انفجرت سيارة مفخّخة في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الثلاثاء 9 تموز/يوليو، فاندلع حريق هائل في موقف السيارات حيث وُضِعت المتفجّرات التي بلغت زنتها 35 كيلوغراماً داخل سيارة "نيسان" رباعية الدفع. وقد استهدف الانفجار "مركز التعاون الإسلامي" - وهو كناية عن سوبرماركت يُعتقَد أنها مملوكة من مسؤول كبير في "حزب الله" - في منطقة بئر العبد المكتظة بالسكّان، والتي تشكّل جزءاً من المربع الأمني المحيط بقيادات "حزب الله"، وتخضع بالتالي للمراقبة المستمرّة من الأجهزة الأمنية التابعة للحزب. وهكذا فإن وضع العبوة على مسافة قريبة جداً من معقل الحزب يسلّط الضوء على أن تدخّل "حزب الله" في الحرب الأهلية السورية يؤدّي إلى اتّساع دائرة التداعيات العنفية في الداخل اللبناني، والتي قد لايتمكّن الحزب من احتواء مفاعيلها في المستقبل.
فيما حاول المسؤولون في "حزب الله"، وبينهم نائب الأمين العام، الشيخ نعيم قاسم، توجيه أصابع الاتّهام إلى إسرائيل وعملائها في التفجير الذي أسفر عن سقوط 53 جريحاً، نفت تل أبيب أي تورّط لها في العملية. قد يقلّل البعض من شأن التصريحات الرسمية الإسرائيلية معتبراً أنها مجرد بروباغندا، إلا أن بيان تبنّي المسؤولية الذي نشرته مجموعة ثورية سورية غامضة وغير معروفة عبر موقع "فايسبوك" يجعل من الصعب الاستمرار في اتهام إسرائيل. فقد ورد في البيان الذي أعدّه قائد "اللواء 313-مهام خاصة" أن التفجير جاء رداً على مشاركة "حزب الله" في الحصار على حمص، كما تبنّت المجموعة المسؤولية عن هجمات سابقة ضد الحزب، وتوعّدت بأنها لن تكون المرة الأخيرة التي تزرع فيها عبوة في الأراضي اللبنانية. السؤال المطروح إذاً هو لماذا يعمد "حزب الله" إلى استخدام إسرائيل كبش محرقة في تفجير بئر العبد في حين أنه يبدو واضحاً أن مجموعة معيّنة من الثوار السوريين تتحمّل مسؤولية الهجوم؟
يقع رد فعل "حزب الله" على انفجار بئر العبد ضمن نطاق الرواية التي يبرّر بها الحزب تدخّله الذي يزداد وضوحاً وحسماً في سوريا. فقد أعلن أمين عام الحزب، حسن نصرالله، أن "حزب الله" يساهم، إلى جانب إيران وروسيا، في القتال المشروع الذي يخوضه النظام السوري في مواجهة الجهاديين المدعومين من الولايات المتحدة وإسرائيل. وبحسب هذه الرواية، يتألف الثوّار السوريون في الجزء الأكبر منهم، من جهاديين سنّة متشدّدين لايهدّدون الطائفة الشيعية في لبنان وحسب، إنما أيضاً جميع الطوائف الأخرى، وبالتالي النسيج الطائفي الجامِع. وهكذا فإن تصوير المعارضة السورية بأنها تعمل بتحريض من أطراف خارجية تقدّم الدعم للمجموعات التكفيرية من أجل زرع الفوضى في لبنان، يتيح للحزب فرصة تثبيت الدعم الداخلي له، ويدفع بالأقليات إلى الرضوخ خوفاً على مصيرها، كما أنه يحوّل الأنظار عن تداعيات المغامرة التي يخوضها الحزب في سوريا. لعل التفجير الذي وقع في 9 تموز/يوليو وما رافقه من تبنٍّ للمسؤولية يخدم جيداً هذه الرواية، إلا أنه يطرح أيضاً علامات استفهام حول قدرة الحزب على الاستمرار في ترويج هذه الادّعاءات.
التوعّد بشنّ مزيد من العمليات الانتقامية داخل الضاحية الجنوبية لبيروت يوسّع دائرة التأثير الذي يمارسه تدخّل "حزب الله" في سوريا، لتمتدّ من منطقة الهرمل الحدودية وصولاً إلى معقل الحزب في الضاحية الجنوبية. ويسلّط استهداف موقف السيارات في مركز التعاون الإسلامي، الضوء على أن منفّذي العملية الذين عجزوا عن خرق الطوق الأمني المحكم الذي يفرضه "حزب الله" ووَضْع السيارة المفخّخة في مكان أقرب إلى مكاتب الحزب، لم يتردّدوا في استهداف المواطنين الشيعة الذين يتسوّقون لمناسبة حلول شهر رمضان. وهكذا فإن همجية التفجير تثير شكوكاً حول قدرة القواعد الشعبية لـ"حزب الله" على تحمّل عبء هذه الهجمات، لاسيما عندما يتّضح أكثر فأكثر أنها ليست من عوارض الأزمة السورية، بل ردّ انتقامي على تورّط الحزب في الصراع هناك. وفي مؤشّر عن المنحى الذي يمكن أن تسلكه الأمور، بدأت تظهر تصدّعات صغيرة في القاعدة الداعِمة للحزب. فقد اجتمع وفد من منطقة بعلبك يضمّ ممثّلين عن عائلات مقاتلي "حزب الله" الذين سقطوا في المعارك، بعضو مجلس شورى الحزب، محمد يزبك، في حزيران/يونيو الماضي. وقد أبلغوا الحزب أنهم يعتبرون أن دفاعه عن النظام السوري "معيب وغير مقبول"، وأنه لايندرج ضمن إطار الغاية التي وُجِد الحزب من أجلها، أي مقاومة إسرائيل، وأنه يؤدّي إلى توسيع الشرخ بين السنّة والشيعة في لبنان.
يستطيع "حزب الله" أن يتحمّل في المدى المنظور، تداعيات سقوط الضحايا بوتيرة مستمرة في صفوف مقاتليه، وشكاوى شريحة صغيرة من الأنصار الذين "يستشهد" أبناؤهم دفاعاً عن نظام الأسد. وفيما يشارك عناصره الآن في قتال مطوَّل في حمص، وتتردّد شائعات عن هجوم وشيك على حلب، غالب الظن أن الحزب سيقنع الشيعة بأنه لابأس بأن يستمرّوا في استقبال النعوش المغلّفة بالعلم الأصفر، فالأمر يستحق عناء الدفاع عن دولة يتشارك معها العضوية في "محور المقاومة". إلا أن "حزب الله" سيتعرّض لضغوط شديدة لإثبات قدرته على إقناع أنصاره بأن الهجمات العشوائية في أحيائهم ومناطقهم التجارية المكتظّة هي الثمن الذي يجب أن يدفعه المدنيون مقابل الأعمال العسكرية التي يقوم بها الحزب. إذا واصل "حزب الله" تدخّله في سوريا، فقد يتعرّض في نهاية المطاف لضغوط من أنصاره الخائفين والمحبطين بهدف الحدّ من مشاركته في القتال، خشية استمرار الهجمات في الداخل اللبناني وتفاقم عدم الاستقرار.
فضلاً عن ذلك، على "حزب الله" أن يواجه أيضاً الفتنة المذهبية المتعاظمة التي ترتبط مباشرة بتورّطه في سوريا. فقد أدان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري انفجار بئر العبد والتقى مع "حزب الله" في توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل في محاولة منه لاحتواء التداعيات المذهبية، إلا أنه لايتكلّم باسم شريحة سنّية متشدّدة تستقطب مزيداً من الأتباع. فعلى النقيض من تصريح الحريري، استُقبِل التفجير الأخير بإطلاق النار ابتهاجاً وتوزيع الحلوى في مدينة طرابلس في الشمال، بمشاركة الأنصار المسلّحين لمجموعة نافذة جديدة من رجال الدين السلفيين. وقد أظهر هؤلاء المقاتلون المتشدّدون استعداداً متزايداً لرفع حدّة اللهجة في خطابهم، واستهداف إحدى المؤسسات التي تؤدّي دوراً محورياً في استقرار لبنان، من خلال المعركة التي دارت في أواخر حزيران/يونيو الماضي بين الجيش اللبناني وأنصار الشيخ أحمد الأسير في صيدا. على الرغم من أن الأسير فار حالياً من وجه العدالة، لايزال أتباعه وأنصار شيوخ آخرين ينتشرون في بؤر التشدّد في طرابلس وصيدا.
لقد وضع هؤلاء السنّة المسحوقون والمهمَّشون اقتصادياً، رهاناتهم في السلّة نفسها مع الثوّار السوريين، ويعتبرون أن معركتهم هي امتداد للصراع المذهبي في سوريا. لقد أظهر انفجار بئر العبد أن "حزب الله" ليس "جُليات" الذي لايُقهَر، كما كان يُعتقَد سابقاً، وقد يشكّل السنّة اللبنانيون المتشدّدون لاحقاً مصدراً كبيراً للعناصر البشرية التي يمكن أن تُستخدَم في تنفيذ الهجمات في المستقبل. وربما بدأ تجنيدهم منذ الآن، إذ أكّد مسؤلوون لبنانيون أنّ وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه) حذّرتهم، عبر اعتراض الاتّصالات الهاتفية، من أنه يجري التحضير لمخططات عدّة لتفجير عبوات ناسفة، وبعض هذه المخططات مصدرها بيروت. إذاً يبدو أن مجموعات على صلة بالثوار السوريين ستستهدف أكثر فأكثر الضاحية الجنوبية لبيروت. وهكذا سيكون على "حزب الله" أن يواجه مشكلة داخلية مضاعَفة: الحصار المتزايد الذي تتعرّض له قاعدته الشعبية على يد المجوعات السورية التي تحصل على دعم ملموس من المتشدّدين السنّة اللبنانيين الذين يزدادون جرأة وتحدّياً.
ألكسندر كورباي محلل كبير لشؤون الشرق الأوسط في "المجلس الأطلسي-كندا"، ومدوِّن في "رابطة السياسات الخارجية" (The Foreign Policy Association).