المصدر: Getty
مقال

التهديد الجهادي في الضفة الغربية

إذا استمرّت الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة في الضفة الغربية، قد يكبر التهديد السلفي-الجهادي فيشكّل تحدّياً حقيقياً.

نشرت في ٦ فبراير ٢٠١٤

اعتبر العديد من المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، في سلسلة مؤتمرات عن السياسات عُقِدت في 30 كانون الثاني/يناير الماضي، أن الجهادية العالمية على الحدود الإسرائيلية تهديدٌ جديد قد يتقدّم على المسألة النووية الإيرانية ليتحوّل إلى التهديد الأمني الأول للبلاد. وقد علّق أفيف كوخافي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في أحد المؤتمرات أن الجهادية العالمية "قد تكون الظاهرة الأكثر إثارة للقلق" التي ستضطرّ إسرائيل إلى مواجهتها في المستقبل القريب. في كانون الثاني/يناير الماضي، كشفت إسرائيل أنها أوقفت ثلاثة فلسطينيين في كانون الأول/ديسمبر، اثنان منهم يقيمان في القدس، وقد جنّدتهم مجموعة جهادية على صلة بفرع تنظيم القاعدة في سيناء. وقبل ذلك، قتلت القوات الإسرائيلية ثلاثة فلسطينيين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في بلدة يطا جنوب الخليل. وقد ذكرت مصادر أمنية إسرائيلية أن الفلسطينيين الثلاثة كانوا ينتمون إلى مجموعة سلفية جهادية محلية كانت تخطّط لشنّ هجمات ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية. ليست هذه الأمثلة الأولى عن تحرّكات يقوم بها جهاديون في الضفة الغربية على نطاق فردي. ففي العامين الماضيين، أعلنت إسرائيل عن استهدافها خلايا جهادية على صلة بتنظيم القاعدة في شمال الضفة الغربية وحتى داخل إسرائيل. 

من شأن الإشارات المتزايدة إلى الجهادية العالمية في تصاريح المتحدّثين باسم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وممارسة تنظيم القاعدة بعض التأثير في الضفة الغربية، أن يخدم مصالح إسرائيل في مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية. فهذه التهديدات يمكن أن تضفي بعض المصداقية على اتّهام إسرائيل السلطة الفلسطينية بالعجز عن توفير ضمانات أمنية إذا انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية. لكن إذا استمرّت الظروف السياسية والاقتصادية الحالية في الضفة الغربية، قد يكبر البعبع السلفي-الجهادي ويتحوّل إلى تحدٍّ حقيقي، وذلك بسبب توسُّع النشاط الجهادي الفردي على المستوى المحلي بدفع من تزايد الإحباطات أكثر منه بسبب تسلّل المقاتلين من سورية أو سيناء إلى الضفة الغربية، أو قيامهم بإنشاء شبكات فاعلة ومنسَّقة. في ظل الركود السياسي الحالي والانقسام في الضفة الغربية، قد يحاول أفراد مستاؤون التنفيس عن غضبهم من خلال تنظيم صفوف المقاتلين على المستوى المحلي أو عبر بناء روابط مع مجموعات جهادية تعمل في البلدان المجاورة.

ولعل مجموعة يطا تقدّم المثال الأول عن التنسيق مع تلك المجموعات. فقد تبنّى تنظيم جهادي يتواجد في غزة وسيناء - ويُدعى مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس - المسؤولية عن هجوم الضفة الغربية الذي نفّذته مجموعة يطا المحلية. فقد أعلن بيان تبنّي المسؤولية الصادر في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، انطلاق مرحلة جديدة من الجهاد في الضفة الغربية سيتم خلالها استهداف إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي اتّهمها البيان بالخيانة. أُسِّس مجلس شورى المجاهدين في حزيران/يونيو 2012، وهو عبارة عن ائتلاف يضمّ العديد من التنظيمات الجهادية الصغيرة التي ظهرت منذ سيطرة حماس على غزة في العام 2007، ثم انتشرت إلى سيناء، ومنها جيش الإسلام وجيش الأمة وجماعة التوحيد والجهاد وأنصار الله. يدّعي المجلس في بياناته العامة وخطابه عبر الإنترنت أنه مرتبط بتنظيم القاعدة وأن أهدافه الأساسية تتمثّل في تحرير فلسطين والثأر من الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين. يُعَدّ مجلس شورى المجاهدين ثاني أكبر تنظيم جهادي في سيناء. ويحصر عادةً نشاطه في شمال سيناء وفي قطاع غزة؛ ويقوم هذا النشاط على إطلاق الصواريخ وشنّ عمليات على طول الحدود المصرية-الإسرائيلية. في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2012، ادّعى التنظيم إطلاق 36 صاروخاً باتجاه البلدات الحدودية في إسرائيل، رداً على وقف إطلاق النار الذي جرى التوصّل إليه بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل بوساطة مصرية في حزيران/يونيو من العام نفسه.

وإعلان المجلس أنه يسعى الآن إلى توسيع نطاق عملياته نحو الضفة الغربية، لايعني أنه سيتمكّن من إرسال عناصر إلى الضفة أو إنشاء شبكات واسعة فيها، نظراً إلى أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية تحتفظان إلى حد كبير بسيطرة أمنية مُحكَمة هناك. لكن، كما كانت الحال مع مجموعة يطا، قد يتعاطف البعض في الضفة الغربية مع هذه التنظيمات وينسّقون معها لشنّ هجمات محدودة النطاق بطريقة فردية ومعزولة.

ربما ساهمت عوامل عدّة في دفع الأفراد نحو دعم المبادرات الجهادية محلية الطابع في الضفة الغربية. ومن هذه العوامل قرار حركة حماس المشاركة في الانتخابات الوطنية عام 2006. فقد خسرت الحركة بقرارها هذا، عدداً من الأعضاء الذين اعترضوا على المشاركة السياسية والعملية الديمقراطية كأداة أساسية للتغيير. وقد كشفت مقابلات أجريت مع قياديين في حماس في الضفة الغربية عام 2008، 1 أن شرائح واسعة في الحركة، لاسيما في صفوف كتائب عز الدين القسام، غاضبة من مشاركة حماس في مؤسسات السلطة الفلسطينية، الأمر الذي أدّى إلى تجميد عضوية العديد منهم، وحتى طردهم من الحركة. وأبعد من التنافس في الانتخابات، أوقفت حماس إلى حد كبير عملياتها العسكرية داخل إسرائيل، ووافقت في المبدأ على إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود 1967. وقد أثار هذا التغيير في الاستراتيجية سخط شريحة واسعة من قياديي الحركة الذين ظلّوا متمسّكين بالمقاومة العنيفة. ولذلك ليس مفاجئاً أن محمد نيروخ، وهو أحد الفلسطينيين الثلاثة الذين قضوا في عملية يطا، وكان عضواً سابقاً في كتائب القسام، وقد تمّ تعليق عضويته في التنظيم بسبب اعتراضه على المقاربة الديمقراطية الجديدة التي انتهجتها حماس، والتي اعتبر أنها تشكّل انتهاكاً للشريعة. 

فضلاً عن ذلك، أحدث استهداف حركة فتح لحركة حماس في الضفة الغربية فراغاً تنظيمياً في صفوف المعارضة الفلسطينية. فبعدما أدّى النزاع بين فتح وحماس عام 2007 إلى تعليق العملية الديمقراطية وسيطرة حماس على غزة، اعتمدت السلطة الفلسطينية العديد من الإجراءات الأمنية لكبح وجود حماس السياسي والعسكري في الضفة الغربية. فقد عمدت السلطة الفلسطينية إلى حظر معظم الأنشطة الاجتماعية والسياسية والعسكرية للحركة في مناطقها. وهكذا دفع غياب حماس على المستوى التنظيمي، بأعضائها في الضفة الغربية إلى البحث عن ناشطين دينيين يفكّرون بالطريقة نفسها من خلال قنوات أخرى بغية الاستمرار في تنظيم أنفسهم على المستوى العسكري. بعد حادثة يطا، أوقفت السلطة الفلسطينية عشرين سلفياً بتهمة الضلوع في نشاط جهادي؛ وكان معظمهم أعضاء سابقين في حركة حماس.

على الرغم من أن السلطة الفلسطينية نجحت نسبياً في تفكيك البنية التحتية العسكرية لحركة حماس في الضفة الغربية، إلا أنها أخفقت في تقديم نموذج مقنع في الحكم أو بديل سياسي. فقد تدهورت الظروف الاجتماعية والاقتصادية في الأعوام الماضية، ماشكّل عاملاً إضافياً ساهم في توليد بيئة حاضنة للتطرّف. فضلاً عن ذلك، فإن مفاوضات السلام التي روّجت لها حركة فتح بأنها الخيار الاستراتيجي المناسب، فشلت في تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية لدى الرأي العام الفلسطيني. صحيح أن الأكثرية لاتزال تدعم المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، إلا أن استطلاعاً أجري في كانون الأول/ديسمبر الماضي يُظهر أن 69 في المئة من الفلسطينيين متشائمون بشأن آفاق المفاوضات. كما أن العمليات الأمنية التي تشنّها إسرائيل في الضفة الغربية من دون رادع، وحملات الاعتقال، ومصادرتها للأراضي، ومشاريع "التهويد" التي تنفّذها في القدس، تشكّل عاملاً إضافياً يتسبّب بصعود الميول الجهادية في الضفة الغربية.

يصعب تحديد النطاق الذي يمكن أن تبلغه الأشكال الجديدة من المعارضة العنفية للسلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، والتي ترتسم حول خطوط سلفية-جهادية جديدة. لقد واجهت السلطة الفلسطينية إخفاقات في الحكم في السابق، إلا أن أجهزتها الأمنية، فضلاً عن الاحتلال الإسرائيلي، حالا دون أن تتكرّر في الضفة الغربية حالة الهشاشة والفوضى التي تشهدها أماكن مثل سورية وسيناء. لكن عدم وجود قنوات حيوية للمعارضة الديمقراطية تفسح في المجال أمام ظهور معارضة غير عنفية في الضفة الغربية، يؤجّج حالياً الإحباطات لدى السكّان ويدفع بعض الأفراد والمجموعات المحلية إلى التحوّل نحو التطرف.

ليهي بن شطريت أستاذة مشاركة في كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة جورجيا في أثينا. محمود الجرابعة باحث في مركز إرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا، يتّخذ من ألمانيا مقراً له. هو مؤلف "حماس: مسيرة متردّدة نحو السلام" (رام الله: المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 2010). بن شطريت والجرابعة يساهمان بانتظام في صدى.


1. أجرى المقابلات محمود الجرابعة. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.