المصدر: Getty
مقال

تحديات تجنيد العشائر السُنيَّة في العراق

إذا لم يتمكّن الأفرقاء العراقيون من الاتفاق على رؤية متقاربة لإنشاء قوات الحرس الوطني، سوف تبقى الخيارات محدودة بالنسبة إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة الدولة الإسلامية.

نشرت في ١٧ مارس ٢٠١٥

تضغط الولايات المتحدة باتجاه إقرار إنشاء قوات الحرس الوطني في جميع محافظات العراق لإشراك العشائر السنّية في الجهود الدولية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. الهدف هو جذب أبناء العشائر السُنيَّة في غرب وشمال غرب العراق، أو حمل السُنّة على القبول بالعمل تحت قيادة قوات الحرس الوطني التي يراد لها أن تكون الإطار الجامع لقوات الحشد الشعبي الشيعية - التي تضم مقاتلي الميليشيات المعروفة مثل ميليشيات بدر وعصائب أهل الحق وغيرها ومتطوعين جدد في ضوء فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنها المرجع الشيعي علي السيستاني في حزيران/ يونيو 2014 - بالإضافة إلى مقاتلي العشائر السُنيَّة من العشائر التي مازالت تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.

لقد ارتكبت قوات الحشد الشعبي انتهاكات جسيمة بحق السنّة في المناطق التي استعادت السيطرة عليها، ماأدّى إلى نتائج عكسية أكسبت الدولة الإسلامية المزيد من القبول بها كبديل عن القوات الحكومية وقوات الحشد الشعبي. لهذه الأسباب، وعلى الرغم من الضرر الذي نجم عن سيطرة الدولة الإسلامية على عدد كبير من المناطق القبلية السنّية، تواجه الحكومتان العراقية والأميركية معاً تحدّيات كبيرة لتجنيد أبناء العشائر السنّية في قوات الحرس الوطني. 

هناك تعاون أمني ومعلوماتي ملحوظ من أهالي تلك المدن مع الدولة الإسلامية، ولايزال الآلاف من أبناء هذه المناطق ينضمون إلى التنظيم، مايحدّ من القدرة على تجنيدهم في قوات الحرس الوطني. والسبب الأساسي هو نجاح الدولة الإسلامية في هزم القوات الأمنية والسيطرة على المدن، لاسيما من خلال جذب مقاتلي فصائل المقاومة السابقة وأبناء العشائر للانضمام إلى صفوفها. وقد كان لأساليب الردع القاسية التي تتبعها الدولة الإسلامية ضد من يقاتلها، كما حدث في مذبحة عشيرة البو نمر في هيت في الأنبار التي قُتِل فيها الآلاف في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تأثير كبير على العشائر السنية الأخرى التي باتت تُظهر تردداً أكبر في الانضمام إلى القتال ضد الدولة الإسلامية فيما تبدي عشائر أخرى مثل عشيرتي الجبور في صلاح الدين والعبيد في كركوك، استعداداً لمعارضة التنظيم، وقتاله. 

فضلاً عن ذلك، فإن دعم الولايات المتحدة لمقاتلي الصحوات السابقة لم يعمِّر طويلاً بعد انسحابها من العراق، الأمر الذي خلّف آثاراً عميقة لدى العشائر السنّية. فقد فشل رئيس الوزراء العراقي السابق المالكي في إدماج هؤلاء المقاتلين في الجيش والأجهزة الأمنية، وأوقف صرف رواتبهم، واعتقل بعض كبار قادتهم، وهو مايثير الخشية من تكرار الوضع نفسه مع حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد انتهاء مهمتهم. ومعلوم أن الدولة الإسلامية تمكّنت من تصفية كبار قادة مجالس الصحوات بعد تخلي الحكومة عن دفع رواتبهم ورواتب حماياتهم فيما غادر آخرون مدنهم إلى مدن أخرى أكثر أمناً، أو إلى خارج العراق. كما أنّ خلط الحكومة بين مقاتلي الدولة الإسلامية والسكان المحليين، واتباعها سياسات تعسّفية من خلال سياسة العقاب الجماعي بعمليات القصف الجوي والبري العشوائي، يزيدان من صعوبة استقطاب المقاتلين في العشائر السنية.

في مواجهة هذه التحديات، أبدت الولايات المتحدة استعدادها لإرسال مستشارين أميركيين إلى الأنبار يقومون بمهمة تقديم الاستشارات وتدريب القوات العراقية والبيشمركة الكردية ومسلحي العشائر السُنيَّة، وهو الاستعداد المشروط بدعم الحكومة المركزية عملية تسليح العشائر السُنيَّة، حيث إن الولايات المتحدة تدرك أنه من شأن شنّ مزيد من الضربات الجوية أن يؤدّي فقط إلى إضعاف الدولة الإسلامية ووضع حد لتقدّمها، وليس هزيمتها، أو القضاء عليها نهائياً. وتسعى واشنطن في شكل خاص إلى الاعتماد على القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية لتدريب أكثر من عشرة ألوية تضم مابين 20 ألف و30 ألف مقاتل وتتولى مهمة استعادة الموصل في المرحلة الأولى. وتتواصل الولايات المتحدة أيضاً مع الأشخاص القادرين على هزيمة الدولة الإسلامية المتمثلين بقادة المجتمع السُنّي من العشائر إذا وفرت لهم ما يكفي من الدعم والتسليح. يمكن أن تترتب عواقب وخيمة عن عدم مساعدة هذه العشائر، خاصة أن القوات الأمنية العراقية غير مرحب بها من السكان المحليين في الأنبار وباقي المحافظات السُنيَّة بسبب سيطرة قادة الميليشيات الشيعية على قرارها، وأعمال العنفالتي سبق أن ارتكبتها في المدن السنية بعد استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

حتى إذا وافقت الولايات المتحدة على تسليح العشائر السُنيَّة، إما عن طريق الحكومة المركزية وإما بالتنسيق مع دول عربية تربطها علاقات متينة بقيادات العشائر السُنيَّة، تبقى مسائل أخرى عالقة مثل غياب التمثيل الموحد للعشائر السنية الذي كان من شأنه تسهيل عملية التعامل معهم. تعي الولايات المتحدة عمق الشرخ في المجتمع السُنّي المنقسم بين مؤيد للدولة الإسلامية، ومحايد، ومقاتل لها، وستظل مترددة في اتخاذ خطوات سريعة باتجاه تسليح العشائر السُنيَّة.

لكن إذا تمكّنت الولايات المتحدة من التعاون مع العشائر السنّية والتنسيق معها، من شأن ذلك أن يوفر لها عدداً من المزايا التي تندرج في زيادة مصادر المعلومات الميدانية المطلوبة في العمليات القتالية، لاسيما على ضوء العزوف الأميركي الواضح عن تواجد بري مكثف، إضافة إلى قطع الطريق أمام جهود الدولة الإسلامية لتجنيد المزيد من أبناء العشائر حيث تسعى لتعويض خسائرها جراء ضربات التحالف الدولي.

تتّخذ الحكومة العراقية من جهتها، برئاسة حيدر العبادي، خطوات مهمة إنما بطيئة، من أجل الوفاء بالالتزام الذي قطعه العبادي من خلال وثيقة الاتفاق السياسي التي أُبرِمت مع القوى السُنيَّة أثناء تشكيل الحكومة. لقد أقر مجلس الوزراء في أوائل آذار/ مارس الجاري مشروع إنشاء قوات الحرس الوطني، وتمت قراءته مرة أولى في البرلمان بهدف معالجة الخلافات الأولية. وسوف تكون هناك حاجة لقراءات لاحقة بهدف تضييق فجوة الخلافات. وفقاً لمطالبة كتلة تحالف القوى العراقية "السُنيَّة" سوف تحشد قوات الحرس الوطني أكبر عدد من أبناء المحافظات السُنيَّة وتجذبهم بعيداً عن الدولة الإسلامية من خلال استيعاب الضباط في الجيش العراقي السابق

لكن العملية الهشة تواجه أيضاً معارضة من قوى سياسية شيعية متنفذة ترى أن "هذا المشروع جاء بالضد من الحشد الشعبي". كما يواجه إقرار المشروع خلافاً حاداً بين القوى السياسية السُنيَّة والشيعية يتعلق بقرار وقيادة تلك القوات، وذلك بين اتجاهَين، أحدهما شيعي يرى أن تكون القيادة بيد رئيس الوزراء حيدر العبادي والآخر سُنّي يريد أن تكون القيادة خاضعة لسلطة مجالس المحافظات. لكن إذا رجحت الكفة العسكرية لصالح الدولة الإسلامية، فإنّ ازدياد الحاجة إلى زج ما أمكن من قدرات المناطق السُنيَّة في مواجهتها قد يقتضي تقديم تنازلات في هذا الإطار ربما تشمل، من جملة أمور أخرى، منع قوات الحشد الشعبي من المشاركة في عمليات استعادة المدن، أو من دخول المناطق السُنيَّة.

تعتبر الحكومة المركزية أنّ إنشاء قوات الحرس الوطني أساسي لمحاربة الدولة الإسلامية. وهكذا، في حال عدم اتفاق الفرقاء العراقيين على رؤية متقاربة والفشل في إقرار مشروع الحرس الوطني، ستواجه هذه الجهود عائقاً كبيراً. في مثل هذا السناريو، ستجد الولايات المتحدة نفسها أمام خيار تسليح العشائر السنيَّة عبر دول عربية مجاورة، أو الاعتماد على القوات النظامية الأقل تمثيلاً للأفرقاء العراقيين والبيشمركة الكردية. لكن في غياب المساهمة الفعلية من العشائر السنّية، ستكون هذه القوات أقل جهوزية بكثير لمحاربة الدولة الإسلامية.

رائد الحامد باحث عراقي في الشؤون الاستراتيجية. يساهم بانتظام في صدى.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.