هل تعلن الحكومات العربية عن عمد أرقاماً مضلِّلة لاحتياطيات النفط لأسباب سياسية أو اقتصادية؟ في الواقع لا يمكن قياس احتياطي النفط في الأرض بدقة بل يمكن تخمينه فقط، كما تختلف التقديرات بحسب المعايير المتّبعة. تعتمد لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية مقاربة محافظة تقتصر على حساب الاحتياطي شبه المؤكد والممكن إنتاجه باستخدام التكنولوجيا المتوفرة حالياً. أما جمعية مهندسي النفط العالمية فتعتمد مقاربة ترجيحية، بحيث تصنّف الاحتياطي انطلاقاً من أرجحية قابليته للاستخراج: 90 في المائة أو في المائة أو 10 في المائة.
تنشر البلدان المنتجة للنفط تقديرات حول احتياطياتها من النفط من دون أن تحدّد بوضوح المعايير المتّبعة. لا يعني هذا بالضرورة أن هذه التقديرات غير واقعية، لكننا لا نعرف بالضبط ماذا تعني وما هي أوجه الشبه والاختلاف بينها وبين التقديرات العالمية الأخرى. بعض التقديرات تتسم بالمحافظة إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، تفضّل السعودية عدم الإفصاح عن كامل الاحتياطي الذي تملكه لأسباب تكتيكية مثل احتواء الضغوط الخارجية لزيادة الإنتاج فوق المستوى الذي ترغب به المملكة. وهكذا اتبعت ممارسة تقضي بأن تعلن سنة تلو الأخرى عن زيادة في مستوى الاحتياطي تساوي تقريباً كمية النفط التي جرى استخراجها خلال العام، بحيث لا يطرأ أي تغيير على أرقام الاحتياطي (ما عدا إعادة تقويم للكمية أُعلِن عنها عام 1989 – انظر الجدول، مصدر البيانات: مراجعة BP الإحصائية للطاقة العالمية 2007). إنه تلاعب واضح ومقصود في الأرقام، غير أن الرسالة واضحة.
في حالات أخرى، تعلن البلدان فجأة عن زيادات مفاجئة في احتياطي النفط لديها، مما يثير شكوكاً حول ما إذا كانت هذه التقديرات مبررة فعلاً. قد يكون لدى بعض البلدان مصلحة في تضخيم الاحتياطي للحصول على حصص إنتاجية أكبر من منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، غير أن حصص أوبك فقدت الجزء الأكبر من أهميتها في الأعوام الأخيرة، حيث يعجز بعض الأعضاء عن تأمين كامل الحصة المخصصة لهم بينما يتجاوزها أعضاء آخرون. في مختلف الأحوال، لا تتكافأ الحصص التي تحددها أوبك بالضرورة مع الاحتياطي. ولا تُطرَح الشكوك حول الحجم الحقيقي للاحتياطي في الأوساط الدولية فحسب وإنما داخلياً أيضاً. ففي الكويت مثلاً، طالب مجلس الأمة مراراً وتكراراً بالاطلاع على المزيد من المعلومات حول احتياطي النفط، إنما من دون جدوى، مما يزيد الشكوك حول التقديرات المعلنة.
قد يكون أحد الحلول المقترحة لمشكلة الصدقية هو أن تثبّت هيئة مستقلة احتياطي البلدان المنتجة. هناك بعض التقديرات المستقلة، فلدى "مجموعة الطاقة لخدمات معالجة المعلومات" Information Handling Services Energy Group (المعروفة سابقاً بPetroconsultant) قاعدة بيانات واسعة، وتضع تقديرات للاحتياطي تختلف أحياناً إلى حد كبير عن تقديرات الدول المنتجة. لكن التقديرات المستقلة ليست هي الحل. فتقدير احتياطي النفط فن وليس علم، ويستند إلى معلومات لا يملكها إلا المنتِج وحده. وأي طرف يجري استدعاؤه للتثبّت من الاحتياطي يعتمد حكماً على المعلومات التي يتلقاها من المنتج، ولا شك في أن اطلاعه على الظروف الميدانية والتشغيلية المحلية سيكون دون مستوى الاطلاع الذي يتمتع به المنتج. ومن هنا، من شأن أي تقدير يعطيه طرف مستقل أن يكون أقل من ذاك الذي يعطيه المنتج.
في النهاية، ربما كانت هناك مبالغة بشأن الأهمية التي ترتديها أرقام الاحتياطي. إنها مفيدة لإعطاء فكرة عامة عن إمكانات كل بلد ومكانته على الساحة النفطية الدولية، لكن على الأرجح أن الترتيب لن يتغير كثيراً.
هل تؤثر تقديرات الاحتياطي في سياسة الإنتاج التي يتبعها البلد؟ إنه ترابط ضعيف في أفضل الأحوال: تظهر البلدان المنتجة اندفاعاً أكبر نحو تغيير سياساتها الاقتصادية مثل فتح الأبواب أمام الاستثمارات الدولية وتنويع اقتصاداتها إذا بدأ إنتاجها النفطي بالتراجع. وتتأثر مستويات الإنتاج بالمنفعة التي يرى البلد المعني أنه يحققها من إنتاج كمية أكبر اليوم وأقل في المستقبل، أكثر من تأثرها بقياس الاحتياطي. تبرر أسعار النفط المرتفعة الزيادات في تقديرات الاحتياطي النفطي (أصبح بالإمكان الآن استخراج النفط الهامشي بعدما كان ذلك متعذراً عندما كانت الأسعار منخفضة)، كما تثني في ذات الوقت الدول عن زيادة إنتاجها – إما من خلال الوقف المتعمد للإنتاج وإما، وهذا هو الاحتمال الأكبر، من خلال تطبيق سياسات تؤدي إلى تقلص الإنتاج. الشيء الوحيد الذي يمكن توقعه بسهولة هو أن الخلافات والنقاشات حول احتياطي النفط ستستمر حتى استخراج آخر قطرة نفط.
جياكومو لوتشياني هو مدير مركز الخليج للأبحاث في جنيف.