأوقاف بأنها تستدعي تدخلات أجنبية لا داع لها وأنها قد أصبجت خادمة للمخابرات السعودية.112وبدوره أصدر العباني مذكرة رد فيها على ما سماه "المزاعم السبعة" للغرياني واتهمه فيها بوضع أكوام من الرمل أمام مكاتب الأوقاف في زليتن والخمس لإعاقة عملها.113

والحقيقة أن لعبة شد الحبل التي طالت بين الفصائل المتعارضة أيديولوجياً، وازدياد الاستقطاب الذي نتج عن تعيين العباني وتنامي سلطة المَداخِلة لا يمكن بأي حال فصله عن التوترات السياسية التي رافقتتقدم الفصائل التابعة لحفتر في شرق البلاد. حيث عزز المداخلة هناك سيطرتهم على مكتب أوقاف مدينة البيضاء ومكتب أوقاف مدينة درنة التي طال النزاع عليها حتى استولى عليها حفتر وقواته المسلحة وانتزعها من أيدِ الإسلاميين والجهاديين في أواخر عام 2018114. وفي استعراض لهذه الهيمنة حاول المَداخِلة الذين أصبحوا الآن قادة لمكتب الأوقاف فرض رؤيتهم المذهبية على الأعراف الاجتماعية وحاولوا منع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة والتدخل في محتوى خطب المساجد وفرض قيود على الفعاليات الفنية والموسيقية التي اعتبروها مخالفة للإسلام115. ولكن تأثيرهم ومحاولاتهم واجها مقاومة قوية من المحتجين ومن المجتمع المدني116.

ومع تدفق الدعم العسكري والسياسي من المَداخِلة تحرك حفتر من شرق ليبيا إلى فزان في الجنوب في نهاية 2018117.واستمر هذا الدعم أثناء محاولاته لاقتحام العاصمة في بداية 2019 من عدة بلدات وتجمعاتيسكنها المداخلة في غرب البلاد خاصة مدينة صرمان وصبراتة والزنتان وحتى بعض أجزاء من مدينة طرابلس ، بل ودعمته عناصر من الجماعات المسلحة القوية مثل قوة الردع الخاصة. وهكذا تحول الصراع على الأوقاف وغيرها من المؤسسات الدينية من صراع ديني أيديولوجي إلى صراع ٍ سياسي: وأصبح الجميع يعتبرون المَداخِلة هم حصان طروادة أو الطابور الخامس لحفتر عندما وصلت قواته إلى العاصمة. والحقيقة أن الكثير من المقابلات التي أُجريت مع شخصيات سلفية مفتاحية في صبراتة وطرابلس في يناير 2019 قد كشفت عن تعاطف غريب مع حفتر ربما تم التعبير عنه بشكل غير مباشر من خلال الكلام عن دعم " الجيش القوي" و" النظام"وتماثلت مشاعر مَداخِلة الزاوية مع إخوانهم في صبراته وطرابلس ولكن هذا التعاطف كان يتغافل عن استخدام حفتر المتعمد للعنف السياسي والاجتماعي118.

ولكن الواقع كان أكثر تعقيداً في حالاتٍ أخرى. فالمَداخِلة تغلب عليهم البراغماتية والميل لانتهاز الفرص السانحة، وبالتالي عندما مالت موازين القوى لصالح حفتر لم يكن بوسعهم إلا الانحياز إليه مرتكزين على ما تأمرهم به عقيدتهم السلفية من وجوب طاعة ولي الأمر.والحقيقة أن الكثير من الشخصيات والجماعات المسلحة الطرابلسية غير السلفية كانت لا تقل انتهازية عن المَداخِلة. ومن جانبه استمر العباني في تأكيداته العلنية بأنه من أشد داعمي حكومة الوفاق الوطني مستشهداً بالعديد من المبادئ الفقهية السلفية لتبرير ولاءه لحكومة طرابلس، وهو الموقف الذي أكدته مقابلاتٍ أجريت مع مسئولي أوقاف سابقين119. بل إنهأوقف الدعم المالي عن مكاتب الأوقاف في البلدات التي استشعر ولاءها لحفتر وخاصة البلدات المحيطة بطرابلس مثل صرباته بينما استمر في تقديم الأموال لمكاتب الأوقاف في فزان التي اعتمدت على دعم كلا الإدارتين السياسيتين المتعارضتين في شرق ليبيا وغربها120.

مع هجوم حفتر المفاجئ على العاصمة في أوائل نيسان/أبريل 2019 بدأت التوترات تتصاعد. وبعد الاستيلاء على غريان بادرت القوات المسلحة الليبية بقيادة حفتر إلى الدخول في تحالف سريع مع المَداخِلة المحليين الذين كان نفوذهم يتصاعد باضطراد منتظم منذ 2019. وبحسب أحد المسئولين الغريانيين" عندما وصل حفترإلى هناك كان المَداخِلة في انتظاره"121. وبفضل السيطرة التي فرضتها القوات المسلحة التابعة لحفتر تمكن المَداخِلة من الهيمنة على المساجد والأوقاف والمستشفى حسب ما قاله مواطنو المدينة في مقابلات أجريت معهم. ولكن هذا لم يكن حال جميع المَداخِلة، فالمَداخِلة في غرب ليبيا اضطروا للخضوع لقيود فرضتها عليهم الضغوط الاجتماعية والسياسية والاستقطاب الحاد للجماعات المسلحة المتصارعة. وكان بعض هذه الجماعات مثل الوحدة العسكرية المسماة 20-20 ،المعروفة بميولها المُدخلية، داخل قوة الردع الخاصة قد بقي على الحياد حتى صيف 2019. ولم تتحرك هذه الوحدة إلا عندما ازداد الضغط عليها من المجموعات المسلحة الأخرى عندما اتضح أن الميليشيات المدافعة عن حكومة الوفاق الوطني قد تمكنت من إيقاف تقدم حفتر، وحتى عندئذ لم تتحرك إلا بعد أن أرسلت وفداً يطلب المشورة الدينية من المملكة العربية السعودية بحسب ما قاله مصدر مقرب من قائد الوحدة 20-20122. وفي نفس الوقت تعرض الدعاة المَداخِلة في مساجد طرابلس لانتقادات من المصلين ومن الإسلاميين المنافسين الذين اعتبروا أن خُطَب المَداخلِة لم تكن تهاجم حفتر بشكل كاف وأنها تتجنب ذكر أوامر الإسلام التي تنص على ضرورة الدفاع عن المدينة123.

ومن جانبة دعا العباني إلى استخدام سلطة مكتب الأوقاف لمجابهة حفتر أيديولوجياً،بلإنه ذهب بنفسه لزيارة ربيع بن هادي المدخلي في السعودية للتأكد مما إذا كانت فتواه السابقة بتأييد حفتر لا تزال سارية124. وبحسب ما ورد استخدم العباني الرد الملتبس الذي أعطاه المُدخلي في محاولاته لحث المَداخِلة الشرقيين المنضمين لمعسكر حفتر على الانشقاق على الرغم من عدم وجود أدلة تذكر على حدوث ذلك125. وعلى جانب آخر وخلال رحلة إلى مكة في نفس العام تردد أن العباني قد التقى بوفد من السلفيين المًداخِلة من لجنة دار الإفتاء من شرق ليبيا الذين جاءوا لطلب دعم ربيع المدخلي لحملة حفتر العسكرية. وخلال هذا الاجتماع أخبرهم العباني أنهم إن كانوا حقاً ملتزمين بمحاربة الخوارج ( يعني الجهاديين وتنظيم الدولة الإسلامية) فيجب عليهم الاعتراف بأن حكومة الوفاق الوطني، التي كانوا يهدفون للإطاحة بها، قد اعتقلت هؤلاء المتطرفين في سجن قوة الردع الخاصة في طرابلس126. وفي سياق متصل التقى العباني مع خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، للمساعدة في نزع فتيل التوترات السلفية – الإسلامية في الزاوية مؤكداً للمشري أنه "سلفي وليس مدخلي" بحسب ماقاله مصدر مطلع على مادار في الاجتماع127.

ومع ذلك وبحلول نيسان/أبريل 2020 أدت التطورات الناجمة عما يدور في ساحات القتال إلى المزيد من عدم الاستقرار بالنسبة للأوقاف. وفي صيف 2020 تحركت الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني إلى خارج طرابلس مدعومة بتغطية الطائرات التركية بدون طيار والمرتزقة السوريون واستولت على عدة بلدات كانت إما تحت سيطرة القوات المسلحة الليبية التابعة لحفتر أو المتعاطفة معه. وأدى تقدم قوات حكومة الوفاق الوطني إلى انسحاب المَداخِلة من مكاتب الأوقاف المحلية ومن المساجد وغيرها من الساحات الإسلامية. وفي بعض البلدات حاول أنصار الغرياني وبعض الشخصيات المتحالفة مع المشري، أو المتعاطفة معه كما في حالة مدينة الزاوية، سد الثغرات التي خلفتها مغادرة المَداخِلة.128

بالتوازي مع هذا التعديل السياسي واجهت مكاتب الأوقاف في طرابلس وفي شرق البلاد تحدٍ إنساني كبير تمثل في استشراء جائحة كوروناالتي لم تجد من يتصدى لها في بلد مزقته الإنقسامات السياسية والصراعات العسكرية التي استنفذت بنيته الطبية وجعلتها غير قادرة على مجابهة الوباء. خلال هذه الجائحة أصبحت السلطات الدينية عاملاً مساعداً هاماً لدعم القرارات المتعلقة بالصحة العامة التي تصدرها حكومة الوفاق الوطني الضعيفة في طرابلس.وبالمثل دعمت سلطات الأوقاف في الشرق جهود القوات المسلحة الليبية في التعاطي مع هذه الكارثة الصحية العامة، وبمنتصف آذار/ مارس 2020 أصدرت هيئتا الأوقاف بيانات تحث فيها المواطنين على البقاء في منازلهم ودعت لتعليق صلاة الجمعة في المساجد. ولكن هذه النداءات المستقاة من روح الإسلام تعرضت لكثير من التحديات في طرابلس على وجه الخصوص على يد كل من الإسلاميين التابعين للغرياني والسلطات المحلية في المدن، التي بالغت في تسييس هذه الحملة الدينية لدعم الصحة العامة.129.

ومع حلول عام 2021 بدأت القِوى والسلطات الدينية في العاصمة طرابلس تستعد لمجموعة جديدة من التغييرات. بعد إعلان وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في تشرين الأول/أكتوبر 2020 وبعد مجموعة من المحادثات التي أشرفت عليها الأمم المتحدة وأسمتها ملتقى الحوار السياسي الليبي، وافق المبعوثون الليبيون في فبراير 2021 على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة أسموها حكومة الوحدة الوطنية واختاروا رجل الأعمال المصراتي النافذ عبد الحميد الدبيبة رئيساً لوزرائها. وخلافاً للمعتقد العام فإن الحكومة الجديدة لم تكن نعمة أرسلتها السماء لمعسكر الإسلام السياسي في البلاد بالرغم من أن الدبيبة لديه ولاءات نحو جماعة الإخوان المسلمين الليبية وتربطه علاقات مع عدد من الناشطين الإسلاميين المعروفين خاصة المقيمين في تركيا وقطر130. ومع ذلك يسعى رجال الدين والإسلاميين المتحالفين مع الغرياني لاستغلال توزيع المناصب في التعيينات الوزارية الجديدة131. وفي هذه الأثناء فإن الشخصيات السياسية ورجال الأعمال في الشرق والغرب معاً لا زال بوسعهمتخفيف التوترات بين الإسلاميين ومع عضهمالبعض عن طريق عقد التحالفات والصفقات التي تتخطى الخطوط الأيديولوجية.

وحتى كتابة هذه السطور لم يتم الإعلان عن تعيينات جديدة لقيادة الهيئة العامة للأوقاف والشئون الإسلامية في طرابلس والتي يفترض تقنياً أن تندمج مع سلطة الأوقاف الشرقية تحت قيادة حكومة الوحدة الوطنية. وكما هو الحال مع المؤسسات السياسية والاقتصادية الأخرى من المرجح أن تصبح مؤسسة الأوقاف أيضاً ضحية لتنافس النخبة ولشئ من المناورات الأيديولوجية المتوقعة في الفترة السابقةللانتخابات الليبية المقترح عقدها في نهاية 2021 لاستبدال حكومة الوحدة الوطنية.

الخاتمة

بعد ما يقرب من مرور عقد من الزمان على سقوط القذافي تعرض طيف واسع من المؤسسات السياسية والاقتصادية الليبية للتشرذم أو الانهيار بسبب ضغوط الفصائل المتنافسة أيديولوجياً و سياسياً. وبالتالي فلم يكن من المستغرب أن تكون مكاتب الأوقاف مطمعاً رئيسياً لهؤلاء المتنافسين بما لها من هيبة تاريخية وسلطة أخلاقية وما يقع تحت سلطتها من أراض وحيازات وإيرادات . وتعكس مشاكل الأوقاف التي بدأت منذ 2011 التغير المتكرر للسلطة في العاصمة، وصعود الجماعات المسلحة ذات الانتماءات المحلية أو الأيديولوجية، والانقسام الوطني بين إدارات موازية في شرق ليبيا وغربها، والصراعات اللجوجة المحتدمة بين العاصمة طرابلس وبين المدن والبلدات النائية في أطراف ليبيا حول السلطة السياسية والاستقلالية المالية.

وربما يكون الأهم من ذلك هو أن مكاتب وحيازات الأوقاف قد زلزتها المنافسات الحادة التي شهدها الحقل الإسلامي في ليبيا بين التيارات المذهبية المتعددة والأيديولوجيات المتباينة والشخصيات الدينية المتصارعة. وكذلك ارتبط الصراع للسيطرة على الأوقاف بالجدل حول مدى نفوذ القوى الخارجية في المجال الديني في البلاد وخاصة بعد صعود ما يسمى بالتيار المدخلي الذي يستلهم تقاليد التيار الوهابي السعودي والذي بالغت الأصوات الخارجية والليبية على حد سواء في إبراز خضوعه التام للملكة العربية السعودية. ورغم أن تسليح مكاتب الأوقاف كان الهدف منه محاربة الإرهاب في ليبيا إلا أن الشخصيات والتيارات المتنافسة لم تتردد في اتهام الأوقاف بالتواطؤ مع من أسموهم بالمتطرفين. وتم حشد مسئولي الأوقاف في شرق البلاد وغربها للعمل على إعادة التأهيل الديني ونزع الأفكار المتطرفة من مجاهدي تنظيم الدولة الإسلامية المساجين. ومؤخراً استعانت السلطات في الشرق والغرب بسلطات الأوقاف لنشر مبادرات الصحة العامة في البلاد وتنظيم الفضاء العام الإسلامي في أعقاب انتشار فيروس كورونا في ليبيا.

ولا ننسى أن أساس كل ما شهدنه الأوقاف من أحداث وتطورات هو نتاج الإرث المشحون الذي تركه القذافي، حيث كانت هذه المكاتب والأصول مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بخيارات الدكتاتور الراحل وحرصه على السيطرة على الخطاب الإسلامي وإصراره على نهج منهج الجماعية في ملكية الأراضي، وكل ما نراه اليوم من صراع وعدم استقرار ما هو إلا ثمرة لتلك السياسات. ولكن وحتى في العهود السابقة لحكم الدكتاتور، كانت حيازات الأوقاف خاضعة لاستغلال القوى الاستعمارية الحاكمة في ليبيا – خاصة الإيطاليين والعثمانيين، و لا شك ان ما ساعد على تحديد سلطة ووظائف مكاتب الأوقاف كانت المناقشات والمداولات الإصلاحية التي دارت في ذلك الوقت عبر العالم العربي والإسلامي. وبالتالي فإن فكرة الأوقاف النقية التي لم تتعرض للتلوث والتي تعيش بمعزل عن التأثيرات السياسية والأجنبية هي فكرة خاطئة ومضللة.

وفي المستقبل سيكون لمكاتب الأوقاف دور بارز في التحديات الكبرى التي ستواجه عمليات بناء الدولة الليبية والمصالحة الوطنية. وسيكون لتواجد الأوقاف في المدار الديني من خلال إشرافها على تعيينات أئمة المساجد والتزامها بتوجيه الخطاب الديني تأثيراً كبيراً على الجمهور الذي سيستمر في التطلع إليها لاستلهام توجهاته الأخلاقية والاجتماعية. وبالإضافة لكل ذلك فإن استمرار الأوقاف في إدارة الأصول العقارية سيحافط على قيمتها كغنيمة اقتصادية ثمينة يتطلع الجميع للحصول عليها. وهو ما يعني أن كبح جماح الفصائل التي تتنافس على السيطرة على مؤسسة الأوقاف سيتطلب العديد من الإصلاحات الكبرى التي لطالما احتاجتها ليبيا عبر السنين والتي لطالما بدت بعيدة المنال، وأهمها إصلاح القطاع الأمني وتعزيز الشفافية والمحاسبة المالية والالتزام باللامركزية وأهمها قاطبة التزام النخب بتحقيق ما يتطلبه الصالح العام بدلاً من التركيز على مصالحهم الخاصة.

شكر وتقدير

يود المؤلف أن يتقدم بالشكر والتقدير لجميع المتحدثينالليبيين الذين ساعدوه أثناء العمل الميداني في غرب ليبيا في 2019 و2020 وقبلها في شرق ليبيا في 2017. ويسجل امتنانه لجاكلين ستومسكي وساندي الخطامي على مساعدتهما البحثية. ويشكر ايضاً ما تفضل به كلٌ من اليسون بارجيتر وأليكس ثرستون وجلال حرشاوي من ملاحظات على المسودات الأولية.

هوامش

1لمشاهدة فيديو لعملية الاعتقال انظر"حصرياً بالفيديو..لحظة اعتقال محمد علاء الدين التكيتك مدير مكتب أوقاف طرابلس من مكتبه"، إيوان ليبيا، 26 نوفمبر، 2015.http://ewanlibya.ly/news/news.aspx?id=3405

2" ليبيا.. ميليشيات تختطف مسئول الأوقاف بطرابلس"، العربية،26 نوفمبر، 2015.
https://www.alarabiya.net/north-africa/libya/2015/11/26/%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%AE%D8%AA%D8%B7%D9%81-%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%81-%D8%A8%D9%80-%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3-?3342 للمزيد عن قوة الردع الخاصة وادعاءات تجنيد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في مساجد طرابلس برعاية الأوقاف ارجع إلى "التقرير النهائي لفريق الخبراء حول ليبيا المنشأة بموجب القرار1973 (2011)" مجلس الأمن بالأمم المتحدة،9 مارس، 2016.
https://www.securitycouncilreport.org/atf/cf/%7B65BFCF9B-6D27-4E9C-8CD3-CF6E4FF96FF9%7D/s_2016_209.pdf.

3مقابلة أجراها المؤلف مع موظف سابق بمكتب أوقاف طرابلس،طرابلس، ليبيا، يناير 2020.

4للقراءة المرجعية انظر" ممتلكات محفوظة: الوقف في العالم الإسلامي"، باسكال غزالة ( القاهرة: مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، 2011) و "الإسلام الرسمي في العالم العربي: الصراع على السلطة الدينية"، ناثان ج. براون، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، مايو 2017.
https://carnegieendowment.org/files/CP306_Brown_Religious_Institutions_Final_Web1.pdf.

5 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول سابق في الأوقاف، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

6 مقابلة أجراها المؤلف مع باحث ليبي في الشئون الدينية، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

7 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق في لجنة الأوقاف المحلية، مصراتة، ليبيا، نوفمبر2019.

8 " الميليشيات تعتقل الموظف المسئول عن أوقاف طرابلس" محمد العربي.

9 للمزيد عن حالة التفكك الليبي في أعقاب 2011 اقرأ " الشواطئ المحترقة: من قلب معركة ليبيا الجديدة"، فريدريك ويري، (New York: Farrar, Straus & Giroux, 2018) و" تجزئة ليبيا: البنية والآليات في الصراعات العنيفة" ، واليفرام لاتشار ( London: I.B. Tauris, 2020) و"فهم ليبيا منذ القذافي" أولف لاسنج (London: Hurst, 2020)

10 للمزيد عن الحرب الدولية بالوكالة اقرأ "ديناميكية الحرب بالوكالة في ليبيا"جلال حرشاوي ومحمد السيد لازب(Blacksburg, VA: Virginia Tech School of Public and International Affairs, 2019) و" هذه الحرب خرجت عن سيطرتنا: تدويل صراعات ما بعد 2011 في ليبيا من حرب بالوكالة إلى حرب على الأرض" New America, September 14, 2020
https://www.newamerica.org/international-security/reports/this-war-is-out-of-our-hands

11 مقابلات أجراها المؤلف مع موظفين سابقين في الأوقاف في طرابلس ومصراته في نوفمبر 2019 ويناير 2020.

12 بالصور.. نهب الوقف الليبي. "الهلت" يستبيح الأراضي من عهد القذافي" ، العربي الجديد،22 يناير 2015.
https://www.alaraby.co.uk/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8

13 نفس المصدر السابق.

14 للمزيد عن الحركة المدخلية والتوترات بينها وبين التيارات الإسلامية الأخرى اقرأ " السلفية وانهيار الدولة الليبية: الحالة المدخلية"، فريدريك ويري، في كتاب "السلفية في المغرب العربي: السياسة والتدين والتشدد"(New York: Oxford University Press, 2019),
https://carnegieendowment.org/files/WehreyBoukhars_Chapter%206.pdf.

15 للمزيد من المعلومات عن تاريخ الأوقاف في ليبيا اقرأ "وقف برقة والاستعمار الإيطالي في ليبيا 1911-1941 " من كتاب Held in Trust Waqf in the Islamic World ( القاهرة- مطبعة الجامعة الأمريكية 15 يونيو2011 )

16 انظر كتاب "صناعة ليبيا الحديثة.. نشوء الدولة والاستعمار والمقاومة من 1830 إلى 1932"، علي احميده، مطبعة جامعة نيويورك، البانيا، 1994.ولقراءة المزيد عن تاريخ الحركة السنوسية ومعتقداتها وممارساتها وتأثيرها الاجتماعي وعلاقتها بسلطات الاستعمار انظر " فكرة الدولة الإسلامية في السياسة الليبية منذ الاستقلال" Storia del Pensiero Politico 3 (سبتمبر – ديسمبر 2014) 423–438, https://www.rivisteweb.it/doi/10.4479/78764، و" إيطاليا والسنوسية.. مفاوضات السلطة في ليبيا المستعمرة، 1911 -1931" (أطروحة دكتوراه من جامعة كولومبيا، 2012)https://academiccommons.columbia.edu/doi/10.7916/D8542VP1

17 >"وقف برقة والاستعمار الإيطالي في ليبيا 1911-1941 " ميديتشي.

18 انظر"السياسات الاستعمارية الإيطالية تجاه الأوقاف الإسلامية الليبية. “Saranno Rispettati Come Per il Passato,
European University Institute, Working Paper no. 10, June 2010,
https://cadmus.eui.eu/handle/1814/14141.

19 انظر " وقف برقة والاستعمار الإيطالي في ليبيا 1911-1941" ميديتشي. و Hervé Bleuchot, “Notice sur les ‘awqâf’ libyens de 1969 à 1978,Annuaire de l’Afrique du Nord,”Centre de recherches et d’études sur les sociétés Méditerrannéenes (Paris,Editions du CNRS,1980), 397, http://aan.mmsh.univ-aix.fr/volumes/1979/Pages/AAN-1979-18_03.aspx

20 "وقف برقة والاستعمار الإيطالي في ليبيا 1911-1941 " ميديتشي

21 "وقف برقة والاستعمار الإيطالي في ليبيا 1911-1941 " ميديتشي

22مقابلة مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية في مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

23 انظر “Notice sur les ‘awqâf’ libyens de 1969 à 1978, Annuaire de l'Afrique du Nord". 397 ، هارفي بلوتشوت.

24 انظر " الدين والسياسة في ليبيا"، ليزا أندرسن،,” Journal of Arab Affairs 1, no. 1 (October 31, 1981).

25 مقابلة مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية في مصراته، ليبيا، نوفمبر2019.

26 انظر libyens de 1969 à 1978, Annuaire de l'Afrique du Nord". 397 ، هارفي بلوتشوت.

27 المصدر السابق 398.

28 للمزيد عن هذه الحقبة انظر" المعارضة الإسلامية في ليبيا"، جورج جوف، Third World Quarterly 10, no. 2 (April 1988), 615–631، و" الدين والدولة في ليبيا..سياسات الهوية"، ليزا اندرسن، Annals of the American Academy of Political and Social Science 483 (January 1986): 61–72;، و"إسلام القذافي"، ليزا أندرسن في Voices of Resurgent Islam,، مراجعة جون ل.اسبوسيتو
Oxford University press 1983.

29 "القذافي والإسلام السياسي"، في " ليبيا منذ 1969، رؤية جديدة لثورة القذافي"، Libya Since 1969: Qadhafi’s Revolution Revisited ، أليسون بارغيتور، مراجعة ديرك فانديوال، (New York: Palgrave Macmillan, 2008).

30 مقابلة مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية، مصراتة، ليبيا ، نوفمبر 2019

31 المطالبة بالأملاك في ليبيا ما بعد القذافي..المفاوضات السياسية والبحث عن العدالة في أعقاب قانون 4/1978 " سليمان إبراهيم،
" Hague Journal on the Rule of Law 9 (2017): 135–156,
ومقابلة أجراها المؤلف مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية في مصراتة ، ليبيا، نوفمبر 2019.
https://link.springer.com/article/10.1007/s40803-016-0046-6

32 مقابلة أجراها المؤلف مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية في مصراتة، ليبيا، نوفمر 2019 ومقابلة أخرى أجراها أيضاً المؤلف مع مسئول أوقاف سابق من مدينة غريان الغربية، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

33 يقال أن هذا التحول نحو الاعتراف بمختلف فروع السلفية والتفريق بين ما يسمى بالتيارات الهادئة التي يمكن استخدامها ضد الجهاديين جاء بناءً على طلب المخابرات المصرية وأشرف عليه الساعدي ابن القذافي الذي كان احتضانه للتيار المدخلي محورياً على الصعيدين الشخصي والسياسي بحسب ما ذكره العديد من ممثلي السلفية الليبيين. انظر" السلفية وانهيار الدولة الليبية"، ويري، 114-115.

34 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق بالأوقاف، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

35 على الرغم من ذلك يصر العديد من المعلقين الليبيين أن المداخلة لم يسيطروا على المدارس القرآنية من مقابلة أجراها المؤلف مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية بمصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019 ومقابلة أخرى أجراها المؤلف مع مسئولين ببلديات يفرن ونالوت وطرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

36 "السلفية وسقوط الدولة الليبية"، ويري، 131.

37 للمزيد انظر" حرب دار الإفتاء على الأوقاف في ليبيا: معركة سياسية بغطاء ديني"، الحبيب الأسود، العرب، 8 مايو،2020.
https://alarab.app/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AF%D8%A7%D8%B1-.

38 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول أوقاف سابق، طرابلس، ليبيا، يناير 2020.

39 مقابلة أجراها المؤلف مع رجل دين سلفي تابع لهيئة الأوقاف في المنطقة الشرقية، بنغازي، ليبيا، مايو 2017.

40 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولين بالأوقاف في طرابلس ومصراته وبنغازي، ليبيا، 2017 إلى 2020.

41 >لمعرفة المزيد عن بداية تحالف الجماعة المسلحة مع الدولة انظر" إنهاء الحرب الأهلية في ليبيا: توفيق السياسات وإعادة بناء الأمن" ، فريدريك ويري، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 24 سبتمبر، 2014.ولقراءة المزيد عن تأثير الجماعات المسلحة ذات التوجه الأيديولوجي في قطاع الشرطة المختلط انظر"قطاع الشرطة الليبي: معضلات التهجين والتعددية الأمنية" فريدريك ويري، مشروع عن دراسات الشرق الأوسط في العلوم السياسية 30، سياسات إعادة البناء في مرحلة ما بعد النزاع، سبتمبر 2018. وايضاً " استكشاف الجماعات المسلحة في ليبيا: وجهات نظر حول إصلاح القطاع الأمني في بيئة هجينة"، عماد الدين بادي، مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، 23 نوفمبر، 2020.
https://carnegieendowment.org/2014/09/24/ending-libya-s-civil-war-reconciling-politics-rebuilding-security-pub-56741
https://pomeps.org/libyas-policing-sector-the-dilemmas-of-hybridity-and-security-pluralism
https://www.dcaf.ch/exploring-armed-groups-libya-perspectives-security-sector-reform-hybrid-environment

42 المطالبة بالأملاك في ليبيا ما بعد القذافي.المفاوضات السياسية والبحث عن العدالة في أعقاب قانون 4/1978 " سليمان أبراهيم، ومقابلة أجراها المؤلف مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية في مصراتة ، ليبيا، نوفمبر 2019

43 للاطلاع على السيرة الذاتية للغرياني وتأثيرايديولجياته المذهبية انظر"السلفية وانهيار الدولة الليبية" ، فريدريك ويري، 131.

44 يستخدم المعلقون السلفيون المحليون مصطلحات عديدة ذات جذور سياسية ومذهبية لوصف الكوكبة الفضفاضة من الفاعلين الإسلاميين الناشطين والثوريين والمتشددين التابعين للغرياني. وفي العموم يستخدمون مصطلح السلفيين الحركيين كنقيض لما يسمى بالسلفيين الهادئين الذين تجسدهم الحركة المدخلية وجماعة الإخوان المسلمين وجماعة المقاتلة وهم أعضاء سابقين في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي انحلت الآن. وبشكل أكثر تحديداً فإن بعض الإسلاميين الذين يدورون في فلك الغرياني يسخرون من خصومهم السلفيين المأربيين بسبب تمسكهم بتعاليم رجل الدين اليمني أبو حسن المأربي الذي لعب دوراً رئيساً في الانقسامات العقدية التي شهدتها السلفية في منتصف العقد الأول من القرن 21. وعلى نقيض سلفه الديني في اليمن مقبل الوادعي دعا المأربي إلى تقديم تفسير سياسي نشط للسلفية مما أسفر عن مشاركة أتباعه الليبيين في ثورة 2011.ومن أهم اتباع المأربي في ليبيا أحد الإسلاميين الذي يدعى شعبان هدية والذي لعب دوراً محورياً في زيادة التشدد الديني في ليبيا في أعقاب 2011 من موقعه على رأس غرفة عمليات الثوار الليبيين وهو تحالف يجمع أصحاب الفكر المشترك من الإسلاميين من المدن والبلدات في غرب ليبيا. من مقابلات أجراها المؤلف مع محاورين سلفيين من طرابلس ليبيا في يونيو ونوفمبر 2019.

45 تحول هذا إلى قرار رقم 27 في 18 مارس 2012. انظر المجلس الانتقالي الليبي، قرار رقم 27، 18 مارس 2012.
https://ssf.gov.ly/wp-content/uploads/2018/02/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%B1%D9%82%D9%85-27-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-2012-%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%81.pdf.

46 " المجلس الانتقالي الليبي يكشف عن المرشحين للحكومة الجديدة"، فرانسوا مرفي وعلي شعيب، رويترز، 22 نوفمبر، 2011.
https://www.reuters.com/article/us-libya/libyas-ntc-unveils-new-government-line-up-idUSTRE7AL0JM20111122
منعت السلطات الدينية التابعة للقذافي في 2010 أبو فارس من تقديم الدروس في المساجد ومن إصدار الفتاوى بدون الحصول على موافقة الأوقاف أولاً. انظر " ليبيا تحد من نشاط داعية إسلامي"، خالد المحير، الجزيرة، 15 أغسطس، 2010.
https://www.aljazeera.net/news/arabic/2010/8/15.

47 " تقييم سعودي يرى أن "تيار الإسلام السياسي" سيلعب دوراً حاسماً في ليبيا"، بوابة الوسط، 19 يونيو، 2015. وبحسب نص الوثيقة إنه " في حال نجاح المرحلة الانتقالية عبر إجراء الاستحقاقات القادمة فإن التوجه الإسلامي والقبلي سيلعب دوراً فعالاً وحاسماً في رسم الخريطة السياسية الليبية المستقبلية". , http://alwasat.ly/news/libya/74227
انظرSaudi cables على موقع ويكيليكس , https://wikileaks.org/saudi-cables/doc9490.htmlحيث تنص الوثيقة السعودية على أن جماعة الإخوان المسلمين تعتمد " على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي يرأسها الوزير الشيخ (حمزة ابو فارس) العضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المنفتح على الفكر الإخواني والذي سمح لشيوخ وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين الليبية باعتلاء المنابر لإلقاء الدروس للوعظ والإرشاد وإلقاء خطب يوم الجمعة كما يشرف على المساجد العديد من الأئمة المتشبعين بالفكر الإخواني".

48 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولين سابقين بالأوقاف في طرابلس ومصراته، ليبيا، يونيو 2019 ونوفمبر 2019 ويناير 2020. انظر ايضاً السلفية وانهيار الدولة الليبية"، فريدريك ويري، صفحة 131.

49 مقابلات أجراها المؤلف مع شخصيات تابعة للتيار السلفي المدخلي في طرابلس ومصراته وبنغازي، ليبيا، 2017 إلى 2019. عادة ما يلجأ السلفيون لاستخدام مجموعة مركبة من المصطلحات القانونية والمذهبية لتحديد ولي الأمر. لمزيد من الاطلاع انظر"من أو ما هو ولي الأمر: سؤال لا يسأله أحد"، ناثان ج. براون، مجموعة اونياتي الاجتماعية القانونية، المعهد الدولي لعلم اجتماع القانون.
https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=3346372#.

50 لمعلومات حول هذه التكتيكات انظر" د.حمزة أبو فارس: المتطرفون المغتصبون للمنابر تدعمهم جهات خارجية"، صحيفة الحرية الليبية، 16 أبريل، 2012.
https://www.lawoflibya.com/mag/2012/04/16/%D8%AF-%D8%AD%D9%85%D8%B2%D8%A9-%D8%A3%D8%A8%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%AA%D8%B5%D8%A8%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%84.

51 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولين سابقين بالأوقاف في طرابلس ومصراته، ليبيا، نوفمبر 2019 ويناير 2020.

52 بعد أن نصبت نفسها كشرطة أخلاقية تابعة لوزارة الداخلية ركزت قوة الردع الخاصة على مكافحة الرذائل مثل المخدرات والكحول والدعارة مطبقة المبدأ الإسلامي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.وقدر مصدر مقرب من القوة نسبة السلفيين بها بحوالي 60 في المائة. من مقابلات أجراها المؤلف مع ممثلي قوة الردع الخاصة في طرابلس، ليبيا، 2013 و 2016. ويتبع قائد القوة عبد الرؤوف كارا نسخة من السلفية تعتمد على النص القرآني وترتكز على مبدأ الدعوة بدلا من التمسك المتعصب بالمذهب المدخلي. وفي مقابلة مع المؤلف في 2013 لم يذكر القائد اسم المدخلي كأحد مراجعه الدينية وذكر بدلاً عنه العلماء السعوديون محمد بن عثيمين ونصر الدين الألباني وعبد العزيز بن باز والعالم اليمني مقبل الوادعي. أيضا من مقابلة أجراها المؤلف مع عبد الرؤوف كارا في طرابلس، ليبيا، 15 مايو، 2013.

53 انظر" العنف الديني في ليبيا: من الملام؟" إيجور تشيرتيش، مدونة هفنجتون بوست، 5 ديسمبر، 2012.
https://www.huffpost.com/entry/religious-violence-in-lib_b_2245265.

54 مقابلة أجراها المؤلف مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

55 المصدر السابق.

56 مقابلاتأجراهاالمؤلفمععضوسابقبلجنةالأوقافالمحلية، مصراتة، ليبيا، يناير 2020.

57 مقابلات أجراها المؤلف مع عضو سابق بلجنة الأوقاف المحلية، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

58 مقابلات أجراها المؤلف مع أعضاء سابقين بلجنة الأوقاف المحلية، طرابلس، ليبيا، يونيو ونوفمبر 2019.

59 للاطلاع على السيرة الذاتية انظر ما كتبه عبد السلام الأسمر الفيتوري في منشور على الفيس بوك في 10 فبراير، 2013.
https://www.facebook.com/Abdussalam.Alasmar/posts/460353040686377.

60 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق بالأوقاف، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

61 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق بالأوقاف، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

62 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق بالأوقاف، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

63 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق بالأوقاف، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

64 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق بالأوقاف، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019. للمزيد عن التحديات التي تعرضت لها حكومة زيدان على يد الفصائل والمجموعات المسلحة انظر" الشواطئ المشتعلة"، فريدريك ويري، صفحة 160-170.

65 مقابلة أجراها المؤلف مع عضو سابق بالأوقاف، مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

66 انظر" السلفية وانهيار الدولة الليبية"، فريدريك ويري، صفحة 124.

67 استخدم كثير من النقاد الليبيين تعبير "التحكم عن بعد" عند حديثهم عن المداخلة في المقابلات التي أجراها المؤلف في طرابلس، ليبيا، في 2019 و2020. أما بالنسبة لقصة حصان طروادة انظر"حصان طروادة: الحركة المدخلية في شمال أفريقيا"، جورج جوف، Journal of North African Studies 23, no. 5, (2018) 739–744.

68 للمزيد عن دوافع عملية الكرامة وماسبق الهجوم الذي قاده حفتر في مايو 2014 ، انظر" الشواطئ المشتعلة" ، فريدريك ويري، صفحة 187-205. وانظر ايضاً"معركة بنغازي"، فريدريك ويري، Atlantic، 28 فبراير،2014.
https://www.theatlantic.com/international/archive/2014/02/the-battle-for-benghazi/284102.

69 للاطلاع على مقابلة تعرض تهديدات حفتر بالاستيلاء على طرابلس في صيف 2014، انظر " الانحيازات في ليبيا" ، فريدريك ويري، نيويوك تايمز، 7 يوليو، 2014.
https://www.nytimes.com/2014/07/08/opinion/taking-sides-in-libya.html.

70 " الشواطئ المشتعلة"، فريدريك ويري، صفحة 191-205 .

71 مقابلة أجراها المؤلف مع ابن رجل دين مدخلي متوفي في بنغازي، ليبيا، مايو 2017. و "وداعاً للصمت: معركة السلفيين المدخليين في ليبيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية ودورهم في الصراع الفصائلي"، فريدريك ويري، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 13 أكتوبر 2016. , https://carnegie-mec.org/diwan/64846 و" السلفية وسقوط الدولة الليبية"، فريدريك ويري.

72 المصدر السابق.

73 "السلفية وسقوط الدولة الليبية"، فريدريك ويري ، صفحة 133.

74 بحسب أحد المتحدثين السلفيين " إن قوة الدعم الخاصة قامت بحماية السلفيين في سوق الجمعة و غنيوة (نسبة إلى عبد الغني الككلي قائد جماعة مسلحة قوية مركزها طرابلس) حمتهم في ابو سليم". من مقابلة أجراها المؤلف مع أحد المتحدثين السلفيين في منطقة أبو سليم، طرابلس، ليبيا، يونيو ونوفمبر2019.

75 مقابلة أجراها المؤلف مع متحدثين سلفيين مداخلة في طرابلس، ليبيا، يونيو و نوفمبر 2019.

76 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول سابق بالأوقاف في مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

77 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئولين سابقين بالأوقاف في طرابلس و مصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019 ويناير 2020.

78 الفطماني على وجه الخصوص كانت له سمعة راسخة وإن كانت استقطابية كرئيس للواء 28 مايو في بني وليد وهو اللواء الذي ارتكب الكثير من الاعتداءات أثناء ثورة 2011 وتم إخراجه من البلدة في 2012 على يد السكان الموالين للقذافي. انظر" مقابلة – قائد ليبي يقول أن قواته تتجمع لأستعادة بني وليد"، رويترز، 28 يناير، 2012.https://www.reuters.com/article/oegtp-libya-walid-ah1-idARACAE80R02320120128وانظر ايضاُ " النخبة المحلية الليبية وسياسة بناء التحالفات"، ولفرام لاتشر، Mediterranean Politics, 21, no. 1 (2016): 74.،

79 أسس غويلة تحالفاً قوياً مع الغرياني ويرأس حالياً إدارة الوعي والإرشاد في مؤسسة تناصح التابعة للغرياني.

80 ومع ذلك فإن ما تردد هو أن مسئولي الأوقاف الجدد قد تركو الأئمة المداخلة في مناصبهم داخل مساجد مدينة طرابلس على الأقل في البداية. وبحسب أحد المتحدثين السلفيين " عندما استولت قوات فجر على العاصمة غادر كبار الأئمة السلفيين طرابلس متجهين إلى الجبال، ولكن فجر لم تستبدل وعاظ المساجد"، من مقابلة أجراها المؤلف مع متحدث سلفي مدخلي في طرابلس، ليبيا، في يونيو ونوفمبر 2019.

81 " عن عملية فجر ليبيا: تنظيم الدولة الإسلامية والزحف القادم من غرب ليبيا"، فريدريك ويري وعلاء الربابة، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، مدونة ديوان، 24 يونيو، 2015.
https://carnegieendowment.org/2015/06/24/taking-on-operation-dawn-creeping-advance-of-islamic-state-in-western-libya/ib0e

82 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول سابق بالأوقاف في طرابلس، ليبيا، نوفمبر2019. انظر أيضاً " وزير الأوقاف والشئون الإسلامية يقوم بزيارة للمنطقة الجنوبية لمتابعة سير عمل الوزارة"، وكالة الأنباء الليبية 4 أبريل، 2015.
https://lana-news.ly/art.php?id=73903.

83 بحسب اثنين من مسئولي الأوقاف السابقين المطلعين على الموضوع، في 2015 قام محمد حمزة وهو قائد قوي من قادة قوات الردع الخاصة بتوجيه التهديدات لأبوبكر بصراوي،نائب وزير الأوقاف، متهماً إياه بعضوية جماعة الإخوان مما دفع البصراوي للجوء إلى قائد قوة درع ليبيا المركزية ليصدر بدوره تهديدات مماثلة لحمزة.

84 لمشاهدة الفيديو على اليوتيوب انظر" بوابة الوسط: ما يجري في ليبيا من قتال جهاد في سبيل الله"، 11 أغسطس، 2014. وانظر ايضاً " علماء ليبيون يدحضون تقارير تربط بين عبد الباسط غويلة ومفجر مانشستر" ليبيا هيرالد، 6 يونيو، 2014.
https://www.youtube.com/watch?v=paT8BEQP-ow;
https://www.libyaherald.com/2017/06/06/libyan-scholars-blast-reports-linking-abdulbaset-ghwaila-with-manchester-bomber.

85 على عكس الكثير من الافتراضات فإن لواء عمر المختار لم ينضم أبداُ لمجلس شورى ثوار بنغازي وكان من مناهضي جماعة أنصار الشريعة والحقيقة أن قائده زياد بلام قد أصيب في ذراعه في كمين قاده أنصار الشريعة. من مقابلة أجراها المؤلف مع قادة الجماعات المسلحة المرتكزة في بنغازي، مصراتة، ليبيا، فبراير 2016.

86 " رجل الدين الكندي الليبي المرتبط بعملية تفجيرات مانشستر ينتوي الرجوع إلى كندا لتبرئة اسمه"، ليسا لافنتيور وإفان داير، هيئة الإذاعة الكندية، 4 يونيو، 2017.https://www.cbc.ca/news/politics/libyan-cleric-manchester-bomber-1.4143899.

87 مقابلة أجراها المؤلف مع باحث ليبي في الشئون الإسلامية في مصراتة، ليبيا، 2019، ومقابلة أجراها المؤلف مع مسئول سابق بالأوقاف، طرابلس، ليبيا، يناير 2020. وقد نشرت وسائل التواصل الاجتماعي خبر وفاة ولده ونشرت الصورة التالية على فيسبوك، شبكة أخبار سرت، منشور على فيسبوك في 9 أبريل، 2015.
https://www.facebook.com/shabakasirt/photos/%D8%B3%D8%B1%D8%AA-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B7%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D8%B9%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%B3%D8%B1%D8%AA-%D9%88%D9%87%D9%88-%D8%A5%D8%A8%D9%86-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%81-%D9%81%D9%8A-/443181309189059.

88 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول بالأوقاف، طرابلس ومصراتة، ليبيا، نوفمبر 2019.

89 للمزيد عن هذه النقاشات خاصة في مدينة مصراتة انظر" هل يصطلح من أ نهكتهم الحرب في ليبيا؟ رسالة من مصراتة"،فريدريك ويري، Foreign Affairs، 2 فبراير، 2015.
https://www.foreignaffairs.com/articles/north-africa/2015-02-02/libyas-war-weary-make-peace.

90 " أوقاف طرابلس تطالب الدعاة بالتحذير من خطر داعش"، أجواء، 19 مايو، 2016.http://www.ajwa.net/news/view.

91 تم رفع المقطع المصور من على الرابط التالي ليوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=oqE3fDJx6aw. أنظر أيضاً "وداعاً للصمت"، فريدريك ويري.

92 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول سابق بالأوقاف في طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

93 جاء هذا التعاون كبادرة بين مجموعة بوادر وحوارات قامت بها وزارة الأوقاف في طرابلس، اتضحت من خلالها قدراتها التفاوضية، في محاولة للتواصل مع الجماعات الموالية لحفتر. وشملت هذه المحاولات مسابقة تلاوة قرآن أقيمت في مدينة الزنتان وتنسيق زيارة عالم صوفي من الشرق. وقد ابتدر هذه المحاولات مسئول أوقاف مشرقي ينحدر من قبيلة فرجان وهي القبيلة التي ينتمي إليها حفتر. وبحسب مسئول سابق في الأوقاف " لم يستطع حفتر أن يؤذيه لأنه فرجاني". ومع ذلك ظل التنسيق محدوداً بسبب المعارضة الشديدة التي عبرت عنها الأصوات المتشددة في الأوقاف الشرقية. من مقابلة أجراها المؤلف مع مسئولين سابقين في الأوقاف، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019 ويناير2020.

94 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول سابق بالأوقاف في طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

95 انظر" السلفية وسقوط الدولة الليبية"، فريدريك ويري، صفحة 132.

96 "أوقاف طرابلس تمنع دعاة المداخلة من إلقاء الدروس بالمساجد"، ليبيا اوبزرفر، 24 نوفمبر2016.
https://www.libyaobserver.ly/news/tripoli-awqaf-madkhali-preachers-not-allowed-give-religious-speeches-mosques.

97 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول أوقاف سابق من غريان، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

98 المصدر السابق.

99 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولي أوقاف سابقين في طرابلس ومصراتة ،نوفمبر 2019.

100 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولي أوقاف سابقين في طرابلس ومصراتة ،نوفمبر 2019.

101 المصدر السابق.

102 أعتقل القاضي أيضاً لفترة قصيرة في أغسطس 2018 على يد إدارة التحقيقات العامة بطرابلس بزعم عدم سماحة للحجاج من كبار السن باصطحاب مرافقين. انظر" القبض على رئيس الأوقاف في طرابلس"، صفا الحاراثي، ليبيا أوبزرفر، 4 أغسطس،2018.
https://www.libyaobserver.ly/news/head-awqaf-authority-arrested-tripoli.

103 " فصائل طرابلس المسلحة تستولي على مجمع ريفالي بعد معارك طاحنة"، أحمد الأمامي، رويترز، 15 مارس، 2017.
https://www.reuters.com/article/us-libya-security-tripoli/tripoli-armed-factions-take-over-rivals-compound-in-heavy-fighting-idUSKBN16M1NY

104 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولين سابقين بالأوقاف في طرابلس، ليبيا، يناير 2020.

105 المصدر السابق.

106 شقيق العباني، وهو رجل دين سلفي سجنه نظام القذافي لأكثر من عشر سنوات، من المقربين من قائد قوة الردع الخاصة، وقد وصفه مصدر ديني بأنه "مرجع ديني" أو "مفتي". وقد تحدث العباني نفسه عن إرسال رجال دين سلفيين للسجون التابعة لقوة الردع الخاصة لإعادة تأهيل المقاتلين المساجين فيها دينياً. من مقابلات أجراها المؤلف مع أتباع السلفية ومسئولي أوقاف سابقين، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019. للمزيد عن إعادة تأهيل المساجين على المذهب السلفي انظر" عندما جاء تنظيم الدولة الإسلامية إلى ليبيا"، فريدريك ويري، أتلانتك، 10 فبراير، 208.
https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/02/isis-libya-hiftar-al-qaeda-syria/552419.
وقد ذكر بعض المتحدثين إن الإقالة تمت بضغط من زعيم جماعة مسلحة أخرى في طرابلس وهوهيثم التاجوري الذي كان يرأس لواء ثوار طرابلس. من مقابلات أجراها المؤلف مع أتباع السلفية ومسئولين سابقين في الأوقاف، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

107 أشهر هؤلاء كان الداعية المدخلي المعروف مجدي حفالة. من مقابلات أجراها المؤلف مع متحدثين سلفيين في طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

108 "صعود المداخلة: من قلب الصراع الليبي من أجل السيطرة الدينية"، أليسون بارجتر Middle East Eye,، 19 مايو، 2020.
https://www.middleeasteye.net/news/libya-war-religion-struggle-madkhalists-rise-supremacy.

109 انظر" الشيخ عبد الرزاق البشتي مدير مكتب أوقاف الزاوية سابقا"، التناصح، 18 أبريل، 2020.
https://tanasuh.tv/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%.

110 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول أوقاف سابق من غريان، طرابلس، ليبيا، نوفمبر 2019.

111 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول في بلدية عفران، طرابلس، ليبيا، يناير 2020. جاء هذا على خلفية تصريح سابقة من هيئة الأوقاف الشرقية وصمت فيه أتباع المذهب الإباضي بالكفر. انظر" ليبيا: التحريض ضد أقلية دينية"، منظمة هيومن رايتس ووتش، 20 يوليو، 2017.
https://www.hrw.org/news/2017/07/20/libya-incitement-against-religious-minority.

112 انظر" الأقطاب والإعلام والمرتزقة: كيف تنتج النزاعات في ليبيا شبكات عابرة للدولة تمتد عبر إفريقيا والشرق الأوسط" ، ولفرام ليتشر،مشروع دراسي تابع لمشاريع دراسات العلوم السياسية في الشرق الأوسط، 40، إفريقيا والشرق الأوسط: ما وراء الانقسام، يونيو 2020.
https://pomeps.org/category/memos/africa-and-the-middle-east-beyond-the-divides.

113 > "حرب دار الإفتاء على الأوقاف ي ليبيا معركة سياسية بغطاء ديني"، الحبيب الأسود، العرب، 8 مايو، 2020.
https://alarab.app/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AF%D8%A7%D8%B1-
و"خلاف الغرياني وأوقاف الوفاق.. "صراع على المنابر لأغراض سياسية"، سارة رشاد، المرجع، 12 مايو، 2020.
https://www.almarjie-paris.com/15133

114 "مذكرة للرد على الادعاءات السبع للغرياني والمدعو محمد أبو عجيلة ومن حذا حذوهم في تجنيهم للهيئة والعاملين بمكاتبها"، هيئة الأوقاف والشئون الإسلامية، 5 مايو 2020.

115 مقابلة هاتفية أجراها المؤلف مع مقيمين في شرق ليبيا، نوفمبر 2019.

116 ملاحظات ومحادثات المؤلف مع مقيمين وأعضاء في المجتمع البنغازي والبيضاوي مايو 2017.

117 "السلفية وانهيار الدولة الليبية"، ويري، صفحة 134.

118 >للمزيد عن ديناميكيات ماحدث انظر" الاستراتيجيات الجنوبية للفريق حفتر وعواقب حملة فزان" عماد الدين بادي،هيئة الشرق الأوسط، 7 مارس، 2019.
https://www.mei.edu/publications/general-hifters-southern-strategy-and-repercussions-fezzan-campaign.

119 مقابلات أجراها المؤلف مع شخصيات مدخلية في صب اته وطرابلس، ليبيا، يناير 2019. انظر ايضاُ "وزير وفريق وكتائب: التحول في موازين القوى في ليبيا"، فريدريك ويري، New York Review of Books، 3 مارس ، 2019.
https://www.nybooks.com/daily/2019/03/19/a-minister-a-general-militias-libyas-shifting-balance-of-power.

120 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولي أوقاف سابقين، طرابلس، ليبيا، يناير 2020.

121 المصدر السابق.

122 مقابلة أجراها المؤلف مع مسئول سابق بالأوقاف من غريان، طرابلس، ليبيا، يناير 2020.

123 للمزيد عن هذه الوحدة وموقفها وعلاقتها مع رجال الدين السعوديين التابعين لربيع بن هادي المدخلي في المدينة أنظر" السلفية وسقوط الدولة الليبية" فريدريك ويري، 23.

124 مقابلات أجراها المؤلف مع متحدثين ليبيين في طرابلس، ليبيا، نوفمبر2019.

125 أثار تضارب روايات العباني وأحد مساعدي المدخلي حول هذا الاجتماع الانشقاق داخل الوسط المدخلي وبحسب تقارير صحفية أعلن عباني أن المدخلي "لم يتذكر إصدار الفتوى"، وفي وقت لاحق اصدر نجل المدخلي بياناً يفند فيه أقوال والده. للاطلاع على ملخص للخلاف انظر" حرب دينية في ليبيا لاستمالة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي"، عبد السلام سكية، الشروق، 29 ديسمبر، 2019.
https://www.echoroukonline.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9.

126 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولين سابقين بالأوقاف، طرابلس ليبيا، يناير 2020.

127 مقابلات أجراها المؤلف مع مسئولين سابقين بالأوقاف، طرابلس ليبيا، يناير 2020.

128 مقابلة أجراها المؤلف مع باحث إسلامي ليبي، مصراتة، ليبيا، يناير2020.

129 "ميلشيات السراج تقتحم مكاتب الأوقاف غربي ليبيا"، عبد الهادي ربيع ، العين الإخبارية، 5 مايو،2020.
https://al-ain.com/article/endowments-alkhums-zawia-terror.

130لقراءة المزيد عن هذا الجدل الليبي انظر" السلطة الإسلامية والدول العربية في زمن الجائحة"، فريدريك ويري، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 16 أبريل،2020.
https://carnegieendowment.org/2020/04/16/islamic-authority-and-arab-states-in-time-of-pandemic-pub-81563.

131 " من هم قادة ليبيا الجدد"، جلال حرشاوي، الشرق 21 ,” OrientXXI 20 فبراير، 2021.
https://orientxxi.info/magazine/who-are-libya-s-new-leaders,4539.

132 انظر بيان التجمع الوطني لعلماء ومشايخ ليبيا بشأن جائحة فيروس كورونا الذي أصدره في 22 مارس 2020 التجمع الوطني لعلماء ومشايخ ليبيا التابع للغرياني.
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2513766025553692&id=1800486330215002.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.