المصدر: Getty
مقال

مبادرات تطوير التعليم العالي

الجهود التي تبذلها الإمارات العربية المتحدة لتحسين التعليم العالي مدهشة، لكن ليس واضحاً إلى أي حد يمكن أن تصل من دون إجراء تحسينات في التعليم الأساسي أيضاً.

نشرت في ٦ مايو ٢٠٠٩

تولى ملف التعليم في العقد الأخير صدارة أولويات دولة الإمارات العربية المتحدة، وتلعب إمارة أبوظبي، كبرى إمارات الدولة وأغناها، الدور الأبرز في هذا الصدد.
تجدر الإشارة إلى أن شؤون التعليم في الدولة كانت موزعة بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وهما وزارتان اتحاديتان. ولكن السنوات الأخيرة شهدت تشكيل مجالس للتعليم في إمارات أبوظبي ودبي والشارقة والفجيرة، مما طرح أسئلة جادَّة حول ازدواج السلطات والمؤسسات المشرفة على التعليم بالدولة وتداخل المهام بينها. وبدا واضحاً أن سلطات الوزارتين الاتحاديتين تتقلص لصالح مجالس التعليم في الإمارات المختلفة.
لقد اهتمت الوثائق والخطط المستقبلية للدولة والإمارة بقضية تطوير التعليم بكل مراحله، وهي تحظى بعناية من أبرز وجوه الحكم ورموزه الفاعلة. ومن الأمور ذات الدلالات المهمة أن رئيس "مجلس أبوظبي للتعليم" هو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، ونائب رئيس المجلس هو شقيقه الشيخ منصور بن زايد. وقد أُسِّس المجلس في سبتمبر 2005، وتوسعت سلطاته ليصبح فعلياً الجهة التي تسيِّر شؤون التعليم بالإمارة.
في إستراتيجية الحكومة الاتحادية (إبريل 2007)، وردت خمسة أهداف تتعلق بالتعليم العالي: إطلاق برامج مشتركة بين وزارة التربية والتعليم ومجالس التعليم لرفع مستوى خريجي الثانوية العامة وتأهيلهم للتعليم الجامعي؛ ومراجعة البرامج الأكاديمية للتأكد من التزامها بمعايير الجودة؛ وتأسيس علاقات شراكة وتعاون مع جهات العمل للتأكد من ملائمة مخرجات التعليم لسوق العمل؛ ومتابعة الجامعات والكليات الخاصة للتأكد من كفاءتها؛ وأخيراً تأسيس علاقات التوأمة والتعاون مع الجامعات العالمية المرموقة.
وفي "أجندة السياسة العامة 2007- 2008" التي أصدرتها حكومة أبوظبي (الحكومة المحلية)، جاء أن "الأولويات الرئيسية على صعيد التعليم العالي تتمثل في إتاحة فرص في أبوظبي تضاهي في جودتها الفرص التي كان الطلاب في السابق يسافرون إلى خارج البلاد من أجلها. وهذا يتطلب بصفة رئيسية إقامة شراكات مع المؤسسات الدولية الكبرى لإنشاء مرافق تعليمية جديدة في أبوظبي، إضافة إلى السعي لتحسين أداء المؤسسات الموجودة حالياً بالإمارة".
ترتيب الأولويات في الوثيقتين جدير بالانتباه، ففيما تأتي الشراكات مع الجامعات العالمية في ذيل القائمة في خطة الحكومة الاتحادية، فإن هذه الشراكات تصبح في خطة الحكومة المحلية لب التطوير وطريقه الرئيس.
في هذا الإطار افتتحت جامعة السوربون الفرنسية العريقة فرعاً لها في أبوظبي، يدرِّس العلوم الاجتماعية والإنسانية والفنون والآداب. وتشير "الرؤية الاقتصادية لأبوظبي 2030"، إلى مشروعات تعاون وشراكة مع مركز "إنسياد" للتعليم التنفيذي وبحوث الأعمال، وجامعة فليتشر للقانون والدبلوماسية التابعة لجامعة تفتس الأمريكية، وكلية ميونيخ للتقنية وجامعة بون اللتين ستؤسسان كلية للطب والعلوم ضمن حرم جامعة أبوظبي، وجامعة نيويورك التي ستفتتح فرعاً بأبوظبي لتدريس العلوم الإنسانية عام 2010. وكانت محادثات مع جامعة ييل المرموقة لتأسيس فرع تُدرَّس فيه الفنون والموسيقى والدراما قد توقفت بسبب خلافات إدارية.
ربط التعليم بسوق العمل هو أحد الثوابت في خطط دولة الإمارات المحلية والاتحادية. وعلى الرغم من أن نسبة البطالة بين مواطني الدولة ليست بالأمر الذي يثير قلقاً، فإن مخرجات التعليم خلال السنوات السابقة كانت مختلة، والخريجون لا يلبون حاجات سوق العمل، ولا يمتلكون المهارات اللازمة، وهو ما جعل من ربط التعليم بسوق العمل هدفاً رئيساً.
الحضور القوي لهذه الفكرة أدى إلى نشوء "جامعات صغيرة" خاصة تقدِّم برامج تدريبية في التخصصات المرغوبة في سوق العمل (الإدارة والتسويق والعلاقات العامة والموارد البشرية والسكرتارية وبعض تطبيقات الحاسوب). ويمكن أن نرى شكلاً متطرفاً من أشكال ربط التعليم بسوق العمل من خلال نموذج جليٍّ هو تأسيس كلية دبي العقارية قبل عامين تقريباً، والتي كانت مجرد استجابة متعجلة لنمو سوق العقارات التي ما لبثت أن تأثرت سلبياً بالأزمة المالية العالمية.
تسعى أبوظبي ودولة الإمارات إلى تعويض نقص مواطني الدولة وتراجع نسبتهم في سوق العمل، عن طريق تأهيل كوادر بشرية فائقة المهارات والقدرات تشغل المواقع الإدارية والتنفيذية الأرقى في الأنشطة الاقتصادية المزدهرة للإمارة، وتقود جموع العاملين الوافدين الذين يبدو أن هناك تسليماً بضرورة استمرار تدفقهم للحفاظ على مستويات النمو العالية. وهناك يقين بأن تأسيس منظومة تعليمية فائقة التطور هو الطريق إلى تحقيق ذلك، وهذا هو الأفق الذي يحكم النظر إلى العملية التعليمية ككل.
إنها وفق هذا المفهوم ضمان لاستدامة التنمية، والاستفادة من التغيرات في طبيعة الاقتصاد العالمي الذي تلعب فيه المعرفة دوراً بارزاً في إحراز القوة والثروة والمكانة العالمية. الرؤية في ذاتها صائبة، ولكن الخطط المعلنة ووسائل تنفيذها تطرح أسئلة كثيرة، وتثير شكوكاً يجب معالجتها.
من بين هذه الأسئلة: كيف يمكن تطوير التعليم العالي فيما التعليم ما قبل الجامعي لا يزال يمر بمرحلة انتقالية تحتاج إلى كثير من التركيز والانتباه؟ إن جهود التطوير ومبادراته لم تسفر عن تقدم ملموس بعد، ولا تزال نتائجها محل شك، وهناك تجارب مثل "مدارس الغد" تلقى انتقادات مهمة على مستويات متعددة. إن التطوير في كل الاتجاهات وفي كل المراحل قد يضر أكثر مما ينفع. وسياسة "حرق المراحل" واستعجال النتائج قد يثبت في النهاية أنها استنفدت الجهود دون الوصول إلى شيء.
سؤال آخر يتعلق بالجامعات القائمة، تلك التي لا يبدو أنها تحظى بكثير من الاهتمام في استراتيجيات أبوظبي، ألا يمثل إصلاح الكيانات القائمة وتفعيلها هدفاً جديراً بالعمل من أجله؟ إن مؤسسات تعليمية مهمة مثل "كليات التقنية" وجامعة الإمارات، المؤسسة الأقدم والأعرق، تحتاج إلى مزيد من العناية، وهي تبدو وكأنها بعيدة عن أذهان مخططي السياسات التعليمية الطموحين.
ولا شك في أن استقطاب الجامعات الأجنبية له جاذبيته، لكنه ليس كل شيء، وربما تكون الآمال في هذه الجامعات أكثر مما هي عليه واقعياً، وتاريخها العريق ونجاحها المشهود ليس ضامناً وحده لنجاح مماثل على أرض الدولة.
ويبدو أن هناك تقييماً مبالغاً فيه للمردود من خطط التطوير، فقد جاء في "الرؤية الاقتصادية لإمارة أبوظبي 2030" حول الشراكات مع الجامعات الأجنبية: "ولن يقتصر دور هذا القطاع على تلبية الاحتياجات التعليمية المحلية فحسب، بل إنه سيستقطب أيضا الطلبة من عموم المنطقة". ومثل هذا الحكم يتعجَّل كثيراً في افتراض نجاح لم يبدُ ما يشير إليه بعد.

أمل صقر باحثة سياسية مصرية مقيمة بدبي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.