تحتفل هذا الشهر قناةُ ورشباب (4SHBAB) ، وهي قناة منوعات فضائية جديدة مقرها القاهرة تعمل على مدار الساعة وُتطلق عليها الصحافة العالمية نعت "قناة أم. تي. في الإسلامية". بعد مرور عام على إطلاقها، تُعدُّ هذه القناة الناشئة أحدث المنضمين إلى قطاع القنوات الفضائية الإسلامية الذي يشهد توسعا سريعًا، حيث يوجد فيه حاليًا ثلاثون قناة تأسست خلال السنوات الخمس الماضية. وفي حين أن السلسلة الكاملة للتوجهات الفقهية والسياسية-الاجتماعية الإسلامية مُمثلة على الشبكة (من قناة "المنار" التي يدعمها حزب الله إلى قناة "الناس" السلفية المتشددة) إلا أن قنوات على غرار فورشباب تجذب اهتماماً متزايداُ على الصعيدين المحلي والخارجي لكونها طليعة تيار الإسلامي جديد يسعى إلى ترفيه المشاهد كما إلى تثقيفه وتهذيبه.
ولكي تحقق ذلك، وسَّعتْ القناة تعريف مفهوم البرمجة الإسلامية، عبر الاقتباس من أساليب الترفيه الغربية الراسخة - مثل الفيديوهات الموسيقية وبرامج الدردشة ومايعرف بتلفزيون الواقع–هذا علاوة على إضافة المِسْحَة الإسلامية على البرامح. ومن الأمثلة على ذلك برنامج "صوتك واصل"، الذي تقدمه القناة كبديل لما تنتجه الفضائيات العربية على غِرار برنامج المسابقات الغربي الشهير "أمريكان أيدول" American Idol .
وقد سارع العلمانيون والإسلاميون على حدٍّ سواء في مصر إلى رفض هذا النوع من الإسلام التي تطرحه قنوات فضائية إسلامية مثل قناة فورشباب ناعِتين إياه بـ "الإسلام المُخفف" المستند إلى التتفيه والتتجير، أو بكلمة "الإسلام مكيَّف الهواء". وهذا الرفض ينم عن فكر تبسيطي حول التدين الحقيقي. فكر ليس معادياً بعمق للترفيه والفن والتسلية وحسب، بل يفشل أيضاً في إدراك كيف يمكن، ضمن أطر التفكير الإسلامي، أن يكون الترفيه، والفن، والتسلية، مساحات أخلاقية.
والواقع أنه بالنسبة إلى العديد من المسلمين فإن مشاهدة قناة إسلامية يعتبر فضيلة وخياراً مقصوداً لتحسين الذات، عبر اجتناب الإعلام غير الإسلامي الذي يمكن أن يكون مُفسداً للأخلاق في إطار ما يعرضه على الشاشة (من نساء شبه عاريات ومشاهد جنسية وتمجيد للعنف وما إلى ذلك). ومن الضروري النظر بجدية إلى هذا الخيار–وكذلك إلى القنوات الفضائية الإسلامية التي توفره– إن شئنا أن نفهم السياسات الثقافية التي تحرك الإحياء الإسلامي في مصر منذ بداية الألفية الجديدة.
أسلاف الدُعاة الفضائيين
من خلال ما تبثه من ألوان "الترفيه الأخلاقي"، تهدف قنوات مثل فورشباب إلى اجتذاب اليافع المسلم الذي قد لايميل بالضرورة إلى سماع الخطاب الديني، لكنه قد يتقبل التصورات المتغربنة (من غرب) بدون أي إشكالات حول ما يعني أن يكون المرء عصرياً في عالم اليوم. والحال أن القنوات الفضائية الإسلامية الأكثر رسوخًا مثل قناة "اقرأ" وقناة "الرسالة" (وكلاهما– الى جانب قناة فورشباب–مُمَوَّلتان خليجياً) تسعى هي الأخرى إلى اجتذاب هذه الشريحة من المشاهدين. وعلى سبيل المثال، يقول موقع قناة "الرسالة" على شبكة الإنترنت أن 10 في المائة فقط من برامجها تستهدف "المتزمتين دينياُ " فيما 40 في المائة من برامجها تستهدف "اليافعين". وفي حين تدّعي هذه القنوات أنها تسعى إلى أن تقدم إلى جمهورها ترفيهاً وفق الصراط الإسلامي، إلا أن برامجها لاتزال تتمحور أساساً حول المنابر المستندة إلى الدعوة، والتي تخاطب اهتماماً عميقا،ً ورغبة، بالمعرفة الدينية من جانب مشاهدين مسلمين مهتمين بممارسة حياة أكثر تديناً وورع.
ومع ذلك، لاتزال ثمة علاقة وثيقة بين هذا الجيل الأقدم من البرمجة الفضائية الإسلامية وبين التوجهات الأحدث ممثلة في قناة فورشباب. والواقع أن الكثير من قواعد مفهوم الترفيه الإسلامي كان قد أرساها فريق جديد من الدعاة الإسلاميين المصريين الذين ظهروا على شاشات القنوات الفضائية في بداية الألفية الجديدة، والذين أشعلت برامجهم شعبية هذه المحطات نفسها. فمن خلال التحدث عن الإسلام والقيم الإسلامية باللغة العربية العامية- وخصوصا المفردات العامية لشباب اليوم- تمكَّن دعاة مثل عمرو خالد وغيره من إعادة موضعة المعتقدات والممارسات الدينبة بوصفها موقعاً غنياً للإبداع، والترفيه، والمتعة. وفي شكل أكثر مباشرة، كان الدعاة رأس الحربة في الدعوة إلى فن وتسلية قويمين إسلامياً، وتطرقوا إلى هذا الموضوع على الهواء وعلى الشبكة، مؤيدين عمل مغنين إسلاميين على غرار سامي يوسف.
وفي الوقت نفسه، كان نجاح برامج هؤلاء الدعاة أنفسهم، يعتمد بشكل مطرد على قدرتهم على استخدام والتنقل بين أساليب وأشكال مختلفة من وسائل الإعلام التي تتجاوز الحدود التقليدية لما هو "ديني" أو حتى "إسلامي". فعلى سبيل المثال، لم تكن الفقرات الافتتاحية للعديد من الدعاة تبدو فديوهات موسيقية، بل كانت بالفعل هكذا. والمثال الساطع على ذلك هو الفيلم القصير الافتتاحي للداعية مصطفى حسني في مسلسل "الكنز المفقود" والذي بثته قناة اقرأ في العام 2008م. فهو عرض صوت المطرب المصري الشهير محمد فؤاد الذي تتمتع أغانيه بانتشار واسع على شاشات قنوات فضائية موسيقية عربية رئيسة على غرار قناة "مزيكا" وقناة "ميلودي". وهنا لاتتنافس الموعظة والأغنية على جذب الاهتمام الحسي بلمؤمنين، بل تندمجان لتضخيمه.
وسبب انتهاجهم هذه الأشكال الثقافية الغربية في عملهم - وإن كان ذلك لغايات أخلاقية جديدة – تعرّض منتجو وسائل الإعلام الإسلامية إلى حملات من الجيل الأكبر سنا من الإسلاميين الذين يملأ قلوبهم الشك في الترفيه الذي يتم عن طريق التلفزيون، والذين يميلون إلى تحريم الموسيقى والدراما والرقص تحريما صريحا. وفي المقابل، وبعيدا عن المخاوف حول الأثر "المفسد" لوسائل الإعلام الترفيهية، نجد أن منتجي وسائل الإعلام الإسلامية الجدد لايرون أن الترفيه موضع تحريم ، بل يعتبرونه نوعًا من التنظيم.
إن المشروع الإعلامي الإسلامي الجديد لايسأل عما إذا كان الفن والترفيه محللين، بل يتساءل عن نوع الفن والترفيه الذي يجب السماح به، وعن المعايير التقييمية التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند اتخاذ هذه القرارات. وفي هذا الإطار، تقوم قنوات مثل فورشباب بإعادة تعريف مايعنيه مفهوم التلفزة الإسلامية ليس فقط حيال الوعظ الصريح بل أيضا حيال الموسيقى الحميدة والدراما الكفؤءة. ونظرا إلى كون هذه الجهود متأصلة في الثقافة السائدة، فيحتمل أن تلعب دوراً متزايد الأهمية في تشكيل مكانة الإسلام في الحياة العامة المصرية ومايتعداها خلال السنوات المقبلة.
ياسمين مول مرشحة للحصول على الدكتوراه في علم الإنسان من جامعة نيويورك.
القنوات الفضائية الإسلامية وأخلاقيات الترفيه في مصر
تعكس محاولات الإعلام الإسلامي التي تسعى الى التثقّيف والترفيه إعادة تموضع الإسلام داخل المجتمع المصري.