المصدر: Getty
مقال

لمحة سريعة عن الأزمة الاقتصادية

ما هي البلدان العربية التي تسجّل الأداء الأفضل أوالأسوأ في الأزمة الاقتصادية العالمية، وما هي الخطوات التي تتخذها الحكومات للرد على هذه الأزمة؟

نشرت في ٨ يوليو ٢٠٠٩

طبقا لتقارير حديثة صادرة  عن صندوق النقد الدولي  والبنك الدولي ألقى الركود العالمي الذي تسبّبت به الأزمة المالية في أواخر 2008 بأثقاله على اقتصادات الشرق الأوسط. و توحي المؤشرات الأولى بأن الانكماش في المنطقة لم يكن حاداً بقدر الانكماش في الأسواق الناشئة الأخرى، وبأن الاقتصادات هناك تجتاز الأزمة بصورة أفضل إجمالاً من سواها في المدى القصير. لكن في المدى الطويل، يمكن أن يتسبّب ركود مطوَّل بعدم استقرار اجتماعي وسياسي. لقد استطاعت الاقتصادات النفطية الحفاظ على مستويات عالية من الإنفاق الرأسمالي على الرغم من التراجع في الإيرادات النفطية. ومن جهة أخرى، قد تَظهر تداعيات لاحقة في البلدان غير المنتجة للنفط بينما يتراجع تدفّق الرساميل من الحوالات والاستثمارات الخارجية وعائدات السياحة وتؤثّر في باقي اقتصاداتها. لكن، من غير المحتمل أن تتكبّد البلدان غير المندمجة في الاقتصاد العالمي خسائر كبيرة. 
 

بلغ نمو إجمالي الناتج المحلي في الشرق الأوسط بكامله عام 2008 ستة في المئة، لكن من المتوقّع أن ينخفض إلى 3.1 في المئة سنة 2009. ثمة فارق جذري مع نسبة الـ5.9 في المئة من النمو التي سبق أن توقّعها صندوق النقد الدولي للعام 2009، لكنه نمو جيد مقارنة بالاقتصادات الناشئة الأخرى مثل أميركا اللاتينية، حيث تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي من 4.2 في المئة عام 2008 إلى -2.2 في المئة عام 2009، وكان للأزمة آثار مختلفة على هذه الاقتصادات، بما في ذلك التراجعات الحادة في أسعار النفط وخروج الرساميل بكثافة.

ملخّص التوقعات للشرق الأوسط وشمال إفريقيا
التغيير المئوي السنوي إلا في حال الإشارة إلى خلاف ذلك

عرفت البلدان المصدِّرة للنفط تراجعاً حاداً في أسعار النفط في بداية الأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من أن التوقّعات تظهر زيادات نسبية في أسعار النفط، إلا أنه من غير المحتمل أن تبلغ مستويات الذروة التي سجّلتها قبل الأزمة.

صادرات الهيدروكربونات (الغاز والنفط)، ببلايين الدولارات الأمريكية

تسبّب تدنّي أسعار النفط وتراجع العائدات الحكومية في اقتصادات مجلس التعاون الخليجي بعجوزات كبيرة في الموازنات المالية، مما أثّر في ثقة المستثمرين ولعب دوراً في هبوط أسعار الأسهم.

مجلس التعاون الخليجي: التغيير في مؤشرات البورصة
(بالنسبة المئوية؛ 1 يناير/كانون الثاني 2008-30 مارس/آذار 2009

وكذلك عكس سوق العقارات، وهو من اهم اسواق الإستثمار في الخليج، مخاواف المستثمرين وأزمة الأئتمان.

مؤشر الأسعار العقاري في بلدان مجلس التعاون الخليجي
(المؤشر، مارس/آذار 2008=100)


 

في الإجمال، أثبت مصدِّرو النفط في المنطقة (بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى جانب الجزائر وليبيا) قدرة على الصمود، بفضل أسعار النفط المرتفعة بصورة متواصلة في الطفرة التي سبقت الأزمة، والإجراءات الحكومية التي ساعدت على التخفيف من آثار الانكماش. وبين عامَي 2005 و2008، سهّلت أسعار النفط المرتفعة النمو الاقتصادي القوي، بما في ذلك جهود التنويع المختلفة في الاقتصادات النفطية، مما أدّى إلى نمو غير نفطي متزايد بين 2005 و2008. وساعدت هذه التطورات البلدان المصدِّرة للنفط على زيادة الأصول الأجنبية وخفض الديون الحكومية، مما ساهم في تهدئة أنظمتها المالية على الرغم من أنها تكبّدت خسائر من الاستثمار في الأصول الأجنبية.

مصدِّرو النفط: أساليب التعامل مع الأزمة

شملت الردود الحكومية القوية على الانكماش كلاً من رزم التحفيز المالي، والإنقاذ، والإنفاق الحكومي المستدام. وقد أفادت بلدان مجلس التعاون الخليجي من الردود المنسَّقة في السياسات التي ركّزت على ضخ سيولة في أسواقها، وخفض معدلات الفوائد، وزيادة الإنفاق العام. فقد زادت السعودية الإنفاق الحكومي للعام 2009 بنسبة 15.8 في المئة، مع رزمة تحفيزية بقيمة 124.7 بليون دولار. وبعد مأزق سياسي استمرّ طويلاً، أقرّت الكويت رزمة تحفيزية بقيمة 5.2 بلايين دولار في نيسان/أبريل 2009 للمساعدة على تسريع المعافاة الاقتصادية. ووفّرت الإمارات العربية المتحدة نحو 32.7 بليون دولار من الإعانات والمساعدات لمؤسساتها المالية والاستثمارية. كما أدّت صناديق الثروات السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الرغم من خسارتها نسباً مئوية كبيرة من قيمها، دوراً في التخفيف من تداعيات الأزمة عبر تأمين السيولة وزيادة الاستقرار المالي. ونظراً إلى مشاركة الصناديق المتزايدة في المعاملات المالية، أصبحت عرضة إلى تدقيق أكبر من المنظِّمين حول العالم.

مصدِّرو النفط في الشرق الأوسط: ملخّص إجراءات التعامل مع الأزمة

على الرغم من أن بلدان مجلس التعاون الخليجي ستواجه خفوضات كبيرة في النمو الاقتصادي في السنتين المقبلتين، إلا أن أداءها الإجمالي سيتأثر إلى حد كبير بمدة الركود العالمي وتقلّبات أسعار النفط. وبينما تحاول هذه الاقتصادات تجاوز الأزمة، يشدّد خبراء الاقتصاد على أهمية الإجراءات المنسّقة في السياسات، والتشدّد أكثر في ضبط الهيكليات المالية، واعتماد مزيد من الإجراءات لتحسين ثقة المستثمرين.

مستوردو النفط: تداعيات الأزمة

يُرجّح أن يشهد مستوردو النفط في الشرق الأوسط، أي المغرب وتونس ومصر والأردن وسورية ولبنان، تأثيراً لاحقاً للانكماش. ويتوقّع خبراء الاقتصاد، وبينهم مسعود أحمد، مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أن تزداد الضغوط خلال العام 2009، بينما تعاني الصناعات الكبرى في هذه البلدان من تداعيات التراجع في الحوالات المالية التي تشكّل مصدراً مهماً للدخل الوطني. وستواجه هذه البلدان أيضاً تراجعاً إجمالياً في الاستثمارات الخارجية المباشرة وتدنياً في العائدات السياحية – وينطبق هذا في شكل خاص على المغرب حيث شكّلت السياحة الدولية حوالى 9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العام 2008 وفي الأردن حيث تجاوزت 10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2008.

بلغ مجموع الحوالات المالية 33.7 بليون دولار في الاقتصادات المستوردة للنفط في الشرق الأوسط عام 2008، وقد شكّلت هذه الحوالات 8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في المغرب و14 في المئة في الأردن، مع تسجيل نسبة لافتة في لبنان وصلت إلى 20 في المئة. ويُتوقَّع أن تتراجع الحوالات في مختلف أنحاء المنطقة من 33.7 بليون دولار العام 2008 إلى 29 بليون دولار العام 2009. قد يبدو هذا التراجع هامشياً، لكن إذا أظفنا إليه الانخفاض المتوقّع في الاستثمارات الخارجية المباشرة في هذه الاقتصادات الذي يمكن أن يصل إلى 11 بليون دولار من 2008 إلى 2009، على الأرجح فإن التداعيات ستكون مؤلمة. وإلى جانب التراجع في الصادرات والواردات السنوية، من المتوقّع أن تنخفض أيضاً تدفقات الرساميل. وقد بدأت آثار الظروف المالية التي تزداد ضيقاً في بلدان مجلس التعاون الخليجي تظهر للعيان من خلال تراجع الاستثمارات الخارجية المباشرة في البلدان غير النفطية، والتي استهدفت تقليدياً القطاع الصناعي والبنى التحتية والأسواق العقارية.

بما أن اقتصادات الشرق الأوسط ليست مندمجة اندماجاً كبيراً في الاقتصاد العالمي، ولديها روابط أقل مع المؤسسات المالية العالمية، فهي لم تتأثّر كثيراً بالأزمة. لكن على الأرجح أنها ستواجه تداعيات ثانوية ناجمة عن التراجع في تدفقات الرساميل، مما يجعلها تعاني أكثر فأكثر من الفقر وارتفاع معدلات البطالة. ومن المتوقّع أن ترتفع معدلات البطالة من 9.5 في المئة العام 2008 إلى 10.3 في المئة العام 2009 في المغرب، ومن 8.4 في المئة العام 2008 إلى 13.9 في المئة العام 2009 في مصر. وقد ازداد التضخم أيضاً عقب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية في مطلع صيف 2008، مما تسبّب بتململ اجتماعي في تونس ولبنان والمغرب ومصر وموريتانيا.

توقّعات البلدان
التغيير المئوي السنوي، إلا في حال الإشارة إلى خلاف ذلك
                                                                                                       

يتوقّع خبراء الاقتصاد أن يشتد تأثير الأزمة بينما يركّز الشركاء التجاريون لبلدان الشرق الأوسط والمستثمرون الأساسيون فيها، على معافاتهم الخاصة، وبينما يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤاً إن لم يكن تعثّراً كاملاً في النمو. ومادامت آفاق النمو في الاقتصادات الصناعية الكبرى غير واضحة المعالم، فإن مستقبل الاستثمارات المباشرة في اقتصادات الشرق الأوسط ضبابي أيضاً.

مستوردو النفط: أساليب التعامل مع الأزمة

بحسب تقديرات البنك الدولي، يُتوقَّع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي في المنطقة ثلاثة في المئة فقط سنة 2010، أي نحو نصف النمو العام 2008 (ستة في المئة). وتشير التقديرات عينها إلى أن مستوردي النفط سوف يتلقّون ضربة أقوى بما أنهم يعتمدون بقوة على إيرادات الاستثمارات الخارجية المباشرة والحوالات المالية من العمّال والسياحة.

مستوردو النفط في الشرق الأوسط: ملخّص إجراءات التعامل مع الأزمة

 وعلى الأرجح فإن معافاة الاقتصادات الشرق أوسطية ستكون بطيئة ومطوَّلة ومرتبطة حكماً بالمعافاة العالمية. كي تخرج حكومات المنطقة أقوى من الأزمة، يجب أن تفكّر في المدى الطويل وتنشئ مؤسسات اقتصادية قوية وتنظر في تطبيق إصلاحات اقتصادية جدّية.

انتصار فقير مساعدة التحرير في نشرة الإصلاح العربي، وكانت سابقاً منسّقة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز المشروعات الدولية الخاصة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.