REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

حوار مع د. مصطفى البرغوثي، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني ورئيس كتلة فلسطين المستقلة

هناك استياء كبير بين الفلسطينيين بسبب انهيار حكومة الوحدة الوطنية، فقد كان هناك تطلعاً لضرورة أن يكون الفلسطينيون موحّدين.

نشرت في ٢٠ أغسطس ٢٠٠٨


كيف تغيرت الحياة في الضفة الغربية منذ القطيعة بين فتح وحماس الصيف الماضي؟

هناك استياء كبير بين الفلسطينيين بسبب انهيار حكومة الوحدة الوطنية، فقد كان هناك تطلعاً لضرورة أن يكون الفلسطينيون موحّدين. إن حالة الانقسام القائم بين فتح وحماس، بما في ذلك التراشق الإعلامي الجاري، تضعف معنويات الشعب الفلسطيني و تخلق شعوراً عاماً سلبياً. إضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي العام صعب جداً، وعلى الرغم من استلام موظفي الضفة الغربية رواتبهم التي كانت منقطعة لفترة، إلا أن صعوبة الوضع الاقتصادي وضيق المعيشة تزداد تفاقماً بسبب الغلاء الشديد والتدهور الاقتصادي العام، وهذا بالطبع يخلق آثاراً عامة سلبية بدوره. يضاف إلى ذلك عدم حدوث أي تحسن في مجال التعامل الإسرائيلي مع الضفة، سواء في موضوع الحواجز الإسرائيلية أو بناء جدار الفصل العنصري أو القيود التي تفرضها إسرائيل على حرية الحركة والتنقل.

هل تتوقعون أن يتم إصلاح مؤسسات حكم السلطة الفلسطينية الآن؟ ماذا عن المؤسسات الأمنية؟ وما هو دور مبعوث اللجنة الدولية الرباعية للشرق الأوسط طوني بلير؟
نحن نرى أن المشكلة الرئيسية في المؤسسات الأمنية هي سيطرة الطابع الفئوي والفصائلي عليها. نحن لا نرى في الواقع حتى الآن إصلاحاً يؤدي إلى إزالة الطابع الحزبي الفصائلي عن الأجهزة الأمنية. على العكس، هناك تعمق للطابع الحزبي الحمساوي في قطاع غزة وتعمق للطابع الفصائلي الفتحاوي في الضفة الغربية، وهذا يندرج ليس فقط على مستوى الأجهزة الأمنية وإنما يمتد أيضاً إلى عدد من المرافق الوزارية الأخرى. بالتالي هناك ضرورة كبيرة للإصلاح بما في ذلك إصلاح الأجهزة الأمنية. لكن حتى الآن، باستثناء إحالة عدد من الموظفين للتقاعد، لم نر إصلاح جذري حقيقي يؤدي إلى الهدف الرئيسي وهو أن يكون طابع هذه الأجهزة طابع مدني وليس حزبي.
من الواضح أن المسئولية المعطاة لطوني بلير  هي في مسماها إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية، إلا أن في ذلك كثير مما يمكن أن نسميه "ديجا فو." لقد تكرر الحديث كثيراً عن ضرورة بناء مؤسسات، إلا أنه لا يمكن بناء مؤسسات فعالة دون إزالة قيود الاحتلال على الأرض ودون إزالة الحواجز. حتى قدرة الأجهزة الأمنية على القيام بدورها محدودة جداً بسبب عدم قدرتها على الحركة، فقد أن وصل الأمر إلى درجة أنه عند نشر قوات أمنية في نابلس فإن الجيش الإسرائيلي اشترط أن تكون الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسئولة عن الأمن فقط في النهار بينما يحتفظ الجيش الإسرائيلي بحرية الحركة في الليل.
من الصعب الحديث عن بناء مؤسسة أمنية في ظل الاحتلال وفي ظل وجود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. وبالتالي أنا برأيي أنه لن تبنى أجهزة ومؤسسة أمنية فعالة وقوية ما لم تتحقق ثلاث شروط: أولاً لابد من تقليص عدد المؤسسات الأمنية وتقليص عدد العاملين فيها، وثانياً لابد من إزالة التعددية الازدواجية فيها وإلغاء الطابع الحزبي الفصائلي لها، وثالثاً لابد من أن تكون للدولة سيادة وسيطرة على الأرض وقدرة على الحركة، بمعنى أن تكون دولة مستقلة أولاً وبعد ذلك يمكن بناء جهاز أمني حقيقي. أما الظن بإمكانية أن يوفر الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال الأمن للذين يحتلونه فهي نظرية فشلت، وأرى أن محاولة تكرارها الآن لن تؤدي إلا إلى المزيد من خيبات الأمل لأن تطبيقها غير ممكن موضوعياً.

هل لازالت هناك إمكانية للتفاوض على حل الدولتين؟ وماذا سوف يكون دور اجتماع السلام المقبل في المساعدة على تحقيق هذا الهدف؟
إن هذا الأمر يعود لإسرائيل. لكن على أرض الواقع، إذا استمر بناء جدار الفصل العنصري واستمر توسيع المستوطنات واستمرت عملية ضم الأراضي الجارية واستمر تقطيع أوصال الضفة الغربية، بما في ذلك فصل 24 في المائة من الضفة في منطقة الأغوار عن باقي الضفة وفصل القدس وأرجاءها أيضاً، فالذي يحدث فعلياً ليس بناء دولة بل تحويل فكرة الدولة إلى كانتونات ومعازل. بل أكثر من ذلك، فإن الذي يجري الآن هو تكريس وضع تحول فيه الاحتلال إلى نوع من نظام الابارتايد أو التمييز العنصري، وهذا طبعاً لا يستقيم مع بناء دولة مستقلة.
أنا أوافق على ما قالته كوندوليزا رايس بأن هناك خطر حقيقي بأن تضيع فرصة قيام حل على أساس دولتين، وذلك إن استمرت الإجراءات الإسرائيلية الحالية. ربما تكون هذه هي الفرصة الأخيرة، لكن حتى تكون فرصة وليس مجرد اجتماع يؤدي إلى خيبة أمل، لابد من تحقيق ثلاث شروط: أولاً أن يجري تجميد كافة الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية فوراً وهذا ليس بالشيء الكثير لأنه مذكور في النقطة الأولى من خارطة الطريق، وثانياً أن يتوقف بناء جدار الفصل العنصري الذي يرسم عملياً الحدود من جانب واحد، وثالثاً أن تتراجع إسرائيل عن قرارها اعتبار غزة منطقة معادية لأن ذلك يؤدي إلى فصل غزة عن الضفة نهائياً وبالتالي يدمر أحد أسس قيام دولة فلسطينية مستقلة. هناك خطر كبير على فكرة سلام يقوم على أساس دولتين بسبب الإجراءات الإسرائيلية المنفردة، وإذا تم تحقيق هذه الشروط الثلاث فسينفتح أفق للأمل وللسلام.
أريد أن أؤكد هنا أيضاً على نقطة مهمة وهي أن السلام لن يتحقق ما لم يتم اعتماد النظام الديمقراطي والقبول بالديمقراطية الفلسطينية. من المعروف أن السلام العادل الدائم يحدث بين ديمقراطيات ولا يمكن أن يتحقق نتيجة اتفاق مفروض من طرف على آخر. التجربة الأوروبية وكل تجارب ما بعد الحرب العالمية الثانية تؤكد ذلك. لذا فإن حماية الديمقراطية الفلسطينية واستعادة عملية بناء المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية وقبول مبدأ التعددية السياسية وحق الانتخاب الحر والقبول بخيار لشعب الفلسطيني هي من الأمور الأساسية التي تشكل أرضية لسلام يقوم على أساس دولتين.

ما رأيكم في المساعدة الدولية للسلطة الفلسطينية؟ هل ستساعد منحة ال$410 مليون دولار في تقوية السلطة الفلسطينية؟
إذا لم تكن هناك إجراءات إسرائيلية لضمان حرية الحركة وإزالة الحواجز وإنهاء الاحتلال فسيكون مصير هذه المساعدات مثل مصير المساعدات السابقة وسيكون الأمر مثل الدوران في حلقة مفرغة. دون تغييرات على أرض الواقع من قبل إسرائيل أعتقد أن هذه المساعدات ستكون بمثابة أقراص التخدير لا أكثر ولا أقل.

لقد كنتم أحد الشخصيات المحورية التي قدمت بديلاً لثنائية حماس وفتح، وقد ترأستم قائمة فلسطين المستقلة عام 2005. برأيكم هل تنامت أم تناقصت حظوظ هذه الحركات البديلة في الوقت الحالي في ضوء الصراع الدائر بين فتح و حماس؟
لقد تنامت هذه الحركات كثيراً وفرصها في النجاح تنمو أيضاً، والسبب يعود إلى ضيق قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني من هذا الاستقطاب الثنائي بين حركتي حماس وفتح وغضب الأغلبية الصامتة من هذا التناحر الذي لا معنى له. وأيضاً من أسباب ذلك أن بعضاً من الفئات الوسطى مما نسميها الأغلبية الصامتة والتي صوتت لحماس قد فقدت ثقتها بها، حيث أن هذه الفئات صوتت لبرنامج الإصلاح الذي تبنته حماس ولكن عندما استلمت حماس الحكم رأت أنها كررت نفس أساليب حركة فتح في منظومة الزبائنية السياسية، مما ولد نفوراً وخيبة أمل في هذا المجال. من ناحية أخرى، فإنه على الرغم من تراجع حركة حماس، إلا أن حركة فتح لم تتقدم والسبب أنها لم تقم بإصلاح جذري داخل صفوفها ليزيل الأسباب التي جعلت الناس، أو جزءاً من الناس، لا يصوتون لها.
لهذه الأسباب أرى أن هناك فرص كبيرة وجيدة لتيار وسطي ديمقراطي نحن نحاول أن نمثله. وهذا التيار، إن أحسن تنظيم نفسه، يمكن أن تكون له فرصاً إيجابية ليس فقط بسبب وجود مشاكل في كل من حركتي فتح وحماس ولكن موضوعياً لوجود جزء كبير ومهم من المجتمع الفلسطيني يريد أن يدعم حركة ديمقراطية ولا يريد أن يكون مع فتح أو مع حماس.

من المعروف أن لكم دوراً قيادياً في المجتمع المدني الفلسطيني منذ سنوات عدة. كيف تغير المجتمع المدني في الضفة الغربية وغزة خلال العقد السابق؟ وما هي أهم التحديات التي يواجهها؟
أولاً حدث نمو مهم للمجتمع المدني الفلسطيني وتحققت الكثير من الأفكار التي كان يدعو لها مثل إجراء انتخابات ديمقراطية وإقرار تشريعات ديمقراطية مثل قانون المنظمات الأهلية. إلا أن أكبر تحدي يواجه المجتمع المدني الآن هو أن حالة الانقسام بين فتح وحماس وإعلان حالة الطوارئ تهدد مستقبل الديمقراطية والمجتمع المدني بالخطر وتهدد باستبدال الديمقراطية بنظامين سلطويين في كل من غزة والضفة الغربية، دون اعتبار للقانون أو المسائلة أو الشفافية أو احترام القانون الأساسي والحكم بالمراسيم. هذا أمر خطر ويمكن أن يؤثر على مستقبل كل الفلسطينيين وهو برأيي التحدي الكبير الأول. أما التحدي الثاني فهو كيف يستطيع المجتمع المدني أن يترجم قوته إلى قوة دعم سياسي يرفض الاستقطاب بين فتح وحماس ولا يقع في فخ هذا الاستقطاب، وكيف يستطيع أن يكون جزءاً من وسط مستقل عن الحركتين وعن أخطائهما بحيث يعطي الشعب الفلسطيني بديلاً وأملاً. والتحدي الكبير الآخر هو كيف يستطيع المجتمع المدني أن يساعد الناس على الصمود والبقاء في ظروف احتلال شرس وضائقة اقتصادية ومعيشية كبيرة.

أجرت المقابلة سلمى وحيدي

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.