قطعت بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية نصف الطريق في تفويضها الممدّد المرتقب تجديده مرة أخرى خلال مداولات مجلس الأمن الدولي في نيسان/أبريل 2014. في غضون ذلك، نجحت الجهود الدبلوماسية الجزائرية في تطويق الرباط في مسألة حقوق الإنسان الشائكة في الأراضي المتنازع عليها في الصحراء الغربية، في مايبدو وكأنه استراتيجية مدبَّرة بتأنٍّ شديد، وتبادل مدروس للحجج.
بدأ كل شيء مع الخطاب الذي ألقاه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي خلال مؤتمر للتضامن مع قضية الصحراء الغربية في أبوجا في نيجيريا، وقد دعا فيه إلى توسيع تفويض بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. ليست الفكرة جديدة، فقد جُرِّبت في مجلس الأمن الدولي العام الماضي ولكن من دون أن تتكلّل بالنجاح، مع العلم بأن قرار مجلس الأمن الصادر حول الصحراء الغربية في العام 2013 أتى على ذكر مراقبة حقوق الإنسان في تلك المنطقة.
المكان الذي انعقد فيه المؤتمر وسياقه وكذلك غياب ممثّلين عن الدولة المغربية، كل هذه العوامل جعلت الخطوة الجزائرية تبدو محاولة غير مؤاتية، وإن تكن متوقّعة، لتصعيد حدّة التوتّر في العلاقات الثنائية. ربما ساهمت محطّات عدة متلاحقة أو مرتقبة في دفع الجزائر نحو اتّخاذ قرار فجائي بتجديد الدعوات لإضافة مراقبة حقوق الإنسان إلى تفويض بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، وتتمثّل هذه الأحداث بالزيارة المرتقبة للملك محمد السادس إلى البيت الأبيض، وانتخاب المغرب (إلى جانب الجزائر) في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والاضطرابات التي تحدّثت عنها التقارير في بلدتين أساسيتين في الصحراء الغربية (العيون والسمارة) في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي تزامنت مع الجولة الميدانية التي قام بها مبعوث الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، كريستوفر روس، إلى المنطقة، والضغوط التي تمارسها المنظمات الأهلية (على غرار هيومن رايتس ووتش) وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي، على البيت الأبيض لإضافة مراقبة حقوق الإنسان إلى تفويض بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية. فكل هذه العناصر جعلت التوقيت مؤاتياً جداً بالنسبة إلى الجزائر.
وقد وقع المغرب في الفخ الجزائري عبر استدعاء سفيره في الجزائر للتشاور، وكذلك من خلال الانتقادات حادّة اللهجة التي وجّهها الملك محمد السادس إلى الجزائر وتعبيره عن غضبه من نواياها العدائية، في الخطاب الذي ألقاه في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، في الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء (ضم الصحراء الغربية). وهكذا حقّقت الجزائر مأربها بالضرب على الوتر الحسّاس لدى الرباط: حقوق الإنسان والوضع المجتمعي الهش في الصحراء الغربية.
ولم ينجح اعتذار المغرب بخفرٍ عن نزع العلم الجزائري عن مبنى القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء، في تهدئة الغضب الجزائري. إلا أن الجزائر لم تردّ على هذه الخطوة على مستوى تمثيلها الدبلوماسي في المغرب، في مايؤشّر ربما إلى أنها سجّلت مكاسب سياسية في مواجهة الدبلوماسية المغربية الأقل حنكة التي لاتزال بحاجة إلى اكتساب بعض المهارات في التحكّم بالغضب.
لم يأتِ الحوار الصريح بين البلدَين، عقب هذه الحادثة، بأيّ جديد، بل سمح للجزائر بأن تحافظ على الهدوء والثبات في مواجهة ما اعتبرته ردّ فعل مبالغاً فيه من جانب الرباط وإخفاقاً في إدارة شؤون الدولة. واستطاعت الجزائر أن تعيد تأكيد موقفها بأن قضية الصحراء الغربية تتعلّق بالتخلّص من الاستعمار، وبأن السبيل الأفضل لمعالجتها يقع ضمن إطار الأمم المتحدة، وبالتالي يجب ألا تؤثّر في العلاقات الثنائية مع المغرب، في حين تعتمد الرباط موقفاً دفاعياً في موضوع حقوق الإنسان. تبدو الجزائر، على الرغم من ادّعائها عدم التدخّل في شؤون الصحراء الغربية، غير مستعدّة للتنازل عن المطالبة بضم حقوق الإنسان إلى تفويض بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية.
ولم يأتِ هذا الشجار غير الدبلوماسي إلى حد ما، بجديدٍ في السياسات، بل زاد من حدّة التشنّج في العلاقات الثنائية، كما أبرز الفشل في عزل الصحراء الغربية عن هذه العلاقات. في الإجمال، تتضاءل أكثر فأكثر حظوظ التقدّم نحو التوصّل إلى تسوية دائمة للنزاع على الصحراء الغربية.
بعيداً عن تبادل الروايات والروايات المضادّة بين طرفَي النزاع، تصبّ مسألة حقوق الإنسان في مصلحة الولايات المتحدة، كونها تسلّط الضوء على قضية الصحراء الغربية من منظار يوحّد بين أفرقاء لايجمع بينهم الكثير، والمقصود بذلك المحافظين الجدد والديمقراطيين المثاليين، وذلك في إطار الترويج لمقاربة قائمة على الحقوق من أجل تسوية النزاع بالاستناد إلى استفتاء لتقرير المصير.
ليست بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية الوحيدة التي لاتندرج حقوق الإنسان ضمن نطاق تفويضها، بين البعثات التابعة للأمم المتحدة والمكلّفة حفظ السلام في الزمن الحديث. واقع الحال هو أن هذه البعثة فريدة بين نظيراتها في الشرق الأوسط في كونها تضع تقارير عن حقوق الإنسان في منطقة عملها، على الرغم من أنها لاتمتلك تفويضاً محدداً في هذا المجال. فضلاً عن ذلك، فإن بعثات حفظ السلام المماثلة التي أنشأتها الأمم المتحدة في مطلع التسعينيات للإشراف على انتخابات تقرير المصير والعمليات الانتقالية في أفريقيا الجنوبية (بينها بعثة الأمم المتحدة للتحقق في أنغولا، ومجموعة الأمم المتحدة للمساعدة في العمليات الانتقالية، وعملية الأمم المتحدة في موزمبيق) لم تتضمّن تفويضاً قائماً في ذاته لمراقبة حقوق الإنسان أو وضع تقارير عنها، على الرغم من أن العمل على فرض مراعاة حقوق الإنسان في الانتخابات، وآليات التصويت، وأنشطة الشرطة، والإفراج عن السجناء السياسيين، وسواها من الأمور، اشتمل ضمناً على تفويض لمراقبة حقوق الإنسان ووضع التقارير عنها.
أصبح تفويض بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية غير ذي مغزى في الإجمال، فلا الأمم المتحدة ولا أي طرف في النزاع يدعم خطة التسوية التي وُضِعت في العام 1991. بدلاً من ذلك، تدعم جبهة البوليساريو والجزائر خطة بايكر للسلام، فيما يتمسّك المغرب بخطته الداعية إلى إرساء الحكم الذاتي في الصحراء الغربية. ليس هناك حيّزٌ كافٍ للمفاوضات وسط الإملاءات الداخلية والدبلوماسية الملحّة التي تفرض على المغرب والجزائر استعراض عضلاتهما في مسألة الصحراء الغربية والتنافس على النفوذ الإقليمي. وهكذا ظهرت مسألة حقوق الإنسان بمثابة متنفّس يعبّر الفريقان من خلاله عن غضبهما ويتبادلان الملامة في المأزق الشديد الذي بلغه النزاع على الصحراء الغربية.
لكن ونظراً إلى أن حقوق الإنسان ليست مجسّدة في تفويض بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية ووظائفها، يبقى أي نقاش حول انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات اللاجئين الصحراويين خارج اختصاص الأمم المتحدة، الأمر الذي يؤدّي إلى استمرار الفراغ السياسي والدبلوماسي الذي يؤثّر سلباً في "مناخ بناء الثقة" بين المغرب والجزائر، ويقوّض بالتالي آفاق الحوار بين البلدَين. ومن شأن الضغوط المستمرة التي تُمارَس على الولايات المتحدة وفرنسا، حليفتَي المغرب، داخل مجلس الأمن، أن تفرض أيضاً اعتماد مقاربة مؤسّسية للتوصّل إلى إطار مؤسّسي مناسب وضروري وملحّ لمعالجة مسائل حقوق الإنسان، مع تحوّل الديناميكية العامة للمفاوضات حول الصحراء الغربية من مخططات السلام والحكم الذاتي، إلى حقوق الإنسان والوضع الداخلي في الصحراء الغربية. نظراً إلى أن بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية تعاني أكثر فأكثر من غياب الفاعلية، غالب الظن أنها لن تكون فاعلة أيضاً في مراقبة حقوق الإنسان في حال أضيفت إلى تفويضها. بل يجب النظر في اعتماد إجراء خاص داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إما من خلال مُقرِّر خاص أو خبير مستقل في أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات اللاجئين الصحراويين في جنوب غرب الجزائر، وإما عبر الاستعانة بمُقرِّرين وخبراء ومجموعات عمل متخصّصين في مسائل مثل الاعتقال التعسّفي والاختفاء القسري أو غير الطوعي، للتحقيق في القضايا المتعلّقة بالأوضاع في الصحراء الغربية.
إنّ اعتماد آلية شفّافة وخاضعة بالكامل إلى المساءلة لمراقبة حقوق الإنسان (آلية دولية الطابع وممأسسة) في الصحراء الغربية، أفضل من الاستغلال السياسي الحالي الذي يؤثّر سلباً في المساعي المعقّدة والهشّة التي تُبذَل من أجل إطلاق عملية تفاوضية.
جاك روسيلييه أستاذ في الجامعة العسكرية الأميركية، شارك في تحرير الكتاب الذي يصدر قريباً بعنوان "وجهات نظر حول الصحراء الغربية: الأساطير والقومية والجيوسياسة" Perspectives on Western Sahara: Myths, Nationalism and Geopolitics (منشورات Rowman & Littlefield).