بعد استراحةٍ دامت ست سنوات، أقام أفرقاء معنيون مباشرةً بالنزاع في الصحراء الغربية – المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا – محادثات جديدة في جنيف في الخامس والسادس من كانون الأول/ديسمبر الماضي. في حين أن هذه النقاشات لم تسفر، بصورة متوقّعة، عن نتائج محددة، إلا أنها انتهت بالتزام الأطراف بإجراء مزيد من المباحثات التي يمكن أن تنضج وتتحول إلى مفاوضات مباشرة. بيد أن هذا التعبير عن حسن النية لا يحمل في طياته تحولاً، ولو طفيف، في مواقف هؤلاء الأفرقاء. بدلاً من ذلك، تسعى الدبلوماسية المكّوكية التي تتم برعاية الأمم المتحدة إلى إنقاذ بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (مينورسو) من الحماسة المستجِدّة لدى واشنطن التي تحاول جعل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فاعلة لناحية التكلفة ومستندة إلى النتائج.
في نيسان/أبريل 2018، أعلنت الولايات المتحدة، بعدما نجحت في فرض تجديد تفويض بعثة المينورسو لمدّة ستة أشهر فقط بدلاً من التمديد المعهود لمدة عام واحد، أن البعثة فشلت في تحقيق غايتها السياسية وأمهلت الأفرقاء ستة أشهر للعودة إلى طاولة المفاوضات. وقد وُصِفت خطة الحكم الذاتي التي وضعها المغرب للصحراء الغربية في العام 2007، والتي حظيت لسنوات بدعم أحادي من واشنطن، بأنها "مقاربة محتملة". وكان ذلك مؤشراً عن استعداد إدارة ترامب لإبقاء خيارات غير مستكشَفة مطروحة على طاولة البحث فيما تنأى بنفسها عن تأييد إدارة أوباما المطلق "للجهود المغربية الجدّية وذات الصدقية" في إطار خطة الحكم الذاتي. وربما كان الهدف أيضاً إجراء إعادة تقييم دقيقة لأسلوب الإدارة الأميركية في التعاطي مع كل من الجزائر والمغرب عبر تقدير مساهمة الجزائر في مكافحة الإرهاب ودعم المغرب لتثبيت الاستقرار الإقليمي من خلال مجموعة دول الساحل الخمس.
لقد اعتبرت واشنطن، وفق ما كان متوقّعاً، أن الفضل في استئناف المحادثات المباشرة في جنيف يعود إلى اشتراطها تحقيق تقدم "سياسي جوهري" بغية التمديد لبعثة المينورسو، الأمر الذي ساعد مبعوث الأمم المتحدة، هورست كولر، على تحفيز زخمٍ وروح جديدَين لدى الأفرقاء. إنما من الصعب التوصل إلى هذا الاستنتاج على ضوء تجارب مبعوثي الأمم المتحدة السابقين، لا سيما السفير كريستوفر روس الذي أمضى ثماني سنوات في التوسط في الخلاف بين العامَين 2009 و2017، تخللتها أربع عشرة جولة من المشاورات الإقليمية والدبلوماسية المكوكية، فضلاً عن ثماني جولات من المحادثات غير الرسمية من 2010 إلى 2012، جرى خلالها تجديد تفويض المينورسو سنوياً حتى فيما كان روس يواصل ممارسة الضغوط على الأفرقاء.
في جلسة أسئلة وأجوبة عُقِدت في 13 كانون الأول/ديسمبر على إثر كلام أدلى به مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أمام جمهور من المحافظين، عبّر الأخير عن نفاد الصبر بسبب عدم نجاح بعثات حفظ السلام التي تنفّذها الأمم المتحدة في أفريقيا، ولا سيما بعثة المينورسو، مبدياً أسفه لعدم تنظيم استفتاء تقرير المصير الذي خططت له الأمم المتحدة قبل 27 عاماً. ودعا أيضاً إلى وضع حد للشلل السياسي في مجلس الأمن الدولي والذي يحول دون إيجاد حلول مبتكرة للتوصل إلى تسوية دائمة. على الرغم من أن كلام بولتون عن استفتاء تقرير المصير لم يكن جزءاً من مداخلته الرسمية، إلا أنه يعكس الشكوك التي تراود الإدارة الأميركية حول منافع الإبقاء على عملية مشلولة ومعطَّلة لتنظيم استفتاء حول تقرير المصير. وتطعن الإدارة الأميركية أيضاً في منطق الإبقاء على تفويض المينورسو مرتبطاً بصورة مصطنعة بتنظيم استفتاءٍ تتضاءل تدريجاً احتمالات حدوثه، كما أنها تمارس ضغوطاً متزايدة على أعضاء مجلس الأمن الدولي لإيجاد سبل جديدة بغية إنهاء المأزق المستمر.
وقد سارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى إعادة تأكيد اللغة المعهودة التي يستخدمها مجلس الأمن الدولي في قراراته، وذلك بصورة شبه حَرفية، مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة تدعم التوصل إلى "حل عادل ودائم ومقبول من المغرب والبوليساريو من شأنه أن يضمن حق تقرير المصير لأبناء الصحراء الغربية". غير أن وزارة الخارجية أسقطت كلمة "سياسي" التي وردت في قرار الأمم المتحدة إلى جانب عبارة "حل مقبول". قد يعني ذلك تراجُع الدعم المغربي لعملية تقودها الولايات المتحدة، نظراً إلى أن المغرب يدعم عادةً الإشارات إلى اتفاق سياسي كبديل عن تنظيم استفتاء حول تقرير المصير. حتى تاريخه، دأبت الأمم المتحدة على إدراج هذه الجملة الأساسية في مختلف القرارات الصادرة سابقاً عن مجلس الأمن الدولي، إنما ثمة مؤشراتٌ خفية بأن تفسيرها لم يعد متوقّفاً على الإبقاء على خطة الحكم الذاتي التي وضعها المغرب أو على ضمان الحق في تقرير المصير عن طريق استفتاء نهائي.
إذاً لا يجب النظر إلى محادثات جنيف الأخيرة بأنها تحمل تغييراً جوهرياً في مواقف الأطراف، بل يجب إدراجها في سياق الجهود الأميركية لتصوير بعثة المينورسو بأنها نموذج عن الخلل الذي تعاني منه الأمم المتحدة وعملياتها لحفظ السلام. إلا أنه ليس واضحاً كيف يمكن أن تُغيّر إدارة ترامب تفويض المينورسو ووظائفها العملانية أو تحدّ منها من دون إحداث خلل في التوازن الذي يساهم في الإبقاء على الوضع القائم الراهن. لطالما سعى المغرب إلى جعل بعثة الأمم المتحدة تقتصر على التفويض العسكري (أي الحفاظ على وقف إطلاق النار) من دون أي إشارة إلى تقرير المصير، في حين أن جبهة البوليساريو ترغب في بقاء البعثة على حالها، لا سيما في ما يتعلق بالدعم الذي تقدّمه من أجل التحضير لإجراء استفتاء حول تقرير المصير، ومهامها الإضافية المتمثلة بوضع تقارير عن التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الصحراء الغربية، لا سيما حقوق الإنسان. من شأن أي تغيير في الوضع القائم أن يؤدّي إلى رجحان كفة الميزان بسهولة لمصلحة المغرب أو البوليساريو.
وفي جانب مهم، قد يشكّل الحد من إمكانات بعثة المينورسو تهديداً للاستقرار والأمن في المنطقة. على سبيل المثال، قد يقرر المغرب زيادة إنفاقه الدفاعي ووجوده الأمني في الصحراء الغربية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى تصعيد خطير من الجانبَين. هذا فضلاً عن أن خفض التمويل للبعثة يؤدّي أيضاً إلى تراجع الاستثمارات في التنمية المحلية. وهذا يتعارض مع التزام إدارة ترامب، عن طريق "استراتيجية أفريقيا الجديدة"، باستخدام أموال المساعدات بطريقة أكثر فعالية، ومع اهتمام بولتون المعلَن بوقف هدر الموارد على إطالة أمد نزاعات مجمّدة إلى ما لا نهاية، وتحويلها نحو التنمية الاقتصادية.
في حين أنه يمكن ترشيد بعثة المينورسو كي تعكس الوقائع المتغيِّرة على الأرض وتحتضن الوساطة المفتوحة، بإمكان النفوذ الأميركي أن يمارس بفعالية أكبر ضغوطاً على جوانب أخرى تحمل عدداً أقل من المخاطر غير المبررة. وقد يشتمل ذلك على الطلب من المغرب أن يوضّح كيف ينوي تطبيق خطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية في سياق خطته التجريبية لتحقيق اللامركزية (لا سيما وأن جميع مناطقه الإدارية غير محاذية لحدود الصحراء الغربية)، أو على طرح مسألة التمثيل الفعلي للصحراويين في جهتَي خط وقف إطلاق النار.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
جاك روسولييه أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العسكرية الأميركية، ومحرر مشارك في كتاب "وجهات نظر عن الصحراء الغربية: الأساطير والقومية والجيوسياسة" (Western Sahara: Myths, Nationalism and Geopolitics) (رومان أند ليتلفيلد: نيويورك، 2014).