المزاعم عن التأثير الإيراني على الحوثيين مضخّمة. صحيح أنهم يحصلون على بعض الدعم من إيران، لكنه سياسي في شكل خاص، مع اقتصار المساعدات المالية والعسكرية على حدّها الأدنى. لكن منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، يُصوَّرون بصورة متزايدة بأنهم "مدعومون من إيران" أو "شيعة"، في توصيف غالباً ما يؤشّر إلى علاقة مذهبية مع الجمهورية الإسلامية. إلا أنه قبل انتفاضات 2011، لم يكن مصطلح "شيعي" يُستخدَم في أوساط الرأي العام اليمني للإشارة إلى أي مجموعات يمنية أو أفراد يمنيين. لا يتبع الحوثيون المذهب الشيعي الاثنَي عشري الذي ينتمي إليه السواد الأعظم من الإيرانيين، بل هم من أتباع الزيدية التي هي أقرب إلى الإسلام السنّي في الممارسة، ولم يعربوا عن أي تضامن مع المذاهب الشيعية الأخرى.
على الرغم من أن إيران ترى في التعاون مع فاعلين غير دولتيين جزءاً لا يتجزأ من سياستها الخارجية لحماية تأثيرها في المنطقة وتوسيعه، إلا أن دعمها للحوثيين هامشي. فقد اقتصر الدعم العسكري الذي تقدّمه للحوثيين، أقلّه منذ العام 2011، على التدريب ويتم تمريره في شكل أساسي عن طريق حزب الله اللبناني. لقد تولّى مئات المستشارين اللبنانيين والإيرانيين تدريب المقاتلين الحوثيين في اليمن، كما ذكرت مصادر في حزب الله. إلا أنه ليس واضحاً إذا كان هذا التدريب يُترجَم قوة عسكرية على الأرض وكيف يحدث ذلك. لقد أقرّ قيادي في حزب الله أن الحوثيين هم في الأصل متمرّسون في القتال بفعل الحرب التي خاضوها مع الحكومة المركزية لمدّة ستة أعوام بين 2004 و2010 في الأراضي الجبلية شمال اليمن.
على ضوء التاريخ الإيراني في نقل الأسلحة إلى منطقة القرن الأفريقي، تحدّثت التقارير عن تدفق الأسلحة لفترة معيّنة من إيران باتجاه اليمن والصومال، لكن ليس واضحاً إذا كانت موجّهة تحديداً إلى الحوثيين. وكانت هناك صعوبة أيضاً في التحقق من المزاعم الأخرى عن عمليات محددة لنقل الأسلحة إلى الحوثيين. واقع الحال هو أن الحصار البحري شبه الكامل الذي تفرضه السعودية على البلاد منذ بداية التدخل العسكري في آذار/مارس 2015 جعل تهريب السلاح إلى اليمن أمراً بالغ الصعوبة. وقد نفت سلطنة عمان التقارير التي تتحدث عن قيام إيران بتهريب أسلحة عبر أراضيها إلى الحوثيين، وتبدو هذه التقارير غير منطقية نظراً إلى المسافة الطويلة التي يجب أن تقطعها هذه الأسلحة براً عبر أراضٍ لا تخضع لسيطرة الحوثيين.
الدعم الأكثر فعالية الذي حصل عليه الحوثيون هو في المجال الإعلامي. تبثّ قناة المسيرة التلفزيونية التابعة للحوثيين انطلاقاً من بيروت بمساعدة من حزب الله. الخطاب الذي بثّته القناة لمجموعات مقموعة تقاوم حكومة غير شرعية، لا سيما في الأشهر التي سبقت تقدّم الحوثيين باتجاه صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، يشبه إلى درجة كبيرة ولافتة سرديات حزب الله. كما أن عوامل التشابه بين سيطرة حزب الله على ضاحية بيروت الغربية في العام 2008 واستيلاء الحوثيين على السلطة في العام 2014 تؤشّر إلى وجود تبادل بين الطرفَين على مستوى الاستراتيجية العسكرية.
أياً يكن حجم الدعم الذي حصل عليه الحوثيون من إيران، من الواضح أنه لم يؤدِّ دوراً حاسماً في استيلائهم على العاصمة اليمنية في أيلول/سبتمبر 2014. كذلك زعمت مصادر ديبلوماسية أميركية، مدعومة من محللين إيرانيين يتمتعون بالمصداقية، أن الإيرانيين حاولوا ثني الحوثيين عن السيطرة على صنعاء؛ غير أن الحوثيين قرروا عدم الأخذ بهذه النصيحة. وقد تحرّكوا باتجاه صنعاء بدفع من عوامل داخلية. كانت الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي تواجه أزمة شرعية حادّة. فهي لم تؤسّس لعملية سياسية شاملة بكل ما للكلمة من معنى، كما أنها لم تحسّن الظروف المعيشية لليمنيين. على سبيل المثال، بعدما أعلنت الحكومة في تموز/يوليو 2014 أنه سيتم إلغاء الدعم الحكومي للوقود، وأن أسعار النفط ستزيد بنسبة 90 في المئة، اشتدّت مشاعر الإحباط. وقد اعتبر اليمنيون أن الفساد داخل الحكومة بلغ مستويات غير مسبوقة. وتسبّب الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي في العاصمة، والبطالة المتواصلة، والتدهور الاقتصادي، في تأجيج مشاعر الغضب. وقد استغلّ الحوثيون هذا الإحباط للتعبئة ضد الحكومة. وبما أنه كان يُنظَر إليهم بأنهم الفريق السياسي الوحيد غير المتورّط في الفساد، كانوا قد حشدوا في الأشهر السابقة الدعم في صفوف الجمهور الأوسع، لا سيما في العاصمة. وكذلك اعتُبِر تمكين الحوثيين بأنه وسيلة قد تتيح لليمن تحقيق درجة أكبر من الإشراك السياسي لمختلف الأطياف.
من العوامل المهمة الأخرى التي أتاحت للحوثيين ممارسة التعبئة القرار الذي اتخذته السعودية في آذار/مارس 2014 بإعلان الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً في أعقاب الانقلاب ضد محمد مرسي في مصر في العام 2013. فخسر حزب الإصلاح اليمني – جزء كبير منه يتألف من أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين اليمنية – داعِمه الأساسي. كان الإصلاح قد أصبح الخصم الأقوى للحوثيين، والمتراس الوحيد بينهم وبين العاصمة. لكن بسبب التحول في السياسة السعودية، حُرِم الإصلاح من مصدر مهم للسيولة التي كان يستخدمها لشراء ولاء المقاتلين القبليين. وقد تسبّب ذلك، فضلاً عن تورّط قيادة الإصلاح في الحكومة الانتقالية الفاسدة، بخسارة الحزب قاعدته الداعمة المسلّحة في المنطقة القبلية الواقعة بين العاصمة وموطن الحوثيين في صعدة.
قدّم الرئيس السابق علي عبدالله صالح دعماً غير مباشر لسيطرة الحوثيين على العاصمة عبر الطلب من أنصاره في الجيش والقبائل الامتناع عن المقاومة. على الرغم من أن صالح عُزِل من منصبه في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، إلا أنه استخدم نفوذه لتعطيل العملية السياسية بهدف استعادة السلطة. وقد دفع هذا التحالف بالتوسع الحوثي والمحاولات التي يبذلها الحوثيون للسيطرة على الحكم، إلى الذهاب أبعد بكثير مما كان بإمكان إيران تحقيقه في هذا المجال. وقد حافظ الجنود – الذين حصلوا على دعم عسكري كبير من الولايات المتحدة في ما مضى – على ولائهم للرئيس السابق، ويحاربون الآن جنباً إلى جنب مع الحوثيين. لقد أتاح هذا التحالف للحوثيين الوصول إلى مخزونات الأسلحة المملوكة من الجيش، بما في ذلك الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة، لا بل أكثر من ذلك، هؤلاء الجنود المدرّبون جيداً هم من تولّوا تنفيذ الهجمات ضد السفن الإماراتية والأميركية في تشرين الأول/أكتوبر 2016.
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، انتهزت إيران الفرصة لتوسيع علاقاتها معهم. ومع قيام الدول الغربية بعزل الحوثيين أكثر فأكثر، رحّب هؤلاء بالعروض التي قدّمتها لهم إيران للتعاون في مشاريع للبنى التحتية تشكّل حاجة ماسّة، مثل إعادة إطلاق رحلات منتظمة بين طهران وصنعاء، وإرسال مساعدات إنسانية إلى اليمن – غير أن هاتَين المبادرتين لم تجدا طريقهما إلى التنفيذ بسبب التدخل العسكري. غير أن إيران تريد بلا شك تحقيق مكاسب سياسية من علاقتها مع الحوثيين، كما يتّضح من التصريحات الجريئة الصادرة عن طهران. فبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، صرّح النائب في مجلس الشورى الإيراني علي رضا زاكاني أنه بعد بيروت وبغداد ودمشق، أصبحت صنعاء المدينة العربية الرابعة التي تنضم إلى الثورة الإسلامية. في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، لمّح رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية إلى أن بلاده قد تسعى إلى إنشاء قاعدة بحرية في اليمن. تكون مثل هذه التصريحات مضخّمة بصورة عامة، وتكشف عن نظرة إيران إلى نفسها أكثر مما تكشف عن الوقائع الميدانية.
النزاع في اليمن هو قبل كل شيء نزاع بين تحالف صالح-الحوثيين من جهة وحكومة هادي المدعومة من السعودية من جهة ثانية. في حين أن الاستثمار المالي الإيراني في الحوثيين يبقى محدوداً، تغرق السعودية، الخصم الإقليمي لإيران، في حرب يتعذّر عليها الفوز فيها، وتتكبّد خسائر مالية فادحة. يكفي أن تشير إيران إلى الأزمة الإنسانية التي تسبّبت بها الحرب في اليمن وتصرّ على التوصل إلى حل ديبلوماسي كي تجني أرباحاً سياسية من النزاع.
الحرب المستمرة التي يشنّها التحالف السعودي على صنعاء، والإخفاقات المتكررة لمفاوضات السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ومشاركة الدول الغربية في قصف البلاد، كلها عوامل تزيد من عزلة تحالف الحوثيين-صالح عن الغرب. في حين أن صنعاء لم تكن في مطلع العام 2015 جزءاً من محور إيراني إقليمي، عمدَ أنصار صالح والحوثيين بصورة مطردة إلى وصف أنفسهم بأنهم داعمون لحليفَي إيران، بشار الأسد وأمين عام حزب الله، حسن نصرالله – حتى إن صالح عرض التعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب. بما أن الدعم من الغرب مستبعَد جداً، يتطلع تحالف الحوثيين-صالح أيضاً إلى إيران للحصول على المساعدة التي تمنحها لأفرقاء آخرين – تحديداً حزب الله ونظام الأسد. لكن في الوقت الراهن، ليس اليمن أولوية في أجندة السياسة الخارجية الإيرانية، وما يؤمّنه الإيرانيون لم يسمح لهم بشراء الولاء غير المشروط من الحوثيين. لكن فيما تزيد الولايات المتحدة تدخلها في اليمن، ويرفع البيت الأبيض من حدّة خطابه ضد إيران، قد يتحوّل اليمن إلى ساحة معركة للتشنّج المتصاعد بين واشنطن وطهران، ويُحشَر الحوثيون في الزاوية الإيرانية.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
مارايكه ترانسفلد زميلة دكتوراه في كلية برلين العليا لدراسة الثقافات والمجتمعات المسلمة في جامعة Freie Universität Berlin في ألمانيا. لمتابعتها عبر تويتر: projectyemen@
* تصحيح: ذكرت النسخة السابقة خاطئاً أن حزب الله سيطرت على ضاحية بيروت الجنوبية في العام 2006