تعتزم الحكومة في المغرب منع جمعيات المجتمع المدني من مقاضاة مختلسي الأموال العمومية من خلال المصادقة على مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي يتضمن مادة تحول دون ملاحقة الجمعيات لناهبي المال العام، الأمر الذي تعتبره هذه الجمعيات خرقا للدستور، ومحاولة للتغطية على الفاسدين.
فقد صادقت الحكومة في أواخر شهرآب/ أغسطس الماضي، على مشروع القانون الجنائي في انتظار إحالته إلى البرلمان، متضمنا المادة رقم 3 التي أثارت جدلا حقوقيا وسياسيا شديدا، وهي المادة التي تفيد بأنه "لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من رئيس النيابة العامة..".
إقصاء أم تنظيم
قبل إضافة هذه المادة القانونية المُقصية للمجتمع المدني، كانت الجمعيات تستطيع مقاضاة المشتبه في اختلاسهم المال العام، ونجحت في غير مناسبة في ذلك. فقد تم اعتقال وسجن مسؤولين منتخبين بتهم اختلاس أموال عمومية، بناء على دعاوى وشكاوى جمعيات حماية المال العام، من قبيل محاكمة الوزير السابق محمد مبديع الرئيس السابق لمدينة الفقيه بن صالح، بسبب شكاية قدمتها إلى القضاء الجمعية المغربية لحماية المال العام.
تسوغ الحكومة تحديد وحصر قائمة الجهات والهيئات التي يمكنها أن تدفع بالفاسدين ومختلسي المال العام إلى القضاء، وإبعاد جمعيات المجتمع المدني، بما وصفته ب "تمييع الشكايات جراء تكاثر جمعيات حماية المال العام، وأيضا إلى استغلال هذه الدعاوى في الابتزاز وتصفية حسابات سياسية"، وهي المبررات التي وردت أكثر من مرة على لسان وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي. غير أن الجمعيات المعنية ترد بأنه ليست كل الجمعيات تمارس هذه السلوكيات، وبأنه يتعين محاسبة كل جمعية تمارس الابتزاز ، لكنه يتعين بالمقابل وجود مجتمع مدني حي ومنظم يؤدي الأدوار المنوطة به في مواجهة الفساد.
وفي استقراء لمآل هذا الأخذ والرد، ولاسيما بعد اعتماد المادة 3 من مشروع القانون الجنائي، فمن المرجح أن تتقوى أدوار القضاء والنيابة العامة وأجهزة التفتيش لمختلف الإدارات والوزارات بشكل أكبر في رصد مختلسي المال العام، وهو أمر إيجابي ومطلوب لتقوية دعائم دولة الحق والقانون، غير أن الإشكالية التي قد تطرحهنا تتعلق بمدى قدرة هذه الجهات على مقاضاة مسؤولين سواء معينين أو منتخبينممن ينتمون إلى السلطة أو الأغلبية الحكومية.
علاوة على ذلك، قد يؤدي انفراد مؤسسات رسمية بعينها بملاحقة مختلسي المال العام إلى نوع من التهميش لأدوار ومهام جمعيات المجتمع المدني التي تنشط في رصد وفضح ناهبي المال العام وأصحاب الثروات غير المشروعة، حيث إنه لن يعود بإمكانها الترافع بوصفها طرفامدنيا في ملفات محاربة الفساد، وستكتفي بالتنديد والمطالبات دون أن يفضي ذلك بالضرورة إلى تعاملها قضائيا مع تلك الملفات، ما يعني انتكاسة قوية لأدوار المجتمع المدني في رصد الفساد ومرتكبي جرائم نهب المال العام.
اتهامات بخرق الدستور
يرى حماة المال العام في المغرب أن سعي الحكومة إلى إقرار المادة الثالثة المذكورة يعد "خرقا للنص الدستوري"، حيث يفيد الفصل 12 من الدستور المعدل سنة 2011، بأن "جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون، وتسهم في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية.."
تقول هذه الجمعيات إن المؤسسات الحكومية الرسمية لا تقدم لها يد العون من خلال منحها المعطيات والبيانات اللازمة في ملفات جرائم المال، وبكونها تعمل على تجريد المجتمع المدني والجسم الحقوقي من حق التصدي للفساد ولصوص المال العام بالمغرب.
ويبدو أنه بعد التوجه الحكومي نحو حصر قائمة الذين يحق لهم مقاضاة مجرمي المال العام، ستجد الجمعيات المدنية المشتغلة في مجال حماية المال العام، نفسها مضطرة لتصعيد احتجاجاتها في الشارع لإسماع صوتها لدى المؤسسات الوصية والمعنية بملفات جرائم المال.
تأزم أشد حدة
في الوقت الذي تتطلع فيه الحكومة إلى أخذ ملف جرائم المال بيد من حديد، ولا تترك مجالا للعديد من الجمعيات التي تتخذ من هذه الشكاوى والملفات مورد رزق لها عبر الابتزاز والمساومة أو تصفية الحسابات، فإن الجمعيات خصوصا الجادة منها تؤكد أنها لن تدخر جهدا في فضح المفسدين بكافة الطرق المتاحة.
تتوزع مواقف الأحزاب السياسية بشأن المادة 3 إلى ثلاثة أقسام؛ أحزاب الأغلبية الحكومية، وهي تساند ما ذهب إليه وزير العدل، مدعمة خيار اعتماد هذا القانون، وهناك أحزاب تؤيد الحكومة رغم أنها لا تشارك فيها، فضلت الصمت حيال هذا الموضوع، بينما رفضت أحزاب المعارضة ما تعتبره إقصاء للمجتمع المدني عن ممارسة أدواره الدستورية.
يترقب حماة المال العام مصير المادة القانونية المثيرة للجدل عندما تعرض على البرلمان المغربي خلال الدورة الحالية، إذ يُتوقع أن تثير سجالات حادة بين الأغلبية والمعارضة، لكنها ستؤول إلى المصادقة عليها من طرف البرلمان، استنادا إلى الغلبة العددية للأغلبية الحكومية.