المصدر: Getty
مقال

هل يمكن استعادة الموصل؟

أي جهد لإستعادة الموصل من الدولة الإسلامية سيواجه عقبات عسكرية وسياسية قد يكون من الصعب التغلب عليها.

نشرت في ٨ أكتوبر ٢٠١٥

قبل نهاية العام 2014، خطّط المسؤولون في الحكومة العراقية وحلفاؤهم الأمريكيون لعملية واسعة من أجل استعادة السيطرة على مدينة الموصل من الدولة الإسلامية. لكن بدلاً من ذلك، اتجهت الأنظار صوبَ مدينة تكريت التي استعادتها القوات العراقية في أواخر آذار/مارس 2015؛ في أعقاب هذا بدأ الحديث عن شن هجوم واسع مقدر له أنْ يضم نحو 25 ألف عنصر من الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية لاستعادة الموصل في نيسان/ أبريل أو مايو/ ايار 2015. إلاَّ أنّ الأنظار توجهت بعيدا عن الموصل بعد سيطرة تنظيم الدولة على مركز مدينة الرمادي في 17 مايو/ ايار. وقد أُرغمت الحكومة العراقية على نشر المزيد من القوات في محافظة الأنبار، إذ اعتبرت أن السيطرة على هذه المحافظة أهم للحفاظ على أمن العاصمة بغداد والمدينة الشيعية المقدسة كربلاء المجاورتَين للأنبار. لكن مع استقرار خطوط التماس بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الأمنية حول مدينة الرمادي، عاد الحديث مجدداً عن عملية استعادة الموصل.

في أوائل خريف العام 2014، باشر مسؤولون حكوميون بإنشاء معسكر "قوة تحرير الموصل"، وتمكنوا من استيعاب حوالي 4500 متطوع، معظمهم من عناصر الشرطة السابقين الذين فقدوا وظائفهم وفرّوا خارج المدينة. وبحلول مطلع العام 2015، بلغ عدد المسجّلين 10 آلاف متدرب فقط؛ وهو رقم متدنٍّ قياساً إلى أعداد المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية البالغ عددهم نحو 52 ألفاً في الموصل قبل سقوطها. حظيت "قوة تحرير الموصل" بوعود بالدعم والتسليح والتدريب من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان والجيش الأمريكي. وقد جرى تشكيل لجنة مشتركة من الأفرقاء الثلاثة، وعقدت أول اجتماعٍ لها في 9 كانون الأول/ديسمبر 2014 في مدينة أربيل للاتفاق على خطة استعادة الموصل، مع تقديم الولايات المتحدة الدعم الجوي. وقدّر في حينه مسؤولون عراقيون معنيون أنهم بحاجة إلى أشهر قليلة لاستعادة المدينة. 

ولكن لم تشكل هذه اللجنة أي خطط ملموسة للقوة، وليس من الواضح ان تم تطوير خطط منذ ذلك الوقت. فيما دعا المتحدث باسم الحشد الوطني محمود السورجي لفتح باب التطوع في نينوى لتشكيل فرقتين عسكريتين جديدتين استعداداً لعملية تحرير الموصل. سيتم تشكيل الفرقتين من أبناء المحافظة من النازحين وأبناء المناطق المحررة من الدولة الإسلامية لتدريبهم في معسكرات جنوب مدينة أربيل.

ولكن هنالك عوائق عسكرية و سياسية عديدة تقف أمام أي جهد لإستعادة الموصل. العائق الأول هو مدينة بيجي التي تبعد عنها نحو 200 كيلومتر جنوباً، وتشكّل عقدة مواصلات مهمة بين مقاتلي داعش في الأنبار ومحافظة الرقة السورية، مركز الإمداد بالمقاتلين وتخزين الأسلحة والمعدات. من الصعوبة استعادة الموصل قبل السيطرة على مدينة بيجي بشكلٍ كامل لتحشيد القطاعات العسكرية في المنطقة، وقطع خطوط إمدادات الدولة الإسلامية. لكن على الرغم من صغر مساحة مدينة بيجي قياساً إلى مساحة مدينة الموصل، تحولت المدينة إلى محطة استنزاف كبيرة للجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ومقاتلي أبناء العشائر الذين يحاولون استعادتها، وذلك عى الرغم من إسناد طيران التحالف الدولي. ولا تزال معركة السيطرة على مدينة بيجي ومصفاتها النفطية غير محسومة بين طرفي القتال. أحرزت الدولة الإسلامية مؤخراً تقدماً في بعض مناطق المدينة مما أثار دعوات من قيادات في التحالف الوطني الحاكم بضرورة مراجعة الخطط المعتمدة إذ أنّ الاستنزاف الذي يشهده قاطع العمليات في المدينة قد يؤثر على الجانب المعنوي للمقاتلين.

سوف تواجه القوات الهجومية لإستعادة الموصل صعوبات جمّة في السيطرة على المدينة التي عزّز تنظيم الدولة خطوطها الدفاعية بمزيد من حقول الألغام والمباني الملغمة. يتولى الدفاع عن الموصل أعداد من مقاتلي تنظيم الدولة يصعب تحديدها نظراً إلى قدرة التنظيم على المناورة بخزينٍ احتياطي من قواته المنتشرة بعيداً عن خطوط المواجهة الأمامية من الرقّة في سوريا إلى الأنبار في العراق، وتتفاوت تقديرات هذه القوات من 1000 إلى 30000. ويُقدّر مسؤولون أكراد مجمل أعداد مقاتلي تنظيم الدولة بـ200 ألف مقاتل، وهو أكبر بنحو سبع مرات من تقديرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) التي قدّرت أن أعدادهم تصل إلى 31500 مقاتل. في السياقات العسكرية المتعارف عليها، تكونُ القوة الهجومية ثلاثة أضعاف القوة الدفاعية المُتوقَّعة. تتطلّب استعادة السيطرة على المدينة خوض حرب الشوارع التي يُجيدها تنظيم الدولة. فمن شأن القتال في الأحياء السكنية أنْ يؤدّي إلى تحييد طيران التحالف من جهة، وضمان وقوع القوات المهاجمة في مصائد الألغام من جهةٍ ثانية، فضلاً عن احتمالات انضمام بعض السكان المحليين للقتال إلى جانب الدولة الإسلامية من جهة ثالثة.

إذا تم تشكيل قوات للحرس الوطني من أبناء المحافظة، فسيكون بإمكانها تأمين المدينة، ولكن فقط إذا تم تمرير مشروع القانون المعني في البرلمان العراقي — والذي لا يزال متردّداً تشكيل هذه القوة السنّية. وفي غياب هذه القوات فإنّ سكّان الموصل، ومعظمهم من السنّة العرب، يعارضون في شكل عام تدخل القوات النظامية التي يشكّل الشيعة الغالبية العظمى لأفرادها وقياداتها، كما أنهم يرفضون قوات الحشد الشعبي كبديل عنها. يعتبر أغلب العرب السُنَّة في الموصل أنّ قوات الحشد الشعبي، في حال مشاركتها في حملة استعادة المدينة، سوف تسعى للانتقام منهم بذريعة تأييدهم تنظيم الدولة الإسلامية. سبق أن حدث ذلك في بغداد وسامراء وكركوك، بحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية. وبالتالي فإن مشاركة قوات الحشد الشعبي في عملية استعادة الموصل ستلقى رفضاً من السكان المحليين، بما يُتيح لتنظيم الدولة الإسلامية حشد المزيد من أبناء المدينة حوله للقتال إلى جانبه. وما يقال عن الحشد الشعبي، يقال أيضاً عن قوات البيشمركة التي تعوّل عليها الولايات المتحدة كقوة أولى في استعادة الموصل، وهو أمرٌ لايحظى بترحيب السكان المحليين. 

وعلاوة على ذلك، تم اتهام قوات البيشمركة بانتهاكات مزعومة ضد العرب السنة في القرى العربية خلال عمليات لإستعادة السيطرة على مناطق مختلفة. وتشمل هذه الإتهامات محاولات لفرض مبدأ اعتبار أن الأرض تصبح حيازة من يحررها. تزايد الطموحات القومية الكردية بضم المزيد من الأراضي العربية سيزيد من حدة صراعات أخرى على الأراضي والموارد، وهي جزء من الصراع المستمر منذ عقود بين العرب والأكراد.

هذه القضايات تجعل وضع قوات هجومية لعملية استعادة الموصل عملية معقدة من جانب عسكري. ولكن استعادة المدينة ستتطلب حلولاً سياسية أوسع نطاقاً، منها وضع حدّ لتهميش دور الحكومة من قبل قيادات الحشد الشعبي، من أجل إتاحة الفرصة أمام رئيس الوزراء حيدر العبادي للمضي قُدماً بالإصلاحات السياسية التي وعد بها العرب السُنّة لإعادة بناء الثقة المتبادلة، والدفع باتجاه تحفيزهم للانخراط في قتال تنظيم الدولة الإسلامية. 

وعندما تصل القوات العراقية إلى الموصل، ستواجه تحدّيات كبرى في بناء شبكات محلية من سكّان المدينة لمعارضة تنظيم الدولة الإسلامية. ففي محافظتَي الأنبار وديالى، تمكّن التحالف المناهض لتنظيم داعش من الاعتماد على مجالس الصحوات العشائرية التي شكّلتها الولايات المتحدة في العام 2006 لطرد تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، أو دولة العراق الإسلامية لاحقاً، من المدن؛ إلاَّ أنّ محافظة نينوى حيث تقع مدينة الموصل، ظلت خالية من الصحوات الفاعلة، وليست هناك قوة عشائرية من أبناء المحافظة لقتال تنظيم الدولة. 

المعطيات المتاحة تشير إلى غياب قوّة فاعلة على الأرض مؤهّلة للإمساك بمدينة الموصل بعد استعادتها، وضمان عدم سقوطها مرةً ثانية بيد تنظيم الدولة. من الضروري وجود قوة محلية فاعلة لاستيعاب الشباب الساخط على الحكومة، ومن شأنها أن تمنع التفجيرات بالسيارات المفخخة، والاغتيالات، والجريمة المُظّمة التي كانت تتفشّى في الموصل قبل سيطرة الدولة الإسلامية عليها العام الماضي. وقد ساهمت هذه الممارسات في الترحيب الكبير الذي يُقال إن بعض سكان الموصل استقبلوا به تنظيم الدولة الإسلامية، وفي تجديد بيعة عشائر المدينة للتنظيم في أعقاب خسارته مدينة تكريت. 

لهذه الأسباب تضيق الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة وحلفائها من أجل استعادة السيطرة على الموصل والاحتفاظ بها. بإمكانهم الضغط على البرلمان العراقي باتجاه المضي قُدماً بتشكيل قوات الحرس الوطني، أو تجاوُز معارضة الحكومة لتسليح العشائر السُنيَّة، بما قد يمكّنهم من مواجهة تنامي قدرات تنظيم الدولة الإسلامية في التجنيد والتسليح. وقد يكون دخول بري كبير أمريكي أو متعدد الجنسيات، البديل الوحيد.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.