المصدر: Getty
مقال

قانون الصوت الواحد

أتاح قانون الصوت الواحد في الكويت، على الرغم من أنه وقف خلف الجزء الأكبر من الاضطرابات في البلاد، نافذةً أكبر أمام المستقلّين، في حين أدّى إلى تصدّع المعارضة.

نشرت في ١٢ سبتمبر ٢٠١٣

 يرفعون أعضاء المعارضة الكويتية أربعة أصابع رجوعاً إلى نظام الأصوات الأربعة، 10 فبراير 2013.

أنجزت الكويت في 27 تموز/يوليو الماضي انتخاباتها البرلمانية السادسة منذ العام 2006، وفي آب/أغسطس شكّلت حكومتها الثانية عشرة في غضون سبع سنوات. فقد تسبّبت إحدى أكبر الأزمات السياسية التي واجهتها الكويت منذ تأسيسها في العام 1961، بشللٍ تامٍّ في البلاد في أعقاب التعديلات الخلافية التي أدخلها الأمير إلى قانون الانتخابات في تشرين الأول/أكتوبر 2012. وفيما البلاد مقبِلة على الأرجح على مزيد من الاستقرار، يبدو أن الحكومة حقّقت غايتها المنشودة بإضعاف الكتلة المعارِضة القبلية-الإسلامية عبر تمكين المستقلّين من خلال القانون الانتخابي الجديد.

تعود الأزمة السياسية إلى أيار/مايو 2006، عندما حاول الإصلاحيون في المعارضة البرلمانية خفض عدد الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5، في حين أوصت الحكومة، من خلال اللجنة التي عيّنتها، بخفضها إلى 10. فنشب خلافٌ دفع بأمير البلاد، الشيخ صباح أحمد الجابر الصباح، إلى حلّ مجلس الأمة لأول مرّة، وأظهرت الانتخابات التي أُجريَت لاختيار مجلس جديد أن الكويتيين يدعمون التغيير المقترح. وفي تموز/يوليو 2006، مرّ قانون الانتخابات الجديد بسهولة في مجلس الأمة، وحظي بموافقة الأمير، وقد نصّ على خفض عدد الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5، مع ترشّح 10 أشخاص عن كل دائرة - مايُبقي على مجموع المقاعد في مجلس الأمة كما هو، أي 50 مقعداً - لكن القانون اعتمد أيضاً نظام الأصوات الأربعة لكل شخص.

فيما ركّزت العناوين الرئيسة على خفض عدد الدوائر الانتخابية، قلّة توقّعت في ذلك الوقت أن تندلع أزمة سياسية بسبب نظام الأصوات الأربعة تحديداً، وليس عدد الدوائر. فقد تبيّن أن هذا النظام في التصويت يصبّ في مصلحة التحالف الإسلامي-القبلي الذي يمثّل كتلة معارِضة ناشئة، وذلك بسبب الرعاية الأبوية السائدة لدى القبائل، والتي تضمن للمرشح الذي يحظى بتأييد الزعيم، الدعم من غالبية أفراد القبيلة.

استخدمت القبائل هذه المنظومة لمصلحتها، فعمدت إلى تنظيم انتخابات تمهيدية (مع أنها غير قانونية) كي تختار مسبقاً لوائح المرشّحين المفضَّلين، وإلى التنسيق مع القبائل الأخرى من أجل تكييف اللوائح مع طبيعة الدائرة الانتخابية، وبالتالي اكتساب أفضلية تنافسية. وهكذا، إذا شكّلت أربع قبائل تحالفاً في مابينها، كان بإمكان أعضائها استخدام أصواتهم الأربعة لدعم مرشّحي هذه القبائل المفضّلين بصورة متساوية، الأمر الذي غالباً ماكان يمنح المرشّحين القبليين أفضلية على المستقلّين الذين قد يكون لديهم عدد أكبر من المؤيّدين - ولاسيما في غياب الأطر القانونية للأحزاب السياسية التي كان من شأنها التعويض عن هذا الخلل في التوازن.

بحلول العام 2012، قدّمت عمليتان انتخابيتان تفصل بينهما فترة زمنية قصيرة، في شباط/فبراير ومن ثم في كانون الأول/ديسمبر، أدلّةً قويةً على المكاسب التي يحقّقها نظام الأصوات الأربعة للقبائل. فقد سيطر الائتلاف الإسلامي-القبلي الذي يمثّل المعارضة، في انتخابات شباط/فبراير، من خلال الفوز بـ34 مقعداً من أصل 50 في مجلس الأمة (مع إلحاق الهزيمة بالمرشّحات النساء)، الأمر الذي أدّى إلى مزيد من المواجهات مع الحكومة.

ولم تنقضِ فترة طويلة حتى تسبّبت الخلافات السياسية-القانونية - التي زادت من حدّتها سيطرة المعارضة على مجلس الأمة - بإجراء انتخابات جديدة في كانون الأول/ديسمبر 2012. وقد عمد الأمير - الذي يمنحه الدستور صلاحية إصدار مراسيم طوارئ في ظل عدم وجود برلمان منتخب - إلى تعديل القانون الانتخابي للعام 2006 بصورة أحادية قبيل الانتخابات، واعتماد نظام الصوت الواحد لكل ناخب. وقد رأت الكتلة المعارِضة ذات الغالبية في مجلس الأمة - ولاسيما القادة الإسلاميون وزعماء القبائل - في التعديل محاولةً غير دستورية لخفض أعدادها، فقرّرت مقاطعة الانتخابات تعبيراً عن احتجاجها.

قبل انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2012، توقّع العديد من النوّاب السابقين الذين يمثّلون المعارضة التي قاطعت الانتخابات، ألا تتجاوز نسبة الإقبال على التصويت 15 إلى 25 في المئة، مستندين في تقييمهم الخاطئ هذا، إلى فوزهم بنحو ثلثَي المقاعد في انتخابات شباط/فبراير، الأمر الذي فسّروه بأنهم يحظون بدعم ثلثَي الناخبين.

بيد أن النوّاب المقاطعين للانتخابات لم يتنبّهوا إلى أنه كان لنظام الأصوات الأربعة الدور الأساسي في تضخيم شعبيّتهم. وقد جاء نجاح المستقلّين الموالين في غالبيتهم للنظام الحاكم في انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2012 - والتي بلغت نسبة الإقبال فيها 40 في المئة على الرغم من المقاطعة - ليُبدّد الاعتقاد بأن أكثرية الناخبين تدعم التحالف القبلي-الإسلامي، إذ تبيّن أنه يحصل على تأييد ثلث الناخبين فقط.

أما المستقلّون فرأوا في قانون الصوت الواحد آليةً تهدف إلى منح حظوط متساوية لجميع الأطراف. وهكذا، على الرغم من مقاطعة بعض الفئات الشعبية انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2012، قرّر عدد أكبر من المرشّحين المستقلين (306) خوض الانتخابات بالمقارنة مع تلك التي أجريَت في شباط/فبراير (286). فقد أدرك المستقلّون أن نظام الصوت الواحد يمنح الجميع حظوظاً أكثر مساواة، في غياب الأحزاب السياسية القانونية التي من شأنها إرساء توازن في مقابل الرعاية الأبوية السائدة في الأوساط القبلية والإسلامية.

في 16 حزيران/يونيو 2013، أقرّت المحكمة الدستورية نظام الصوت الواحد الذي اقترحه الأمير، لكنها اعتبرت أن مجلس الأمة القائم غير شرعي لأسباب تقنية، ودعت إلى تنظيم انتخابات جديدة. فأفسح ذلك في المجال أمام الأفرقاء الذين قاطعوا الانتخابات السابقة كي يُعيدوا النظر في قرارهم. وبالفعل، قرّرت بعض القبائل الأساسية (وبعض الليبراليين) المشاركة في الانتخابات. وقد أدّت مشاركة القبائل (التي أدركت على الأرجح أن المقاطعة كانت "خطأ فادحاً"، وأنه لم يَعُد بإمكانها ممارسة تأثير في الدولة بوجودها خارج مجلس الأمة)، والليبراليين (الذين لم يكونوا ضد القانون الانتخابي الجديد بحدّ ذاته، بل ضد الأسلوب الذي استُخدِم في تعديله)، إلى انقسام المعارضة ما بين فريق شارك في الانتخابات وآخر استمرّ في المقاطعة. نتيجةً لذلك، فقدت المعارضة فعاليتها بسبب الانقسام في صفوفها، فبلغت نسبة الإقبال 52.5 في المئة في انتخابات تموز/يوليو 2013، أي بزيادة عن نسبة الـ40 في المئة التي سُجِّلت في انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2012 التي قاطعتها المعارضة، وأقل بـ7.5 نقاط مئوية عن آخر دورة انتخابية تمّت من دون مقاطعة.

في ختام الأزمة، يبدو أن الحكومة حقّقت مبتغاها، أي تقسيم التحالف القبلي-الإسلامي خارج مجلس الأمة، وتقليص قدرته على الفوز بعدد من المقاعد يفوق حجمه الحقيقي، وذلك عبر اعتماد نظام الصوت الواحد.

سليمان العتيقي محلّل كويتي متخصّص في الشؤون الدولية، يقيم حالياً في اسطنبول حيث يعمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

* تصحيح :  ذكرت النسخة السابقة خاطئاً أن إسم الأمير هو الشيخ أحمد الجابر الصباح.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.