في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، وصلت المعدات العسكرية التي يتم إنتاجها في الإمارات العربية المتحدة إلى أماكن بعيدة جداً كروسيا، وأخرى قريبة جداً كالكويت، مع توقيع عقود في معرض ومؤتمر الدفاع الدولي في أبوظبي في شباط/فبراير الماضي لتسليم أسلحة إماراتية في المستقبل إلى مصر والقوات المسلحة الإماراتية. من الواضح أن المحاولات التي تبذلها الإمارات لتعزيز قاعدتها الصناعية الدفاعية بدأت تتبلور، بدفع من التطلعات الاستراتيحية والاقتصادية والرمزية على السواء. على النقيض من الدول العربية التي تسعى أيضاً إلى تطوير صناعاتها الدفاعية، مثل السعودية، أظهرت الإمارات أيضاً وضوحاً أكبر بشأن تطلّعها إلى أن تصبح مصدِّرة صافية للسلاح.
تسعى دول عدة إلى تطوير صناعتها الدفاعية لأنها تعتبرها حلاً أمثل لاستحداث وظائف تتطلب مهارات عالية ودعم القوات المسلحة في الوقت نفسه – مع اكتساب هيبة نظراً إلى الطبيعة الفائقة الصعوبة التي يتّسم بها بناء قاعدة صناعية دفاعية وتأمين استمراريتها. الأهم من ذلك، يُنظَر إلى صناعات التسلّح بأنها أدوات لتحقيق اكتفاء ذاتي أكبر في المدى الطويل بدلاً من الاعتماد على مصدّري الأسلحة مثل الولايات المتحدة للحصول على المعدات العسكرية.
لقد أظهرت الإمارات، تزامناً مع اكتسابها جرأة أكبر في حضورها العسكري وتطلعاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مؤشرات أولية عن استخدام صناعتها الدفاعلية لتحقيق غايات استراتيجية. ففي حين تشي النزعات السابقة في مجال استيراد الأسلحة بميل الإمارات إلى الانجذاب إلى "بريق" الأسلحة الباهظة الثمن، يبدو أن صناعة التسلّح الإماراتية تركّز على تطوير حلول "جيدة بما فيه الكفاية" يمكن أن تتقن القوات المسلحة الإماراتية استخدامها، وقد تمارس جاذبية أكبر في الأسواق الخارجية. في كانون الأول/ديسمبر 2014، جرى الإعلان عن مبادرة كبرى لإعادة الهيكلة عبر إنشاء شركة الإمارات للصناعات العسكرية (إديك)، وكان ذلك مؤشراً عن أن الإمارات بدأت تتعامل بجدّية مع قاعدتها العسكرية الدفاعية، فضلاً عن الإصلاحات التي باشرت تنفيذها في الحوكمة اعتباراً من العام 2010. ساهم إنشاء شركة الإمارات للصناعات العسكرية في مساعدة هذه القاعدة الصناعية على تنويع الاقتصاد، والأهم من ذلك، تنظيم الصناعة العسكرية الوطنية في شكل أفضل من أجل خدمة القوات المسلحة في الإمارات وبلدان أخرى في المنطقة.
في حين أن الأسلحة تحمل بصورة متزايدة علامة "صُنِع في الإمارات"، لا يعني ذلك أن الإمارات تعمد بالضرورة إلى توسيع إنتاجها. أولاً، تواجه جهود توطين التصنيع عائقاً بنيوياً كبيراً: عدد السكان الأصليين في الإمارات ضئيل. فالصناعة الدفاعية الإماراتية، ونظراً إلى الحجم الصغير لقوتها العاملة المثقّفة وتدنّي الاستثمارات في الأبحاث والتنمية، لا تزال تعوّل على المهندسين الأجانب عند حاجتها إلى عمّال ذوي مهارات عالية، ما يعني أن التطورات الصناعية المستدامة ليست مضمونة.
ثانياً، بدلاً من تصميم أسلحة من الصفر أو تحسين المخططات القائمة، تميل الشركات الإماراتية إلى الاستحواذ على مخططات الأسلحة أو منصات الأسلحة الموجودة – مثل المقاتلات والمركبات البرية والسفن وبعض نظم الأسلحة النارية – وتقديمها بأسماء جديدة على أنها "صناعة محلية". على سبيل المثال، استمدّت شركة توازن داينامكس ذخائر "الطارق" الدقيقة التوجيه التي تقوم بتصنيعها، من اتفاق شراكة أبرمته في العام 2012 مع شركة "دينيل" في جنوب أفريقيا، التي تصنع ذخائر "أومباني" الدقيقة التوجيه، وقد جرى تصنيع الآليتين الجنوب أفريقيتين، المركبة المدرّعة "آر جي-31" والمركبة المضادة للألغام "آر جي-35"، تحت اسمَين جديدين "عقرب" و"إن35" على التوالي. فضلاً عن ذلك، حتى لو كان بالإمكان اعتبار الهيكل محلي الصنع، غالباً ما تكون القطع والأجزاء مستورَدة من الخارج.
ثالثاً، تعمل الإمارات على تعزيز قدراتها الدفاعية عبر الاستثمار في قطاعات استراتيجية. لقد استثمرت شركة "بريفينفست"، أحد مالكي مجموعة "أبوظبي مار" الإماراتية لتصنيع السفن، في العديد من أحواض بناء السفن الأوروبية، منها "سي إم إن" الفرنسية، الجهة المصمِّمة لطرّادات "بينونة" التي يستخدمها سلاح البحرية الإماراتي. استثمرت الإمارات أيضاً في النظم غير المأهولة في الجو والبحر، مع شراء حصص في الشركة الإيطالية "بياجيو ايروسبايس" التي من المرتقب أن تسلّم مركبات جوية غير مأهولة إلى الإمارات خلال العام الجاري، وكذلك في شركة "بومرانغر" الفنلندية لتصنيع مراكب السطح غير المأهولة. لا تضمن هذه الاستثمارات بالضرورة تطور المهارات الصناعية الإماراتية، لكنها تساهم في تعزيز القدرات العسكرية الإماراتية القابلة للتسويق.
تسلّط هذه الأسباب الثلاثة الضوء على كيفية استخدام الإمارات لرؤوس أموالها من أجل تعزيز مكانتها كموئل لصناعة عسكرية محلية. فلو كان الهدف الأوحد التقليل من الاعتماد على جهة واحدة تصدّر تقليدياً السلاح إلى الإمارات، لكان من الأرخص والأسهل الاكتفاء بتنويع مصادر الأسلحة. غير أن التكاليف الباهظة التي تترتب عن إنشاء صناعة عسكرية تبقى مشاغل ثانوية بالمقارنة مع الطموحات القومية-التقنية والاستراتيجية. تملك الإمارات احتياطياتٍ من العملات الأجنبية أكبر من تلك المتوافرة لمعظم الدول الأوروبية، وتضم ثامن أكبر احتياطي نفطي في العالم، وهي تتمتع بالتالي برأس المال كما تتحلى بالإرادة السياسية لتمويل صناعة التسلّح. حتى مع التراجع في أسعار النفط والغاز، تحافظ الإمارات على مجموعات استثمارية كبرى مملوكة من الدولة ومتعطّشة للاستثمار في مجالات متنوّعة.
بغض النظر عما إذا كان الإنتاج "محلياً" بكل ما للكلمة من معنى، باتت النتائج ملموسة في السياقات العسكرية. لقد شكّل التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن، حقل اختبار للمركبات البرية الإماراتية في ساحة المعركة، ومنها كما أُفيد مركبة "نمر 2 عجبان 440أ" الرباعية الدفع، والمركبة القتالية "إنيغما 8×8" الخاصة بسلاح المشاة، وناقلة الجنود المدرّعة "إن35". كذلك وافق الائتلاف الذي تقوده السعودية على دخول طرادات "بينونة" من بين المراكب البحرية القليلة التي سُمِح لها بدخول الموانئ التي فُرِض عليها حظر في اليمن.
تستخدم الإمارات أيضاً أسلحتها المنتَجة محلياً لإبداء اهتمامها بنزاعات لا تتدخّل فيها بطريقة مباشرة، ويشمل ذلك، كما أُفيد، إرسال طائرة "السبر" المسيّرة بدون طيار (التي أُنتِجت بالاشتراك مع شركة نمساوية) لدعم حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، ونقل ناقلات جنود مدرّعة وسواها من المركبات البرية المصنّعة في رأس الخيمة إلى القوات الكردية في العراق.1 يتيح ذلك للصناعة الدفاعية التباهي بامتلاك نظم "مثبَتة في المعارك" عند التقدم بالمناقصات على العقود، ويُظهر مجدداً كيف تستخدم الإمارات هذه القاعدة الصناعية لتعزيز صورتها العالمية – والوصول على الأرجح إلى مزيد من الأسواق الدولية للمعدات العسكرية، لا سيما في أوروبا الشرقية وآسيا، إنما أيضاً الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يُشار إلى أن الإمارات تستخدم الجزائر بمثابة شريك صناعي تكتسب منه الخبرة لدخول الأسواق الأفريقية وتركيا.
علاوةً على ذلك، في حال توصّل مجلس التعاون الخليجي إلى تعاون أوثق في المجال الدفاعي، تحاول الإمارات أن تحجز لنفسها مكانة تتيح لها تسلّم زمام القيادة في الخدمات الدفاعية والأمن البحري. في ما يتعلق بالخدمات، يشكّل إنشاء شركة الإمارات للصناعات العسكرية خطوة استراتيجية نحو تحوّل الإمارات المركز الإقليمي للصيانة والتصليح والترميم. فيما تسلك بلدان مجلس التعاون الخليجي منحى عسكريتارياً بصورة مطّردة، الهدف من وجود مثل هذه الشركة الموجَّهة نحو الخدمات والتي تتمتع بعلاقات وطيدة مع مصنّعي الأسلحة الغربيين – بما في ذلك مصنّعو أساطيل الطائرات، مثل مقاتلات "إف-18"، التي يشغّلها عدد كبير من دول الخليج – هو وضع الإمارات في طليعة العمل العسكري.
في إطار سعي الإمارات إلى أن تصبح جهة مصدِّرة للمعدات البحرية على وجه التحديد، تُعتبَر شركة أبوظبي لبناء السفن التي هي أحد فروع شركة مبادلة، مزوِّداً أساسياً بالمعدات الأمنية البحرية المحلية. تشغّل سلطنة عمان والكويت سفن إنزال مصنّعة في الإمارات، ويُشاع أيضاً أن السعودية تنظر في إبرام صفقة كبرى لشراء طرادات "بينونة". وقد تبيع الإمارات معدات أخرى خاصة بالدوريات والمراقبة الحدودية، مثل نظم غير مأهولة، إلى دول أخرى أعضاء في مجلس التعاون الخليجي مهتمة بحماية الملاحة وضمان حريتها في الخليج العربي.
تكشف هذه التطورات أن الإمارات تتقدّم إلى الواجهة في صورة المزوِّد الأمني في المنطقة. ليست أبوظبي مستقلة البتّة عن المصادر الخارجية للمعدات العسكرية، لكن من الواضح أنها تستخدم الصناعة الدفاعية لتعزيز حضورها في إطار مقاربة أكثر جرأة وعسكريتارية للنزاعات.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
زوي ستانلي-لوكمان مساعدة بحثية لشؤون البيانات الدفاعية في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، شاركت في إعداد ورقة شايو الصادرة عن المعهد في آذار/مارس 2017 بعنوان "الصناعات الدفاعية في الدول العربية: اللاعبون والاستراتيجيات".
1. مقابلة مع محلل مقيم في الولايات المتحدة، 3 حزيران/يونيو 2016.