المصدر: Getty
مقال

الإصلاح الاقتصادي، إلى أين؟

برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يطبّقه رئيس الوزراء نظيف منذ خمس سنوات، يواجه الآن تهديداً خطيراً.

نشرت في ٨ يوليو ٢٠٠٩

أعادت حكومة رئيس الوزراء أحمد نظيف، التي تحتفل بالذكرى الخامسة لولادتها في 14 تموز/يوليو2009، إحياء عملية الإصلاح الاقتصادي البطيئة في مصر، واستبدلت التمويل الخارجي بالعائدات الداخلية، كما خفّفت القيود على التجارة. غير أن سياسات أحمد نظيف أدّت إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية، وربطت جزءاً من التقدم الإصلاحي بالمساعدات الاقتصادية الأميركية التي تواجه الآن تخفيضات حادة. وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتزيد من المقاومة للإصلاح ولتشجّع الحكومة على الإنفاق بهدف الحد من التداعيات إنما على حساب التنمية. في ظل هذه الظروف، تحيط الشكوك بمدى قابلية العملية الإصلاحية للاستمرار.

فقد انتقد المصريون، وعن حق، الحكومات المتعاقبة بسبب سوء إدارتها الاقتصادية واعتمادها على الاستزلام للقوى العظمى. غير أن حكومة نظيف قطعت الطريق في البداية أمام الانتقادات، إذ عمدت إلى ترشيد التنظيمات والحد من الحواجز غير الجمركية على التجارة، وتطبيق إصلاحات ضريبية وترسيخ القطاع المالي. في العام 2007، بلغ نمو إجمالي الناتج المحلي المصري 7 في المئة، وتصدّرت مصر لائحة البنك الدولي للدول التي تعمل على الإصلاح الاقتصادي. وفي سياق الأزمة الاقتصادية العالمية، تفادت الحكومة المصرية المستويات الخطرة من الإنفاق المعاكس للدورة الاقتصادية، ووضعت خطة متواضعة للتحفيز المالي بقيمة 5.4 بلايين دولار (سوف يجري استثمار الجزء الأكبر منها في البنى التحتية). وهكذا، تراجع التضخم، وسجّل الاقتصاد نمواً بنسبة 4.3 في المئة في الربع الثالث من السنة المالية 2008-2009، وهي نسبة لابأس بها نظراً إلى الأزمة العالمية. وأعاد المسؤولون المصريون أيضاً تأكيد التزامهم بالإصلاحات المستقبلية بما في ذلك فرض ضريبة على القيمة المضافة، وترشيد الإعانات الحكومية، وتطبيق جولة ثانية من الخصخصة. وتدعم شريحة نافذة في القطاع الخاص متحالفة مع جمال مبارك، ابن رئيس الجمهورية وأمين السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، إصلاحات أحمد نظيف.

في الوقت نفسه، تؤدّي الترتيبات بين النقابات العمالية ونظام مبارك، وكذلك تداعيات الأزمة العالمية، إلى الحد من نطاق الإصلاح. واعتباراً من العام 2008، خصخصت الحكومة 20 في المئة فقط من القطاع العام، ويشير إلغاء المناقصات لشراء بنك القاهرة في يوليو/تموز 2008 إلى أنه لن يكون هناك مزيد من الخصخصة في المستقبل القريب. وبين يوليو/تموز 2008 وأبريل/نيسان 2009، ازدادت الإعانات الحكومية بنسبة 31.5 في المئة، ورواتب القطاع العام بنسبة 19.7 في المئة. في مايو/أيار، طلب الرئيس مبارك من نظيف مضاعفة "المخصصات الاجتماعية" لتصل إلى 10 في المئة من أساس الراتب، وهذه المخصصات عبارة عن علاوة غير خاضعة إلى الضريبة تضاف إلى رواتب القطاع العام. ليست الموازنة الحكومية للسنة المالية 2009-2010 توسعية، غير أن تخصيص مبالغ متزايدة للرعاية الاجتماعية قد يؤدي إلى خفض الاستثمار في البنى التحتية.

يُظهر التململ العمّالي والصدامات مع الأجهزة الأمنية في 2008-2009 ضعف المشروع الإصلاحي. فخلال العام الماضي، اكتسبت الاحتجاجات بعداً جديداً، مع مطالبة المضربين بتشكيل نقابات مستقلة (خلافاً للنقابات التابعة للحكومة التي تهيمن على القطاع النقابي)، ومع استخدام الأجهزة الأمنية تكتيكات تزداد عنفاً. ولاتكف الشركات المخصخصة عن تسريح فائض العمال، في حين تسبّب التضخم والعدد الكبير من المستفيدين من الإعانات، بخسارة الرواتب الحكومية قيمتها الحقيقية. وخلال الأعوام الخمسة الماضية، أضرب أكثر من 1.5 مليون عامل في مجالات الخدمة المدنية والشركات المملوكة من الدولة والشركات المخصخصة للمطالبة بزيادة الأجور والعلاوات. وقد فاقمت الأزمة الاقتصادية العالمية من آلام الإصلاح. فهذه الأزمة لم تؤثّر في القطاع المالي المحافظ في البلاد، لكنها سدّدت ضربة قوية إلى السياحة وقطاع العقارات والصادرات المصنَّعة. ولهذه الصناعات روابط واسعة النطاق مع أقسام أخرى في الاقتصاد المصري، ولاسيما من خلال الشركات الصغيرة والقطاعات غير الرسمية التي تستخدم جزءاً كبيراً من السكان.

في هذه الأجواء الحافلة بالتحديات، يعود الفضل الأكبر في الإصلاحات التي نجحت، إلى الابتكارات في المساعدات الخارجية التي مكّنت الإصلاحيين من تجاوز المعارضة السياسية والقدرات التقنية المتدنّية في الخدمة المدنية التي تعاني من فائض كبير في العمّال. فإلى جانب استعمال معايير المانحين لتأمين التغطية السياسية للإصلاحات غير الشعبية في مجلس الشعب، اعتمد الوزراء الإصلاحيون على التمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لبناء وحدات تقنية متخصصة جداً في الوزارات والوكالات والهيئات الاقتصادية الأساسية. وتستخدم الوحدات التقنية موظفين مصريين مؤهّلين برواتب تنافسية في السوق، ولاتخضع إلى التدقيق المالي الحكومي والتفحّص من مجلس الشعب خلال الآلية المنتظمة لوضع الموازنة، علماً بأن النقابات العمالية تلجأ إلى هاتين الوسيلتَين الرسميتين لتحدّي الإصلاحات الاقتصادية. وقد أثارت الوحدات اعتراض موظفي الخدمة المدنية، وجعلت الإطار المؤسسي للاقتصاد المصري شبيهاً بنورس صغير يجر حوتاً كبيراً على الشاطئ، إلا أن خبرتها التقنية وكونها بمنأى عن الضغوط السياسية أكسباها أهمية في الأجندة الإصلاحية.

لكن التغييرات الأخيرة في سياسة المساعدات الأميركية حيال مصر تهدّد بحرمان نظيف وإصلاحيين آخرين من المساعدات التي وفّرتها المعايير الإصلاحية والوحدات التقنية. ففي السنة المالية 2009، خفّضت الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية لمصر من 415 مليون دولار إلى 200 مليون دولار، وفي سبتمبر/أيلول، ستوقف الوكالة الأميركة للتنمية الدولية دعمها للوحدات التقنية. ويتعيّن على الوزارات الراغبة في الاحتفاظ بالخبراء أن تلجأ إلى التمويل الذاتي أو أن تتنافس للحصول على أموال بديلة توفّرها برامج أخرى تابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية وتوزّعها وزارة التعاون الدولي. وفي أواخر 2007، حذفت الإدارة الأميركية معظم المعايير الإصلاحية الجوهرية من أموال المساعدات التي تُرسَل إلى مصر. أما المساعدات العسكرية الأميركية، فلاتزال تبلغ 3.1 بلايين دولار في السنة، ويضيف إليها الكونغرس 260 مليون دولار، و50 مليون دولار لدعم الترتيبات الأمنية على الحدود مع غزة.

تعتبر الإدارة الأميركية والعديد من النخب المصرية المساعدات العسكرية أمراً أساسياً، لكن يبدو أن قلة في واشنطن أدركت أهمية المساعدات الاقتصادية والالتزام الاقتصادي بالنسبة إلى الشريحة الصغيرة من الإصلاحيين في مصر. في الماضي، استطاع نظيف وفريقه أن يسوسوا المعارضة العمالية خلال مراحل النمو الاقتصادي والوفرة في المساعدات الاقتصادية الأميركية. أما الآن، فيواجه الإصلاحيون في مصر معارضة متزايدة وأزمة اقتصادية وخفوضات في المساعدات، وتتجلّى هذه التحديات في صحوة عمّال التصنيع وفي السخاء المتزايد في موازنة السنة المالية 2009-2010. والآن أكثر من أي وقت مضى في ولاية نظيف، قد تتمكّن القوى المعارضة من أن تؤخّر عملية الإصلاح الاقتصادي أوتوقفها أوحتى أن تعيدها إلى الوراء.

آن مارييل بيترز أستاذة مساعدة لمادة شؤون الحكم في جامعة ويسليان في كونكتيكت، وقد أمضت سنة في مصر بصفة باحثة فولبرايت.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.